رواية نسمه متمردة الفصل السابع والثامن والتاسع بقلم أمل مصطفي حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية نسمه متمردة الفصل السابع والثامن والتاسع بقلم أمل مصطفي حصريه في مدونة قصر الروايات
#نسمة -متمردة
#بقلمي -أمل - مصطفي
#البارت - السابع
*********
نزل مروان، وجد والدته أمامه، فألقى عليها تحية الصباح:
— صباح الخير يا أمي.
تحركت سهير نحوه بدهشة، وقد لفت انتباهها ارتداؤه لملابس الخروج.
— صباح الخير يا حبيبي... سايب عروستك ورايح فين؟
هتف مروان بنفاد صبر:
— ماما، أنا جبتها لك فوق، أهي. وكده دوري انتهى. أنا بحب شاهي، ومش هتجوز غيرها. نِسمة عرفت كل حاجة، وعارفة هي هنا ليه.
شهقت سهير برعب:
— أنت عملت إيه؟!
أجابها بنبرة قاسية:
— عرفتها إني اتجوزتها عشانك، وإنّي بحب واحدة تانية. هي دي اللي هتكون مراتي... سلام.
وقفت سهير تتابع خروجه بتشتّت، وقد تراخت قدماها مثل الهلام. بحثت عن شيء تستند إليه قبل أن تسقط.
********
بعد خروجه، قامت نِسمة ودموعها تسيل على وجنتيها. دخلت غرفة الملابس، تتلمّس كل أشيائه بحب. تناولت إحدى بدلِه، احتضنتها، وتخيلته بين يديها. قبّلت البدلة ثم وضعتها في مكانها.
خرجت بعدها، وجلست على سريره، وبدأت تحدثه:
— أنا عارفة إنك رايح تطمّنها... بس مش قادرة أكرهك.
وضعت رأسها مكان نومه، وظلت تبكي حتى غفت مرة أخرى.
********
في هذه الأثناء، فزع وجدي عندما وجد سهير في تلك الحالة. اقترب منها بلهفة:
— مالك يا حبيبتي؟ حاسة بإيه؟
هتفت سهير من بين بكائها:
— شفت ابنك؟ دمّر البنت في ليلة زي دي... هانها و جرحها... ما صبرش عليها، ولا على حالتها النفسية. ما قربش منها، ولا حاول يفهمها. كنت متأكدة إنه لو عطى نفسه فرصة يشوفها زي ما أنا شايفاها، كان عشقها.
تنهد وجدي بحزن:
— على نِسمة... أنتي كنتِ فاكرة إنه هيسلّم كده بالساهل؟! هو عمل اللي إنتِ عايزاه، عشان ما تضغطيش عليه، والبنت هي اللي دفعت الثمن.
زاد بكاء سهير، وضغطت على صدرها:
— أنا أذيتها من غير ما أحس...
اقترب منها زوجها، محاولاً تهدئتها:
— إهدي يا حبيبتي... قلبك تعبان.
لكنها لم تستجب، بل تابعت حديثها:
— نِسمة وافقت عليه لأنها بتحبه. كانت رافضة ناس كتير، لأنها بتدور على الحب. وتتصدم بالشكل ده؟! أنا مش هسامح نفسي.
قال وجدي بحزم وهدوء:
— بصي، إحنا معاها. لو طلبت الطلاق، نستنى شهرين وبعدين تطلّق، عشان شكل أهلها قدام الناس. ولو ما اتكلمتش، اعملي نفسك مش عارفة حاجة... وسيبيها تتصرف زي ما تحب.
*********
دخل مروان الكافيه، وجد شاهي في انتظاره. وما إن لمحته، حتى جرت إليه وتعلقت به قائلة:
– حبيبي، وحشتني!
أبعد يدها وهو يهتف:
– وإنتِ أكتر.
ثم أكمل بضيق:
– إنتِ عارفة إني ما بكذبش، ومش بخاف من حد، ليه مش مصدقة إني ما لمستهاش؟
تابع بنبرة غاضبة:
– وبعدين، هي عارفة علاقتنا حالياً.
ردّت عليه بغيرة وحقد:
– سيبك، دي بتمثل، وبكرا تغريك بكل طريقة.
هتف بحدّة:
– ليه شايفاني بريالة علشان تضحك عليّا؟ ولا بجري ورا شهوتي؟ ما إنتِ قدامي أهو، عمري تجاوزت حدودي معاكي! ظبّطي كلامك.
غيّرت طريقتها، وتجنبت غضبه، وتحدثت بنعومة وإغراء:
– لاء يا بيبي، مش قصدي... بس غصب عني بغير عليك، ولازم تقدر ده.
قال بنبرة هادئة ولكن حازمة:
– أنا مقدّر وعاذرك، بس بلاش كلام كل شوية في الموضوع ده. وبعدين، أنا مأكّد على الكل، محدش يعرف إنها مراتي غير أهلي.
يعني، إنتِ اللي هتكوني مراتي قدام الناس، وغيرتك ملهاش لازمة. البنت لابسة حجاب، وبتنام، مش باين منها حاجة، حتى شعرها ما شُفتوش.
سألته بهدوء ::
وهي على كده... حلوة.
تذكر ملامحها، شديدة الحسن والجمال... لكنه لم يطيل من هذا الحوار وهتف بشكل قاطع عادية، زي أي واحدة.
*********
زاد تعب سهير، فبادر وجدي بالإتصال بالإسعاف، الذي حضر على وجه السرعة لنقلها.
في غرفة الكشف، وقف وجدي بتوتر وسأل الطبيب:
– خير يا دكتور؟
أجابه الطبيب مطمئنًا:
– الحمد لله، عدّت على خير. بس حضرتك عارف، التوتر الكتير غلط عليها... ياريت تبعد عن أي ضغط أو توتر.
أنا حذرت قبل كدة اكتر من مرة
*******
ذهبت شهد إلى أحد المولات الكبيرة، تبحث عن ملابس للمحجبات. لقد قررت أن تأخذ تلك الخطوة دون أن ترجع لأحد من أهلها.
اشترت ملابس محجبات بكامل ملحقاتها، ثم عادت إلى الفيلا، لأنها تعلم جيدًا أنها ستراه اليوم في منزل عمها. كانت تتمنى أن ترى الإعجاب في عينيه بسبب هذا التغيير الذي طرأ عليها... من أجله.
انتقت أحد الدريسات، وارتدته، ثم نظرت إلى نفسها في المرآة بشعور من الفرح والراحة لم تشعر بهما من قبل. حدثت نفسها قائلة:
– يا ترى هيعجبه؟
كان الفستان رمادي اللون، تزينه فراشات بيضاء ناعمة، مع حجاب ينسدل منه بعض خصلات شعرها، لكن يكفيها المحاولة.
جهّزت نفسها بهدوء، ثم توجهت إلى الخارج، لتكون في استقباله عندما يأتي مع عائلته.
**********
بعد ساعة، ذهب مروان إلى الشركة. دخل مكتب سيف، الذي وقف يستقبله بابتسامة قائلاً:
– إيه يا عريس؟ حد يخرج يوم صباحيته؟
ردّ مروان وهو يجلس على طرف المكتب:
– ما أنت عارف اللي فيها... ليه خفة دمك دي؟ وبعدين، قولنا مفيش حد هنا يعرف إني اتجوزت.
قال سيف بضيق:
– برضه عملت اللي في دماغك؟
أجاب مروان بثقة:
– آه، أنا محدش يلوي دراعي، وهي كانت مصممة على الجوازة دي، وأنت عارف ما بقدرش أزعلها... عشان قلبها.
ثم قصّ عليه ما حدث.
هتف سيف بحزن:
– البنت كان باين إنها بتحبك، ليه تكسرها كده؟ بكرة هتندم يا صاحبي... وده اللي خلاك تخرج الصبح كده؟
قال مروان بنفي:
– لا أبداً، خرجت أقابل شاهي علشان أطمنها.
علّق سيف بعدم رضا:
– ومش مراعي مشاعر الغلبانة اللي معاك؟! حط نفسك مكانها يا مروان، هتحس بإيه لو مراتك بتحب واحد تاني وتخرج من وراك يوم صبحيتها تقابل حبيبها؟ صدقني، إحساس قاتل... حتى لو مش بتحبك.
*********
رجع مروان إلى الفيلا، وكلام سيف ما زال يرن في أذنه.
كان يتساءل: "إيه إحساسي لو مراتي عملت نفس اللي أنا عملته مع نسمة؟"
شعر بالإختناق.
نادى على الخادمة:
– ماما فين؟
أجابته:
– الهانم تعبت، والإسعاف جه خدها... ورجعت نامت.
قال مروان بفزع:
– إزاي ده حصل وأنا ماعرفش؟! هي دلوقتي فوق؟
الخادمة:
– آه يا فندم.
صعد مروان السلم بسرعة، قافزًا الدرجات، وطرق باب غرفة والدته بقوة.
فتح له والده الباب.
دخل بلهفة، وعيناه تبحثان عنها:
– ماما مالها؟ عاملة إيه؟ ممكن أشوفها؟
تحدث والده بلوم:
– تعبت شوية، والحمد لله أخدت علاجها ونامت. متخافش، هتكون بخير.
نكس مروان رأسه بخجل من نفسه:
– هي زعلانة مني؟ قولها أنا آسف والله... بس غصب عني، مش قادر أقبل غصبها ليّا.
ربت والده على كتفه، فهو يعرفه جيدًا؛ يعلم أنه لا يستجيب أبدًا للضغط، وهذا ما يجعله شديد العند.
كما يعرف جيدًا أن لولا حب مروان الشديد لوالدته وخوفه من مرضها، لما ارتبط بهذه الطريقة أبدًا.
هتف الوالد باطمئنان:
– كله خير يا حبيبي، شوية كده وهصحيها... لأن أهل نسمة على وصول. متقلقش.
*******
دخل مروان جناحه حزين مم حدث لوالدته بسببه
وقعت عيناه علي نسمه نائمة ببراءة، مثل الأطفال، تحمل ملامح ملائكي.
اقترب أكثر مرر عيونه علي وجهها
لكن آثار الدموع على وجنتيها أخبرته أنها تتألم.
همس بصوت خافت:
– آسف... أنا عارف إني ظلمتك، بس أنا عمري ما اتفرض عليا حاجة. يمكن لو قابلتك في وضع مختلف... كنت حبيتك.
اقترب منها وهو ينادي:
– نسمة... نسمة، اصحي.
استجابت لندائه بتشتت، وجلست تفرك عينيها بيديها ، وشعرها منسدل على وجهها بنعومة. ظل يتأملها، وخفق قلبه من روعة مظهرها الخلاب.
هيئتها العفوية تهز أي رجل لكنه سيطر علي تلك الفكرة و
ناداها مرة أخرى، فرفعت وجهها وقالت بنعاس:
– نعم؟
– يلا نتغدى... زمان أهلك على وصول.
كأنها استوعبت فجأة، قفزت من السرير بسرعة:
– حاضر، حاضر... ثواني وأكون جاهزة.
مرت من جواره، فأغمض عينيه من نسمات عطرها الجذاب، رغم هدوئه وتلك الخصلات التي تهفو خلفها بانسيابية .
دخلت الحمّام لتتوضأ، ونظرت إلى نفسها في المرآة، فرأت شعرها مكشوفًا. شهقت:
– هو شافني بشعري كده؟ هيقول عليّ إيه دلوقتي؟
خرجت، وجدته يرتدي بنطالًا رماديًا منزليًا و تيشيرتًا أسود، ملتصقًا بجسده، مما أظهر عضلات صدره بشكل مثير. أخفضت وجهها سريعًا، و استغفرت .
اعتدل في وقفته وهو يقول:
– يلا ننزل.
هزّت رأسها نافية:
– ممكن تنزل أنت، وأنا هصلّي ركعتين و أحصّلك.
رجع وجلس مرة أخرى، وفتح هاتفه، ثم قال بإصرار:
– لا... ننزل مع بعض.
أنهت نسمة صلاتها، ثم توجهت إلى غرفة حنين، وبدأت تداعبها بلطف:
– حبيبة مامي، يلا اصحي.
فتحت الصغيرة عينيها بسعادة:
– مامي! إنتي كنتي نايمة معانا؟
حضنتها نسمة بحب:
– آه يا قلبي... وهفضل معاكم على طول.
وقفت حنين تقفز على السرير بحماس:
– هاي! هاي! أنا بحبك أوي يا مامي، وهغيظ أصحابي عشان كانوا بيقولوا ما عنديش مامي!
انتفض قلب نسمة بحزن على تلك الصغيرة، لكنها تحدثت إليها بحنان:
– حبيبتي، ما ينفعش نغيظ حد، لأن ده ضد أخلاقنا.
قالت حنين برضوخ:
– حاضر يا مامي، مش هعمل كده.
حملتها نسمة وهي تقبلها قبلة خفيفة،
ثم دخلت بها الحمام. غابت لبعض الوقت،
ثم خرجت وقد جهّزتها، وكل ذلك تحت أنظار مروان، الذي كان يراقب المشهد بسعادة، متأثرًا بفرحة ابنة أخته.
نزلت نسمة إلى الطابق السفلي وهي تحمل حنين، تضحك معها، وخلفها مروان.
كانت سهير قد نزلت بعد إصرار زوجها، وعندما رأتهم، أدركت أن نسمة لن تتحدث في شيء، خوفًا على مشاعرها.
هتفت نسمة بابتسامة مشرقة، تُخفي خلفها وجع قلبها وحزنها العميق:
– صباح الخير يا ماما.
وقفت سهير بمحبة، واحتضنتها:
– أجمل صباح على عيون حبيبتي.
لم تُعر مروان أي اهتمام، ثم جلست مرة أخرى في هدوء.
توجهت نسمة إلى والد مروان، قائلة بلطف:
– صباح الخير يا بابا.
ابتسم بلطف:
– صباح النور يا حبيبتي.
قالت نسمة، وهي ما زالت تحمل حنين بين ذراعيها:
– أنا هدخل أحضّر فطار حنين.
هتف مروان باعتراض:
– وليه؟! فيه هنا خدم... إنتي مش في بيتكم.
نظرت له نسمة بحزن:
– أنا هنا علشان حنين، وكل طلباتها
اختصاصي. وبعدين، اعذرني... ما كانش عندنا خدم، فهاخد وقت لحد ما أتعوّد.
بعد دخول نسمة المطبخ، قال وجدي مستنكرًا:
– ليه كده يا مروان؟ ليه مصمم تجرحها؟
تحدث مروان بنبرة مبرِّرة:
– أنا مقصدش كده خالص... أنا بس بعرفها إن فيه خدم، و مالوش لازمة تعبها.
دخلت نسمة المطبخ، وجدته كبيرًا، وفيه ثلاث فتيات وسيدة كبيرة في السن.
ألقت عليهم تحية الصباح بابتسامة على وجهها:
– صباح الخير.
ردّت الخادمات:
– صباح النور يا هانم.
قالت بابتسامة خفيفة:
.
أنا عايزة عصير برتقال، وفين الفاكهة؟
إحدى الخادمات قالت:
– ثواني و أجهز لحضرتك.
ردّت نسمة بحزم وود:
– لا، أنا هحضّر كل حاجة بنفسي... بس عرفيني مكانها فين.
******
جلس الجميع على مائدة الفطور، وبدأت نسمة تتحدث مع حنين بطريقة محببة، جعلتها تأكل دون اعتراض، على عكس ما كانت تفعله في الأيام الماضية. كانت الصغيرة تضحك ببراءة.
قال وجدي بإعجاب:
– شكلك بتعرفي تتعاملي مع الأطفال كويس. إحنا كان عندنا كل يوم فرح بسبب رفض حنين للأكل.
ابتسمت نسمة وقالت:
– أنا بحب الأطفال جدًا، وهما كمان بيحبوني.
لدرجة إن الجيران كانوا بيجيبوا ولادهم عندي...
اللي مش بيأكل، واللي مش بيسمع الكلام. وكانوا بيتجننوا لما بيشوفوهم بيسمعوا كلامي.
ضحكت ثم أضافت:
– أنا كنت فاتحة البيت حضانة... و الولاد زعلوا جدًا لما اتجوزت هم وأهلهم
*********
أتت عائلة نسمة في المساء لزيارتها، وكان في استقبالهم الجميع... حتى شهد.
ارتدت نسمة عباءة استقبال خضراء، تعكس جمال عينيها. ركضت نحو والدتها و احتضنتها بسعادة:
– ألف مبروك يا حبيبتي.
وقبلها والدها قائلًا بفخر:
– حبيبتي كبرت... وبقت أجمل عروسة.
نظرت نسمة إلى أحمد بحب ولهفة، بادلها النظرة، ثم احتضنها بحب كأنهما عاشقان.
شاهدتهما شهد، وسالت دموعها بصمت؛ فأخيها لا يهتم بها، ولا تراها عيناه.
لاحظ أحمد دموعها، وشعر بالحزن لأجلها، فهو يراها طفلة تائهة، لا تعرف الطريق، وتحتاج من يأخذ بيدها.
جلس الجميع في جو عائلي جميل، والغريب أن مروان شعر بألفة غير معتادة، ولم يتضايق من وجودهم.
استأذنت شهد للخروج إلى الحديقة لترد على هاتفها.
لكن أحمد خرج خلفها، وما إن اقترب حتى صُدم مما سمع.
كان صوتها غاضبًا و عصبيًا وهي تقول:
– عايزة إيه يا نادين؟! لا، أنا معدش ليا علاقة بيكي، ولا بأي حد من الشلة خالص!
وأنا عرفت الاتفاق اللي كان بينك وبين هاني... علشان تشوهي سمعتي؟!
توقف صوتها لحظة، ثم تابعت بانفعال أكبر:
– أنا مش ممكن أسامحك أبدًا، أنتي والحيوان اللي اسمه هاني!
ولو مروان بن عمي عرف، هيمحيكم من الوجود!
ولو فكرتي تتصلي بيه تاني... صدقيني، هحكي له كل حاجة!
أغلقت الخط، بضعف و ظلّت تبكي بصمت. كانت تتساءل بألم:
"أين أبي؟ أين أخي الآن؟"
فجأة سمعت صوتًا هادئًا خلفها:
– جميل عليكي الفستان ده.
التفتت إلى صاحب الصوت، وجدته يقف خلفها مبتسمًا ابتسامة عذبة جعلتها تنسى للحظة ألمها.
مسحت دموعها سريعًا و ابتسمت:
– بجد عجبك؟
ابتسم لبراءتها، وهتف بغمزة:
– هو يعني مش توبة كاملة بشعرك ده... بس مش مهم، مشوار الألف ميل بيبدأ بخطوة.
ضحكت شهد برقة:
– معلش... أول مرة ألبسه ومش عارفة أتعامل معاه، ومافيش حد أعرفه بيلبس حجاب.
أشار لها:
– تعالي اقعدي.
جلست شهد بهدوء. قال أحمد:
– بكرة نسمة تعلّمك، بس حاليًا... عايز أعرف، في إيه؟ مالك؟
هربت من عينيه بخوف وتوتر، خائفة أن يظن بها السوء إن علم الحقيقة.
لكن صوته جاء حازمًا، وكأنه يملك حق التصرف في حياتها:
– المكالمة دي... أنا عايز أفهم معناها.
أخفضت وجهها، ثم قصّت عليه كل ما حدث منذ قابلته يوم عيد ميلاد نادين .
استمع إليها أحمد بغضب، وعيونه تشتعل كأنها تحتضن الجحيم:
– معاكي صورة ليه؟
هزّت رأسها نافية:
– لا... أنا عارفة إنك فاكرني بنت سهلة، وممكن تفرّط في شرفها. لكن لا!
أنا ألبس، أضحك، وأخرج... بس عاملة لنفسي حدود.
اللبس اللي خلاك تبصلي باحتقار... عادي في البيئة بتاعتي.
مافيش عندي حد يفهمني، أو ينصحني، أو ياخد باله مني. بس اللبس ده... عندنا كبير وصغير بيلبسه.
سكتت لحظة، ثم أكملت بألم:
– بس كله إلا شرفي!
مافيش واحد عمره لمس إيدي... أو باسني.
تابعت وهي تشيح بوجهها عنه:
– ولما بشوف حبك لأختك وخوفك عليها... كنت بتمنى فريد يعمل معايا كده، و يحميّني من الوحوش اللي في هيئة بشر...
وعايزين ينهشوا لحمي.
*******
يتبع
#نسمه- متمردة
#بقلمي- أمل -مصطفي
#البارت- الثامن
********
في أحد الأيام،
وقفت سهير أسفل الدرج تُحفّز نسمة على الإسراع:
– يلا يا نسمة، مش عايزين نتأخر!
خرجت نسمة وهي تعدّل هيئتها، وقالت:
– حاضر يا ماما.
نزلت درجات السلم، وجدت الجميع في انتظارها. ركبوا السيارة وذهبوا إلى حفل حنين في الروضة.
كان الحفل عبارة عن دويتو بين الأم وابنتها.
تمتلك نسمة حضورًا و طلة مميزة، لفتت أنظار الحضور. كان أداؤها رائعًا، وةغنّت "ابنيتي الحبيبة" وهي في منتهى السعادة، لأنها استطاعت أن تشارك حنين فرحتها.
بينما كان مروان، وسهير، ووجدي يتابعون ما يحدث بفرحة كبيرة، تذكّروا كيف كانت حنين دائمًا تشتكي من حزنها لعدم وجود والدتها مثل باقي الأطفال.
وعندما ذهب مروان وهو يصطحب شاهي كي تشعر حنين بوجود أم وأب في انتظارها،
انهارت وظلّت تصرخ، حتى طلب مروان من شاهي الابتعاد وركوب تاكسي حتى لا يزداد الأمر سوءًا.
انتهى العرض، وحملت نسمة حنين ونزلت من على المسرح بعد تصفيق الجمهور، وجلست بجوارهم في انتظار باقي العروض.
قالت حنين بفرحة، وهي تجلس بين أحضان مروان و تتشبث بعنقه:
– بابي، شوفت أنا و مامي كنا حلوين إزاي؟
ابتسم مروان و قبّلها من وجنتها :
– أجمل بنوتة و مامتها.
أشارت حنين إلى نسمة وقالت:
– طيب بوس مامي، لأنها هي كمان تعبت.
نظر لها مروان لم يتوقع مثل هذا الطلب
بينما تورد وجه نسمة من الخجل.
تحدثت حنين بتحفيز:
– يلا يا بابي!
انحنى مروان على وجنة نسمة و قبّلها برقه .
انتفض جسدها من لمس شفتيه لوجنتها، وحاولت التماسك بفرك يدها الموضوعة على
قدميها، بينما أحس مروان بشعور مختلف لم يستطع تحديده.
عاد الجميع إلى الفيلا، وكانت نسمة تتحاشى النظر إلى مروان، لأنها ما زالت تشعر بالخجل مما حدث في الحفلة.
******
هناك في شقة أحمد
كعادته يوميًا، يقوم أحمد ببعض التمارين الرياضية.
يرتدي بنطلون قطن أبيض و تيشيرت أبيض، يبرز عضلاته.
رن جرس الباب، فذهب ليفتح وهو يتحدث:
– إنت يا ابني لو طاير مش...
وقطع كلامه عندما رأى هناء، أخت نادر صديقه، تقف أمامه وهي تتأمله بهيام.
تحدث أحمد بتعجب:
– خير يا هناء؟
مدّت له يدها وهي ما زالت على وضعها:
– ماما بعتا لك طبق أم علي.
تناوله منها وهو يشكرها، ثم أراد أن يخرجها مما هي فيه، فهتف:
– بصي يا هناء، افهمي كلامي كويس.
إنتِ زي أختي. أنا شاب عازب، وما ينفعش بنت زيك كل شوية تخبط على بابي.
عشان سمعتك أولًا،
ولأن أخوكي صاحبي ومش عايزه يفهم غلط. ياريت لو عايزه تجيبي حاجة، تبعتيها مع نادر... منعا للإحراج.
ردت هناء بتوتر:
– بس أنا يعني...
تحدث بهدوء:
– أنا عارف، بس صدقيني، ده مجرد إعجاب.
إنتِ لسه صغيرة، مش عارفة حقيقة مشاعرك. أنا زي نادر، أخوكي، ولو احتجتيني في أي وقت هتلاقيني في ضهرك دايمًا.
فلو سمحتي، امشي... لأن نادر على وصول.
نظرت له هناء بدموع، ثم ركضت وهي تبكي، ولا تعلم شيئًا عن تلك العيون التي كانت تتابعها بغضب.
*****
مرّت الأيام بينهما، يغلفها الهدوء والاحترام.
دخل مروان جناحه، فوجد نسمة تجلس وحولها مذكرات وكتب. ألقى عليها تحية المساء قائلاً:
– مساء الخير.
رفعت عينها إليه، وتركَت ما بيدها، وأجابت:
– مساء النور.
سألها بفضول وهو ينظر إلى تلك الكتب:
– بتعملي إيه؟
أجابت باختصار:
– بذاكر.
– وليه كل ده؟ إحنا لسه في أول السنة!
– أنا بحب أذاكر المحاضرات أول بأول.
سألها بتردد:
– إنتي شاطرة على كده؟
ردّت بثقة:
– طبعًا، الأولى على دفعتي كل سنة.
تحدث بإعجاب:
– حبيبي إنتِ يا واثق من نفسك!
ضحكت نسمة وقالت مازحة:
– طبعًا يا بني، إنت متجوز نابغة.
سرح مروان في ضحكتها، لاحظت نظرته، خفضت وجهها بخجل.
أراد أن يُبعد عنها الإحراج فقال ضاحكًا:
– ماشي يا عمّ المغرورة! هاخد شاور، ولو احتجتي مساعدة، أنا عبقري في الرياضة.
قالت نسمة بتردد:
– لا، صراحةً... أنا محتاجة منك حاجة تانية.
هتف بهدوء:
– خلاص، لما أخرج أشوف محتاجة إيه.
ثم تركها، تناول ملابسه ودخل الحمام.
قامت نسمة بجمع كل أشيائها بسرعة،
ثم نزلت لتحضر كأسين من العصير و قطعتين من الجاتوه.
أما مروان، وقف شاردًا تحت الماء، يشعر بالحيرة من نفسه.
يشعر براحة شديدة في التعامل معها.
اختفى النفور الذي شعر به منذ أُجبر على هذا الإرتباط.
أحب الأحاديث التي تدور بينهما، و أُعجب بشخصيتها.
نسمة هادئة، مثقفة، تعرف حدودها جيدًا مع الجميع، مما أدخلها القلوب سريعًا. حتى شهد، ابنة عمه، لم تسلم من سحرها، لدرجة أنها لم تعد تترك منزلهم إلا عند النوم.
لقد تزوجها منذ شهرين، و معاملتهما يحكمها التفاهم والاحترام.
وهذا جعله ينظر إليها نظرة أخرى لا يعرف كيف يحددها.
لم تحاول يومًا أن تستغل جمالها في لفت نظره. بل دائمًا ما يراها بالإسدال، حتى وهي نائمة.
عند ذكر اسمها، يشعر بألفة غريبة، كأنه يعرفها منذ سنين.
***
خرج مروان من الحمام، وجدها تجلس وأمامها عصير و قطعتا جاتوه.
تحدث وهو يضحك برجولة:
– إنتِ بتغرّيني بقى عشان أوافق من غير كلام؟
غمزت بشقاوة، :
– حاجة زي كده.
لم تعلم كيف أخذت عليه بتلك الطريقة، وفي هذا الوقت البسيط، رغم رفضه لها منذ زواجهما.
لا تُنكر أنها ما زالت مجروحة منه، وأنهما يتعاملان كأصدقاء، لكنه يعاملها باحترام شديد.
واكتشفت أيضًا الجانب المرح من شخصيته من خلال تعامله مع ابنة أخته ووالديه.
جلس جوارها على الكنبة، وسألها بفضول:
– خير يا نسمة؟
توترت نسمة من قربه غير المسبوق، ومن وسامته التي أسرتها منذ اللحظة الأولى.
حاولت الابتعاد بطريقة لا تُسبب له أو لها أي إحراج.
تناولت طبقًا ووضعت به قطعة من الجاتوه، ناولته إياها بابتسامة،
فشكرها
–استرسلت كلماتها أنا كنت بسأل لو ينفع أزور أهلي... أصل و حشوني جدًا.
سألها بهدوء :
– طيب... و جامعتك؟
– بكرة عندي محاضرة واحدة، والخميس والجمعة والسبت ما فيش عندي حاجة.
ثم نظرت إليه وهي تكمل:
– وحنين وماما طبعًا معايا.
قال مروان باهتمام:
– والطلب التاني؟
– كنت عايزة... لو ينفع أتدرب عندك في الشركة.
– طيب ليه تتعبي نفسك؟ اصبري لما تخلصي.
ردّت بحزن:
– أنا لسه قدامي السنة دي بس، كنت عايزة أكتسب خبرة وأنا بدرس.
و متقلقش، أنا هأنظم وقتي بين حنين والجامعة والشغل.
لاحظ مروان حزنها، فقرصها من و جنتها بابتسامة وقال:
– سيبي الموضوع ده لحد ما ترجعي، إيه رأيك؟
قالت بسرعة:
– ده معناه موافقة على طلبي الأول، مش كده؟
هز رأسه وهو يبتلع القطعة في فمه.
–تحدثت بإمتنان ::
شكرًا جدًا ليك، هقوم أبلّغ ماما عشان تجهز نفسها.
*******
عند أحمد، أغلق الباب ووضع الطبق على السفرة، ثم توجه لإكمال تدريبه.
رن جرس الباب مرة أخرى، فذهب ليفتحه، ليجد نادر واقفًا أمامه، ويبدو عليه الحزن.
هتف أحمد بابتسامة:
– مالك يا بني؟ مكشّر كده ليه؟
رد نادر بحزن:
– شكرًا يا صاحبي... لأنك حافظت على شرفي.
رماه أحمد بنظرة طويلة، ثم قال:
– هناء حكتلك؟
هز نادر رأسه نفيًا:
– لا... أنا كنت طالع وسمعت كل حاجة. ولازم أربيها.
رد أحمد بحزم:
– كده غلط. قرب من أختك و صاحبها.
هي في سن خطر ومحتاجة توجيه. بدل ما تضربها و تبعدها عنك، خليك صديقها.
ثم أكمل:
– أنت عارف... نسمة، أول ما قلبها دقّ لمروان، جَت تجري عليّا وتحكيلي، لأني عمرنا أصحاب وهي دايمًا عارفة إن أنا سندها.
ده دور الأخ الكبير... الأمان والاحتواء.
احتضنه نادر وقال بإخلاص:
– أنت نِعْم الصديق.
رد أحمد بمزاح ليخفف من حزنه:
– أبعد كده يلا... أنا كنت شاكك فيك من الأول!
ضحك الإثنان معًا.
********
مساء اليوم التالي
كانت نسمة تجلس بهدوء، تتصفح "فيسبوك" على هاتفها، حين جاءت رسالة على "الواتساب".
لم تصدق عينيها حين عرفت صاحب الرسالة: مروان.
– أنتي صاحية؟
اعتدلت في جلستها وابتسمت، وكأنّه يراها، ثم كتبت:
– آه.
– بتعملي إيه؟
– بتصفح الفيس شوية... وهنام.
– يظهر إني اتعودت على وجودك... مش عارف أنام عشانك مش موجودة.
قابلت رسالته بالصمت...
– أنتي نمتي؟
– لا.
– طب ليه مش بتردّي عليا؟
شعرت نسمة بالحيرة... لم تعرف هل ما يحدث شيء جميل أم سيّئ.
ثم كتب لها:
– أنتي رأيك إيه؟
– مش عارفة.
– اتبسطتي النهارده؟
– جدًا، اتغدّينا، ودخلت أنا وحنين المطبخ... عملنا تشيز كيك، وطبعا بهدلنا المطبخ زي كل مرة، وماما كانت عايزة تموتني.
أرسل لها مروان "إيموشن" مبتسم، فابتسمت نسمة وهي تكمل:
– بعدين نزلنا أنا وحنين ويوسف، لعبنا كورة على البحر، ورجعنا من وقتها، وهي نايمة زي الملاك... يا حبيبتي.
– هي معاكي في الأوضة؟
– طبعًا... نايمة جنبي أهي.
– وفين ماما؟
– أنا طلبت منها تنام جنب حنين، وأنا أنام على الكنبة... بس هي رفضت، وراحت نامت في أوضة أحمد.
– يظهر إنك بتعشقي الكنبة!
أرسلت له "إيموشن" غاضب،
فضحك مروان حين رآه، ثم بعث:
– خلاص يا ستي، ما تزوقيش! تصبحي على خير.
ابتسمت نسمة بحب، وردّت:
– تلاقي الخير.
أغلق مروان هاتفه وهو يشعر براحة لم يعرفها منذ زمن...
أما نسمة، فقبّلت هاتفها، واحتضنته بين يديها، ثم أغلقت عينيها.
*******
في الصباح
في مكتبه، جلس مروان يراجع بعض الأوراق، ثم أرسل في طلب أحمد.
لم يمضِ وقت طويل حتى دخل أحمد بسرعة قائلاً:
– السلام عليكم.
رد عليه مروان دون أن يرفع عينيه:
– وعليكم السلام.
اقترب أحمد قليلًا، وقال باحترام:
– حضرتك طلبتني؟
أشار له مروان بالجلوس، ثم قال بابتسامة خفيفة:
– اقعد يا أحمد... أنا مروان، وأنت أحمد.
مافيش "حضرتك" و"حضرتي" غير وقت الشغل.
ثم أكمل بصوت جاد:
– أنا مسافر النهارده عند نسمة... وهتيجي معايا.
تردّد أحمد قليلًا قبل أن يجيب معتذرًا:
– أنا لسه عندي شغل.
رفع مروان حاجبه وقال بحزم:
– خلّص كل حاجة، وجهّز نفسك... هنسافر بعد الشغل على طول.
وقف أحمد يستعد للخروج، وقال بابتسامة خفيفة:
– حاضر، بعد إذن حضرتك.
رمقه مروان بنظرة جانبية وقال بملل:
– برضه!
ضحك أحمد وهو يرد:
– معلش... مسألة تعوّد.
********
رنّ جرس الباب.
قام خالد بفتح الباب، ليجد أمامه أحمد ومروان.
ابتسم خالد بسعادة وهو يفتح ذراعيه:
– أهلاً برجالتنا.
وقام باحتضانهما بحرارة.
وفجأة، ركضت حنين نحو الباب وهي تهتف بلهفة:
– بابي! وحشتني!
انحنى مروان وحملها بين ذراعيه، و قبّلها :
– و إنتِ أكتر يا حبيبة بابي.
بينما كانت عيناه تبحث عنها... عن نسمة.
سلّم على الجميع، وهو لا يكف عن الدوران بعينيه في أرجاء المكان، و كأنّه يفتّش عن ظلها.
فاجأته والدته بقولها:
– نسمة في أوضتها بتصلي... تعال أوريك.
نظر إليها باستغراب... كيف علمت بلهفته؟
كأنها قرأت قلبه، لا وجهه فقط.
أشارت له إلى إحدى الغرف:
– دي أوضتها.
ثم أخذت حنين وعادت، تاركة له المساحة... والفرصة.
وقف خلف الباب يتنفس ببطء، محاولًا تنظيم ضربات قلبه.
ماذا حدث لك مروان لماذا كل هذا التوتر هل انت مراهق
يشعر كأنه يعيش مراهقه متأخر وهو على وشك لقاء حبيبته للمرة الأولى.
هو لم يختبر هذا الشعور من قبل، لا في مراهقته، ولا حتى مع شاهي.
ماذا يحدث له؟
هل أحب شاهي حقًا من قبل؟
لم يعد متأكدًا من شيء.
دلف إلى الغرفة بهدوء...
وفور دخوله، شعر بالذهول.
كانت أمامه، تجلس، كأنها خارجة للتو من حكاية خرافية.
بشرتها البيضاء، وشعرها الأسود الحريري،
ترتدي جيب قصيرة فوق الركبة، وبلوزة بيضاء مفتوحة قليلاً عند الصدر، تظهر منها سلسلة رقيقة على هيئة قلب.
كانت مثل فراولة شهية... تدعو الناظر إليها دون استئذان.
سمعت الباب يُفتح، لكنها لم ترفع نظرها عما بيدها.
لا أحد غريب في المنزل، فاعتادت أن تكون على راحتها.
لكنها صُدمت حين رأته واقفًا أمامها... وهي بهذا اللباس.
فمنذ زواجهما، لم يرَها يومًا دون الإسدال.
لكن ما صدمها أكثر... كانت نظراته.
يتأملها... بعين رجل يرى امرأة يحبها لأول مرة.
تقدّم مروان نحوها، كالمسحور، و كأن قدميه تتحركان وحدهما.
وقف أمامها، وهمس بصوت أجش، بإغراء قاتل، و أنامله تتحرك برقة على ذراعها العاري:
– وحشتيني... يا نسمة.
ثم مال على شفتيها، و قبّلها بنعومة، بشوق ولهفة مكبوتة.
نسيت نسمة كل شيء...
وبادلته قبلة خجولة، زادت من عمق إحساسه بها، فزاد هو في تقبيله لها.
حتى قاطع اللحظة صوت طرقات صغيرة على الباب...
ابتعد عنها، يعطيها ظهره محاولًا السيطرة على أنفاسه المضطربة، وعلى مشاعره التي أثارتها فيه فجأة.
وفي تلك اللحظة، دخلت حنين بعفويتها الطفولية وهي تقول:
– بابي، أنا هربت من تيته... علشان مش عايزاني أجي أقعد معاكم.
ابتسم مروان محاولًا استعادة هدوئه:
– كنت بس بسلّم على مامي.
أما نسمة، فلم تصدق ما حدث...
كيف استسلمت له بتلك السهولة؟
لقد كانت تحت سحر عينيه، وهيبته الرجولية الطاغية، ووسامته التي أربكت عقلها.
اقترب منها مروان مرة أخرى، محاولًا تسريب حنين بعيدًا:
– بصي يا حنون... روحي لتيته، وقوليلها بابي جعان.
– حاضر يا بابي!
ركضت الصغيرة، وأغلق مروان الباب من خلفها بهدوء، ثم عاد إليها، يقترب منها بخطى ثابتة.
كان يريد أن يطفئ شوقه المتأجج، ذلك الشوق الذي لم يدرك وجوده من قبل... إلا عندما لامس شفتيها.
لكن نسمة تراجعت خطوة للخلف، ورفعت يدها لتضعها حاجزًا بينهما، وقالت بصوت مهزوز لكنه حازم:
– اللي حصل بينا... ما كانش المفروض يحصل.
أنا مراتك... على الورق بس.
أنت بتحب شاهي... وده يعتبر خيانة ليها.
تجمّد مروان في مكانه، ينظر لها باستغراب...
هل ترفض اقترابه؟! هل جُنَّت؟!
هو الذي تركض خلفه النساء، وتنتظر منه نظرة... تُقابل الآن بالرفض من فتاة صغيرة؟!
أخذ نفسًا عميقًا، يحاول أن يلمّ بقايا كبريائه المتناثر.
ثم نظر لها بسخرية باردة:
– عندِك حق... كانت غلطة.
تركها، بل وترك المنزل بأكمله، وهو في قمة الغضب، لا يدري هل هو غاضب منها... أم من نفسه.
*********
ظل قلبها يعاتبها...
"إيه اللي انتي عملتيه ده؟!
أنا ما صدقت إنه حس بيا..."
لكن العقل كان حاضرًا، يقاطع تلك النغمة الدافئة بصوت بارد واقعي:
"لأ... هو حب الشكل الجديد اللي شافه، مش أكتر."
يرد القلب بتحدٍ خافت، لكنه نابض بالثقة:
"أنا شفت في عيونه حب ولهفة... مش ممكن تكون تمثيل."
ضحك العقل بسخرية:
"تبقى عبيطة... ده جرحك من شهرين لأنه كان بيحب واحدة تانية.
مش ممكن يتغيّر في الفترة القصيرة دي."
القلب، وكأنه يحاول التمسك بآخر خيط من الأمل:
"طب... طب جه ليه؟
مش ده الحب؟ لما مايقدرش على بعدي؟
ده إيه؟"
رد العقل بحدة:
"ده اسمه تعوّد... مش حب.
لو كانت شاهي موجودة، عمره ما كان هيجيلك.
أعقلي، عشان لو جي في يوم مجروح، أنا مش هسأل فيك."
*******
فاقت من صراعها الداخلي على صوت سهير، الذي جاء متلهفًا:
– إيه اللي حصل يا حبيبتي؟! مروان نازل غضبان ليه؟ أنتي منعتي نفسك عنه؟
نظرت إليها نسمة بذهول، وقالت بصوت خافت:
– حضرتك بتقولي إيه؟!
قالت سهير بهدوء وهي تقترب منها:
– أنا عارفة كل حاجة، ومروان حكى لي اللي حصل بينكم.
ويوم الصباحية... أنا تعبت، والإسعاف جه وخدني.
شهقت نسمة:
– وأنا كنت فين؟
– كنتِ فوق... مجروحة من أفعال ابني،
واللي بسببها... كانت أول مرة أخاصمه بالأيام.
ثم أكملت سهير حديثها بحنان أم:
– بصي يا نسمة...
ابني مروان، جوزك، مش هو نفس مروان اللي نزل النهاردة.
ده شخص تاني... عيونه كلها لهفة وحب،
بيدوَّر عليكي بقلبه.
مروان... بدأت نبتة حبك تكبر جواه.
همست نسمة بحزن:
– بس مروان بيحب شاهي...
ردّت سهير بثقة:
– لا، مش بيحبها.
أنا كنت فاكرة زيّك كده، بس بعد اللي حصل النهارده، عرفت الحقيقة.
هو كان "فاكر" إنه بيحبها...
لحد ما ظهرتي، وبدأ يعرف يعني إيه حب.
وتابعت بإصرار:
– قلبه حبك... لأن الحب أفعال، مش أقوال.
وابني... لو كان بيحبها، كان اتجوزها من زمان.
سكتت لحظة، ثم أكملت:
– جات له فرص كتير يتجوزها،
وبصرف النظر عن خوفه عليّ،
كان ممكن يتجوزها من غير ما نعرف.
ثم نظرت لنسمة نظرة مليئة باليقين:
– أنتي عارفة إن شاهي كانت بتسافر بالأسابيع؟
وهو كان عادي عنده!
رغم إنه كان سهل عليه يسافر لها في أي وقت...
لكن أنتي... ما تحملش غيابك يوم.
*********
ابتسمت سهير وهي تتأمل نسمة، وقد أذهلها مظهرها الخلاب. سألتها بنبرة خفيفة ماكرة:
– هو شافك باللبس ده؟
هزّت نسمة رأسها بخجل، تتهرب من نظراتها.
عندها، بدأت سهير في تجهيز عدّتها... إنها الحرب، كما تسميها، حرب ستشنّها على ابنها حتى يفيق من أوهامه.
وأول نصيحة وجّهتها لنسمة في معركة الأعصاب القادمة كانت حاسمة:
– خلاص، من النهارده مفيش غير اللبس ده... ولو عندك أصعب منه، يبقى أحسن!
اتسعت عينا نسمة، وقد زاد احمرار وجهها، ورمقتها باستغراب:
– هو حضرتك عايزاني... أغريه؟
انفجرت سهير ضاحكة، وقالت بخبث:
– أنا عايزاكي تشعّليليه تخليه مش عارف يقعد على بعضه!
هتفت نسمة بحزن:
– بس أنا مش عايزاه يبص لي كده... أنا عايزاه يحبني، أنا... مش جسمي.
لو كنت عايزة أغريه، كنت قلعت الإسدال من زمان.
رمقتها سهير بغيظ:
– إنتي عبيطة يا بنت! ده جوزك... ومن حقك تحافظي عليه، و تحاربي عشانه.
وأنا وإنتي هنعلن الحرب عليه!
إنتي بالإغراء... وأنا بالغيرة.
لما نجنّنه و نخليه يقول: "حقي برقابتي!"
ضحكت نسمة بمرح، وقالت:
– أنتِ أم؟ أنت ..؟
هتفت سهير بأمومة حقيقية:
– آه يا حبيبتي، أم... دوري آخد بإيد ابني لما ألاقيه هيقع في حفرة.
ثم أكملت بصوت أكثر حزمًا:
– لو كنت عارفة إن شاهي بتحبه حتى بنسبة خمسين في المية...
كنت وافقت.
بس هي بتحب فلوسه، ونفوذه، واسمه اللي بيفتح لها كل الأبواب.
ساعة ما يخسر ده كله... هتدور على غيره!
ثم أشارت لها بابتسامة واسعة:
– يلا، انزلي شوفيه راح فين، وكلمتين حلوين كده عشان ييجي يأكل وينام.
وشوفي حاجة "روشة" كده... إلبسيها، واتدلّعي،
بس... لمس لأ! فهماني؟
احتضنتها نسمة بعاطفة، وهمست:
– ربنا يخليكي ليا يا أمي.
ضحكت سهير بخبث، وقالت:
– بس نسيتي تقوليلي... كان عايز إيه؟ عشان كان نازل بيدخّن!
احمرّ وجه نسمة خجلًا، وأشاحت بوجهها.
قهقهت سهير وهي تمازحها:
– ردي يا ناني، أنا صاحبتك!
ردّت نسمة بصوت خافت مرتبك:
– لا يا سوسو... كده عيب.
أجابت سهير بمرح:
– طيب، لو ما قولتيش... هجوزه لشاهي!
هتفت نسمة بفزع:
– لااا... إلا دي!
هو... كان عايز يـبـوسـني!
******
يتبع
#نسمه- متمردة
#بقلمي- أمل -مصطفي
#البارت -التاسع
******
نزلت نسمة تبحث عن مروان، تحمل في قلبها أسئلة لا تُقال، وحنينًا خافتًا لا تعرف مصدره. وبينما كانت تسير، قابلت أحمد، الذي نظر إليها بدهشة وسأل بلطف:
– رايحة فين؟
أجابته بصوت خافت:
– هشوف مروان.
ابتسم وقال:
– تعالي أوصلك، الوقت اتأخر.
لم تجد مبررًا للرفض، فذهبت معه. وعندما وصلا إلى الشاطئ، أشار لها بيده وهو يرى مروان واقفًا هناك، وجهه للبحر، وظهره لهما .
– واقف أهو... روحيله. أنا همشي، تعبان وعايز أنام.
تركت أحمد خلفها، ووتقدّمت بخطوات متوترة حتى توقفت خلف مروان دون أن تنبس بكلمة.
شعر بوجودها، لكنّه لم يلتفت. بقي على حاله، ناظرًا إلى الأفق، ثم قال بصوت يحمل ما بين الحزن والإعتراف:
– أنا عمري ما كنت خاين، ولا بحب الخاينين... بس أنا بجرب معاكي إحساس عمري ما عشته قبل كده. لا في المراهقة، ولا حتى مع شاهي اللي كنت فاكر نفسي بحبها.
تنهد بعمق، ثم أكمل:
– غصب عني بشتاقلك، حتى وأنا وسط دوامة الشغل و ضغطه. تفكيري مشغول بيكي، صورتك مش بتفارق خيالي.
بحس بمتعة وأنا بتكلم معاكي... وعايز الكلام ما يخلصش. حاربت المشاعر دي كتير،
لأنّ مستغربها... إزاي طغت على حبي لشاهي؟
سكت قليلًا، و كأن الذكريات تخنقه، ثم أردف:
– ما تحملتش غيابك يوم واحد.
رغم إن شاهي كانت بتغيب لأسابيع، كنت أتصل وأسأل، أو هي تتصل لما تحتاج حاجة.
بس إنتي... الوضع معاكي مختلف تمامًا.
تستمع بصمت، تحترق في داخلها كلما نطق اسم "شاهي". وقفت ساكنة، تنتظر أن يأخذ الحوار منحًى يريح قلبها، أو يكسره تمامًا.
واصل مروان كلامه بصوت مرتجف، يخشى النظر إليها:
– حتى أمي وحنين، أغلى الناس على قلبي، كانوا بيسافروا عند خالتي يوحشوني جدًا... بس إنتي؟
إنتي غير.
– أنا ركبت عربيتي وجيت جري، قلبي بيطير من الفرحة لأني هشوفك.
كنت شبه المراهق، مشغل الأغاني وبغني معاها... عشانك.
ثم رفع صوته قليلًا، فيه مرارة من خذلان:
– وبعد كل ده، بتصدي شوقي ولهفتي ليكي...
قد إيه مؤلم الإحساس بالرفض من إنسان بتتمنى قربه.
ساد الصمت لحظة، ثم قال بنبرة مختنقة:
– أنا دلوقتي بس حسيت بألمك... يوم فرحنا.
– يمكن ربنا زرع حبك جوايا من غير إرادتي، علشان أعيش تجربتك، وأحس بإحساسك...
تقدّمت نسمة ببطء، و حدّقت في ظهره، قبل أن تنطق أخيرًا بصوت حزين:
– أنا مش قصدي أرفضك، كنت بحاول أفوقك... يمكن ترجع تندم.
– إنت من فترة قريبة كنت رافض وجودي في حياتك، و كأني كابوس عايش فيه.
وفجأة تهتم بيا؟ ده ممكن يكون إعجاب... أو تعوّد... بس مش حب.
صمتت لحظة، ثم أنهت كلماتها كمن يضع حدًّا لمعركة داخلها:
– أنا مقدرش أدخل معاك علاقة وأنا خايفة.
خايفة أصحى على جرح تاني...وقلبي مش هيتحمل.
*****
نظر إليها برجاء نادر علي شخصيته وصوته يفيض بالصدق والقلق:
– أرجوكي... أعطيني فرصة.
فرصة واحدة بس أثبتلك إن ده حب... حقيقي.
لم ترد مباشرة، بل ظلّت عيناها معلقتين بالأمواج المتلاطمة أمامها.
وكأنها تبحث في البحر عن إجابة، عن يقين يطمئن قلبها الذي لم يشفَ بعد. قالت بعد لحظة صمت:
– أنا محتاجة فترة...أتأكد من مشاعرك
ساعدني أسترد ثقتي في نفسي... الثقة اللي إنت دمّرتها برفضك ليا قبل كده.
اقترب منها خطوة، ونظر في عينيها بنظرة مليئة بالعشق والحنان، نظرة زلزلت كيانها، وأربكت ما ظنّت أنها حسمته.
– أنا معاكي...
لحد ما تتأكدي، ولحد ما تصدقي إني فعلًا شايفك أغلى حاجة في حياتي.
نظرت إليه بعدم تصديق، كأن أذنيها تخونانها بما تسمعه، أو كأن قلبها يتردد في تصديقه خوفًا من الضعف مرة أخرى. لكنّها اختارت الهروب من الموقف، كما اعتادت:
– طيب... مش نأكل؟ يمكن ترتاح شوية.
ابتسم، وسألها باهتمام:
– هتاكلي معايا؟
نظرت إليه، وترددت لحظة، ثم أجابت برقة:
– حاضر...
ثم سألها بخبث محبب:
– وهتنامي جنبي؟
ضحكت بخجل، وأجابت وهي ترفع حاجبيها ممازحة:
– هو كده طمّع!
بس ماشي... مش بحبك زعلان.
ضحك بدوره، ثم اقترب منها بلطف، واحتضن يدها بين يديه كأنما يتشبث بها من الخوف أن تضيع منه مرة أخرى.
عادا معًا إلى المنزل، خطواتهما متقاربة، وصمتهما يحمل آلاف المعاني.
وعندما رأتهما سهير من بعيد، لم تستطع إخفاء فرحتها. كانت تراقبهما بعين الأم، التي لطالما حلمت بأن ترى في ابنها ذاك الوميض... ومضت تهمس لنفسها:
"نسمه بدأت تأثر فيه...
وده معناه حاجة واحدة...
إن ابني أخيرًا وقع في الحب."
*******
انتهى الجميع من تناول العشاء في أجواء دافئة، يغمرها حديث خافت وابتسامات مجاملة.
استأذن مروان وهو يقف من مكانه متثاقلًا:
– أنا هدخل أنام... تعبان شوية.
ألقى التحية بهدوء:
– تصبحوا على خير جميعًا.
لم ترد "سهير" عليه بالكلام، بل وجهت نظرة خفية إلى "نسمة"، ترافقت مع غمزة ماكرة، أربكت الأخيرة وأشعلت وجنتيها بلون الخجل الوردي.
دخلت نسمة غرفتها، وبينما كانت تحاول التقاط أنفاسها بعد هذا اليوم الطويل، دخل مروان إلى غرفته المقابلة، خلع قميصه دون اكتراث، ثم نادى عليها ممازحًا:
– أنا هاخد شاور... ما تيجي معايا؟
احمرّ وجهها بشدة، شعرت بحرارة تتصاعد في جسدها، اختلط الحرج بالغضب، فصاحت بنبرة خافتة لكنها حازمة:
– آه يا قليل الأدب! أنا هروح أنام مع ماما سهير.
انفجر مروان ضاحكًا، ثم تقدم بخطوات سريعة وجذب يدها بخفة كي يمنعها من الخروج.
– أنتي نسيتي الاتفاق؟ ولا ألبس وأرجع القاهرة حالًا؟
ترددت، ثم نظرت له بتوتر وقالت بنبرة متماسكة:
– خليك... بس من غير قلة أدب.
ابتسم بخبث ممتزج بالسعادة، وقال مستسلمًا:
– خلاص يا باشا... أنا آسف.
دخل الحمام بعد قليل، وخرج وهو يلف خصره بفوطة بيضاء كبيرة. تطلع حوله، ثم قال:
– نسيت أجيب هدوم!
رفعت نسمة بصرها نحوه دون إرادة منها...
لحظة واحدة فقط كانت كافية لتُسقط دفاعاتها.
رأته بعين جديدة، وكأنها تراه لأول مرة:
جسده المتناسق، كتفاه العريضتان، بشرته الندية بعد الماء، وتلك الثقة العابثة في ملامحه... كان في قمة وسامته.
شرودها لم يخفَ عنه. اقترب منها خطوة بخفة، وهمس بنبرة تحمل سخرية ودلال:
– ما إحنا معجبين أهو...
أومال ليه التكبر ده كله؟
استفاقت من شرودها وابتعدت سريعًا وقد اغتاظت من نفسها أكثر منه. كيف سمحت لمشاعرها أن تظهر بهذه البساطة؟!
دخلت الحمام لتستعيد توازنها، وخرجت بعد فترة قصيرة، ترتدي "هوت شورت" قطنيًا، و توبً أسود مربوطًا من الخلف، تاركة شعرها منسدلًا بحرية. كانت في قمة الجمال، والأنوثة الطاغية.
دخلت "نسمة" الغرفة بهدوء، لتجده ممددًا على السرير بنفس هيئته.
سألته بتردد، محاولة أن تضع حدًا لتلك الحالة الغامضة:
– هو... أنت ناوي تنام كده؟
أجابها بنبرة مرهقة دون أن يفتح عينيه:
– مش بعرف ألبس الهدوم مرتين، بحسها بتخنقني.
ارتبكت قليلًا، لكنها تماسكت وردّت بخجل وهي تحاول أن تبدو طبيعية:
– ما فيش مشكلة... أنا كنت جايبة لك هدوم هنا علشان لما نيجي نزور بابا يومين.
فتح عينيه وألقى نظرة خاطفة نحوها، وجدها منحنية أمام الخزانة تبحث عن الملابس، بحركات هادئة وعفوية جذبت انتباهه أكثر مما توقعت.
اقترب منها بخطوات بطيئة، متأملًا تفاصيلها بنظرة مختلفة،مرر أنامله علي ظهرها العاري بنعومه
قفزت نسمه بصراخ تنهره بحده بعدين معاك يا مروان أنا قولت ممنوع اللمس لحد ما نأخد علي بعضنا
نظر إليها بهدوء، ثم قال بنبرة نصف مازحة ونصف جادة:
– طب و لبسك ده؟ مش دعوة مفتوحة للقرب ؟
ضاقت عيناها، وردّت بضيق خفي:
– لا يا مروان... دي هدومي القديمة، اللي كنت بلبسها قبل الجواز. عادية جدًا.
عبس وجهه، وبدا عليه الغضب والغيرة، فقال فجأة:
– وأحمد؟ كان بيشوفك كده؟
نظرت له بتعجّب، ثم أجابت بحسم:
– أحمد أخويا... ولو كنت عريانة يغطيني. ما تفكرش بالطريقة دي.
اقترب منها فجأة، وقد تغيرت ملامحه:
– من النهارده... مفيش حد يشوفك غيري، فاهمة؟
شعرت بخوف من نبرته وهزت رأسها بموافقه
حاضر
لعن تهورة في سره عندما راي خوفها
شعر "مروان" بثقل كلماته، ندم على نبرته الغاضبة، فحاول أن يخفف التوتر:
– أنا إنسان من دم ولحم . صعب أشوفك كده... وأسكت.
وقفت بحيرة تسأله طب اعمل ايه خلاص البس الاسدال تاني
جذبها إليه برفض واضح وهو يقول:
– لا طبعًا.
ثم سألها، متأملًا ما ترتديه:
– هو إنتي كنتي بتلبسي كده تحت الإسدال؟
ردّت بهدوء:
– آه... في أوضتي بكون على راحتي.
ابتلع "مروان" ريقه، محاولًا كبت مشاعره، وقال:
– طيب خلاص... خليكي براحتك، وأنا ربنا يصبرني.
أخذ منها الملابس وتوجه إلى الحمام. وبعد وقت قصير، خرج ليسألها وهو يرفع إحدى القطع:
– مين كان شاري الهدوم دي؟
أجابت بتلقائية:
– أنا... ليه؟ مش عجبك ألوانها؟
ابتسم وقال بنبرة خفيفة:
– لا أبدًا... أصل المقاس مظبوط، يظهر إننا واقعين من زمان.
تحركت "نسمة" من أمامه بضيق طفولي، تنفخ الهواء من فمها كما يفعل الأطفال عندما يُكشف أمرهم. توجهت إلى السرير و تمددت، تحاول تجاهل تعليقه.
تمدد "مروان" بجوارها، مستمتعًا بعبثها الطفولي الذي أصبح أقرب لقلبه من أي شيء آخر.
ترددت "نسمة" قبل أن تسأله، وكأنها على وشك فقدان صبرها:
– هو يعني... لو شوفت أي واحدة لابسة كده... تثيرك؟
التفت إليها بوجهه، و أجاب بجدية:
– لا طبعًا. أنا مش من الرجالة اللي تحركهم نزواتهم...
أنا اللي بيحرّكني...
وأشار إلى صدره:
– ده.
نظرت إليه "نسمة" بتردد، و همست:
– حتى... "شاهي"؟
تغيرت ملامحه للحزن، وقد رأى الشك والخوف في عينيها، فأدرك أنه السبب فيما وصلت إليه من قلق. تحدث بلطف وهو ينظر إليها بصدق:
– تصدقيني؟
– أكيد.
– ولا حتى "شاهي"... عمري ما حسيت معاها الإحساس ده.
ولا مرة قدرت تحرّك مشاعري زيّك، رغم إنها كانت بتلبس كده بره البيت.
أضاف وهو يتنهد:
– كنت بستغرب نفسي لما كنت أشوف واحد من صحابي خاطب أو بيحب، و ملهوف دايمًا على حبيبته،
و بيحصل بينهم مواقف... يعني بوسة، حضن...
– وأنا؟ لا.
فكرت إن عندي برود في المشاعر.
صمت لحظة، ثم تابع:
– بس الوقت... اتأكدت إن صاحبة المشاعر دي، كانت لسه ما وصلتش.
اقترب منها بلطف وقال:
– يلا عشان ننام.
جذبها إلى حضنه، استقرت بين ضلوعه، كأنها وجدت وطنها، وسكنت في غيمتها الوردية، تحلق بعيدًا عن الواقع.
وبعد وقت طويل، تنهد "مروان"، وتحدث إلى نفسه بصوت خافت:
– إيه اللي عملته في نفسي ده؟
حاضن جمرة نار... ومش عايز أتحرق!
يظهر إنها ليلة... مافيهاش نوم نهائي.
**********
فرصة العمر
بعد مرور يومين في الشركة، كان "مروان" جالسًا في مكتبه، وإلى جانبه "سيف"، يتبادلان بعض الأوراق عندما ضغط على زر الاتصال الداخلي وقال للسكرتيرة:
– خلي "أحمد" و"نادر" ييجوا.
لم تمضِ دقائق حتى خُبط الباب، ودلف "أحمد" و"نادر" إلى الداخل، وعلامات الترقب مرسومة على وجهيهما.
قال "أحمد" باحترام:
– حضرتك طلبتنا؟
أشار لهم "مروان" نحو المقاعد:
– اتفضلوا اقعدوا...
أنا قررت إنكم أنتم الاتنين، "أحمد" و"نادر"، هتكونوا المهندسين التنفيذيين لمشروع قرية مدام "شاهندة".
نظر "نادر" و"أحمد" إلى بعضهما بدهشة وفرح. كانت تلك أول خطوة حقيقية في طريق مجدهما المهني. هتف "نادر" بحماسة:
– ده شرف لينا يا باشمهندس!
وأكمل "أحمد" بابتسامة واثقة:
– ونتمنى نكون عند حسن ظنك... ونشرفك.
أومأ "مروان" برأسه وقال بنبرة جدية:
– أنا متأكد من إتقانكم وإخلاصكم في الشغل، وده السبب إني رشحتكم.
بس أهم حاجة عندي هي الدقة في التنفيذ، المشروع ده مهم جدًا لسمعة الشركة... ودي عميلة كبيرة.
رد "أحمد" بثقة:
– مش عايز حضرتك تقلق خالص، واعتبر المشروع اتنفذ على أكمل وجه.
وفي تلك اللحظة، تحدث "سيف" لأول مرة منذ دخولهما المكتب، بصوته الهادئ الواثق:
– ده طبيعي... إحنا واثقين فيهم.
ثم أضاف:
– جهزوا نفسكم، هتسافروا كمان أسبوع.
*********
بعد انتهاء يوم العمل، التفت "أحمد" إلى "نادر" وسأله وهو يستعد للمغادرة:
– متعرفش ميكانيكي كويس؟ يبص على العربية ويظبطها قبل ما نسافر.
رد "نادر" بثقة:
– آه، فيه كذا واحد... هشوف نروح لمين. ماشي؟
قاد "أحمد" السيارة بينما كان "نادر" يوجهه:
– خش من الشارع ده...
نظر إليه "أحمد" بنظرة ساخرة وقال:
– وبعدين؟ شكلك هتوهنا!
ضحك "نادر" وهو يلوّح بيده:
– لا يا راجل! أنا من البلد دي، حافظها زي كف إيدي.
استمروا في الطريق حتى توقف "أحمد" أمام ورشة ميكانيكي سيارات صغيرة، لكنها بدت منظمة ونظيفة.
ترجل الاثنان من السيارة، وتقدم "أحمد" من الميكانيكي الذي كان منشغلًا تحت إحدى العربات، وناداه:
– لو سمحت، عايزك تبصلي على العربية دي...
لو فيها أي حاجة محتاجة تتظبط، ما تتأخرش.
أومأ الميكانيكي برأسه، ثم نهض وهو يمسح يديه بقطعة قماش، مستعدًا للعمل.
*******
جلس أحمد ونادر على مقهى بلدي في انتظار السمكري، وبعد ربع ساعة رن عليه الهاتف.
ذهب أحمد للسمكري وقال له:
– بص يا أستاذ، الحاجات دي عايزها من المحل اللي في آخر الشارع.
توجه أحمد لنادر قائلاً:
– أنا هروح المحل اللي في آخر الشارع، أجيب الحاجات دي وأرجع.
قال نادر:
– طب خدني معاك.
رفض أحمد:
– لا، خليك هنا، دول خطوتين وراجع.
عاد أحمد بعد وقت قليل وجد الشارع ممتلئًا بالناس والنساء تصرخ.
سأل أحمد السمكري:
– هو فيه إيه؟
الجدع اللي معاك القي احمد ما بيده قبل أن يكمل
وتوجه بسرعه للتجمع
وجد اثنين يضربانه، ووجهه ينزف دماء، الإثنان الآخران في انتظار دورهم.
سمع صوت أحمد الغاضب:
– بتعملوا إيه يا ولاد؟
توقفوا عن الضرب، وقال أحد الأربعة:
– وأنت مالك يا حليتها! يظهر إنك عايز تتروق زي الواد ده. الحارة لمّت يا جدعان.
تحدث أحمد بغضب وقوة:
– مين ده اللي يتروق يا دانتا؟ أمك داعية عليك ليلة القدر!
ثم هجم عليهم.
أتى أحدهم يوجه كلمة لأحمد، لكنه صدها، و لكمه أحمد بقوة، نزف على إثرها أنفه، وصرخ من الألم.
تقدم الآخر وهو يفتح مطوة، هاجم بها أحمد، الذي ضربها بقدمه وقفز بحركة من حركات الكونغ فو التي يتقنها بحرفية، وضرب الإثنين في نفس الوقت،
أحدهما بقدمه والآخر بيده.
وفي لحظة، كان الجميع على الأرض، منهم من فقد الوعي، ومنهم من يتألم من قوة الضربة التي كانت تعرف أين تؤثر.
وقف الجميع ينظر لهم بشماتة، لأنهم يبلطجوا على الآخرين بسوء أخلاقهم.
مد أحمد يده لنادر لمساعدته على الوقوف،
وتحدث بغضب:
– أسيبك ربع ساعة أجي ألاقيك عامل مشكلة!
قال نادر وهو يتألم:
– ده شكل واحد بتاع مشاكل، دانا اتروقت!
ضحك أحمد برجولة:
– وليك نفس تهزر؟ ده وشك بقي شوارع!
أجلس أحمد نادر على كرسي، وطلب من صبي القهوة ماءً لغسل وجهه.
رفع نادر عينيه المتورمتين إلى أحمد الذي كان ينظف وجهه من الدماء، وهتف مبتسمًا:
– إيه ده؟ أنا مصاحب بورسلي، أنت ضربتهم بسرعة!
أحمد:
– أنا بلعب كونغ فو من وأنا طفل، ولحد النهاردة ما فيش يوم بيعدي من غير تمارين. إيه حصل لكل ده؟
أجاب نادر:
– لاقيتهم بيضايقوا بنت، ومحدش من الناس اتدخل، قلت لواحد منهم: ميصحش كده، أعتبرها أختك، راح شتمني، رديت عليه الشتمة.
جه يضربني، صديته و خبطه خبطه بس، وعينك ما تشوف إلا النور.
نزلوا فيه ضرب، بس الحمد لله أنت جيت قبل ما أموت. وتعب الحج يروح في بلاش.
ضحك أحمد بقوة:
– الله يخرب بيتك، هتموتني ناقص عمر!
وقف نادر فجأة عندما رأى شيئًا خلف أحمد.
*******
يتبع
تكملة الرواية من هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا