القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية نسمه متمردة الفصل الأول والثاني والثالث بقلم أمل مصطفي حصريه في مدونة قصر الروايات

 رواية نسمه متمردة الفصل الأول والثاني والثالث بقلم أمل  مصطفي حصريه في مدونة قصر الروايات 





رواية نسمه متمردة الفصل الأول والثاني والثالث بقلم أمل  مصطفي حصريه في مدونة قصر الروايات 




#البارت -الأول 

**********

كانت تسير على مهل وهي تبحث داخل حقيبتها عن هاتفها، حين اصطدمت فجأة بأحدهم دون قصد.


رفعت رأسها بسرعة وقالت بإحراج واضح:

– آسفة... آسفة جدًا، ماخدتش بالي!


قابلتها ابتسامة عذبة وهادئة من السيدة التي اصطدمت بها، وقالت بنبرة مرحة:

– مافيش مشكلة، ده أنا حظي حلو إني أشوف القمر ده على الصبح!


تورد وجه نَسمة خجلًا، وتمتمت بامتنان:

– شكرًا جدًا... حضرتك ذوق قوي.


مدت لها السيدة يدها مبتسمة وقالت بتعارف لطيف:

– أنا سهير، أصحابي بينادوني "سوسو"، والناس الغريبة بيقولوا "سهير هانم". تحبي تناديني بإيه؟


ردّت نَسمة بمرح طفولي:

– سوسو طبعًا!


ضحكت سهير وقالت:

– خلاص، بقينا أصحاب. إنتِ كمان بتصيفي هنا زينا؟


أجابت نَسمة بابتسامة هادئة:

– لأ، دي مدينتي... أنا عايشة هنا.


– أحسن! لقيت حد يخرجني، أنا هنا من يومين بس، وابني مشغول دايمًا وبيرجع متأخر.

إيه رأيك نتفسّح سوا اليومين الجايين... على ذوقك؟


– مافيش مشكلة، بس لازم أستأذن بابا الأول.


– طبعًا، ده رقمي... وهاتي رقمك، علشان نرتب.


قالت نَسمة بابتسامة عذبة:

– تمام، بكرة أقابل حضرتك فين؟


– تيجي تاخديني من الفندق.


– حضرتك نازلة فين؟


– أنا في فندق ****.


نظرت لها نَسمة بدهشة لم تستطع إخفاءها، مما جعل سهير تسألها باهتمام:

– مالك؟ شكلك اتغيّر!


أجابت نَسمة بتعجب:

– أصل... نزلاء الفندق ده من الطبقات المخملية!


ردّت سهير بحذر:

– وده فيه مشكلة بالنسبالك؟


هزّت نَسمة رأسها نفيًا وقالت:

– لأ، بس... روح حضرتك مش بتقول إنك من الطبقة دي أبدًا.


ابتسمت سهير بتواضع وقالت:

– سيبك، أنا أصلًا مش بحب الشكليات والمظاهر الكدابة.


مدّت نَسمة يدها مرة أخرى وقالت بودّ:

– أنا اتشرفت بحضرتك جدًا، وبإذن الله هكون عندك من الساعة تسعة صباحًا.


نظرت لها سهير بدهشة ممزوجة بالصدمة وقالت مازحة:

– ياااه! إنتِ بتصحي بدري كده؟


ضحكت نَسمة بمرح، وردّت بخفة دمها المعتادة:

– لا، ده أنا بصحى من الفجر!


– بجد؟!


– آه والله... إحنا متعودين على كده من زمان.

معلش، مضطرة أمشي دلوقتي، اتأخرت.


– خلاص يا حبيبتي، على معادنا.


*******


عادت سهير إلى الفندق، بينما اتجهت نَسمة إلى منزلها.


بمجرد أن دخلت، ألقت التحية بصوت مرح:

– السلام عليكم يا أهل الدار... أنا جعانة!


خرجت والدتها، هيام، من المطبخ وهي تجفف يديها في المريلة، وقالت بنبرة محبة:

– الأكل جاهز يا قلبي. أول مرة تتأخري كده، إحنا ظبطين الساعة عليكي!


ابتسمت نَسمة، وخلعت حجابها وهي تسير نحو والدتها، ثم طبعت قبلة على وجنتها:

– قابلت واحدة واتعرفت عليها... والكلام خدنا من بعض.


قالت هيام وهي تشير باتجاه الغرفة:

– طيب، ادخلي غيري هدومك وصلي، يمكن يكون بابا رجع.

أنا حضرت السفرة.


– حاضر، يا مامي.

******

عند سهير


– حنين صحت يا دادة؟

– لا يا هانم، لسه نايمة.


فتحت سهير باب غرفة حفيدتها ذات الخمسة أعوام، ودخلت بهدوء. نظرت إلى الصغيرة النائمة بعينين ممتلئتين بالحنين، وهمست بحزن:

– حبيبتي... اتحرمتي من الحب والحنان بدري أوي.


جلست بجانب السرير، تتأمل ملامح الطفلة البريئة، وفجأة غزت ذاكرتها صورة ابنتها الراحلة. دمعت عيناها وبكت في صمت، دون أن تُصدر صوتًا.

– مش عارفة ليه... شوفتك النهارده في نَسمة.

يمكن روحها، قلبها الأبيض، شبهك.

ربنا يرحمك يا بنتي... ويصبرني على فراقك.


رنّ هاتفها، نظرت إلى الشاشة، فرأت اسم "مروان" ابنها. أجابت فورًا بنبرة عتابٍ رقيقة:

– إيه يا حبيبي؟ كده تخرج بدري من غير ما أشوفك؟


أجابها مروان من الطرف الآخر:

– معلش يا حبيبتي، غصب عني. أنتي عارفة إني جاي شغل، مش سياحة.


– أنا عارفة... بس كنت حابة أخرج حنين شوية. يمكن تتصاحب على حد، وتشوف أماكن تانية غير الفيلا. دي طفلة ومحتاجة تغيير.


شعر مروان بنبرة الحزن في صوت والدته، فردّ بلطف:

– خلاص يا حبيبتي... هحاول آخد يومين إجازة نقضيهم سوا، وأفسحها زي ما هي عايزة.


ابتسمت سهير، وقالت بمحبة:

– منتحرمش منك يا حبيبي.


---


في بيت نَسمة


ركضت نَسمة نحو والدها بمجرد دخوله من الباب، وألقت بنفسها في حضنه.

– قلب نَسمة... وحشتني!


ضحك والدها خالد وهو يضمها إليه:

– وإنتي أكتر يا قلب خالد.


من خلفهم، جاءت هيام، زوجته، وقالت مازحة بنبرة مصطنعة الغيرة:

– آه يا قلبي... بتخوني يا خالد؟ ومع بنتي كمان؟! ده مكانش العشم!


ضحك خالد بصوت عالٍ وهو ينظر إليها بمودة:

– ماقدرش يا حبيبتي... إنتي اللي في الحتة الشمال من قلبي.


ضحكت نَسمة وقالت بمزاح:

– بقى كده يا سي بابا؟ لما هي في الشمال... أنا أروح فين؟


– في حاجات كتير جوّه... شوفي إنتي عايزة إيه، بس الشمال لهيام... قلبي وبس!


– الله الله يا حج! مش كبرتوا على الكلام ده شوية؟


ردّ خالد بحب:

– مين قال كبرنا؟ ده مافيش واحدة تملي عيني زيها... مهما كبرنا.


احمرّ وجه هيام خجلًا وقالت برقة:

– وبعدين معاك يا خالد؟ كده تكسفني قدام الولاد!


نظرت نَسمة إلى والديها وقد امتلأت عيناها بالحب، و همست بدعاء:

– ربنا يخليكوا لبعض... و يرزقني بواحد يعيشني نفس الحب ده يا بابا.


– يا رب، يا حبيبتي... يلا بينا ناكل.

ذ"*****

تحدث مروان بضيق وهو يسألها قبل الوصول 

 لبوابة الجناح الخاص بسهير


– مالك بس يا حبيبتي؟


أجابت "شاهي" بدلال مصطنع، متظاهرة, بالضعف:

– كده يا مروان؟ أهون عليك تسيبني كل ده؟!


– غصب عني، يا حبيبتي... ده شغل، وكان لازم أكون موجود.


قالت وهي تلوي شفتها باعتراض طفولي:

– وأنا كنت هعطلك؟! والله العظيم ما كنت هزعجك، كان فيها إيه لو خدتني معاك؟!


تنهد مروان بتعب واضح، وكأن الحديث تكرّر كثيرًا:

– حبيبتي، افهمي... أمي بتتضايق لما بتشوفني معاكي، وأنا مش بحب أزعلها.


ثم  وأكمل بإتهام :

– وبعدين، أنا قلتلك كتير... حاولي تغيّري من لبسك وطريقتك، وقربي منها، يمكن تتقبلك.

بس أنتي مش راضية... أعمل إيه؟!


شاهي بخبث واضح، علّقت بسخرية ناعمة:

– نحطها قدام الأمر الواقع؟ ولا أنت خايف منها؟!


ارتفعت نبرة مروان، وقد بدت عليه الجدية والحزم:

– شاهي، إلزمي حدودك!


أنتِ عارفة كويس أنا ما بخافش من أي حد على وجه الأرض.


بس دي "أمي"... وليها احترامها.


قلبها تعبان، و خايف يحصلها حاجة.


أنتِ عارفة إنّ كنت هتجوزك قبل حادثة ندى... وكانت محتاجة وقت، وهتتقبلك لما تلاقيني مبسوط معاكي.


لكن موت ندى كسرها... وجبلها القلب، وأنا مش ممكن أجازف بيها.


صمت لحظة، ثم قال بصوت منخفض:

– علشان كده طلبت منك تقربي منها... تكسبي حبها.


شاهي، وقد بدأ وجهها يتحول من الدلع إلى الحقد، تمتمت بمرارة:

– مامتك مش هتتقبلني أبدًا.


المشكلة مش لبسي ولا طريقتي...

هي بتكرهني أنا، بالذات.


ردّ مروان بهدوء فيه نفَس طويل من الصبر:

– معلش، يا حبيبتي...


بُكرة لما تلاقيني رافض الجواز علشانك، هتوافق.


أنا هقفل دلوقتي، علشان وصلت قدام الجناح، ومش عايزها تنزعج مني.

سلام.


– سلام، يا قلبي... هتوحشني أوي.


أغلقت شاهي الخط، ثم اتسعت ابتسامتها بخبث وهي تمتمت لنفسها:

– أنا مش هسكت...


لحد ما أبقى مراتك، ويكون ليّا حرية التصرف في كل حاجة.


بس أدخل الفيلا... وأنا أخلّص منها خالص.

*********


دخل مروان إلى الجناح بهدوء، وكان صوت التلفاز ينبعث من غرفة المعيشة. لمح والدته جالسة تتابع برنامجًا دون تركيز واضح، وكأنها تنتظر شيئًا.


– مساء الخير يا أمي.


رفعت سهير عينيها نحوه وابتسمت:

– مساء النور يا حبيبي.


اقترب منها وجلس قبالتها:

– إيه اللي مسهرك لحد دلوقتي؟


– كنت مستنياك... على فكرة، بكرة أنا وحنين خارجين مع واحدة اتعرفت عليها النهارده.


تجهم وجه مروان فورًا، وقال بقلق:

– إزاي حضرتك عايزة تخرجي مع واحدة متعرفيش عنها حاجة؟!


ردّت سهير بنبرة هادئة وواثقة:

– البنت طيبة... وأنا حبيتها.


هزّ مروان رأسه بعدم اقتناع، وقال بجدية:

– حضرتك عارفة إن المظاهر خداعة، وبعدين إنتِ عارفة مركزي، وعارفة كمان إن ليا منافسين... نفسهم يكسروني بأي طريقة.


تنهدت سهير بضيق، وقد بدأ القلق المبالغ فيه من ابنها يتعبها :

– مروان، أنا كبيرة، وأعرف أميز بين الكويس والوحش... بلاش القلق ده.


ردّ بنبرة شبه معاتبة:

– بس حضرتك أول مرة تتعاملي مع حد بالسرعة دي.


مش ممكن تكون حد حطها في طريقك علشان توصل لي؟


ردّت سهير بنفاد صبر، وقد نفذ حبل تحملها:

– أولًا، أنا اللي طلبت رقمها... وأنا اللي عرضت عليها نخرج سوا


يعني مفيش حد "حطها" في طريقي، زي ما بتقول!


تنهد مروان، مستسلمًا أمام إصرارها، وقال:

– خلاص يا أمي، الحرس هيكون معاكم.


لوّحت له بيدها، وقالت بإصرار:

– لا يا حبيبي، خليني براحتي.


مش عايزة أكون مقيدة، لو مصرّ... ممكن يراقبونا من بعيد، ولو حسوا بأي خطر يقربوا.

إيه رأيك؟


قال مروان، وقد خفتت نبرة صوته إلى استسلامٍ واضح:

– خلاص ، يا حبيبتي... تصبحي على خير.


ابتسمت سهير ابتسامة خفيفة، وهي تتابع  ابنها المغادرة، تدعو له في سرّها 

*******

في صباح اليوم التالي، كانت نَسمة في الموعد تمامًا، جالسة في "ريسبشن" الفندق بهدوء، تنتظر قدوم سهير.


مرت دقائق قليلة، حتى ظهرت سهير أمامها، تبتسم ابتسامة واسعة، ونادت عليها بود:

– مواعيدك مظبوطة يا نَسوم!


ابتسمت نَسمة بحب، ثم مازحتها وهي تؤدي تحية عسكرية بمرح:

– حبيبتي يا سوسو! إحنا تربية عسكرية يا فندم!


ضحكت سهير و جلسَت إلى جوارها، بينما سألتها نَسمة باستغراب:

– مش هنمشي؟


أجابت سهير بابتسامة دافئة:

– مستنيين حنين تصحى... هاخدها معايا.


نظرت نَسمة إليها باهتمام صادق، وسألت:

– دي بنتك؟


هزّت سهير رأسها وقالت بفخر رقيق:

– لاء... حفيدتي الوحيدة.


– ربنا يخليهالك، يا رب.


كانت سهير على وشك أن تردّ، لكن صوتًا رجوليًا قاطع اللحظة فجأة.


– مش ممكن! آنسة نَسمة عندنا؟! أنا مصدقتش لما عرفت... قلت لازم أتأكد بنفسي! الفندق كله نور!


خفضت نَسمة وجهها بخجل واضح، و تمتمت بأدب:

– إزيك يا بشمهندس كريم؟


راقبَت سهير الموقف بإعجاب خفي... 

أعجبها حياء نَسمة وطريقتها المتواضعة في الرد، وكذلك احترام الشاب لنفسه ولها.


قال كريم بنبرة يغلب عليها الحرج والهدوء:

– و صَلني ردّك على طلبي... ممكن أعرف؟ المشكلة فين؟ ولا في حاجة تانية؟


ردّت نَسمة بإخلاص، وصوتها يفيض بالإحترام:

– لا والله أبدًا... حضرتك من الشباب المعروف عنهم الأخلاق الطيبة، ومن عيلة كبيرة تشرف أي بيت تدخله... ومليون بنت أحسن مني تتمنى قربك.


قال كريم بصدق:

– بس أنا بتمنّاكِ إنتي.


نظرت نَسمة إليه بعينين دامعتين قليلًا، وقالت بهدوء:

– أنا آسفة والله... مش حابة أرتبط بالطريقة دي.


أردف كريم بلطف، محاولًا الفهم:

– لو علشان التعليم... أكيد مش همنعك.

أنا أحب زوجتي وأم أولادي تكون على مستوى عالٍ من التعليم.


هزّت نَسمة رأسها نفيًا:

– لا... مش ده السبب.

أنا بس عايزة يكون فيه توافق حقيقي بين الطرفين.


أنا بصراحة... بعتبرك زي أخويا أحمد.


وبتمنى تلاقي الإنسانة اللي تستاهلك.


وأرجوك... تسامحني، أنا ماكنتش حابة أحطك في الموقف ده مرة تانية.


قال كريم بصوت مكسور، لكنه لا يزال هادئًا:

– وأنا كمان... بتمنالك السعادة، مع الإنسان اللي قلبك يختاره.


ثم استأذن بهدوء، وغادر، بينما ظلّ في قلبه أمل صغير...


تمنى لو أنها غيّرت رأيها، فقد وجد فيها الزوجة الجميلة، المتديّنة، التي تحافظ عليه وتربي أولاده على القيم.


أما نَسمة، فشعرت بالحزن بعد الموقف مع كريم، وتسللت مرارة الرفض إلى قلبها رغم يقينها بصواب قرارها. لكن صوتًا طفوليًا قطع عليها شرودها:


– تيته!


رفعت عينيها بسرعة، فرأت طفلة جميلة تقف أمامها. بشرتها قمحية، شعرها الأسود منسدل على كتفيها، ترتدي فستانًا أحمر زاد من بهجتها.


ابتسمت سهير، واحتضنت الصغيرة بحب وهي تقول:

– تعالي يا حبيبتي، سلمي على نَسمة.


انحنت نَسمة وجلست على إحدى ركبتيها، وابتسمت في وجه الصغيرة:

– ما شاء الله... تسمحيلي يا برنسيسة حنين نكون أصحاب؟


نظرت إليها الطفلة بعينين واسعتين وسألت ببراءة:

– هتلعبِي معايا؟


ضحكت نَسمة وقالت بحماس:

– طبعًا! نلعب ونركب المراجيح، ونسوق عربيات التصادم، ونعمل كل حاجة تأمري بيها!


أومأت حنين بحماس وقالت:

– خلاص، موافقة نكون أصحاب!


حملتها نَسمة بين ذراعيها، وقبّلت وجنتها بحنان:

– يلا نبدأ اليوم من أوله!


نظرت سهير إليهما بفرحٍ داخلي؛ 


فلم تكن تتوقع أن تنجذب حفيدتها سريعًا إلى نَسمة. حنين نشأت في عائلة محافظة


 لا تختلط كثيرًا بالغرباء، بل وتبكي أحيانًا عند رؤية شاهي، تصرخ وكأنها رأت شبحًا.


قادتهم نَسمة إلى كافتيريا صغيرة لكنها مميزة. ديكورها بسيط، لكنه يبعث على الدفء. 


ما إن دخلوا حتى استقبلهم صاحب المكان بترحاب واضح:


– أهلاً أهلاً... بست البنات!


ابتسمت نَسمة وقالت بمودة:

– إزيك يا أونكل رضا؟ أخبارك إيه؟


– أنا تمام... لما شوفتك بقيت أحسن.

إزاي بابا؟


– الحمد لله... هو مش بييجي لحضرتك؟


ضحك رضا بخفة دم مصرية أصيلة:

– لاء يا ستي، بقاله يومين من ساعة ما كسبته في الشطرنج!


ضحكت نَسمة ضحكة صافية صاخبة:

– لااا... حضرتك بتهزر! غلبت بابا؟!


قال رضا بفخر ووجهه مشرق:

– كأنه أمّم القناة!

جبت واحد علّمني، أصلي تعبت من كتر ما بيكسبني... ومن ساعتها، ماجاش!


– اتفضلوا، هنا أحسن ترابيزة.


جلس الجميع حول طاولة مستديرة، يغطيها مفرش أحمر أنيق، تحيط بها كراسٍ بيضاء بسيطة.


نظرت نَسمة إلى سهير وقالت:

– المكان بسيط، بس نضيف جدًا... والطلبات هنا كلها بيتي، اليوم بيومه.


ابتسمت سهير بإعجاب حقيقي:

– فعلاً بسيط وجميل... بيدي إحساس بالراحة.


نادت نَسمة على رضا:

– طلبي حضرتك عارفه.


أومأ رضا بثقة:

– آه طبعًا... عصير برتقال فريش و تشيز كيك.


.


ضحكت حنين وهي تردد بحماس:

– أنا زي نَسمة!


ضحك عم رضا، صاحب الكافتيريا، وقال بدفء:

– أجمل طلب لأجمل بنوتة!

ثم نظر إلى سهير وسأل باحترام:

– وحضرتك؟


– أنا كمان عصير برتقال... وكيك برتقال، لو موجود.


– طبعًا موجود... ثواني .


ابتعد رضا، و عمّ الصمت لحظة قبل أن تهمس سهير إلى نَسمة بابتسامة خفيفة، ونظرة أكثر جدية:

– يلا نتكلم بصراحة... إنتي بتحبي حد؟


رفعت نَسمة حاجبيها في دهشة، ثم قالت بهدوء:

– لا والله... مفيش حاجة من دي خالص.


أومأت سهير بتفهم:

– بس أنا شايفة إن كريم عريس ما يتْرفضش... يبقى أكيد فيه سبب.


تنهدت نَسمة بعمق، ثم قالت بنبرة صادقة وهي تضع يدها على صدرها:

– بصي حضرتك... الماديات ما تفرقش معايا خالص، ولا الشكل.


هو غني، ومن عيلة كبيرة، وشاب وسيم... بس أنا عايزة الإنسان اللي أرتبط بيه ده... أحس بيه من أول لحظة .


يخطفني من نفسي قول: "ده اللي عايزه أكمل حياتي معاه".


مش لأزم يكون وسيم، أو ابن ناس، حتى لو ابن بواب... كل ده مش مهم.


المهم... أحس بيه. حضرتك فهماني؟


نظرت لها سهير نظرة إعجاب ممزوجة بشيء من الأسى، وقالت:

– طبعًا يا حبيبتي فاهمة... بس معدش فيه بنات كتير بتفكر بالطريقة دي.


ابتسمت نَسمة بثقة هادئة وقالت:

– لا، فيه... وفيه كتير كمان.


بس المشكلة إن الشباب دلوقتي عايزين يعيشوا حياتهم على الآخر،


وبعدين يدوروا على "الوحدة الخام"، اللي تحافظ عليهم!


يعني اللي زينا... بنكون آخر اختياراتهم.


ضحكت سهير بخفة، وظهر على وجهها التأثر بكلام نَسمة، بينما كانت حنين تلعب جوار الطاولة، تضحك وتنادي عليهما لتشاركاها اللعب.


قضوا اليوم كله في مرح ولعب، تجوّلوا في أماكن متعددة، وركبوا الألعاب، وكانت حنين في قمة السعادة... فقد وجدت أخيرًا من يشاركها طفولتها.


أما سهير،  تتابع نَسمة وحنين بنظرات دافئة، وابتسامة حقيقية لم تزر شفتيها منذ ثلاث سنوات. 


ضحكت من قلبها على حركات نَسمة المرحة مع الصغيرة، وشعرت و كأن الحياة  دبّت في قلبها من جديد.


انتهى اليوم، لكن أثره ظل في قلوبهم.


وحين حان وقت العودة، عاد الجميع إلى بيوتهم، كلٌّ منهم يحمل في قلبه شيء جديد... دافئ... صادق.

*******

عند نسمة 

فتح خالد الباب بلهفة، وما إن رآها حتى قال بفرح واضح:

– حمد الله على السلامة يا بنتي!


ابتسمت نَسمة وهي تُقبّله على وجنته:

– الله يسلمك يا بابا.


نظر إليها باهتمام وسأل:

– اتبسطتي؟


ردّت بسعادة، وبدأت تدور حول نفسها كطفلة:

– جدًا يا بابا! لو شُفت حنين، هتحبها أوي... و تنسا مع ضحكتها كل حاجة!


ضحك خالد، وقال برقة:

– طيب يلا نتعشى سوا.


– لا يا بابا، شبعانة. هدخل آخد شاور وأصلي وأنام، أصلنا خارجين بكرة كمان.


نظر إليها بقلق أبوي خالص:

– لانها تتعامل مع أناس غريبه بتلك الارياحية والسرعه بس خلي بالك من نفسك ..

مش مطمن لتعاملكم  بالسرعة دي.


نَسمة وضعت يدها على كتف والدها بحب وقالت ممازحة:

– حاضر يا بابا... بس خفّ شوية على أونكل رضا.

طول عمرك بتغلبه، ما فيهاش حاجة لو يغلبك مرة من نفسه!


ضحك خالد من قلبه:

– هو اشتكى ليكي؟ طيب أما أشوفه بكرة...

لازم أخليه يغني "ظلموه" بنفسه!


قالت نَسمة باستسلام ضاحك:

– الداخل بينكم خسران!


ثم فتحت هاتفها بسرعة وأظهرت له صورة:

– بص حضرتك... دي حنين.


نظر خالد إلى الصورة، فابتسم وقال:

– ما شاء الله! شكلك "هصّيتي" النهارده.


ضحكت نَسمة من قلبها:

– جدًا جدًا... كأني رجعت طفلة تاني!


اقترب منها والدها، قبّل جبينها وقال بحنان:

– ربنا يسعدك يا حبيبتي... تصبحين على خير.


---


عند سهير


كانت سهير جالسة جوار حنين، تمشط لها شعرها وتبتسم.

دخل مروان وألقى التحية:


– مساء الخير يا أمي.


رفعت سهير رأسها نحوه وقالت بابتسامة واضحة:

– مساء النور يا حبيبي.


نظر إليها متعجبًا، وهو يخلع جاكيت بدلته:

– خير يا أمي؟ أول مرة أشوف الابتسامة دي من زمان!


تنهدت سهير، وبدت السعادة على ملامحها:

– النهارده كان جميل أوي، وحنين كانت فرحانة، بتضحك من قلبها.


أنا نفسي ضحكت معاها... النهارده كان أسعد يوم عدى عليا من ثلاث سنين.


– لسه فاضلك كام يوم هنا؟

سألها مروان وهو يضع الجاكيت على الكنبة.


– كلها أربع أيام ونرجع.


– إحنا خارجين بكرة كمان.


– طيب... بس خلي بالك من نفسك.

أنا مش مطمئن من العلاقة اللي توطدت بسرعة كده.


نظرت إليه سهير بجدية، وقالت:

– البنت جميلة من جوّه قبل برّه.

روحها حلوة، ومتواضعة، ومحبوبة من الكل هنا.

ده حتى صاحب الفندق طلب إيدها... ورفضته.


ضحك مروان بسخرية:

– وحضرتك صدّقتيها؟


في بنت بترفض صاحب ملايين؟


ردّت سهير بنفَس ضيق، وقد بدأ الغضب يتسرب إلى صوتها:

– آه طبعًا صدّقتها... لأن هو كلمها قدامي وسألها بنفسه: "رفضاني ليه؟"


قال مروان بسخرية أشد:

– تلاقيها بتدور على حد أغنى منه!


رفعت سهير حاجبيها بحدة، وقالت بلهجة نادرة في الحدة:

– ما تتكلمش عنها كده... أزعل منك!


نظر إليها مروان بدهشة، هذه أول مرة يرى أمه تتحدث معه بهذا الشكل... لأول مرة يشعر أن هناك أحدًا أخذ حيّزًا خاصًا من قلبها.


سكت، لكنه بدا داخله في صراع...

علم أن هذه الفتاة خطر... وخلفها سر.

*********

يتبع


#نسمه- متمردة 

#بقلمي- أمل مصطفي 

#البارت- الثاني 

**********

في المساء، جلس كريم يتحدث مع صديقه محمود، والضيق  بادٍ على ملامحه.


– رفضتني برده، يا محمود... البنت دي أكيد بتحب حد!


هزّ محمود رأسه وهو يقول بهدوء:

– حرام عليك يا كريم، ما تظلمهاش.

كلنا عارفين – وأنت أولنا – إنها بنت محترمة، عارفة ربنا، ومش بتعمل حاجة غلط.


هتف كريم بسرعة، كأنه يهرب من فكرة راودت خياله:

– لا لا، أنا ما قلتش إنها بتعمل حاجة غلط، قصدي... يعني يمكن فيه حد في حياتها. مش لازم تمشي تقول "أنا بحب فلان".


ضحك محمود بخفة، ثم قال بثقة:

– الحب بيبان يا كريم... وكان بان لو فعلاً بتحب.


وبصراحة، كويس إنك ما تعلقتش بيها زيادة. أنت معجب بأخلاقها، مش أكتر.


ولو ليك نصيب فيها، هتجيلك لحد عندك.


بس حاول دايمًا يكون قدامك أكتر من اختيار، علشان ما تتعبش.


وبصراحة ، البنت دي فرصة!


بتحب تساعد الناس، ومش مادية...


وإلا ما كانتش رفضتك، دانتا  بحر فلوس!


ابتسم كريم وقال مازحًا:

– أنا عرفت دلوقتي مين خرب الجوازة... قرّك يا حقود!


قهقه محمود وهو يربت على كتفه:

– أنا برده؟ يا حب، ده أنت حبيبي يا عم!


*******


في اليوم التالي، على الشاطئ


جلست نَسمة على رمال البحر، وحضنت الصغيرة حنين، التي استقرت على قدميها برضا.


قالت حنين بمرح:

– أنا عايزة أنزل البحر يا نَسمة... تعالي معايا!


ضحكت نَسمة وقالت برقة:

– لا يا حبيبتي، ما ينفعش أنزل البحر، خصوصًا وكل الناس دي حوالينا.


– ليه؟ بتخافي؟


هزّت نَسمة رأسها وهي تشرح بلطف:

– لا يا قلبي، مش خوف... بس هدومي هتلزق عليّا، وحرام أظهر كده قدام الرجالة دي كلها.


ربنا ممكن يزعل مني... وأنا مش عايزة أدخل النار.


نظرت لها سهير بإعجاب واحترام، كل يوم كانت تتأكد أكثر أن هذه الفتاة هي من تستحق أن تكون زوجة لابنها.


قالت نَسمة ممازحة وهي تشير إلى حنين:

– يرضيكي يا حنين، حبيبتك تدخل النار؟


ردّت حنين ببراءة تامة:

– لاااا، أنا بحبك! يعني لو أنا نزلت هدخل النار؟


ضحكت نَسمة وسهير معًا على طفولتها وصدق مشاعرها.


قالت نَسمة وهي تقبّل رأسها:

– لأ طبعًا يا قلب نَسمة... ربنا بيحبكم، أنتم ملائكة الأرض! ومش ممكن يأذيكي.


نزلت حنين عن قدم نَسمة، وركضت فجأة وهي تهتف:

– بابي!


رفعت نَسمة عينيها، وجدت أمامها شاب وسيم جدًا، ببشرة قمحية وشعر أسود كثيف، يرتدي بدلة رسمية ونظارة شمسية زادت وسامته وقارًا.


للحظة، علمت من أين ورثت حنين هذا الجمال النادر.


نظر مروان من خلف نظارته، يتفحص الفتاة الجالسة بجوار والدته. لم يكن يتوقع أن تكون بهذا القدر العالي من الجمال والرقة .


، وصف والدته لها لم يكن مبالغًا فيه...


عندما تصفها ب"ملاك"... نعم، هذا هو الوصف الأقرب.


شعرت نَسمة بنظراته، فاضطرب قلبها دون سابق إنذار، و أخفضت وجهها خجلًا.


تعجبت سهير، فابنها دائمًا ما تتهافت عليه الفتيات، لا يخجلن من النظر إليه أو التقرب منه، لكنها للمرة الأولى ترى فتاة تكتفي بخفض عينيها.


قال مروان بصوته الرخيم، وهو يتوجه بالكلام لوالدته:

– حضرتك نزلتي النهاردة قبلي، ما لحقتش أصبح على حبيبتي.


ابتسمت سهير وقالت شارحة:

– حنين صحيت بدري، وقالت عايزة تنزل تلعب مع نَسمة... وأنا ما رضيتش أزعلها.


نظر مروان إلى نَسمة مرة أخرى، وقال باحترام:

– إزيك يا آنسة نَسمة؟


ردّت بخجل واضح، وهي تخفض عينيها:

– الحمد لله، إزي حضرتك؟


طال نظره إليها، حتى احمر وجهها خجلًا وتوردت وجنتاها.


ثم التفت إلى والدته وقال:

– ماما، أنا ماشي... لو احتجتي أي حاجة، كلميني.


ولو حنين نزلت، خدي بالك منها.


ومضى بخطوات بطيئة... تاركًا خلفه قلبًا بدأ ينبض بشيء جديد... وخطر بدأ يقترب دون أن تدري نَسمة.


مع السلامة يا حبيبي...


ودّعت سهير ابنها مروان بنبرة دافئة،


 قبل أن تلتفت مجددًا إلى نسمه وحنين، اللتين ظلّتا طوال اليوم تضحكان و تلعبان،

 تنثران البهجة حولهما، بينما كانت سهير تكتفي بالجلوس قربهما، تستنشق لحظات السعادة التي حرمت منها من سنوات عدة .


قالت حنين بحماس وهي تشير بيدها الصغيرة:

– نسمه، أنا عايزة بالونة!


ضحكت نسمه وقامت تمسك بيدها:

– تعالي يا برنسيس، نجيب لك واحدة.


اشترت لها البالونة، فتمسكت بها الطفلة بسعادة كبيرة، قبل أن يجلسوا جميعًا ليتناولوا الآيس كريم على مقاعد خشبية مطلة على البحر.


لكن ما هي إلا لحظات، حتى طارت البالونة من يد حنين، فانطلقت تركض خلفها، ونسمه وراءها تحاول اللحاق بها، حتى ابتعدتا تدريجيًا عن سهير دون أن تدرك.


وبينما تتبعان خيط البالونة الذي اختفى بين الزحام، وجدتا مجموعة من الشباب والفتيات قد شكّلوا مسرحًا بسيطًا للعرائس.


صرخت حنين بفرح:

– نسمه! شوفي... أرجوز! يلا نتفرج!


ردّت نسمه، وهي تنظر حولها بتردد:

– حبيبتي، ما ينفعش... أنا ما معاييش الموبايل، وبعدنا عن تيتة كتير. لازم نرجع نطمنها وبعدين نرجع نتفرج تاني، ماشي؟


لكن حنين نظرت لها بإصرار طفولي:

– لأ! يكون العرض خلص. نتفرج وبعدين نمشي.


شعرت نسمه بالحيرة؛ فهي لا تريد أن تكسر فرحتها، لكنها قلقة من بعدهم المفاجئ عن سهير.


وفي تلك اللحظة، كان القلق قد تسلل إلى قلب سهير عندما رن هاتفها برقم مروان وفتحت الخط قابلها صوته القلق ::


– أنتي فين، يا أمي؟ مش كنتي راجعة الساعة خامسة ؟


قالت سهير بتوتر ظاهر في صوتها:

– آه... بس مش عارفة نسمه وحنين راحوا فين. بقالهم نص ساعة مش موجودين، ...


تسرب الخوف إلى صوت مروان:

– اتصلي بيها فورًا!


–سهير بحيرة ::

 تليفونها  معايا... كانت سايباه  علشان ما يشغلهاش عن اللعب.


صرخ مروان، وقد بدأ الفزع يتمكن منه:

– إزاي يا أمي؟! إزاي تأمني على حنين و تسيبيها من غير ما تتابعيها؟ ممكن تكون خطفتها!


صرخت سهير بانفعال:

– لأ، لأ يا حبيبي! نسمه بنت كويسة جدًا، بس أنت من كتر شغلك في السوق و بشاعة التعامل مع الناس، بقيت تشك في كل شيء! لما يرجعوا، هاجي لك أنا وحنين فورًا.


أغلق مروان الهاتف بحدة، واتصل على الفور بالحارس المكلف بمراقبتهم.


– هما فين؟!


ردّ الحارس، وصوته يرتجف:

– أنا آسف يا باشا... البنت الصغيرة جريت ورا البالونة، ونسمة جريت وراها... وبعد كده ما عرفتش أتابعهم في الزحمة... معنتش شايفهم!


صرخ مروان بغضب، وهو يمسك بهاتفه بقبضة مشدودة:

– نهارك أسود! لو بنتي جرالها حاجة، ده هيكون آخر يوم في عمرك!

********


هناك عند نسمه 

  تسير بخطى سريعة، حاملة حنين بين ذراعيها بحنان غامر، تحدثها بنبرة مفعمة بالحب:


– كده يا حنون... اتأخرنا على تيتة. أكيد الآن قلقانة علينا... وممكن تزعل مني.


ضحكت حنين وقالت بثقة طفولية:

– لا، تيتة بتحبك... ومش هتزعل منك يا ناني.


ضحكت نسمه بحرارة، وقبلت جبين الصغيرة:

– أنتي بتدلعيني يا حنون؟!


– أيوه... زي ما إنتي بتدلّعيني.


وفجأة، وبدون سابق إنذار، امتدت يد قوية جذبت حنين من بين ذراعي نسمه بقسوة.


استدارت نسمه بسرعة، وهتفت بغضب :

– إنتَ إزاي تشدها كده؟!


قال الرجل بغلظة، دون أن يتزحزح خطوة:

– دي أوامر الباشا.


حاولت نسمه أن تنتزع الطفلة من بين يديه،


 لكنها فشلت؛ فقد بدا كجدارٍ منيع، لا يُهتز.


صرخت نسمه بحدة، والقلق يتفجر من صوتها:

– سيب البنت! كده هتخوفها!


لقد بدأت حنين  تبكي بحرقة، تمد يديها نحو نسمه، تستغيث بها، وعيناها تمتلئان دموعًا وارتباكًا.


تحدثت نسمه برجاء وهي تحاول السيطرة على أعصابها:

– لو سمحت، هات البنت... وأنا همشي معاك، بس متخوفهاش.


لكنها سمعت صوتًا رجوليًا خلفها، رخيمًا، غليظ النبرة، مألوفًا رغم نبرته الحادة:

– مالكيش دعوة بيها... أنا هاخدها.


استدارت ببطء، وقلبها يخفق . 


 يقف أمامها، بكامل وسامته وهيبته. مروان... الحضور ذاته الذي أربكها في المرات السابقة.


لكنه هذه المرة، لم يكن هادئًا.


قال وهو يقترب منها:

– أنتي تبع مين؟ ومين اللي حطك في طريق أمي؟


صُدمت من كلماته، وردّت بحدة وقد اشتعل الغضب في عينيها:

– إنتَ بتقول إيه؟! و أيه شغل عصابات ده ؟!


أخرج مروان يده من جيب بنطاله ببطء، ناظرًا لها بثبات وقال ببرود:

– أيوه... شغل عصابات. ولو ما اتكلمتيش بالذوق، هخليكي تتكلمي بالعافية.


اردفت نسمه بغضب حاد ::

– إزاي تتكلم معايا كده؟ أنا ما أسمحلكش!

أوعي تفتكر إني هخاف منك، ولا من شوية التيران اللي واقفين حواليك!


زاد بكاء حنين، ونظرت إليها نسمه، ثم قالت


  بهدوء، محاولة السيطرة علي غضبها  :

– بص... إحنا كنا بنجيب البالونة بتاعتها، وشافت مسرح عرائس، وأصرت تتفرج.

أنا ما حبيتش أزعلها. ولما خلص العرض، كنا راجعين على طول.

البنت أمانة معايا... وأنا لازم أسلمها لمدام سهير.


كان في عينيها صدق لا تخطئه العين، لكنه لم يُفلح في كسر جدار عناد مروان، الذي قال بحدة، متجاهلًا إعجابه الخفي بشخصيتها القوية:


– لا... عنك، أنا هاخدها.


ومن النهارده... ملكيش دعوة لا بيها، ولا بأمي.

ولو حاولتي تقربي تاني... هيكون ليا تصرف مش هيعجبك.


نظرت له نسمه بحزن، وقد كتمت ألمها بصعوبة:

– حاضر... إنتَ أدرى بمصلحة بنتك و مامتك.

ممكن آخدها في حضني وأودعها بس؟


لكنه أجاب، دون تردد:

– لا.


كان كل هذا الحوار يجري، وحنين لا تزال تبكي، تصرخ باسم نسمه وتمد يديها لها، دون أن تهدأ.


مدّ مروان يده نحو ابنته يأخذها، لكنها، وبكل براءة الطفولة، تراجعت... ورفضت الذهاب إليه.

كأنها لا تعرفه. كأن نسمه وحدها هي الوطن الذي تعرفه وتثق به.


ظلّت حنين تبكي بحرقة، تمدّ يدها الصغيرة نحو نسمه وتصرخ من بين دموعها:


– ناني... خُديني إنتي!


انحنت نسمه أمامها، قلبها ينزف ألمًا، نظرت إليها بعجز قاسٍ و همست بحنان:


– ما ينفعش يا حبيبتي... أنتي دلوقتي مع بابا، وهو اللي هيودّيكي عند تيتة.


لكن الطفلة ازدادت بكاءً، وصرخت بقلبٍ مكسور:


– لأ... و دّيني إنتي!


نظرت نسمه إلى مروان، ثم قالت برجاء خافت:


– لو سمحت... علشان خاطرها، سبني أوصلها لمدام سهير. و صدقني... مش هتشوف وشي تاني.


تردد مروان لثوانٍ، ثم نظر إلى الحارس وأشار له. ناولها حنين دون كلمة.


احتضنت نسمه الصغيرة بقوة، ضمّتها إلى صدرها وكأنها تحاول حمايتها من كل شيء، ثم تحركت بخطوات هادئة، تنساب دموعها في صمتٍ موجع، حتى وصلت إلى حيث تجلس سهير.


مدّت حنين إليها وقالت، وصوتها متهدّج:


– أنا آسفة... علشان سببت لك إزعاج.


ثم التقطت حقيبتها، و هاتفها، و استدارت تغادر.


نادتها سهير بسرعة:


– رايحة فين يا نسمه؟


نظرت إليها نسمه وابتسامة حزينة ترتسم على وجهها الباهت:


– معلش... أنا اتأخرت. بعد إذنكِ.


لكن سهير تقدّمت نحوها، القلق يملأ صوتها:


– نسمه، مالك يا حبيبتي؟ في إيه حصل؟!


هزّت نسمه رأسها، وقالت بصوت أقرب للهمس:


– مفيش حاجة... بعد إذنكِ.


تحركت سهير خلفها وهي تهتف نسمه أرجوك استني 

لم يتحمل مروان محايل أمه لتلك الفتاه ، 

وفقد أعصابه وصرخ بها غاضبًا:


– إنتي مجنونة ولا إيه؟! أنتي عارفة اللي بتكلمك دي مين؟! علشان تسيبيها تتحايل عليكي؟!


التفتت إليه نسمه بعينين دامعتين، وصوتها مشحون بالغضب:


– لأ... مش عارفة!


بس هي بالنسبالي حاجة غالية جدًا... وهي أكبر من إنها تتحايل عليا.

وليها عندي كل الإحترام والتقدير.


ثم نظرت لسهير، تكتم غصتها وتبتسم رغم الألم، وقالت بصوت مكسور:


– بعد إذنكِ... أنا تعبانة فعلًا، ومحتاجة أرجع البيت.

أرجوكي... متزعليش مني.


قالت سهير، وهي تنظر إلى نسمه التي بدأت في الإبتعاد:


– لا يا حبيبتي... أنا مش ممكن أزعل منك أبدًا.


*****"**


وقفت سهير في مكانها للحظات، تتأمل ظهر نسمه وهي تبتعد، قبل أن تدير وجهها نحو ابنها مروان، بعينين ممتلئتين باللوم والدهشة، ثم سألت بصوت يعلوه القلق:


– إنت عملت معاها إيه؟!


البنت شكلها مكسور وكانت بتعيّط!


ردّ مروان ببرود قاتل، ونبرة خالية من التعاطف:


– عرّفتها مكانتها، وطلبت منها تبعد عنكم خالص.


شهقت سهير بغضب ورفعت يدها تشير إلى الدادة التي كانت تقف على مقربة:


– خدي حنين وةارجعي بيها الفندق فورًا.


ثم استدارت إلى ابنها، تنظر إليه وكأنها لا تعرفه، صوتها مختنق بالغضب وخيبة الأمل:


– إنت إزاي تعمل فيها كده؟!


إنت أكيد اتجننت!


أنا بقالي  سنين ما ضحكتش، ما حسّيتش براحة ولا بسعادة زي اللي حسّيتهم اليومين اللي خرجتهم معاها.


ثم أشارت إلى جهة الفندق:


– بنت أختك ما عاشتش طفولتها غير معاها...


ما كانتش بتاكل من غير محايلة، ولا كانت بتضحك إلا وهي في حضنها.


كأن ربنا عوّضني أنا و حفيدتي بيها عن فُراق بنتي، و عوّض بنتها الحب والحنان اللي التحرمت منهم فجأة!


توقفت، صوتها بدأ يرتعش، ودموعها تحجّرت في عينيها:


– وإنت... بكل برود... جاي تبعدها عننا؟!


كأنك بتحرمنا من الفرحة... من الراحة اللي بنحس بيها بوجودها؟!


سكتت لوهلة، ثم تمتمت بألم عميق:


– يا خسارة ثقتي فيك، يا مروان...


وأدارت له ظهرها، كأنها لم تعد تراه.


وقف مروان في مكانه، و كأن كلمات والدته صفعت قلبه قبل وجهه. لم يكن يتوقع منها هذه الثورة، لكنه حاول أن يُبرر، وصوته يحمل شيئًا من الرجاء:


– ... أنا عملت كده بدافع خوفي عليكم، يا ماما.


إحنا منعرفش عنها حاجة، غير اسمها!


نظرت إليه سهير، نظرة تحمل في طيّاتها مرارة الأم وخذلان 

و  ضحكت ضحكة حزينة، ممزوجة بالقهر، وقالت بصوت خافت لكنه حاد:


– لو كنت عايز تعرف...

في خلال ساعة واحدة، كنت عرفت عنها كل حاجة من يوم ما اتولدت!


– ماخدتش لقب "الجهنمي" من فراغ.


إنت بتعرف عن أعدائك حاجات هما نفسهم ما يعرفوهاش!

********


رجعت نسمه وهي تشعر بالإهانة لأول مرة في حياتها.

حد يعاملها كده! الحزن يعتصر قلبها من فراق "حنين" و"سهير".


ألقت السلام على أهلها و اغتصبت ابتسامة حتى لا يشعروا بشيء.


سمعت صوت أخيها:

– الجميل بقاله كام يوم ورا بعض بيخرج و حرّمنا من وجوده! أنا مش مصدق.


نسمه بحنان:

– معلش يا حبيبي، ضيوف وواجب إكرامهم، بس أخدت منهم أجازة.


أنت عارف، مش بحب أخرج كل يوم.


هيام:

– ليه يا قلبي؟ كل الناس بتخرج عادي.


نسمه:

– لا يا ماما، لو مافيش سبب للخروج يبقى مالوش لازمة.


خالد بحكمة:

– الناس بتخرج تتمشى و تغيّر مود، مش لأزم نروح أماكن معينة، نمشي رجلينا بس.

المشي رياضة وصحة.


نسمه:

– هاخد أجازة يومين، وبعدين أبدأ من جديد.


– أنا داخلة أغير وأصلي… تصبحوا على خير.


دخلت غرفتها، صلت فرضها، وأغلقت الهاتف، ثم ذهبت في نومٍ عميق تهرب به من جرح كرامتها.

*******


بعد يومين، كانت سهير تحاول الإتصال بنسمه، لكن هاتفها مغلق، وحنين مستمرة في السؤال عنها:

– تيته، نسمه هاتيجي إمتى؟ طيب تعالي نروحلها.


سهير تجنبت التعامل مع مروان،

وعندما عاد وجدها حزينة، ليسألها:

– مالك يا أمي؟

لم يتلقَ ردًا.


قال:

–طيب لبسي حنين علشان نخرج، أنا جيت بدري علشانكم.


لم ترد عليه، و تمددت ب جوار حنين وذهبت في النوم، وهي تنوي الذهاب غدًا لنسمه.


في الصباح، ذهبت سهير إلى كريم صاحب الفندق:

– لو سمحتي، ممكن أقابل بشمهندس كريم؟


بلغته:

– مدام سهير الفيومي.


دخلت المكتب بابتسامة، وقف كريم وقال:

– أهلاً وسهلاً يا فندم، أتفضلي.


سهير:

– شكرًا، أنا كنت عايزة منك خدمة.


تحدث بإحترام:

– حضرتك تأمري.


قالت:

– كنت عايزة عنوان نسمه وحد يوصلني عندها.


كريم، باستغراب:

– فيه حاجة حصلت؟


سهير:

– لا أبداً، بس بقالي يومين ما شوفتهاش، وحنين مجناني، عايزاها و فونها مغلق، كنت عايزة أطمن عليها.


قام كريم من خلف مكتبه وقال:

– أتفضلي، حضرتك أوصلك.


سهير، بحرج:

– لا مش ممكن حضرتك هتوصلني.


كريم، بتواضع:

– مافيش مشكلة، حضرتك في مقام والدتي.


*****


في منزل نسمه 

قالت نسمه وهي تقترب من والدتها:

– ماما، أنا داخلة أصلي الظهر، عايزة حاجة؟


ردت والدتها:

– لأ، كده جهزنا كل حاجة.


دخلت نسمه غرفتها 

في نفس الوقت  دق جرس الباب، وردت هيام عبر جهاز الديكتافون:

– مين؟


قالت سهير:

– أنا مدام سهير، نسمه موجودة؟


ردت هيام:

– أه، اتفضلي، هفتح الباب.


نزلت هيام لاستقبال الضيفة، وقالت مرحبة بها:

– أهلاً وسهلاً، اتفضلي.


اعتذرت سهير:

– أنا آسفة إنني جيت  من غير ميعاد.


ردت هيام بود:

– مافيش مشكلة، ده بيتك، تنوري في أي وقت. ده كفاية حب نسمه ليكي أنت وحنين.


وفي تلك اللحظة، ظهرت حنين من خلف سهير ، يحملها الحارس وهو يحمل معها شيكولاتة وورود.


قالت هيام:

– ما شاء الله، تعالي يا حنون، دي نسمه هتفرح قوي.


توجهت سهير إلى الحارس وقالت:

– أمشوا أنتم، وأنا راجعة هتصل بيكم.


دخلت سهير ، تأملت الشقة الكبيرة الجميلة المنظمة، ورائحتها العطرة التي تدل على يسر حال أصحابها.


خرجت  نسمه غرفتها دون أن تعلم هوية الزائر وهي تهتف :

– ماما، أنا هدخل أعمل .


قطعت  نسمه  كلمها عندما وجدت سهير أمامها، و احتضنتها بحب قائلة:

– أهلاً أهلاً يا سوسو.


ردت سهير بمرح:

– أهلاً بالهاربة!


انحنت نسمه، وحملت حنين، ودارت بها قائلة:

– وحشتيني يا حنون.


أجابت حنين بسعادة:

– وأنتي كمان، بس أنا زعلانة منك.


سألت نسمه:

– ليه بس يا قلبي؟


ردت حنين:

– لأنك ما جيتيش تلعبى معايا.


نسمه بطفولة :

– خلاص يا حبيبتي، هنلعب النهارده كتير، ونعمل كيك البرتقال اللي بتحبيه.


*********

يتبع


نسمه متمردة 

بقلمي أمل مصطفي 

البارت الثالث 

*********


هتفت حنين بطفولة :

– بس أنا زعلانة منك لأنك ما جيتش تلعب معي.


قبلتها نسمه وهي تردف باعتذار:

– خلاص يا حبيبتي، هنلعب النهارده كتير ونعمل أنا وإنتي كيكة البرتقال اللي بتحبيها.


قامت هيام، حاملة واجب الضيافة.


وجدت سهير الفرصة لتعترف لنسمه وتوضح لها موقف مروان:

– ماتزعليش يا حبيبتي من مروان، هو شكاك شوية بحكم وضعه.


ردت نسمه بحزن:

– ابن حضرتك جرّحني، وكلمني بطريقة غير لائقة، وأنا عمر ما حد عمل معايا كده!


اقتربت منها سهير ووضعت يدها على وجه نسمه قائلة:

– عالم المال والأعمال كله غدر وخيانة، أبني ناجح جدًا وله أعداء كثير في السوق. بيكون حذر مع الناس اللي بتقرب مننا خوفًا علينا، وده السبب أنه تعامل معاك بعدوانية. لكن لما يعرفك هتلاقي إنسان تاني، كله حنية وحب.


قالت نسمه:

– ربنا يخليه ليكم.


رجعت هيام وهي تحمل صينية عليها آيس كريم وعصير فريش.


فرحت حنين بالآيس كريم، وأخذت نسمه الآيس كريم، وقالت:

– لحنين، دوقي عمل إيدي وقولي أنا أحسن ولا بتاع المحلات؟


أكلت حنين كأسها كله بسعادة، وقالت:

– جميل يا ناني، بعد كده مش هاكل غير بتاعك.


ضحكت نسمه وقبلتها.


تذوقت سهير الآيس كريم مستمتعة بجماله، وقالت:

– بجد يا نسمه تسلم إيدك، يظهر إن نفسك جميل في الحلو.


ردت هيام بفخر:

– طبعًا، طالعة لباباها.


رمقتها سهير بتعجب، كانت تظن أنها ستقول "مامتها".


نفت هيام:

– لا، أصل خالد متخصص حلويات، هوايته عنده من وهو شاب، وهي طلعت زيه.


وقفت نسمه بتشجيع:

– يلا يا حنين، نعمل الكيكة قبل ما البيت يتزحم علينا.


لم تستوعب حنين معنى الكلمات، فسألتها بحيرة:

– يعني إيه يتزحم؟


أوضحت نسمه:

– يعني قبل ما باقي البيت يرجع، بابا وأخواتي.


سألتها حنين ببراءة:

– أنتي عندك أخوات؟ أنا مش عندي غيري، كنت نفسي في أخوات.


ضمّتها نسمه:

– خلاص، أنا وإنتي أخوات، وهاعطيكي أخواتي كمان.


صفقت حنين بفرحة كبيرة:

– يبقى عندي أخوات كتير!


ضحكت نسمه بمرح:

– آه يا ستي، صبيان وبنات كمان، ولا تزعلي.


وقفت سهير تستعد للدخول معهم، فهي محرومة من تلك الأجواء،

– خدوني معاكم.


اوقفها صوت هيام:

– طيب، تعالي البسي عباية.


دخلوا المطبخ، وأعجبت سهير بنظافة المكان ونظامه ولونه الهادئ.


شغلت نسمه هاتفها على أغنية نانسي "يا بنات"، ووضعت حنين على كرسي بجوارها، وقامت بتحضير مقادير الكيكة بسعادة ومرح.


وضعت نسمه أصابعها في الدقيق، ثم وضعته على وجه حنين وضحكت.


أخذت حنين قبضة الدقيق في يدها ورمته على نسمه.


، وتحول المطبخ لساحة حرب من الدقيق.


رن هاتف سهير، فردت وهي تضحك على ضحك حنين:

– ألو؟


أتاه صوت ابنها القلق:

– حضرتك فين يا أمي؟ وبتضحكي كده ليه؟


هتفت من بين ضحكها:

– أنا عند نسمه في بيتها، وبضحك عليها هي وحنين. أصل خلوا المطبخ كله دقيق، وشكل هيام قربت ترميهم هما الإتنين في البحر!


رد مروان بضيق:

– عرفتي مكانها إزاي؟


قالت:

– لما أرجع نتكلم أنا ، هقضي اليوم هنا، . سلام، الوقت.

*******

جاء والد نسمه، وقال:

– السلام عليكم.


ردت نسمه:

– وعليكم السلام يا بابتي، تعال شوف طنط سهير.


دخل خالد الصالون وقال:

– أهلاً وسهلاً مدام سهير، البيت نور.


ردت سهير بسلام:

– أهلاً بحضرتك.


اقتربت حنين تسأل بفضول:

– مين ده يا نسمه؟


رفعتها نسمه بين يديها وهي تعرفها عليه:

– ده بابا يا حنين، جدو خالد.


مدت حنين يدها ببراءة:

– أزيك يا جدوا؟


قال خالد مبتسمًا:

– أزيك يا حبيبتي، نورتي حياتنا.


صفقت حنين بسعادة وهتفت:

– أنا كده عندي اثنين، جدوا .


ضحك خالد وقال:

– ده شرف لي أن يكون عندي حفيدة جميلة زيك.


سألت نسمه:

– أخواتي فين؟


رد خالد:

– على وصول، أنا هشوف هيام وأجي.


وضعت هيام ونسمه الطعام على السفرة، وأصرت سهير على مساعدتهما.


دخل أحمد ومحمد ويوسف، إخوة نسمه.


القوات التحيه علي الحضور الذي رد بنفس الإحترام والمحبه 


قامت نسمه بتعريف إخوتها:

– دي طنط سهير، وده أحمد أخويا مهندس معماري.


قال أحمد:

– أهلاً وسهلاً بحضرتك، شرفتينا.


ردت سهير بابتسامة:

– أهلاً بيك.


تابعت نسمه:

– وده محمد تانيه ثانوي، وده يوسف آخر العنقود تانيه إعدادي.


قالت سهير:

– أهلاً وسهلاً يا شباب، أنا مبسوطة جداً بيكم.


ببراءة طفولية، قالت حنين:

– أنا زعلانة منكم، محدش سلم عليا، ولا سألني على اسمي.


ضحك الجميع على براءتها.


انحنى يوسف أمامها وقال:

– إزاي يا حنون، إحنا منقدرش على زعل القمر ده، وبعدين إحنا كلنا عارفينك

أنت  هنا أشهر من الملكة ديانا.


اتسعت عيناها فرحًا وقالت:

– بجد؟ يعني أنت عارفني؟


حملها يوسف بحب وقال:

– نسمه مش وراها حاجة غيرك، وكل شوية تفرجنا على صورك، و إحنا حبيناكي من قبل ما نشوفك.


صفقت حنين بسعادة وقبلت يوسف من وجنته، وقالت:

– وأنا كمان بحبكم، لأن نسمه بتحبكم.


*****

على المائدة، سألت سهير بفضول :

–نفسك  تكون إيه يا محمد؟


أجاب محمد بثقة:

– إن شاء الله طيار.


ابتسمت بإعجاب جميل ثم وجهه نظرها  إلى يوسف وسألته:

– وأنت يا يوسف؟ 


إن شاء الله هدخل طب.


قالت سهير:

– بس طب صعبه جدا!


رد يوسف بثقه يثير الإعجاب :

– أنا عندي هدف، وده هيخليها سهلة، وكل ما أتعب هدفي يقويني.


رمقتها سهير بنظرة إعجاب، رغم صغر سنه، لكنه يتحدث بثقة و لباقة ملفته .


قالت نسمه بحنان:

– أصل يوسف عايز يكون دكتور قلب.


سألت سهير:

– كمان محدد التخصص؟ أكيد عندك سبب.


تحدث يوسف بحزن عن تلك الذكرى:

– كان ليا صديق قلبه تعبان دايمًا، يقولي نفسي ألعب زيكم يا يوسف، بس الدكتور منعني من الحركة والمجهود. 


كنت بواسيه، بس ماكنتش حاسس بمعاناته. ولما تعبه زاد، أهله ماكانش معاهم تمن العملية، فضلت أجمع أنا وزميلي فلوس نساعدهم بيها. ولما بابا عرف، جه يدفع الفلوس، كان مات قبل ما يعملها.


أكمل يوسف بحزن، وقد أدمعت عيناه:

– أخدت على نفسي عهد أن أكون دكتور قلب و أعالج الأطفال و أساعد الناس المحتاجة.


قالت سهير بتأثر:

– ياه يا يوسف، أنت جميل جدًا من جواك، وربنا هيكون معاك وتحقق حلمك. وأنا كمان هبني مستشفى كبيرة للقلب، وتكون شريك فيها، ونعمل جزء مجاني بنفس مستوى الاستثماري.


رد يوسف بحماس:

– موافق طبعا، عشان نساعد الناس.


مر يوم جميل، وجو عائلي كانت سهير مفتقداه في حياتها، لأن الشغل أخذ وقت ابنها وزوجها.


قالت سهير لنسمه:

– حبيبتي، إحنا مسافرين بكرة بدري.


ردت نسمه بحزن:

– هشوف حضرتك تاني إمتى؟


قالت سهير:

– أنا وحنين اتعودنا عليك وعلى وجودك في حياتنا، كل مدة هنيجي نشوفك ونتكلم  واتساب.


احتضنت نسمه الجميع بحب وبكت لفراقهم.

رغم أنها أيام معدودة لكن كانت لارواحهم حياة 


*******

بعد شهر، 

كانت تتحدث نسمه بمحاولة :

– يا بنتي، تعالي معانا. إحنا هنمشي الفجر، وفجر اليوم التاني نكون رجعنا.


نغم بخوف:

– لا يا أختي، أنا مش هروح مع أخوكي، ده في حتة ده عصبي ومش بيطيقني.


ضحكت نسمه :

– يا بنتي، أنتي تطولي تمشي مع المز ده؟


أحمد ده جنتل مان، والبنات بتجري وراه،


 وحضرتك  مش عايزة تروحي معاه مشوار.

بكرة تتحايلي عليا عشان تتجوزيه، وأنا مش هوافق.


ضحكت نغم عاليًا:

– لا يا أختي، خليهلك، دنا بخاف منه، وهو عامل زي جون سينا كده. فاكره الشاب اللي كان بيعاكسني؟ دخله المستشفى شهر.


نسمه بذهول:

– أنتِ يا بنت هبلة، ده كان بيتحرش مش بيعاكس.

تصديقي عندك حق، أخويا كان غلطان، كان سابه يحس براحته و ماكنش يتدخل.


 نغم بتوتر من تلك الذكري :

– لا مش قصدي، بس كان ضربه خبطتين وخلاص، مش يكسره كده.


 نسمه بصدق :

– رغم أنه صعب عليا، بس أحمد كان قاصد عشان ما يقدرش يفكر يضايق بنت بعد كده.


أفرضي بنت تانية ملقتش حد  يدافع عنها، تخيلي ممكن يحصلها إيه. ربنا يستر.


 نغم بتفهم :

– خلاص يا حبيبتي، خلي بالك من نفسك، وأنا هكلمك عشان أشوف عملتي إيه


*********

هناك في فرنسا 


تجلس سهير جوار اختها في حديقة المنزل تحدثها بحماس :

– بصي، البنت مافيهاش غلطة، جمال وأدب وأخلاق عالية وتعليم، بس مش عارفة أجيبها له إزاي.


أردفت هند بتفهم:

– بصي، ابنك مش سهل حد يفرض كلمته عليه.


هو لو ساكت، ده خوفً عليكي، وأنتي عارفة كده كويس.


بس ممكن تدخلي له من نقطة حبه وخوفه على حنين، 

إن حنين اتعلّقت بيها وعايزة تكون معاها دايمًا، وأنتي خايفة لو اتجوزت و مبقتش تسأل، حنين ممكن تتعب و يجلها اكتئاب.

أنتي عارفة حنين إيه بالنسباله.


سهير بحيرة:

– مش عارفة والله.

البنت من النوع الرومانسي، و خايفة أظلمها، هي ما تستاهلش.


– بيحب الزفتة شاهي، رغم إنه بيحاول ما يظهّرش ده قدامي .


هند بنصح:

– طيب ليه بقى تعب القلب ده؟ سيبيه ياخد اللي عايزها.


سهير بضيق:

– أنا عايزة واحدة تحافظ عليه، وتكون أم لأولاده، مش كل همها السفر والموضة، وكل يومين في بلد شكل.


هند بتعجب:

– يا حبيبتي، كلنا كده، بنسافر و بنلبس و بنروح نوادي!


سهير بنفي:

– آه، بس بنحب رجالتنا، مش فلوسهم، و بنربي ولادنا بحب، مش بنرميهم للدادات.


هند:

– خلاص، عليكي أنتي وحنين استعطافه.


*********


وقف أحمد أمام صرح ضخم، نظرت نسمه بإعجاب إلى هذا المبنى الشامخ، دليل شدة ثراء أصحابه.


– هو ده المكان يا أحمد؟


أحمد:

– آه يا حبيبتي، ادعيلي. لو اتقبلت هنا، هتكون أهم خطوة في مستقبلي المهني، و هتوفر عليّا تعب سنين.


نسمه بحب:

– ربنا يوفقك، وبعدين هما يطولوا! أنت امتياز أربع سنين، والأول على دفعتك.


– بصي، الشركات الكبيرة دي هي اللي بتحدد، مش الكلية. يعني مجتهد اترفد من عندهم، يبلّ شهادته ويشرب ميتها!


اسمهم اللي بيتحط في السي في بتاعك مهم جدًا، و بيفتحلك كل الأبواب.


نزل أحمد بوسامته و طَلّته الرجولية، أخذ يد نسمه، ودخل إلى الريسبشن، وسأل عن مكان المقابلة.


– الدور التالت.


نسمه:

– أنا هستناك هنا.


أحمد:

– خليكي معايا فوق عشان أكون مطمئن.


نسمه:

– لا يا حبيبي، مش عايزة أسببلك مشاكل و إحنا مش عارفين النظام.


أنا هكلم طنط سهير، لو موجودة، وأنت لسه قدامك بدري. هخليها تقابلني هي وحنين.


أحمد:

– أنا كده مش هبقى مطمئن.


– عيب يا بشمهندس، ده أنا تربيتك وبعرف أدافع عن نفسي... وحياة دروس الكنغ فو!

يلا، ربنا معاك، وبينا تليفونات.


بقلم أمل مصطفى


*******

هناك في مكتب مروان 


تحدث سيف بتشجيع 

 يلا يا مروان، المهندسين كلهم بره علشان الإعلان.


مروان برفض اعمل إنت الـ"إنترفيو" المرة دي 


– ليه يا مروان؟ أنت على طول اللي بتقابلهم.


–  معلش، أنا مش فاضي. ومصدع 


شوف أكفأ أربع مهندسين علشان القرية الجديدة.

– تحدث بموافقه 

 ماشي... ده شكله يوم صعب، أسيبك بقى علشان ألحق أخلص.


*********


في مقر الشركة


صعد أحمد السلم لأنه لا يحب استخدام الأسانسير. فوجئ بعدد كبير من الشباب والبنات ينتظرون أمام قاعة المقابلات.


تحدث لنفسه بدهشة:

– "جيت بدري، ألاقي كل ده موجود؟ أومال لو كنت اتأخرت!"


نظرت له بعض الفتيات بإعجاب شديد. فهو شاب بعيون خضراء وشعر يميل إلى الأصفر، يمتلك جسدًا رياضيًّا، ويرتدي قميصًا أخضر و بنطلونًا أسود، ويضع على ذراعه بليزر أسود أنيق.


لم يجد مكانًا للجلوس، لاحظ بعض الشباب يستندون على الحائط، وقف جوارهم.


– أحمد (بابتسامة): هو أنتم هنا من إمتى؟


– الشاب المجاور (مبتسمًا): من الساعة 6 الصبح.


–  ياه! الشركة بتفتح 8 والمقابلة الساعة 9، ليه جاي بدري كده؟


– الشاب: الشركات الكبيرة دي حلم كل شاب متخرج. فلازم نيجي بدري و نستنى. أنا عن نفسي مستعد أقعد أسبوع جنب بوابتهم!


ابتسم أحمد وقال:

– ربنا يوفقك.


– سأله الشاب عن أسمه و تعارفوا بهدوء 

ومد يد كلا منهم للسلام 

أنا احمد وأنا نادر 

رد الأثنين علي بعضهم في نفس الوقت تشرفنا 


******

في ريسبشن الشركه 


قامت نسمه بإجراء اتصال عبر واتساب 

 وما إن سُمِع صوت سهير حتى هتفت بسعادة:


– "إزيك يا سوسو؟ وحشتيني!"


ردت سهير بلهجة حنونة:


– سهير: "إنتي أكتر يا قلبي... عاملة إيه؟ إزي ماما وبابا؟"


– نسمه: "الحمد لله، كلنا بخير. فين حنين؟"


– سهير: "نايمة... إحنا دلوقتي في فرنسا عند أختي."


أردفت نسمه بنبرة شوق:


–  "أنا كنت في القاهرة وقلت أعدي أشوفك إنتي وحنين، وحشتني جدًا."


صمتت سهير لحظة، ثم مازحتها:


– سهير: "حنين بس؟"


ضحكت نسمه بخفة:


– نسمه: "وحضرتك طبعًا!"


ابتسمت سهير وقالت:


– سهير: "بتعملي إيه في القاهرة؟"


– : "أحمد عنده مقابلة شغل هنا."


–  "ربنا يوفقه يا رب. آسفة جدًا، كان نفسي أشوفك."


أضافت بعد تنهيدة:


– سهير: "قدّمنا ونرجع 

وأول ما نرجع هاجي لكم. وحشتيني جدًا، وحنين .. هتتجنن و تجي تزوركم، خصوصًا علشان يوسف."


ضحكت نسمه، وقالت مداعبة:


– : "تصدقي؟ هو كمان مش مبطل يسأل عليها، وكل شوية عايز يشوف صورها!"


– سهير مشاغبة  "من الوقت؟ طيب يصبروا شوية."


– "مش كده برضه؟"


ضحكتا معًا،  .

*****

عندما رن هاتف مروان بالنغمه المتخصصه لوالدته ترك ما بيده ورفعه 

 سريعًا وردّ بصوت يحمل شوقًا ظاهر :


– "ألو... إزيك يا أمي؟ وحشتيني، وحنين وحشتني أوي."


جاءه صوت سهير حزينًا، يخترق قلبه:


– "حنين مش بخير يا مروان، بقالها كام يوم رافضة الأكل، و بتعيط طول الوقت... عايزة نِسمه."


عقد حاجبيه، ثم ردّ بعصبية:


–  "وبعدين في الموضوع ده؟ مش هنخلص منه بقى!"


–  "يا حبيبي، البنت متعلقة بيها، أعمل إيه؟! و ديّناها لدكتور هنا، قال إنها حالة نفسية، ولازم نعرف سببها... البنت صغيرة، وجسمها ضعيف."


زفر مروان بقوة وقال بانفعال:


–  "طيب وبعدين يا أمي؟ أروح أجيب نسمه غصب عنها وأحبسها في الفيلا؟!"


ردّت سهير بهدوء لكنها بدت مترددة:


– "لا... بس خالتك لفتت نظري لحاجة ممكن تكون حل."


– مروان: "إيه هو؟"


ساد الصمت للحظة، ثم قالت متوترة:


–  "بس يمكن ترفض... خالتك بتقول تتجوزها."


صُدم مروان، وارتفع صوته بغضب:


–  "نعم؟! مين اللي يتجوزها؟! مستحيل طبعًا... أنا مش هتجوز غير شاهي!"


انهارت سهير بالبكاء، صوتها خرج مخنوقًا بالحزن:


–  "أنا عارفة... بس غصب عني، أنا خايفة على حفيدتي، خايفة تروح مني زي أمها. أنا مش هتحمل ده يا مروان..."


لم يتحمل مروان سماع صوت بكائها  . 

حاول تهدئتها، قلبه مثقل بالأفكار:


– "اهدي يا أمي، عشان قلبك. أنا هلاقي لها حل... بس هاتي حنين وتعالي، أنا عايز أطمن عليها."


وما إن أنهى المكالمة، حتى ألقى بالهاتف على المكتب بعنف، ثم زاح كل ما أمامه في نوبة غضب، ليعمّ الصمت الغرفة بعد العاصفة التي بدأت بداخله.


***********


بينما كانت نسمة منشغلة في الحديث عبر هاتفها المحمول، اصطدمت فجأة بأحدهم دون قصد. رفعت عينيها سريعًا وقالت باعتذار خجول:


– "آسفة... ما كنتش و اخدة بالي."


نظر إليها الشاب بدهشة وإعجاب لم يحاول إخفاءه، ثم رد بابتسامة لطيفة:


– "مافيش مشكلة... أنا اللي المفروض أعتذر، دي الأصول."


هزّت نسمة رأسها نافية، وأردفت بتواضع:


– "لا أبدًا، أنا كنت بتكلم في الفون وده غلط مني. آسفة مرة تانية... عن إذنك."


همّت بالابتعاد، لكنه استوقفها بصوته:


– "أنتِ... شغالة هنا؟"


نظرت إليه بسرعة ثم أجابت ببساطة:


– "لأ، أنا مع أخويا... عنده مقابلة عمل،."


ظل الشاب واقفًا، ينظر إليها بدهشة و انبهار، ثم تمتم بصوت خافت، كأنه يحدّث نفسه:


– "إيه ده؟! أنا قلبي كان هيقف... الجمال والرقي ده! دي أكيد مش من كوكب الأرض..."


*******


في مكتب أنيق يتوسطه مكتب ضخم وأوراق متناثرة فوقه، دخل أحمد بخطوات واثقة، ثم ألقى التحية بصوت هادئ:


– "السلام عليكم."


لم يرفع سيف عينيه عن الملف المفتوح أمامه، واكتفى بالرد دون أن ينظر إليه:


– "وعليكم السلام... أنت أحمد خالد الحسيني؟"


أجاب أحمد بثقة:


– "أيوه يا فندم، أنا هو."


رفع سيف رأسه أخيرًا ونظر إليه نظرة سريعة قبل أن يعود إلى الملف وقال:


– "طيب، تفضل اقعد... بصراحة، الـCV بتاعك حاجة مشرفة. أربع سنين امتياز، ثلاث لغات، و كورسات كمبيوتر، لكن لأزم تعرف إن الشغل عندنا محتاج مجهود وتعب أكتر من الكلية بمراحل."


أومأ أحمد بإيجابية وقال بحماس:


– "أكيد يا فندم، وإن شاء الله أكون عند حسن ظن حضرتك."


ابتسم سيف ابتسامة صغيرة وقال:


– "استنى منّا اتصال قريب، وإن شاء الله تكون من ضمن الفريق."


نهض أحمد من مكانه ومد يده مصافحًا:


– "ده شرف ليا، و شكرًا على وقت حضرتك."


******

يتبع

تكملة الرواية من هناااااااا 


تعليقات

التنقل السريع