رواية نسمه متمردة الفصل التاسع عشر والعشرين والواحد وعشرون بقلم أمل مصطفي حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية نسمه متمردة الفصل التاسع عشر والعشرين والواحد وعشرون بقلم أمل مصطفي حصريه في مدونة قصر الروايات
#نسمه -متمردة
#بقلمي -أمل -مصطفي
#البارت- التاسع -عشر
***********
وصل نادر عند الفجر.
دلف إلى الداخل بهدوء، ووجد الجميع نيامًا. تسلل بصمت حتى لا يوقظ أحدًا. رآها نائمة على الكنبة، ودموعها لا تزال على وجنتيها. اقترب منها وظل يتأملها.
همس بحب:
"وحشتيني يا لمار..."
أعطى ظهره لأخته، ثم انحنى يقبّل وجنتها وهمس بجوار أذنها:
"اصحي يا لمار، أنا جيت."
فتحت لمار عينيها، وحين رأته أمامها، ارتمت في أحضانه وبكت بألم.
أغمض نادر عينيه بقوة، فهو يقترب من فتاة بهذه الطريقة لأول مرة. همس لها:
"فين إسدالك؟"
جذبها معه إلى الخارج.
سألته وهي تسير إلى جواره:
"إحنا رايحين فين؟"
ضغط على يدها بحب، وفتح شقة أحمد ودلف إلى الداخل. جذبها إلى أحضانه بقوة:
"آه يا لمار، لو تعرفي وحشتيني قد إيه... كنت هتجنن وأشوفك."
تورّد وجهها بحمرة الخجل، ولم تستطع الرد.
استكانت في أحضانه، وكان يعتذر لها عن تقصيره في حقها.
ابتعد عندما شعر بفوران مشاعره، وقال:
"آسف يا لمار... دي مشاعر جديدة عليا، اتولدت بيكي، وعشانك إنتِ بس."
أجلسها على الكنبة وهو ما زال يحتضنها، وظلّا يتحدثان حتى غفوا في أحضان بعضهما.
**********
وقفت نسمة أمام المرآة تسرّح شعرها.
وفجأة، سمعت للمرة الأولى صراخ حنين، صراخًا هزّ أركان المكان. ركضت بسرعة إلى خارج الغرفة.
كان مروان في مكتبه، وما إن سمع الصراخ حتى خرج مسرعًا هو الآخر.
رأى شاهي تقف أمام حنين، ووالدته تحاول تهدئتها، لكنها لم تستجب. حتى مروان، بكل حضوره وهيبته، لم يستطع تهدئتها.
نزلت نسمة الدرج بسرعة، وقد نسيت تمامًا ما ترتديه. كانت ترتدي چيب جلدي قصيرفوق الركبة، و توبًا من نفس الخامة، بلون أحمر ناري. كان شعرها منسدلًا بنعومة، يزيد من جاذبيتها.
جلست على ركبتيها لتكون في مستوى حنين، وأخذت تبحث في جسد الصغير عن أي موضع قد يؤلمها.
وعندما لم تجد شيئًا، احتضنتها بحنان العالم كله. هدأت الطفلة وسكنت بين يديها.
لكن نسمة لم تلحظ تلك العيون التي كانت تتابعها بصمت، بدهشة، وصدمة.
لم يكن يتخيّل أن تلك الفتنة المتحرّكة تخفي خلف ملابسها الفضفاضة هذا الجمال الطاغي.
جسدها كان منحوتًا بطريقة تبهر الأعين، وذلك الرداء كان يرسم معالمه بإثارة خفية.
تواري خلف الحائط، لا يريد أن يعلم أحد بأنه رآها في تلك الهيئة المذهلة.
**********
وفي مكان آخر، كان مروان يتحدث بغضب اشتعل في صدره بسبب حالة ابنة أخته:
— "إيه جابك هنا؟ مش إنتهينا من الموضوع ده خلاص؟!"
اقتربت منه وهي تتحدث بدلال:
— "جايه أشوف حبيبي... اللي مش بيسأل على حبيبته."
ثم أردفت، وقد تغير نبرتها إلى الحقد:
— "موضوعنا صعب ينتهي... أنا مش ممكن أسيب واحدة زي دي تاخدك مني، مهما حصل. حتى لو اضطريت... أقتلها!"
هجم عليها مروان، وأمسك بذراعها بقوة، فتألمت، وهمس لها بشراسة:
— "جربي بس تقربي منها... ويكون آخر يوم في عمرك. فاهمة؟"
ثم دفعها بقوة، فسقطت أرضًا.
**********
حاولت نسمة الوقوف وهي تحمل حنين، لكنها صرخت بقوة وجثت أرضًا من جديد.
التفت لها مروان سريعًا عندما سمع صرختها، وسأل بقلق:
— "مالك يا نسمة؟"
أجابت بدموع:
— "مش قادرة أقف... رجلي بتوجعني جدًا."
نظر مروان إلى قدمها، فوجد الدماء تغطي الأرض حولها. انحنى نحوها بخوف:
— "أنتِ اتخبطتي في رجلك؟"
هتفت باكية:
— "مش عارفة... لما سمعت صرخة حنين اتفزعت، ومش عارفة إيه حصل!"
أخرج مروان منديلاً وبدأ يمسح قدمها برفق، لكنها صرخت من شدة الألم.
فزع مروان عندما رأى قطعة زجاج كبيرة مغروسة في قدمها، فحملها فورًا بين ذراعيه:
— "ماما، اتصلي بالدكتور مصطفى بسرعة!"
لكن صوته توقف عندما سمعها تقول:
— "استنى... عايزة حنين معايا."
ردّت سهير بهدوء:
— "أنا هطلّعها."
لكن نسمة رفضت بعناد:
— "لا، هاخدها معايا."
قامت سهير برفع حنين إلى حضن نسمة، التي ضمّتها بقوة رغم الألم.
وفي الخلف، كانت شاهي تراقبهم بنظرات مليئة بالحقد والكره.
التفتت إليها سهير بابتسامة باردة:
— "أظن وجودك معدش ليه لزوم... اتفضلي بره."
ردّت شاهي، ونبرة الحقد تتقطر من صوتها:
— "عارفة إنك فرحانة... لأنك أخيرًا اتخلصتي مني.
بس صدقيني... فرحتك مش هتطول."
************
---
كان يعمل باجتهاد شديد على اللاب أمامه، يحاول إنهاء كل أعماله، عندما رن هاتفه. نظر إلى الشاشة، فوجد رقم "شهد" يضيء. رد بسعادة:
— "السلام عليكم، إزيك يا شهد؟ أخبارك؟"
جاءه صوتها الهادئ:
— "الحمد لله... أنا قلت أتصل بيك بدل ما أنت مش عايز تطمّن عليّ."
ردّ بحب:
— "أبدًا يا حبيبتي، بس والله مشغول."
سألته بإحباط:
— "يعني مش فاضي نتعشّى مع بعض؟"
وقف أحمد فجأة، غير مصدّق:
— "بجد؟ أنتي هنا؟ في شرم؟!"
هتفت بسعادة:
— "آه، لسه واصلة حالًا... ها، فاضي ولا؟"
بدأ يجمع أشياءه بسرعة وهو يقول:
— "ثواني... وأكون عندك."
*********
انتظرته شهد نصف ساعة بتوتر.
وحين أتى، قابلته بابتسامة كبيرة، وتمنت لو تضمه وتشعر بدقات قلبه.
أما هو، فاحتضنها بعينيه... بنظرة عاشق ولهان.
اقتربت منه، وهمست:
— "وحشتني يا أحمد."
هتف بعشق:
— "وإنتي أكتر... يا قلب أحمد."
ضحكت وقالت:
— "أنا بحب الكلمة دي منك، بحس إني ملكت العالم... ما تحرمنيش منها."
ابتسم لها:
— "أنا بقولها عشان قلبي عارف إنه عايش... بسبب حبيبته اللي بيستناه."
قالت برجاء:
— "أوعي تتنازل عني يا أحمد، مهما واجهت."
نظر لها بحنان:
— "أنا عمري ما هسيبك مهما حصل... حتى لو اضطرّيت أخطفك ونبعد خالص عن الكل.
ما تتخيليش أنتي بالنسبالي إيه... وما أتحمّل بعدك إزاي."
ثم سألها بفضول:
— "أنتي جاية مع مين؟"
أجابته بخوف من رد فعله:
— "لوحدي."
نظر لها بحدّة:
— "نعم؟ يعني إيه لوحدِك؟!"
قالت مترددة:
— "ما كانش حد موجود في الفيلا من يومين... قلت أجي أشوفك، ركبت العربية وجيت."
وقف يتحدث بغضب:
— "يعني سايقة كام ساعة لوحدِك بالليل؟!
افرضي حصلّك حاجة؟ أو قابلك شباب ضايقوكي زي قبل كده؟
هيكون إيه العمل؟
اللي حصل ده غلط...
لو ماكنتش مقدّر مجيئك، كنت سبتك ومشيت!"
شعرت بالخوف من غضبه، وزاد توترها من فكرة تركه لها، فهتفت بحزن:
— "أنا آسفة، والله مش هكررها تاني... بس ماتزعلش."
لم تجد منه ردًا، وأدار وجهه عنها إلى الجهة الأخرى.
تحدثت وهي تبكي:
— "لا، أوعى تخاصمني... زعّقلي، اضربني،
بس بلاش تخاصمني... أرجوك!"
رقّ قلبه لدموعها، فقال مستأنفًا الحديث:
— "خلاص يا شهد، ما تعيطيش...
بس دي آخر مرة تتصرفي لوحدِك.
أنا خايف عليكي."
أومأت برأسها، وقالت:
— "أنا عارفة، ومش هكررها تاني...
ومش أنا اللي أمد إيدي على واحدة!
تخيلي... حبيبتي ومراتي."
***********
دلف نادر ولمار إلى بيت والده، فوجد والده ووالدته يجلسان في الصالة.
سأله والده متعجبًا:
— "أنت رجعت إمتى؟... وإنتِ نزلتِ إمتى يا لمار؟"
تورّد وجه لمار من الخجل، ولم تعرف ما تقوله.
تدخل نادر سريعًا وقال:
— "أنا جيت من ساعتين، ولقيتها بتعيّط... فاخدتها تتمشى شوية علشان تهدّى."
قالت والدته بأسى:
— "آه يا حبيبي، من ساعة ما عرفت الخبر ودموعها ما نشفتش."
اقترب نادر من والدته، فاحتضنها وقبّل رأسها، ثم صافح والده وقبّله أيضًا.
قال والده بحنو:
— "حمد الله على السلامة يا حبيبي."
أجابه نادر بابتسامة:
— "الله يسلمك يا بابا... معلش، ماجبتش حاجة للبنات،
بس أول ما يصحوا هاخدهم وأجبّهم كل حاجة نفسهم فيها."
رد والده بسعادة:
— "ربنا يخليك لينا يا حبيبي."
قالت لمار بهدوء:
— "أنا هدخل أجهز الفطار."
ابتسم لها نادر، ثم التفت إلى والده وقال:
— "أنا عايزك يا حج بعد الفطار... في موضوع."
*********
وضعها مروان على السرير بهدوء واهتمام، حتى لا تتألم، ثم قال مطمئنًا:
— "حبيبتي، الدكتور على وصول."
تكلمت من بين دموعها، بصوت خافت:
— "ممكن إسدالي... وشراب؟"
ساعدها مروان في ارتداء إسدالها، ثم سألها بتعجّب وهو يرفع الشراب بين يديه:
— "بس الشراب ليه؟ ورجلك كده؟"
***********
هتفت بهدوء وثقة:
— "واحدة هلبسها في رجلي السليمة... والتانية هقص كعبها وألبسها في رجلي المصابة.
عشان لما الدكتور يرفع رجلي، جسمي ما يبانش."
نظر لها بإعجاب شديد... فقد كانت تهتم بأدق تفاصيل حيائها وتدينها.
وصل الطبيب، وبعد أن كشف على قدمها، قال بأسف:
— "آسف يا مروان باشا، المدام لازم تروح المستشفى. الجرح كبير وعميق، ومحتاج أشعة وتنضيف.
ممكن يكون فيه بقايا زجاج جوّه اللحم، ومش هيبان غير في الأشعة."
************
بعد فترة، كانت سهير وحنين وأيهم يجلسون خارج الغرفة، بينما رفض مروان تركها وحدها.
جلست نسمة على السرير، وكان مروان يمسك يدها بحب وحنان.
قال الطبيب أخيرًا:
— "الحمد لله، كله تمام.
بس طبعًا... ممنوع الحركة لمدة أسبوع أو عشرة أيام.
وده مسكن، لأن مفعول البنج هيروح و هتحسّي بوجع.
وكمان 3 أيام، هاجي أفك السلك."
***********
حملها مروان و توجّه بها إلى الخارج.
تألم أيهم عندما رأى قدمها الملفوفة، لكنه ابتسم ليخفف عنها، وقال:
— "سلامتك يا نسمة."
ردّت بابتسامة خفيفة:
— "الله يسلمك يا أيهم."
وضعها مروان على السرير، وأتت الخادمة بالطعام.
جلس جوارها، وقال برقة:
— "يلا يا حبيبتي، كلي وخدي علاجك."
هتفت بتوتر من قربه:
— "معلش... هاخد العلاج بس."
ابتسم بحنان:
— "ماينفعش يا قلبي، ده مضاد حيوي شديد...
وأنتِ كمان نزفتي كتير."
استجابت له،
وبدأت تأكل، بينما كانت حنين في حضنها، تقوم بإطعامها برقة واهتمام.
أنهت طعامها بهدوء.
اقترب منها مروان، وفي يده الدواء وكوب ماء.
ناولها إياه، وعندما انتهت من شربه، انحنى ليقبّلها، لكنها ابتعدت.
تنهد مروان بضيق. كانت عنيدة، ولم تنسَ أنها تركته منذ الحفلة.
قال بيأس:
— "برضه مصمّمة تبعدي؟"
لم يجد منها ردًا.
ابتعد عنها، وقال ببرود:
— "براحتك يا نسمة."
ثم خرج من الغرفة، تضيق أنفاسه من الغضب.
*********
يتبع
نسمه متمردة
بقلمي أمل مصطفي
البارت العشرون
*********
رن هاتفها، وكان اسم أخيها الصغير "يوسف" يضيء على الشاشة.
فتحت الخط بسعادة:
— "يوسف حبيبي، أخبارك؟"
هتف يوسف بحب:
— "الحمد لله... وحشتيني إنتي وحنين جدًا."
ابتسمت بخبث خفيف:
— "أنا وحنين؟... متأكد؟"
رد بإحراج واضح من مغزى كلامها:
— "آه والله، وحشتيني كتير... بس بابا مش موافق أجي لوحدي."
قالت بحسم:
— "خلاص، أنا هخليه يجيبك من الصبح."
لم يصدق ما سمع، ليهتف بفرحة طفولية:
— "بجد؟!"
قالت نسمة بحنان:
— "بجد... أنا عندي كام يوسف!
قوله إنت بس: نِسمة تعبانة وممنوعة من الحركة لمدة عشرة أيام."
تحدث بقلق:
— "مالك؟ فيكي إيه؟"
طمأنته بصوت هادئ:
— "حاجة بسيطة... دوست على إزازة، ورجلي اتجرحت."
— "سلامتك يا حبيبتي."
— "الله يسلمك... خد، كلم حنين."
أخذت حنين الهاتف وهتفت ببراءة:
— "يوسف حبيبي، وحشتني!"
هتف بسعادة:
— "وإنتي أكتر، يا عيون يوسف... أخبارك إيه؟"
قالت حنين بطفولة صادقة:
— "الحمد لله، بس نِسمة رجليها بتجيب دم كتير."
رد يوسف بلهفة:
— "طيب خلي بالك منها، وإحنا هنكون عندكم... بكرة إن شاء الله."
********"*
دلف مروان في المساء، فوجد نسمة غارقة في النوم، وحنين مستلقية في حضنها.
حمل حنين بهدوء، ووضعها في غرفتها، ثم عاد إلى غرفته.
غير ملابسه، وتأمل نسمة باشتياق، ثم تمدد بجوارها.
ضمها إلى أحضانه، يبحث عن قسط من الراحة.
لقد تمردت عليه منذ ذلك اليوم الذي جرحها فيه في الحفلة.
دائمًا متمردة تغضب وتبتعد، دون أن يعلم سبب هذا البعد،
وكأنها تتفنن في عذابه.
***********
في الصباح، أتت شهد لتزور نسمة، وعندما علمت بما حدث، احتضنتها سهير وقالت:
— "حشتيني يا شهد، كنتي فين؟"
ردّت شهد:
— "كنت مسافرة ولسه راجعة، سلامة نسمة."
قالت سهير بارتياح:
— "الحمد لله بخير وربنا ستر."
ثم قصت لها ما حدث.
قالت شهد بسخرية:
— "ياه يا طنط، دي باردة جدًا، أنا عمري ما حبيتها.
الحمد لله إن مروان اتخلص منها."
********
فاقت نسمة على طرقات في الباب، وجدت نفسها في أحضان مروان.
تأملته وهي تبتسم بحب، فقد اشتاقت إليه، ولكن عندما تذكرت ما حدث، غاضت مرة أخرى.
هزت مروان حين تكرر طرق الباب.
فتح عينيه بابتسامة، وقال:
— "صباح الخير يا حبيبتي، عاملة إيه النهارده؟"
هربت من عينيه وهي تتمتم:
— "الباب..."
توجه إلى باب الغرفة، تناول الطعام من الخادمة، ثم عاد إلى نسمة.
وجدها تستند لتقف، فوضع ما بيده على الطاولة واقترب منها سريعًا، سائلاً:
— "رايحه فين ؟"
ابتعدت وهي ترد:
— "أنا داخلة التواليت."
قال لها مروان وهو يعرض المساعدة:
— "تعالي أساعدك."
رفضت نسمة بحزم:
— "لا شكرًا، أنا أعرف أروح لوحدي."
تحدث مروان بضيق:
— "بلاش عناد يا نسمة، أنتِ ممنوعة من الحركة."
هتفت بتذمر طفولي:
— "ملكش دعوة بيه."
أكملت طريقها، تسند على السرير وهي تتحرك على قدم واحدة، لكنه لم يتركها.
وقف أمامها، ضمها بقوة إلى أحضانه وهمس:
— "ما تبعديش عشان خاطري، مش كل مشكلة تواجهنا تبعدي عني، أرجوكِ."
ثم قبل عنقها.
حاولت منع نفسها من الإستجابة لإعصار مشاعرها، رغم اشتياقها للمساته الناعمة.
تحدث بحنان:
— "طب إسألي حبيبي."
وأشار إلى قلبها، وقال:
— "هيقولك إني مظلوم، و الحصل ده من شدة غيرتي.
أنا ممكن أشك في نفسي، لكن حبيبي لأ."
قبل وجنتيها بنعومة شديدة، ثم قال:
— "بلاش بعد كده تحرميني منك."
**********
اجتمعت العائلة في فيلا مروان، وكان الجميع يتحدث بسعادة بعد الاطمئنان على نسمة.
وقف خالد قائلاً بحزم:
— "يلا يا ولاد، كفاية كده على أختكم."
تحدث مروان رافضًا:
— "يلا فين انتوا هتباتوا؟"
قال خالد:
— "لا، إحنا خلاص اطمنا على نسمة."
توسلت نسمة برجاء:
— "لا يا بابا، خليكوا عشان خاطري، أنتم وحشني جدًا."
اقتربت حنين منه وقالت:
— "عشان خاطري يا جدو، بلاش تمشوا."
انحنى خالد وحملها وقبل جبينها قائلاً:
— "خلاص، عشان خاطر حبيبة جدها."
قالت نسمة بمرح:
— "إيه ده؟ إيه ده؟ حنون أخدت مكان نسمة في قلب خالد!"
احتضنهم خالد بحنان، وقال:
— "ما حدش أخد مكان حد، أنتم الاتنين نفس المكان ونفس المعزة."
قام يوسف بسحب حنين وقال:
— "يلا يا حنون، أمرجحك."
**********
سمعت نداء صديقتها، وهي تسألها:
— "رايحة فين يا شرين؟"
أجابت شرين:
— "رايحة أشوف نسمة."
نانسي بتعجب وفضول:
— "هي فعلاً بقالها كام يوم مش بتيجي، ليه؟"
شرين بعدم فهم:
— "هي كلمتني عايزة المحاضرات، قولت أطمن عليها بالمرّة."
باسنت ونهي:
— "إحنا هنيجي معاكي."
نانسي:
— "وأنا كمان."
شرين:
— "غريبة، هتيجي تشوفيها إنتي مش بتحبيها!"
نانسي بحقد:
— "أه، بحسها متكبرة و شايفة نفسها."
باسنت بعدم رضى:
— "مين دي المتكبّرة نسمه دي؟ اسم على مسمى! نسمة، وهي نسمة، ما حدش فينا شاف منها حاجة وحشة أبداً."
شرين:
— "بالتأكيد، أنا ما شوفتش أطيب ولا أحن منها."
نانسي بغيظ:
— "خلاص يا ختي، إنتي وهي غلط في السفيرة عزيزة!"
*********
غار مروان من أحمد، فقال له بلهجة غير راضية:
— "ابعد كده يا بني، هو أنت كل ما تيجي شوية تكوش على مراتي؟ هاعطي أمر للحرس يمنع دخولك الفيلا."
ضحك أحمد بمرح وقال:
— "قلبك أبيض يا أبوه نسب، ده كلها يومين وراجع، مش كفاية بقالي شهر ونص محروم منها!"
مالت نسمة على صدر أخيها بحب وقالت:
— "ربنا ما يحرمنيش منك أبداً يا حبيبي، كفاية إنك سبت شغلك عشاني."
ضمها أحمد بحب أخوي:
— "أنا أسيب الدنيا كلها عشانك يا قلبي."
أما أيهم، وهو يمثل العزف على الجيتار ويدندن:
— "لاااا..."
قالت نسمة:
— "بطل يا فصيل!"
ضحك أيهم وقال:
— "أعمل إيه؟ روميو وجولييت قاعدين قدامي من غير موسيقى تصويرية، حبيت أشارك باللحن."
نسمه بمرح :
— "شايفة يا ماما، عمايل ابن أختك!"
قالت سهير مبررة:
— "معلش يا حبيبتي، أخوك الصغير ولازم تتحمليه."
ضحك أيهم وقال:
— "كده يا سوسو، دأنا حبيبك."
ردت سهير بأمومة:
— "أنت نور عيوني."
صفقت نسمة بيدها وقالت:
— "طيب يلا يا ابني، أنت وهو صحبتي على وصول، ومش عايزة لمة."
شعر سيف بالسعادة، إذ كان يتمنى رؤية شرين، التي حفرت صورتها في قلبه منذ تعرفه عليها في المشفى، فقد جذبه حياؤها وتدينها، وتمنى أن تكون نصيبه.
**********
في التاكسي، مدت شرين العنوان للسائق،
قال السائق:
— "أنا هاخد ١٠٠ جنيه."
بصدمت باسنت، وقالت:
— "ليه يعني؟ لا طبعا، يلا ننزل."
ردت شرين:
— "لا يا باسنت، المكان بعيد وما فيش حد هياخد أقل من كده. هنشارك الأجرة. اتوكل على الله يا أسطة."
وقف التاكسي في حي راقٍ جداً، أمام فيلا أقل ما يُقال عنها رائعة.
شعرت الفتيات بصدمة.
نانسي بزهوْل:
— "معقول عايشة هنا؟"
سألت شرين للسائق:
— "هو ده العنوان؟"
أكد السائق:
— "أه هو."
قالت نهي:
— "مش معقول، اتأكدي عشان ما نتحرجش."
قالت باسنت:
— "مش معقول البنت اللي بنقعد معاها في نفس الكرسي و بنخرج معاها، وقمة التواضع
شديدة الثراء كده!"
أجابت نهي:
— "أه، اتأكد يا شرين، أصل منظرنا هيكون وحش أوي."
اتصلت شرين بنسمة وقالت:
— "أزيك يا نسمة."
ردت نسمة:
— "الله يسلمك، اتأخرتي ليه يا شوشو؟"
قالت شرين بتوتر:
— "أصل أنا واقفة قدام العنوان، بس لقيتها فيلا كبيرة ومش عارفة هي ولا لأ."
ردت نسمة:
— "أه هي. يلا، وأنا هخلي الحرس يدخلك."
قالت شرين:
— "بس أنا معايا البنات."
ردت نسمة:
— "تشرفوا، بس خلي التاكسي يوصلك لحد باب الفيلا."
ثم نادت نسمة:
— "مروان، لو سمحت، أصحابي عند باب الفيلا، خلي الحرس يدخلهم."
رد مروان بابتسامة:
— "أوامر حبيبي."
ابتسمت له نسمة بخجل.
*********
قالت نانسي بحقد، وهي تحدّق من نافذة التاكسي:
— "إيه ده؟ كل دي فيلا؟! لا ده قصر!"
ردت شرين بغيظ وهي ترفع حاجبيها:
— "قولي ما شاء الله! إحنا جايين نطمن عليها، مش نحسدها.
تمتمت بحقد ::
والناس اللي عايشة في مكان زي ده، هيجرالهم إيه؟ ده التاكسي بقاله حبة ماشي ولسه ما وصلناش!"
تبادلت نُهى و باسنت النظرات بضيق، فهما يعلمان جيدًا كم الكره الذي تُكنّه نانسي لنسمة دون سبب واضح.
*******
توقف التاكسي أمام الباب الداخلي للفيلا، ونزل الجميع. فوجئوا بشاب وسيم يقف بانتظارهم. كان مفتول العضلات، يرتدي تيشيرت بنصف كم باللون الأخضر، و شورت أبيض، وحذاء رياضي أبيض.
ابتسم مروان ابتسامة ساحرة وقال:
— "حمد الله على السلامة، نورتونا. اتفضلوا."
ردت شرين بخجل واضح:
— "إزي حضرتك يا بشمهندس مروان؟ إحنا آسفين على الإزعاج."
أجاب مروان بلباقة:
— "أصحاب نسمة يشرفوا في أي وقت، البيت بيتكم. اتفضلوا."
دخلوا ليجدوا نسمة جالسة وهي ترتدي إسدالًا أنيقًا، ثم نهضت سريعًا لتستقبلهم بابتسامة دافئة. حاولت الوقوف حتي ترحب بهم
لحقها مروان بلهفة واضحة، وقال وهو يقترب منها:
— "حبيبتي، ما ينفعش تقفي على رجلك. معلش يا جماعة، نسمة رجليها تعبانة، فاعذروها."
شعرت الفتيات بالخجل من موقفها، أما نانسي، فكان شعورها مختلفًا تمامًا؛ الحقد و الغيرة اشتعلتا في قلبها من لهفة ذلك الشاب الوسيم على نسمة، واهتمامه الواضح بها.
تقدمت الفتيات و احتضنّ نسمة بمحبة:
— "وحشتينا يا نسمة."
ابتسمت نسمة بلطف وقالت:
— "وإنتوا أكتر."
اقترب مروان منها وهمس:
— "حبيبتي، أنا مع أحمد بره، لو عايزة حاجة، رني عليّ."
ثم ترك الغرفة بهدوء، بينما ظلّت نظرات نانسي تلاحقه بحنق مكتوم.
*******
نظرت نسمة إلى نانسي بابتسامة ودودة وقالت:
— "إزيك يا نانسي؟ نورتينا."
بادلتها نانسي ابتسامة مصطنعة وردّت:
— "سلامتك يا نسمة، أول ما عرفت، جيت على طول."
ابتسمت نسمة بلطف:
— "منحرمش منك."
دخلت الخادمة وسألت باحترام:
— "تحبوا تشربوا إيه يا هوانم؟"
ردت نسمه وهي توجه حديثها للخادمة:
— "بُصي يا دادا، اتنين هوت شوكليت، وواحد آيس كريم شوكولاتة و فانيليا."
ثم التفتت نحو نانسي و وأضافت:
— "أنا مش عارفة يا نانسي بتحبي إيه؟"
ردت نانسي بفتور:
— "عصير مانجو."
أكملت شرين:
— "مانجو فريش، و اتنين كابتشينو فانيليا."
سألت الخادمة:
— "أي أوامر تانية؟"
أجابتها نسمة بابتسامة:
— "شكرًا يا دادا."
دخلت حنين وهي تهتف بفرح:
— "ناني!"
تلقتها نسمة بين أحضانها بمحبة:
— "حبيبة ناني! تعالي اتعرفي على صحباتي."
ظهرت سهير من خلف حنين وقالت بلطف:
— "أهلاً وسهلاً يا بنات، شرفتونا."
ردّت الفتيات بأدب:
— "الشرف لينا."
أشارت نسمة قائلة:
— "دي حنين بنتي، ودي ماما سهير، والدة مروان."
ثم واصلت التعريف:
— "ودول يا ماما شرين، و بسنت، ونهى، ونانسي."
مدّت شرين يدها بنسخة من المحاضرات وقالت:
— "اتفضلي يا نسمة، المحاضرات."
أخذتها نسمة شاكرة:
— "شكرًا يا حبيبتي."
سألتها شرين بقلق:
— "مال رجلِك يا نسمة؟"
أجابت نسمة بهدوء:
— "إزازة برفان اتكسرت، ودوست فيها."
علّقت بسنت:
— "مش تخلي بالك!"
تنهدت نسمة وقالت:
— "والله يا بسنت ما كنتش مركّزة خالص، بس الحمد لله."
نظرت إلى نهى ولاحظت صمتها، فقالت بمرح:
— "مالك يا نهى؟ لا أسكت الله لكِ حسًّا."
ردّت نهى مازحة:
— "عيب يا ناني، عايزاني أقعد في مكان زي ده و أتعامل بأسلوبي؟ ده أنا اتفضح!"
ضحكت شرين وقالت:
— "والله أول مرة تقولي حاجة عدلة!"
***********
اقترب أحمد من مروان وقال بجدية:
— "مروان، أنا عايزك في موضوع مهم."
رد مروان بهدوء:
— "طيب، تعال نتكلم في المكتب."
لكن أحمد هزّ رأسه رافضًا:
— "لا، مش الوقت."
تدخل أيهم ممازحًا:
— "وليه المكتب؟ ما فيش أسرار علينا! مش إنت انضمّيت للحزب؟"
ردّ أحمد بثقة:
— "طبعًا، ده شرف ليا."
ابتسم مروان وقال مدافعًا عنه:
— "ملكش دعوة بأحمد، ده عنده مبادئ وأخلاق."
رفع أيهم حاجبيه باستهجان وقال بنبرة ساخرة:
— "إيه ده؟ قصدك إنّي ما عنديش أخلاق؟ والله لشتكيك لنسمة!"
ضحك مروان وقال بثقة:
— "لا يا حبيبي، أنا راجل قوي في بيتي، ومش بخاف."
علّق سيف ضاحكًا:
— "عشانك راجل، لازم تخاف من مراتك... ما هي دي الموضة!"
انفجر أحمد ضاحكًا وقال:
— "الحمد لله، مش بمشي على الموضة."
ابتعد أيهم عنهم، متظاهِرًا بالضيق.
سأله مروان بقلق:
— "مالك يا أيهم؟ أوعى تكون بتحس واتضايقت من كلامي؟"
ابتسم أيهم ابتسامة خبيثة، وبعد أن ابتعد بمسافة كافية، قال بمرح:
— "أبدًا... كنت رايح لنسمة، أعرّفها إنك كنت مع شاهي، وأحمد كان بيغطي عليك!"
تبادل أحمد ومروان نظرات القلق، وقد اتسعت أعينهما من الفزع تجاه ما قد يكون ردّ فعل نسمة.
غمز سيف وقال بمكر:
— "والله ده مجنون، و يعملها... بس مش مشكلة، إحنا رجالة ومش بنخاف."
وانطلق أيهم يركض نحو الداخل، يضحك بصوتٍ عالٍ وهو ينادي:
— "نسمة!"
صرخ أحمد وهو يتجه نحو الداخل بسرعة:
— "يلا نلحقه، دي نسمة تزعل!"
أجاب مروان بضيق وهو يركض خلفه:
— "إنت هتقولي؟ أختك ما بتصدق تزعل!"
سيف يضحك وهو يركض خلفهم قائلاً:
— "يا عيني على الرجالة لما تتبهدل!"
دخل أيهم إلى الفيلا وهو ينادي بصوت مرتفع:
— "ناني... يا ناني، إلحقيني!"
التفتت إليه نسمة وهي تضحك قائلة:
— "عملت إيه تاني يا أيهم؟"
ردّ عليها بمرح وهو يضع يده على صدره:
— "طب إنتِ تعرفي عني كده برده؟ ده أنا ملاك! بس مش عارف أخوكي وجوزك ليه قرشين ملحتي... يمكن عشان واد مِز!"
قالها ضاحكًا، غير مدرك أن كل هذا يجري تحت أنظار الفتيات.
شعرت شرين بالخجل و خفضت نظرها، أما بسنت ونُهى فقد تبادلتا الابتسام.
أما نانسي، فقد ظلت تحدّق في أيهم بدهشة؛ وسامته اللافتة وجسده الرياضي أربكاها.
لحظات وظهر أحمد، يتبعه مروان وسيف، الذي توقف عن الضحك فجأة عندما رأى شرين، معذبته، تخفض نظرها بحياء. خفق قلبه، فأيهم دائمًا ما يكون محط أنظار النساء.
قال أحمد ومروان في صوت واحد وهما يدخلان:
— "ما تصدقيش أيهم يا نسمة!"
ضحكت نسمة بدهشة وقالت:
— "هو ما قالش حاجة! ده أيهم ملاك!"
ردّ مروان بغيظ وهو يرمق أيهم بنظرة تحذير:
— "وما يقدرش يقول حاجة... وإلّا هيكون آخر يوم في عمره!"
*********
يتبع
نسمه متمردة
بقلمي أمل مصطفي
البارت ال٢١
************
قال أحمد ومروان في وقت واحد:
— "ما تصدقيش كلامه يا نسمة."
أجابت نسمة ببساطة وهي تنظر لأيهم:
— "هو ما قالش حاجة، ده أيهم ملاك."
ردّ مروان بتهديد صريح:
— "ومش هيقدر يقول حاجة، وإلا هيكون آخر يوم في عمره."
نظرت إليه نسمة بتعجب من طريقته وقالت:
— "يبقى فيه حاجة حصلت! في إيه يا أيهم؟"
ضحك أيهم بمرح وقال متصنعًا البراءة:
— "يا ختاااايي، عايزاني أقول إيه؟ أنتي مش شايفة بيبصلي إزاي؟ يا عيني عليك يا أيهم، كنت وسيم وصغير... ما كانش يومك يا حبيبي."
ضحكت نسمة على طريقته وقالت:
— "ما تخفش، أنت معاك رجالة، عطيتك الأمان."
اقترب منه أحمد ومروان بحذر، وسيف كان يتابع الموقف وهو يضحك بصمت.
قالت نسمة بتهديد مازح:
— "والله لو ما تكلمتش، لأرجعك فرنسا على أول طيارة!"
أيهم، وهو يرفع حاجبيه بمرح:
— "لا، وعلي إيه؟ قلبك أبيض. شاهي عايزة تجيلك."
أكد أحمد كلامه وهو يهز رأسه:
— "شُفتي؟ يعني الموضوع مش مستاهل."
ضحكت نسمة وقالت:
— "عيب يا أحمد باشا، بتضحك على أختك؟! دي أنا تربيتك، بس هعدّيها... لأني عندي ناس لو خدتوا بالكم..."
ثم نظر سيف إلى شرين قائلاً بابتسامة لطيفة:
— "إزيك يا آنسة شرين؟ أخبار طنط إيه؟"
أجابته شرين بخجل واضح:
— "الحمد لله، بخير يا بشمهندس سيف... يلا يا بنات، اتأخرنا."
ردت نسمة برفض:
— "لا والله، لازم تتغدوا معانا."
شرين هزّت رأسها معتذرة:
— "ما ينفعش يا نسمة، عشان ماما لوحدها."
— "هي لما تعرف مش هتقول حاجة. والله لو كنت قادرة، كنت حضرت الغداء بنفسي... بس تتعوض."
قاطعتها نانسي بجرأة مفاجئة:
— "مش تعرفينا يا نسمة؟"
رمقتها الفتيات بنظرات ضيق وحرج، فابتسمت نسمة وقالت:
— "آه طبعًا. ده مروان جوزي، وده أيهم ابن خالته وعايش معانا، وده سيف صديق العيلة، وده أحمد أخويا."
قالت نانسي بدلال:
— "وأنا نانسي."
ردّ الشباب بتحية لبقة:
— "أهلاً وسهلاً، اتشرفنا."
مالت بسنت على نُهى وهمست:
— "إيه ده؟ إحنا دخلنا مسلسل تركي؟ هو فيه كده؟! هما دول منين؟"
ردّت شرين بهمس وهي تغالب ضحكتها:
— "الله يخرب بيتكم... هتفضحونا!"
في لحظة عفوية، غمز مروان لأحمد، فهاجموا أيهم وحملوه، ثم ألقوه في حمام السباحة وسط ضحكات الجميع، الذين لم يستطيعوا التوقف عن الضحك على هيئته المبللة.
*********
قالت نَسمة لمروان بلطف:
— "إحنا هنخرج الجنينه."
رد أحمد بحماس:
— "طيب، يلا."
لكن مروان التفت بسرعة، وقال بغيرة واضحة:
— "رايح فين يا عم؟"
أحمد، وقد بدت عليه علامات التعجب، قال:
— "هشيلها."
فأجابه مروان برفض قاطع وهو يقترب منها:
— "لا، ابعد إنت. أنا اللي هوديها."
توقف أحمد، ونظر إليه بذهول:
— "في إيه يا مروان؟ دي أختي!"
رد مروان بضيق حاد:
— "حتى لو بنتك... محدش يشيل مراتي غيري. ابعد كده!"
ضحك الجميع على غيرته العلنية، فيما جلست نانسي في مكانها تنظر إليهم بحنق، وقد شعرت بلعنة تُدعى "نَسمة" التي دائمًا ما تحصل على كل شيء جميل. توعّدت في داخلها أنها ستحصل على مكانها، فهي — كما تعتقد — ملفتة بلبسها وجريئة في تعاملها.
*******
انتهى الغداء، وقامت شرين استعدادًا للرحيل. عرض عليهم سيف أن يُوصِلهم في طريقه، فرحبت نَسمة بالفكرة، لكن شرين اعترضت بلطف.
قال سيف بإصرار:
— "مش أنتم هتروحوا في تاكسي؟ خلاص، اعتبريني التاكسي."
قالت شرين بإحراج:
— "لا، العفو."
فقالت نَسمة برجاء:
— "عشان خاطري يا شرين، أنا كده هطمن أكتر."
---
جلست نانسي جوار سيف في السيارة، وظلت تتحدث في مواضيع كثيرة، متعمدة الحديث بدلال علّه يلتفت إليها، لكنه كان شاردًا ونظرته، معلقة بتلك التي خطفت قلبه من أول لقاء.
أوصل سيف الجميع إلى أماكن قريبة من منازلهم، ما عدا شرين، التي قالت بهدوء:
— "نزلني هنا يا بشمهندس."
لكن سيف رفض:
— "لا، هنزلك قدام البيت. عايز أطمن على طنط سوسن، ولا إنتِ بخيلة؟"
توترت شرين من طريقته ونظرته وقالت:
— "لا طبعًا، تشرفنا."
توقف بسيارته تحت المنزل، وكان يحمل ما أرسلته نَسمة معهم.
فتحت شرين الباب، ونادت على والدتها:
— "يا ماما!"
أجابت سوسن من الداخل:
— "مالك يا حبيبتي؟"
قالت شرين بإحراج:
— "أبدًا يا ماما، بشمهندس سيف جاي يطمن عليكي."
ابتسمت مدّيحة بفرح:
— "أهلًا وسهلًا يا بني، نورت."
قال سيف بأدب:
— "ده نور حضرتك. أخبار صحتك إيه دلوقتي؟"
أجابت سوسن بلطف:
— "الحمد لله يا حبيبي، بخير. اعملي شاي يا شرين."
رد سيف مازحًا:
— "لا، خليه قهوة مظبوطة."
قالت شرين بخجل:
— "حاضر."
قالت مديحة معتذرة:
— "اتفضل يا بني، معلش البيت زي ما أنت شايف."
ابتسم سيف وقال:
— "لا، ما تقوليش كده... المكان بسكانه."
ردّت مديحة بتأثر:
— "ده من طيب أصلك."
*********
في الشركة، طلب أحمد من السكرتيرة مقابلة مروان
الذي وافق علي إدخاله مباشرا
قابله مروان بابتسامة مازحه :
— "بشمهندس أحمد، منوّرني."
أحمد، وقد بدا عليه التوتر، رد سريعًا:
— "ده نورك."
استغرب مروان من التوتر الواضح على ملامحه، فسأله بقلق:
— "خير يا أحمد، في حاجة؟"
تنهد أحمد بعمق، ثم قال:
— "أنا كنت عايز أطلب إيد شهد... إيه رأيك؟"
رد مروان بفرحة حقيقية:
— "ده يكون من حُسن حظها."
أحمد، وقد غلبه القلق، سأل:
— "تفتكر عمك ممكن يوافق؟ يعني، على واحد لسه بيبدأ مشواره؟"
ابتسم مروان بثقة، وقال بثبات:
— "ويرفض ليه؟ أنت بسم الله ما شاء الله، راجل يتمناه أي حد، ومهندس شاطر. وبعد المشروع ده، هيكون ليك اسم كبير، وغير كده... هتحافظ على بنته. البنت اللي حياتها اتغيّرت من يوم ما دخلتها 180 درجة."
تفاجأ أحمد، وسأل باستغراب:
— "أنت عارف؟"
أجاب مروان وهو يومئ برأسه:
— "آه، شهد حكت لي، لما جالها عريس من عيلة كبيرة وما ينفعش يتترفض."
شعر أحمد بأن قلبه توقف للحظة، لكن مروان أكمل بهدوء:
— "ولما رفضته، باباها ومامتها اتقلبوا عليها. جَت تعيط وحكت لي كل حاجة... حتى اللي حصل بينك وبين هاني في النادي. وعرفت عمي إنها مش ممكن تكون لغيرك. وكنا بنستناك تتقدّم. بس..."
توقف لحظة، ثم قال بنبرة جادة:
— "مرات عمي هتتعبك، لأنها بتبص للمظاهر."
قال أحمد بهدوء، وعيناه تنطقان بالثقة:
– أنا ماليش دعوة غير بشهد. طول ما هي بتحترمني وبتسمع كلامي، هتكون أميرة متوَّجة.
لو اختارت حياة والدتها، يبقى كل واحد فينا يكمّل طريقه لوحده.
أجابه مروان بتأكيد:
– لا، متخافش... هي طبيعي عكس مامتها.
في كل شيء
وقف أحمد ::
تمام ، أنا هروح لباباها في الشركة و أطلبها رسمي.
قال مروان بتشجيع وهو يربت على كتفه:
– على خيرت الله.
*******
وصل أحمد أمام شركة "حمزة"، عمّ مروان.
توجه مباشرة إلى السكرتيرة وطلب منها مقابلة والد شهد، حمزة باشا.
نظرت له السكرتيرة بإعجاب ظاهر وسألته:
– فيه ميعاد؟
رد أحمد بهدوء:
– لا، أنا عايزه في موضوع شخصي... ممكن تبلغيه بوجودي؟
سألته السكرتيرة:
– مين حضرتك؟
قال بثقة:
– أنا بشمهندس أحمد خالد الحسيني.
اتصلت السكرتيرة بالمكتب، ثم ابتسمت وقالت:
– اتفضل حضرتك، حمزة باشا في انتظارك.
دخل أحمد بخطى واثقة، شامخًا كما اعتاد، لا يليق به سوى الوقار.
استقبله حمزة باشا بترحاب:
– أهلاً وسهلاً، بشمهندس أحمد... نورت الشركة.
أجابه أحمد بلطف:
– أهلاً بحضرتك، الشركة منوّرة بأصحابها.
ثم سأله حمزة:
– تشرب إيه؟
رد أحمد:
– لو ممكن شاي.
ثم تابع ببعض التوتر:
– أنا آسف لأني جيت من غير ميعاد.
قال له حمزة بابتسامة:
– أنت تشرف في أي وقت... أنت واحد من العيلة.
أخذ أحمد نفسًا عميقًا، ثم قال بصدق:
– أنا كنت جاي و طمعان في كرم حضرتك... و أطلب إيد الآنسة شهد.
ابتسم حمزة باشا وقال بحسم:
– أنا ما عنديش مانع، ومش هلاقي لبنتي راجل أحسن منك. كفاية وقفتك مع بنتي، جميلك ده في رقبتي.
رد أحمد برجولة واضحة:
– مافيش جميل ولا حاجة. أي واحدة غير شهد لو كانت اتعرّضت لنفس الموقف، كنت هعمل معاها نفس اللي حصل، كأنها أختي.
ابتسم حمزة باشا بإعجاب:
– ما يعملش كده غير راجل... وابن أصول.
********"**
فلاش باك
أمسك أحمد هاتفه واتصل بشهد:
– إنتِ فين؟
أجابته بهدوء:
– قدام النادي، بستناك.
– طيب، أنا قريب منك... ثواني وهكون عندك.
ماتنزليش قبل ما أوصل.
– حاضر.
توقفت سيارة أحمد، ونزل منها بخطى ثابتة، ثم طرق بخفة على زجاج سيارة شهد.
عندما رأته، لم تستطع إخفاء سعادتها وشعورها بالأمان، لكنها تحدثت بتوتر:
– ما بلاش يا أحمد... أنا خايفة عليك.
لم يهتم بمخاوفها، وردّ بحدّة:
– متأكدة إنه جوه؟
أومأت بالإيجاب:
– آه... الشلة كلها بتكون موجودة كل يوم في نفس الميعاد.
أخذ أحمد منها مفتاح السيارة، وركب بجوارها. دخل النادي وهي تسير بجانبه، قلبها يخفق بالخوف عليه، لكنه بدا ثابتًا وهادئًا.
---
داخل النادي، كانت الأجواء معتادة؛ يعرف الجميع بعضهم، وينتمون لعائلات كبيرة ومعروفة.
سأل أحمد:
– أنتم بتقعدوا فين؟
جلست شهد على طاولتها المعتادة، وأشارت له:
– هناك... اللي لابس تيشيرت كحلي.
جلس أحمد إلى جوارها، يراقب الطاولة المقابلة ليرى رد فعل "هذا الحيوان".
********
في الجانب الآخر، على إحدى الطاولات، تجمعت مجموعة من الشباب والفتيات.
هتفت إحدى الفتيات بدهشة:
– مش دي شهد؟
التفتت الأنظار جميعها نحوها، وكان خالد أول من رد:
– آه، هي... بس مين اللي معاها ده؟
قالت عليا بإعجاب:
– ده مز جبار! أول مرة أشوفها مع حد غيرنا.
نهضت صافي بحماس:
– طب تعالوا نتعرّف.
هاني، الذي بدا الحقد يسكنه، علّق بسخرية:
– الهانم عاملة علينا خضرة الشريفة، وهي بتتعامل مع رجالة؟ إيه ده؟
أما شادي، فتكلم بنبرة استهزاء:
– ياما تحت الساهي دواهي.
اقتربت نادين من شهد:
– هاي شهد، من زمان ما جيتيش النادي!
ردّت شهد بضيق:
– معلش... مشاغل.
صافي، بجرأة مبالغ فيها:
– مش تعرفينا؟
كان أحمد يجلس بجانبها، مرتديًا بنطالًا أبيض وتي شيرت لبني ضيق يُظهر عضلاته، تعلوه قميص أبيض مفتوح، وشعره المرتب ولون عينيه جعله تجسيد للوسامه والرجوله الطاغية .
نظرات الفتيات كانت تلتهمه بإعجاب، وهو ما أثار غيرة شهد التي بدأت تشعر بالندم لإحضاره إلى هذا المكان.
بتوتر، بدأت تعرّفهم عليه:
– ده بشمهندس أحمد... صديقي.
قالت عليا بدلع:
– منوّر يا أحمد... ما تيجي تقعد معانا؟
رد أحمد بلا مبالاة:
– شكرًا... إحنا هنقعد شوية و ماشيين.
لكن هاني تدخل بتسلّط واضح:
– شهد، تعالي... عايزك.
ولأول مرة، شعرت شهد بأنها تملك درعًا واقيًا بجانبها.
فردّت بحدّة:
– مافيش بيني وبينك حاجة... وكلكم عارفين كده كويس.
تفاجأ هاني بردّها. هي التي كانت دومًا تقف أمامه مرتعشة كعصفور مبتل، تقف الآن بكل هذا الثبات؟
اقترب منها، و مدّ يده يجذبها... لكن يد أحمد كانت الأسرع، قبض على يد هاني بقوة وقال بغضب:
– إياك تفكر مجرد تفكير إن إيدك القذرة دي تلمسها.
حاول هاني تخليص يده، لكنه لم يستطع. الألم بدا واضحًا على وجهه، و اندهش الجميع من عنف أحمد.
قال هاني من شدة ألمه:
– بقى إنتي عاملة علينا خضرة الشريفة... وإنتي مقضّياها أهو!
ما إن أنهى كلماته، حتى كان قبضة أحمد ترتطم بوجهه. سقط هاني أرضًا والدماء تسيل من أنفه. صرخ:
– إنت اتجننت؟!
رد أحمد بقوة:
– كلامك يكون معايا أنا... ملكش دعوة بيها. وإلا هخليك تندم.
الفتيات كنّ في حالة صدمة، هاني لم يكن ضعيفًا، لكنه لم يكن رجلاً بحق. فالرجل لا يشوّه سمعة فتاة.
هجم هاني على أحمد، لكن الأخير استقبله بلكمة ثانية أطاحت به.
تدخل شادي وخالد لمحاولة إيقافه، لكنهما لم يصمدا أمامه.
تجمّع الجميع، مذهولين.
انحنى أحمد على هاني، ورفعه من ملابسه:
– ممنوع تقرب من شهد تاني... شهد منطقة محرّم دخولها.
حياتك هتكون الثمن لو حاولت تضايقها... هكون أنا في وشّك. فاهم؟
هزّ هاني رأسه بضعف.
دخل أمن النادي، لكن شهد تدخلت بسرعة:
– أحمد معايا... ممنوع حد يقرب منه.
أخذها أحمد و غادرا النادي سويًا.
الفتيات، عليا وصفاء، واقفات بذهول يتابعن ما حدث.
قالت صفاء بدهشة:
– أووه... لا لا... هو فيه كده؟!
ردّت عليا، بنبرة حقيرة:
– أنا نفسي أبقي حضنه... ده يجنن!
**********
باك
قال الرجل بنبرة جادة تخالطها مشاعر الامتنان:
– بص يا أحمد، أنت ساعدت بنتي من غير ما حد يعرف. ولولا تدخلك، كان ممكن تخسر شرفها.
أنا آه، عاقبته أقسى عقاب، بس الفضل ليك.
ولو ماكنش العريس ده اتقدَّم، ماكنش حد فينا عرف حاجة.
تنهد قليلًا، ثم تابع بنبرة أكثر دفئًا:
– وأنا مش هلاقي لبنتي راجل أحسن منك...
راجل يحافظ عليها ويكون سندها.
أنا هستناك إنت وأهلك يوم الاتنين، عشان عندي سفر كام يوم وراجع بعدها.
وقف أحمد أمامه برجولة وثبات، يخفي ما يدور في قلبه من صخب الفرحة:
– إن شاء الله... هنكون عند حضرتك في الميعاد، وترجع بألف سلامة.
خرج أحمد من المكتب وقلبه يرفرف من السعادة.
لم يكن يتوقع الموافقة بتلك السهولة، خاصة من عائلة شديدة الثراء مثل عائلة شهد.
وبدون تردد، اتصل بوالده، يشاركه الخبر.
استقبله والده بترحيب شديد، فقد كان يتمنى رؤية فرح ابنه البكر، الذي كان دومًا مصدر فخره.
*********
يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا