القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الجزء الثاني ( حين تنفس القلب ) الفصل الثاني بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)


رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الجزء الثاني ( حين تنفس القلب ) الفصل الثاني بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)




رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الجزء الثاني ( حين تنفس القلب ) الفصل الثاني بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)


الفصل الثاني من #حين_تنفس_القلب


#شارع_خطاب_الجزء_الثاني


الجزء الأول كان بعنوان 

"عذرا لقد نفذ رصيدكم"


بقلم #fatma_taha_sultan


____________


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.


____________


-ماشي، يلا باي...


أنهت المكالمة ثم أستدارت وخرجت منها شهقة مرة واحدة حينما وجدته أمامها........


حــمـزة....

زوجها السابق الذي ألقته بالسجن...


فبعد سنوات لم ترى فيها وجهه هو الآن يقف أمامها..


أي لقاء قد يجمعهما؟.

وكيف قد يكون؟!. 

هذا السؤال سألته إلى نفسها عدة مرات..

لكنها لم تحصل على إجابة...


كأن الزمن لم يمضِ، وكأن الماضي لم يُدفن وعاد مرة أخرى بظهوره أمامها...


استجمعت سامية أنفاسها، وأجبرت ملامحها أن تتماسك، ثم رمقته بنظرة حادة وهي تقول بصرامة:


-إيه اللي جابك هنا لسه ليك عين تيجي وتظهر قدامي؟؟..


أجابها بصوتٍ خافتٍ متردد:


-جاي علشان عايز أتكلم معاكي أنا خرجت من مدة بس قعدت وقت طويل عقبال ما أظبط أموري علشان أقدر اجي اقف قدامك..


هتفت سامية بانفعال حقيقي:


-ايوة جاي ليه يا حمزة؟ مفيش بيني وبينك حاجة علشان تيجي...


ابتسم ابتسامة باهتة وقال بهدوءٍ قاتل:


-ده في بينا أهم حاجة، هو الخلع اللي عملتيه وأنا محبوس فاكرة أنه هيخلصنا من بعض؟ أو ده اللي بيربطنا بس ببعض با سامية؟ في بينا ريان يا سامية، ابني...


ارتجفت شفتاها وهي تهدر غاضبة:


-متجبش اسم ابني على لسانك يا حمزة، أنتَ سامع؟ أنتَ ولا كنت عايزه ولا ليك فيه، ده ابني أنا وبس.


قال حمزة بثباتٍ غريب:


-مش ابنك لوحدك يا سامية ابني أنا كمان، ومش هفضل عايش على الصور اللي بشوفها لما بدخل عندك الاكونت..


ابتسمت سامية بسخرية وقالت ببرود وهي تنظر له:


-كفايا عليك الصور اللي بتشوفها لكن ابني مش هتشوفه يا حمزة ولا حتى عينك هطوله ولو عندك حاجة عايز تعملها اعملها، المحاكم ما بينا روح اشتكيني..


لم تهتز له شعره ولم ينفعل حتى كأنه كان يتوقع ردها، ثم قال بهدوءٍ مثير للريبة:


-سامية أنا عارف إني غلطت في حقك كتير بس أنا اتعاقبت خلاص وأخدت جزائي، لكن أنا بحبك وأنتِ بتحبيني وبينا عيل و..


قاطعته سامية بغضب كبير:


-مين دي اللي بتحبك أنتَ مجنون؟؟ لسه بحب مين، لسه بحب راجل معندوش نخوة ولا عرض، راجل كان ماسك صور على اخته ومصورني معاه في سريرنا؟ أنتَ فعلا مجنون وموهوم، وأنسى اللي في دماغك ده ولو جيت واتكلمت في الكلام العبيط ده وظهرت قدامي تاني أنا هعملك محضر يا حمزة وعندي استعداد احبسك تاني وتالت...


تابعت حديثها بنبرة غاضبة وحدة:


-لو فعلا كان هامك ابنك مكنتش جيت تستناني تحت مكان شغلي، كنت جيت البيت واتكلمت مع الرجالة بس أنتَ معملتش كده عارف ليه؟.


لم تدعه فرصة حتى يتفوه بحرف وقالت هي:


-علشان أنتَ عارف كويس أن معندكش الجراءة تعمل كده، وعارف أنك ممكن متطلعش من بيتنا سليم، بس صدقني هيحصل فيك اللي جه في بالك لو روحت قولتلهم أنك جيت هنا..


لكنه قال بإصرارٍ شديد وإلحاح أغضبها أكثر:


-الموضوع مش كده يا سامية؛ مهما كان حجم الغلط فهو ممكن يتصلح أنا اتغيرت يا سامية، والله اتغيرت وعرفت غلطي، وعايز الولد يتربي مع أمه وابوه..


قالت سامية بمرارة:


-أنا أصلا مأمنش ابني مع راجل مريض زيك، ولا أمن على نفسي معاك، تبقى اتجننت، لو فاكر أن ممكن تيجي تقول كلمتين وأنا ارجعلك، ده أنتَ لو بكيت بدل الدموع دم يا حمزة ما هتهز فيا شعره واحدة مش لو جيت تتحايل، أنتَ مش طبيعي أنك جاي وفاكر أننا ممكن نرجع.


ابتعدت عنه ثم أردفت بجدية:


-لو ظهرت ليا تاني يا حمزة والله العظيم ما هتعرف أنا هعمل فيك إيه..


 قال حمزة بإصرارٍ بارد:


- هظهر يا سامية الكلام لسه مخلصش علشان تكوني عارفة أنا مقدر كل اللي فات بس اعملي حسابك اني مش هتخلى عن ابني.


غادرت المكان بخطواتٍ سريعة، تخفي ارتجاف يديها وغضبها، كانت تعرف أنه خرج من السجن، لكنها لم تتخيل أنه سيجرؤ على مواجهتها....


والآن… يريد العودة لها..

والأهم يريد ريان!


عادت إلى المنزل...

جلست على مائدة العشاء شاردة تمامًا، لاحظ الجميع اضطرابها الغريب، لكن حين سألها الجميع أنكرت، متعللة بالإرهاق من العمل...


___________


على مائدة العشاء...


جلست ريناد ووالدها محمد يتناولان الطعام في صمتٍ يقطعه صوت أدوات المائدة من حينٍ لآخر....


تحدث محمد بنبرة هادئة:


-غريبة، ليان نامت بدري النهاردة؟.


ابتسمت ريناد برقة وهي تجيبه:


-كانت صاحية من بدري واتفرهدت كتير في اللعب في أول ما جت كلت وأخذت شاور ونامت.


هز محمد رأسه متفهمًا، ثم تناول ملعقة من الأرز وقال وهو يراقبها بنظرة جانبية:


-بكرا تعالي بدري عن ميعادك علشان المحامي جاي أخدت ميعاد معاه وجاي على الساعة عشرة ان شاء الله...


تجمدت ملامحها للحظة ثم سألته بصوتٍ مرتجف:


-ليه هو في حاجة ولا إيه؟.


نظر إليها محمد بدهشةٍ ممزوجة بالسخرية:


-لا مفيش حاجة خالص يا ريناد، يدوبك حاجة بسيطة داخلة في الخمس شهور قاعدة هنا، ولا أنا عارف أنتِ متجوزة ولا مطلقة، وكل اللي البيه بيعمله بيجي يأخد بنته ويرجعها ويدفع مصاريفها، وكل ما أكلمه يقولي مش هطلق، وأقوله حصل إيه يقولي أسالك ولما أسالك تقوليلي محصلش حاجة..


ثم تابع بانفعالٍ لم يحاول إخفاءه:


-مدام بقالك شهور قاعدة هنا ومحدش فيكم عايز يتكلم ولا هو عايز يطلق خلاص يتخلع، أنا الوضع ده مبحبهوش ولا بفهمه ومش قابل بيه.


قالت ريناد بصوتٍ خافت:


-هيطلقني أكيد.


تمتم محمد مستنكرًا:


-لو عايز يعملها كان عملها يا ريناد وأنا مش طايق نفسي بسبب الموضوع ده أصلا كل ما أكلمه ميدنيش عقاد نافع زيك بالظبط؛ وادي الجوازة اللي أنتِ بلتينا بيها من الأول قولنا لا مش شبهك ولا أنتِ شبهه وهتتعبوا بعض وادي النتيجة..


وضعت ريناد الملعقة ببطء على المائدة، ثم قالت بضيق:


-تصبح على خير يا بابا...


رفع صوته غاضبًا:


-اهو ده اللي أنتِ بتعمليه كل مرة نتكلم في الموضوع معندكيش الشجاعة تقولي أنا غلطت لما اتجوزته، غلطت لما مسمعتش كلامك.


توقفت، التفتت نحوه بحدة وقالت بانفعال مكبوت:


-لا أنا مغلطتش لما اتجوزته، وخناقتنا كانت غلط مني ومنه، ولا هي حاجة ليها علاقة بالفلوس ولا حاجة ليها علاقة بالفرق الاجتماعي اللي ما بينا، للأسف هخيب ظنك واقولك الخلاف مكنش كده...


رمقها بنظرة حادة وقال بغضب فهو استعمل كل الطرق حتى تخبره بحقيقة الأمر لكنها لا تفعل:


-اومال كان إيه؟ ما لازم تتكلمي، ولازم تفهميني مينفعش أفضل قاعد كده معرفش حاجة بقالك شهور قاعدة من غير ما تفهميني..


تنهدت ريناد، وصوتها يحمل خنقةً ظاهرة:


-حاضر يا بابا هقولك كل حاجة بس مش دلوقتي لأني مخنوقة، بس صدقني هقولك؛ وأنا هتكلم مع دياب يمكن يطلق ونخلص بدل ما ندخل في حوار المحاكم ده ولو مرضيش أنا بنفسي هكلم المحامي...


أنهت حديثها ورحلت نحو غرفتها، بينما ظل محمد يراقبها بنظرةٍ مثقلة بالحزن والقلق فحاول مرارًا أن يفهم ما جرى بينهما، لكن لا أحد يتكلم، وهذا الصمت بات يثير غضبه أكثر من الخلاف نفسه......


لقد طال الأمر أكثر مما يحتمل الصبر.


..في الأعلى..


جلست ريناد على طرف الفراش، تضغط بيديها على صدرها كأنها تحاول كتم أنفاس الغصة، مدت يدها إلى الهاتف، فتحت معرض الصور، وتوقفت عند الألبوم الذي يحتفظ بكل صورهما معًا.......


كان دياب لا يحب التصوير أبدًا، لكنه كان يلتقط الصور فقط لإرضائها، ليشاركها ما تحب....


أتت صورة أمامها..

كانت عبثية من الدرجة الأولى..


صورة بعد وفاة بهية بعد زواج دياب وريناد بأربعة أشهر، صادف وقتها الطلقة الأولى والوحيدة بينهما، كانت في الصورة ترتدي ملابس سوداء وتبكي في الوقت نفسه كان بجوارها وقرر أن يلتقط الصورة معها تذكيرًا للحظة العبثية..


عرف دياب الأمر الذي جعل ريناد تأتي إلى المنطقة في البداية فكان هذا هو العقاب التي تلقته، وقتها غضب وانفعل لكنه صمت...


ففي النهاية الأمر كان في الماضي....


فقط الشرط الذي وضعه هو قطع علاقتها تمامًا بصديقاتها، كانت بالفعل قطعت معهن ماعدا واحدة ووقتها فسرت الأمر بأكثر من تفسير بأنها تغيرت مثلها.......


ويوم احتفال ريناد بيوم مولدها جاءت جميع صديقاتها وكانت تلك الفتاة هي من دعتهم من دون علم ريناد حتى تصلح بينهما...


وقتها دب شجار عنيف بينها وبين دياب حينما أصبحا في المنزل، وألقى اليمين عليها وافترقا لمدة أيام وعند وفاة بهية أعادها إلى عصمته بعدما هدأ قليلا وفهم بأن الخطأ لم يكن خطأها بل صديقتها هي من فعلت....


وقتها أقسم بأنه لن يفعل هذا ثانيًا ويستسلم لغضبه بل سوف يسمع ويعرف، لن يجعل غضبه يتملك منه مجددًا مهما كان السبب لن يفعل..


رُبما هذا ما أوقفه في المرة الثانية أن يفعلها....

لم يطلقها من أجل قسمه ووعده وهي تعرف وعده جيدًا رغم أنها كانت تستحق ذلك ورغم بأنه أقترف هو الأخر ذنب بحقها....


تركت الهاتف وقررت أن تخلد إلى النوم..

رُبما هذا أفضل معروف تفعله إلى نفسها الآن....


____________


كانت إيناس تقف في المطبخ، تعدّ الرضّاعة الصغيرة لطفلها يزن الذي لم يتجاوز بضعة أشهر، بينما تأتيها عبر الهاتف نبرة والدتها حُسنية المتوترة كعادتها منذ مدة:


-اتكلمي معاها يا إيناس، كل ما أكلمه يسيبني ويمشي، عيب والله العظيم اللي بيحصل ده، اتكلمي معاها هي كمان، أنتم قريبين من بعض ويمكن تقولك، علشان لما روحت ليها البيت أنا وحور نشوف ليان برضو مرضتش تقول حاجة.


أنجبت من جواد "حليمة" التي تبلغ من العمر أربعة سنوات ونصف تقريبا، ومنذ أشهر وضعت يزن.....


خلد أطفالها إلى النوم من أجل الدراسة في الغد، جواد، جنى وحليمة، بينما ظلت هي مستيقظة مع طفلها الذي يخلد إلى النوم بصعوبة بالغة..


تركته مع والده حتى تحضر له الرضعة الخاصة، فحتى منيرة والعاملة التي تنام هنا في المساء خلدت إلى النوم......


تنهدت إيناس وهي تملأ الزجاجة بالماء الدافئ، ثم ردت برفق:


-حاضر يا ماما هكلمها تاني، بس صدقيني أنا حاولت كتير معاها ومعاه محدش فيهم بيتكلم ولا عايز يقول حاجة.


جاء صوت حُسنية متأففًا:


-يعني هنفضل ساكتين كده يا بنتي؟ عيب أصلا تفضل غضبانة عند ابوها كل ده.


ابتسمت إيناس بتعب وهي تهز رأسها رغم أن أمها لا تراها:


-يمكن في حاجة محرجين يتكلموا فيها يا ماما سيبهم براحتهم، وأنا برضو لو جت ريناد هنا أو روحتلها هحاول اتكلم معاها تاني يمكن تتكلم..


أنهت المكالمة بعد ثوانٍ، لتجد جواد زوجها قد دخل المطبخ حاملًا بين ذراعيه يزن، وقد سمع آخر جملة من حديثها، فغمغم بابتسامةٍ خفيفة:


-لسه في نفس الموضوع؟.


تمتمت إيناس بنبرة مترددة:


-ايوة، ماما مضايقة جدًا، الوضع كل شوية بيكون أوحش يعني بنقول مع الوقت لو في خلاف هيعرفوا يحلوه، بس عدى شهور كتير وهي لسه في بيت باباها وحتى مفيش أي محاولة منهم يتصالحوا..


قال جواد بنبرة هادئة متزنة، تحمل منطقه المعتاد الذي طالما بث الراحة بها وسهل عليها الحياة:


-اعتقد هما مش صغيرين سيبوهم براحتهم مدام لغايت دلوقتي محدش فيهم أخد خطوة تجاة الثاني يبقى هما عارفين أن لسه متخطوش اللي حصل ما بينهم ومش حابين يقولوا قدام حد...


قالت بحزن خفيف:


-احنا بس قلقانين عليهم.


ابتسم وهو يهدهد الطفل بين ذراعيه:


-هما كبار كفايا يحلوا مشكلتهم بنفسهم ويمكن دخلوكم في الموضوع أو محاولتكم للضغط عليهم أنكم تعرفوا حصل إيه ما بينهم تجيب نتيجة عكسية.


تأملته وهي تستمع له بإعجابٍ صامت....


رغم إرهاقه الدائم في عمله، إلا أنه لا يقصّر في حق أحد، يعطي أخته "نسمة" وقتها، والأطفال الأربعة حقهم، حتى أبناء إيناس من زواجها السابق يعاملهم بحنانٍ لم يتغير منذ أول يوم بل يزيد مع الوقت فهو يشعر بأنهما أطفاله الكِبار حقًا......


اقتربت منه وقالت بنبرة دافئة:


-هات يزن خلاص وادخل نام أنتَ جاي تعبان أصلا.


ابتسم بلطف وهو يغمغم:


-لا هقعد معاكي ومعاه شوية وحشتوني جدًا كان بقالي كام يوم برجع لما يكون البيت كله نام حتى أنتِ ويزن بتكونوا نايمين..


شعرت إيناس بالحرج الطفيف وهي تخبره بحقيقة الأمر وكأنها شعرت بالذنب لأنها لا تنتظره كالسابق:


-بكون مرهقة ولما بصدق ينام علشان أنام أنا كمان بس بحس بيك يعني لما بتيجي..


كان يحمل صغيره بيد واحدة واليد الآخرى أمسك بها كف يدها ورفعه وقبله مغمغمًا بتقدير واهتمام حقيقي يجب أن تشعر به الزوجة من زوجها والعكس صحيح بأن يقدر كل شخص دور الأخر:


-ربنا يقويكي ويخليكي لينا...


نظرت له بهدوء وابتسمت له مغمغمة:


-ويخليك ليا يا حبيبي، أنا هأكّل يزن وبعدين اعملك قهوة لو عايز أو حتى سندوتشات أنتَ أصلا مكلتش كويس على العشاء..


هز رأسه نافيًا:


-لا روحي أنتِ اطلعي وأنا هعمل لينا حاجة نشربها وسناكس خفيفة كده مش جعان عمومًا 


رمقته نظرة ممتنة، نظرة امرأة تعرف أنها رزقت بعوض حقيقي، رجلًا وقت الخلاف والوفاق، رجلًا يستحق أن يكون حبيب، زوج وأب......


___________


عاد كريم إلى المنزل بوجهٍ متعبٍ ومنزعج، كعادته بعد يومٍ طويل..ما إن دخل حتى رأى العائلة مجتمعة في الصالة، فهتف بصوتٍ خافتٍ متعب دون حتى أن ينظر:


-السلام عليكم.


رد الجميع عليه تقريبًا في صوتٍ واحد:


-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


لم يتوقف، بل تابع سيره مباشرة إلى حجرته دون أن يلتفت إلى أحد وفتح الخزانة، أخذ ملابس نظيفة، ثم دخل إلى الحمام، وحين عاد، وجد والدته صباح جالسة في الغرفة، تنظر إليه بعتابٍ واضح.....


-في حاجة يا ماما ولا إيه؟.


نهضت صباح ثم أغلقت الباب بهدوء، ثم قالت بحدةٍ ناعمة تخفي خلفها انزعاجًا:


-مش عيب عليك عيال خالتك يكونوا برا وأنتَ مترميش عليهم السلام؟.


سألها "كريم" ببلاهة:


-عيال خالتي مين؟.


قالت صباح بتوضيح بسيط ونبرة خافتة:


-عيال خالتك مين؟ هو أنتَ عندك كام خالة يعني؟ هالة ويوسف برا، أنتَ مشوفتهمش ولا إيه؟.


-لا مشوفتش حد أنا قولت السلام عليكم ودخلت ماخدتش بالي مين قاعد ومين لا، وبعدين ما خلاص قولت السلام عليكم..


تمتمت صباح وهي تجز على أسنانها:


-ايوة طبعا لازم ترحب بيهم، وبعدين يعني كتر خيرها جت هي وأخوها الصغير علشان يكونوا موجودين مع اختك.


صمت كريم لحظة، بينما عينا أمه تراقب ملامحها؛ كانت هالة ابنة شقيقتها الراحلة، التي توفيت منذ سنوات، وتعيش الآن مع والدها وزوجته في محافظةٍ أخرى.....


سألته صباح بنبرةٍ أقل غضبًا لكن لا تخلو من القلق:


-وبعدين مالك مش مركز وداخل كده ليه؟.


-عادي تعبان صاحي من خمسة الصبح ومش شايف قدامي؛ وعايز أنام علشان برضو هصحى برضو من الساعة خمسة..


قالت صباح بإصرارٍ أموميٍ لا يهدأ:


-خلاص تعالى سلم عليهم وبعدين اتعشى معانا ونام...


هز رأسه نافيًا وهو يذهب إلى الفراش ويزيح الغطاء الموجود فوقه:


-لا هنام وبكرا ان شاء الله هسلم على هالة وعلى يوسف وهعمل كل حاجة..


دخل إلى الفراش ودثر نفسه بالغطاء هنا تحدثت صباح بغضب:


-عيب اللي بتعمله ده يا كريم.


ثم تمدد على الفراش، وهو يقول بصوتٍ متعبٍ خافت:


-والله مش عيب ولا حاجة سبيني أنام أنا مش شايف قدامي وقوليلهم تعبان ونام ومش هيحصل حاجة..


خرجت صباح من الحجرة بغضب من تصرفات ابنه لأنه يقرأ دومًا ما تريده ويعرف ما ترغب فيه، قالت قبل أن ترحل:


-ماشي يا كريم براحتك.......


وخرجت وأغلقت الباب خلفها، بينما هو أغمض عينيه سريعًا كأنه يهرب من شيءٍ أكبر من مجرد تعبٍ جسدي...


___________


في الليل حينما لم تستطع هي النوم...


وحين خلد الجميع إلى النوم، ذهبت إلى حجرة ريان وغالي، فاقتربت من سريره، ركعت بجواره، وضمت كفه الصغير إلى شفتيها وبكت بصمتٍ موجع....


-مش هياخدك مني يا ريان.


ثم أسترسلت حديثها بنبرة خافتة ومرتجفة:


-انتَ ابني أنا، وأنا اللي هربيك مش هو؛ وعمري ما هسيبك يا حبيبي، أنتَ حياتي يا ريان؛ أنا لو مكملة حياتي فهو علشانك بس يا حبيبي.


شعرت بالقلق من توقظ أحد الأطفال، فنهضت بهدوء ثم خرجت من الحجرة وهي تمسح دموعها لتجد وفاء أمامها فهي كانت ذاهبة إلى المرحاض وحينما رأت باب الحجرة مفتوحًا جاءت حتى تطمئن على الصغار وحينما رأت سامية بتلك الحالة سألتها بقلق:


-مالك يا سامية؟ أنتِ كويسة؟..


لم تجب..

ألقت بنفسها في حضنها، وانفجرت باكية لم تستطع السيطرة على حالها أبدًا.....


بعد نصف ساعة تقريبًا..


في حجرة سامية كانت تتناول العصير التي أتت به وفاء، أخبرتها سامية ما حدث مما جعل وفاء تغضب وتثور ولكنها تحاول أن تتحدث بصوتٍ منخفض:


-هو الحيوان ده لسه ليه عين يجي ويتكلم؟ أنا مشوفتش بجاحة كده..


ثم حاولت بث الطمأنينة بها وتابعت حديثها:


-متقلقيش الحضانة معاكي، وأصلا علشان يتحكمله برؤية وغيره هيأخد وقت غير أن أصلا هو محبوس في قضية زي دي أكيد دي حاجة أصلا هتتاخد بعين الاعتبار....


تنهدت سامية بصوتٍ مبحوح:


-أنا بعمل الصح علشان ابني يا وفاء، هل كده أنا بحرمه من أبوه؟.


نظرت لها وفاء بحيرة شديدة تحاول التفكير في السؤال من أجل الطفل؛ وتحاول أن تنسى السوء الذي ارتكبه بها وفي ابنة عمها حتى تصدر حكمًا صحيحًا....


-سامية هو أكيد ريان من حقه يشوف أبوه بس في نفس الوقت بشروط وضوابط ونتأكد أنه فعلا اتغير مش كلام، وفي كل الأحوال الحضانة معاكي فريحي قلبك، كبيره هيشوفه بس وأكيد بوجود حد معاه.


ظلت سامية صامتة لحظة، ثم قالت برجاءٍ متعب:


-أهم حاجة بلاش تقولي لحد أنه جه لغايت ما نشوف هيعمل إيه؛ بلاش نقلب الدنيا على الفاضي ممكن يكون بيعمل الحبتين بتوعه دول ومش هيظهر تاني..


هزت وفاء رأسها:


-مش هقول حاجة؛ بس لو ظهر تاني قدامك مينفعش تسكتي يا سامية ولازم تعرفي بابا ونضال والكل..


-حاضر يا وفاء...


نهضت وفاء ثم غمغمت:


-يلا نامي وريحي أعصابك ومتقلقيش نفسك، تصبحي على خير.


-وأنتِ من أهل الخير يارب.....


_______________


رن الهاتف بإصرارٍ مزعجٍ في الصباح الباكر، تقلب نضال في نومه متأففًا، فمد يده نحو الكومودينو يبحث عن الهاتف دون أن يفتح عينيه، حتى التقطه أخيرًا وفتح عينه، فكان الاتصال من سلامة، لكن المكالمة انقطعت في اللحظة نفسها التي أمسك فيها الهاتف....


اندهش نضال وشعر بالقلق ليس من عادة سلامة أبدًا الاتصال في هذا الوقت، فكانت الساعة لم تتجاوز الثامنة صباحًا...


عاد الهاتف يرن من جديد فضغط نضال على الزر سريعًا حتى لا يوقظ سلمى الغارقة في سباتٍ عميق، نهض من الفراش فخرج وأغلق الباب خلفه، ثم أجاب بقلقٍ واضح:


-الو يا سلامة، صباح الخير...


جاءه صوت شقيقه متجهّمًا:


"وهيجي منين الخير بس".


تحدث نضال بقلق حقيقي وهو يبتعد عن الحجرة قدر الإمكان:


-في حاجة يا سلامة؟ أنت كويس؟ وجهاد والعيال؟؟ في حاجة حصلت؟.


"احنا كويسين الحمدلله، دماغك راحت فين بس؟".


سأله نضال بعدم استيعاب:


-اومال في إيه؟ وبتتصل بدري أوي كده ليه؟.


جاءه صوت سلامة منفعلًا ومغتاظًا إلى أبعد حد:


"أبوك كاتب على الفيس بوك الـ Nickname بتاعه، أبو غالي ووفاء، واحنا ايه اتنسينا؟ هو إيه العبث اللي بيحصل ده؟؟؟ مش كفاية صورة البروفايل حاططها ليك أنتَ وهو؟ إلا ما في حاجة عنده تثبت أنه ليه ابن اسمه سلامة، فين العدالة الإجتماعية؟".


تابع حديثه بانفعال حقيقي:


"مش كفايا غالي ده اللي مش عارفين هو اخو سامية ولا ابنه ولا ابن مرات عمنا، ولا هو مين؟".


خرجت ألفاظ بذيئة من فم نضال رغم أن صوته مازال ناعسًا هاتفًا بانفعال شديد:


-يعني أنتَ مصحيني الصبح بدري وخليت قلبي يقف أحسن يكون حصل ليكم حاجة، وأنتَ متصل تقولي أيوك كاتب أبو غالي ووفاء؟ أنتَ مش هتعقل أبدًا؟؟..


جاءه صوت سلامة مغتاظًا:


"طبعًا ما اللي صورته محطوطه بروفايل مش زي اللي ملهوش وجود؛ واه بتصل بيك علشان كده، اومال هحب فيك على الصبح يعني؟ أنا دمي محروق ولازم اشتكي ليك، أول حاجة شوفتها وحتى لسه في الطريق للشغل قولت لازم أكلمك".


تحدث نضال بسخرية:


-ومتصلتش تشتكي لصاحب الشأن اللي اتبرى منك ليه؟؟.


كان الرد من سلامة منطقيًا:

"أنا لو اتصلت بأبوك دلوقتي علشان أقوله كده، هيتبرى مني فعلا، أخاف اعملها".


-لكن تقلق منامي أنا عادي؟.


رد عليه سلامة بنبرة عادية:


"لا علشان تحط حد للي بيحصل ده؛ وبعدين أنا متأكد أن ابوك ميعرفش يعملها لوحده؛ اكيد السوسة وفاء هي اللي عملتها ليه علشان تفرسني، لما اجيلكم بس، ساعتها هوريكم كل اللي بتعملوه ده، وبعدين أبوك بينزل كل يوم صورة للواد ولو معلقتش عليها بيتصل يقولي معلقتش على صورة أخوك ليه".


ضحك نضال رغمًا عنه...

السنوات تمر لكن سلامة لا يتغير أبدًا..

وكذلك والده أيضًا..


-بطل بقا يا سلامة شغل العيال ده، أبوك أصلا بيقعد يعمل كده علشان يهزر معاك وأنتَ عارف.


صمت سلامة لثواني ثم تغيرت نبرته تمامًا وأردف:


"المهم طمني عليك أنتَ عامل إيه؟".


-الحمدلله كويس.


"إيه مش ناوي تيجي أنتَ وسلمى تاني؟؟".


منذ أشهر..

سافر نضال وزوجته إلى الإمارة التي يتواجد فيها سلامة وزوجته ومكثا لبضعة أيام في فندق قريب منهم، كما سافر نضال مع سلمى عدة بلدان خلال السنوات الماضية......


كان السفر سويًا متعة اكتشفوها...

وهواية جديدة وساعدتهم الظروف المادية حتى يتجاوز كلاهما الظروف النفسية السيئة التي مر كلاهما بها.


-ان شاء الله، نخلص بس من حوار الـ Gym بتاع سلمى ناقص حاجات بسيطة ان شاء الله، وتظبط أمورها ونيجي، ولو معرفهاش كده كده رمضان قرب وأنتَ بتيجي.


"ان شاء الله، أنا خلاص وصلت الشغل هبقى أكلمك تاني، وقول لأبوك يغير اللي هو كاتبه ده بدل ما هعمله بلوك، هو والسوسة وفاء، دكتورة سنان بس كلها سوس من جوا البت دي".


-احترم نفسك ومتقولش عليها كده.


سمع سلامة يقول باعتراض بسيط:


"شوفت بقيت بتحب غالي ووفاء أكتر مني زي أبوك البعيد عن العين بعيد عن القلب فعلا".


-سلام ياض...


أغلق نضال المكالمة وهو يبتسم، ثم عاد إلى الغرفة ففتحت سلمى عينيها بنعاس وسألته مغمغمة:


- الساعة كام؟.


- لسه تمانية وعشرة، كملي نوم.


تدثرت بالغطاء، فاقترب منها نضال بهدوء ثم عاد للفراش وضمها إليه، باحثًا عن دفءٍ يطرد عنه صداع الصباح....


____________


يوم الخميس...


قالت "وفاء" بنبرةٍ تملؤها البراءة التي لا تليق بها وهي تمسك بعجلة القيادة متجهة نحو مكان حفل التوقيع، بينما تجلس "حور" إلى جوارها:


-يا سلامة، أنا عملت إيه بس؟ وبعدين هو كل يوم هتتصل تتكلم في نفس الموضوع، خلاص انسى بقا.


"عملتي إيه؟ أنتِ ليه حرباية يابت كده؟ واه اعملي حسابك كل يوم هتصل أتكلم في نفس الموضوع لغايت ما تبطلي تستفزيني".


ضحكت وفاء بخفة وقالت متعمدة أن تغيظه:


-أنا مش حرباية الله يسامحك وعلى فكرة أنا هقول لبابا أنك بتقولي يا حرباية، وبعدين هو اللي نده عليا قالي يا بنتي يا حبيبتي يا دلوعتي تعالي حطي اسمك واسم غالي علشان أنتم عيالي حبايبي والباقي خلاص راحت عليهم..


رد سلامة بضجر:


"أما أنتِ بت كيادة وصفراء، صفراء ومسوسة زي السنان كده وعلى فكرة، وأنا نازل مش هجيب ليكي أي حاجة من السفر".


ضحكت وفاء بثقة وقالت:


-جهاد هتجيبلي، وبعدين سلم على زهورة وزنزونة لما تروح ويلا سلام دلوقتي بقا علشان أنا سايقة وعايزة ابص على اللوكيشن..


"على مهلك يا دكتورة، قال رايحة حفلة توقيع قال؛ الثقافة واخدة حدها معاكي، ده أنتِ بنت زهران خطاب اللي لما كان بيشوفني بيذاكر بيقوم يجيب حد يمسح البيت بملح وأن كده طاقة سلبية للبيت، وأنتِ طالعة لينا في الروايات"


-هقوله على فكرة.


صاح سلامة مستنكرًا:


"سلام يا فتانة".


-سلام.


انتهت المكالمة، فتنهدت "حور" وقالت بجدية:


-أوقات بحس أن سلامة ده أصغر من غالي..


قهقهت وفاء:


-كلنا متأكدين مش حاسيين بس..


ثم تابعت الحديث قائلة:


-أنا بقيت تريقة العيلة كلها بسببك و بسبب حوار حفلة التوقيع ده غير إني ضحيت بيوم إجازتي علشانك..


قالت حور بحماسٍ جاد:


-صدقيني الموضوع يستاهل أنتِ هتشوفي الاكس والفيرست كراش بتاعي.


ضيقت وفاء عيناها وهي تسألها بسخرية:


-إيه الاكس فيرست كراش دي؟ مسمعتهاش قبل كده..


ابتسمت حور وهي تشرح:


-الاكس علشان خلاص شوفت غيره، الفيرست علشان كان أول بني أدم اكراش عليه كنت هبلة لدرجة اني عيطت لما اتجوز ولا كأني عايشة معاه قصة حب وهو ميعرفش اني عايشة على الكوكب ومازال، مجرد واحدة بتقرأ رواياته، اما كراش علشان كنت بكراش عليه مش محتاجة يعني..


ضحكت وفاء وقالت بسخرية محببة:


-في كراش جديد يعني؟.


تنهدت حور:


-لا الموضوع كبير ومن غير ما تتحايلي عليا هحكيلك، أنا كنت بكراش على واد أول سنتين لما كنت في طب مكنش يعرف إني عايشة برضو وكان دفعة أكبر مننا بس بطلت بقا، اما حصل حاجة كده واحتكيت بيه صدفة فحاول يكلمني بلكته، أنا محدش يكلمني أنا بحب اكراش في صمت واعيش قصة حب في خيالي بس.


ضحكت وفاء رغمًا عنها ثم قالت:


-يعني خلاص مفيش حد في خيالك كده يا عيني بقالك سنين؟؟.


هزت حور رأسها نافية:


-لا طبعًا في كراش، بس مقولتش لحد عليه علشان أنا كتومة، حتى مقولتش للبت هدير ولا إيناس علشان بتقعد تقولي صح ولا غلط وطبعا مقولتش لريناد علشان قلقت منها تقول لدياب وتقع بلسانها فيعجني..


-غريبة يعني من امته بتكوني كتومة يا حور؟ أنا من ساعة ما عرفتك وأنتِ مفضوحة..


أتسعت عين حور وهي تنظر لها بصدمة مغمغمة:


-أنا عارفة أن معاكي حق بس كان ممكن تقوليها بطريقة احسن من كده..


-حقك عليا يا حور، خلاص أسفة متزعليش..


هزت حور رأسها نافية:


-بعد إيه بقا؟ ده أنا كده هضطر أني اقولك مين هو الكراش الحالي لأنك الوحيدة اللي مش بتحكمي على كراشاتي وأحلامي الخيالية.


ضحكت وفاء رغمًا عنها..

فهي لبضعة ثوانٍ ظنت بأنها انزعجت منها فعلا..


-قولي ياستي.


أردفت حور بجدية وهي تسرد لها:


-بكراش على طارق.


سألتها وفاء ببلاهة شديدة:


-طارق مين؟..


-طارق صاحب نضال ودياب، هتلاقيكي مش مجمعة علشان أنتِ اصلا مشوفتهوش بس صاحبهم وشريكهم، صحاب عمر يعني وهو أخو هدير صاحبتي اللي كانت قاعدة عندكم في البيت.


تذكرت وفاء تلك القصة ثم سألتها بفضول فهي تحب قصص حور الغريبة:


-وبعدين؟ غريبة يعني ولا بتشوفيه علشان تكراشي ولا....


قاطعتها حور بجدية:


-ولا حتى عندي على الفيس ولا أي حاجة ده دياب يقطع رأسي فيها، بس طبعا لما هدير راحت كانت بتقعد تتكلم عنه بقا وبتبعت صورها معاه، وأنا بقا بقيت بكراش، عمومًا يعني مينفعش أن في واحدة متعجبش  بواحد زي طارق.


سألتها وفاء بتهكم:


-برضو قعدتي تكراشي في صمت؟ إيه الملل اللي أنتِ فيه ده، ده أنتِ بتقعدي سنين تكراشي..


-عندي ولاء وانتماء لازم اقعد بالسنين بس علشان تبقى عارفة طارق الوحيد اللي اخدت خطوة تجاهه..


لم تصدقها "وفاء" فاتسعت عيناها بدهشة:


-ازاي يعني؟ متقوليش استحالة..


قالت حور بفخر غريب من نوعه:


-لا والله أخدت خطوة فعلا، البت هدير قالتلي بالصدفة أنه عنده أكونت على ***** **** فأنا بقا مبينتش ليها حاجة وروحت عملت أكونت من سنتين كده كتبت أي Username وقعدت ايام متواصلة أدور عليه لغايت ما لقيته كان حاطط صورته، قولت اخش على أساس إني في ألسن ايطالي وعايزة أنمي اللغة، روحت بعتله HI.


شهقت وفاء:


-لا أنتِ اتهورتي خالص مش دي حور اللي أنا أعرفها.


ابتسمت حور بفخر ثم أردفت:


- قولت هضحي من أجل الكراش، هيحصل إيه يعني؟ دياب هيكسر رقبتي مش مشكلة..


-وبعدين يا شجيعة السينما عملتي إيه؟؟..


هزت حور كتفها بلا مبالاة وهي تسرد لها ما حدث:


-بعد ما بعتله حرفيا بأقل من عشر دقائق حاولت امسح الاكونت معرفتش روحت مسحت الابلكيشن ومن ساعتها مفكرتش انزله تاني رغم ان صحابي بيقنعوني انزله، حتى معرفش رد عليا ولا مردش..


ضحكت وفاء حتى دمعتاها:


-أنتِ مسخرة يا حور وبجد مش طبيعية.


-كلهم بيقولوا ليا كده؛ على العموم أنا مكملة أكراش عليه، جوي العلاقات المستحيلة والصامتة، لغايت ما اشوف كراش جديد يستدعي أبطل اكراش عليه.


وفجأة، بدلت الموضوع بخفة دمها المعهودة:


-هي سلمى مش هتفتح الجيم بقا؟ أنا بجد لا أطيق الانتظار لكلاسات الـ belly dance....


-هانت ان شاء الله قربت تفتح بس بتخلص باقي الإجراءات..


ثم تابعت وفاء حديثها حينما توقفت في أحد الجوانب:


-احنا تقريبا وصلنا اللوكيشن مدي كده، بس مش عارفة المفروض الدخول منين ولا نركن العربية فين؟.


بعد مرور ساعة ونصف تقريبا....


وقف الجميع في طابور منظم داخل قاعة التوقيع. 


كانت وفاء بجوار حور التي أمسكت برواية كاتبها المفضل "خالد المغربي" وارتجفت قليلًا وهي تتسلم توقيعه دون أن تلتقط معه صورة من شدة الزحام والخجل....


فاكتفت فقط بالتوقيع، هنا سارت قليلا ولفت نظرها، شاب وسيم، يرتدي بنطال أسود وقميص قطني أبيض، وهناك وشم يمتد على ذراعه، من أعلى العضد يطل وجه أسدٍ، عينيه تتقدان كجمرتين، وفمه المفترس يكشف عن أنيابٍ لامعة وأسفل الأسد، يندفع نسر بجناحين، مخالبه مشدودة، ومنقاره مفتوح في صرخةٍ صامتة، . الخطوط السوداء والظلال الدقيقة تتشابك لتصنع لوحةً تنبض بالقوة.


كان يجلس على المقعد وبجواره بعض الأدوات الخاصة بالرسم وأمامه لوحة كبيرة، و على أذنيه سكنت سماعات كبيرة، تعزله عن العالم وتغرقه في موسيقى لا يسمعها سواه حتى يضع لمساته الخاصة....


سارت حور قليلًا تتبعها وفاء ووقفت خلف هذا الرجل لكن بمسافة بعيدة نوعًا ما تمكنها من رؤية ما يرسم وكان يتعلق بالكاتب وغلاف روايته...


علقت حور بعدم فهم وفضول شديد:


-هو بيعمل إيه دا؟..


نظرت وفاء ناحيته وحاولت تفسر تلك الظاهرة التي نوعًا ما بدأت تصبح جديدة ودخيلة في السنوات الأخيرة في بعض الثقافات:


-اعتقد رسام وحد بيتابعه يمكن، دلوقتي في حاجة منتشرة اسمها live panting يعني ناس بترسم في الحدث نفسه لايف وبيطلعوا حاجة تكون ذكرى للمناسبة نفسها حتى بقيت اشوفهم في الأفراح..


تمتمت حور بجدية وفي الوقت ذاته التفت الرجل ونظر إليها لثواني ثم عاد ينظر أمامه مرة أخرى:


-أول مرة اشوف حاجة زي دي...


ثم صدع صوت هاتفها يعلن عن اتصال من دياب هنا قالت حور وهي تركض نحو الخارج:


-يلا علشان احنا شكلنا اتأخرنا ودياب كده مش هيخليني أشوف حاجة خالص بعد كده....


_____________


تجلس على الأريكة بجواره..

تشاهد بعض المقاطع التي تظهر أمامها بطريقة عشوائية....


بينما هو يقلب في التلفاز بملل واضح أو هكذا ظنت فهي لا تعلم بأنه يحاول التفكير كيف يخبرها بالأمر............


قطعت سلمى الصمت الذي بدأ يخنقها بعدما وضعت هاتفها جانبًا، وقالت بنبرة خفيفة:


-شكلك مش لاقي حاجة تتفرج عليها، والقهوة وحشتك لو عايز تنزل أنزل عادي...


رغم توسع فروعهم..

وتغيير روتينهما هو ودياب..


إلا أن المقهى الصغير في منطقتهما ظل له رونق خاص عندهما.


نظر إليها نضال مبتسمًا محاولًا جرّ الحديث:


-لا طبعًا وبعدين عيب لما في حاجة توحشني وأنتِ جنبي.


رمقته سلمى بنظرة شكٍ لا تخلو من السخرية، فحاول تغيير الموضوع بسرعة:


-أنتِ مش جعانة؟ ما تيجي نطلب أكل..


-ما احنا لسه واكلين من شوية..


-لا حاسس إني جوعت بفكر أطلب برجر إيه رأيك؟.


قالت سلمى برفض واضح:


-لا مش عايزة أطلب أنتَ، أنا مش عايزة أعك في الأكل بقا والوقت أتأخر أصلا، كل أي حاجة وخلاص من هنا على الأقل أحسن وانظف من بتاعت برا.


رفع نضال يده محذرًا بمزاح:


-لا هطلب بس اتمنى ملاقيش بوقك في السندوتش لما يجي، بتقعدي تقولي مش هأكل ومش عايزة، وتخليني أجيب لنفسي وفي الأخر تأكلي معايا.


نظرت له سلمى بدهشة مصطنعة ثم قالت ضاحكة:


-بونسك بس مش أكتر، وبعدين ما أنتَ اللي صديق سوء معايا في البيت..


ساد بينهما صمت قصير قبل أن يقول نضال بنبرة جادة:


-على فكرة كلموني النهاردة من المركز احنا مروحناش بقالنا شهرين يا سلمى من ساعة ما كان المفروض نروح من أخر مرة.


قالت بفتورٍ واضح:


-اخدت ميعاد؟.


-ايوة يوم الحد ياريت المرة دي نروح علشان ميبقاش تعبنا على الفاضي كل الفترة اللي فاتت..


تمتمت سلمى بسخرية مُرة:


-اهو كل شوية يجربوا بروتوكول جديد؛ وبعدين أنا أصلا معنديش مشكلة ولا أنتَ وحملت قبل كده، ليه منستناش؟؟..


-بنأخد بالاسباب يا سلمى.


بعد أشهر من زواجهما، حملت سلمى لكن في شهرها الثالث تعرضت للإجهاض، كانت صدمة للجميع، رغم أن الطبيبة طمأنتهم أن أغلب الفتيات لا يكتمل حملهن الأول....


تابعتها الطبيبة فترة طويلة، أكدت خلالها أن لا مشكلة طبية لديها أو لدى زوجها، فـ مرّ عام ونصف دون أن تحمل مجددًا، رغم العلاج والتعليمات التي أتبعتها هي وزوجها...


حينها اقترحت الطبيبة اللجوء إلى الحقن المجهري، فهو يزيد من فرص التثبيت داخل الرحم وتهيئة الظروف المناسبة، خضعت سلمى للتجربة لكنها فشلت، وبعد عامٍ ونصف، أعادت المحاولة، لكنها فشلت مرة أخرى.......


أصابها الإحباط ليس من الانتظار فقط، بل من شعور المراقبة الكل ينتظر معها، يتألم معها، وإن لم يضغط أحد، فالصمت نفسه صار عبئًا........


لاحظ نضال شرودها فضمها إلى صدره وقال بنبرة هادئة وجادة:


-أنا عارف أنك تعبتي ويمكن زهقتي بس احنا بنحاول يا سلمى مش أكتر، وفي النهاية اللي ربنا كاتبه هيكون، أحنا معندناش مشاكل الحمدلله ودي أهم حاجة، بس برضو بنحاول وأنا عارف أنك أكتر حد عليه ضغط وأكتر حد استنيتي وكل مرة كنتي بتضايقي لما متلاقيش نتيجة.


حين لاحظ دموعها تلمع في عينيها، حاول أن يخفف عنها بمزاحٍ حنون وهو يتابع:


-وبعدين ده نصيبنا يعني بنطول في كل مرحلة شوية؛ مش محتاج أقولك يعني قعدنا في مرحلة كتب الكتاب والسلم لغايت ما اتحنطنا، رتم حياتنا بطئ شوية مش زي الناس، سلحفاة زي سرعة النت كده.


ضحكت سلمى من وسط وجعها فترك "نضال" قُبلة على رأسها ووجنتها ثم قال:


-احنا درس حياتنا مع بعض نتعلم الصبر تقريبًا مكناش صبورين قبل ما نعرف بعض...


قالت سلمى مرة واحدة:


-أنا بحبك.


-أيوة اكديلي كل شوية علشان أنا ساعات بحسك متجوزاني غصب..


رفعت حاجبيها بدهشة:


-يا سلام؟.


قال نضال بعبث:


-ايوة.


اقتربت منه، حاوطت عنقه وغمغمت بصدق:


-لا اتأكد إني بحبك وعايزة أخلف منك ومكملة في المحاولة علشانك حتى لو ساعات بتخنق ده من الضغط النفسي اللي ساعات بحس بيه مش أكتر...


نظر لها بحنان مغمغمًا:


-وأنا كمان بحبك، ومش عايزك تضايقي ولا تفكري في حاجة غير حاجة واحدة أننا مع بعض وبس، وبإذن الله ربنا هيكرمنا..


-يارب.


صمتت لثواني وهي بين أحضانه ثم أردفت مرة واحدة:


-أنتَ مش هتطلب أكل ولا إيه؟..


انفجر ضاحكًا وهو يمسح دموعها، ليذوب الوجع مؤقتًا في دفء اللحظة.....


__________


يقف دياب في منتصف الشقة، عيناه تتنقلان بين الجدران التي لا تزال تعبق برائحة الطلاء الجديد، بينما كان نضال يدور في المكان ممسكًا بهاتفه، يصور كل زاوية بإتقان ليرسلها إلى طارق.....


تتوزع الشقق الثلاث في البناية ذاتها:

الطابق الأرضي المطل على الحديقة لطارق، الثاني لِدياب، والثالث لنضال....


بيت الأصدقاء الثلاثة الذين جمعتهم سنوات من الرفقة حتى ولو كان نضال ليست تتواجد له نية للانتقال هنا لكنه قرر أن يأخذ مكان بجوارهم لعل الأمور تتغير في المستقبل أو استثمارًا جيدًا له...


تمتم دياب بنبرة عادية:


-طارق عايز نشوف ليه شقة في شارع خطاب أو تكون قريبة من المنطقة علشان خلاص هو بيظبط أموره وعايز ينزل خلاص قريب جدًا.


ضيق نضال عينيه، متسائلًا باستغراب:


-طب ما يقعد هنا دي واقفة على الفرش بس.


-لما يجي يشوف بقا هو عايز يجدد حاجة ويفرش على مهله ويمكن يكون عايز يتجوز فيها الله اعلم...


تحدث نضال بجدية:


-طب مش ناوي تقولي بقا إيه اللي حاصل معاك وبقالك شهور؟ مفيش خلاف ياخد الوقت ده كله يا دياب ومينفعش تسيب مراتك كل ده عند أبوها..


وكأنه قد سأم من الضغط وفي الوقت ذاته يرغب في البوح، فتوقف دياب، وأسند ظهره إلى الحائط، نظر إلى نضال نظرة طويلة وكأن الكلمات تتزاحم خلف شفتيه ثم زفر بعمق وقال بصوتٍ خافتٍ حاد:


-هقولك يا نضال...


______يتبع______


لو وصلتم لغايت هنا...


دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد..


متنسوش الفوت والكومنت❤️❤️


بوتو يحبكم...


 لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

  

تعليقات

التنقل السريع