القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الجزء الثاني ( حين تنفس القلب )بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)

 



رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الجزء الثاني ( حين تنفس القلب )بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)







رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الجزء الثاني ( حين تنفس القلب )بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)




الفصل الأول من #حين_تنفس_القلب

#شارع_خطاب_الجزء_الثاني 



____________ 


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية. 


____________ 


"مــرحبــا بكم في شارع خطاب من مرة أخرى" 


____________ 


-شيل يا طويل العمر شيل، اهو دي أخرة للتريندات بتاعتك، عمودي الفقري في ذمة الله.... 


خرجت كلماته ممزوجة بضحكة تعب نابعة من إرهاق اليوم الطويل جدًا والأشهر الماضية لكن بالتأكيد النهاية لو كانت هنا فهي تستحق... 


كان يقف أمام المصعد بينما تضغط هي على الزر منتظرةً فتح الباب...... 


ضحكت ريناد رغمًا عنها، ثم قالت وهي تتشبث بذراعه وتقوم بجذب ذيل فستانها الطويل الذي وقع أرضًا بعدما كانت تمسكه جيدًا: 


-خلاص نزلني ما أحنا صورنا الفيديو خلاص. 


نظر إليها باعتراض، وما زال يحملها كأنها أخف من النسمة لكنه أنكر ذلك كالعادة:

- أنا حر أنزلك مكان ما انزلك هو أنتِ اللي هتقولي شيلني بمزاجك وانزلك بمزاجك؟ وبعدين يعني أنتِ طول عمرك رفيعة من ساعة ما عرفتك إيه اللي حصل قبل الفرح مش عارف. 


رمقته ريناد بنظرة دهشة من وقاحته، لكنها ابتسمت ابتسامة نصف جادة: 


-أنا متخنتش أنتَ اللي أول مرة تشيلني على فكرة، وبعدين أنا كنت عاملة دايت أصلا قبل الفرح. 


-اه مهوا باين. 


فُتح باب المصعد ودخل وهو لا يزال يحملها دون أن يُنزلها إلا عند باب الشقة التي استأجرها منذ أشهر في إحدى المناطق الراقية في وسط المدينة، إلى أن يستلم شقته الجديدة التي شارك الحجز معه في البناية ذاتها صديقيه طارق ونضال........ 


دخل الاثنان الشقة، فخرجت منها تنهيدة طويلة مزيج من التعب والامتنان، كأنها تتنفس للمرة الأولى فبعد رحلة طويلة، يتنفس قلبها أخيرًا.... 


لم تصدق أنها وصلت إلى هذه المرحلة من حياتها مع الرجل الذي أحبته، والذي أحبها بصدق.... 


كانت خطبتهما قد مرّت سريعًا، عام وتسعة أشهر لكن كل لحظة فيها كانت تحمل شيئًا من الحنين والشغف والجنون الجميل؛ وبالتأكيد الانتظار... 


تجولت بعينيها بين أركان الشقة التي اختارت تفاصيلها معه بعناية، بينما كان هو يتأملها في صمت، كان الاثنان في حالة دهشة واحدة.. 


كيف وصلا إلى هنا؟ 

كيف أصبحت زوجته وحلاله؟

ومن كان يصدق هذا؟!..

علاقتهما كلها كانت ولاتزال غريبة.. 


اقتربت منه بعينين تلمعان بدموع لا تعرف إن كانت من الفرح أم الخوف، فاحتضنها دياب على الفور، احتضنها كما لو كانت وطنه الأخير..... 


كان العناق هذه المرة مختلفًا أكثر دفئًا، أكثر صدقًا، أكثر "حقيقة" من العناق الذي كان أمام الجميع في القاعة بعد عقد القران... 


لم تبكِ وقتها رغم زغاريد النساء، لكنها الآن تبكي بين ذراعيه، بصمتٍ لا صوت فيه سوى دقات قلبيهما.... 


أبعدها قليلًا، وهو يمسح دموعها بأنامله الحانية: 


-بتعيطي ليه دلوقتي؟. 


قالت بصوتٍ مبحوحٍ أقرب للهمس لكنها كانت تتحدث بتلقائية ادهشته: 


-مش عارفة، مكنتش واثقة فيك تقريبًا أننا هنوصل لهنا، كنت حاسة أنك هتخلع في أي لحظة تحديدًا في كل خناقة كانت بتحصل الفترة اللي فاتت. 


نظر إليها بدهشةٍ صامتة، فابتسمت محاولة تلطيف الموقف ثم غمغمت: 


-أنا مش قصدي حاجة، بس مش حابة أكدب يعني، أنا اللي جوايا بقوله، بس المهم يعني أنك خيبت ظني فيك والجانب الوحش اللي جوايا. 


اقترب منها أكثر، يحاوط خصرها بذراعيه، وسألها بصوتٍ خافتٍ دافئ: 


-أنتِ مش واثقة في حبي ليكي؟.. 


-واثقة فيك، وواثقة في حبي ليك، أنا بحبك أوي ومبسوطة النهاردة كنت أسعد واحدة في الدنيا كلها ومحدش ممكن يكون مبسوط أكتر مني أصلا. 


ضمها "دياب" إليه من جديد، دون كلام لم يكن بارعًا في العبارات الخرافية أو الوعود الكبيرة، لكنه قال كل شيء بعينيه، وفي كل لمسة، في كل لحظة بينهما، كان الحب واضحًا أكثر من أي كلمة..... 


كان اليوم كله جميلًا بسيطًا، لكنه مليء بالسعادة الصافية، لم يكن أفخم زفاف، لكنه كان الأصدق، مثلها تمامًا مثلما كانت أيامها معه..... 


عودة إلى الوقت الحاضر.. 


-مامي.. 


صوت ابنتها "ليان" البالغة من العمر ثلاث سنوات تقريبًا، جعلها تخرج من تلك الذكرى التي أجتاحتها بسبب اقتراب ذكرى زواجهما.. 


ابتسمت لها ريناد ثم غمغمت: 


-إيه يا قلب مامي جعانة؟ خلاص هنفطر. 


ردت عليها الصغيرة بكلمات هادئة: 


- لا، أنا عايزة أكلم بابي.. 


_____________


في الحادية عشرة صباحًا.. 


كانت حور تتناول الفطور مع والدتها وشقيقها قبل أن تذهب إلى الجامعة؛ اليوم ولحسن الحظ من المرات القليلة جدًا التي تكون فيها محاضراتها بعد الظهر.... 


كان دياب يتناول طعامه في صمت، وكذلك والدته حسنية، إلى أن قررت حور أن تقاطع هذا الصمت: 


-على فكرة يا دياب؛ أنتَ لسه مردتش عليا في موضوع حفلة التوقيع اللي هي أصلا يوم الخميس خلاص مفيش وقت. 


نظر دياب إليها متحدثًا بصوتٍ فيه بقية نومٍ: 


-هو إيه الحكمة يعني من أنك تروحي مخصوص لحفل التوقيع ده؟ ابقى اوقعلك أنا على الكتاب لما تطلبيه مش كيمياء يعني وابصملك لو حبيتي، ما اللي بتعوزيه بتطلبيه عادي أونلاين، إيه الحكمة من أنك تروحي؟. 


تنهدت حور بيأس طفيف؛ فلن يغير شقيقها على ما يبدو وجهة نظره في الأمور التي لا يفهمها ولا تهمه لكنها كالعادة لا تعرف الاستسلام، فأجابته: 


-حاجة هتفرحني، زي ما ماتش الكورة بيفرحك كده ولو قلبنا القناة تطين عيشتنا، وزي فنجان القهوة، كل واحد وله دماغ وذوق وأنا نفسي اروح، كل سنة بقول هروح ومبروحش والمرة دي وفاء رايحة معايا. 


تابعت حُسنية الحوار في صمت ثم تحدث دياب بنفاد صبر: 


-خلاص مدام ده هيريحك روحي ياستي مدام وفاء هتروح معاكي، ايكش بس مترجعيش تقولي مفيش حد بيقولي على حاجة اه وتقعدي تندبي. 


نهضت حور من مكانها ثن قبلت خده الأيمن قُبلة خفيفة، هاتفة بسعادة: 


-ربنا يخليك يا حبيبي ليا. 


أنهت حديثها وسارت بضعة خطوات متجهة نحو المرحاض مما جعل والدتها تقول: 


-رايحة فين يابت أنتِ؟ ملحقتيش تأكلي.. 


-لا خلاص كلت هغسل ايدي والف الطرحة وانزل بقا علشان متأخرش. 


بعد مرور ربع ساعة تقريبًا.. 


غادرت حور المنزل، وجلس دياب على الأريكة يتناول قهوته، ولاحظ أن والدته ما زالت جالسة على السفرة ولم تنهض، كما أنها لا تكاد تلمس طعامها حتى يكون هذا هو السبب. 


-مالك يا ماما قاعدة كده ليه؟. 


تحدثت حسنية بانفعال شديد: 


-كل مرة البت بتروح فيها الجامعة بكون مضايقة، البت دي اتحسدت محدش يعمل عملتها دي أبدًا، وأنتَ السبب في كل ده علشان طاوعتها على عملتها المهببة. 


بعدما قضت حور العامين الأولين في كلية الطب بصعوبة بالغة، قررت قبل أن تبدأ السنة الثالثة أن تترك تلك الكلية وتلتحق بكلية أخرى، كان هذا القرار بمثابة صفعة للجميع وصدمة لم يتجاوزها بعضهم بسهولة........... 


لكنها قررت أنها لن تستمر؛ كان هذا حلمها سابقًا، لكنها الآن لا تريد هذا الطريق، فالدراسة كانت شاقة عليها جدًا، ولم تحتمل الضغط، أو ربما لم يكن المجال مناسبًا لها كما ظنت، وبعد صدمة الجميع ومحاولاتهم لإقناعها، تقبل الآخرون الأمر، إلا والدتها التي لا يزال الأمر غصة في حلقها. 


تمتم دياب بنبرة عادية: 


-أنا السبب في إيه يا ماما؟ يعني كان المفروض اقتلها يعني؟ ولا أخليها تكمل في حاجة غصب عنها، وبعدين نفسيتها تعبت خصوصًا في سنة ثانية وكانت بتنجح بالعافية وفعلا مكنش ينفع تكمل، متقوليش حسد ولا غيره.. 


قالت حسنية بإصرار: 


-لا حسد طبعا، الناس حسدتها على مجموعها، البت طول عمرها بتذاكر ونفسها تكون دكتورة ولما ربنا اداها المجموع وتدخل تعمل كده؟ دي حاجة طبيعية يعني؟ في واحدة تكون هتبقى دكتورة تحول من الكلية لـكلية ألسن؟ هتطلع منها دي إيه في الأخر؟... 


كانت حسنية تمتلك بعض الأفكار المغلوطة مثل الكثير من كبار السن، وفئة كبيرة من المجتمع بأن النجاح هو دخول كلية من كليات القمة -حسب تصنيفهم- وأن تصبح ابنتها طبيبة أو مهندسة، ورُبما لأن حور كانت أول ابنه عندها متفوقة إلى هذا الحد وساعدتها الظروف نوعًا ما حتى تصبح في تلك الكلية؛ عكس شقيقها الذي كان يتحمل مسؤوليتهما، وايناس التي وقعت في فخ وهم الحب. 


حاول دياب تهدئة والدته وذكرها بإنجازات حور في كليتها الجديدة: 


-النجاح مش شرط أنها تكون دكتورة، واديكي شوفتي بنفسك كل سنة في كليتها بتطلع الأولى أو الثانية على الدفعة، وناجحة في اللي بتعمله ودي أهم حاجة، وخلاص هي في سنة ثالثة قربت تتخرج وأنتِ لسه في نفس النقطة. 


-علشان مقهورة، وأنتَ سهلت عليها الموضوع يا دياب.. 


تذكر دياب ما حدث منذ ثلاث سنوات تقريبًا حينما تحدث معها الجميع وحتى وفاء التي منذ هذا الوقت توطدت علاقتها بها جدًاووأصبحا أصدقاء مقربين: 


-أنا مسهلتش حاجة يا ماما، على ايديك كلنا كلمناها، وجوز اختها كلمها، ووفاء بنت عم زهران كلمتها بما أنهم في نفس المجال وهي مقتنعتش وفضلت ثابتة على موقفها ورفضت تستمر لأكتر من سنتين في الكلية، ومكناش هنفرح لو فضلت في الكلية وتسقط كل شوية، لما دخلت حاجة هي عايزاها بقت كويسة ونفسيتها أحسن. 


قالت حسنية مستنكرة: 


-يعني احنا غصبناها تدخل طب؟ ما هي اللي كانت هتموت وتدخلها.. 


رد دياب بملل: 


-يا امي خلاص بقا، هو ده نصيبها.. 


قاطع حديثهما رنين هاتفه فجأة..

فدق قلبه على الفور... 


______________ 


كان "عزت" يجلس في منزله في الطابق العلوي، بعدما صعد لتناول الغداء مع أسرته قبل أن يهبط مجددًا إلى متجره في الأسفل، أمسك كوب الشاي بيده... 


يبلغ عزت من العمر قرابة الستين، عمل في تجارة الدواجن منذ أن كان طفلًا مع والده في قريتهم القديمة، لكنه قرر الانتقال إلى المدينة بعد وفاة والده، حين قرر أشقاؤه تقسيم الميراث، ولأن ابنته كانت على وشك دخول الجامعة، شعر أن الوقت قد حان لتغيير كل شيء: السكن، والعمل... 


لديه ثلاثة أبناء، الكبرى متزوجة في الفيوم وتعيش هناك مع زوجها وعائلته والأوسط "كريم"  الذي يجلس الآن أمامه يبلغ من العمر ثلاثون عامًا، أما الصغرى نورا فهي في سنتها الأخيرة بكلية الآداب... 


نفث عزت دخان سيجارته بتأفف وقال بحدةٍ تعبر عن عناده المعتاد: 


-يعني في حد يكون في مدرسة حكومة ويسيبها ويروح مدرسة خاصة؟ أنتَ عبيط يا ابني ولا إيه في ليلتك دي؟ مش كفايا حكاية التدريس دي اللي مش على هوايا أصلا.. 


ابتسم كريم بتعبٍ يحاول إخفاءه، ورد بهدوء: 


-يا بابا أنا متعين بالحصة ويعني الخاص من الحكومة مش فارق على الأقل دي مش بعيدة عن البيت وأنا اعتمادي الأساسي على الدروس والحمدلله بدأت اتعرف بقالي سنتين هنا.. 


لوى عزت فمه بتهكم متحدثًا بانزعاج وعدم رضا: 


-اللي أنتَ عايزه اعمله، أنا ماليش فيه، يعني من أمته بتسمع كلامي علشان تسمعه دلوقتي؟ لو كنت دخلت تجارة كان زمانك شغال في بنك وجوز عمتك كان هيتوسطلك وتقبض مرتب حلو وتكون حاجة محترمة ويومك يكون ملكك.. 


تنهد كريم، وقال بنبرة تجمع بين الصبر والاستياء: 


-هو أنا شغال في كبارية يعني؟ ولا شغال إيه مش فاهم؟ أنا مدرس على فكرة يا بابا والله شغلانة محترمة عادي. 


رمقه عزت بنظرةٍ ضيقة ثم تمتم وهو ينهض: 


-ماشي متقعدش تتفسلف عليا، ادخل شوف أمك وقولها تعملي قهوة، الشاي ده مش عاجبني.. 


وقبل أن يخرج كريم، أضاف عزت بصوتٍ متذكر: 


-اعمل حسابك أنهم جايين يطلبوا إيد نورا يوم الخميس، متقعدش بقا تقول عندي درس ومعرفش عندي إيه، ظبط نفسك ومواعيدك، وعمك كمان هيجي من البلد علشان نكون كلنا كده قاعدين مع الناس. 


أومأ كريم وهو يرتدي سترته: 


-ماشي، متقلقش هكون موجود، أنا ماشي بقا علشان عندي درس كمان نص ساعة يدوبك الحق أوصل. 


-ماشي روح على مهلك. 


خرج كريم، وأوصى والدته أن تُعد القهوة لوالده، بعد دقائق، دخلت صباح وهي تحمل الفنجان، وقالت بنبرة فيها حزم أنثوي معتاد: 


-إيه يا عزت؟ مش كنت قايللي هتتكلم معاه في موضوع العربية؟ 


-نسيت يا صباح، هو أنا مخي دفتر.. 


قالت بنفسٍ طويل وهي تضع الفنجان أمامه: 


-مش قولتلك قوله علشان يفضي نفسه يوم وتروحوا تشوفوا عربية؛ وكده كده هو بيعرف يسوق ومعاه رخصة من ساعة ما كان بيروح ويجي مع جده، أنا عايزاه ينبسط كده ويدلع، وقولتلك أنا هدفع من ورث أمي ولو في فرق أنتَ تزوده، مش كل شوية الواد يتمرمط في المواصلات كده. 


هز عزت رأسه وقال بجديةٍ أكثر هدوءًا: 


-نسيت يا صباح، مفكرتنيش ليه؟ وبعدين يعني متقلقيش نخلص من حوار نورا والناس اللي جاية وناخده ونروح نجيبهاله.. 


ابتسمت صباح وهي تستعد للخروج: 


-ماشي عقبال ما نفرح بالواد كريم بقا، خلاص كبر معرفش هو مستني إيه بس.. 


-نصيبه، كل واحد له وقت وميعاد.. 


رمقته بهدوء ثم غمغمت: 


-أنا هنزل بعد المغرب أنا والبت نورا نجيب شوية حاجات للبيت وليها، علشان تبقى عامل حسابك متفضلش تستوجبنا تحت في الشارع.. 


ضحك عزت بخفوت وهو يلتقط فنجانه: 


-طيب. 


-وبعدين بطل تقعد تضايق الواد كل شوية بالكلام سيبه براحته.. 


-حاضر هسيب دلوعة ماما براحته.. 


قالت صباح بجدية: 


-ايوة طبعا دلوعة أمه وحبيب أمه... 


_____________ 


تلف "سلمى" أوراق العنب بمهارةٍ اكتسبتها من أمها، وكانت سامية تجلس أمامها تتأمل وجهها في الهاتف، 

فهي عادت للتو من العيادة بعد إجراء تجميلي بسيط لتنعيم بشرتها، لكنها الآن تشعر بالحرقة والوخز في وجهها وهذا هو الجزء المزعج قبل ظهور النتائج.. 


قالت سامية وهي تتأفف: 


-وشي حارقني أوي. 


رفعت سلمى رأسها مبتسمة بهدوء ثم غمغمت: 


-والله يا سامية أنتِ مكنتيش محتاجة أي حاجة من اللي كل شوية بتعمليها دي، أساسًا بشرتك حلوة ما شاء الله ولا فيها تصبغات ولا مسامات واسعة ولا حاجة تعقدك فيها، معرفش ليه غاوية تتعبي نفسك.. 


ابتسمت سامية في خفوت دون أن ترد، بينما كانت سلمى تواصل لف الأوراق، وداخلها قدر من الشفقة والحنين، فعلاقتهما أصبحت وثيقة في السنوات الأخيرة، بعد سفر سلامة وجهاد للإمارات واستقرارهما هناك، لا يأتيا إلا في الأعياد والإجازات التي يحصل عليها سلامة فيأتي برفقة زوجته، وطفليه، زاهر وابنته الصغيرة "زينة"... 


أما سامية انشغلت بابنها ريان وبعملها كخبيرة تجميل، توسّعت شهرتها على مواقع التواصل حتى صار الحجز معها حلمًا صعب المنال... 


أما سلمى، فقد تركت عملها منذ عامين، وتستعد حاليًا لافتتاح صالة ألعاب رياضية نسائية قريبًا، كان هذا مشروعها الذي طال انتظاره بمساعدة زوجها وما أستطاعت أن تدخره خلال سنوات من العمل، لكن الفضل كله كان يعود إلى نضال الذي توسع عمله بشكل كبير جدًا مع صديقيه وأراد أن يفعل شيء يخص زوجته......


قالت سامية، محاولة أن تجعل نبرتها عادية: 


-عادي، أنا ولا بعمل فيلر ولا بوتوكوس ولا حاجات جامدة تغير ملامحي ممكن بس فيلر بسيط عملته في شفايفي وشكله طبيعي، وبقية الحاجات بتفيد بشرتي، وبعدين كفايا أصلا الخمسة كيلو اللي زيدتهم لما كنت في المصيف؛ متعكننة أوي، أنا لما صدقت أخس أصلا. 


توقفت سلمى عن اللف، ورفعت عينيها نحوها، قالت بلطفٍ يخبئ وراءه قلقًا حقيقيًا: 


-سامية كل البنات والستات بيحاولوا يكونوا أحسن أنا فاهمة ده، بس الموضوع عندك وصل لدرجة صعبة، بلاش تضغطي على نفسك، خصوصًا أن ما شاء الله احلويتي وخسيتي كتير حتى عن قبل ما تتجوزي، أنا أكتر حد بينصح الناس تخس وتحافظ على صحتها بس متكنش حاطة ده عبء على نفسها فهماني؟.. 


كانت سلمى تقصد كل كلمة، فهي ترى في سامية شيئًا مقلقًا؛ بحث دائم عن المثالية، حد الهوس، والتجميل سلاحًا ضد ذاتها ففي كل مرة تظهر فيها بَثرة صغيرة على وجهها، كانت تُعامِلها ككارثة، لا كشيء عابر، وأحيانًا تعاقب نفسها بحمية غذائية صعبة جدًا حتى أنها تؤثر بالسلب على نفسيتها، فقد خسرت جزء كبير من وزنها التي اكتسبته أثناء الولادة وبعدها، لكن بمجرد أن يزيد وزنها على الميزان حتى لو شيء طبيعي يعود إلى عدة عوامل مختلفة يجن جنونها... 


تخلصت من حمزة منذ سنوات، انتقمت منه وألحقت به الضرر وسجنته، لكنها لم تتخلص من تأثير كلماته أبدًا وتعليقاته السخيفة في أكثر لحظاتهما خصوصية؛ لم تتخلص من الإهانة التي تلقتها ولم يترجمها عقلها حتى لو تصنعت أمام الجميع بأنها تخطت الأمر وأن ثقتها بنفسها لم تهتز إلا أنها داخليًا محطمة إلى أبعد حد. 


ردت عليها سامية بعد تنهيدة ثقيلة خرجت منها: 


-معاكي حق.. 


اقترب صوت سلمى أكثر، رخيمًا كأنها تخشى كسر شيء هش بها لأنها تدرك حساسية الأمر لكن في الوقت ذاته ترغب في أن نصحها: 


-أنا مش قصدي حاجة يا سامية بس أنا بحاول أوصلك اللي أنا حاسة بيه، وبعدين بيه مفكرتيش تروحي لدكتورة نفسية أو لايف كوتش، أو أخصائية، حد تتكلمي معاه يعني، حاسة أن المفروض كنتي فكرتي في الخطوة دي من بدري، من بعد طلاقك وبعد اللي حصل.. 


أجابت سامية بجدية، محاولة إقناع نفسها قبل إقناع سلمى: 


-مش عارفة مش حاسة إني محتاجة يعني أي واحدة خرجت من تجربة بتحتاج وقت تتعافى منها مش أكتر. 


لم تُصر سلمى أكثر، واكتفت بصمتٍ يحمل القلق، فرن هاتفها الموضوع على الطاولة بعيدًا وكانت سامية على وشك أن تنهش حتى تأتي به لأن يد سلمى متسخة: 


-هقوم اجيبلك الموبايل.. 


-لا متتعبيش نفسك، ده نضال ومش هرد عليه. 


ضيقت سامية عيناها بدهشة وقالت بطريقة مرحة وهي تتذكر تعليقات جهاد على صورهما سويًا واتصالاتها الفكاهية من الدرجة الأولى: 


-عرفتي منين؟ ما يمكن جهاد وهترجع تقولك إني اخدتك منها وتتصل تسمعني محاضرة. 


-انا حاطة له نغمة معينة لوحده وبعرف إذا كان هو ولا حد غيره وأنا متخانقة معاه. 


ثم عادت تستكمل ما تفعل، فهي تقوم بعمل طعامه المفضل رغم انزعاجها منه!!!.. 


لم تسألها سامية عن سبب الشجار، كلاهما يتجنب الحديث في تلك النقطة الحساسة، حتى لا تلمس مواضع جراح قديمة.. 


تمتمت سامية بنبرة هادئة: 


-ماشي هسيبك تكملي بقا وأنا هنزل علشان زمان الباص جاي وجايب أستاذ ريان... 


____________ 


أمام جزارة خطاب الغالية.. 


تحديدًا الفرع الأول في شارع خطاب، لا ذاك الذي في السوق، جلس زهران على المقعد الخشبي المعتاد، وعلى فخذيه جلس صغيره "غالي"، بينما جلس ابنه البكر نضال على المقعد المقابل، يحتسي قهوته ببطء. 


كان المشهد يبدو عاديًا، لكنه لم يكن كذلك فغياب ما كان يخيّم على الجلسة.

لكن ياترى ما السبب؟.

من غاب عنهما؟.. 


قطع زهران شروده وهو يرمق الجهة المقابلة، حيث تتدلّى لافتة كبيرة كُتب عليها بخطٍ عريض "طيور موسى" 


-يا اخي من ساعة ما اللي اسمه عزت ده جه وسكن في العمارة والشارع مبقاش زي الأول بقا دمه تقيل على قلبي كده، ثم هو اسمه عزت وابنه اسمه كريم مين موسى ده عايز أفهم؟؟. 


لم ينتظر جوابًا، بل واصل بحدة فيها طرافة: 


-منك لله يا رشدي أنتَ السبب جيبتهولنا هنا.. 


ضحك نضال بخفة، ثم قال وهو يأخذ رشفة صغيرة من فنجانه رغم غضبه لأن زوجته تتعمد عدم الإجابة عليه: 


-يا بابا الراجل معملش حاجة ليك هو في حاله وأحنا في حالنا، وبعدين ما هو قال قبل كده ده موسى ابنه اللي اتوفى وهو عيل صغير.. 


هزّ زهران رأسه وقال بهدوءٍ لحظي: 


-الله يرحمه يا سيدي.. 


ثم مد يده يداعب وجنة غالي الصغير، وأردف بنغمة شكوى فيها دفء: 


-بس برضو الراجل وشه فقري علينا، الجزارة مبقتش شغالة زي الأول من ساعة ما هو جه ودخل علينا المنطقة وفتح قصادي.. 


أجاب نضال بهدوءٍ يحاول فيه التفسير أكثر من الجدال؛ يشرح له الوضع الاقتصادي الحالي: 


-متهايقلك يا بابا، الفراخ حاجة واللحمة حاجة، وبعدين الجزارة الحمدلله شغالة كويس، الفكرة بس أن الفراخ ارخص من اللحمة في ناس كتير ممكن تجيب وراك واجنحة وناس بتجيب رجول الفراخ مؤخرًا، فالحالة صعبة على الناس مش أكتر واحنا الحمدلله شغالين برضو.. 


رفع زهران حاجبيه بتذمر ساخر وقال: 


-ماشي يا أستاذ نضال يبقوا يستفيضوك في السي بي سي تكون محلل سياسي واقتصادي أحسن؟ متقعدش تفرسني بالكلام مهما قولت اللي اسمه عزت ده مش بينزلي من زور بقالي اربع سنين كل يوم بصطبح بوشه. 


كاد نضال أن يرد، لكن غالي رمى لعبته الصغيرة على الطاولة قربه، فالتفت زهران إليه بسرعة قائلاً بنبرة عتابٍ أبوي: 


-عيب كده يا غالي، ده اخوك الكبير. 


ابتسم نضال، بينما عقد الصغير ساعديه متذمرًا، محاولًا أن يُظهر جدية مضحكة جعلته نسخة مصغرة من أخيه في صغره، فهو يشبهه إلى حدٍ كبير: 


- بابا أنا عايز اعرف أنتَ مقعده معاك تحت ليه، طنط انتصار مشيت بس الست اللي بتقعد بيه فوق هي ووفاء وسامية فوق برضو عربيتها هنا. 


زهران وهو يطبع قبلة صغيرة على رأس ابنه: 


-كده أنا بطمن على ابني وهو معايا أنا أغلب الوقت. 


ابتسم الصغير ببراءة وهو يلوح بيديه كانت مخارج حروفه ليست سليمة ومتقطعة لكنها مفهومة: 


-عايز العب مع ريان. 


نظر نضال إليه برفق وقال لأبيه: 


-طلعه يقعد معاهم فوق أحسن وعلشان يأكل كمان عقبال ما امه تيجي وبالمرة تقعد مع كريمة وأصيلة شوية، أحسن من ساعة ما غالي جه وأنتَ مبتقعدش معاها زي الأول وأكيد ده اللي خارب مزاجك ومخليك مركز مع الحاج عزت بس. 


ضيق زهران عيناه وهو يحدق في ابنه كأنه يحاول أن يزن كلماته، بينما الصغير هبط وظل واقفًا بجوار مقعد أبيه: 


-تفتكر هو ده السبب؟. 


ابتسم نضال بثقة هادئة وقال ببساطة: 


-أكيد. 


-هطلع لما انتصار تيجي هطلع معاها.. 


-ماشي وأنا رايح مشوار كده... 


هز زهران رأسه بهدوء ثم صمت الاثنان للحظة قبل أن ينهض نضال ويغادر، وكان غالي يلعب أمام زهران بالمقعد الذي يقوم بتحريكه، والشارع يضج بحياة يعرفها زهران عن ظهر قلب...... 


______________ 


في المساء.... 


دخل نضال إلى المنزل في هدوء، فلم يسمع سوى صوت تلاوةٍ خافتةٍ للقرآن تتسلل من التلفاز، والإضاءة كانت خافتة جدًا.... 


مما جعله يتساءل بقلق: 


-هي نامت بدري كده؟ استحالة.. 


سار خطواتٍ قليلة داخل الممر، خلع سترته وترك العلبة الكرتونية على الطاولة، ثم توجه نحو المطبخ... 


هناك...

وجد على الرخامة طنجرة معدنية، رفع غطاءها فتصاعد بخار دافئ يحمل معه رائحة ورق العنب الشهية، فلم يتمالك نفسه، التقط شوكة وتذوق قطعة منه بعدما غسل يديه أولًا.. 


ظهر على وجهه فورًا شعوره باللذة كأي شخص يتذوق طعامه المفضل.... 


ترك الطنجرة مكانها بعد أن غطاها بعناية ولم يفتح الطنجرة الأخرى لأنه خمن من الرئحة بأنه "كباب حلة"... 


خرج حاملاً العلبة التي أحضرها معه متجهًا نحو غرفة النوم، الذي كان مفتوحًا، والأنوار خافتة، وسلمى تجلس على السرير، تقرأ في كتابٍ صغير، القراءة لم تكن يومًا من هواياتها ولكنها جديدة عليها اكتسبتها منذ أن تركت العمل... 


وكانت من ترشيح من "حور" التي أصبحت بينهما علاقة نوعًا ما، فهي تشعر بأنها شقيقتها الصغرى، وبطبيعة الحال تتواجد هنا بكثرة مع وفاء لذلك بدأ وجودها في حياتها شيء منطقي.. 


ربما اكتسبت تلك الهواية بسبب الفراغ الكبير الذي أصبح في حياتها بعدما تركت العمل.... 


أغلقت الكتاب ووضعته بجوارها حينما لاحظت دخوله وهو يبتسم مقتربًا منها قائلًا بنغمةٍ مرحة وهو يفتح العلبة: 


-جايبلك شوية بسبوسة بالبندق ملهاش حل. 


رفعت بصرها إليه وقالت ببرودٍ خفيف: 


-كتر خيرك، بس ملحوظة بسيطة، أنا مبحبش البسبوسة وأنتَ عارف.. 


ضحك وهو يضع العلبة على الكومود، ثم جلس بجوارها: 


-ما لو كنتي بتردي عليا طول اليوم مش مصدرة الطرشة ليا أكيد كنت عرفت أجيبلك إيه وأنا جاي. 


قالت سلمى بلهجةٍ جادة: 


-اعتقد مش بعد السنين دي كلها مع بعض لسه محتاج تتعرف أنا بحب إيه ومبحبش إيه، وبعدين يعني أصلا أنا مش عايزة منك حاجة.. 


اقترب منها أكثر، أحاط كتفيها بذراعه رغم مقاومتها الخفيفة، وقال بنبرةٍ هادئة: 


-مردتيش عليا ليه؟ ليه القمص والزعل ده كله ياعم ده أنتَ حبيبي. 


نظرت إليه نظرة سريعة ثم قالت بفتورٍ ظاهري يخفي دلالًا خفيفًا: 


-كنت مشغولة وبعمل الاكل، وبعدين هتقمص ليه؟ هو حضرتك عملت حاجة تضايقني مثلا؟ ليه بتقول إني مقموصة؟. 


ضحك نضال ثم قال مازحًا: 


-من الضهر لغايت دلوقتي بتعملي الأكل؟ ليه عازمة شارع خطاب كله؟ وبعدين معلش أنا على رأسي بطحة وعارف أنك مقموصة. 


لم ترد عليه، فاقترب أكثر، ترك قبلةً خفيفةً على خدها وقال بصدقٍ ونبرة إعتذار خالصة: 


-حقك عليا ياستي، عارف أن بقالي كام يوم بتأخر؛ القعدة على القهوة بتسرقني؛ وببقى نازل الصبح بدري، خلاص من النهاردة مفيش قهوة تاني مدام بتزعلك.. 


نظرت له سلمى ساخرة بعدم تصديق بأنه قد يتخلى عن الجلوس في المقهى لأجلها، مما جعله يحاول تخفيف كلماته: 


-لمدة ثلاث أيام مفيش قهوة، هخلص شغل واجي علطول وبعدين نمشيها يوم ليكي ويومين للقهوة، دي قسمة العدل.. 


-ده في أنهي عدل ده؟ 


ضحك وهو يقول بطريقة أغاظتها: 


-خلاص يوم ليكي وخمسة للقهوة. 


ضحكت سلمى رغمًا عنها..

لم تستطع أن تطيل الخصام على ما يبدو... 


-لا هو أخرك يومين بس تسهر على القهوة وباقي الأيام ممكن تقعد وتخصمهم من يومك أنتَ مش من وقتي أنا. 


ثم أسترسلت حديثها ساخرة: 


-عارف اللي يضايق، أنك أغلب الوقت قاعد على القهوة مع دياب اللي أصلا بتكون معاه في الشغل طول اليوم وفي وشه نادرًا ما بتكونوا قاعدين جروبات مع بعض إلا يوم الخميس والجمعة.. 


ابتسم نضال بخفة دم معتادة: 


-أنا لو متجوز عليكي مش هتقعدي حاطة نقرك من نقرها زي ما أنتِ حطاه من دياب، وبعدين خليه في اللي هو فيه، وخلينا نتكلم احنا في ورق العنب الجاحد ده، بقيتي تتفوقي عليا يا سلمى خلاص أحنا بدل الجيم نفتحلك مطعم. 


ضحكت وقالت وهي تهز كتفيها: 


-والله مش عارفة احنا ماشيين بنظام إيه؟ يومين بنعك ويومين بنأكل اكل صحي، جهازي الهضمي مش مستوعب الايرور اللي بيحصل فيه... 


اقترب منها وقال بصوتٍ منخفضٍ فيه حنيةٍ خالصة: 


-سيبك من ده كله وقومي نأكل، على فكرة أنا كنت ناوي اصالحك واخدك نأكل برا لأني قولت مدام مش بتردي عليا فأنتِ كملتي القمصة ومعملتيش أكل، متوقعتش أنك عملتي أكتر حاجة بحبها؛ بس ممكن نأكل وننزل برضو أيه رأيك؟. 


نظرت له نظرةً طويلة، وكأنها تقاوم ابتسامة قادمة رغمًا عنها، ثم عقدت ساعديها ونظرت إلى الجانب الأخر متمتمة: 


-لا، معرفش أنا مش عاجبني إني اتصالحت بسرعة كده، وأنتَ كل يوم تطلع ليا الفجر.. 


حاول نضال أن يدافع عن نفسه: 


-بس كنت بطلع واصحيكي نصلي الفجر سوا، بدل ما يروح عليكي وأنتِ في سابع نومه ودي حاجة تتحسبلي أكيد. 


ثم أسترسل حديثه وهو يجذبها من مكانها حتى تنهض معه: 


-بقولك إيه يلا، ونتصالح بعدين؛ الورق عنب مش عايزة يبرد أكتر من كده، وعلشان نلحق نأكل ونلبس وننزل. 


______________ 


يجلس زهران على الأريكة، وبجواره ابنته وفاء، يراقب المرأة التي تُطعم صغيره “غالي”. 


كانت تلك المرأة تدعى ماجدة، تساعد انتصار منذ ولادتها للطفل، لكنها دائمًا تحت عينه، يراقبها وكأنه ينتظر منها زلة، خطأ صغير يبرر له ضيقه من وجودها.... 


في الجهة الأخرى، جلس ريان منكفئًا على الطاولة، يحاول إنهاء واجباته المدرسية بملامح متجهمة، بينما في الحقيقة لا يريد شيئًا سوى أن يركض مع غالي في أنحاء البيت؛ ولكنه أقترب أن يُنهيها؛ وسامية كانت في صالون التجميل الخاص بها ولم تأتِ بعد.. 


جاءت انتصار بعد أن انتهت من إعداد العشاء، وقالت ماجدة وهي تمسح يديها: 


- أنا همشي بقى يا ست انتصار، ريان خلص واجبه وغالي أكل وكله تمام. 


-طب اقعدي اتعشي معانا يا ماجدة.. 


ابتسمت ماجدة نافية: 


-مرة تانية علشان العيال مستنين في البيت، وبكرا زي ما قولت لحضرتك هتأخر شوية كده. 


-ماشي ربنا معاكي. 


غادرت ماجدة بعد دقائق، كانت أمرأة في أوائل الأربعينات من عمرها، تقطن في الحي ذاته، تعول أسرتها، ليست مطلقة ولا توفى زوجها حتى!!.. 


ولكنه عاطل عن العمل ولا يفكر حتى في البحث منذ أن أغلق ورشته بسبب الديون، فهو لا يحب فكرة العمل كـصبي ويفضل أن تنفق عليه زوجته وأن تشقى في البيوت حتى تصرف عليه وعلى أبنائها.... 


جلست انتصار على المقعد، بينما كان غالي و ريان يركضان حول الطاولة بضحكاتٍ بريئة، فالفارق بينهما بالكاد عام ونصف، واتصلت بسامية من أجل العشاء، فأخبرتها بأنها تنهي شيئًا وتغلق المكان ثم ستأتي وفي النهاية المكان قريب من المنزل.....


سأل زهران بلهجة جافة:


-هي اللي اسمها ماجدة دي مش جاية بكرا ليه؟.


ردت عليه انتصار بنبرة عادية:


-مش عارفة عندها تجديد بطاقة وكذا مشوار هي جاية بس هتيجي متأخر .


تمتم ساخرًا:


-أنا قولت هتريحنا ومش جاية تاني خالص.


نظرت إليه انتصار بعدم فهم:


-معرفش مالك ومال الست دي؟.


-كده بحس أنها مقيداني في بيتي أنا مش متعود يكون في حد غريب قاعد طول اليوم تقريبًا.


في تلك الاثناء كانت وفاء قد نهضت وذهبت إلى حجرتها...


عندما تزوج زهران من انتصار فتح الشقتين المقابلتين حتى يعيش مع انتصار، سامية وطفلها؛ ووفاء في شقة واحدة، وترك شقة ابنائه وشقة أخيه...


ردت عليه انتصار بتفهم:


-أصلا أغلب الوقت أنتَ بتكون تحت يا زهران وبعدين هي بتساعدني علشان العيال ريان مش طول الوقت امه موجودة، وطبعا علشان خاطر غالي، غير أنها بتساعدني في البيت.


هز رأسه غير مقتنع:


-طيب يا ستي، سامية اتأخرت كده ليه عايزين نأكل وبعدين متسبيش الواد كتير مع الولية مهما كانت كويسة وفيها إيه لما تاخديه معاكي السوق..


ضحكت انتصار وهي تقول:


- مبيكنش لوحده وفاء كانت موجودة وسامية الصبح، وبعدين أنا مقدرش امشي بعيل صغير لوحدي والدنيا زحمة واخاف يجري مني، أنا كبرت على كده؛ وبعدين يعني كفايا أنتَ ماشي بيه يا حبيبي والفخر ماليك، ونافش ريشك...


رفع زهران حاجبيه وحاول أن يدافع عن ذاته:


-طبعا افتخر مش ابني؟ ده أنا حتى أبو غالي يا أم غالي..


ليس هناك أمل أن يتعقل هذا الرجل..

تنهّدت، ونظرت إليه للحظة طويلة.

أحيانًا تتساءل: كيف وافقت أصلًا على هذا الزواج بعد رفضها الصريح؟ لا تدري هل أخضعها إلى سحرٍ أسود لا تدري؟ لكن الجميع كان موافقًا على الزيجة حتى سامية وهذا كان شيئًا عجيبًا...


ثم جاءت المفاجأة التي قلبت كل شيء؛ حينما وافقت وبعد أشهر من زواجهما انقطعت دورتها الشهرية وقتها ظنت بأنه بدأ سن اليأس الذي يأتي للسيدات تقريبًا في هذا العمر ولم يكن لديها أي تفسير أخر لما يحدث...


وحينما اشتدت عليها الأعراض عرض عليها زهران وسامية الذهاب إلى طبيبة وهذا من الأفضل لها حتى تتابع كل شيء....


كانت الكارثة وليست الصدمة فقط بأنها وجدت نفسها "حامل" في هذا العمر، لم تتقبل انتصار هذا الأمر وكأنها فضيحة في البداية ألا يكفي زواجها؟ هل ستنجب في هذا العمر أيضًا؟.


أما الجميع منهم من ضحك على الأمر ومنهم من دخل في حالة صدمة لكن من المؤكد أنه لم يكن هناك شخصًا سعيدًا غير زهران سعيدًا بهذا الخبر بل الفخر كان يحتله، لأنه لكنه لم يكن مدرك بأن انتصار تعاني من أكثر من صراع في منتصف عمرها..


هو أنها كانت تشعر بالخجل الطفيف من فكرة الزواج نفسها في هذا العمر وحاولت أن تستمع إلى أحاديث الجميع من أجل الونس وغيره، لكن الحمل قضى على هذا كله، غير أن المرأة تشعر بالقلق من فكرة الإنجاب وأمومه من جديد في هذا العمر ومن الممكن أن يصيب الطفل من تشوهات بسبب عمر والدته.....


هناك خوف أخر بسبب فكرة أن تتحمل الآلام الخاصة بالحمل والولادة في هذا العمر، وتربية طفل أنه شيء لا يفهمه الكثير!!..


حتى أنها ظلت طوال فترة الحمل تدعو الله أن يأتي الطفل بصحة سليمة وأن يمنحها من الوقت والعمر حتى تقوم بتربيته.


كانت الولادة صعبة، لكن الطفل جاء سليمًا والآن، وهي تراه يركض مع حفيدها، هي أم وجدة في الوقت نفسه.


خرجت من دوامة أفكارها التي كانت بها وهي تنظر ناحية صغيرها....


-أنا هقوم اتصل بسامية معرفش اتأخرت ليه كل ده..........


نهضت من مكانها، وفي تلك اللحظة جاءت وفاء وهي تركض خلف الصغيرين، ضاحكة بصوتٍ مليء بالحياة التفت إليها زهران وقال مبتسمًا كعادته:


-تعالى كده يا دكتورة عايزك تعمليلي حاجة في الفيس بوك بتاعي..


____________


في صالون التجميل..


خرجت "سامية" منه بعدما رحلت العاملات وكانت تغلق الباب الخارجي للمكان بالمفاتيح، والهاتف على أذنيها تتحدث بسرعة:


-عشر دقائق وهتلاقيني عندك يا ماما، كان في مشكلة بس في الكهرباء والراجل كان بيصلحها هو ده اللي أخرني..


صمتت لثواني ثم قالت:


-ماشي، يلا باي...


أنهت المكالمة ثم أستدارت وخرجت منها شهقة مرة واحدة حينما وجدته أمامها........


حــمـزة....

زوجها السابق الذي ألقته بالسجن...


فبعد سنوات لم ترى فيها وجهه هو الآن يقف أمامها..... 


__________يتبع__________


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

  

تعليقات

التنقل السريع