القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية غرام الذئاب الفصل التاسع وعشرون 29بقلم ولاء رفعت (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات )


رواية غرام الذئاب الفصل التاسع وعشرون 29بقلم ولاء رفعت (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات )





رواية غرام الذئاب الفصل التاسع وعشرون 29بقلم ولاء رفعت (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات )


#الفصل_التاسع_والعشرون

#غرام_الذئاب

#الجزء_الرابع_من_سلسلة_صراع_الذئاب

#ولاء_رفعت_علي


سارت في البهو الواسع، تتأمل الأرائك الفاخرة المغطاة بطبقة خفيفة من الغبار، الحوائط المزينة باللوحات لمناظر طبيعية وأخرى آيات قرآنية، والستائر التي تتماوج بخفوت كأنها تتنفس.


كل ركن فيها كان ينطق بشيء غامض لا تدركه تمامًا، وكأن البيت يذكرها بنفسه. 


باغتها صوت زوجها من خلفها، يكاد يلتصق بها

"حاسه بإيه؟"


ألتفت إليه وحدقت في عينيه، و برغم هدوئه أمامها الآن لكنها تخشي ما تراه في رماديتيه، نظرة مظلمة.

همست بصوت خافت كأنها تحاول أن تصدق ما تقول

"مش فاكرة حاجة"


ابتسم بسخرية، وأخرج هاتفها من جيب بنطاله، رفعه أمام وجهها بيده في حركة تحمل تهكم ظاهر، وقال بنبرة باردة كالثلج

"ويا ترى... فاكرة اللي حصل ما بينكم أنتي والبيه؟ عشان يبعتلك الاعتذار ده؟"


رمشت بعينيها في دهشة وهي تحاول قراءة ما على الشاشة.

لم يتركها حرف واحد دون أن يرتجف قلبها. 

«آسف... مش عارف إزاي أنا عملت كده... بس كانت فيه حاجة بتشدني ليكي جامد ومقدرتش أقاوم... ياريت تتقبلي اعتذاري... مش هكررها تاني... كلها أيام وهتبقي مراتي حلالي... بحبك أوي ❤🌹»


تصلبت أنفاسها، وابتلعت ريقها بصعوبة، ثم تمتمت بتصنع وهي تحاول استعادة رباطة جأشها، تمثل عدم الفهم

"هايكون حصل إيه يعني عشان يبعتلي رسالة زي دي؟!"


لكنها لم تتوقع ما جاء بعدها، ولم تتخيل تلك الجرأة الفجة التي تفجرت من كلماته حينما قال بنبرةٍ قاسية تخلو من أي رحمة

"هايكون إيه غير إنك نمتي معاه!"


كأن صاعقة ضربتها في مقتل، توقفت أنفاسها لحظة، ثم اشتعلت في عروقها نار الغضب. 

لم تجد رد علي كلماته سوى أن ارتفع ذراعها تلقائيًا، وهبطت كفها على وجهه بصفعة مدوية ارتد صداها في المكان كله، صارخة في وجهه بأمر نافذ 

"اخرس"


كانت النار تتقد في عينيها كجمرة أُضرمت بريح الغضب، ولم تكتفِ بصفعه ونهره وإسكات فمه بما رأتْه سفهًا، بل أردفت بصوت ينضح كبرياء لا ينحني

"مش أنا اللي يتقالي الكلام القذر ده، ولو افترضنا حصل بيني وبينه حاجة… أنت بتحاسبني ليه؟!، هل أنا كنت أعرف إني  للأسف على ذمتك؟!، أنت مالك، مش من حقك تحاسبني على أي حاجة حصلت قبل ما أعرف إنك جوزي، ولو عايز تلوم وتحاسب… روح حاسب نفسك يا أستاذ، 

ياللي كنت عايش حياتك بالطول والعرض إنت ورودينا هانم، ولا عمرك راعيت إن عندك بنت بتبقى صاحية، وسمعتكم وشافتكم أكتر من مرة و أنتم بتتهببوا علي عينكم" 


كانت كلماتها كالسيف المسنون، تضرب وتجز، فارتج قلبه دهشة وذهولًا، لم تكن صدمته من صفعتها كوقع صدمته المعنوية من الذي علمه للتو؛ إذ انشق في داخله صوت يُعيد السؤال المفزع، هل حقًا ابنته كانت تراه هو وزوجته الأخري في لحظات يظنها آمنة ولم يراهما أحد، 

كان يظنها نائمة وكان الظن مجرد خديعة.


و عندما رأت علامة التعجب والاستفهام تنضح من عينيه، تابعت بلا رحمة 

"أيوه… البنت حكيتلي، وده مأثر في نفسيتها جامد… لأنك أهملتها وجريت ورا مزاجك، غير إنك سبتها للست اللي المفروض متجوزها عشان تراعيها،

لكن غفلتك و كانت عمالة تدمر في نفسية بنتك وتزرع في دماغها إنك ما بقتش بتحبها و لو عملت أي حاجة غلط هاترميها عند عمتها ومش هتخليها تعيش معاكم تاني" 


كان ينصت إليها بوجه فقد لونه، وعينين متسعتين لا تستوعبان الحقيقة التي انكشفت فجأة، كقنبلة انفجرت في صدره وأردته بلا قدرة على النطق.

شعر بدمائه تفور، تغلي، تجري بلهيب في عروقه؛ لم يحتمل نظرتها التي صارت كمرآة تُظهر بشاعة عجزه وإهماله.

جز على أسنانه، وصوته يخرج مختنق ثقيل 

"ابعدي عن وشي" 


فأجابته بحدة لا تقل لهيب عن نبرته

"ما أنا فعلًا هابعد، بس هارجع علي القصر هاروح اخد بنتي، والمرة دي مش هاتشوف وشي تاني" 


ألقت كلماتها كمن يلقي الحكم الأخير، وانطلقت نحو باب الشقة.

لم يمهلها أن تكمل خطواتها؛ قبض عليها كعاصفة تخطف غصن ضعيف، جذبها بقوة، رفعها على كتفه رغم صراخها، وقال بصوت زمجري، يتفجر بالغيرة والجنون

"على جثتي إن ده يتكرر تاني" 


كانت تضرب ظهره بكفيها، تركل الهواء بقدميها، وصوتها يعلو مرتجفًا بالبغض

"اوعي، سيبني، نزلني أنا مش طايقاك" 


دلف بها إلى غرفة النوم وأنزلها علي الأرض، وعيناه تقدحان شرر، مهدداً إياها

"ابقي وريني هتعرفي تطفشي تاني إزاي" 


ثم أسرع بالخروج، وأغلق الباب بعنف يصم الأذان وهو يصرخ في الخارج

"مش هايحصل، انتي فاهمة؟، مش هايحصل!" 


وتبع الصراخ صوت الأشياء تتحطم، كأن وحش كاسر يفترس المكان؛  زجاج وخزف يتحول لفتات، مقاعد تنقلب، زئير يملأ الأرجاء.


بينما هي، فقد انكمشت داخل الغرفة، وضعت كفيها على أذنيها، تُحاول أن تمنع الصوت، تحاول منع الانفجار الذي يدق في صدرها.

كان الخوف يتسلل إلى أطرافها، يُجمد أنفاسها، حتى عمَّ المكان صمت خانق. 

أبعدت يديها عن أذنيها ببطء، ثم سمعت صوت باب الشقة يُغلق بعنف فشهقت بفزع، وادركت إنه ذهب. 


فتحت باب الغرفة بحذر، مشت بخطوات ثقيلة كمن يطأ الأرض بعد زلزال مدمر. 

وحين أشرأبت بعنقها نحو الردهة، رأت الخراب ماثل أمامها. 

مقاعد مقلوبة، زجاج مهشم، أوراق مبعثرة، كل شئ انقلب رأسًا على عقب، تمامًا مثل ما حدث معها منذ أن أيام. 


                        ❈-❈-❈


كانت تقف أمامه كمن يقف على حافة هاوية سحيقة، والريح تعصف بكيانهما معاً، عينان مغرورقتان بالدموع، ويدان ترتجفان. 


تمسكت بيده بقوة يائسة، تتوسل إليه بصوت مبحوح، يختلط فيه الرجاء بالانكسار

"أرجوك اسمعني بالله عليك يا أدهم، والله أنت فاهم غلط"


لكن الغضب الذي اجتاحه كان كالعاصفة الهوجاء لا تهدأ ولا تلين، صرخ في وجهها بوحشية مزلزلة جعلتها تتقهقر إلى الخلف خوفاً، يفر منها لون الدم من وجهها

"إنتي شايفاني عيل قدامك تضحكي عليه بكلمتين؟!، الفيديو لا متفبرك ولا معمول بالـ AI، واضح جداً ده حقيقي"


 قبض على ذراعها بعنف أفزعها، ثم رفع هاتفه أمام عينيها، فارتعشت نظراتها عندما صاح وهو يضغط على حروفه يسألها

"مش دي إنتي؟!، وده صوتك!، وواضح جداً إن كان مزاجك عالي مع اللي معاكي"


ارتعشت شفتاها ارتعاش النحيب، وتدفقت دموعها كسيل لا ينضب، وانهال صوتها بنبرة تتشبث بالحياة كالغريق

"اقعد عشان خاطري، وأنا هاحكيلك كل حاجة، اديني فرصة واحدة بس، بالله عليك"


كان الغضب يشتعل في عروقه كالجمر المشتعل، حتى يكاد يسمع احتراقه في أذنيه، لم يكن يطيق النظر إليها، ولكن دموعها المتساقطة، المنحدرة على وجنتيها كالسيل العرم. 

تراخى صوته في داخله قبل أن يتراخى في يده، فنفض قبضته عنها بضيق غاضب، وجلس أمامها بغير رغبة، وكأن الجلوس كان هزيمة. 

 أخرج من جيب سترته علبة لفائف التبغ والقداحة، تناول لفافة وأشعلها، ثم نفث دخان كثيف، ومع كل زفرة كأنه يحاول أن ينفث جمرة غضبه من صدره.


تطلع إليها بنظرة ازدراء جارحة، قائلاً بصوت بارد كالسيف

"احكي"


جلست أمامه أعلي الطاولة، وقد انطفأ سيل البكاء الذي كان ينهال من مقلتيها، ومسحت بطنات يديها ما تبقى من دموع علقت على وجنتيها. 

أخذت نفس ثقيل، كأنها تنتشل قلبها من قاع صدرها، ثم بدأت بسرد حكايتها، بعدما خارت قواها من الاستجداء

"كنت في آخر سنة في الجامعة وبشتغل في شركة تأمينات عشان أساعد ماما على المصاريف، لأنها كانت هي وبابا منفصلين ومكنش بيبعتلنا ولا قرش واحد"


كانت كلماتها تنساب ببطء، ارتجفت شفتيها وهي تستعيد الأحداث وتابعت

"اتفاجأنا في يوم إن واحد جه يقولنا نفضي الشقة في خلال أسبوع ونمشي، وإلا هايجيب رجالته ويرموا عفشنا في الشارع، عرفنا منه إن بابا رهن الشقة مقابل إنه استلف منه مبلغ كبير عشان يسدد ديونه، وطلعلنا عقد الشقة، ماما ما استحملتش وتعبت، وأخويا كان صغير، وأنا اللي كنت مسئولة عنهم، مكنش قدامي غير إني ألجأ لأعمامي، وياريتني ما سألتهم، منهم اللي لامني علي بابا و عمايله وإنه فضحهم وجايبلهم الكلام والمفروض نسيبه يتحمل نتيجة أفعاله، وعمي التاني يقولي أنا مش لاقي اؤكل لما أسددلك ديون أبوكي"


كانت الكلمات تتكسر على حافة الحسرة، وصوتها يتوه بين خذلان الأهل وقسوة الحياة. 

تابعت وهي تشهق بألم خافت

"الدنيا قفلت في وشي، والوقت بيعدي والشقة هاتضيع، صاحبتي في الشغل قالتلي أطلبي سلفة من المدير، اللي هو رامي اللي بعتلك الفيديو"


هنا انعكست شرارة ضارية في عيني أدهم، لكنه التزم الصمت، فتابعت 

"روحتله، فوجئت إنه عارف كل حاجة وقاللي هيديني المبلغ من حسابه الشخصي ومش عايزه، فهمت المقابل طبعاً من نظرات عينيه فرفضت، قالي إنه كان بيمتحني و مايرضهوش يعيش معايا في الحرام وإننا نتجوز عرفي لحد ما قضيته مع طليقته تخلص وبعدها يكتب عليا رسمي"


توقفت لبرهة تمسح وجهها، كأنما تستعيد قدرتها على التنفس، فاسطردت

"مكنش قدامي غير إني اصدقه، لأن كل همي الفلوس اللي هاخدها منه و اسدد الرهان و نرجع الشقة اللي هاتضيع مننا، طلب مني رقم الراجل عشان يقابله و يسددله الفلوس وجابلي منه عقد الشقة، وبعدها بيومين خدني عند مكتب محامي صاحبه و كتبنا ورقتين وشهود تبعه، بعدها خدني علي شقة في الهرم، عرفت بعد كدة إنه مخصصها لمزاجه، و كل ما كان عايز يشوفني بنتقابل فيها، كان بيعاملني أحسن معاملة و كريم جداً لدرجة قلبي مال ليه وبدأت اتعلق بيه لأنه فهمني إنه أعجب بيا من أول ما جيت اشتغل في الشركة، كنت طبعاً صغيرة و ساذجة و بصدق أي حاجة يقولهالي، لحد ما في يوم طلب مني الطلب اللي صدمني فيه صدمة عمري" 


                         ❈-❈-❈

سارت إلى الغرفة بخطوات مُتعجلة، وما إن فتحت بابها حتى اندفعت بداخلها كأنها تعود إلى حضن طال غيابها عنه، يتبعها زوجها كظلها. 


أطلقت زفرة دافئة تفيض ارتياحاً وقالت بصوت متحلل من كل قيود الإرهاق

"الواحد مش مصدق… أخيراً رجعنا لبيتنا وأوضتي"


اقترب قصي، يخلع سترة بدلته، ويمضي بها نحو غرفة الملابس، ثم قال وهو يضعها جانباً

"فعلاً عندِك حق، بس على قد ما أنا فرحان لياسين إن مراته رجعت له بالشكل اللي مايحصلش غير في الأفلام، على قد ما أنا زعلان جداً على يوسف، واللي عمله في مراته وبنته وفي نفسه"


 شرع بخلع ساعة يده، وأزرار قميصه قام بفكها واحدة تلو الأخرى. 

بينما جلست هي على المقعد الجلدي، تفك أزرار كنزتها بضجر ظاهر، ثم سحبتها عن جسدها وتأففت، ورفعت ساقاً فوق الأخرى لتخلع حذائها. 

"يوسف مكنش كده زمان، بس خالو عزيز الله يرحمه كان متحكم فيه بطريقة أوڤر، أجبره يدخل كلية طب زي ما أجبره يتجوز إنجي، الوحيد من إخواتك اللي مكنش يقدر يقوله لاء، طبيعي ده يسيب أثر فيه على المدى البعيد"


أنهى خلع قميصه وألقى به، ثم راح يبحث عن ثياب منزلية 

"الحل الوحيد لحالته إنه يتابع مع دكتور نفسي"


هزت رأسها بالنفي الموجوع

"لازم الأول هو يقتنع… إنما يروح كده من نفسه مستحيل، بس إزاي هانت عليه علياء بعد حب سنين وجواز وولاد! … تهون عليه في الآخر ويطلقها؟، ده روحه فيها، مش قادرة أستوعب إنه يشك فيها ويستغنى عنها كده في لحظة… آااه…"


شهقت بألم وهي تخلع الحذاء الآخر، فالتفت إليها سريعاً، وجد يدها تقبض على ساقها، والوجع جعل ملامحها شاحبة، فقالت بأنفاس متقطعة

"جالي شد عضلي… مش عارفة أحرك رجلي"


اقترب منها فوراً وأمرها

"ما تتحركيش"


جلس إلى جوارها، رفع ساقها بلطف ووضعها على فخذيه، ثم أبعد طرف التنورة لأعلي، وبدأ يدلك عضلات ساقها الخلفية بخبرة واضحة، كأنه يعرف موضع الألم قبل أن تشير إليه. 

 لحظات مرت، ثم سألها بصوت خفيض

"لسه رجلك شادة عليكي؟"


تنفست بعمق

"فكت شوية الحمدلله… وجعها صعب أوي"


رفع ساقها قليلاً وانحنى عليها بشفتيه، يقبل موضع الألم فسألها بحنان غادق يذيب الألم

"طب وكده؟، لسه بتوجعك؟"


ارتسمت ابتسامة مرتاحة على شفتيها، وهزت رأسها نافية

"الألم اختفى خالص… خصوصاً بعد اللي إنت عملته دلوقتي"


أنزل ساقها برفق بالغ، ثم مد يده وأمسك يدها قائلاً

"على فكرة… أنا ملاحظ بقالك فترة ما بتاكليش كويس. وده مينفعش أبداً"


تنهدت بضيق

"أغلب الأوقات مابيبقاش ليا نفس… غير بصحي الصبح ألاقي معدتي مقلوبة عليا، وبفضل قرفانة طول اليوم"


مسح على يدها بحنان صادق 

"مفيش حاجة اسمها مليش نفس يا حبيبتي، إنتي لازم تتغذي كويس… عشان صحتك الأول، وعشان فيه بيبي… بيتغذى منك، عشان خاطري كُلي كويس وأنا هخلي دادة زينات توصي الشيف في المطبخ يعملك أكل صحي، وواظبي على الفيتامينات والمقويات اللي كتبتهم لك الدكتورة، اتفقنا؟"


ابتسمت برقة، وقالت

"اتفقنا"


رأته يتغير، يتحول إلى نسخة ألطف وأهدأ وأكثر قرباً؛ فوضعت يدها الأخرى فوق يده وقالت بصوت يغشاه الامتنان

"ربنا يخليك ليا"


انحنى وخطف قبلة سريعة من شفتيها، ثم قال مردداً بعشق

"ويباركلي فيكي يا حبيبتي، يلا غيري هدومك… وخليهم يحضرولك حاجة تاكليها، وأنا هاخد شاور وهاحصلك"


تقدمت نحوه في هدوء، وما إن وقفت أمامه حتى التفت ذراعيها حول جذعه العاري، تعانقه بلهفة تختلط بالخشية،  همست بصوت متردد 

"قيصو… أنت ممكن في يوم من الأيام تطلقني؟"


تجمد لوهلة، فاستدار إليها رافعاً حاجبيه بدهشة صافية، وقال بنبرة تجمع الدهشة بالمداعبة

"اللي يسمع سؤالك ونبرة صوتك… مايصدقش إنك من كام يوم كنتي واقفة عند باباكي غضبانة، وكل ما اجي اكلمك و أصالحك وقتها تقوليلي، طلقني، طلقني"


قلد صوتها في الكلمة الأخيرة بطريقة ساخرة، فاندفع ضحكها رغم القلق الذي ينهش أعماقها، ولكزته بحنق خفيف قائلة

"كنت بقولك كده وأنا واثقة إنك مش هتعملها"


عاد إليها و احتواها بذراعين يتقنان فن الطمأنينة، وضمها إلى صدره بحنان يكسوه العشق

"ما أنا عارف… وكنت باخدك على قد عقلك، وفي الوقت نفسه بحافظ على بيتنا"


رفعت ذراعيها ولفتهما حول عنقه، ونظرة عينيها تفيض بما يفوق الكلام بلاغة وحرارة، ثم قالت بصوت خفيض

"يعني مهما حصل بينا، مش هتعمل زي يوسف ما عمل مع علياء؟، لما طلقها بسهولة كده؟"


ابتسم ابتسامة تُذيب الخوف، ونظر إليها نظرة تستقر في القلب ولا تبرحه، واخبرها بروح الدعابة لديه

"يوسف أخويا ده متخلف عقلياً… واللي خلاه دكتور ظلمه هو، وظلم العيانين اللي بيعالجهم، ومش مقدر النعمة اللي ربنا رزقه بيها… زي ما ربنا رزقني أنا بأجمل وأغلى نعمة في حياتي"


واختتم حديثه بوضع قبلة دافئة على رأسها، فتلألأت عيناها بلمعان الحب، وارتخت ملامحها بأريحية غامرة،  همست بحماسة تهدر في دمها

"أنا بحبك أوي يا قصي"


ولم تُمهله فرصة الرد، بل قفزت إلى شفتيه بعنفوان صاعق، تُطبق عليهما بقبلة متوهجة، تدفعه بجسدها نحو الحائط. ظلت تقبله بلهفة لا تهدأ، وذراعيها تحكم القبض على عنقه، لكنه سرعان ما أمسك بذراعيها وقلب المشهد بلمسة واحدة؛ حتى صارت هي الملتصقة بالحائط. 

  جمع معصميها بين يديه، ورفعهم فوق رأسها، وحدق في عينيها قائلاً بنبرة محملة بالوعود

"اديني عشر دقايق… آخد شاور وراجعلك"


استدار ليبتعد، لكنها جذبته من ذراعه بحزم وقالت بنبرة آمرة

"نبقى ناخده أنا وإنت بعدين"


وغمزت بعينها غمزة أربكت اتزانه، فقهقه خفيفاً ولمس جبينها براحة كفه وهو يقول بسخرية مازحة

"حبيبتي… انتي كويسة؟"


ردت بنظرة إغواء تشتعل على مهل، وراحة يدها تنساب فوق صدره العاري

"كويسة أوي أوي، إنت شايف إيه؟"


ضحك بعمق، واقترب منها أكثر 

"شايف إن ما شاء الله هرمونات الحمل عاملة شغل عالي معاكي، وأنا تحت أمر رغبات الهرمونات، و صاحبة الهرمونات"


ثم انحنى وحملها من أردافها بسهولة ، فتشبّثت بعنقه، ولفت ساقيها حول خصره. 

 همت بالحديث، لكنه ابتلع حروفها داخل فمه، يُطبق على شفتيها بقُبلة عارمة، واتجه بها نحو الحمام، يقبلها بعشق جامح لا يعرف المهلة… ولا يعترف بالتأجيل.

                         ❈-❈-❈


عاد من الخارج مثقلاً بأكياس كثيرة، وقد علا جبينه بعض الإرهاق، وما إن فتح باب الشقة حتى باغته عطر هادئ يأسر الأنفاس، وجد الأشياء التي بعثرها قد عادت إلى أماكنها.

 كاد ينادي عليها، لكن أتاه صوت خافت من المطبخ استوقفه، فخطا نحو الصوت بخطوات متأنية، وجدها منحنية تجمع فتات زجاج مبعثر، تحاول رفع قطعة منه، وما إن أحست بوجوده خلف ظهرها حتى انتفضت بفزع، وشردت لحظة عن حذرها، فانزلقت تلك الشظية الحادة إلى جلدها فجرحته. 

 شهقت بألم خافت، بينما هو ألقى الأكياس من يده دون تردد، كأن شيئاً ما نخز قلبه.

أمسك يدها بلهفة مضطربة، وخوف صريح لا يخفيه، وقال بنبرة تفيض عتاب محب عاشق

"مش تاخدي بالك؟!"


رفعت عينيها إليه بدهشة، كان قبل قليل يرمقها بنظرات كالسهام، نظرات لم تقل إلا الغضب الجاف و كلماته التي ألقاها عليها دون رحمة، سحبت يدها سريعاً وقالت وهي تحاول صده


"أوعي، ملكش دعوة بيا"


فتحت صنبور الماء في الحوض، وانسابت قطرات الدم مع الماء ، لم يمهلها لحظة، ذهب مسرعاً إلى الحمام، وعاد بصندوق الإسعافات الأولية، جلس قربها و أمسك يدها من جديد، ضغط بحرص على موضع الجرح ليوقف النزيف، ثم وضع ضمادة صغيرة وهو يثبت بصره في عينيها، قال بصوت واهن

"حقك عليا، ما تزعليش مني"


ظلت تنظر إليه بصمت، ولكن عينيها قالت الكثير، حتي أن الصمت كان أبلغ من كل شفاه. 

فتابع هو وكأنه يزيح حجراً ثقيلاً عن صدره

"أنا لما بتعصب ما ببقاش عارف بقول ولا بعمل إيه، بيبقى غصب عني، قولتهالك قبل كده وبقولهالك تاني... أنا راجل بغير جدًا، بس على اللي مني وبحبهم، وإنتي بالذات خط أحمر، اللي يقرب منك ولو بنظرة ببقى عايز أخزوقله عينيه، فاعذريني لما انفعلت عليكي"


أخفض صوته قليلاً، كمن يعترف أمام قاض يقف في صدر قلبه

"الكلام اللي اتقال النهاردة من الحيزبون أم جلامبو... خلى الشيطان يلعب في دماغي ويوريني حاجات مجرد تخيلها خلاني أتجنن، فـياريت موضوع الغيرة ده متقربيش منه معايا ولا حتى بالهزار"


سحبت يدها من يده ببطء، واستدارت عنه، وقالت بصوت خافت لكنه يحمل جرح عميق

"اللي بيحب حد بيبقى واثق فيه، والمفروض إن إحنا متجوزين من تسع سنين، يعني عارفني وعارف أخلاقي، ومش أي من هب ودب يقولك كلمتين تقوم مصدقه، أنا ما اتضايقتش من كلام أم رحيم قد ما اتوجعت من سؤالك ومن الشك اللي شوفته في عينيك"


تنفس بأسى، كمن يبتلع ندم مُر

"وأنا بعترف إني غلطت وندمان، وبعدين ما أنتي ما سبتيش حقك،  رزعتيني كف على وشي خلى ودني تصفر، عارفة لو حد غيرك كنت دفنته مكانه"


قالها بنبرةٍ ساخرة مازحاً، فارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها رغم الامتعاض.

 استغل تلك الابتسامة، فأمسك يدها من جديد وقال ضاحكاً

"أنا بس مستغرب... إزاي إيدك الرقيقة الناعمة دي يطلع منها كف المخبرين اللي نزل على وشي؟!"


ضحكت هذه المرة بصدق، ضحكة صافية خرجت من قلبها، فقال وهو يضحك أيضاً

"اضحكي... اضحكي"


ثم تذكر فجأة وسألها

"هي صح ياسمينا قالتلك إيه بالظبط؟"


زفرت بضيق

"اللي أنا قولتهولك قبل ما تنزل"


رأى شرارة الغيرة تبرق في عينيها، فكتم ضحكته عمداً، وقال ليداعبها

"يعني هي فعلًا شافتني أنا و رودينا و إحنا يعني...."


قاطعته بعصف من الغضب

"من غير ما تكمل، آه، ودي طفلة، ومكنش ينفع تشوف حاجة زي دي"


ضيق عينيه، يراقبها كما يراقب العاشق سر محبوبته

"ما تقلقيش أنا هاتكلم معاها، بس أنا شايف في عينيكي إنك متضايقة أكتر من البنت، معقولة غيرتي؟"


زفرت بحدة

"وهغير ليه إن شاء الله!، أنا يا دوب لسه عارفة إنك جوزي من يومين، ولا لحقت أحبك ولا أكرهك"


اقترب منها خطوة، ثم ثانية، ثم ألقى بسحره كله في عينيها

"طب عيني في عينك كده"


لم تستطع النظر صوب عينيه، رفرفت أهدابها، وانخفضت نظرتها دون إرادة. ابتسم وقد تأكد من حدسه

"ضحكتي يعني كلامي صح، والقلم ماكنش عشان اللي قولته و بس، شوفتي إيدك حصلها إيه"


رفع يدها المصابة برفق و بمزاح لطيف

"اللي ييجي عليا ما بيكسبش، إيدك اللي لطشتيني بيها اتعورت، بس أنا مسامحك وفرحان في نفس الوقت"


رفعت حاجبها وسألته بامتعاض لا يخلو من دلال

"يعني إنت شمتان فيا؟!"


ابتسم بحنان عميق

"أنا أقدر؟!، بالعكس لما لاقيتك اتعورتي حسيت إني أنا اللي اتعورت، أنا قصدي إني فرحان عشان شوفت غيرتك عليا بعيني"


صاحت وهي تحاول الفرار من اعتراف قد كشفه

"خليك عايش الوهم"


جذبها إليه، وكفاه يحتضنان وجهها كما لو أن العالم كله بينهما

"مهما أنكرتي عيونِك فاضحينِك، يا بت ده انتي حتة مني، روحي اللي عايش بيها، دمي اللي بيجري في عروقي، أنا قاعد جوا دماغك وعارف بتفكري في إيه"


ارتجف جسدها، وتوردت وجنتيها، 

رفرفت أهدابها كجناحي طائر صغير أُمسك قلبه فجأة، وكأن كلماته نزلت عليها لا ككلام رجل، بل كنبض سكن تحت ضلع من أضلاعها.

ابتسم بمكر خفيف، وشيء من الدهشة  يلمع في عينيه، ثم أمسكها من كتفيها برفق، وأدار جسدها لتصير أمامه كلوحة يتأملها من أول قدميها إلى أعلى رأسها ، رفعت حاجبيها بتعجب وسألته وهي لا تدري ما الذي يدور في ذهنه

"فيه إيه؟"


غمز لها بعينه في خبث لطيف، وترك ابتسامته تجري على شفتيه كموجة لاهية

"ده فيه كتير، تضاريس زادت واتنفخت، وتضاريس اتنحتت"


رغم أن كلماته بدت غير مفهومة لها، إلا أن نظرته التي انحدرت على تفاصيل جسدها أفهمتها المعنى دون حاجة إلى شرح.

 توهجت وجنتاها من الخجل ثم لكزته في صدره بضيق 

"إنت قليل الأدب"


ضحك بصوتٍ متهدج بالحاجة والاشتياق 

"لسه قلة الأدب جاية في الطريق، بس عايزك ما تفرهديش مني، دول سنتين بحالهم وكام شهر وأنا مشتاقلك يا ياسمينتي"

وغمز بعينه، دنا منها بهدوء كمن يوشك أن ينهل من ماء حُرم منه دهراً، فكادت شفتاه تلمس خاصتها، فابتعدت سريعاً 

"تعالى نرجع القصر، زمان ياسمينا صحيت، ولو ما لاقِتنيش جنبها هاتعيط"


أجابها بثقة راضية

"ما تقلقيش عليها، أنا قبل ما أطلع اتصلت بماما اطمنت عليهم وقالتلي البنت لسه نايمة وهي جنبها، إحنا الصبح إن شاء الله نروحلهم"


اتسعت عيناها في لحظة خاطفة

"نعم!، يعني أنا وإنت هنفضل هنا للصبح لوحدنا؟!"


ضحك ساخرًا واخبرها بمزاح

"لاء، هاتصلك بالسكيورتي ييجي يقعد معانا محرم، يا حبيبتي أنا جوزك، أطلعلك القسيمة وأغلفهالك زي الـ ID وأعلقها لك في رقبتك عشان كل ما تنسي تبصي فيها وتفتكري إنك مراتي؟!"


قالت متنهدة باستسلام ضيق

"خلاص من غير تريئة... عارفة، بس أنا هنام في أوضة لوحدي، وإنت شوفلك أي مكان نام فيه"


اقترب منها بخطوة يكسوها العتاب الممزوج برقة غامرة

"ويهون عليكي جوزك حبيبك ينام لوحده؟، ده إحنا ماكنش بيجيلنا نوم أنا و أنتي غير في حضن بعض"


زادت نبضات فؤادها، فابتسمت بخجل و نظرت إلي أسفل، فقال لها

"خلاص، خلاص أنا عارف إنك لسه ما اتعودتيش على الوضع الجديد بالنسبة لك وأنا مقدر، براحتك يا قلبي شوفي اللي يريحك واعمليه، بس قبل ما كل واحد فينا ينام، تعالي نعمل حاجة ناكلها، أصل أنا جعان أوي ماعرفتش أتغدى بسبب الواد يوسف أخويا الجحش الله يسد نفسه"


استدار يلتقط الأكياس التي كان قد وضعها من قبل، ثم رفعها إلى الطاولة الرخامية

"أنا اشتريت شوية حاجات من الهايبر، اديني ساعة زمن ويكون الأكل جاهز"


وبينما هو يفك الأزرار العليا من قميصه، قال بلهجة عفوية دافئة

"بس قبل الأكل... تعالي ناخد شاور الأول"


شهقت وقد اتسعت عيناها

"ناخد إيه؟!"


رفع كفيه بعد أن أدرك ما وصل في رأسها 

"قصدي كل واحد فينا ياخد شاور لوحده، أهو يبقي علي الأقل نغير هدومنا اللي بقالها يومين علينا"


تنفست براحة مفاجئة واخبرته

"بس أنا معيش هدوم"


مد يده لها 

"تعالي معايا"


وضعت يدها في يده بحذر، فقادها إلى غرفة النوم. 

 وما إن وطأت قدماها العتبة حتى سرت قشعريرة ناعمة في جسدها، كأن المكان يعرفها قبل أن تتذكره.

ربما كانت الروح أسرع من الذاكرة في استعادة ما كان.

فتح ضلفتي الخزانة وقال بصوت خافت يختزن الكثير

"هدومِك أهي، جبتها هنا بعد اللي حصل من سنتين، ورصيتها زي ما كنتي بترصيها بالظبط"


ثم تناول حقيبة جلدية صغيرة وقدمها لها

"ودي شنطتك اللي لاقوها جنب الجثة، فيها بطاقتِك والـ ID بتاع شغلك... وهتلاقي موبايلك، كل حاجة زي ما هي"


أمسكت الحقيبة، وشعور ثقيل كالحبر الأسود أخذ يتسرب في أعماقها، 

ذكريات كانت مغلقة، أخذت تطرق باب عقلها ببطء مؤلم.


قطع شرودها صوته قائلاً

"هسيبك شوية و هاروح آخد دش على السريع"


التقط منشفة كبيرة ودخل الحمام.

بينما جلست هي أمام طاولة الزينة، فلاحظت على الرف دفتر صغير، يحمل أنفاس سنوات مضت، فمدت يدها وأمسكت به.

                        ❈-❈-❈


وقف أسفل صنبور الاستحمام، وما إن رفع المقبض حتى انهمر الماء عليهما دفعة واحدة، ارتجفت صبا للحظة، وفصلت شفتيها عن شفتيه وقد شهقت شهقة مفاجئة، بينما خيوط الماء تنحدر فوق شعرها ووجهها، فقالت بملامح متعجبة وصوت يتهدج بين الضحك والاحتجاج

"غرقتنا… وهدومي اتبلت"


قهقه ويحدق بها، يسألها بمكر

"وهو فيه حد يدخل ياخد شاور بالهدوم؟"


لم يمهلها الرد، بل باغتها بقبلة عميقة، وغاصت أنفاسهما في بعضها. 

أنزل يديه إلى كنزتها القطنية ذات الحمالات الرفيعة، ورفعها عن جسدها بحركة خفيفة، ثم أزاح عنها كل ما كانت ترتديه قطعة بعد أخرى، ودفع الثياب بقدمه إلى زاوية بعيدة كأنها لم تكن.


وفجأة، ارتجف جسدها مرة أخرى، وتألمت بنبرة خافتة ثانية، فامتقع وجهه قلقاً وسألها بصوت مشوب بالخوف عليها

"في إيه مالك؟"


استندت بيديها على كتفيه، تخبره بألم

"رجلي جالها شد عضل تاني"


فقال بصوت آمر مليء بالحذر

"خليكي واقفة ما تتحركيش"


وجثا على ركبتيه أمامها في مشهد يعكس لهفة وخوف العاشق علي معشوقته، ثم بدأ يدلك عضلة ساقها بحرفية تتقن مواضع الألم، يمرر أنامله على خطوط العضلات في ليونة تُعيد للوتر المتشنج هدوءه.  

رفع رأسه يسأل متفقداً

"ها… لسه بتوجعك؟"


أجابت مع شهقة ألم خفيفة

"أيوه… المرة دي جاتلي أشد"


فعاد يدلك ساقها من جديد وبحركة خبيرة تستطيل مع بسط العضلات شيئاً فشيئاً، حتى عادت الساق إلى طبيعتها. رفع ساقها برفق وقربها إلى شفتيه، ثم انحنى يقبل موضع الألم قبلة دافئة فارتجفت هي دون إرادة، وقالت مستنكرة وقد احمر خديها من تدفق الحرارة في جسدها

"بتعمل إيه!، خلاص رجلي رجعت لطبيعتها"


رفع عينيه إليها بنظرة ماكرة

"ما أن شفايفي كمان جالها شد عضلي… وعايز أرجعها لطبيعتها هي كمان"


ثم أخذ يوزع قبلاته على ساقها، يصعد بها إلى فخذها، حتى بلغ خصرها، و هناك توقف لحظة، ونظر إلى موضع الجنين بنظرةٍ تُحاكي الجد وعقد حاجبيه قائلاً

"مساء الخير يا باشا يا اللي جوه في بطن ماما"


قهقهت صبا بخفة

"لسه بدري عقبال ما يسمعك ويحس بيك"

رد عليها بثقة مصطنعة 

"ملكيش دعوة، أنا بتكلم مع ابني كلام رجالة"


فرفعت حاجبها ساخرة وقالت

"وإنت مين قالك إنه ولد؟!، لسه على الرابع أو الخامس عقبال ما نعرف، وبصراحة قلبي حاسس إنها هتبقى بنوته، زوزو هاتفرح أوي هايبقي ليها أخت"


لوح بيده وكأنه يزيح كلامها جانباً واخبرها بيقين متكبر لطيف

"لاء هيبقى ولد، وأنا متأكد"


مدت يدها تداعب خصلات شعره المبتلة، ثم أمسكت بيده تساعده على الوقوف 

"ولد ولا بنت… المهم يجي بالسلامة،  وياريت بقي تركز مع مامته شوية"


جذبها إليه فجأة، التصقت بصدره الدافئ، وتدفقت من عينيه نظرة شوق لا تخطئها عين، ثم قال بصوت منخفض يفيض حنان ورغبة

"ما أنا معاها أهو… وكلي تركيز… وشوق… وحُب… و…"

وأطبق شفتيه على خاصتها يكمل الجملة بفعل لا بالكلمات، يرفعها من أردافها بقوة هادئة، فطوقت عنقه بذراعيها، ولفت ساقيها حول خصره في استسلامٍ عاشق. رفع مقبض الصنبور أكثر، فازدادت المياه انهماراً وتمددت مساحتها كزخات المطر. 


تبادلا القبلات الحارة، يتلامس الجسدان كأنهما قصيدة مكتملة، تحيطهما خيوط البخار التي تغلف زجاج الكابينة، ليبدو ظلهما من الخارج كجسدٍ واحد يتوهج عشقاً لا يُخطئه النظر ولا يشبع منه القلب.


                        ❈-❈-❈


تهدجت أنفاس الأخر وهو ينصت إليها، فأصبح منتبهاً معها بكامل حواسه. 

"قالي عايزك تقفي جمبي زي ما وقفت جمبك، و كان طلبه إن أحضر معاه عشا عمل أو بالمعني الأصح سهرة مع رجال أعمال بينه و بينهم صفقات و شغل، وعايز يعرفني عليهم، لاء و كمان اشترالي مخصوص اللبس اللي غصبني ألبسه و أنا رايحة معاه، فستان ما تلبسهوش غير واحدة لا مؤاخذة شمال، قولتله لاء مستحيل ألبسه و إزاي تقبل علي مراتك تلبس القرف ده و كمان هتخليني أقابل رجالة و في سهرة عمل و أنت عارف يعني إيه سهرة واللي بيحصل فيها، هنا كشفلي عن وشه الحقيقي"


ارتجف فمها وهي تسترجع الألم 

 "مسكني من شعري و لوى دراعي ورا ضهري لدرجة كان هايكسره، وهددني إن لو مانفذتش كل اللي بيأمرني بيه هايفضحني في الشركة و عند أهلي، و مش هايكمل تسديد الفلوس بتاع الرهان، فعرفت إنه دفع نص الفلوس و النص التاني بيسدده علي دفعات، والعقد اللي جابهولي دي صورة مش الأصل، وعمل كده عشان يفضل ضامن وجودي معاه، و أنفذ أي حاجة يقولي عليها من غير ما اعترض، للأسف طاوعته ونفذت كل اللي قالي عليه بالحرف الواحد، روحت معاه سهراته اللي مكنتش ليها علاقة بشغل الشركة، وعرفت إن بينه و بين اللي بيقابلهم شغل في الباطن، و وجودي معاه مجرد عروسة لعبة بيتباهي بيها قدامهم ويخلص بيها صفقاته، و مفيش مانع ده يرقص معايا و ده يشربله كاسين برضه معايا، لحد ما في يوم قابلت واحد اسمه ياسر الطوبجي"


التقطت كوب الماء بيد تهتز، ارتشفت رشفة ثم أكملت 

 "قالي ليه بتعملي في نفسك كده و إيه اللي وقعك في طريق اللي اسمه رامي، ده قذر ومش راجل ويبيع أبوه عشان مصلحته، واضح عليكي إنك بنت ناس و مغصوبة علي وجودك هنا في وسط قذر، ولو رامي ماسك عليكي حاجة قوليلي وأنا هانقذك منه، و طبعاً كالعادة زي الهبلة صدقته، ووثقت فيه حكيتله علي كل حاجة، عرض عليا إنه مستعد يسدد لي فلوس الدينكلها،ا و لما سألته ليه بيعمل كده، قالي ليه تار قديم معاه، طلب مني اجيبله ملف كان مخبيه رامي في خزنة محدش عارف مكانها، و لما راقبته عرفت إن الخزنة في الشقة اللي بنتقابل فيها وعرفت الرقم السري كمان، اخدت الفايل وروحت لياسر اسلمهوله في مكتب شركته و ده بعد ما أتأكدت إنه خلصني من دفع الدين ورجعتلنا شقتنا الحمدلله، اديتله الملف وشكرته ولسه هامشي لاقيته بيقفل باب المكتب بالمفتاح وقرب مني و قالي سيبك من رامي و خليكي معايا، أنا هقدرك صح، صديته وقولتله أنا مش كده، ولو رامي قذر أنا عمري ما هابقي زيه و عايزه أخلص منه من غير مشاكل، حاول يعتدي عليا فضربته بالطفاية الكريستال علي راسه فداخ ووقع، عرفت اخطف من جيبه المفتاح و فتحت و هربت و اختفيت عن الكل لفترة، وعرفت بعدها إنه صفى شركته و باعها و هرب بره البلد ورامي اتسجن، روحت للتاني السجن وقولتله ينساني وطلعت قصاده الورقتين العرفي و قطعتهم، و من وقتها لا اعرف عنه حاجة و بدأت حياتي من أول وجديد، لحد ما ظهر لي من فترة و قالي إنه لسه خارج من السجن و عايزني ارجعله و لو رفضت هايفضحني بالفيديو اللي بعتهولك" 


خفضت رأسها، وتنهدت تنهيدة كسيرة

"أقسملك إن ده كل اللي حصل، وكان غصب عني"


رمقها بنظرة قاسية كحد نصل، وقال بصوت منخفض لكنه قاطع كالسيف

"عذر أقبح من ذنب، وبنت الناس المحترمة المتربية مكنتش تقبل الوضع ده تحت أي ظرف، إنتي خليتي شوية أشباه ذكور يستغلوكي ويتعاملوا معاكي كإنك واحده رخيصة"


اتسعت عيناها بصدمة من حديثه اللاذع، أدرك هو ما قاله، فمرر كفيه على وجهه، وزفر زفرة طويلة محملة بلهيب الحيرة والغيظ. 

 رفع نظراته إليها وقد غشا بريقهما شر صريح، فسألها

"ساكن فين الحيوان اللي اسمه رامي؟"


أجابته بصوت خافت متوتر

"معرفش له عنوان غير شقة الهرم"


"فين في الهرم؟"

سأل بحدةٍ، فأجابت برجاء مرتجف

"بلاش تودي نفسك في داهية مع واحد زي ده"


انفجر صوته كالرعد

"يعني عاجبك الفيديوهات اللي ماسكها عليكي؟!، والله أعلم هايعمل بيها إيه تاني؟!، ده ممكن في ثانية يطلعك تريند"


خفضت رأسها، وغرقت نظرتها في مذلة موجعة

"عارفة، وفي نفس الوقت مش عايزاك تدخل في مشاكل بسببي"


وقف ببطء، ونظر إليها بنظرة باردة، ساخرة، تحمل احتقار مرير

"أوعي تفتكري إني واقف جمبك يعني هعديلك اللي حصل و سامحتك عليه، أنا بس هاخلصك من الحيوان ده، وبعدها ليا كلام تاني معاكي يا… يا مدام"


نطق اللقب الأخير  عن عمد كالسوط يصفع كرامتها، ثم استدار وتركها خلفه تبكي بحسرة و ندم. 


                       ❈-❈-❈


خرج كليهما من كابينة الاستحمام وقد انقشع البخار قليلًا، والقطرات تلمع فوق جلديهما كحبات لؤلؤ ذابت من عقد سماوي. 

لف حول كتفيها منشفة قطنية ناعمة، يضمها برفق لا يخلو من الشغف، ثم انحنى يلتقط خصلات شعرها المبتلة ينساب الماء منها كجدائل غيم يتساقط على كفيه.


نظرت إليه بوجه يفيض بحمرة تدفق الرغبة وابتسامة ترتجف بين العشق والوله، فمرر إبهامه على خدها بلمسة هادئة، وقال بصوت منخفض 

"إنتي حلوة أوي يا صبا، رغم إننا بقالنا مع بعض سنين، بس كل مرة و إحنا مع بعض بشوفك أحلي وأجمل من الأول"


ضحكت ضحكة قصيرة تحمل رجفة العاشقة 

"أنا بعد كلامك ده، حاسة إني أسعد واحدة في العالم"


حاصرها بين صدره وذراعيه وجفنيه، ثم مد يده يسند ظهرها من أسفل، ورفعها إليه. 

مازالت ذراعيها حول رقبته، ودفنت وجهها في كتفه الدافئ متشبثة به كأنها تتلو حنينها على جلده.

وضعها برفق على حافة السرير، وجلس أمامها،  كانت نظرتها مشتعلة، مليئة بما لا يُقال.


قالت بصوت خافت يهتز من دفء اللحظة

"قصي… أنت مش متخيل أنا بحس بإيه لما بتبصلي بالشكل ده"


اقترب منها حتى لامس أنفاهما، ومسح بإصبعه قطرات الماء فوق شفتيها قائلاً

"حاسس بيكي و متخيل، كل حاجة فيكي بتحكيلي، عينيكي و النفس اللي بيخرج منك، حتى رعشة صوتك، كل حاجة فيكي بتتكلم من غير ما تنطقي"


رفعت يدها إلى وجهه تمسح قطرات الماء من شعره وتداعب شعيرات ذقنه، ثم همست بدلال

"بحس دايماً و أنا معاك، ببقي ملكة"


أطبق على يدها يُقبل كفها براحة عاشقة، ثم قال

"وهتفضلي ملكة علي طول، إنتي مليكتي و مملكتي نفسها  اللي برجع لها، والسكن اللي ما أستغناش عنه أبداً"


ارتعشت أنفاسها، وانسكبت دمعة صغيرة على وجنتها لم تعرف من أين جاءت، فمسحها بإبهامه، وبصوت ينضح حنان وهيام وهو يميل نحو شفتيها 

"تعالي خليني أحبك بطريقتي"


التصقت شفاههما في قبلة طويلة بطيئة، تذوب فيها حدود الوقت، وتتساقط معها بقايا التعب من جسديهما.

انحني بجسدها،  ومازال يضمها بذراعين لا تعرفان إلا الاحتواء، بينما هي تجذبه أكثر كأن قربه هو الهواء الوحيد الذي يديم أنفاسها.

استلقى بها على السرير في هدوء، لا عنف فيه ولا عجل، بل انسياب عشق ناضج، مكتمل، ينهض فيه الحب كوميض يشق عتمة الليل، يتناثر على جسديهما مثل ضوء لا يراه إلا من مسه الشغف.

وتركتهما اللحظة يتماهيان مع دقات قلبيهما، كأنهما لحن واحد يعزف على وتر لا ينقطع.


                         ❈-❈-❈

فتحت الصفحة الأولى، فوجدت اسمه وبياناته مدونة بخط يشي بالثبات والوقار. 

 بينما الصفحة التالية، فقد بدأت فيها مذكراته، يحكي فيها أول لقاء جمعهما، يوم جاءت إلى قصر آل البحيري طفلة ندية الملامح، يسوقها والدها عم إسماعيل، عامل الحديقة المخلص. 

 كانت تلهو وتدور حوله كما تتقافز الفراشات حول نور تعشقه، بينما سمع هو والدته يومها تحدث والده بصوت خافت موجوع بأن والدتها قد تركتها ورحلت، غير قادرة على تحمل مسئوليتها، فآوتها السيدة جيهان ورعتها حتى نضجت ملامحها، وصارت شابة في أواخر سن المراهقة؛ أنثى تفيض أنوثة، ويهتف بحضورها الجمال.


هنالك تبدلت نظرته إليها؛ لم تعد تلك الصغيرة التي تفصله عنها خمس سنوات، بل غدت فتاة ينساب السحر على خطواتها، فيتشكل حضورها فتنة تمشي على قدمين.

حاول أن يقاوم انجذابه إليها بأن يعاملها بحدة وقسوة مصطنعة، فإذا بدموعها الوديعة تكسف هذا الادعاء، وتلين صلبه، فينكسر أمام نظراتها الباكية، تلك التي كانت كفيلة بأن تزلزل صخر الجبال.


ولما رأى أن مقاومته لا تجدي، تعامل معها تعامل المستكبر المتسلي، كأنها فتاة يسهل أن تكون له متى أراد، لكنها كانت أبعد ما يكون عن ذلك؛ ردت محاولاته بجفاء نبيل، وواجهة صلبة، فتعجب كيف لفتاةٍ في ظروفها أن تصد شاب ثري وسيم مثله.

هنا أدرك الحقيقة، ليست كل بنات حواء سواء؛ فهناك من تخشى ربها، وتصون قلبها، ولا تريد إلا الحب الحلال في ظل عقد وستر.


فاعترف لها بحبه، وأخبرها أنه يريد أن يتوج هذا الحب بالزواح، لكنه طلب منها أن تتريث قليلًا، حتى يستقل بذاته عن تحكمات والده التي كانت تخنق أنفاسه وحياته معًا.


وبالفعل، حقق حلمه أخيراً؛ أسس مركز رياضي حديث متطور، لكن قبل الافتتاح بأيام قليلة، وقع ما لم يكن في الحسبان؛ اندلع حريق هائل بسبب ماس كهربائي، فاحترق كل شيء وتلفت الأجهزة، كأن النار لم تكن سوى تجسيد قاس لقدر أراد أن يكسر جناحه قبل أن يحلق.

ضاعت أحلامه، وتلقى من والده توبيخًا وإهانة ولومًا لا يليق إلا بالعابثين والضعفاء، فنعته بالخاسر والفاشل.

هرب من قسوته إلى كأس الخمر، يظن أنها ستنقذه من ظلمة صدره، ولم يدر أنها ستقوده إلى خطيئة سيظل يحملها كجرح لا يندمل.

عاد ثملاً إليها، وكانت تنتظره بقلب قلق يخشى أن يبتلعه اليأس. 

لا يذكر من تلك الليلة سوى دموعها وأسى نظراتها، ويبدو أنه أطلق كلمات جارحة، جلد بها نفسه في مرآة عينيها.

وفي الصباح اكتشف الكارثة الكبرى

لقد أخذ منها ما لا يملكه ولا يليق أن يُنتزع إلا برضا وحلال.

استيقظت هي على ذكرى الليل السوداء، فصرخت هاربة إلى الحمام، وعلم فيما بعد أنها كانت على وشك الانتحار. 

نُقلت إلى المستشفى، وهناك ظهرت والدتها القاسية، تلك المرأة التي لا قلب لها، وجلبت ابن شقيق زوجها لتزج بابنتها في زواج قسري.

لكنه لحق بهم مع إخوته، وانتزع حبيبته من مصير كاد يبتلعها.

وحين صارح والده برغبته في الزواج منها، رفض الأخير رفضً قاطع، بحجة الفارق الطبقي والاجتماعي.

لكنه تحدى أباه، وترك له القصر وما فيه، وعقد قرانه على حبيبته، فصار بينهما ميثاق غليظ.


عاش معها أجمل سنوات عمره، بحلوها ومرها، ورُزقا بطفلتهما التي كانت نسخة منها؛ جمالًا وحياءً وفتنة.

وتشاركا حياة سعيدة، تعكر صفوها بين حين وآخر غيرته العارمة، ورفضه لعملها الذي يضطرها أن تتعامل مع الرجال، فهو لا يقبل أن يشارك أحد عينيه النظر إليها، حتى إن كانت لا يظهر منها إلا عيناها من خلف غطاء الوجه.


وكان هناك جرح آخر، قديم كظل لا ينفصل؛ ذلك الجرح الذي تركه اعتدائه عليها في تلك الليلة السوداء.

كانت تذكره به أحيانًا، لا قسوة، بل وجع. وهو كان يكره سيرة ماحدث في نفسه حتى كره نفسه ذاتها.


وصلت ببصرها إلى العنوان وسقطت في الهاوية، كان ذلك يوم عيد ميلاد ابنتهما في قصر العائلة. 

حدث خلاف بينهما، فاحتد وغلبه لسانه، فأطلق كلمات جرحتها بعمق، فرحلت، 

وحين أفاق من غيظه، بحث عنها فلم يجد لها أثرًا.

حتى جاء الخبر الذي مزق روحه، 

لم ينس لحظة دخوله غرفة ثلاجة الموتى.

المرأة التي قُدمت له كانت ترتدي ثياب مثلها تمام… لكن وجهها ويديها وكل ما يُرى منها قد أكلته النار.

وبالقرب من الجثة وُجدت حقيبتها، 

وفي تلك اللحظة، لم يشعر بنفسه إلا وهو يسقط مغشيًا عليه من هول الفاجعة.


ظل لأيام يتلقى المهدئات كي لا تجن روحه قبل عقله، وعندما واجه الحقيقة، انسحب من الحياة، وصار جسدًا يسير بلا روح.

عانت ابنتهما معه تلك الفجوة القاتلة، فكان يتركها لاعتناء أخته كثيرًا، مخافة أن يجعلها تعاني من حزنه الثقيل.

وفي كل ذكرى ميلادها، وهو ذات يوم تلقيه بخبر وفاة زوجته، كان يأخذ الصغيرة إلى المقابر، يتحدث إلى قبر زوجته كما لو كانت تسمعه، يخبرها أنه لم يعد يعرف معنى الحياة من بعدها، وأن روحه دُفنت معها.


هنا توقفت الكلمات، كان هذا آخر سطر، 

وما بعده صفحات بيضاء.

أغلقت الدفتر ومسحت دموعها التي انهمرت دون إرادة، ألهذه الدرجة كان يعشقها؟!

ولماذا لم يذكر زوجته الثانية وكأنها لم يكن لها وجود في حياته؟! 


                       ❈-❈-❈


انتابها ذلك الشعور الخانق من جديد، فرفعت الحقيبة بين يديها، تتأمل ما تبقى منها، وجزء من يد الحقيبة احترق. 

فتحت سحاب الحقيبة ببطء، وأفرغت ما فيها على طاولة الزينة.

امتدت أصابعها المرتجفة نحو الهاتف، كانت خلفيته صورة تجمع زوجها وطفلتها؛ لحظة تجمدت فيها الحياة، كأن الزمن يبتسم لهم في صورة ويطعنهم في الواقع.


وما إن وقعت عيناها على الخلفية، حتى داهمها صداع مباغت، مطارق خفية تقرع جدران رأسها، فتلعثمت الرؤية، وتشوشت الأصوات… ثم انساب المشهد إلى ذاكرة بعيدة.


فلاش باك -يوم الرحيل-

كانت تجلس على مقعد خشبي يواجه النيل، تبكي بصوت مكتوم، وكفيها تكادان تعصران قلبها لا رأسها.

 أمامها هاتفها، تنظر إلى صورته بعتاب حائر، عتاب امرأة ما عاد في صدرها متسع للصبر. 

وضعت الهاتف في الحقيبة، و تركتها بجوارها على المقعد، ثم انحنت تسند مرفقيها على فخذيها، وانفجرت في البكاء. 

وما إن هدأ النشيج قليلاً، حتى دوى صوت دراجة نارية تقترب منها، 

وفي لحظة خاطفة، امتدت يد من يركب خلف السائق، اختطف حقيبتها.


قفزت واقفة، هرعت خلف الدراجة، تركض رغم الانهيار، رغم التعب

"استنى بالله عليك، سيبها دي فيها كل حاجتي حرام عليك"


وقفت منهارة، تضغط على صدرها وكأنها تمنع قلبها من السقوط

"لـــيــه؟… ليه بيحصلي كل ده؟!

أنا تعبت… تعبت"


ومن خلفها، جاءت يد حانية تربت على كتفها، سيدة ترك الزمن علاماته علي وجهها، قالت بصوت حاني

"يعوض عليكي ربنا يا بنتي"


رفعت الأخرى رأسها ونظرت للسيدة، وقالت في سرها

"هامشي إزاي؟، معيش حاجة… عشان اعرف أرجع القصر… ولا هاعرف أكلم حد"


قطعت السيدة صمت أفكارها

"لو محتاجة تكلمي حد… خدي تليفوني أنتي زي بنتي، كلمي أهلك" 


ابتسمت ياسمين من خلف النقاب

"شكراً يا طنط"


أخذت الهاتف القديم، وبدأت تضغط أرقام أحد زميلاتها في العمل وانتظرت حتي جائها الرد

"ألو؟ مين معايا؟"


"ألو يا حبيبة… أنا ياسمين، تليفوني اتسرق وحاجتي كلها… وأنا لوحدي بعيد عن قصر عيلة جوزي"


"إيه؟!، وبتعملي إيه برا لوحدك؟، وليه مكلمتيش جوزك؟"


ولت ياسمين ظهرها للسيدة، وتخفض صوتها

"أنا… سيبته ومشيت، ومش هرجعله تاني"


 "لا حول ولا قوة إلا بالله… ليه بس؟"


"هبقى أحكيلِك بعدين، دلوقتي عايزة مكان أبات فيه ومش معايا بطاقة ولا إثبات شخصية عشان أعرف أروح لأي فندق"


"طب هاتتحركي إزاي من غير فلوس؟، قوليلي أنتي فين و هاجيلك"


"هبـيـع الأسورة الدهب اللي لابساها وهاتصرف"


سكتت الأخرى ثم قالت بثباتٍ حنون

"شقة بابا الله يرحمه فاضية في إسكندرية، هكلم أختي تفتحها وتستناكي في الموقف، بس هنتواصل إزاي؟"


"لما أوصل… هكلمك من أي كشك"


"خدي بالك من نفسك يا بنتي… ربنا يصلح حالك"


"آمين… سلام"


أغلقت الهاتف وأعادته للسيدة

"شكراً جداً لحضرتك"


"الشكر لله يا بنتي"


تشويش ومشهد آخر في محل بيع و شراء المصوغات، وقفت أمام الصائغ، ويدها ترتجف وهي تنزع السوار عن معصمها؛ سوار اشتراه لها زوجها في عيد مولدها.

لم تتخيل يوماً أنها ستبيعه، كانت عيناها تقولان ما لم ينطقه لسانها. 


مشهد ثالث يباغت ذاكرتها، تجلس في محل مشروبات بجوار الموقف، تنتظر سيارة الأجرة المتوجهة إلى الإسكندرية.

وفجأة، لفت انتباهها خبر عاجل على شاشة التلفاز


حادث مرعب… شاحنة محملة بمواد سريعة الاشتعال تتصادم بسيارة أجرة…

و دراجة نارية  سائقها و من خلفه، تم دهس جثتهما اسفل عجل الشاحنة الكبيرة…والنار تشتعل بسرعة مروعة… وجثة مجهولة لسيدة النار مشتعلة في وجهها… بجوارها حقيبة يد وقعت من راكب الدراجة.


"إسكندرية، إسكندرية"

كان?


 جاري كتابة الفصل الجديد للروايه حصريا لقصر الروايات اترك تعليق ليصلك كل جديد أو عاود زيارتنا الليله

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع