رواية ليتني لم أحبك الفصل الحادي والثلاثون 31بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية ليتني لم أحبك الفصل الحادي والثلاثون 31بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايات
#الفصل_الواحد_والثلاثون
#رواية_ليتني_لم_أحبك
#الكاتبة_شهد_الشورى
لا تنسوا ذكر الله ❤️✨
.........
اندفعت اللكمات بين آسر وحسام بعنف، كان حسام يتلقى النصيب الأكبر من الضربات، بسبب خبرة آسر في القتال، إضافة إلى الغضب والغيرة التي اشتعلت بداخله، جعلته كالإعصار الذي يصعب إيقافه
في اللحظة نفسها، هبط المصعد وخرج منه أيهم وفريد، ليتفاجآ بالمشهد المشتعل أمامهما، ركضا فورًا ليفصلا بين الاثنين، فيما كان حسام يلهث غاضبًا، يصيح في وجه آسر مهددًا :
وديني ما هعديلك اللي حصل، ما بقاش حسام عبد الشكور إن ما رميتكش في السجن
ابتسم آسر بسخرية، يحاول الإفلات من قبضة فريد الذي يمنعه من التقدم نحو خصمه :
العب بعيد يلا، مش لو خرجت من هنا عايش أصلاً
صرخت رونزي بحدة، صوتها يتقطع من الغضب :
بس كفاية، بأي حق تمد إيدك عليه بالشكل ده، إيه اللي دخلك أصلاً.....ناسان همجي بصحيح
التفت إليها آسر بعينين يتطاير منهما الشرر، الغيرة تشتعل بداخله، ودفع يد فريد بعيدًا :
غوري من قدامي دلوقتي، عشان أنا عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي
قبل أن ترد، شق صوت أكمل المكان وهو يقترب على عجل، بعدما جذب الشجار أنظار سكان البناية جميعًا، ومعه سمير الذي بدا مصدومًا من رؤية أخته وسط هذا الموقف :
بس منك ليه، يه اللي بيحصل هنا بالظبط.....؟؛؛
اقترب سمير من رونزي، يسألها بقلق :
رونزي، فيه ايه مالك ؟؟
لكنها تجاهلته تمامًا، وصبت غضبها على آسر :
انت بأي حق تتدخل وتعلي صوتك عليا، مين سمحلك تقرب ليا، ايه صفتك في حياتي غير إنك مجرد صاحب أخويا وبس
زفرت بحدة، وعيناها تلمعان بمزيج من الحزن والخذلان :
مفيش أي حاجة تديك الحق إنك تتصرف بالهمجية دي، أنا مش عايزاك ولا عايزة أشوفك، كفاية اللي عملته فيا لحد كده، ابعد عني وعن حياتي.......انا بكرهك
ارتجف صوته الداخلي وهو يسمع الكلمة الأخيرة، لكن قبل أن يتمكن من الرد، لاحظ سمير شحوب وجهها واضطراب وقفتها، فاقترب منها بسرعة، يمسكها قبل أن تتهاوى :
رونزي، انتي كويسة....؟؛؛؛
همست له بصوت واهن، متعب :
خدني من هنا
لم يتردد، حملها بين ذراعيه وهو يطمئنها قائلاً:
تعالي معايا
غادرت وهي تبتعد عن نظرات آسر، تاركة خلفها فراغًا يثقل صدره، وقف في مكانه كالمسمر، عاجزًا عن ملاحقتها، وكأن الكلمات التي قالتها كانت أقسى من أي لكمة تلقاها في حياته حتى تهديد حسام قبل ان يغادر لم يصل إلى أذنه
طلب أكمل من السكان العودة لشققهم، معتذرًا منهم، معللاً أن ما يحدث أمر عائلي، ثم اقترب من آسر بوجه مكفهر :
ليه اللي بيحصل بالظبط؟ أنا عايز أفهم كل حاجة حالاً
لم يجبه آسر، لم يسمع من الأساس، ناداه أكمل بغضب حتى انتبه أخيرًا، ورد عليه بفتور :
نعم يا عمي
كرر أكمل سؤاله بحدة :
انت عملت إيه للبنت....؟!!!!
لم يجد آسر جوابًا، فقبض أكمل على ذراعه بقوة وسحبه إلى مكتبه، غادر أيهم وفريد، يتبادلان النظرات المليئة بالدهشة والفضول لما سمعاه من رونزي
في المكتب، ما إن انتهى آسر من سرد ما حدث، حتى صرخ أكمل فيه بغضب :
مستني منها إيه بعد اللي عملته؟! رايح تتصرف بالطريقة الهمجية دي، ده إنت لو قاصد تكرهها فيك مش هتعمل أكتر من كده
قال آسر بصوت مبحوح، زالحزن يكسو ملامحه :
والله يومها ما كنتش عارف بقول إيه، غضبي عماني، اتهورت وقولت كلام مش من قلبي، انا بحبها والله، صح، في الأول
قربت منها عشان أعرف معلومات، بس بعدين حبيتها، واتأكدت إنها ملهاش علاقة بالشغل ده، وشلت كل الأفكار من دماغي......بس هي مش عايزة تسمعني
خفض رأسه، وعيناه تلمعان بدموع يأبى أن يتركها تسقط :
هي معاها حق في اللي بتعمله، لو كنت مكانها، كنت هعمل أكتر من كده ومش هصدق برده، بس قلبي مش قادر يستحمل بُعدها، ولا الكره اللي بتبص لي بيه كل ما عيني تيجي في عينها، أنا عاذرها وفي نفس الوقت مش قادر أستحمل، كل اللي عايزه إنها تسمعني.....وتعذرني
زفر أكمل بضيق، ولم يجد ما يقوله، اقترب واحتضن ابن أخيه، فبادله آسر العناق، بثقل الحزن وقلة الحيلة، لا يعرف كيف يمحو ما كان !!
............
في صباح اليوم التالي، غادرت رونزي منزل شقيقها بعد أن قصت له بكل ما جرى ليلة الأمس، أخبرته أن حسام لم يكن سوى صديق قديم، تعرفت عليه منذ سنوات حين جاءت في زيارة لمصر، وأن ما حدث لم يكن إلا تمثيلية اتفقت معه عليها، أرادت فقط أن تثير غضب آسر، ليواجهها باللوم، لكنها استقبلت عتابه بصمت.......ثم رحلت
رحلت بالفعل، لكن قلبها كان مثقلاً، وعقلها غارق في ضباب من الأفكار المتشابكة، وعلى باب البناية، التقت به صدفة توقف آسر للحظة، ينظر إليها بعينين يملؤهما العتاب الصامت لم ينطق بكلمة، بل اكتفى بأن يشيح بوجهه عنها ويغادر كلماتها في الليلة السابقة كانت كسكين اخترق صدره، مزقت قلبه، وأوجعته أكثر مما ظنت، اتخذ بداخله قراره سينفذ ما أرادت، سيبتعد عنها، ولن يتدخل في حياتها بعد الآن، إن كان هذا ما يمنحها الراحة
رحلت هي الأخرى إلى منزلها، وأغلقت الأبواب على نفسها يومين كاملين، لم تتواصل مع أحد، تحاول استعادة أنفاسها بعد عاصفة أنهكت روحها، وفي اليوم الثالث، ذهبت مباشرة إلى الإدارة، وقد اتخذت قرارًا حاسمًا لقد ألغت الشكوى التي قدمتها ضده، ودفنت فكرة الانتقام، قررت أن تعيش لعملها فقط، وأن تحاول نسيانه بمرور الأيام، رغم يقينها أنها لن تستطيع أن تغفر له ذلك اليوم الذي جرحها فيه بكلماته سيبقى حاضرًا في ذاكرتها إلى الأبد، كجرح مفتوح لا يلتئم
أما هو، فقد وصله خبر إلغائها للشكوى، كان الأمر مفاجئًا، لكنه لم يغير قراره، ما إن استلم عمله من جديد، حتى بدأ في إجراءات نقله إلى محافظة أخرى، بعيدًا عن الجميع، وبعيدًا عنها، أراد أن يمنحها وقتًا ومسافة، آملاً في أن تشتاق إليه، وربما تمنحه فرصة أخرى
لكنها، في الجهة الأخرى، كانت غارقة في تعب روحي لا يوصف، أنهكتها الخيبات المتكررة، وكثرة الخذلان من أقرب الناس، وفي قلبها صراع مرير بين حب لم تمت جذوره، ورغبة في أن تذيقه الألم ذاته الذي تجرعته على يديه، كانت تعرف أن هذه الحرب الداخلية لن تتركها بسلام، وأن الفراق، رغم قسوته، قد يكون أهون من استمرار النزيف !!!!!
............
بعد يومين، كان أكمل يجلس في مكتبه ينتظر قدوم أيهم وفريد ليخبرهما بشروطه، وبعد لحظات، دخلت حنان بخطوات هادئة قائلة :
ايهم وفريد وصلوا يا اكمل
أومأ لها بصمت، فتابعت بتحذير :
اكمل والله لو حطيت شروط صعبة عليهم أو وقفت الجوازة وعملت حركة من حركاتك، هزعل منك جامد، وحياتي عندك كفاية لحد كده بقى
ابتسم قائلاً بغموض :
اما اشوف
رد عليها بحزم :
مفيش حاجة اسمها أما أشوف، في حاجة اسمها هتتفقوا على كل حاجة النهاردة
زفر اكمل بضيق، قائلاً :
خلاص يا حنان، قولتلك هشوف، خمسة وهطلعلهم
نظرت له برجاء أخير ثم خرجت لتُعد مشروب الضيافة، أما أكمل، فما إن دخل عليهما، وقف الاثنان بدورهما فأشار لهما قائلاً بصرامة :
اقعدوا
جلسوا بصمت، فأخذ نفسًا عميقًا وقال بجدية :
انا موافق على جوازكم من بناتي.....بس عندي شروط الأول
سأله فريد بهدوء :
اتفضل
صمت أكمل لحظة ثم قال بهدوء :
اول حاجة، بناتي مش هيبعدوا عني
رد عليه ايهم بسخرية خفيفة :
مش هناكلهم يعني ولا هنخطفهم، تقدر تشوفهم في اي وقت حضرتك تحبه
ابتسم أكمل بسخرية مماثلة قائلاً :
هفضي ليكم شقتين في العمارة، تسكنوا فيهم هنا تحت عيني
اتسعت نظرات أيهم بغيظ، هذا القرار من حقه هو وتيا فقط، في تلك اللحظة دخلت حنان تحمل القهوة، وما إن سمعت ما قاله زوجها حتى بدا الضيق على ملامحها، خاصة بعدما رأت الرفض يكسو وجوه أيهم وفريد، فقالت بهدوء حاسم :
اكمل، خلي موضوع السكن ده هما يتفقوا عليه سوا، يمكن جيانا وتيا يرفضوا
رد عليها أكمل بجدية :
ايه اللي يخلي بناتي يرفضوا يسكنوا جنبي، إلا بقى لو حد فيكم هو اللي الرافض
ثم نظر لأيهم وفريد، ليرد عليه ايهم بضيق وعناد :
اول حاجة القرار ده يخصني أنا وتيا مش حضرتك، وبعدين... أنا مش عاوز أسكن هنا، أنا عاوز أعيش في القصر مع عيلتي
رفع أكمل حاجبيه، وقال متحديًا :
وفرضًا بنتي اختارت تعيش هنا ومش حابة تعيش في القصر......هتجبرها ع العيشة هناك ؟؟
رد عليه ايهم بصرامة :
ساعتها القرار يخصني أنا وهي، سواء اتفقنا أو اختلفنا، هنوصل لحل وسط في الآخر، ومش هيحصل غير اللي يرضيها، لكن ده موضوع بيني وبينها بس....مش حد تاني
ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتي أكمل، ثم نظر لفريد وسأله :
وانت رأيك إيه؟
رد عليه فريد بهدوء تام :
انا مش فارق معايا غير جيانا، كل اللي هي تختاره أنا هعمله، لو مرتاحة هنا أنا ما عنديش مانع، أنا أصلاً مش باقي على القصر باللي فيه، لو هعترض على فعترض لأن الموضوع ده خاص بيا انا وهي، احنا اللي نحدد سوا مكان يناسبنا
أراد أيهم أن يغير الموضوع ليُثبت أنه متمسك بموقفه، فسأله بجدية :
الشرط التاني إيه....؟!!!
صمت أكمل لثوانٍ ثم قال بجدية صارمة :
اي حاجة تملكوها انت وهو، هتتكتب نصها باسم بناتي، مش عشان الفلوس، بناتي مش محتاجينها، بس عشان لو جيه يوم زعلتوا بناتي او لعبتوا بديلكم، تفكروا ألف مرة، ان قصاد ده هتخسره شقاكم وتعبكم، من الآخر يعني هكون ماسكم في ايديكم اللي بتوجعكم
لم يتردد فريد ورد على الفور :
جيانا هي نقطة ضعفي الوحيدة....هي ايدي اللي بتوجعني، مش الفلوس، أنا عملت فلوس كتير، لكن عندي استعداد أحطها كلها تحت رجليها لو ده يرضيها ويخليها تسامحني، لو ده ضمانك عشان تطمن، فأنا هكتبلها كل اللي املكه مش النص بس، لأني واثق إني عمري ما هزعلها تاني، مش هزعلها لأني معنديش استعداد اخسرها زي زمان
لم يتأخر أيهم هو الآخر في الرد بنفس الثبات، والصدق :
كل اللي عندي ما يساويش لحظة واحدة أعيشها جنب بنتك أنا حبيتها بجد، والفلوس اللي عاوزني أكتبها باسمها عمرها ما خلتني مبسوط زي ما كنت مبسوط وأنا معاها، حتى لو يوم انبسطت بفلوسي شوية، سعادتي وقتها ما تجيش حاجة جنب سعادتي مع بنتك، أنا مش عاوز أخسرها، بحبها، ومش بس أحط لها فلوس، دي لو طلبت روحي فداها....انا موافق
سأله فريد بهدوء :
حضرتك خلصت شروطك ولا فيه لسه كمان ؟؟
أجابه أكمل ببرود :
مفيش فرح قبل سنة، وخلال السنة دي عيني هتكون عليكم، لو شفت بناتي زعلانين مرة واحدة بس.....مفيش جواز
رد عليه ايهم بضيق :
سنة؟!.....ليه نستنى سنة بحالها ؟؟
ردد أكمل بصرامة :
ده اللي عندي
تدخلت حنان قائلة بضيق :
سنة كتير اوي يا اكمل، خلينا نفرح بالبنات بقى، العمر بيجري
ساد الصمت للحظات قبل أن يقول أكمل فجأة :
ولو رجعوا لعبوا بديلهم تاني....؟!!!!
رد عليه أيهم بلهفة وهو يرفع يده وكأنه يقسم :
أقسم بالله ما يحصل، وافق انت بس، وأنا أطلق الستات كلهم بالتلاتة ماعدا بنتك طبعًا
ابتسم اكمل قليلًا، ثم قال بعد تفكير :
خلاص الفرح بعد خمس شهور
هتف الاثنان معًا بتذمر :
كتير
رد عليهما بجدية حاسمة :
ده اللي عندي. وكلمة كمان.....هيبقى بعد سنة
تدخل فريد قائلاً بلهفة :
طب نكتب الكتاب
رفض أكمل بحدة، ليتدخل أيهم بضيق :
ليه بس؟
رد عليه أكمل وهو يحدق فيه بغضب وغيرة :
تكتبوا الكتاب وتفضل تقل أدبك وتقول مراتي ومعرفش ايه لا يا حبيبي......كتب الكتاب يوم الفرح
تمتم أيهم بغيظ غير راضٍ، فانتبه له أكمل وسأله بصرامة :
بتقول حاجة
ابتسم أيهم ابتسامة صفراء، ثم قال :
بدعيلك يا حمايا
تنهد أكمل ثم قال بجدية :
تجيبوا عيلتكم وتيجوا بعد تلت ايام، نقرأ الفاتحة وتطلبوا البنات رسمي
أومأ فريد موافقًا رغم لهفته لرؤية جيانا، ثم قال بهدوء يحاول ان يخفي شوقه حتى لا يغار اكمل ويرفض :
طب ممكن نقعد معاهم نتفق على موضوع السكن ده ؟؟
كان أكمل على وشك الرفض، لكن قاطعته حنان مبتسمة وهي تتجه نحو السلم :
طبعًا يا حبيبي، لحظة هقولهم حالاً
زفر أكمل بضيق، لكنه التزم الصمت، وبداخله ينوي على شيئًا اخر !!!!!
...........
بعد وقت، كانت جيانا تجلس مع فريد في هدوء، يتحدثان بشأن مكان سكنهما بعد الزواج
قالت بتردد وهي تطرق بصرها للأسفل :
بصراحة، انا مش بحب القصر ده، دخلته كذا مرة بس بحس انه كئيب.....مفيهوش روح يا فريد
ابتسم فريد برقة وهو يراقب ملامحها :
يعني حابة نعيش هنا في العمارة، ولا في مكان تاني
سألته بهدوء :
طب انت حابب ايه ؟؟
أجابها بابتسامته الساحرة :
اللي انتي عايزاه هعمله، نا في الحالتين مكنتش هقدر اعيش في القصر ده، مش حابه من الأساس يا جيانا
اومأت برأسها، ثم ابتسمت قائلة بهدوء :
يبقى خلاص، نسكن في العمارة هنا
ابتسم هو بدوره، لكن نظراته غرقت في وجهها بتأمل وهيام، ليهمس بحرارة لم يستطع كتمانها :
يارب الخمس شهور دول يعدوا من غير مشاكل، ويعدوا بسرعة، لأني حرفيًا هموت واتجوز
ضحكت بخفوت، بينما قلبها يخفق بقوة من صراحته واندفاع مشاعره، واستمر الاثنان في الحديث طويلًا، يتنقلان بين موضوعات صغيرة وتفاصيل يومية، لكن كلمات فريد لم تخلُ أبدًا من التعبير عن شوقه العارم وعشقه الكبير لها، كأن وجودها بجواره هو الحياة كلها
...............
على الناحية الأخرى، كان أيهم يجلس أمام تيا، يرمقها بعينين يفيض منهما الشوق، قبل أن يقول بابتسامة عاشقة :
وحشتيني أوي
احمر وجهها خجلًا، لكنها ولأول مرة تتنازل عن صمتها وتهمس بصوت خافت وهي تخفض رأسها :
وانت كمان
لا يصدق انها تفوهت واخيرًا بشيء فنطق لسانه بصدمة :
ده بجد ولا انتي هنجتي !!!!!
نظرت له تيا بغيظ وخجل، وقالت :
ايهم اتلم
ابتسم هو بتساؤل مازحًا، يحاول استفزاز خجلها أكثر :
طب قوليلي، انتي كمان ايه.....؟!!!
لم تجب، واكتفى هو بالتأمل في تورد وجنتيها، يهمس بعذوبة وهيام :
تعرفي إنك بتبقي حلوة أوي لما بتكسفي، خدودك وهي محمرة كده زي التفاح، بتخليني عاوز اكلها أكل
اشتعل خجلها أكثر، فحاولت أن تغير مسار الحديث سريعًا :
ماما قالتلي إن الفرح بعد خمس شهور، وإنك عايز تتكلم معايا في موضوع ان احنا هنعيش فين بعد كده
أومأ لها بابتسامة عريضة، وهو يقول بحماس :
يارب يعدوا بسرعة، عشان أنا على آخري، بصي يا ستي، عندك تلت اختيارات نعيش في قصر العيلة، أو في بيت في العمارة هنا، أو نجيب فيلا أو بيت أي مكان تختاريه
سألته بهدوء :
طب انت حابب إيه....؟!!!
تردد قليلًا ثم قال :
انا مش عايز أقول عشان متفكريش إني بفرض عليكِ حاجة
قاطعته قائلة بحزم رقيق، وعقلانية :
قول، ونتناقش سوا، مش يمكن رأيك يعجبني، او يلفت نظري لحاجة انا مكونش واخدة بالي منها
ابتسم ايهم فخورًا بها، وبحديثها، قائلاً :
انا كنت عايز نسكن في القصر، مع جدي وبابا وعمي وعمتي، عشان ميكونوش لوحدهم، فريد عايز يعيش بره القصر لأنه ليه ذكريات مش كويسة هناك، فمينفعش إحنا الاتنين نسيبهم لوحدهم، هيزعلوا، دي كانت وجهة نظري، لكن لو عليا مش عاوز اخطيه، القصر بقى كئيب اوي
ابتسمت له تيا قائلة بصدق :
عندك حق، مش حلوة نسيبهم كده، انا مبسوطة انك فكرت فيهم قبل نفسك، مهما كان اهلنا ليهم حق علينا، بس انا كل اللي طلباه لو هنسكن هناك تكون لينا خصوصية مش اكتر
اومأ لها سريعاً وهو يقول :
اكيد طبعًا حقك
ثم نظر إليها متسائلًا بابتسامة :
طب وانتي قوليلي وبصراحة، ومن غير ما يكون كلامي ضغط عليكي.....حابة نعيش فين؟!!!
ردت عليه قائلة بخجل شديد :
المهم اني هكون معاك
نظر يمينه، ويساره بزهول، ثم عاد ينظر إليها يسألها بصدمة :
انتي بجد بتكلميني انا !!!
اصطبغت وجنتيها بحمرة قانية، بينما هو ابتسم بهيام، لو كانت زوجته لفعل الافاعيل الآن لكن صبرًا
تناقش معها قليلاً بموضوع السكن، استقرا الاثنان بالأخير على القصر، رغم انه بداخله كان يتمنى بيتًا خاصًا يمنحهما خصوصية أكثر، بعيدًا عن ذلك القصر الكئيب لكنه مجبر حتى لا يترك عائلته وحدهم خاصة والده !!!!
بعد لحظة صمت، ترددت تيا ثم سألته بصوت خافت يحمل قلقًا دفينًا :
ايهم.....
نظر لها بتركيز وهو يبتسم ليستمع إليها، فتابعت بارتباك :
مي، مختفية بقالها فترة، مش بتيجي الجامعة، وكل ما بسأل عليها محدش يعرف عنها حاجة
ابتسم ببرود قائلاً :
يعني
ازدادت ارتباكها، فسألته بتوجس :
انت ليك ايد في اختفائها ده....؟!!!!
رد عليها بهدوء :
متشغليش بالك انتي بواحدة زيها
نطقت اسمه بتحذير، لتتأكد من شكوكها، فقال مرة أخرى بلهجة قاطعة :
قولتلك متشغليش بالك، دي بت زبالة، وانا حذرتها كذا مرة، بس ما سمعتش الكلام
تجمدت ملامحها، تسأله بارتباك :
هي عملت حاجة تاني؟!!
تنهد أيهم، يستعيد ذكرى قديمة، قبل أن يقول :
يمكن اللي حصل مؤخرًا خلاكي تنسي، فاكرة يوم ما اتهمتيني بالخيانة ورفضتي تسمعيني لما أبوكي حبسنا
أومأت بتوتر، فهي بالفعل كانت قد نسيت تلك الواقعة وسط الأحداث الأخيرة، لكنه لم ينسى، فتابع حديثه بجدية :
روحت الجامعة، فتحت الكاميرات، شوفتك واقفة مع بنت غريبة في اليوم ده قبل ما تروحي، راقبت البنت دي لحد ما عرفت إنها قابلت مي، رجالتني عرفوا إن مي هي اللي حرضتها تعمل عليكي التمثيلية دي عشان تسيبيني، كانت عايزة تنتقم مني
فتحت تيا عينيها مصدومة، ثم همست بقلق :
عملت فيها ايه....؟!!!!!
رد عليها ببرود متعمد :
خيرت أبوها بين حاجتين يا إما يسفرها بره البلد ومترجعش تاني، يا إما أنا أربيها بطريقتي
اتسعت عيناها، وسألته بزهول :
باباها وافق كده بسهولة ؟؟
ابتسم أيهم بثقة وقال :
حبيبتي، متستقليش بيا، أنا عارف حاجات ممكن تودي أبوها في داهية، هو مكنش قدامه غير يسمع كلامي، محدش يقدر يعارض ايهم الزيني
بقيت صامتة، الصدمة تسكن ملامحها، وهو يتابع بهدوء :
كان لازم أبعدها عن حياتنا، مش عارف كانت ممكن تعمل ايه تاني يفرقنا عن بعض، اللي زيها بيكونوا مؤذين، وانا اخاف عليكي منها !!!!
تنهدت بعمق، ثم قالت بحزن :
انا بجد مصدومة فيها....
حاول ان يمسك يدها لكنها جذبتها، فقال بابتسامة اسرت قلبها المغرم به :
صدقيني، متستاهلش لحظة زعل، دي واحدة أنانية، حقودة، مبتحبش غير نفسها، سيبك منها......وركزي معايا أنا
لم تتمالك نفسها من الضحك بخجل، فمد يده برفق يمسك وجنتها بأصابعه، يهمس بهيام :
هو في جمال كده يا ناس
ارتبكت بشدة، فنهضت مسرعة إلى غرفتها، تفر من غزله الذي يربك قلبها، بينما هو ظل جالسًا يتنهد بعمق، يدعو الله أن تمر الخمسة أشهر القادمة بسرعة كما تمر الخمسة أيام
غادر أيهم بعد قليل برفقة فريد، وقلب كل منهما مفعم بالسعادة، فقد تحدد الموعد المنتظر، الموعد الذي سيجمع كل حبيب بحبيبته، بعد طول انتظار
.............
بعد مرور يومين، كان فريد قد اتفق مع أكمل أن يشتري منه شقة أخرى في البناية لتكون منزلًا لشقيقته ووالدته، ليكونوا قريبين منه، فقد نجحت ديما في الثانوية وحصلت على تقدير كبير أهلها لدخول الكلية التي طالما حلمت بها "كلية الألسن" حينها قرر فريد أن تنتقل مع والدتها لتكملا حياتهما بجانبه في الإسكندرية، ليظل مطمئنًا عليهما
وقف أمام بناية أكمل النويري بعدما تأكد أن كل شيء أصبح جاهزًا، وما إن وصلت السيارة التي جاءت بهم من القاهرة، حتى ركضت ديما لترتمي بين ذراعيه قائلة بسعادة واشتياق:
وحشتني، وحشتني
بادلها العناق بحنان أخوي واشتياق مماثل :
انتي كمان وحشتيني يا حبيبتي
كل ذلك وهما غافلان عن جيانا التي كانت عائدة من عملها، لتتفاجأ بالمشهد، رمقتهما بغضب وغيرة، وما إن التفت فريد ورآها حتى كاد أن يشرح، لكنها أدارت وجهها ومضت مسرعة لحق بها وأمسكها قائلاً بغيرة :
جيانا، رايحة فين.....؟!!!!
صرخت عليه بغيرة وغضب :
ابعد عني، وخليك انت مع الشقرا دي حب فيها براحتك
ضحك محاولًا تهدئتها :
يا مجنونة، اهدي
حاولت دفعه وهي تقول بحدة :
ابعد عني
فأمسكها بإحكام حتى لا ترحل، وقال بسرعة :
دي....ديما، ديما أختي الصغيرة
تجمدت في مكانها تنظر إليه بصدمة، فأكد سريعًا :
آه والله، أختي الصغيرة، مش أنا كنت حكيتلك عنها قبل كده
أومأت قائلة بخجل وحرج :
آه....بس مكنتش شوفت صورتها
اقتربت ديما منها، قائلة بابتسامة سعيدة :
انتي العروسة....؟؟؟
ابتسمت جيانا بخجل وهي تومئ لها، لتحتضنها ديما بحماس قائلة :
حلوة اوي يا ابيه، ذوقك يجنن
ردت عليها جيانا بابتسامة صافية :
مفيش أحلى منك
عرف فريد جيانا على ديما وزينب، وكاد الجميع أن يصعدوا للأعلى، لكنهم توقفوا فجأة على وقع صوت صفير من الخلف لم يكن سوى رامي، الذي قال بغزل وهو يرمق ديما بهيام :
القمر نزل من السما وقرر يزورنا ولا ايه، مين الصاروخ الاشقر
زفرَت جيانا قائلة بحدة :
رامي اتأدب !!
لاحظ رامي نظرات الأربعة المصوبة نحوه بحدة، لكنه تابع بمرح :
في ايه يا جماعة، انا واحد بيحب يبدي إعجابه بأي حاجة جميلة، مش ذنبي اني بقدر الجمال
أمسكه فريد من ملابسه بحدة كأنه يمسك لصًا :
عينك يالا، دي اختي
أجاب رامي بمرح وعيناه لا تفارق ديما :
طب ما أنا سيبتك تاخد أختي، سيبني أخد أنا القمر دي، كده يبقى تعادل، انت اتجوزت أختي وأنا اتجوزت أختك
ردت عليه جيانا بسخرية :
دي أكبر منك يا أهبل
نظر لديما قائلاً بمرح وإصرار :
ما عنديش مانع، اهو بالمرة نجدد نسل العيلة ونجيب عيال مزز وشُقر
نظرت ديما له باشمئزاز وهي تقول بسخرية :
هو ده أخوكي يا جيانا
أومأت لها جيانا قائلة بأسف مصطنع :
للأسف، آه
ردت عليها ديما ببرود وسخرية :
فعلاً لازم تتأسفي، اصله باين عليه هايف، حتى معاكساته قديمة أوي
غمزها رامي بعينيه، قائلاً بمرح :
طب ما تعلميني المعاكسات الجديدة انتي يا قمر، ده انا حتى حلو، ويجي مني وبتعلم بسرعة
صرخ عليه فريد بحدة وهو يدفعه بعيدًا :
غور ياض من هنا، بدل ما اتغابى عليك، بتعاكس اختي قدامي؟!
أجابه رامي بابتسامة بلهاء :
مش أحسن ما أعكسها من وراك وأخد سيئات...؟؟
رمقه فريد بحدة أكبر، فتابع رامي متهربًا بمرح :
خد بس إنت المزة اللي معاك، والست العسل دي من هنا، وسيبني أنا مع القمر ده نتفاهم سوا
ضحكت ديما بخفوت، فتنهد رامي وهو ينظر لها بهيام :
هيييح.....عسل، وضحكة عسل يا ناس
وما إن رأى فريد يقترب منه والغضب يشتعل في وجهه، حتى بدأ يركض وفريد يصرخ عليه بحدة :
خد هنا يالا، الله لأضربك !!
ركض رامي مبتعدًا وهو يصرخ :
اهدى بس يا أبو النسب، احترمني شوية، ده إحنا يمكن نبقى نسايب من تاني قريب.....آآه
خرجت منه آآه عالية أعقبها صرخات استغاثة، بعدما وقعت قبضة فريد عليه وأخذ يبرحه ضربًا، بينما انفجر الآخرون ضاحكين عليهما !!
...........
في اليوم التالي، تعرف أكمل وعائلته على زينب وديما وأحبوهما كثيرًا داخل منزلهم الجديد، انشغلت ديما مع فريد في بعض الإجراءات الخاصة بتقديمها للجامعة، بينما بقيت زينب في المنزل، تجلس على الأريكة، تتلو آياتٍ من القرآن بصوتها العذب، الذي يملأ المكان بهدوء وسكينة
لكن سرعان ما قُطع ذلك الصفاء برنين جرس المنزل، فأغلقت المصحف برفق، ونهضت متجهة نحو الباب، فتحته لتتفاجأ بوجهٍ غاب عنها سنوات طويلة، انه "محمد الزيني" الرجل الذي كان يومًا حياتها، ثم صار جرحها الأكبر
وقف أمامها بتوتر، وصوته يتلعثم وهو يقول :
ازيك يا زينب....؟!!
نظرت إليه ببرودٍ قاتل، وكأن السنين صنعت حول قلبها جدارًا صلبًا :
نعم يا محمد، خير
أشار بيده إلى الداخل متردّدًا :
ينفع أدخل ؟؟
حركت رأسها نافية، وكلماتها حادة كالسيف :
محدش في البيت، ومينفعش تدخل، وبعدين ما اظنش ان فيه حاجة نتكلم فيها انا وانت
ابتلع ريقه بتوتر، وأجاب بخفوت :
لا، فيه يا زينب
تردد للحظة، عينيه تهربان من نظراتها التي تفضحه، ثم تمتم بصوتٍ منكسر :
انا.....انا عارف إني ظلمتك، وكنت أناني، واخترت نفسي ظلمتك إنتي وبنتي معايا كتير اوي
توقف، وكأن الكلام يخونه، أما هي، فابتسمت بسخرية تحمل كل مرارة السنين :
عايز تقول سامحوني مش كده !!
أومأ مرتبكًا، بينما وجهها بقي جامدًا لا يلين، وصوتها حاسم لا يعرف رجوعًا :
ردي اني مش مسمحاك يا محمد ولا هسامحك طول عمري، ده بالنسبة ليا، أما بالنسبة لبنتك، اهي عندك روح اسألها، وصلك ردي كده خلاص
نظر إليها بعينين مثقلتين بالندم، كمن غرق في بحر لا خلاص له :
أنا ندمان يا زينب، وهعمل أي حاجة عشان تسامحينيؤ انتي عارفة اني عمري ما حبيت غيرك
قهقهت بسخرية مرة، ونطقت بالحق الذي طالما تهرب منه :
لأ يا محمد، انت محبتش غير نفسك.....نفسك وبس
أخذت نفسًا عميقًا، ثم أطلقت كلماتها بحدة :
انا خلاص مبقتش عايزاك، ولا هسامحك، ولا حتى عايزة أشوفك في حياتي، ياريت تمشي.....ماترجعش تاني
مد يده ليمنعها من إغلاق الباب، قائلاً بتوسل :
زينب.....أرجوكي، انا كل اللي طالبه منك فرصة اخيرة بس
رمقته بحدة، قائلة بصدقٍ قاسٍ :
فرصك خلصت من زمان يا محمد......
خلصت في كل مرة كانوا بيخيروك بيني وبين حاجة تانية وكنت بتبيعني
خلصت في كل مرة كنت بنام فيها ودموعي على خدي
خلصت في كل مرة كنت ببقى نايمة وشايلة هم هعيش إزاي أنا وبنتي
خلصت لما كنت اشتغل واشقى واروح من هنا لهنا عشان أعرف أربي بنتي ومخليهاش تحتاج لقمة من حد رغم ابوها ان ابوها عايش على وش الدنيا، ابوها اللي باعها......وباعني
ابتسمت بسخرية مريرة، ثم قالت، قبل أن تخطو إلى الداخل وتتركه خلف الباب :
دلوقتي جاي طالب السماح بس بعد ايه، بعد ما العمر جري، بعد ما كسرت كل حاجة بينا، جاي بعد ما خسرت كل حاجة، جايلي بعد ما عيشت سنين عمرك كلها في حضن دولت، جايلي يا محمد بعد ايه...... عارف حتى لو لسه بحب، فأنا بقولك مش عاوزاك !!!!
قالت الأخيرة، ثم اغلقت الباب في وجهه، وقف محمد مكانه، يتجرع مرارة الهزيمة، تنهد بثقل، والندم ينهش قلبه، لقد أدرك الحقيقة أخيرًا أن أنانيته جعلته يخسر كل شيء
خسر ابنه، وابنته التي لم يرها إلا مراتٍ تُعد على أصابع اليد، وخسر المرأة الوحيدة التي أحبّته بصدق، تركته الوحدة عاريًا من كل سند، ولم يبقَ له سوى نفسه.....
نفسه التي فضلها على الجميع.....
نفسه التي لم تعُد تنفعه !!!!!
لقد صار وحيدًا، والسبب لم يكن إلا هو
بينما بالداخل كانت زينب تبكي بقهر، لقد جاء ولكن ما الفائدة !!!!!
كم مرة كان بإمكانك أن تختارني؟
كنت هناك دومًا... خلفك، بجانبك، أمامك،
أمد يدي بصمت، أبتسم رغم انكساري، وأنت لا ترى
مضى العمر يا هذا،
سنين شقاءٍ وسكوت،
أحلام أودعتها الرفوف لأبقى بجانبك،
وكلما اقتربتُ خطوة، ابتعدتَ أنت ميلاً
واليوم، حين أنهكني التعب، وغزا الشيب روحي،
جئتَ تطلب رضاي؟
جئتَ كأن شيئًا لم يكن؟
كأن قلبي لم يُكسر ألف مرة؟
كأنك لم تتركني أُصارع العالم وحدي؟!
تأخرت…
تأخّرت كثيرًا،
فأنا لم أعد تلك التي كانت تنتظر
لا، لم أعد كما كنت…
أنا التي كانت تراك وطنًا، صرتُ بلا وطن،
أنا التي بكت لأجلك، ما عادت تبكي،
ولا تعاتب…
فالعُتب لمن نرجو بقاءه،
وأنت، كنت أوّل الراحلين 💔
............
مرت الأيام، ثم تبعتها الشهور مسرعةً، حتى انقضى خمسة أشهر بدت لفريد وايهم وكأنها خمس سنوات كاملة، خطبتهما انتهت بحفلٍ عائلي صغير، كما رغبت الفتيات، ليبدأ بعدها الاستعداد الجادّد لحياة جديدة
فريد كان أكثرهم حماسًا، اشترى شقة في البناية التي يملكها أكمل، وتولت جيانا بنفسها فرشها وتزيينها، يدًا بيد معه، حتى تحول المكان إلى عش جميل سيجمعهما قريبًا
أما ايهم، فاختار هو الآخر أن يُقيم في البناية نفسها، بعد ان أدرك صلاح أن القصر الكبير يحمل ذكريات سيئة لأبنائه واحفاده، قرر أن يُغلق أبوابه إلى الأبد، ذلك البيت العتيق لم يكن سوى مرآة للماضي الذي لا يُطاق، فابتاع منزلًا جديدًا في البناية ذاتها، ليكون قريبًا من بناته وأحفاده !!
رحب أكمل بالفكرة، بل وأسند لهم الطوابق الثلاثة أسفل شقته، فصار المبنى وكأنه حصن صغير يجمع شمل الجميع تحت سقفٍ واحد
لقد اصبحت بناية اكمل النويري مسكن لجميع عائلة الزيني !!
في تلك الفترة، كان آسر غائبًا، انغمس في عمله، ولم يعد إلى الوطن سوى مرة واحدة، يوم خطبة جيانا وتيا، حضر كالغريب ورحل سريعًا، متجنبًا النظر إليها، كما تجنبته هي، كأن صمتهما كان أبلغ اعتراف بالجرح الذي لا يندمل، الحزن والاشتياق كانا حليفهما
أما سمير وهايدي، فكانا الاستثناء الجميل، حياتهما مضت مستقرة، يغمرها الحب والطمأنينة، حتى جاء الخبر الذي قلب كل شيء إلى سعادة عارمة هايدي كانت حاملًا منذ أربعة أشهر، يومها كاد سمير أن يطير من فرط الفرح، جُن كطفلٍ يصرخ في كل زاوية من البيت انه سيصبح ابًا !!!!
............
في ليلة الحنة للعروس وحفلة توديع العزوبية للعريس، غص بيت أكمل بأصوات الغناء والضحكات، تتسلل عبر النوافذ لتشق سكون الليل حتى ساعات الفجر الأولى، الفتيات كانوا يرقصن بمرح على الأغاني الشعبية، تتمايل أجسادهن بخفة، فيما علت ضحكاتهن مع كل حركة طريفة من هايدي التي لم يمنعها بطنها المنتفخ من أن ترقص وتشاركهن الفرح
أما الشباب فقد اجتمعوا في منزل آسر، الذي عاد من سفره صباح ذلك اليوم، وبينما قضى أكمل سهرته في الطابق السفلي مع صلاح وجمال ومحمد، جلس فريد وإيهم في شقة آسر مع الشباب، يتناهى إلى مسامعهما ضجيج الاحتفال من الأعلى
تمتم ايهم بتذمر :
نفسي أطلع أتفرج دلوقتي ماليش دعوة
ثم تابع بمكر :
ما تيجي نطلع على السور ونعمل........
قاطعه فريد قائلاً بضحكة ساخرة :
اركن على جنب بأفكارك المجنونة دي، واستحمل، بكره يا أخويا تتجوز وتتفرج براحتك، اجمد شوية، ولا نسيت كلام خالي
تغيّر وجه إيهم وهو يتذكر تهديد اكمل في بداية الحفلة، حين قال بصرامة :
ـأنا هقول كلمتين اسمعوهم. أنا عارف إنكم عيال سافلة وما تربيتوش، عشان كده لو شفت رجل كلب منكم خطت الشقة عندي، أو حتى فكرتوا تبصوا للبنات، قسمًا بالله ألغِي الفرح بكره، ولا يهمني، أقعد زي الجزمة أنت وهو محترمين
ضغط إيهم على أسنانه بغيظ، لكنه صبّر نفسه، فالغد قريب، وغدًا ستصبح له رسميًا، ولن يمنعه أحد منها، ونفس الأمل كان يملأ صدر فريد الذي لم يصدق أن ساعات قليلة فقط تفصله عن حلمه الذي طالما راوده
كانت ليلة سعيدة للجميع، باستثناء آسر ورونزي، فبينما غرق الجميع في الفرح، كانا هما يغرقان في صراعٍ صامت، هي تحبه، لكن قلبها ما زال مثقلًا بالخذلان، لا تستطيع أن تعفو بسهولة، وهو يعشقها، لكنه لا يعرف كيف يستعيد ثقتها بعدما أضاعها بتهوره !!!!
انتهت تلك الليلة، وطل اخيرًا اليوم المنتظر.....
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا