رواية لإجلها الفصل الرابع وخمسون الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية لإجلها الفصل الرابع وخمسون الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات
الفصل الرابع والخمسون
نفضت عنها ورقة العقد ما إن استمعت لعبارته الأخيرة، لتلقيها بعيداً عنها صائحة برفض:
ـ أنت كأنك اتجننت ولا عقلك طار منك؟ فاكرني هبلة عشان أمضي على ورقة زي دي؟
وعلى عكس المتوقع، لم يصدر منه رد فعل عنيف على رفضها، بل ظهر طيف ابتسامة على ملامحه الوسيمة التي تحلت بالبرود في تلك اللحظة قائلاً:
ـ الورقة اللي رمتيها قدامك دي أنتي اللي هتجيبيها بنفسك من تاني عشان تمضي عليها، يا كدة يا إما هلغي اتفاقنا وكأن مفيش أي كلمة اتقالت ونمشيها رسمي بجد بقى.. بعيد عن مجاملات المعرفة بأهلك ولا معزة صاحبي اللي معطلاني عن نقلك للحجز لحد دلوقتي، رغم إن صحتك تقريباً تسمح بالعودة.
ـ أنا لسة تعبانة والدكتورة مصرحتليش بالخروج.
ـ عادي، من بكرة تصرحلك.
ـ أنت بتعمل معايا كدة ليه؟
صرخت بها رداً على قوله، فقابل ثورتها بهدوء وهو يخبرها:
ـ بس أنا بنفذ القانون، معملتش حاجة أصلاً يا هالة.. سعادتك بقى اللي عايزة تمشي الدنيا على هواكي، وده بصراحة مينفعش هنا، أنا قدمتلك العرض وأنتي حرة.
رددت بنبرة انهزامية أمام جبروته، وهي لا تستوعب الموقف الذي وُضعت به:
ـ عرض إيه؟ وكلام فارغ إيه؟ أنت بقيت كدة إزاي؟ أنا اللي أعرفه عن أخلاقك إن أنت متقبلش...
ـ وكانت أخلاقي دي نفعت معاكي زمان؟
قاطعها بها، وقد تحولت ملامحه للقسوة وأصبحت عيناه كالجمر يتابع وكأن ما حدث قديماً كان بالأمس:
ـ بلاش تتكلمي عن الأخلاق عشان أنا في كل الأحوال اتغيرت.. أخلاقي الرزينة، هدوئي اللي كنت معروف بيه، كل ده طار في الهوا بسببك، لدرجة إن مفيش ست قدرت تستحملني.. يعني أنتي كمان كنتي سبب في اللخبطة اللي حصلت في حياتي.. بصرة يا ستي!
صمتت بعجز، تقبض بكفيها على جانبي رأسها ليواصل هو بفطنته:
ـ أهو سكوتك ده يأكدلي إن قرار الورقة العرفي هو أحسن ضمان ليا من غدرك، أكيد حاطة في دماغك إني أخلصك من القضية وبعدها تخلصي أنتي مني بلعبة منك.. مفيش فايدة، برضه مفكرة إنك الأذكى، نفسي أفهم أنتي جايبة الثقة دي منين؟
ارتفع رأسها إليه بضعف تقر فيه بهزيمتها:
ـ يا سيدي أنا غبية، والله غبية إني أفكر كدة مع واحد زيك، بس برضه إيه لزوم حاجة زي دي؟ جواز عرفي؟ هو أنا عيلة صغيرة وبعملها ورا أهلي؟ كيف يعني؟ أنا بنت أصول وأهلي مش أنا اللي هقولك عليهم.. طب لو دريوا بالموضوع هيبقى منظري ولا منظرك إيه قدامهم؟
ـ اممم..
زمّ فمه المغلق مدعياً التفكير، ثم عاد ليجلس على وضعيتة الأولى واضعاً قدماً فوق الأخرى ليقول:
ـ أولاً أهلك مش هيدروا بحاجة يا هالة إلا إذا أنتي حبيتي تقللي من نفسك وتعرفيهم، أنا في الأول والآخر برضه غريب عشان نبقى واضحين.. أما بقى عن الجواز فأنا يستحيل طبعاً أتجوزك غير شرعي، هيكون بجواز رسمي بعد عدتك ما تخلص ولما أتقدم لأهلك، أما الورقة فدي مجرد ضمان زي ما قولتلك لكن كمان...
قطع فجأة، ليتابع رافعاً سبابته أمامها بتحذير:
ـ ده ميمنعش إنك هتبقي مسؤولة مني، يعني هتسمعي كل كلمة أقولها أو أمر لمصلحتك، عشان منكررش نفس الأخطاء اللي كانت هتوديكي في داهية.
شدد على كلماته الأخيرة بمغزى واضح، ليجعلها تطالعه بحقد، وهو يبادلها بتحدٍ غير آبهٍ بشيء، حتى قطعت الصمت تفاجئه بسؤالها:
ـ طب أفهم أنا بقى.. إيه السبب لجوازك بيا؟ هل هو انتقام لرفضي ليك زمان؟ ولا هو حب.. ومازال مدفون في قلبك؟
لا ينكر أنه ارتبك في البداية، لكن سرعان ما ملك توازنه ليرد بابتسامة ساخرة:
ـ لا دي ولا دي يا هالة، بس هو زي ما تقولي كدة، مجرد رغبة جوايا إني أتخطى الرفض القديم على الأقل عشان أقدر أعيش بعد كدة وأعرف أتعامل مع الستات وأعمر في جوازة.. بس كدة، شوفي أنتي نفسك بقى؟ عايزة تخرجي مرفوعة الرأس قدام أهلك وبناتك ولا تتحاسبي بقى قانوني على خطأك، أو بمعنى أصح رصيد أخطائك...
لم ترد، بل استمرت على وضعها تفور غيظاً وبغضاً، ثم ومن دون كلمة، مالت إلى الأمام تتناول الورقة لتخط اسمها بها، فبزغت ابتسامة على شفتيه لم يخفها.
............ .....
دفعت باب غرفتها بعنف، لتدلف داخلها قبله، وهو من خلفها يتمتم بالأدعية التي يناجي بها الخالق بالصبر، فما فعلته من جنون يجعله الأحق بالغضب وليست هي:
ـ هو انا ممكن أعرف التكشيرة دي ليه؟
هتف بها ليجبرها على الالتفات إليه ناظرة بشرارها ونارها:
ـ يا راجل! لفت نظرك تكشيري ومخدتش بالك بدمي اللي بيغلي من ساعة عملة المحروسة "المغندرة"؟ بتبوسك على خدك يا حمزة.. على خدك! آه يا ناري لو كنت طولتها.. لا كنت قرقشتها بسناني.
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.
تمتم يبتلع ريقه بتوجس ورأسه عادت إلى ذلك المشهد؛ المدعوة "تولين" التي انتبهت لغيرة "مزيونة" من طريقتها في الحديث معها، فالتزمت الهدوء والأدب لتكسب ودها أثناء المقابلة، فشاركتهم الجلسة لعدد من الدقائق تتحدث عن "ريان" بكل واحترام حتى أمِن جانبها الاثنان، لتقرر إنهاء المقابلة والاستئذان منهما، ولكن وما إن نهضت تهم بالشروع في الرحيل، حتى فاجأته حين حنت جذعها تميل عليه وتقبله قبلتين على جانبي وجهه!
وقتها تجمد ولم يعرف ماذا يفعل، أما مزيونة فكادت أن تلحق بها وتضربها، لولا بطء حركتها في النهوض والاستناد على العصا، ذلك الشيء الوحيد الذي منعها حسب ما يرى أمامه:
ـ للمرة الألف بقولهالك يا مزيونة، دي واحدة أجنبية، والحاجات دي في شرعهم حاجة عادية خالص، تقريباً كل سلامهم وكلامهم كدة.
ـ والله؟ ومسلمتش عليا أنا ليه كيف ما عملت معاك وهي ماشية؟ مادام كل سلامهم وكلامهم كدة؟
صفن لحظات حتى عثر على إجابته:
ـ عشان متعرفة عليكي جديد أكيد، لكن أنا ليا معرفة سابقة بيها، بما إنها "الميس" بتاعة ريان و...
ـ وإيه؟ يعني دي مش أول مرة؟ مش أول مرة تبوسك فيها يا حمزة؟
صرخت بها مقاطعة له، ليسارع بالنفي والتلطيف بالكلمات علها تهدأ، فهذه أول مرة يخشى من ثورتها والغيرة الواضحة:
ـ باه باه.. خبر إيه يا مزيونة؟ أنتي هتعملي موضوع من مفيش؟ يا ستي دي أول مرة تعملها، كل كلامي معاها رسمي في المدرسة، عن ريان وأحوال ريان. النهاردة خدها العشم، أعملها إيه بقى؟ هي حرة! إنما أنا راجل ملتزم ومعايا مرتي الحلوة، برضه هبص للعفشة "المعضمة" دي؟
كان في الأخيرة قد وصل إليها بابتسامته المعهودة، يهم بالاقتراب منها، إلا أنها أوقفته:
ـ إياك تحط يدك عليا يا حمزة، ولا تقرب مني، أنا دمي فاير منك أصلاً من ساعة بوس الخدود، ودلوقتي أنت بتمها بكدبك! بقى اللي شوفناها من شوية "عفشة ومعضمة" برضه؟! يا راجل ده أنا كنت بتجنن من وصف ريان اللي مهبول عليها هو التاني، وأنا أقول الواد حابب المدرسة ليه؟ أتاريه طالع لأبوه!
قالت الأخيرة بنظرة كاشفة نحوه، ليضرب كفاً بالآخر يتمتم بالاستغفار بيأس أصابه:
ـ استغفر الله العظيم يارب، أنا مش فاهم والله أعمل معاكي إيه؟ عمالة تجيبي وتحطي في موضوع حصل غصب عني و...
ـ غصصصب عنك؟ بلاش الكلمة دي، غلط عليك يا سيد الرجالة!
رددت بها ساخرة من خلفه حتى كاد أن ينفعل عليها، ولكن بتركيز دقيق في فحوى الكلمات، تمالك نفسه بصعوبة ألا يضحك، فعبر عن دهشته:
ـ وه وه.. مزيونة أنتي فرطت منك المرة دي، خلي بالك في كلامك يا ماما، أنا بفوت ومقدر شعورك بس متوسعيهاش ماشي؟ أنا راجل كبير ناسي، ومش هين لشغل العيال ده.
ظلت عابسة على حالها، تطالعه بصمت شجعه لأن يرفع يده نحو وجنتيها يقرص عليهما بأنامله:
ـ فكي التكشيرة دي، واخزي الشيطان ده اللي عمال يسخن فيكي.. جوزك ما يملاش عينيه غيرك، ثم كمان لو هي عاجباني ما كنت اتجوزتها قبلك، وهي حلوة وسرحة كدة وشعرها كيف الحرير....
ـ حمزةةة!
صرخت بها تقاطع إسهابه، لتضاعف من مرحه ولكن دون أن يزيد عليها، ليضمها من كتفيها إليه بحنو يراضيها:
ـ خلاص عاد، بهزر معاكي يا أم الغايب، وأنا أقدر على زعلك برضه؟ هاتي بوسة على خدك بقى؟
ـ آه.. ما أنت نفسك اتفتحت على البوس، يا سي حمزة!
هتفت بها تحاول إبعاده عنها، ولكنه سيطر يضمها بذراعيه يردد بضحك:
ـ طب ولما عارفة إن نفسي اتفتحت على البوس، أروح لغيرك يعني وأنتي مرتي حلالي؟
ـ لا يا حبيبي، روح لـ "تولين"!
سخرت بها في رد عليه، ليهمس هو بقنوط وشفتيه عرفت طريقها نحو بشرتها الناعمة:
ـ وه عاد، ما قولنا محدش يملا عيني غيرك يا أم الغايب.
ـ واهين..... يا بتاع تولين!
وكانت تلك آخر كلماتها قبل أن يبتلع اعتراضها داخل جوفه، يسكتها وينهي الجدال.
....................
في اليوم التالي صباحاً..
استيقظت نورا على طرقات قوية متتالية دون توقف، حتى اضطرت للنهوض عن فراشها كي ترى من الطارق، والذي تفاجأت به:
ـ عطوة! إيه اللي جابك على وش الصبح كدة؟
زفر المذكور وهو يدفع الباب بالسلة البلاستيكية الكبيرة التي يحملها على ذراعيه، حتى أجبرها أن تنزاح من أمامه قائلاً:
ـ طب افتحي الباب الأول أدخل باللي شايله وبعدها اتكلمي، هتعمليلي تحقيق وأنا واقف على الباب؟
كتفت نورا ذراعيها أعلى صدرها بضيق لا تخفيه، حتى انتبه ليستطرد بعتاب:
ـ المثل بيقول "لاقيني ولا تغديني" يا نورا، أنا مش جاي عشان أقعد وأبرطع فيها.
لم تأبه نورا، فنفضت ذراعيها ترد بحنق وأقدامها تتحرك لتركه:
ـ يا سيدي وأنا معترضتش، ده بيتك في الأول وفي الأخير، خد راحتك، وأنا كدة كدة أصلاً سايباه...
جذبها من رسغها يمنعها عن الذهاب:
ـ استني يا نورا...
نفضت قبضته عنها تزجره بعنف:
ـ سيب يدي وابعد عني!
تركها بالفعل ليرفع ذراعيه أمامه في الهواء باستسلام قائلاً:
ـ يديا الاتنين أهم، ومش هقربلك خالص، بس أنتي اسمعيني يا بنت الناس وبلاها الحمقة دي.
عقبت وقد تعقد حاجباها بغضب:
ـ أحمق ولا اتزفت حتى! ما أنت واخد الطريق قياسة رايح جاي، يعني يهمك في إيه أصلاً؟ وأنت شكلك استحليتها من ساعة ما أنا تعبت وقعدت أنت كذا ليلة معايا في نفس البيت.. تراعيي.
تحمحم يعقب على كلماتها ببعض الحرج:
ـ ما هو مكنش ينفع أسيبك يا نورا في تعبك، يعني معملتش غير الواجب.
بابتسامة صفراء ردت بغيظ يفتك بها من حماقته:
ـ وأنا بقولك كتر خيرك مرة تانية، عملت اللي عليك وزيادة، لدرجة إن الناس في البلد تقريباً كلها بقوا مخمنين إن أنت جوزي وأنا مرتك...
ـ هاا؟
صدرت منه بدهشة قابلتها هي بانفعال:
ـ يا سيدي ولا تشغل مخك، أنا أصلاً رتبت أموري واتصلت بعيال عمي في الفيوم، هروح أقعد عندهم، وأهلي أبقى أعلمهم بمكاني عشان يجوا يزوروني بعيد عن خلقة "عرفان" الـ...
ـ أنتي بتتكلمي جد؟
للمرة الثانية يتحفها بردوده المستفزة وهي لا ينقصها منه:
ـ وهو ده كلام ينفع فيه الهزار؟ على العموم أنا قولتلك من البداية متشغلش نفسك، عن إذنك.
ـ لا استني عندك هنا! هتروحي فين وتسبيني؟
هتف بها يوقفها للمرة الثانية، ممسكاً برسغها، الأمر الذي أثار استهجانها، لتطالعه رافعة حاجبها بشر تنهره باستهجان:
ـ اسم الله! أسيبك ده إيه؟ ما تظبط كلامك كدة، ولا أنت فاكرني هقعد قصادك العمر كله؟
ـ أيوة يا نورا، أنا كان في مخي إنك تقعدي معايا العمر كله.
برقت عيناها بذهول وانتشر الغضب في أوردتها بعد سماعها لإقراره الذي ظنته دنيئاً، حتى همت أن تهجم عليه لتلقنه درساً لن ينساه، إلا أنه فاجأها حين أردف:
ـ بس في الحلال، والمرة دي على سنة الله ورسوله، والله بتكلم من قلبي وبكل صدق.. أنا مقدرش على بعدك يا نورا.
........................
العودة إلى المنزل الكبير
كانت ليلى في ذلك الوقت تجهز حقيبة السفر لزوجها، وقد حان ميعاد الذهاب إلى عمله وتركها تواجه اللحظات المهمة وحدها كما تظن.
ـ ها.. قفلتي الشنطة يا ليلى؟
هتف ينزعها من حالة الشرود التي تتلبسها منذ معرفتها بسفره، وقد كان آتياً من الخارج، لتسارع بنفض الأفكار والهواجس عنها حتى تجيبه بصورة طبيعية:
ـ خلاص يا معاذ، مبقاش غير متعلقات صغيرة زي البرفان وأدوات الحلاقة، ثواني أجيبهم من الحمام و...
ـ لا استني متمقوميش!
قاطعها يوقفها وقد انتبه لملامحها الحزينة، فتقدم يقترب حتى جلس بجوارها يخاطبها بعتاب:
ـ مالك يا ليلى؟ مالك بس؟ هتخليني أرجع في كلامي من تاني ولا إيه؟ يا بنت الناس أنا مش رايح أحارب ولا طالع برة البلد أصلاً عشان تحزني كدة وتشيلي الهم!
مسحت بإبهامها دمعة غادرة سقطت مع كلماته لترد بضعف:
ـ والله حتى لو هتبيت في البلد اللي جارة بلدنا هنا، برضه هزعل يا معاذ وماتلومش عليا، دي حاجة غصب عني.
تنهد بقنوط يتساءل بعدم استيعاب:
ـ بس أنتي مكنتيش كدة في بداية جوازنا يا ليلى، أنا كنت بسافر بقلب مطمن وأرجع وأنا فرحان وملهوف عليكي، محصلش ولا مرة وحزنتي إني ماشي.
جاءت إجابتها بصدق ما تشعر به:
ـ يمكن عشان كنت فاضية من غير نونو ممكن ينزل في أي وقت، ده غير إن المذاكرة كانت واخدة كل وقتي.
ظل على صمته مفضلاً أن يسمعها، لتتشجع على المتابعة:
ـ أنا عارفة إنه شيء ضروري ومينفعش أقف في طريقك، بس أنا بتكلم بإحساسي يا معاذ.. نفسي أول يوم جامعة تبقى معايا وتوصلني بالعربية، نفسي لما أحس بساعة الطلق تبقى جنبي وأنت اللي تجري عشان تساعدني أو تبلغ أمي، مش أنا اللي أتصل عشان تحضر ساعة الولادة.. اللحظات دي هي اللي فارقة معايا يا معاذ، مش أي حاجة تانية.
تبسم بحنو، يومئ برأسه:
ـ هيحصل، وغلاوتك عندي هيحصل.. فكي بقى وخليني أشوف ضحكتك الحلوة دي قبل ما أمشي يا غالية، ممكن؟
تبسمت بأعين باكية تستجيب لرغبته، قبل أن ترمي بثقلها عليه وتندس بحضنه لتردد بثقة كاملة به:
ـ أنا عارفة إنك قد كلمتك وعمرك ما هتخذلني يا معاذ، أنا متأكدة من دي.
...........................
بعد قليل..
كان في الأسفل يصافح والدته استعداداً للمغادرة، بحضور حمزة وزوجته التي كانت تضم ابنتها إليها بدعم، وشقيقته منى وزوجها منصور الذي كان يشاكسه:
ـ ما كفاية بوس يا حجة، هو مسافر السعودية؟ خبر إيه يا جدعان؟ ده كلها أسبوعين ويرجع.
ـ يا أخويا ربنا يسمع منك، يروح السعودية بس ياخدني معاه!
تفوهت بها حسنية رداً عليه بحماسها المعتاد، ليتدخل حمزة:
ـ وه يا حسنية! مشبعتيش حج وعمرة معايا ولا مع خليفة ولا المرحوم الكبير ذات نفسه؟
ـ أديك قولت يا خوي، روحت معاك ومع خليفة والمرحوم الله يرحمه، فاضل أروح كمان مع معاذ وأبقى كدة خدت نصيبي من الدنيا كامل ومكمل...
ضحك معاذ يعاود تقبيلها فوق رأسها:
ـ والله ولا يكون عندك فكر يا ست الكل، لتطلعي العمرة مع معاذ ومرته والنونو اللي جاي إن شاء الله، ولا إيه يا ست ليلى؟
تبسمت الأخيرة إليه متمتمة بتضرع:
ـ يارب يحصل، ده أنا أتمنى والله.
تدخلت مزيونة أيضاً في دعم لها:
ـ إن شاء الله كل حاجة بوقتها، المهم أنت خلي بالك الوقت هيفوتك، يا دوب تلحق القطر.
جاء الرد هذه المرة من منى التي سخرت:
ـ يا ختي سيبيه يحضن ويبوس، مرة مع مرته ومرة مع أمه وأخواته، خلي المرقعة تنفعه لما يتأخر.
قهقه معاذ بصخب، فتكفل خليفة الذي أتى من الخارج وسمع سخريتها بالرد:
ـ لا اطمني يا برنسيسة يا "حواكة" أنتي، أنا اللي هوصله، العربية جاهزة برة والشنطة فيها..
التفتت إليه تعطيه نصيبه هو الآخر:
ـ أها.. لا أنا كدة أطمن بقى مادام الهادي الرايق معاك، ولا إيه يا أستاذ خليفة؟ أكيد أنت كمان عايز تخلصه على السريع عشان تفضى لمشاويرك.
غمزت بطرف عينيها في الأخيرة ليعلم بمقصدها، فتحمحم يشيح ببصره عنها يخاطب معاذ قبل أن تقع عيناه على زوجها:
ـ بينا يا ولد أبوي نلحق مشوارنا، حتى نخلص من نغزة المحروسة.. وأنت يا عم منصور ما تقولها تشوف لها حكيوة بعيد عنينا، بدل ما هي حاشرة مناخيرها في كل حاجة تخصنا.
استجاب معاذ يتحرك معه، أما منصور فعقب رداً عليه:
ـ طب قولوا الكلام ده لنفسيكم الأول، ما هي مبتتحشرش لوحدها يعني!
.........................
بعد يدك عني، أنا مش لعبة تتسلى بيها!
كان هذا أول رد فعل منها، بعد لحظات مرت عليها بصمت وعدم تصديق، حتى استقرت في الأخير أنها حيلة جديدة منه، فتابع هو بإقناعها:
ـ بس أنا لو بلعب بيكي مش هحلف يا نورا، مفيش حاجة تجبرني أحايلك غير إني حبيتك بجد، وبتمنى أنتي كمان تصدقي وتغفري قلة عقلي وغباوتي طول المدة اللي فاتت.. أنتي كنتي فهيمة معايا من البداية وعرفتي عايزة إيه، أما أنا بقى مخي التخين قعد فترة طويلة قوي عشان يوصل للنتيجة الصح.. أنا بحبك يا نورا.
كادت أن تتأثر بحديثه، وينصاع قلبها الخائن معه، إلا أن نفسها العزيزة كانت له بالمرصاد:
ـ وجاي دلوقتي تقول الكلام ده؟ بعد ما سديت نفسي عن الدنيا بحالها، جرحتني وقللت مني، ولا كأني جربة وخايف اسمك يرتبط باسمي! لا يا عطوة، أنا بقى اللي بقولك دلوقتي "لاه".. أنا مقبلش بجوازي منك.
ـ كدابة! ومهما حاولتي تبيني رفضك برضه مش هصدق.. لا يمكن أصدق إن حبك راح ومش موجود، العشق زي المرض، إزاي نعرف نشفى منه؟ لا يمكن أبداً ننساه.
سخرت بابتسامة:
ـ عندك حق، ما أنت أول المرضى بحب يائس بقاله سنين مفيش منه رجا.
أظلمت ملامحه بشدة خلف تلميحها، حتى شعرت بنوع من الندم على تسرعها، إلا أنه استطاع في الأخير أن يكبح جماح غضبه قائلاً:
ـ مش هنكر ولا هكدب، بالظبط زي ما حضرتك أعجبتي بيا من أول نظرة عشان أشبه حبك القديم.. بس أنا هعيد اللي قولتيه قبل سابق، كل واحد فينا وليه قصة، المهم بس نلحق اللي جاي من عمرنا.. أنا مش راجع البلد غير بعد ما أخد منك الموافقة بجوازنا.. عن إذنك يا عروسة.
ختم كلماته وتحرك مغادراً، يتركها في تخبطها، فبعد أن يئست منه وانتوت داخلها الفراق، يأتي الآن ويربك كل خططها في الهجر والابتعاد عنه.
............................
وصلت إلى مقر النيابة صباحاً بصحبة القوة التي ترافقها بقيادة الرائد "كمال" الذي يؤدي دوره بجدية شديدة، فكان في انتظارها بزاوية الممر عدد من أفراد عائلتها، ومن بينهم "حمزة" ووالدها؛ الذي ضمها إلى صدره رغم وجود الخصومة الدائمة بينهما. أما هو (حمزة)، فقد تركها تلتقي بباقي الأفراد وتفرغ للقاء صديقه.
ـ ساحب الناس وتاعبهم معاك! ما قولتلك يا عم، القضية النهاردة فيها مفاجآت لصالح المتهمة، يعني مفيش قلق إن شاء الله.
رد حمزة بعد أن خطف نظرة سريعة نحوها:
ـ يا سيدي من "بُقك" لباب السما، أتمنى والله عشانها وعشان بناتها وأبوها اللي هيموت في "خلقاته" (ثيابه) بسببها.
ـ آه.. شكلها تعبان حقيقي.
تمتم بها كمال قبل أن ينقل بنظره نحو الرجل الكهل:
ـ ألف سلامة عليك يا عم الحاج، طمن قلبك إن شاء الله خير.
ـ يارب يا ولدي يارب، ترجع لبناتها اللي مقطعين مصاريني بالسؤال عنها.
ردد بها والدها، ليفاجأ بصوتها هي موجهة الحديث نحو حمزة بزهو وعنجهية أنستها من يقف بجواره:
ـ قوله يطمن يا حمزة إن "بِتُّه" بريئة!
بريئة وشمعتي قايدة إن شاء الله يا واد عمي، وربنا هيكشف الحقيقة.
أصاب حمزة الارتباك في البداية، ثم سرعان ما تدارك الأمر ليرد بمجاملة:
ـ وماله يا بت عمي، ربنا يفك كربك إن شاء الله، إنتي وكل مظلوم يارب.. اه مقولتلناش يا كمال، هو امتى التحقيق هيبتدي معاها؟
وبسماعها الاسم تذكرت وجوده، لتنقل بصرها إليه، فلا يصلها منه شيء؛ فقد كانت عيناه مغطاة بالنظارة الشمسية، أما ملامحه فكانت عادية من أسفلها وهو يحدث حمزة بصورة طبيعية، ومع ذلك انتابها التوتر منه، لا تعلم لماذا؟
فلم يصرفها عن التساؤل إلا حضور "خليفة" بصحبة "اعتماد" التي جاءت لتدلي بشهادتها.
................................
عبر الهاتف، وحين يطيب له مزاجه يتحدث مع ابنته؛ هي الجزء الطيب المتبقي له بعد تخلي الجميع عنه، فامرأته التي تسكن معه لا تعيره اهتماماً، وأولاده منها لا يختلفون عنها، فقد اتخذوا صفها ومعاملته بحذر طوال الوقت، ليجد سلوته الوحيدة في الحديث مع من تستمع إليه رغم الماضي البائس معها ومع والدتها، والتي لا يفوته السؤال عنها ومعرفة أخبارها أولاً بأول، ربما وجد ثغرة تفيده في المستقبل.. ولكنه اليوم وجد ما هو أهم:
ـ يعني المحروس قاعد معاكي طول الشهور اللي فاتت، وجاي دلوقتي في عز ما أنتي محتاجاه ويخلع؟!.......... يا ليلى أنا بتكلم على الصح، كان واجب يتصبر لحد ما تخلصي بالسلامة وبعدها يحلها الحلال........ ماشي يا بنتي، مادام عاجبك أنتي حرة، على العموم أنا أبوكي وأقربلك من أي حد، وقت ما تحسي بأي حاجة، أول واحد ترني عليه.. ما هو مش هينفع تصحي أمك جنب جوزها لو جالك الطلق بالليل........ يا ستي ربنا يخليهم، أنا هكره ناس جوزك يحبوكي يعني؟! بس أرجع وأقولك أنا أولى، بيتي مفتوحلك في أي وقت، تآنسي وتشرفي مكانك يا قلب أبوكي، ده أنتي البكرية الغالية.
هكذا يستمر في بث سمومه داخل معسول الكلمات، حتى إذا انتهى من المكالمة، انتبه إلى أحد الأشخاص واقفاً بالقرب منه، يبدو وكأنه كان يستمع أيضاً إلى المكالمة.
ـ أفندم؟ رامية ودنك جنبي وأنا بتكلم مع بنتي؟ ليكي غرض تعرفي كنا بنتحدت عن مين؟
سمعت منه "صفاء" وظلت متمسمرة محلها، يعتلي تعابيرها التجهم لتنطق في الأخير بعد سماعها لوصلة تهكمه:
ـ بلاش يا عرفان، بلاش تبخ السم في ودن بنتك، سيبها تعيش حياتها مع جوزها بمرها وحلوها، ناس جوزها ماشيين زين معاها، حرام تخرب عليها يا شيخ!
أصابه الغضب نتيجة لكلماتها التي أصابت الصميم، ليزمجر بحقد وينهرها:
ـ وأنتي مالك أنتي يا بتاعة "العملات"؟ هتعملي فيها شيخة دلوقتي وجاية تنصحيني؟ لا يا ختي خليكي في نفسك وفي عيالك اللي بتعصيهم عليا، يمكن ينفعوكي بكرة.... قال حرام عليا قال، دم لما يصبغك صبغ!
قال الأخيرة وهو ينهض ويتركها، لتتمتم في أثره بيأس:
ـ حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا عرفان، مابتتهدش!
............................
واخدني ورايح بيا فين يا خليفة؟
هتفت بها باستفسار نحوه وهو يسحبها من يدها بخطواته السريعة نحو جهة لا تعلمها، بعد أن غير طريق خروجهما من المحافظة متوغلاً داخلها، ليرد بغموض كما يفعل منذ البداية:
ـ دلوقتي هتعرفي.
ـ يوووه.. تاني يا خليفة؟ طب أنا مش متحركة من هنا!
تفوهت بها بتذمر لتثبت قدمها على الأرض هذه المرة باعتراض، الأمر الذي جعله يتوقف هو الآخر.
ـ يعني مصبرة نفسك من أول المشوار عشان "دلوقتي"، وإحنا تقريباً وصلنا وتقولي لاه مش متحركة؟
ـ وصلنا لإيه بالظبط؟ مش لما أفهم الأول!
تبسم بعذوبة ليزداد جاذبية في عينيها، فيجعلها تنصاع كالمسحورة:
ـ بس نعدي الشارع ده بس وأنتي هتفهمي من نفسك، ممكن تكملي معاي؟
استجابت بسحبه دون أدنى مقاومة، حتى إذا انتهى دلفا داخل الشارع المقصود، وأمام واجهة محل شهير توقف بها، لتلتفت إليه بتساؤل:
ـ إيه؟
ضحك خلف سؤالها المقتضب ليردد بمرح:
ـ من غير إيه ولا ليه.. الجواب باين من عنوانه يا عروسة، سمي الله بقى عشان نقدم كدة وننقي أحلى شبكة لأحلى عروسة.
كاد أن يواصل التحرك بها ولكنها اعترضت هذه المرة تنزع يدها منه:
ـ كدة من غير ما تديني علم أو أعمل حسابي؟ كيف يعني؟
ـ إذا كنت أنا نفسي مكنتش أعرف، والقرار اتخذته وأنا بسوق العربية!
تفوه بها ثم أطلق ضحكة صاخبة قبل أن يتابع:
ـ متستغربيش ولا تفتكريني بهجص، بس هو ده اللي حصل فعلاً والله.. بصراحة الفكرة خطرت في بالي من وقت ما طلعنا من النيابة وقلبي اطمن ببراءة "هالة".. ياه يا ولاد، ده هم وانزاح من على ضهري، كدة اطمنت على البنات، سواء قعدوا معايا أو معاها مش فارقة، المهم إن مفيش حاجة تعكنن علينا ولا تخلينا نأجل أكتر من كدة.. دلوقتي الشبكة وبكرة إن شاء الله نكتب الكتاب ونعلي الجواب و...
ـ حيلك حيلك...
قاطعته توقف إسهابه مردفة:
ـ أنا أساساً مش جاهزة ولازم آخد فرصتي في التجهيز.
ـ وحياة أبوكي يا شيخة ما تقاطعي!
قالها يواصل برجائه:
ـ معدتش فيه حجة تاني يا اعتماد، اللي تعوزيه أنا جاهز، من ألف لـ مية ألف.. خلينا نخلص الله يرضى عنك.
كادت أن تستجيب لإلحاحه، ولكن شيئاً ما جعلها تتردد:
ـ إيه يا اعتماد؟ أنتي لسة هتفكري؟ ما تحركي رجلك يا بنت الناس خلينا نفرح!
ردت توضح فكرتها:
ـ ما أنا مش عارفة بصراحة أقولك إيه.. شيء بيقولي وافقي، وشيء تاني بيقولي استني لما أشوف "روضة"، لا تزعل يعني عشان جوزها "بوز الأخص" اللي هرب ودلوقتي القضية كمان ثبتت عليه.
مال برأسه نحوها يطالعها بدهشة شديدة وكأنه يشاهد شيئاً غير مألوف، ليردد عما يعتريه في تلك اللحظة:
ـ يعني أنتي كمان اللي خايفة على شعورها؟! أختك دي اللي كانت مع جوزها حتى وهو بيحاول يقتلك؟! استغفر الله العظيم.. أنا مش عايز أسخن بين الإخوان بس أنتي اللي أجبرتيني!
ـ أنا اللي أجبرتك؟!
ـ أيوة أنتي اللي أجبرتيني، وتعالي بقى عشان أنا فاض بيا منك!
تناول يدها في الأخيرة ليسحبها بغتة ويتحرك بها، غير آبهٍ باعتراضها:
ـ خليفة.. طب استنى نتناقش.
ـ نجيب الشبكة الأول وبعدين نتناقش!
وكان هذا رده الفاصل، ليمنع عنها فرص التفكير أو المماطلة.
......................
خارج مدخل القسم الذي عادت إليه "هالة" مرة أخرى لاستكمال إجراءات الإفراج، وقف حمزة ينتظرها مع والدها وعدد من أبناء عمومته، بعد أن غادر شقيقه بصحبة اعتماد، ليتولى هو المسؤولية كالعادة.
رنين هاتفه بالنغمة المميزة أنبأه عن هوية المتصلة، ليبتعد قليلاً عن المحيط ويجيبها بصوت خفيض:
ـ ألو.... أيوه يا أم الغايب، عايزة حاجة؟
وصله الرد بنبرة مختلفة عن طبيعتها:
ـ لاه يا أبو ريان، شالله ما يحرمنا منك أبداً، أنا بس كنت عايزة أسألك عن حاجة كدة بسيطة.
ـ اؤمري.
ـ الأمر لله وحده، أنا كنت عايزة أعملها مفاجأة بس على آخر لحظة قلت أستأذن أحسن!
ـ تستأذني لأيه يا مزيونة؟ اختصري الله يرضى عنك أنا بين الرجالة.
ـ معلش سامحني هدخل في الموضوع مباشرة على طول، افتح يا سيدي النت عندك هتلاقيني باعتة كذا صورة لحريم صاغية شعرها بالأصفر، عايزاك معلش تقولي ع الدرجة اللي تحبها عشان أصبغ بيها شعري.
ـ وه!
تمتم بها حمزة ويده تمر على الصور التي أرسلتها، فسارع يرد باستهجان:
ـ أصفر إيه ولا أحمر إيه! إنتي مجنونة يا مزيونة؟ مين قالك أصلاً إني عايزك تصبغي شعرك؟
ـ أها من غير ما تقول يا حبيبي، مرتك الغالية عايزة ترضيك بعد ما شافت الحلوة بتاعة امبارح، مش هي برضك اللي سارحة وششعرها حرير؟
ـ يخرب مطنك!
غمغم بها، ثم أبعد الهاتف عن أذنه يضغط على سماعته يواصل غمغمته:
ـ أنا كنت ناقص ياربي كيد الحريم، أعمل إيه في دي بس يا ربي؟ قال وأنا اللي كنت فاكرها نسيت!
ـ ما ترد عليا يا حمزة روحت فين؟
تنفس بعمق ليستجيب المرة ويعود إليها بمهادنة:ش
ـ يا مزيونة يا قلب حمزة.. ممكن يا حبيبتي تستنيني على ما أرجعلك نتفاهم في الموضوع المعقرب ده؟
ـ اممم.
وصله صوتها وهي تدعي التفكير قبل أن تجيبه:
ـ ماشي يا حمزة، بس متعوقش عشان خاطري، عشان نتفاهم كمان على اسم العيل الجديد، لو طلع واد نسميه فهد ولا فارس، ولا بت نسميها تولين، اسم حلو كدة برضو؟
لم يجبها وقد اكتفى بهذا القدر، يغلق المكالمة ويغمغم بحديث نفسه:
ـ ده أنا شكلي هشوف أيام عنب! إلهي يجي يجي ويحط عليكي يا تولين يا بنت أم تولين، كنت ناقصك انا!
.....................
دلفت إلى غرفته، وقد كان يسيطر عليها صمتٌ مطبق، تجده جالساً بتحفز في مواجهتها، وبجمود يثير الريبة. بادرته بسؤالها:
ـ باعتلي ليه؟ عشان الإجراءات؟
ـ إجراءات إيه؟
تساءل بهدوء، لتعود موضحة:
ـ إجراءات الإفراج.
ـ ومين قالك إن هيتم الإفراج عنك النهاردة؟
استغرقت عدة لحظات حتى تمكنت من الرد مستهجنة:
ـ أمال هيُفرج عني إمتى؟ أنا واحدة واخدة براءة من النيابة، يعني الليلة دي أبات على فرشتي.
سمع منها فافتر فاهه عن ابتسامة ساخرة، لينهض عن مكتبه ويقف مقابلها:
ـ آه صحيح ده أنا نسيت، إن إنتي بريئة وربنا أظهر الحق النهاردة عشان "شمعتك قايدة"، مش كدة برضه؟
تسلل إليها نوع من عدم الراحة خلف كلماته، فابتلعت ريقها تبرر مدافعة عن موقفها:
ـ ما فيهاش حاجة يعني لما أتكلم.. أنا كدة كدة كنت هطلع براءة.
ـ بفضل اللي أنا عملته معاكي!
قاطعها بها، ليواصل بحدة:
ـ افتكريها كويس أوي دي، عشان متشوفيش نفسك تاني ولا تعيشي في الدور. من دونهم جميعاً نقيتي حمزة تكلميه؟ وأنا هوا.. مش شايفاني وأنا جنبه!
ـ بس ده واد عمي وأنا متعودة أكلمه عادي...
وما كادت تنهي جملتها حتى تفاجأت به يباغتها بالقبض على مرفقها ضاغطاً بعنف، وهو يردد:
ـ ابن عمك ولا ابن خالتك.. أنا وإنتي عارفين اللي فيها كويس أوي. بلاش تخليني أظهرلك وشي التاني وإحنا لسه أصلاً على البر. التزمي احترامك يا هالة من أولها، يا ساعتها ماتلوميش إلا نفسك لما أقلب عليكِ وأدوقك غضبي.
ـ ده على أساس إني لسه مدقتوش؟
صاحت بها بألم في عظم ذراعها الذي شعرت به على وشك الكسر، بالإضافة لتوحش ملامحه وكأنه أصبح شخصاً آخر؛ لأول مرة ترى منه ذلك الوجه الذي أدخل الفزع إلى قلبها، لتواصل بنبرة ضعيفة يشوبها الرجاء:
ـ دراعي هيتكسر في يدك، مـُعدتش حاسة بيه.
استجاب ينزع قبضته عنها، ثم أردف بتهديد:
ـ أقسم بالله يا هالة لو ما اتعدلتي لأوريكِ أيام أسود من قرن الخروب، وحطي في بالك كويس أوي لما أعوز أجيبك هجيبك، فالتزمي الهدوء والأدب يا بنت الناس لحد ما ربنا يسهل وتيجي بيتي رسمي، ساعتها هتبقى المعاملة غير.
صدرت منه الأخيرة بنبرة متحشرجة أصابتها بالخوف وشيء آخر لا تعلمه، وقد لانت ملامحه فجأة وكأنه لم يوشك على إصابتها بسكتة قلبية منذ لحظات.
ـ مفهوم الكلام اللي قلته ولا أعيد تاني؟
ـ مفهوم.
.....يتبع
تشجيع يا حلويات ودعوات بالتيسير الله يخليكم
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا

تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا