القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية اغتصاب حالمة الفصل الرابع 4بقلم الكاتبه سلمى سمير حصريه في مدونة قصر الروايات

 رواية اغتصاب حالمة الفصل الرابع 4بقلم الكاتبه سلمى سمير حصريه في مدونة قصر الروايات 




رواية اغتصاب حالمة الفصل الرابع 4بقلم الكاتبه سلمى سمير حصريه في مدونة قصر الروايات 

#العنيدة

#البارت_الرابع

**___**____***____&&&

بعد أن غادر عبد الرحيم لريّ أرضه، جلست عبير في حضن عرفان، تنهار بالبكاء.

كانت دموعها هذه المرة ممتزجة بالخجل، بالحسرة، بالجرح الذي ظنته لا يُغتفر…

أفصحت له عن مكنون قلبها، وانفجرت كأنها تنفض عن روحها حِملًا أثقل كاهلها:

إلياس يا عمّو…إلياس… ضيع شرفي ."


ارتعش قلب عرفان، وشهق كأن سكينًا طعنته في صميمه، ثم شهِد غضبًا لا يحتمل، فصرخ:

والله ما هيعديها علي خير …لو ما اتجوزكيش، لادفنه بإيديا…

قوميي معايا،  هخليه بعترف  بجريمته !"


لكن عبير، وسط دموعها، رفعت رأسها فجأة كمن رأت النور في آخر النفق، وسألت بلهفة:

بجد يا عمو؟ هتخليه… يتجوزني؟!"


نظر إليها عرفان بدهشة، عيناه تضيقان بالحيرة، وصوته يخرج متأنّيًا، متفحّصًا:

انتي…عايزة تتجوزيه علشان اللي عمله فيكي؟

ولا علشان بتحبيه؟ فهميني يا عبير،

اللي حصل ده… كان برضاكي؟ ولا أجبرك؟ وحصل فين؟ وازاي؟ وامتى؟ اتكلمي يا بنتي… متخافيش."


ارتجفت عبير، وأطرقت رأسها أرضًا، ثم همست بصوت يقطر وجعًا وكسرة:

برضايا إيه بس يا عمو؟! هو ده ظنك فيا اني كده؟

أنا يمكن بهزر وأضحك، بس عمري ما كنت قليلة الرباية ، الي عمله فيا ده…ده اسمه جريمة،

ابنك متوحش… ما صدّق لقى نفسه لوحده معايا وأنا مغمى عليّا…عملها…االلهي يتشك في معاميعه،

خليه يتجوزني يا عمو…وأنا أوعدك… مش هزعله تاني…والنبي يا عمو عرفه…!"


ضمّها عرفان إلى صدره، وربّت على ظهرها بحنان أب، ثم سألها برفق:

طب…احكيلي…فين حصلت المصيبة دي؟ وامتي؟"


تنهدت عبير، بصوت خافت متهدج:

في أوضته…بعد ما رماني في الجلّه…اغمى عليّا…

صحيت لقيت نفسي على سريره، جسمي كله معلم


وأدارت وجهها بعيدًا، خجلًا مما ظنته حقيقة، ثم فجأة… دوّى ضحكٌ عالٍ في الأرجاء…

ضحك لم يكن شيطانيًا، بل حقيقيًا، مفعمًا بالدهشة…

كان من عرفان. نظرت له عبير بحدة وذهول:

كده يا عمو ؟! بتضحك عليا؟! ترضى ده على بنتك؟!

ولا حفيدتك؟!"


ابتسم لها، واقترب منها بحنان، ومسح على شعرها كمن يُدلل طفلًا فقد الأمان:

بضحك علشان انتي هبلة…وأكّدتيلي إن ابني متربي…بقي يا عبيطة انت بتحسبي علشان صحيتي في سرير إلياس، يبقى هو اغتصبك؟!"


ثارت عبير، وبغضب الطفلة دكّت قدمها بالأرض:

أيوه! اتنيل! علامات صوابعه كانت على جسمي!

وكمان…كمان… كنت… كنت…"


ضمّها ثانية، وربّت على ظهرها بلطف:

كنتي من غير هدوم، صح؟ طب اسمعي يا غالية…

أنا كنت في البيت… انا وسارة… لما دخل إلياس شايلك… وكنتي منيلة بالجلة انتي وهو…

وحكى لنا كل حاجة حصلت… نيمك على الكنبة،

وطلع أوضته يغير هدومه،

سارة ومبروكة حاولوا يشيلوكي…ما عرفوش…

لفّوكي في ملاية…هدومك كانت ريحتها تقرف،

قلعوكي عشان ينضّفوكي…

حاولوا يطلعون بيكي لاوضة سارة معرفوش ووقعتي منهم كذا مره لحد ما نزل إلياس شالك، دخل بيكي الحمام وهم  غسّلوكي…وأنا كنت معاه، ماسبتوش  لحظة… لحد الدكتور جه، وقال إن سبب الاغماء صدمة عصبية، إنك هتفوقي قريب…الدكتور مشي،

وسارة راحت تستحمى…لما رجعت، كنتي  انت فوقتي ومشيتي ومحدش شافك من يومها،،

بس لا إلياس لمسِك، ولا جه جنبك…والعلامات؟

كانت من سارة ومبروكة… لانك انتِ ما شاء الله  عليكي موظوظة وقلبوظة…مكنوش عارفين يشيلوكي بالساهل!"


سكت لحظة، ثم أكمل:

أنا كنت فاكر إنك زعلانة من اللي عمله إلياس،

وإنك مش عايزة تيجي بسببه…لكن…

ما تخيلتش أبدًا إن دماغك راحت للبعيد كده…


شهقت عبير بقوة، واضعةً يدها على فمها من فرط الدهشة والخذلان، فقد أساءت الظن بإلياس وظلمته بظنونها. انكست رأسها خجلًا، لا تجرؤ على رفع عينيها إلى وجه عرفان.


مدّ يده ورفع وجهها برفق، ثم ضحك بحنوّ وهو يقول:

متكسفيش مني… تعرفي؟ لو في حاجة كانت هتفرحني فعلًا، فهي إن إلياس يتجوزك. بس للأسف، هو مش بيفكر غير في شغله. زعلان مني علشان موقفتش معاه في مشروعه، وعشان كده اتغرب وسابني. قوليلي بقى… ارتحتي؟ 

وهترجعي تزوريني كل يوم زي الأول؟ على فكرة، أنا بهدلت إلياس علشان اللي عمله فيكي، وفرحت لما قفل على نفسه وقاطع الأكل تلات أيام من كتر القرف اللي حس بيه. ها يا بيروو، هترجعي؟"


أحاطت عنقه بذراعيها وقبّلته في خده بفرحة طفولية:

أيوه! هاجي، وهغيظه، واللي عايز يعمله يعمله! أنا خلاص مش هخاف منه تاني!"


ضحك عرفان من عنادها اللذيذ، وطبع قبلة على جبينها:

طيب يا لمضة… الحمد لله إن وشك نور من تاني. قومي كلي بقى. وكويس إنك مقولتيش حاجه لأبوك، ده كان زمانه قتل ابني.


وضعت يدها على وجهه بصدمة وهتفت بخوف:

يا نهار أبيض! يقتله؟ لا لا… الحمد لله إني مقولتلوش حاجه!


ضحك عرفان وهو يضمها إلى صدره بحنان:

والله ابني ده أهبل… بنت زي القمر تحبه وهو مش طايقها! عبيط… مش عارف يقدّر النعمة! ده حضنك بالدنيا.


انفجرت عبير ضاحكة ضحكة عالية وصافية، ثم انتبهت فجأة، وخفضت صوتها وهي تهمس:

بس بقى يا عمو… بابا جه.


نهض عرفان وهو يلتفت إلى عبد الرحيم الذي دخل لتوّه، ثم قال مازحًا:

بنتك بقت زي الفل… ابقى نكد عليها تاني، وشوف هعمل فيك إيه! يلا سلام، وأوعي تنسي بكرة يا عبير.


وخرج عرفان، بينما جلس عبد الرحيم إلى جوار ابنته يتأمل وجهها الذي استعاد بعضًا من نضارته، وابتسامتها التي اشتاق إليها طويلًا، فهتف مستغربًا:

ياه… للدرجة دي بتحبي الحج عرفان؟


تنهد بأسى ثم أردف:

خلاص يا عبير… مدام ده بيسعدك، روحي له كل يوم، وماتخافيش مني. بس خلي بالك من نفسك، وخصوصًا من ابنه إلياس… كلمته لسه بتزن في وداني، وأنا ماعنديش غيرك، ومش هستحمل حاجة فيكِ. توعديني؟


أحاطته عبير بذراعيها، ووجهها يتهلل من الفرح:

والله أنا بحبك وبموت فيك! بس عمو عرفه بيقعد لوحده، وانت طول اليوم في الغيط… هو ده السبب اللي بيخليني أروح له، بيصعب عليا. وماتخافش عليا من ابنه، ده رخم وغلس، وأنا مش طايقاه!"

ثم ضحكت في سرها، تفكر في مكرها: 

(ده أنا هخليه يكره نفسه ويكره اليوم اللي رجع فيه!)


ربّت عبد الرحيم على ظهرها برفق:

طيب، قومي يا بنتي الحلوة، زي الشاطرة كده، واعملي لنا العشا، وتعشي معايا زي زمان… اتفقنا يا قلب بابا؟"


أومأت له وهي تبتسم بإشراق:

اتفقنا يا أحلى بابا في الدنيا!

*************

مع خيوط الفجر الأولى، استيقظت عبير وقد أشرق وجهها بابتسامة دافئة تشي بفرح غامض يسري في أوصالها. نهضت مسرعة كمن يحمل بين ضلوعه سرًا بهيجًا، واتجهت بخفة نحو المطبخ، تقطع المسافات بين أركان الدار وهي تغني همسًا كعصفورة خرجت لتوّها من قفص.


أعدّت الفطور على عجل، ثم اتجهت إلى غرفة والدها، تتسلل بهدوء كمن يخشى أن يوقظ حلمًا جميلاً. وجدته ما زال غارقًا في نومه، فاقتربت منه برفق، تقبّل وجنته بمحبة واحتضان دافئ، لا تدري إن كانت تبكي فرحًا أم تضحك من فرط الارتياح… لكنها أيقنت في أعماقها أنها لم تكسِر خاطر والدها، ولم تُهَن كرامته، وهذا وحده يكفي لأن يجعل قلبها يرفرف طربًا.


هتفت بدلال وضحكة خفيفة:

صباح الخير على الناس الكسلانة… إيه؟ مش هتنزل الغيط النهاردة؟ ولا علشان خلصت الري بليل؟


فتح عبد الرحيم عينيه ببطء، وابتسم وهو يردّ:

لا يا لمضة، أنا نازل المركز… ولسّه بدري على القطر. بس كويس إنك صحيتيني، أقوم أصلي الفجر وأكلم عمك خميس ياخدني معاه… هو بيروح المركز كل يوم، بدل ما أستنى القطر وأتأخر عليكي في الرجوع. يلا، روحي حضّريلي لقمة أفطر بيها علشان تلحقي تفطّري عمّك الحج عرفان.


هزّت رأسها بمزاح طفولي:

يا سي بابا، أنا مجهّزة الفطار من بدري… بس هفطّر معاك ومع عمو عرفه، أصلي نفسي مفتوحة أوي… وممكن آكلك!


ضحك عبد الرحيم وهزّ رأسه مستنكرًا:

يا حفيظ! تاكليني؟ ليه، مجوّعاكي؟ بس قوليلي يا عبير… هو حد قالك يا قلب أبوكي إني ناوي أذبحك على العيد؟! يا بنتي إحنا بناكل علشان نعيش، مش بنعيش علشان ناكل. وانتي بنوته، يعني لازم تكوني خفيفة كده زي النسمة… شوفي أمك، اللي يشوفها يقول أصغر منك، لأنها مهتمة بنفسها. أنا نفسي أفرح بيكي وأجوزك، بس بشكلك ده العرسان هتطفّش… خسي عشرة، ولا خمستاشر كيلو، هتخليكي قمر. أنا مش بمنعك من الأكل، بس والله خايف عليكي."


تمطّ عبير شفتاها كعادتها حين تغضب كالأطفال، وتقول بتذمر رقيق:

طيب أعمل إيه يا بابا… أنا بحب الأكل. بس هحاول أقلّل، بس النهاردة وحياتك عندك، سبني براحتي… أصلي فرحانة أوي! وبصراحة، نفسي آكل كل حاجة نفسي فيها. أنا خسّيت الكام يوم اللي فاتوا ييجي سبعة كيلو… شوف وشي خَس إزاي!


ضحك عبد الرحيم ملء قلبه، ضحكة صافية كسريان ماء في نهر رقراق، ثم هتف برقةٍ وهو يرمق وجه ابنته:

إنتِ… اللي يشوف اللمعة في عيونك والضحكة اللي ماليه وشك، يقع في حبك من أول نظرة! زي البدر في ليلة تمامه… قوليلي بقى، لما إنتِ جميلة كده وبتقولي خَسّيتي، هتبقي عاملة إزاي لو زِدتِ؟ ربنا يكون في عون اللي يحبك، ده لازم يخبّيكِ عن عيون الحساد.


قهقهت عبير بخفة قلب وسعادة، كأنها طفلة أُشبعت حنانًا وطمأنينة، واحتضنت والدها بقوةٍ كأنها تحتضن الدنيا كلها:

بقي أنا جميلة أوي كده؟! يمكن علشان إنت راضي عني! وخد بالك، إنت اللي بتحسدني أهوه… يلا قوم بقى، الفطار هيبرد!


نهض عبد الرحيم على مضضٍ من حضن الدفء هذا، وتوجها معًا إلى مائدة الإفطار. وبعد أن أنهيا طعامهما، توجّه لأداء صلاة الفجر، ثم غادر إلى عمله وقد علت وجهه ابتسامة راضية.


أما عبير، فبقيت للحظات تنظر في إثره، تشعر بالسكينة تسري في روحها كأنما أمسكت زمام الحياة. ثم دلفت إلى غرفتها، وانتقت من خزانتها فستانًا ورديّ اللون، ناعم القماش، ينساب على جسدها انسدال الغيم على سفح الجبل. صفّفت شعرها بعناية، وتركته منسابًا على ظهرها بنعومةٍ تنم عن أنوثةٍ باكرة، فبدت أكبر من أعوامها السبعة عشر بقليل. نظرت لنفسها في المرآة وهمست: أنا حلوة… وقلبي فرحان.

ثم خرجت من بيت أبيها بخُيلاء طفلةٍ تعرف جيدًا أنها محبوبة، تحمل في ملامحها ضوءًا يليق بالصباح.


لكن ما إن عبرت عتبة دار الحج عرفان، والابتسامة ما تزال مرسومة على شفتيها، حتى امتدت يدٌ خاطفة جذبتها بقوة إلى ركنٍ قريبٍ من المدخل. وجدت نفسها فجأة حبيسةً بين جسد إلياس المنتصب كالسد، وبين جدار خلفها كأن الأرض ضاقت بما رحبت.

رمقها بعينين تشتعلان غضبًا، وبصوت خافت يحمل سمًّا مغليًّا هتف بها:

رجعتي تاني… بعد ما كنت ارتاحت منك؟! أنا حذرتك تبعدي عن طريقي، لكن شكلك ما بتفهميش… ولا تهديدي بيخوّفك!

إنما اللي هيجنّني… ! إزاي عقل العصفورة اللي في نفوخك ده، تخيّلك إني ممكن ألمسك؟ أو حتى تغريني أقرب منك؟!

لا… وعايزاني أقيم معاكي علاقة علشان أكسر أبوكي؟

إنتي هبلة يا بت؟! ولا دي لعبة رخيصة علشان تخلي بابا يجبرني أتجوزك؟

تخيّلي كده… لو بابا ماكانش موجود ساعتها لما رجعت بيكي وإنتي موحولة!

لو ماكنش شاهد هو وأختي…

كان صدّق إنّي اعتديت على شرفك، وكان غصبني أتجوزك!

عارفة يا عبير، لو ده كان حصل، كنت عملت فيكي إيه؟

كنت سوّدت عيشتك… وخليتك تكرهي اليوم اللي اتولدتي فيه!

أنا اتغصب عليا أتنازل عن حلمي علشان العشرة…

مره دي مش هسمح لحد يغلّني أعيش مع دبدوبة علشان كدبة!

أنا بحذرك للمرة الأخيرة… ابعدي عن طريقي، واسلمي من شري.

أنا أخّرت سفري مخصوص علشان أقولك الكلام ده…

أنا عايز أرجع من هنا لحد ما أسافر، ما أشوفش وشك تاني… أحسنلك!"


ارتجفت عبير كغصن ضعيف في مهب ريح شرسة، وتسلّل الرعب إلى أوصالها حتى كاد يخنق أنفاسها…


شفتاها ترتجفان من وقع تهديده ووعيده، وقبل أن تنبس بحرف، باغتها إلياس بحركة مباغتة جمّدتها في مكانها؛ مدّ إصبعه ووضعه على شفتيها المرتعشتين، كأنما يكمم خوفها أو يمنع كلماتها من التسرب.


نظراته تتفرّس فيها بقسوة متعمدة، ثم تتيه فوق صفحة وجهها المتورّدة خجلًا، ذلك الاحمرار المفاجئ الذي زادها أنوثة، وأبرز غمازتها التي ارتجّت بخفوت تحت وطأة ارتباكها.


عبير، في غمرة ذهولها، تلتقي نظراته، فتنكسر، تهرب بعينيها إلى الأرض، لكنّه يضغط إصبعه أكثر على شفتيها، وكأنّه يمنعها حتى من الانسحاب. جسدها ينتفض تحت وطأة اقترابه، والمسة يده تشعل فيها رجفة عميقة متواصلة. تغمض عينيها هروبًا، لا تعلم مم تهرب: من نظراته، من نفسها، أم من مشاعرها المرتبكة التي اشتعلت رغماً عنها.


شعر إلياس بارتجافها، فأنزل يده عن الحائط الذي حاصرها بينه وبينه، ثم وضعها بثقل على كتفها، يثبتها في موضعها قائلاً بنبرة مستفزة:

مالك يا عبير؟ إنتي محمومة؟ بترتعشي كده ليه؟ انطقي!


تبلع عبير ريقها بصعوبة، تحاول أن تبتلع خجلها ورغبتها وارتباكها في جرعة واحدة، لكنها لا تقوى. تمتص شفتاها وتبللهما، فتشعر بأنفاسه تقترب منها أكثر، فتغمض عينيها مجددًا، مستسلمة لوطأة تلك اللحظة… أو لما ظنّت أنها مقبلة عليه.


لكنه ضحك—ضحكة ساخرة، مؤذية، وكأنّها صفعه في صدرها—ثم أبعد يده عنها قائلاً:

عبير… انتي مغمضة عينيكي ليه؟! أوعي تكوني فاكرة إني هبوسك؟!

لأ بجد… انتي كده اتهبلتي، وبتحلمي كمان!


ثم جذبها من فستانها، قرّب وجهه من وجهها حتى كادت أنفاسه تلامسها، ثم تلبّدت عيناه بشيء قاتم وهو يتمتم بقرف:

عارفة يا دبّة… لو كنتِ آخر بنت في الدنيا، مستحيل أفكر أبص لك، أو أشتهيك، أو حتى يكون ليا رغبة فيكي!

إنتي… مش بتبصي لنفسك في المراية؟!

مش شايفة إنك مكعبلة في نفسك؟ لا شكل… ولا منظر! جتك البلاوي!


سقطت الكلمات على قلبها كالسياط، لكنها حاولت أن تخفي دموعها، وكأنّها تعلم أن ضعفها سيغذّي سُخريته. لكنّه لمح عبرتها، واقترب منها أكثر، حتى شعرت بحرارة جسده تلامسها، ثم هتف بصوت غائر، ثقيل:

خلاص… متزعليش! غمّضي عينك… وأنا هبوسك!

بس أوعي ترفضي، ده عرض لمرة واحدة… ومش هيتكرر!


أغمضت عبير عينيها، وقلبها يتراقص خليطًا من الذهول والفرحة. خفقاتها تتسارع، وأنفاسها تتباطأ، كأنّها تستعد لشيءٍ تمنت أن ترفضه، لكن فضولها غلبها.

وفجأة—


"عبير؟!

عبير، إنتِ واقفة هنا بتعملي إيه؟ ومغمضة عينيكي ليه؟


انفتحت عيناها كأنّما استيقظت من حلم ثقيل، أو كابوس مربك، لتصطدم بنظرة الحج عرفان، وقد علت وجهه دهشة واستغراب.


ارتبكت، وبلعت ريقها، لا تدري ما تقول. تساءلت بصوت مرتجف:

هو… هو الباشمهندس إلياس فين؟


ضحك عرفان، واقترب منها ثم جذبها بلطف من يدها، قائلاً:

ادخلي ومتخافيش… إلياس مشي من بدري.

تعالي افطري معايا، أنا مستنيكي من الصبح!

وعايزك تعملي حسابك… هتفضلي معايا طول اليوم، وكل يوم!

ولو أبوكي رفض، بلغيني أنا!


تنهدت بضيق، وهي تتلفت حولها، تبحث عنه بعينين حائرتين. أين ذهب؟ كيف اختفى هكذا؟

أكان فعلًا ينتظرها ليعاتبها؟

أم أنها توهّمت، وأسقطت عليه أمنياتها، فقط ليصفعها بواقعه المهين؟


رفعت يدها ببطء، ولمست شفتيها، ثم جسدها، ما زالت الحرارة ساكنة في أطرافها، وذكرى لمسته تحرقها كأنها وُسِمت بها للأبد.

وتوالت الأيام، وغاب إلياس عن العزبة.

لكن عبير، ظلت روحه تسكنها. كانت تبحث عن أثره في كل ما حولها؛ في صوته الغائب، في رائحة عطوره المضمخة على جدران البيت، في خطواته التي كانت تدبُّ في أرجاء الدار فتهزّ قلبها.

ولم يكن لها ملجأ من شوقها إلا غرفته. تدخلها خفية بين الحين والآخر، ترتبها برفق، وتستنشق أنفاسه العالقة بين الوسائد والستائر، كأنها تلمسه بذلك.


وذات مساء، بينما كانت تجلس إلى جوار الحج عرفان في الحديقة، طلب منها أن تحضر له التبغ من غرفته.

نهضت بسرعة، لكن قدماها خانتا الطريق وتوجهتا بها لا إراديًا نحو غرفة إلياس.

دفعت الباب بتردد، لكن العطر الذي استقبلها بوهج حضور طاغٍ شجعها. كأنه مرّ من هنا للتو.

خطت بخفة، كأنها تسير على أطراف الحلم، اقتربت من فراشه، جلست، ثم مدت يدها تتحسس الوسادة، احتضنتها كأنها تحتضنه، مرّرت وجهها فوقها، تغمض عينيها وتحلم.


لكنّ الحلم انكسر فجأة بصوتٍ  أجش، حادّ:

نهارك مطين يا دُبّة، بتعملي إيه على سريري؟


انتفضت كأنها صفعتها الصحو. رفعت الوسادة عن وجهها لتلتقي بعينيه، واقفًا أمامها، الماء يقطر من شعره، ومنشفة تلف جسده. شهقت بخجل، حاولت النهوض، لكن ارتباكها أسقطها فوق الفراش. مدّ يده ليساعدها، فتعثرت خطواتهما، وسقطا سويًا على الفراش...


     ☆☆☆☆☆●●●●☆☆☆☆☆

يتبع.....

تكملة الرواية من هناااااااا 


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا







تعليقات

التنقل السريع