رواية اغتصاب حالمة الفصل الثالث 3بقلم الكاتبه سلمى سمير حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية اغتصاب حالمة الفصل الثالث 3بقلم الكاتبه سلمى سمير حصريه في مدونة قصر الروايات
#اغتصاب_حالمة
#المشاغبة
#البارت_الثالث
**___***___**___&&&&
حملها إلياس على كتفه كما يُحمل الطفل العاجز، كأنما لم يعد يرى فيها إلا خصمًا ينبغي كسر شوكته. كانت مقاومتها له تزيده إصرارًا على إنزال عقابه بها. استدار بعينين موشحتين بالشرر، وصاح بنبرة لا تخفى فيها نية الانتقام:
أنا بقي هعرفك أزاي تعانديني وتطارديني زي ظلي، انتي اللي جبتيه لنفسك واتحملي نتيجه افعالك لما أمرمغ رأسك في الطين يا بنت عبد الرحيم!
رفساته الغاضبة لم تفتّ من عضدها، قاومته بشراسة، لكن جسده المتين لم يسمح لها بالتحرر، فحملها عنوة إلى داخل الإسطبل، وقذفها كما تُلقى الأمتعة غير المرغوب بها وسط كومة من روث البهائم. ارتطم جسدها بالأرضية اللزجة، فاندفعت صرخة قهر من أعماقها، يعلوها اشمئزاز من الرائحة الكريهة التي اجتاحت أنفها:
انت مقرف، الله يخرب بيتك! انت مجنون! ربنا يخدك يا بشمهندس، اللهي تولع مكان ما انت واقف!
ضحك إلياس، ضحكة قاسية لا تخلو من سخرية، كأنما لذّ له أن يراها بتلك الحالة المهينة. زادته كلماتها ثقة بأنه أحكم قبضته على كبريائها:
بت انتي هبله؟ لزمتها ايه باشمهندس وانتي لسانك متبري منك وبتشتميني وبتدعي عليا؟ أهمّ ما في الموضوع إنك في الجَلّة! عامله شكل خرافي لصورة مقرفة. أظن كده هتتعلمي تبعدي عني، أديكي شايفه آخرتك فين!
ثم رفع سبّابته ملوّحًا بها في وجهها، ووجهه يتجهم بنبرة تحذير تنذر بما هو أشد:
انا أجازتي شهرين، أوعي المحك تاني بطريقي. انتي حرة. المرة دي حطيتك في مكانك المناسب… في الجَلّة. المرة الجاية هرميكي في الترعة… بس وهي فاضية يعني في الوحل! فاهمة يا فنطاس اللحم؟ ولا أعيد تاني؟ يمكن تفهمي بمخ الحمار اللي في دماغك، ولاّ مخّك النيور دا؟
تقلص وجهها كطفلة منكسرة، وأطبقت شفتيها المرتجفتين إلى الأمام، وانهارت باكية. كانت تحاول عبثًا أن تزيح الروث العالق بثيابها وجسدها، لكن لزوجته لم ترحمها، وسرعان ما اجتاحها شعور بالغثيان انتهى بها إلى التقيؤ وسط دموع المرارة.
نظر إليها إلياس باحتقار، وكأنه بلغ مراده منها:
كتك القرف!… يلا، اتفضلي قومي ومش عايز أشوف وشك ولا ألمحك لحد ما أسافر.
ومضى عنها دون أن يلتفت، بينما هي بقيت حيث سقطت، تنتحب بخفوت، متألمة من الإهانة، وعازمة على رد الصاع… صاعين. لقد نفذ تهديده، وألقاها في الطين، وستدفعه ثمن ذلك، ولو بعد حين.
تحاول عبير تخليص نفسها من الروث، لكن الرائحة الكريهة كانت كفيلة بأن تربك حواسها. دوار عنيف باغتها، وغشاوة ثقيلة غطّت عينيها، لتتهاوى على نفسها، عاجزة عن المقاومة.
وفجأة، أحسّت بيدين قويتين ترفعانها، وصوت إلياس يأتِيها كأنّه من بعيد، ممتزجًا بالغضب والقلق:
إنتِ مصرة تجيبلي مصيبة... مش قادرة تقومي وتنضفي نفسك وتروحي؟ لا، لازم تباتي وسط الجلّة اللي زيك! وفي الآخر، بدل ما أعاقبك، لقيت نفسي أنا اللي بدفع التمن... مش قادر أسيبك تفطسي هنا وأمشي، رغم كل اللي عملتيه!
يرفعها بين يديه محاولًا أن يبعدها عن جسده، إلا أنها، بحركة غريزية، أسندت رأسها إلى صدره، تبحث بين يديه عن أمانٍ افتقدته، حنانٍ خفيّ باغتها، قبل أن تهمد تمامًا بين ذراعيه وتغيب عن الوعي.
.............
حين استعادت وعيها، وجدت نفسها مستلقية في فراش الياس، وغطاء الخفيف يسترها، شعرها مبتل، وجسدها يعلوه أثر لسحجات حمراء واضحة...
انتفضت، قلبها يخفق كطبول حرب، وسرت رعشة في أطرافها. تلفّ الغطاء على جسدها وتهرع إلى الخارج، مهرولة إلى بيت أبيها الخالي، تدفع الباب بقوة وتدخل غرفتها.
نزعت عنها الغطاء بتوتر،نظرت إلى جسدها المشوش، همست بخوف مكتوم، مرتجف:
ينهار اسود... هو أنا... ضيعت نفسي؟ يا رب استر... طيب قول إيه لأبويا؟ أعمل إيه؟
تخرّ على الأرض، تبكي بحرقة وارتجاف، قلبها مثقل برعب الاحتمالات، عقلها لا يستوعب ما جرى، ولا يعرف أين تنتهي الحقيقة وأين تبدأ الظنون.
تلفّ جسدها بما أمكنها، وتنكفئ على نفسها في ركن الغرفة، تبكي حتى يغلبها التعب وتغفو كمن أرهقته الحياة فجأة.
منذ ذلك اليوم، اختفت ابتسامة عبير، كأن ضوء وجهها خبا فجأة، وحبست نفسها في غرفتها أيامًا متوالية، لا تخرج إلا لتحمل الطعام إلى والدها ثم تعود إلى عزلتها، صامتة، ذابلة الروح والملامح.
بدأ الهزال يكسو محياها الجميل، وذبلت نظراتها التي كانت يومًا تشع حياة، حتى لاحظ والدها تبدل حالها فسألها بقلق حنون:
مالك يا عبير؟ فكرتيني بحالتك أول ما جبتك هنا... هو أنا زعلتك في حاجة؟ ليه راجعتي لحالتك دي ؟
أخفضت رأسها، واغرورقت عيناها بالدموع، لتهمس بصوت منكسر:
لا يا بابا... إنت ماعملتش حاجة... أنا اللي غلطت...
ثم هتفت في سرها بحرقة:
(ضيعت شرفي... وضعت نفسي...)
رفعت بصرها إليه بعينين متوسلتين وأردفت:
بابا، أنا عايزة أكمل تعليمي... بقى لي سنة حابسني، واديك شوفت ماما ما صدّقت خلصت مني... يعني مش هتخطفني زي ما انت متخيل. وكمان... نفسي أفهم، إيه سبب العداوة بينك وبين عمّو عرفة؟"
نظر إليها والدها متفاجئًا:
عرفة مين؟ مفيش حد في البلد كلها اسمه عرفة."
ثم هزّ رأسه بتنهيدة طويلة:
تقصدي الحاج عرفان؟"
ابتسم بهدوء، واستطرد:
الحاج عرفان ده صاحب جميل عليا... العداوة مش معاه، دي بيني وبين ابنه... إلياس، المغرور. بس أنا كنت قايلك بلاش تروحي هناك، وملكِيش دعوة بيهم.
طأطأت عبير رأسها خجلًا، فقد عادت إلى عقلها أخيرًا، وندمت على كل ما فعلته، خاصة حين شعرت أن ما أصابها كان انتقامًا لأبيها منها، لا أكثر.
خلاص يا بابا... مش هروح هناك تاني. أنا هسمع كلامك ومش هزعلك أبدًا... بس وحياة الغالي عندك... رجّعني المدرسة.
ضمّها عبد الرحيم إلى صدره بعناق الأب الذي أنهكته الحيرة والحنين، وهمس في أذنها بصوت دافئ:
لا يا عبير، روحي... أنا عارف إنك بتروحي كل يوم، وبتحبي بنته، واتعلقتي بحفيدته ملك.
الحج عرفان له جميل كبير عندي، واللي بيني وبين ابنه إلياس، مش بيني وبينه.
كنت بهددك من خوفي عليكِ، مش علشان أمنعك... خوفي إنك تتعلقي بيهم وتفارقيهم في يوم .
لكن لو ده هيرجع البسمة لوشك، روحي يا بنتي، بس بلاش اليومين دول... لحد ما يسافر إلياس.
أنا خايف ينتقم مني فيكي... يكسرني في كرامتي زي ما أنا كسرته.
ارتبكت عبير، وانقبض قلبها وكأن يدًا خفية تعصره ببطء، بينما صرخ صوتها الداخلي في مرارة:
(ما هو خلاص كسرك يا بابا... كسرك وانتقم منك فيا زي ما كان بيقول)
رفعت وجهها إليه بعيون دامعة، يتنازعها الحزن والدهشة:
هو إنت عملت فيه إيه علشان يكرهك كده؟ وانت كمان... مع إنك بتقول عمو عرفان صاحب جميل؟
تنهد عبد الرحيم تنهيدة عميقة، وغامت نظراته بشجن الذكرى، قبل أن يقول ببطء:
هقولك يا بنتي.. أنا طول عمري كنت مسؤول عن عزبة عرفان بيه، والحق يُقال... أرضي ما كانتش خصبة زي أرض العزبة، ريحها ضعيف، ومش بجيب اللي يرضيني.لحد ما اتجوزت أمك، وده كان باختيار مرات الحج عرفان. الله يرحمها
بس أمك، الله يسامحها، كانت طماعة، ما بتحبش إلا نفسها. زادت عليا في الطلبات، وفضلت تقول إني فقير ونظمت انها اتجوزتني.
الحج علشان يرضيها وبكرم العِشرة، إداني قراطين من أرضه، وكتبهم باسمي، وقال لي:
اهديهم ليها، يمكن تهدى.لكن أنا كنت بدأت أخاف من غدرها، فكتبتهم باسمك، علشان أضمن إنك ما تضيعِيش... ومرت الأيام، وهدأت أمك شوية، لحد واحد منه لله قال لها إن القراطين باسمك مش باسمها،تاني يوم، لقيتها طافشة بيك، وطلبت الطلاق.
طلقتها، وكان همي كله إنّي أبعدك عنها... عن حياتها.
فضلت أحارب لحد ما خدت حكم بحضانتك.
بس قبلها بسنتين... حصلت الكارثة.
إلياس، ابن الحج، رجع من سفره فرحان...
بعد ما بقى مهندس زراعي، ومشروعه اتوافق عليه، وقررت الدولة تطبقه...
كان مصر يطبق المشروع على أرض أبوه كلها،
وكان من ضمن الأراض... القراطين اللي كتبهم الحج ليا. ومن هنا ولعت النار...اتقلب المعروف لعداوة.
ابنه شافني سارق، وأنا شايف حقي، ومن وقتها... ماشفناش يوم عدل سوا.
(فلاش باك)
استيقظ عبد الرحيم ذات صباح على ضجيج غير معتاد؛ أصوات عمّال وأدوات تُنقل وتُثبت في أرضه.
خرج مسرعًا، وبندقيته في يده، ليرى إلياس واقفًا يشرف على تنزيل المعدات.
صرخ فيه غاضبًا، والبندقية تشير إلى صدره:
إنت بتعمل إيه هنا يا باشمهندس؟! مش عيب؟!
نبقى جيران وتتعدى على أرضي بكل بجاحة؟!"
ضحك إلياس ببرود، ثم نزل بندقية عبد الرحيم بطرف كفّه بثقة مستفزة:
في إيه يا عم عبد الرحيم؟ أرضك إيه؟
ما أنت عارف إنها أرض أبوي... وانت عندك فدانك، اعمل فيه اللي يعجبك.انا محتاج الأرض كلها ا نفّذ عليها مشروع هيفيدك قبل ما يفيد غيرك...
الاحسن تنزّل سلاحك، أنا ما أتهددش وانت بتتكلم عن أرض مش ملكك."
لكن عبد الرحيم اشتعل غضبًا، ورفع البندقية مجددًا في وجهه، يهدر كمن يُستفز في كرامته:
اطلع من أرضي يا ابن الحج عرفان!
مدام الاحترام مش نافع معاك، أنا هضرب نار، وعندي الحق...أتا معايا عقد بيع وشراء، دي أرضي، باسمي!
اطلع انت وعمالك، وإلا... مش هيحصل خير، والدم هيبقي للركب؛
تقدّم إلياس نحوه ببطء، وشرارة الغضب تتلظى في عينيه:
بتعترف إنها أرضي... وعايز تمنعني أنفّذ مشروعي عليها؟! إنت فاكر نفسك مين؟
المشروع ده بقرار من دولة، وهيتنفّذ، غصب عنك...
هنا، وفي الأرض دي، بالعافية أو بالذوق.
انتفض عبد الرحيم، ويده تقبض على زناد الغضب الذي توحّش داخله، ثم صرخ بعينين حائرتين يلمع فيهما وجع السنين:
يبقى انت الجاني على روحك يا إلياس!
وضغط الزناد... خرجت رصاصة شقّت الهواء واخترقت كتف إلياس، فسقط أرضًا، وتزاحم العمّال حوله في فزع.
نهض إلياس بمعاونة أحدهم، يتألم لكنه يتماسك، ثم اقترب من عبد الرحيم وانتزع البندقية من يده وهو يصيح بحدة:
إنت اتجننت؟! بتضربني بالنار؟!
ده أنا اللي هموتك النهاردة، لا أنا لا انت !
اشتعل عراك بينهما، صراع جسدي كأن بينهما ثأر دم قديم، حتى ظهر عرفان فجأة وهرع إليهم، يفض العراك بينهما بعنف، لكن عبد الرحيم انتزع بندقيته مجددًا، وصوّبها نحو صدر إلياس وهو يزأر:
المرة اللي فاتت جت في كتفك، المرة الجاية هتبقي في قلبك!"
صاح عرفان في غضب محموم:
إنت بتهدد ابني يا عبد الرحيم؟! دي أرضي اللي كتبتها ليك بالمعروف! انا اللي غلطان، بس ملحوقة...
قول عايز فيها كام واتنازل."
هزّ عبد الرحيم رأسه بعنادٍ أشد من الصخر:
ومين قال إني عايز أبيع؟ اللي يبيع أرضه، يبيع عرضه. دي أرضي، ومش هتنازل عنها،عندك أراضي كتير، خليه ينفذ مشروعه بعيد... لكن أرضي لأ!"
ثار إلياس، وانفلت لسانه بحقدٍ دفين، يسخر:
تصون عرضك في شوية طين؟
كنت صونته في مراتك اللي هربت منك،
ومرمغت شرفك بهروبها!
(باك)
قال عبد الرحيم بصوت متهدّج، تغلفه المرارة والندم:
ساعتها ما حسّتش بنفسي..ضربته بالنار...ولو لا الحج عرفان، كان زمانه مات.
الرصاصة احتكت بعِرق في رقبته ووقع في بركة دم.
أنقذوه بالعافية، وأنا اتبرعت له بدمي. ومن يومها، اعتبر إنّي ذلّيته..وأبوه غصب عنه ما عملش محضر...
وحتى رفض يساعده في مشروعه علشان ما تكبرش المشاكل بينا ، بعدها سافر بره.
بس قبل ما يسافر، جالي..قال لي بالحرف:
حرمتني أنفذ مشروعي... وحلم حياتي.بس هييجي يوم، أحرِمك من أغلى ما عندك، وأكسرك زي ما كسرتني. افتكر كلامي تار عندك مش هسيبه فاهم؛
ومن يومها وأنا عايش بالخوف ده... خايف عليكِ يا عبير... خايف ينتقم مني فيكي، علشان كده كنت مانعك تروحي هناك... لحد ما يسافر، دلوقتي... فهمتي ليه كنت بمنعك ؟"
تنفست عبير بعمق، كأنها تحاول أن تُخرِج وجعًا لا يُقال، ثم سألت والدها بصوت حائر:
طيب ليه يا بابا ما رجّعتش ليهم الأرض؟
مدام ما دفعتش فيها حاجة…
وماما، اللي كنت واخدها علشانها، سبْتك في الآخر!
تنهد عبد الرحيم طويلًا، وراح صوته يتكسر في صدره كأن داخله وادٍ من الحنين:
ومين قال إني تمسكت بالأرض علشان أمّك؟
أنا تمسكت بيها علشانها بإسمك… الأرض كاتت
الحاجة الوحيدة اللي كانت بتعوضني عن غيابك، عن حرماني منك. كنت حاسس… لو اتنازلت عنها، هتحرم منك على طول، والله يا عبير، ما هو طمع،
لكن الأرض دي بالذات… أنا بشوفك فيها، علشان بسببها عرفت أمّك على حقيقتها، ودي كانت هديتي ليكي…إزاي آخد منك هديتي؟!
إزاي أحرمك من حقك فيها؟"
ارتمت عبير في حضنه، والدموع تنهمر من عينيها بحرقة، كأنما تنزف ما تبقّى من شرفها الذي سُلب،
شرف والدها الذي سرقه إلياس…
أبوها أخذ الأرض، وإلياس أخذ العرض.
بكت بانهيار في أحضان والدها، ولم تدرِ كيف تخبره بما حدث…لم تُرِد أن يفقد أعصابه ويقتل إلياس، فتحرم منه إلى الأبد.
ضَمّها عبد الرحيم، وراح يهدهدها كأنها طفلته الصغيرة:
نفسي أعرف… إنتي بتعيّطي ليه؟ خايفة يأذيني؟ مش هيقدر…ما تقلقيش، أنا قده. مهما كان انا مربيه
المهم إنه ما يأذكيش إنتي."
هزّت رأسها بلا جواب، لا تدري ماذا تقول أو تفعل،
حتى قطع شرودها صوت الطرقات المتتالية على الباب.
ابتسم عبد الرحيم وقال بحنان:
قومي اغسلي وشّك، وفرفشي…أنا ما بحبش أشوفك زعلانة. يلا قومي، وأنا هفتح الباب."
نهضت عبير تغسل وجهها، وفي قلبها لهب لا يخمد…
ذهب عبد الرحيم ليفتح الباب، وبعد لحظة دوّى صوته مرحّبًا:
أهلاً أهلاً يا حج عرفان! البيت نور بمجيتك!
لكن عرفان دفع الباب بغضب:
أنا مش جايلك يا عبد الرحيم…فين عبير؟
ليه مانعها عني ورافض تزورني؟
اتت هدخلها في مشاكلنا اللي انت السبب فيها؟!"
ضحك عبد الرحيم ضحكة ساخرة:
يا حج،والله ابدا انت جميلك هيفضل فوق راسي طول عمري ؟ أنا هنادي عبير، واسألها بنفسك…
أنا ما منعتهاش عنك."
ثم نادى بصوته الجهوري:
يا عبير! يا عبير!
خرجت إليهم عبير، وجهها شاحب كأن الدم قد تخلّى عنه، جسدها هزيل،حدّق فيها عرفان بقلق، ثم صرخ في وجه عبد الرحيم:
إنت عملت إيه في البنت؟!نهارك مش فايت…
إنت مجوّعها ولا ايه؟! أنا هاخدها بيتي…ووريني بقى هتمنعني إزاي!"
هزّ عبد الرحيم رأسه في إنكار مستاء:
والله ما حصل! اسألها بنفسك…انا مانعتش عنها حاجة…ولا حتى منعتها تروحلك…قولي يا عبير، مين اللي كان لسه بيأكد عليك تروحي له؟"
هزّت عبير رأسها موافقة، ودموعها تنحدر بصمت، تنطق بما يعجز لسانها عن قوله.
ضمّها عرفان إلى صدره بقوة، كأنه يحاول أن يحجب عنها العالم،
ثم نظر إلى عبد الرحيم بنظرات حائرة متألمة
اسمع…روح إروي أرضك، النهاردة ميعاد الري بتاعك
وسيبلها لي، ولعلمك بكرة هتفطر معايا…انا بلّغتك، علشان لو ما جيتش، يبقى ليا تصرف. معاك ومتقلقش… إلياس مسافر بكرة."
عند ذكر اسم "إلياس"، انتفضت عبير في حضنه كأن لدغها الحريق،
ولم يفت ذلك على والدها، فهم من رعشتها أن الشر قد نال منها، وأن إلياس هو من جرحها العميق.
ضمّها عرفان بقوة أكثر، كأنه يريد أن يمحو أثر يدٍ دنّستها.
قال عبد الرحيم، وهو يهمّ بالخروج، بصوتٍ مفعم بالأسى:
عبير بنتك يا حج. وتولدت على إيدك…لك فيها زي ما ليا. متزعليش الحج، اسمعي كلامه، وافطري عنده بكرة…وأنا هروح أروي الأرض… وراجعلكم."
ثم خرج، وترك خلفه وجعًا لا يُحتمل.
أما عرفان، فأخرج عبير من حضنه بهدوء، حدّق في وجهها الجميل، الذي صبغته الشحوب…وجهٌ لم يعد يشبه الحياة، كأنها تذوب بصمت، وتحاكي الموتى بعينيها.
اقترب منها الحج عرفان، وملامحه مرسومة بالقلق، صوته حنون وهو يقول:
قطتي…مالك؟إيه مزعلك؟
ليه بعيدة عن عمّك عرفة؟
دا انا مزاجي مش بيتعدل غير لنا أتصبّح بوشك الحلو اللي يفتح النفس علي الحياة…"
لم ترد، فقط ألقت بنفسها في حضنه، وكأنها تبحث عن ملاذ من عاصفة لا تهدأ،
وانفجرت في بكاء مرير، دموعها تنهمر بغزارة كأنها تغسل عارًا لم يكن لها يد فيه.
رفع الحج وجهه عنها، وكانت ملامحه قد انقلبت من الحنان إلى الفزع:
لأ…ده مش طبيعي،فيه إيه يا عبير؟ احكيلي يا بنتي… هتخبي عليّا أنا كمان؟ طمنيني…
هو إلياس زعّلك؟ تاني؟!"
ارتعشت بين يديه، وغضّت بصرها عنه، كأنها تخجل من نفسها… وهنا، سكن الجواب في نظراتها، قبل أن تنطق،
فعرفان لم يحتج أكثر ليوقن أن ابنه هو السبب…
فصاح فيها بصوت انفجر من صدره مثل البركان:
انطقي! ابن الكلب عمل فيكي إيه؟! انطقي بدل ما أروح أموّته بإيديا! قوليلي يا عبير… ريّحي بالي…"
ارتجفت، وتاهت ملامحها بين الخوف والحياء، ثم همست بصوتٍ مرتجف، تكاد الحروف تتعثر بين شفتَيها:
أيوه يا عمو عرفه… ابنك آذاني وحط راسي ورأس ابويا في الطين
إلياس… ضيع شرفي يا عمو عرفه…"
انهارت، تبكي كما لو أن الأرض ابتلعت كرامتها،
كأن كل شيء فيها انكسر.
تصلّب جسد عرفان،وضمّها إلى صدره بعنف الأبوة المقهورة، وصاح بعينين يشتعلان بالدم:
يبقى ده آخر يوم في عمره لو ما جوزِكيش!وربّي اللي في سماه، لادفنه بإيديا!
قومي معايا…اخليه يعترف بذنبه، قدّام الدنيا كلها!"
ارتعدت عبير في حضنه، لم تدرِ إن كان ما تشعر به فرحًا بانتصاف الحق،أم خوفًا من المصير المجهول،
رفعت عينيها إليه، وصوتها يخرج من أعماق الصدمة:
بجد يا عمو؟
هتخليه… يتجوزني؟!
****☆☆●●●●●●☆☆******
يتبع.......
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا