القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية ليتني لم أحبك الفصل التاسع والعاشر بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايات

 

 رواية ليتني لم أحبك الفصل التاسع والعاشر بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايات 






 رواية ليتني لم أحبك الفصل التاسع والعاشر بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايات 



 


 


 


الفصل التاسع


 


اذكروا الله 🩷

_______

بقصر الزيني – مكتب صلاح الزيني

كانت الغرفة يغمرها التوتر، الهواء ثقيل بالكتمان، وصلاح يجلس خلف مكتبه، يداه تضغطان على وجهه بإرهاق داخلي، كأن قلبه لا يريد تصديق ما سمعه للتو من حفيدته "هايدي" فكرة أن يكون حفيده قد أهان شرف البيت وأخطأ مع ابنة عمه كانت كافية لتشتعل النار في صدره


طرق الباب بخفة، وما هي إلا لحظات حتى دخل فريد، يغلق الباب خلفه بهدوء يسبق العاصفة، وقال:

– حضرتك طلبت تشوفني، يا جدي


نهض صلاح من خلف مكتبه واقترب منه بخطوات ثقيلة، نبرة صوته تقطر صرامة وغضبًا:

– حصل حاجة بينك وبين هايدي؟ الكلام اللي قالته ده صح؟


حاول فريد التهرب، التفسير، التبرير، فقال بتردد:

– يا جدي...


قاطعته صرخة صلاح الصارمة :

– آه أو لأ


لم يجد فريد مفرًا، أومأ برأسه، وداخله يشتعل غضبًا من هايديؤ وما إن أومأ، حتى انهالت عليه صفعة من يد جده، صفعة قاسية أشعلت خده وغرست في داخله مزيجًا من الصدمة والغضب


اتسعتا عينيه  بدهشة، ولم يجد ما يقوله، إلا أن صلاح هدر بعنف:

– كان لازم أعرف إن وساختك هتطول حد من دمنا،  هي حصلت مع بنت عمتك؟ يا حيوان؟!


رد فريد بانفعال:

– مكنتش في وعيي، والهانم كانت عارفة ده كويس، بعدين، هي ما قالتلكش إنها مش الأولى ليها؟!


صُعق صلاح من جرأته، لكنه لم يتراجع، بل زاد صوته حدة:

– تسيب البنت اللي هتتجوزها، وتكتب كتابك على بنت عمتك في أقرب وقت، مفهوم كلامي


رد فريد بجمود غاضب، يحاول كبح انفجاره:

– مع احترامي، بس لأ... هايدي لو آخر واحدة في الدنيا، مش ممكن أتجوزها، أنا مش هشيل الليلة بتاعت غيري !!!!!


قالها وغادر المكتب بخطوات مشتعلة، خرج من القصر بأكمله، وكأنه لا يريد أن يختنق أكثر في هذا المكان


لكن فريد لم يكن يعلم أن خلف الباب، تقف هايدي... كانت تستمع لكل كلمة، وكل إهانة، وكل رفض خرج من بين شفتيه.


كانت واقفة، تلتهمها الكلمات كأنها صفعات متتالية... "مش هشيل الليلة بتاعت غيري"، "مش ممكن أتجوزها"... كل حرف كان يغرز في كرامتها مسمارًا


لكن الدموع لم تجد طريقها لعينيها... بل كانت عيناها تلمعان بنار الانتقام، والأنوثة المجروحة، والغل المتفجر


أقسمت... أقسمت في سرها أن تجعل فريد الزيني يأتي إليها يومًا، راكعًا، طالبًا رضاها، متوسلاً الزواج منها... أقسمت أن تثأر لكرامتها !!!!!!

..........

بمنزل أكمل النويري



كانت تيا جالسة على سريرها، تتفحص هاتفها بلا هدف، حتى تنبهت فجأة لرسالة واردة عبر بريدها الإلكتروني، فتحتها بفضول، وما إن قرأت السطور الأولى حتى اتسعت عيناها بفرحة عارمة، فقد كانت الرسالة تُخبرها بقبولها في العمل الجديد، وأن عليها الحضور غدًا لاستلام مهامها رسميًا




لم تستطع كتمان حماسها، وسارعت بإجراء مكالمة جماعية جمعت بينها ومي ورغد لتجد انهما وصلت لهما نفس الرسالة بقبولهما في العمل


مي بسعادة طفولية :

والله أنا كنت فاقدة الأمل إني اتقبل في الشغل ده بس الحمد لله اتقبلت


رغد بحماس مماثل لهم :

الحمد لله، هنتدرب في نفس المكان سوا، ده أحلى خبر بجد انبسطت اوي اوي


ردت عليها تيا بسعادة :

صحيح متنسوش، لازم نروح بكرة في الميعاد بالظبط، أول انطباع مهم اوي


رددت مي بحماس :

خلاص بكره هعدي عليكم ونروح سوا بالعربية


رغد بمرح :

أنا مستعدة من دلوقتي


ضحكت مي وقالت بتذكر :

متنسوش كمان إن بكرة بالليل عيد ميلادي، هيكون في النادي، هبعتلكم العنوان في رسالة


استمرت المكالمة لدقائق قليلة تملؤها الضحكات والنقاشات الحماسية، ثم أنهتها تيا وهي تكاد تقفز من مكانها، نهضت وبدأت بتجهيز ملابسها لليوم التالي، وعقلها مليء بالأفكار، وحماسها لا يُخفى على ملامحها


غدًا سيكون يومًا مختلفًا... يوم تبدأ فيه خطوة جديدة نحو المستقبل !!!

..........

في غرفة هايدي.......

كانت تجلس على طرف سريرها، عيناها تضجان بالغضب والرغبة في الانتقام، أمسكت بهاتفها واتصلت برزق، ذلك الشخص الذي كلفته بمراقبة فريد عن كثب


رزق من الطرف الآخر :

فريد باشا طلع شقة كده لوحده من حوالي عشر دقايق


هايدي بلهفة ولهجة آمرة:

العنوان فين؟


أملاها العنوان بصوت خافت، فأغلقت المكالمة على الفور، نهضت من مكانها بسرعة، وارتدت فستانًا أسود قصيرًا جريئًا، زينت كتفيها بفرو رمادي ناعم، ثم خرجت من القصر بعزم، وجهها مصمم على تنفيذ خطتها مهما كان الثمن !!!!

.......

في الشقة التي ذهب إليها فريد


جلس على الأريكة، جسده شبه عارٍ، يحمل زجاجة خمر يحتسي منها بشراهة، عيناه لا تفارقان باب غرفة مغلقة... تلك الغرفة التي أصبحت لعنة في ذاكرته، هناك فقد شيئًا لم يقدره في حينه، والآن لا يتوقف عن التفكير فيه !!!!


حديثه مع جده أعاد له مشهد الذنب الكبير، استعاد في ذاكرته صورتها، ملامحها، صوتها... وكل شيء فيه يصرخ بندم


رن جرس الباب، تنهد بضيق وهو يترنح بفعل الكحول، فتح الباب ليجد هايدي أمامه، متزينة كأنها خارجة من مشهد سينمائي، تقترب منه بغنج وهي تقول بصوت ناعم :

واحشني يا حبيبي...


اقتربت منه واحتضنته دون استئذان، وهمست بإغواء:

هايدي الليلة دي ملكك... بتاعتك... رهن إشارتك


ثم خلعت الفورير، واقتربت لتقبله، لكن فريد دفعها باشمئزاز وهو يصرخ بغضب :

غوري بره


لم تستسلم، تبعته للغرفة، وجدته واقفًا ينظر للفراش بعينين دامعتين، للمرة الأولى ترى هايدي هذا الوجه منه، لكنه لم يترك لها فرصة



هايدي بصوت خافت، مليء بالإغراء :

مش عاوز تعيد الليلة اللي فاتت؟


كاد يستسلم... لكن ذكرى من يحب عادت لتطرده من لحظته تلك. دفعها مرة أخرى، وأمسك بمتعلقاتها، وألقاها عليها خارج الباب، صرخ فيها بأعلى صوته :

صدقيني عمري ما شوفت رخص بالشكل ده، ايه مش بتفهمي، مفيش عندك شوية كرامة، متخلينيش أشوف وشك تاني... حتى لو صدفة !!!!


أغلق الباب في وجهها، وقد اهتزت هايدي من وقع كلماته، شعرت بإهانة لم تعهدها من قبل، نزلت بسرعة وهي في شرود تام، دخلت سيارتها ولم تنتبه لتلك الشاحنة أمامها، انحرفت فجأة لتتجنبها، لكن ارتطمت بشجرة بقوة عنيفة !!!!!!!!

.......

في المستشفى.....

مرت دقائق قبل أن تفتح هايدي عينيها بوهن، شعرت بألم ينهش جسدها، حاولت النهوض، لكنها تأوهت من يدها المصابة، اقترب منها شاب كان واقفًا قرب سريرها يسألها بقلق :

– حضرتك كويسة؟ حاسة بإيه؟


سألته هايدي بتعب :

– أنا... أنا بعمل إيه هنا؟


رد عليها بقلق :

حضرتك عملتي حادثة، وكنت قريب من المكان، فنقلتك المستشفى فورًا


لم ترد، لكن بدت شاردة... لحظة خاطفة اقتربت فيها من الموت جعلت أفكارها تتغير، دخل الطبيب وألقى نظرة سريعة عليها قائلاً بجدية :

– الحادثة كانت جامدة، عندك كدمات وكسر في إيدك الشمال، حطينا جبس وهتفكيه بعد أسبوعين


اكتفت بإيماءة باهتة، لم تهتم بالكسر بقدر ما كانت تفكر في شيء واحد... ماذا لو ماتت؟ كيف كان سيكون مصيرها؟!


نظرت لذلك الشاب مرة أخرى، ثم قالت بصوت خافت:

– ممكن توصلني؟ مش قادرة أسوق


رد عليها سريعًا :

– أكيد، طبعًا !!!!!

........

بقصر الزيني، دخلت هايدي القصر بخطوات واهنة، وما إن رآها أهل القصر حتى هرعوا نحوها بقلق، لكنهم صُدموا حين وقفت أمام جدها مباشرة وقالت بحزم:

– أنا مش عاوزة أتجوز لا فريد ولا أيهم... وأول ما أتحسن هسافر شرم وأقعد في الأوتيل هناك


قالتها وغادرت مباشرة لغرفتها، بينما الجميع تجمدوا في أماكنهم من الصدمة، خاصة فادي... الذي لم يفهم حتى اللحظة ما الذي جرى لها




لا يعلم ان لحظة واحدة فقط....كانت كافية لتغيير كل شيء فيها !!!!!!

.........

في صباح اليوم التالي


استيقظت تيا تشعر بالحماس يملأ روحها، اليوم بداية جديدة، خطوة نحو المستقبل الذي لطالما حلمت به، ارتدت ملابسها بسرعة، نزلت للأسفل، حيث كانت مي ورغد بانتظارها، ودعت الجميع في المنزل، ثم غادر الثلاثة سويًا، تتقافز خطواتهم على الرصيف، تحملهم مشاعر مختلطة من الترقب والتشويق

.......

داخل الشركة، وصلوا إلى مبنى الشركة الأنيق، صعدوا مباشرة إلى مكتب المدير المالي الأستاذ شهاب، الذي كان ينتظرهم بالفعل، ما إن وقعت عيناه على مي لم يستطع إخفاء انبهاره، فقد علقت صورتها في ذهنه منذ اليوم الأول لرؤيتها... وها هي أمامه مجددًا




ابتسم لهم بحرارة وقال:

– أهلاً بيكم... اتفضلوا اقعدوا


جلس الثلاثة أمامه، بينما استمر هو بشرح تفاصيل التدريب:

– حضراتكم هتتدربوا في قسم المحاسبة، واللي هيكون مسئول عن تدريبكم الأستاذة منال، فيه كمان سبعة متدربين غيركم، لأننا هنا بناخد عشرة بس كل دفعة، التدريب هيبدأ من النهاردة من الساعة تمانيه الصبح لحد اتنين الضهر، وتلت أيام في الأسبوع ولو شغلكم كويس، أول ما تتخرجوا بإذن الله، هيبقى في شغل ثابت ليكم هنا في الشركة


كان يتحدث بجدية، لكن عينيه بين الحين والآخر تسرق نظرة باتجاه مي التي لم تلحظ ذلك لانشغالها بالاستماع :

– السكرتيرة هدى واقفة بره، هتوصلكم لمكتب الأستاذة منال، وهناك هتتعرفوا على طبيعة شغلكم وعلى زمايلكم


شكرته الثلاثة، ثم خرجوا مع هدى باتجاه القسم المطلوب

.......

بين الأروقة، كانت مي ورغد تسيران بجوار بعضهما


فرددت رغد بإعجاب :

بسم الله ما شاء الله، المكان جميل جدًا وشيك، يفتح النفس ع الشغل مش زي مكتب المحاسبة اللي صبري كان عاوزنا نتدرب فيه… كئيب ويقرف


ضحكت مي وقالت فجأة :

– خطيب رونزي صاحبة اختك دي....اسمه إيه يا تيا


نظرت لها تيا باستغراب :

– فريد... بتسألي ليه؟


ردت مي بحماس مصطنع :

– ما أنا عارفة إنه فريد، بس رونزي قالتلي إنه فريد الزيني.

يعني الشركة دي تبع عيلته


شهقت تيا بدهشة وقالت :

– أنا مكنتش أعرف إن اسمه الزيني وبعدين تفرق في إيه؟ إحنا جاين نتدرب ونشتغل، ماله ومالنا؟ هو من عيلتنا يعني؟ ليه الحماس ده؟ يهمك في إيه؟"


تلعثمت مي للحظة، فقد كادت أن تنكشف نواياها، لم تكن تود أن يعلم أحد بما يدور داخلها… بأن قلبها خفق بقوة من أول نظرة لأيهم، الشاب الغامض الوسيم، الذي أثار اهتمامها وأشعل رغبة في قلبها لإثبات ذاتها وجذب انتباهه


غيرت الموضوع سريعًا، مبتسمة في محاولة لتخفيف التوتر:

– المهم إننا هنبدأ شغل... يا رب نكون قدها !!!!!!

........

بمنزل أكمل النويري......


خرجت رونزي من المنزل متوجهة إلى قصر الزيني كما طلبت منها دولت أن تفعل.


ركبت المصعد، وما إن توقف عند الطابق الأسفل حتى فتح بابه ليدخل ذلك الشاب الذي رأته سابقًا، أحد أقرباء جيانا. ابتسمت له رونزي ابتسامة صغيرة وقالت:

– إنت قريب جيانا، مش كده؟


أومأ لها ثم قال بهدوء :

– وحضرتك تبقي صحبتها، صح؟


أومأت له، ليكمل هو بابتسامة خفيفة:

– أنا آسر إبراهيم النويري، ابن عمها


ابتسمت له وقالت :

– وأنا روزي.....رونزي مجدي القاسم !!!!!


اتسعت عيناه بدهشة، واسمها يتردد داخله بصدى غريب :

– بنت مجدي القاسم؟!




أومأت له، فابتسم هو بغموض يخفي وراءه الكثير :

– أهلًا... أهلًا بيكي !!!!

..........

في المساء، اجتمع الجميع في حفل عيد ميلاد مي، حضر عز برفقة أحفاده، وكان من بينهم آسر وسمير، كما حضر فريد برفقة رونزي، وأيهم الذي جاء على مضض، أو هكذا بدا لهم


في أحد أركان الحفل، كانت جيانا واقفة بجانب سمير الذي قال لها مازحًا :

– تحبي أقولك نكتة؟


ضحكت جيانا وردت عليه :

– أكيد هتكون دمها تقيل زيك


رد عليها سمير بغيظ مصطنع :

بقى أنا دمي تقيل؟


جيانا ببرود :

عندك شك في كده


نظر لها بانزعاج طفولي، وقال:

– إنتي باردة أوي


أخرجت جيانا لسانها له، ثم قالت بمشاكسة:

– ماشي يا سخن


رفع يده مهددًا وكأنه سيضربها، فقالت متحدية:

– راجل، اعملها وشوف هعمل فيك إيه


كور يده كأنه يغيظها ثم قال:

– أنا ما برفعش إيدي على ستات... أنا أصلًا غلطان إني جيت وقفت معاكي، إنتي أصلاً بت مستفزة


ابتسمت له ابتسامة صفراء وقالت :

– من بعض ما عندكم يا سمورة


ضحكت وهي تراه ينفخ بغضب ويضرب الأرض بقدمه كالطفل، غافلة عن العيون التي تراقب من بعيد، تحترق غيرة


اقترب فريد منها فجأة وسأل بغير تفكير:

– في حد في حياتك؟


نظرت له بصدمة، تجاهلت سؤاله وكادت أن ترحل، لكنه أمسك يدها ومنعها قائلًا بألم :

– مش كل مرة أكلمك تسيبيني وتمشي، عارف إني أستاهل اللي بتعمليه فيا، بس صدقـ...


قاطعته جيانا، دافعة يده عنها بغضب وهمست بصوت خفيض حاد :

– مش برد عليك يعني مش طايقة أسمع صوتك، أنا بقرف لمجرد إن عيني تشوفك، مش بس أكلمك، مش طايقاك ولا طايقة أي حاجة تخصك، حقيقي مش عارفة رونزي هتتجوز واحد زيك على إيه... واحد ماعندوش لا أخلاق، ولا دم، والبجاحة طبع فيه، أنا نفسي مش عارفة ازاي في يوم من الأيام فكرت فيك


احمر وجه فريد غضبًا وهتف بضيق :

– جيانا !!!!!


لكن صوت صارم أوقفه قائلاً بحدة :

– جيانا، سيبينا لوحدنا


كان الصوت لجدها، عز ترددت جيانا ثم توجهت نحو آسر وسمير، بينما وقف عز في مواجهة فريد، ونظراته لا تحمل سوى التهديد قائلاً بغضب :

– من غير حلفان ولا تهديد... لأني هنفذ فورًا، لو شوفتك قريب من حفيدتي أو فكرت تأذيها، صدقني اللي هيحصل مش هيكون خير، لو كنت زمان سكت ع اللي عملته، فده عشان هي اللي طلبت، قالتلي ما يستاهلش حتى الأذية، بس دلوقتي؟ لو قربت منها، هخليك تشوف اللي عمرك ما تخيلته، واحمد ربنا إن أبوها لسه ما يعرفش، وإلا كان دفنك حي


قالها بجمود وغادر دون أن يترك لـفريد فرصة للرد  !!!!!!!

.......

في زاوية أخرى، كانت رونزي تتحدث في الهاتف بغضب مع والدها :

– أنا قولت لحضرتك مش هرجع الشغل، وكفاية لحد كده، أنا زهقت وقررت أبعد، وخطوبتي بعد يومين، لو هتحضر إنت أو شيري هانم تنوروا، مش هتحضروا، براحتكم بقى




أغلقت الهاتف بانفعال، واتجهت نحو حيث تقف جيانا، غافلة عن ذلك الشخص الذي استمع لكل شيء... وينوي أن يفعل الكثير والكثير......!!!!!!!!

...........

بعد ساعات قليلة......

انتهى الحفل، وعاد الجميع إلى منازلهم، كل شخص شارد في أفكاره، غارق في أسئلته، تائه بين ماضي يؤلمه وحاضر يضغط عليه ومستقبل يجهله


بمنزل أكمل النويري

في غرفة عز، كان يجلس على كرسيه الوثير، وتتوسط فراشه حفيدته جيانا، التي بدت شاردة، تحاصرها الحيرة، وهي تقول بتردد وصوت منخفض :

– مش عارفة يا جدو أقولها إيه... ولا أبدأ منين


نظر لها عز بجدية وقال بتعقل :

– مفيش حاجة بتستخبى يا بنتي، حبل الكدب قصير، والحقيقة لو ما ظهرتش دلوقتي، هتظهر بعدين ووقتها ممكن تجرح أكتر، خلي الحقيقة تيجي منك، أحسن ما تيجي من غيرك وتكسر اللي بينكم


أخفضت جيانا رأسها، وقالت بحزن يعتصر قلبها :

– بس مش سهل عليا... إزاي أروح وأقولها إن اللي هتتجوزه... هو أكبر فخ أنا وقعت فيه في حياتي؟ إزاي أقولها إني كنت أعرفه قبلها؟... وإن... وإني حبيته؟


وفجأة... اخترق صمت الغرفة صوت جهوري غاضب :

– حالًا... ومن غير لف ولا دوران، عاوز أعرف كل حاجة، لأن لو اللي في بالي طلع صح، مش هيحصل خير أبدًا يا جيانا


تجمدت جيانا في مكانها، وقلبها يكاد يتوقف عن النبض، رفعت رأسها ببطء... لتقابل بعينيها آخر شخص كانت تتمنى رؤيته في تلك اللحظة....

– بابا !!!!!!!


 


 




 


الفصل العاشر




صلوا على الحبيب المصطفى 🩷✨

______________

وقف أكمل النويري بشموخه المعتاد، لكن الغضب الذي يتأجج في صدره بات ينال من صلابته، على الطرف الآخر، جلست جيانا وقد احنت رأسها نحو الأرض، ملامحها مزيج من الحزن والخوف، بينما عز يحاول أن يطفئ هذا البركان قبل انفجاره، فقال بصوت هادئ متزن :

أكمل، اهدى شوية، وجيانا هتحكيلك كل حاجة


أكمل بغضب، ونبرته تزداد حدة مع كل كلمة، وعيناه لا تفارق ابنته التي ما زالت تُخفض رأسها بخوف :

ده يكون أحسن ليها تفهمني كل حاجة دلوقتي حالاً وإلا.....


ردت عليه جيانا، بصوت متحشرج مليء بالندم والحزن، تقاطعه قبل أن يكمل تهديده، دون أن ترفع عينيها عن الأرض:

كنت في أول سنة جامعة، شوفته في حفلة عيد ميلاد صاحبتي، وقتها كنت حضرتك وماما مسافرين اجازة لباريس


توقفت للحظة، محاولة جمع شتات نفسها، ثم أغمضت عينيها، وبدأت تقص الحكاية، الكلمات تخرج منها ببطء، كأنها تستخرجها من ألم قديم، دفين


عودة بالزمن لسبع سنوات مضت


كانت الفيلا أشبه بقصر استُعير من عالم آخر، أضواء الثريات اللامعة تنعكس على الرخام البراق، والموسيقى الراقية تملأ أرجاء المكان بصخب لا يخلو من الفخامة، انها حفلة ميلاد "حبيبة" ابنة رجل الأعمال الشهير "منصور المحمدي" كانت تجمع في أروقتها نخبة من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ


وسط هذا البذخ المترف، كانت "جيانا" تقف مع صديقاتها "نادين" و"حبيبة"، يتبادلن الأحاديث والضحكات بخفة، لم تكن ملابسها تليق بتلك الأجواء، لكنها كانت تحمل في بساطتها سحرًا خاصًا، ارتدت بنطال جينز أزرق، وجاكيت جلد أسود فوق قميص أبيض بسيط، وحذاء رياضي، ومع ذلك، بدا الجمال يتسلل من كل تفصيلة فيها، من ضحكتها العفوية، ومن حركاتها التي تشي بعدم اكتراثها للعيون المحيطة بها


على الجانب الآخر، شقت ثلاث شخصيات طريقها نحو الحفل "فريد الزيني"، رجل الأعمال الذي لم تُعرف عنه سوى الثقة والغرور، كان يتقدم بخطوات بطيئة ولكنها ثابتة، وخلفه "أركان" و"أيهم"، يتبادلان حديثًا خافتًا عن صفقات تجارية مرتقبة


ما إن وقعت عيناه عليها، حتى بدا كأن الزمن قد توقف، كانت هي النقطة الوحيدة الثابتة وسط كل هذا الزخم، ضحكتها، الطريقة التي تمسكت بها ببراءتها وسط عالم يفيض بالمظاهر، كل شيء فيها بدا وكأنه يناديه !!


ردد أركان بصوت منخفض، مشيرًا بعينيه نحوها :

دي جيانا....بنت أكمل النويري، المحامي الكبير اللي كان ماسك شغل والدي اللي يرحمه زمان


لكن فريد لم يكن يستمع له، بل كان أسيرًا لنظرته الأولى لها، يُعيد رسم ملامحها في عقله كأنه يحاول فهم سر هذا الانجذاب المفاجئ

........

مع انتهاء الحفل، تسللت جيانا بهدوء إلى الخارج، تبحث عن سيارة أجرة تعيدها إلى منزلها، الهواء البارد لفح وجهها، لكن ضيقها الداخلي كان أشد، وقفت على الرصيف، تنظر يمينًا ويسارًا بلا جدوى، فتمتمت لنفسها بضيق :

تستاهلي يا جيانا، كان لازم ترفضي تيجي مع السواق....أهو دلوقتي واقفة بقالك ساعة مش لاقية تاكسي



في تلك اللحظة، جاءها صوت من خلفها، ولم يكن سوى صوت فريد الواثق والهاديء :

تحبي أوصلك؟


التفتت إليه جيانا بدهشة، لكن نظرتها لم تُبدي أي انبهار، بل قالت ببرود :

شكرًا، مش محتاجة مساعدة


اقترب منها خطوة، معرفًا عن نفسه، وقد ازداد ضيقًا من برودها :

فريد الزيني


عرفته بالطبع، فمن لا يعرف رجل الأعمال الشهير فريد الزيني وعلاقاته النسائية المتعددة، لكنها لم تمنحه سوى نظرة عابرة، ثم استدارت لتغلق أي مجال للحديث، تاركة وراءها رجلًا لم يعتد أن يواجه تجاهلًا كهذا


اقترب أركان من فريد وقال بابتسامة ماكرة :

متحاولش، دي مسحت الأرض بمحامي في مكتب ابوها، عشان عاكسها، جامدة، بس صعبة أوي !!


رد عليه فريد بغرور وثقة :

مفيش حاجة صعبة على فريد الزيني....وافتكر كلامي ده كويس، البنت دي.....هتكون ليا !!!!!


ردد أركان مستفزًا إياه :

تحدي ده يعني !!


رد عليه فريد بثقة :

تحدي ورهان....مليون منك لو كسبت، ومليون مني لو خسرت


تمتم أركان بحماس :

اتفقنا يا بن الزيني !!!!!


لكن فريد لم يكن يرى في الأمر مجرد تحدي، بل رغبة جامحة أن يُثبت شيئًا لنفسه....أو ربما لها !!!

.........

في اليوم التالي داخل شركة الزيني

جلس "فريد الزيني" خلف مكتبه الفخم، يراقب ذلك الملف المفتوح أمامه كما لو كان مفتاحًا لخطة مُحكمة، أصابعه تنقر بخفة على سطح الورق، بينما عيناه تتنقلان بين السطور التي تحكي كل شيء عنها، ابنة محامٍ كبير، شابة بالكاد أتمت عامها العشرين، تدرس الصحافة بكل شغف، وتحيا حياةً تُحسد عليها، لكنها كانت تعيش في قلعة من الكبرياء، محاطة بأسوار من التحدي والعناد


أغلق الملف بهدوء، واستند إلى ظهر كرسيه الفخم، ابتسامة جانبية ارتسمت على شفتيه، تخفي وراءها خليطًا من الفضول والتحدي !!!


همس لنفسه بصوت ماكر خبيث :

شكل التحدي المرة دي هيكون مُسلي....مُسلي اوي


مرت الأيام...

في كل يوم كان يحاول الاقتراب منها، لكنها كانت تسد كل الطرق بعناد لم يعتده، لم تعره اهتمامًا، لم تسقط في الفخ كما كان يتوقع ولكن مع كل محاولة منه، كان هو من يغرق، اللعبة التي بدأها للتسلية تحولت إلى شيء أعمق، شيء لم يكن في الحسبان




"جيانا النويري"....اسمها وحده أصبح يتردد كهمسة غامضة في عقله، فتاة تقلب موازين كل شيء، جميلة، مشرقة، شرسة الطباع، لكنها كانت تحمل في طياتها براءة لم يلتقِ بها من قبل، ليست كغيرها، ليست كأي فتاة اعتاد أن يمر بها، كانت مختلفة، كأنها وُلدت لتعيد رسم ملامح حياته التي اعتاد أن يتحكم بها وحده


في أحد الأيام....

خرجت من أبواب الجامعة بخطوات واثقة، لكن قلبها كان يعج بتوتر خفي وما إن رفعت عينيها حتى رأته هناك، كما توقعت، واقفًا بجانب سيارته الفاخرة، مسندًا يده على الباب، ارتسمت على شفتيه تلك الابتسامة المفعمة بالثقة، تلك التي لطالما أشعلت غيظها وأثارت غضبها، لم تمنحه فرصة ليبدأ لعبته المعتادة، أدارت وجهها عنه كأنها لا تراه، ثم أسرعت بخطواتها، وكأنها تهرب من ظل ثقيل يتبعها دون كلل



لحق بها فريد، صوته يناديها بلهجة حاول أن يجعلها هادئة، لكن نفاد الصبر كان يكسوها :

جيانا، استني....اسمعيني بس


توقفت فجأة، استدارت نحوه بقوة كأنها عاصفة، ثم رفعت إصبعها بوجهه، وعيناها تشعان بحدة :

اسمع يا اسمك ايه انت، بطل تمشي ورايا في كل مكان، وبطل اسطواناتك دي وخليك فاهم كويس اوي اني مش من البنات اللي هتضحك عليهم بكلمتين عشان يترموا تحت رجلك....


تسمرت مكانها، تراقبه وهو يبتسم بتلك الثقة التي تثير جنونها، رفع عينيه إليها وقال بهدوء، لكنه حمل بين كلماته نغمة غزل مفاجئة :

عارف إنك مش زيهم، انتي مش زي حد، انتي ست البنات


في تلك اللحظة، شعرت وكأن قلبها قد تعثر في نبضه، لكنها حاولت أن تُخفي ارتباكها بغضب مصطنع :

احترم نفسك أحسنلك


ثم استدارت وغادرت سريعًا، تُوقف سيارة أجرة وتختفي عن أنظاره، لكنه ظل واقفًا، عيناه تتبعان أثرها، وابتسامته تتسع وكأنه اكتشف لغزًا جديدًا، همس لنفسه :

شكلك هتتعبيني معاكي يا جيانا !!!


مرت الأيام، وكانت محاولاته لا تتوقف، في كل مرة كان يقترب، كانت تصده، لكنها لم تدرك أن صدودها لم يمنعه من أن يغرق في هواها أكثر، ولم تدرك أن اهتمامه بها بدأ يثير شيئًا عميقًا في داخلها، شيئًا لم تكن تريد الاعتراف به، لكنه كان ينمو


وفي أحد الأيام، جلست في مطعم مع صديقتيها

كانت تضحك وتتكلم بحماس، غافلة عن عينيه اللتين كانتا تراقبانها من بعيد،لم تكن تعلم أن قلبه لم يعد يملك رفاهية الفرار، وبينما كانت تتحدث، وقعت عيناها عليه، يقف هناك، يراقبها بصمت، يبتسم تلك الابتسامة التي تعني أنه لم ولن يتوقف.


زفرت بضيق، أشاحت بوجهها بعيدًا، ثم استأذنت فجأة من صديقتيها وغادرت، شعرت أنها بحاجة إلى الهروب مرة أخرى، لكنها لم تكن تعلم أن هذه المرة لن تسلم من السقوط.


خرجت تسير بسرعة، وكأنها تهرب من شبح يلاحقها، لكنه كان خلفها، يراقبها بعينين ملتهبتين، وبينما تسير، تعثرت فجأة، التوى كاحلها وسقطت على الأرض، صرخت بألم، لكنه كان بجانبها في لحظة، يجثو على ركبتيه بجانبها، وعيناه تبحثان عن أي علامة للأذى، يسألها بقلق :

جيانا، انتي كويسة، رجلك بتوجعك، حاسة بأيه ؟


دفعت يده بضيق وقالت :

ابعد عني، ملكش دعوة


زفر بضيق، ثم قال ساخرًا :

تستاهلي....عشان تبقي  تهربي مني تاني


نظرت إليه بغيظ، وقالت بصوت مرتجف من الألم والغضب :

واهرب منك ليه، انت مين أصلاً ؟


اقترب منها أكثر، عيناها تصرخان بالغضب، وعيناه تفضحان شيئًا أعمق من الكلمات،  قال بهدوء، لكن صوته كان يحمل يقينًا لا يحتمل الجدل :

بتهربي عشان خايفة، خايفة تحبيني، أما سؤالك عني أنا مين....فأنا فريد الزيني.....عاشقك يا بنت النويري !!!!



صمت للحظات ثم تابع بتملك :

دي الحقيقة اللي لازم تتقبليها، برضاك أو غصب عنك، من النهارده أنا جزء من حياتك، مش هتقدري تهربي مني


صمتت، الكلمات علقت في حلقها، لم تكن تعلم كيف ترد على ذلك الاعتراف الصريح، لكنها شعرت أن قلبها قد بدأ يخونها !!!!


ارتبكت للحظة، لكنها حاولت أن تخفي ذلك عنه برد غاضب :

انت جريء اوي


حاولت الوقوف، لكنها تأوهت مجددًا من الألم "آه"


نظر إليها بقلقٍ يتسلل إلى ملامحه المتوترة، وقال :

لازم نروح المستشفى حالاً


رفعت حاجبها بتحدي وقالت بحدة لا تخلو من الرفض :

مالكش دعوة


زفر بضيقٍ كأن أنفاسه تُحمل على كاهل من الغضب، وقال بنبرةٍ لا تخلو من الاستياء :

هو انتي لسانك طويل كده علطول، متعرفيش تتكلمي بلباقة وأدب أبدًا


رمقته بنظرةٍ حادة وكلماتها تُقطر بالغيظ :

مع اللي زيك بس بتكلم كده


اشتعل الغضب في عينيه كشرارة تحاول الانفجار، وهدر بصوتٍ عميق يغلي بالحزم :

لمي لسانك أحسنلك


نطقت بتحدٍّ عميق وهي تقف كأنها تُحارب عاصفة :

ولو ملمتوش، هتعمل إيه، أنت أصلاً إيه اللي موقفك معايا


شعر بالنفاذ من صبره، اقترب منها بخطواتٍ كأنها تحمل ثقلًا من الضيق وقال بغضب مكتوم :

انتي رغاية ليه، اللي زيك أصلاً مينفعش معاهم الأدب، لازم الحاجة تكون عافية معاهم


لم تمض لحظة حتى وجدته يلتف حولها بخفةٍ غير متوقعة، يرفعها بين ذراعيه وكأنها لا تزن شيئًا، واتجه بها نحو سيارته، بدا وكأنه تحدٍ صامت، لكنها لم تكن صامتة، إذ صرخت بصوتٍ يملؤه الغضب والتهديد :

إنت بتعمل إيه يا بني آدم انت، نزلني وإلا الله هصرخ وأقول خاطفني.....نزلني يا زفت


لكنه كان كالصخر، لا يهتز لصرخاتها، فقط عيناه تعكسان عزمًا لا رجوع فيه، كأنه يعلمها أن بعض الحروب تُربَح بالصمت، وبعض الصراعات تُحسم دون كلمات


أكمل سيره باتجاه سيارته، وأدخلها للداخل عنوة، نظر إليها  ثم قال بتهديدٍ مصحوب بحذر :

اتهدي بقى، وإلا قسمًا بالله لو لسانك طول تاني، هسكتك بطريقة مش هتعجبك بس، واثق إنها هتعجبني انا وأوي كمان !!!




انزلقت كلماته إلى أذنيها كالسُم، وكأنها تلقت ضربة مفاجئة، فلم تجد نفسها سوى انها تتحداه بنظرةٍ مليئة بالصدمة، بينما شفتيها تتحركان بسرعة وهي ترد عليه بعنفٍ :

إنت قليل الأدب.....هتوقع إيه من واحد سافل كل يوم في حضن واحدة، بجح وقليل الأدب ومش متربي كمان !!!


نظر إليها بشيء من الملل، ثم دَفَع السيارة للأمام كأنما لا وقت لديه للجدال، وأطلق كلماته بحدة ونفاذ صبر :

يالله، يابت اتلمي همد إيدي عليكي


أما هي، فلم تكتفِ بالصمت بل شعرت بغضبٍ يكاد يلتهمها، محاولة فتح الباب المغلق على عجل، وجاء صوتها كالرعد في الأفق :

تصدق خوفت، نزلني حالاً بقولك، وافتح الزفت ده


أجابها بمزيدٍ من الاستفزاز، وعيناه تلمعان بشقاوة :

تؤ....هنروح المستشفى الأول نطمن على رجليكي، وبعدين هوصلك لحد بيتك


زفرت بضيق شديد، ثم قالت وهي تشيح بوجهها عنه :

متشكرة، مستغنية عن خدماتك....روحني ع البيت علطول


قبل أن يجيب، رن هاتفها فجأة، كان المتصل ابن خالتها، يخبرها بضرورة مجيئها لمنزلهم مساءً، لأن والدها يريدها في أمرٍ هام وبكل برود، أجابته :

خلاص، هاجي، متزنش كتير، إنت الظاهر من كتر قعدتك مع هناء بقيت رغاي زيها....سلام


بعد ثوانٍ من المكالمة، أغلقت الهاتف لتجد ذلك الجالس بجانبها ينظر إليها بتساؤل حاد، وعيناه تخترقانها بنظرة ليست بريئة :

بتكلمي مين؟


زفرت بضيق، ثم ردت بابتسامة صفراء :

وانت مالك؟


التفت إليها فجأة، ونبرة صوته تغيرت لتصبح أكثر حدة :

ردي عليا، أنا على آخري منك، أقسم بالله هتشوفي وش عمرك ما شوفتيه، اظبطي وردي عليا واتكلمي كويس


زفرت مرة أخرى وهي تدير وجهها بعيدًا عنه، ثم قالت في استهانة :

اووف


قال بغضبٍ أكبر، صوته يشق الصمت في السيارةز:

انجزي، كنتي بتكلمي مين ؟


ثم تابعت بحدة  :

ما تردي!!!!


نظرت له بنظرة حادة، ثم قالت بعنادٍ متجذر في كلماتها :

قولت ملكش دعوة


نظر لها بعينيه المملوءتين بالغيظ وقال :

تصدقي إنك بت مستفزة


ابتسمت ببرود، ثم أجابت مستفزةً إياه :

شكراً....تحب تضيف حاجة تانية


أوقف السيارة فجأة على جانب الطريق، وخلع حزام الأمان بسرعة، وهو يقترب منها بحذرٍ قائلاً :

الظاهر إنك فعلاً مش بيمشي معاكي الأدب، ولازم قلة الأدب


شعرت برعبٍ يغزو قلبها، لكنها لم تظهر له شيئًا، بل ردت عليه بغضبٍ جامح :

انت بتعمل إيه يا حيوان، والله لو قربت لهكسرلك دماغك


لكن يديه كانت أسرع، قرصت وِجنتها بقوة، وقال بسخرية :

اتكلمي على قدك يا شطورة، واعرفي إن ابن الزيني مش بيتهدد


نظرت له بتحدي وقالت :

واديك اتهددت اهو


عينيه مليئتان بالشرر، وكانت نظراته تتابعها في صمتٍ، يوحي بالتهديد والبرود في آن واحد !!!!


وصلوا إلى المستشفى بعد دقائقٍ ثقيلة، نزل من السيارة، متوجهًا بسرعة لفتح الباب، ساعدها على النزول وكاد ان يحملها، لكن كانت كلماتها تخرج من فمها كالسكاكين، مُحملة بالغضب :

انت هتعمل إيه يا بابا، انت استحلتها ولا إيه، قال عاوز يشلني تاني قال



زفر بضيقٍ، وكأنه قد بلغ حده، ثم قال بصوتٍ منخفض :

يالله، الصبر من عندك


دخلوا معًا للطبيب، وبعد الفحص، أخبرهم الطبيب بجدية :

مفيش حاجة، التواء بسيط، هكتبلها على كريمات تحط منها، وإن شاء الله يومين وتخف بسرعة


أومأ كلاهما برأسه، شكر الطبيب، ثم خرجوا من العيادة، فقال لها فريد بحنانٍ، وعيناه ملؤها اهتمام :

حاسة بوجع


نظرت له لثوانٍ، ثم قالت بهدوءٍ، وقد بدأت عواطفها تختلط مع ذلك الاهتمام :

لا، أحسن


ساعدها على المشي، وكانت تستند إلى ذراعه مرغمة، بينما عقله يعيد تشكيل كل مشهد بينهما، يحفظ كل حركة وكل كلمة نطقت بها


أمام الفيلا، عندما أوصلها إلى باب منزلها، توقفت للحظة. نظرت إليه بعينيها الواسعتين، وكأنها تريد أن تقول شيئًا، لكنها سرعان ما أشاحت بوجهها، لكن قبل أن يغادر استوقفها قائلاً بحنان :

ارتاحي شوية....وخدي بالك من نفسك


بعد دقائق داخل غرفتها، ألقت بنفسها على السرير، وأخذت نفسًا عميقًا، تحاول ترتيب أفكارها التي باتت مشوشة، لم تستطع نسيان كلماته "أنا عاشقك يا بنت النويري"


أخذت تسأل نفسها لماذا يبدو مختلفًا عن الجميع؟ لماذا عندما ينطق بكلماته، أشعر وكأن صوته يتسلل إلى أعماق روحي كألحانٍ ساحرة لا يمكن مقاومتها؟ هل هو حقًا صادق، أم أن كل هذا جزء من لعبته الماكرة؟ هل لي أن أضع ثقتي فيه، أم أنني أغامر بعاطفتي في بحرٍ مجهول؟ ومع ذلك.....

لماذا يغمرني هذا الدفء الغامض عندما يتلاقى نظري بنظره؟ لماذا أشعر وكأن كل لحظة معه تحمل أسرارًا غير مُعلنة، وكأن قلبه يتحدث بلغة لا أفهمها، ولكنني أعيها بكل جوارحي؟


ابتسمت لنفسها رغمًا عنها، عندما تذكرت طريقته في حملها، رغم احتجاجها المستمر، بعد تفكير طويل قررت في النهاية أن تُبقي مسافة بينها وبينه، لكن رغم ذلك، قلبها كان يتمرد على عقلها، ينادي باسمه في كل نبضة !!!!!!


أما فريد يجلس خلف مكتبه، يداعب قلمه بيده، بينما وجهه يتأمل السقف بشرود، أفكاره تلاحقه، كل تفصيلة صغيرة منها تسكن رأسه، ابتسامتها الخجولة، نظراتها المتحدية، وحتى غضبها الذي كان يجد فيه نوعًا من الجاذبية لا يقاوم.

.......

مر أسبوع كامل، لم تخرج جيانا من منزلها وقد أصر جدها أن تبقى حتى تتعافى تمامًا، وحينها فقط يمكنها العودة إلى جامعتها، ظاهرًا، أبدت اعتراضها، لكنها في أعماقها كانت ترى أن هذا هو الحل الأنسب، فرصة لتبتعد عن ذلك الشخص الذي أصبح حضورُه في حياتها أكثر إرباكًا من أي وقتٍ مضى كانت تأمل أن يمل ويغادر، تاركًا إياها تتابع حياتها كما كانت، بلا تعقيد


أما هو، فقد بذل جهدًا مضاعفًا ليصل إليها، حاول أن يتواصل معها بكل الطرق، لكنها كانت تختفي عن ناظريه، لا تظهر في الجامعة، ولا ترد على مكالماته، لأول مرة، شعر بتلك اللهفة، بتلك الرغبة الملحة في رؤية أحدهم، وأدرك أنه لا يستطيع الصبر أكثر



وفي اليوم الذي قررت فيه أخيرًا أن تخرج من المنزل، كانت قدمها قد تعافت بما يكفي، كانت تود زيارة المكتبة لشراء بعض الكتب والروايات، غافلة عن السيارة التي كانت تراقبها عن بُعد، انه أحدى رجال فريد الذي قد أرسله لمراقبتها، ويخبره حالما خرجت من المنزل


عندما خرجت من المكتبة، كانت عيناها مشغولة بتفحص الكتب، ولم تنتبه للدرج الذي أمامها، كادت أن تسقط، لولا أن يدًا قوية أحاطت بخصرها بسرعة، ساعدتها على التوازن، لتسقط الكتب من يديها !!


رفعت عينيها لتجد نفسها أمامه، انه هو....من كانت تهرب منه طوال الأيام الماضية، تقابلت الأعين بنظراتٍ طويلة، مليئة بالحيرة والخوف، لكنها كانت مشوبة بشيءٍ آخر، شيءٌ أكثر عمقًا.....انه "الاشتياق"


ابتعدت عنه بسرعة، بينما انحنى هو ليلتقط الكتب التي سقطت، ويقدمها لها، أخذتها منهه، ثم شكرته وابتعدت، لكنها شعرت بشيءٍ غريب في قلبها، قبل أن تبتعد أكثر، أمسك فريد بيدها فجأة، ولفها نحوه، ثم قال بابتسامة هادئة :

أظن إننا لازم نتكلم، والمرة دي من غير غضب أو عناد، مش كده برده يا جيانا


كادت أن تعترض، لكن في أعماقها، كان هناك شيء آخر يريد أن يسمعه، شيءٌ جعلها تومئ برأسها بهدوء، وفي اللحظة التالية، كانت يده تجذبها برفق نحو سيارته في صمت، خلف سيارته كانت سيارة إيهم، ومعه أركان، يراقبون الموقف بفضول ودهشة


ردد أركان بدهشة :

هو الرهان اتقلب بجد ولا إيه، شكل ابن عمك حبها بجد !!


ضحك إيهم وقال بسعادة :

ياريت والله، يكون بيحبها، البت تستاهل، باين عليها جدعة، وملهاش في الشمال، شكلها كده هتربيه من أول وجديد


ضحك أركان، ثم توجه مع إيهم إلى الشركة من جديد، غير مصدقين أن فريد قد وقع في الحب بالفعل !!!!


على الشاطئ، أوقف فريد سيارته، وظلا يجلسان لبعض الوقت في صمت، نظرت إليه جيانا وسألته :

إنت عاوز مني إيه


التفت إليها بابتسامة هادئة، وقال :

ما أنا قولتلك، عاشقك


أدارت وجهها وقالت بسخرية، وكأنها لا تصدق :

عشق مرة واحدة، هو حد كان قالك إني هبلة عشان أصدق الكلام ده


سألها بهدوء :

وماتصدقيش ليه ؟


التفتت له وقالت بنبرة ساخرة، حادة :

عشان أنا مش غبية، مش بسهولة أصدق إن فريد الزيني، اللي سيرته زي الجنيه الدهب، فجأة بقى بيحبني، وفكرك يعني لو فعلاً بتحبني.....أنا هقبل بيك


رفع حاجبه وقال بغرور :

وماتقبليش ليه، في كتير يتمنوا


تنهدت بضيق، ثم ردت عليه بجدية :

أنا بقى مش من الكتير دول، ببساطة، أنا مش بايعة نفسي، في مثل بيقول اللي فيه داء عمره ما بيبطله، يعني مهما كنت بتحبني زي ما إنت بتقول، طبعك و اللي اتعودت عليه هيغلبك


جاءها رده السريع :

هتغير عشانك


نظرت إليه، ثم قالت بعدما أطلقت تنهيدة عميقة :

غلط....لو هتتغير، يبقى عشان نفسك، لو اتغيرت عشاني، معنى كده إنك هتتغير لفترة مؤقتة، لحد ما توصلي، الواحد بيتغير عشان هو بيبقى عاوز كده، مش عشان حد


أغمض عينيه ثم فتحها قائلاً :

جيانا....أنا....أنا بحبك !!!


لم تجد ردًا، وترددت قليلاً قبل أن تقول دون النظر له :

أنا عاوزة أروح


ناداها بصوتٍ عميق :

جيانا....


ردت عليه بنبرة يغلب عليها الرجاء :

لو سمحت، ابعد عني، ولو كنت حابب تتسلى، في بنات كتير ينفعوا ليك، بس أنا لأ، أنا مش منهم، ومش ناوية، ابعد عني، ماتخلنيش أشوفك تاني


ثم غادرت من السيارة بينما هو أغمض عينيه بألم، غارقًا في بحر من الذكريات التي لا تنتهي، وعندما فتحهما مجددًا، كان المشهد أمامه كالقسوة نفسها طفل صغير يلهو بين يدي والديه، يبتسمان له بحب وعناية


ابتسم بدوره، لكن ابتسامته كانت مريرة كالحزن نفسه، ربما لو كان قد عاش حياةً مختلفة، مليئة بالتفاهم والمودة بين والديه، لما وصل إلى ما هو عليه الآن، لما أصبح خائفًا من الارتباط، مترددًا في الزواج، خائفًا أن يكون نسخةً من والده الذي فشل في كونه أبًا صالحًا، أو من والدته التي فشلت في أن تكون أمًا قادرة على العطاء، خاف أن يخطئ في تقديم الحب لأولاده يوماً ما، كما أخطأ والديه في حقه


جلس يفكر في نفسه وفي تلك الحياة التي قضاها بين أحضان علاقات سريعة، يفرغ فيها غضبه وألمه، فيُنسى نفسه، ليُدمن الهروب من الحقيقة، ليته يستطيع أن يعبر عن مشاعره أو يصرح بما في قلبه، لكن قلبه كان مشبعًا بالخوف من أن يُشفق عليه أحد، كانت حياته مليئة بالمشاحنات، بصرخات والديه الذين لم يعطوه يومًا سوى العنف اللفظي


كان الأب يلاحق رغباته دون النظر إلى ابنه، والأم كانت غارقة في ذاتها، مشغولة بما حولها، تبكي على زوجها وألعابه مع النساء، وفي النهاية، كانت الحروب بينهما تكشف عن عجزه وعجزها عن الإحساس بوجوده، كان يختبئ وراء جدران منزله، لا يسمع سوى صوتهم وهم يتشاجرون، وكلما زاد العنف، كلما تضاءل وجوده في أعينهم


لكن كل تلك الآلام والأحزان لم تُمزق قلبه كما فعلت تلك الفتاة التي دخلت حياته دون موعد، أضاءت قلبه بحبّد لم يتوقعه، حاول أن يوقعها في فخه، فوقع هو نفسه في حبها، وعاش كل لحظة بين أفكارها، يعجب بها، ولكن الخوف كان يكبل خطواته، يخشى أن يفشل معها، أن يؤذيها، أن يُعيد إليها ما كان يتلقاه من خيبة، لكنه لم يكن قادرًا على الابتعاد، كان يحبها، وإن كان هذا الحب مرهقًا له !!


كان في حالة شرود تام، كل تفكيره مُعلق في صورتها التي لا تفارق ذهنه !!!!

........

مرت ثلاثة أيام وكأنها دهر.....

كان فريد يراقبها من بعيد، كأنه يبحث عن ملامح وجهها في الزحام، لكنها كانت تتجنب لقاءه بكل الطرق، لم يكن الأمر سهلاً عليه، فرغم صلابته الظاهرة، إلا أن فكرة خسارتها كانت أشبه بطعنة في قلبه، لم يكن هذا الهروب عادياً، بل كان هروباً من ماضٍ يطارده ومن حبٍ بدأ يتغلغل في أعماقه بلا هوادة



أما جيانا، فقد حاولت جاهدةً أن تشغل نفسها بالدراسة والأصدقاء، لكنها لم تستطع طرد صورته من ذهنها، شعرت بأنها ضائعة بين قلبها الذي يدفعها نحوه، وعقلها الذي يذكرها بكل المخاطر التي قد يحملها هذا الحب !


لم تفهم كيف اقتحم حياتها بهذه الطريقة، لكنه فعل، حتى انها لم تعرف كيف ولماذا أحبته، لكنها تذكرت تلك الكلمات التي كان يرددها جدها دائمًا، تلك التي لم تعِ معناها إلا الآن الحب ليس جمالًا يُسلب، أو مالًا يُكسب، الحب قدر يأتي بلا دعوة، وبلا سبب

......

في صباح ذلك اليوم، قررت أن تضع مشاعرها جانباً، على الأقل حتى تنهي يومها الدراسي، خرجت من قاعة المحاضرات برفقة صديقتها نادين، التي كانت تدرك تماماً ما يدور في ذهن جيانا، ولم تفوت فرصة الحديث عنه :

يا بنتي، طالما عاجبك كده، وبتحبيه، بتهربي منه ليه. ؟


ردت عليها جيانا بحدة وتوتر ملحوظ :

إيه الكلام الفاضي ده، عاجبني ايه، وحب ايه، أنا أصلاً مش طايقاه، وبعدين أنا اللي قولتله يبعد عنه


نظرت إليها نادين بصمت ثم قالت بابتسامة ماكرة :

طب عليا أنا، ده إنتي عنيكي بتدور عليه في كل مكان، بتكدبي على مين يا جيجي


زفرت جيانا بضيق ثم قالت :

ما تبطلي كلام فاضي ويلا خلينا نمشي


رددت نادين بيأس :

عندية ومستحيل تعترفي


بينما كانت جيانا تسرع بخطواتها للخروج من الجامعة، تجمدت فجأة، انه أمامها، على بُعد أمتار قليلة، يقف مستندًا على سيارته، عيناه كانتا تبحثان عنها وحدها، كأنه لا يرى العالم من حوله


شعرت بارتباك يسيطر عليها، فحاولت تجاهله وأسرعت مبتعدةً عنه، لكن نادين أمسكت بيدها وسحبتها باتجاهه، قبل أن تفهم جيانا ما يحدث، باغتتها نادين بسؤالها المفاجئ لفريد :

إنت بجد بتحبها ؟


تفاجأ فريد قليلاً بالسؤال، لكنه لم يتردد في الإجابة :

بحبها


رددت نادين بمرح :

يبقى متسيبهاش تهرب منك، هي عنيدة، ومش هتعترف بسهولة، اللي بتعمله ده كله هروب....متسيبهاش


ثم استدارت نحو جيانا بابتسامة واسعة، ولوحت لها قائلة :

باي يا جيجي


وقفت جيانا مذهولة، تحاول استيعاب ما فعلته صديقتها، لكنها لم تتمكن من الاعتراض، مد فريد يده وأمسك بها برفق، قائلاً بنبرة مشاكسة :

رايحة فين، مش سمعتيها قالت متسيبهاش تهرب، عايزاني أكسر كلام صاحبتك يعني....ابدا والله ما يحصل، مستحيل


بقيت صامتة، عاجزة عن إيجاد الكلمات المناسبة، فتح لها باب السيارة بحركة حاسمة، دون أن يمنحها فرصة للرفض، وانطلق بها إلى مكان هادئ بعيد عن الأعين


توقفت السيارة بعد وقت قصير، نزل أولاً، ثم تبعته على مضض، نظرت حولها، كان المكان يملؤه السكون، لكنه لم يمنحها أي شعور بالراحة، التفتت إليه وقالت بحدة :

انا مش قولتلك مش عايزة أشوفك، إيه، مش بتزهق !!


تستمر القصة أدناه


رد عليها فريد بهدوء :

لا، مش بزهق، وعمري ما هزهق....لأني بحبك


ردت عليه جيانا بغضب مكتوم :

انت عايز إيه، مفكر إنك لما تطاردني وتفضل تقول بحبك، هتوصل لقلبي يعني


اقترب منها بخطوات واثقة، حتى باتت أنفاسه قريبة من أذنها، وهمس بصوت عميق مليء بالعشق :

انا مش عايز أوصل لقلبك....لأنه وصلتله خلاص، عنيكي اللي بتهرب مني قالتلي كل حاجة، والخوف اللي جواكي، خوف من إنك تغرقي أكتر وأكتر في حبي.....زي ما أنا غرقت


شعرت بشيء يتحرك داخلها، لكنه كان ممزوجاً بالخوف والقلق، تمالكت نفسها وردت بتحدي :

وأنا مش عاوزة ده !!!!!




رفع وجهها بين يديه، ونظر في عينيها نظرة حملت كل ما في قلبه من صدق ثم سألها :

اومال عاوزة إيه


أبعدت وجهها عنه، وأجابت بصوت مرتجف :

عاوزاك تبعد عني


لانت نبرتها وهي تسأله بحزن يشبه استغاثة الروح :

إنت طلعتلي منين


ابتسم بهدوء عكس العاصفة التي بداخله، ثم أجاب بصوت يفيض صدقًا :

انتي اللي طلعتيلي، وظهرتي قدامي وكأن ربنا بعتك ليا عشان تنوري حياتي.....وتكوني السبب اللي يخليني أتغير


صرخت فيه بغضب، كمن يحاول إخفاء ضعف قلبه الذي يعترف بالعكس :

انا مش عاوزاك، مينفعش أحبك، ومينفعش إحنا الاتنين نكون لبعض خالص


أمسك يدها بحزم، يهزها برفق لكي يجبرها على النظر في عينيه مباشرة، وكأنهما مرآة الحقيقة التي لا تريد مواجهتها :

ليه؟ ليه ماينفعش؟ ليه يا جيانا ؟


صمتت، عاجزة عن الإجابة، حدق فيها بملامح حزينة ثم أكمل بصوت هادئ، لكنه مثقل بما يحمله قلبه :

أنا عارف إن الماضي الأسود بتاعي لوحده كفاية يخليكي تفكري مية مرة قبل ما تاخدي خطوة ناحيتي، بس صدقيني، لو كنت أعرف إنك هتدخلي حياتي، لو كنت عارف إن في يوم هحبك، كنت فضلت مستنيكي، مكنتش خليت اي واحدة من جنس حوا تشاركك فيا !!!!


أبعدت يده، كأنها تُبعد ثقلًا يجثم على روحها، وقالت بتعب واضح وحزن عميق :

فريد....مش هينفع، افهم بقى


نظر إليها بأسى، كمن يقف أمام قيد يحول بينه وبين الحرية، ثم قال بنبرة حزن ممزوجة برجاء :

عايزاني أفهم إيه، إن إحنا مننفعش لبعض، انا بحبك، ومتاكد إنك بتحبيني.....ده مش كفاية؟


أغمض عينيه لثوانٍ وكأنه يحاول أن يستجمع شجاعته، ثم فتحهما وهو يتحدث بحزن وقلة حيلة :

آه... أنا كنت بتاع بنات، وفيا كل العيوب اللي تخليكي تهربي مني، بس....بحبك، أعمل إيه يعني، انا مقدرش أغير الماضي بتاعي، بس أقدر أبدأ معاكي الحاضر والمستقبل، اثبتلك كل يوم حبي وعشقي ليكي




اقترب منها بهدوء، وضع يديه حول وجهها برفق كمن يحاول أن يحيط عالمه كله بين كفيه، ثم قال بصوت مليء بالحب :

مقدرش أسيبك تمشي، مستحيل أفرط فيكي بسهولة كده، ده أنا ما صدقت لقيت حظي وسعادتي في الدنيا، اقوم أسيبها تضيع من بين إيديا من غير ما أعافر عشان اوصلها عليها....مستحيل يا جيانا


حدقت في عينيه طويلاً، كأنها تبحث بين نظراته عن منفذٍ للهروب، عن ذرة كذب تُبرر بها إنكارها لمشاعرها، لكن الحقيقة كانت حاضرة هناك....قاسية، واضحة، تخترق دفاعاتها كسهام لا تخطئ الهدف، شعرت وكأنها تقف أمام مرآةٍ تعكس كل مخاوفها، كل ضعفها الذي تخفيه خلف قناع القوة


أما هو، فقد بدا كأن روحه كلها تنطق في صوته، لم يكن رجاءً عاديًا، بل كان أشبه بنداء يأتي من أعماق أعماقه، صوت يشبه وعدًا أبديًا، حمل في طياته أمانًا :

قوليها، قوليها ووعد مني عمري ما هخليكي تندمي عليها يا جيانا !!!!


كانت كلماته أشبه برجفة أيقظت قلبها من سباته، كأنها يد خفية تمتد نحوها وسط ظلام الغرق، تعدها بالخلاص، لكنها بقيت صامتة، مسلوبة الأنفاس، مأخوذة بتلك اللحظة التي بدت وكأن الزمن نفسه توقف عندها، لحظة أشبه باستسلام الروح أمام قدرٍ لا مفر منه


ظلت مكانها، وكأنها في مواجهة بين حب يشتعل في أعماقها، وخوف يحيط بها كسور لا ينكسر، أفكارها تصطدم ببعضها كأمواج هائجة، لكنها قررت أخيرًا....أن تخطو تلك الخطوة التي طالما ترددت أمامها، أن تقولها، وتترك الباقي للقدر


بهدوءٍ مشوبٍ بالارتباك، دفعت صدره بخفة، ثم أدارت له ظهرها كأنها تبحث عن ملاذ من عينيه التي تكشف كل شيء وأخيرًا، خرجت الكلمات من بين شفتيها همسًا، لكنها حملت شجاعة اللحظة بأكملها :

بحبك.....خلاص، ارتحت كده


ابتسم بسعادة لم يستطع إخفاءها، كأن العالم كله توقف عند احمرار وجنتيها الذي فضح خجلها، اقترب منها، وصوته خرج أشبه بلحنٍ يحمل كل الحب الذي اكتشفه في أعماقه لأول مرة :

فوق ما تتخيلي.....كده الدور بقى عليا أنا !!!


وفي لحظة خاطفة، أمسكها من خصرها ورفعها عاليًا، يدور بها كطفل عثر على كنزه الذي طالما حلم به، صارخًا بحب انفجر من أعماقه :

بـحـبـــــك


ضحكت رغمًا عنها، محاولة أن تخفي سعادتها تحت قناع الغضب، لكنها فشلت وهي تصرخ :

مجنون


أنزلها ببطء، وكأنها قطعة من روحه يخشى أن تنكسر، ثم وضع كفه على وجنتها، ينظر في عينيها بعشقٍ يسكنه وعدٌ أبدي، وقال بصوتٍ نابع من أعماق قلبه :

اعاهدكِ ان تكونِ وحدكِ في حياتي و ان تكونِ ملكة على هذا القلب الذي لم يقع بغرام احدًا سواكِ وان تبقى ابتسامتي مع وجودكِ فقط بحياتي

___________________

يـتـبـع......🩷🩷______________

تكملة الرواية بعد قليل 

جاري كتابة الفصل الجديد  للروايه حصريا لقصر الروايات اترك تعليق ليصلك كل جديد أو عاود زيارتنا الليله

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا



تعليقات

التنقل السريع