سكريبت أنت بتعمل ايه يا متخلف أنت ؟ كامل روووعه
سكريبت أنت بتعمل ايه يا متخلف أنت ؟ كامل روووعه
= أنت بتعمل ايه يا متخلف أنت ؟!
قولتها بفزع وعيوني هتخرج من مكانها ، وأنا شايفة شاب واقف على سطح الكلية وهينط .
شاورلي أبعد وهو بيقول بصوت مخنوق ، وواضح على وشه أثر البكا :
— أبعدي عني وملكيش دعوة بيا ..
مسحت وشي بعصبية :
= مليش دعوة بيك يا بني آدم أنت ، أنزل من عندك هتموت يخربيتك ..
رد بعصبية مماثلة :
— متقوليش يخربيتك ..
اتحركت في مكاني بعشوائية ، وأنا على أخري وجسمي بدأ يرتعش :
= أنت ياض عبيط ما أنت هتموت نفسك ومش هيبقى فيه بيت خلاص..
بصلي وهو بيتنفس بعنف ، وصدره عمال يطلع وينزل بسرعة كبيرة ، دموعه المحبوسة نزلت وصوت عياطه علي ، بصيت له بشفقة على حالته ، ايه اللي يوصل شاب زيه أنه ينتحر ...ايه اللي يخليه مجروح للدرجة دي .
نبرة صوتي لانت وأنا بترجاه ينزل :
= طب بص أنزل بس من عندك وقولي حصل ايه ، هنلاقي حل والله .
رد عليا بصوت مبحوح ، كنت حاسة أن وجعه كله اتحط في نبرته المكسورة :
— مفيش حاجة هتتحل ، مفيش حاجة هتغير اللي بيحصلي ، الناس مش بيتغيروا واللي ضاع مش بيرجع .
هزيت رأسي بنفي وعيوني دمعت وأنا بقول بابتسامة أمل :
= الناس لو متغيرتش نتغير إحنا ، واللي ضاع ربنا يعوضنا غيره ، والله ليها حل صدقني .
ملامحه كشرت من تاني بعصبية وهو بيحرك ايديه بعنف ، وأنا أنفاسي اتحبست من أنه يقع في الحركة دي .
صوته علي وهو بيقول :
— اتغير اعملهم ايه يعني ؟! أنت عارفة أنا اتنمروا عليا اد ايه ؟ عارفة كم مرة كنت مضحكة ما بينهم سواء في وجودي أو عدمه ؟! كم مرة عايروني إني موصلتش لحلمي مع إني سعيت ليه بكل طاقتي ؟! ..
سكت لثواني وهو بيبصلي بتعب قبل ما يكمل بصوت هادي بس مشروخ من الوجع :
— عمرك ما هتعرفي..
رجليا ثبتت في مكانها ، وعيوني متعلقة بعيونه الموجوعة وغصب عني دموعي نزلت من كمية الآلم اللي جوا عينيه .
حاولت استدرك نفسي ، فخدت نفس عميق ومسحت دموعي ، وأنا محافظة على التواصل البصري بينا ، سألته بهدوء :
= طيب وربنا فين من حساباتك ، مش هقولك صلي وقرب من ربنا لأن باين من هيئتك إنك كويس وبتصلي ، بس هسألك فين الدين من حياتك ؟!
بصلي بتشوش ونظراته زاغت لثواني :
— يعني ايه ؟!
بصيت في عيونه بعمق :
= يعني شرعا اللي يضايقك فمن حقك إنك تردهاله وتبرد نارك ، ليه مبتعملش كدا .
رفع حاجبه باستنكار :
— وأبقى زيهم ؟!
رفعت جانب شفتي بسخرية :
= لا يا غالي متبقاش زيهم ، بس روح ارمي نفسك وانتحر علشان ناس ميستهلوش ، ويا عالم ربنا هيرحمك ولا لأ العلم عند الله ..
ملامحي اتحولت للجدية وأنا بسأل باهتمام :
= بس ممكن تقولي عملت ايه في حياتك مطمنك من اللي بعد الموت ؟!
ملامحه بهتت بخضة ، فكملت بنبرة أقسى :
= والله على معرفتي أن بعد الموت حاجة ترعب عن الناس دي ، دا غير أنه مفيهاش رجعة ، فقولي بقى أنت مظبط دنيتك وماشي على الصراط طول حياتك ومش محتاج تتوب من حاجة ..
ضحكت بسخرية مريرة وهو بيبصلي باستغراب :
= دا أنت أول حاجة محتاج تتوب منها ، هي يأسك وسوء ظنك بالله ..
رد بنبرة متوترة :
— أنا مأساءتش الظن بالله ..
قاطعته بحدة :
= وانتحارك دا حسن ظن يعني..
عيونه دمعت بتوهان ، فاتنهدت بيأس وشاورت بايدي وأنا برجع نبرتي للين من تاني :
= أنزل بس الله لا يسيئك وهنتكلم ... أنزل وربنا قلبي وقع في رجليا .
فضل معلق عيونه بيا وأنا بشجعه أنه ينزل ، وقلبي بينتفض من كل حركة ، لحد ما حرك رأسه بموافقة وبدأ يسند بايده وينزل بالراحة ، وأنا متابعاه بعيوني بقلق ، نزل وقف قدامي فبكيت بانهيار وأنا بضربه بالشنطة بتاعتي بغل :
= حرام عليك يا شيخ ...حسبي الله.
الشنطة وقعت من ايدي ، وأنا قعدت على الأرض ورجلي بتترعش .
فضلت دقايق أحاول أخد نفسي ،
وأجمع هدوئي ،
رفعت رأسي ناحيته ، فلقيته لسه واقف على حالته ، بيبصلي بخذلان وعيون موجوعة ، شاورتله يقعد قدامي وأنا عارفة أن اللي بعمله دا غلط .
بللت شفايفي وأنا مش عارفة ابدأ منين :
= بص أنا معاك أن الدنيا دي وحشة أوي ، والناس فيها أغلبيتهم وحشين إلا من رحم ربي ، بس فكر معايا كدا يعني تتوجع الوجع دا كله في الدنيا وكمان تخسر الآخرة علشان الناس اللي وجعوك .
بصلي بتفكير وهو شبه متفاجئ ، فكملت وأنا حاسة أن كلامي بيأثر :
= ربنا سبحانه وتعالى اسمه العدل ، فكن واثق أن حقك هيرجعلك ، كمن من حكمة ربنا سبحانه وتعالى أنه جعل لينا حق القصاص ، يعني اللي يأذيك فليك الحق إنك تأذيه زي ما عملك ، ودا لأن نفوسنا مختلفة فيه اللي يقدر يصبر ويعفو ، وفيه اللي ميقدرش وقلبه يوجعه ، فربنا شرع لنا القصاص علشان نشفي غيظ قلوبنا بالحق.
نظراته زاغت بعيد عني وهو بيمسح على شعره بايدين مرتعشة ، فسألته :
= عايز تقول ايه ؟
رد بنبرة مهتزة :
— أنا عمري ما عملت كدا ، كنت دايما بكتم جوايا ، لحد ما حسيته انطبع فيا .
بصيت على حالة توهانه بشفقة ، وكملت بإصرار :
= بس تقدر تغير الطبع ده ، واللي قال الطباع مبتتغيرش غلطان ، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، حط قدام عينك دايما أن الناس دول مجرد عبيد زيهم زيك ، يتنمروا عليك بأمارة ايه ، هما اللي خالقين نفسهم ولا وصلوا للقمر وأنا معرفش ، أصلا كل اللي بيتنمروا على حد نقصهم بيبقى واضح للكل ومش محتاج دليل عليه .
حرك ايده بعشوائية :
— يعني اعمل ايه ؟!
= اتعلم ...اتعلم دينك صح وأعرف مقامك ومقام الناس ، أعرف أن كلنا عبيد لله ومفيش حد فينا أحسن من حد إلا بالتقوى فحتى دي مش معروفة غير لربنا ، أعرف أن نفسك ليها عليك حق ولازم متظلمهاش ، العلم بالشرع بيقوي ، ومعرفة ربنا بتعز الإنسان ، فكون عبد ذليل بين يدي الله ، عزيز بين خلقه ومتخافش من حد فيهم ..
بصيت في عيونه بعمق :
= واللي تلاقيه عايز يكسرك ، أحرق دمه ومتتكسرش ..
صمت دام بينا ، وأنا بتنفس بسرعة وكأني كنت كاتمة أنفاسي طول كلامي ، في اللحظة دي كنت حاسة إني بكلم ابني ، ابني اللي خايفة عليه من الدنيا لتأذيه ..
فضلنا باصين لبعض فترة بصمت ، قبل ما يبتسم في وشي لأول مرة ، ابتسامة ممزوجة بدموع وامتنان ، في اللحظة دي عيوني وسعت بصدمة وأنا بستوعب اللي عملته ، قومت من مكاني بسرعة وأنا بشيل شنطتي بعنف ، وهو ورايا بيحاول يوقفني .
—————————
— زينب أنت واقفة كدا ليه ؟!
فتحت عيني وأنا ببص لأنس أخويا ، طبيعي يتفاجئ من وقفتي ، كنت واقفة قدام باب الشقة ومغمضة عيوني ، قربت منه وحضنته بتعب :
= نسيت المفتاح وكنت مستنياك تيجي ..
حاوطني بايده بقلق ، وهو بيطلع المفتاح يفتح الباب :
— مالك يا زينب ؟ حصل معاك حاجة ؟
دخلنا سوا وأنا لسه ساندة عليه بتعب ، اليوم كان تقيل على أعصابي بشكل مش طبيعي ، فكلي الحجاب وبدأ يمسح على شعري بلطف :
— مش هتقوليلي مالك بقى ؟!
فردت نفسي على الكنبة ورأسي على رجله بيطبطب عليها ، غمضت عيوني بارهاق :
= أما أصحى يا غالي هحكيلك ، لأني قتيلة نوم النهاردة..
طبع بوسة رقيقة على شعري ، وسند رأسه على مسند الكنبة ونام زيي .
مش عارفة نمت اد ايه ، بس واثقة أنهم مش صغيرين ، قومت من مكاني بزهق والادناء مزهقني في الحركة ، رجلي شابكة فيه من جوا ، وبحاول أقوم على رجل واحدة ، وفجأة رجلي اتشنكلت ووقعت على الأرض ..
جه أنس جري على صوت الواقعة ، وأنا على وضعي في الأرض ، واقعة على بطني ورجلي واحدة في الإدناء والتانية برا ، في منظر لا يسر عدو ولا حبيب .
— ايه اللي حصل يا زينب ؟
قومني بالراحة وهو بيشوف لأكون اتعورت :
— مش قولتلك كام مرة متناميش بالخيمة دي ، دي سابع مرة تقعي كدا .
بصيت له بقرف لأنه بيتريق على ادناءاتي ، حتى لو بقع كل ٣ ثواني دا ميديلوش الحق أنه يتريق .
قومت وسيبته بقمص ، وهو بيضحك عليا ، غيرت واتوضيت وصليت ، طلعتله كان بيخرج أطباق الأكل فقعدت على السفرة قدامه ، وأنا واقعة من الجوع :
= الله يراضيك والله يا أنوس ، أنا جعانة خالص ..
طبطب عليا بالراحة :
— كلي بس بالراحة علشان متزوريش ، و ولا يهمك يا حبيبي أنا عندي كام زينب يعني.
بدأت أكل كأني بقالي قرن مكلتش ، وأنس كل شوية يبص عليا لأحسن أفطس ، خلصنا أكل وقومنا شيلنا الأطباق ، وأنا عملتلنا كوبايتين شاي بالنعناع ، وشديت الاسدال وطلعت بيهم البلكونة لأنس.
قعدت جنبه وأنا بناوله الكوباية :
= شاي بالنعناع لأحلى أنوس.
— تسلم ايدك يا لوز ..مش هتقوليلي كان مالك بقى ؟!
قالها وبعدين شرب من الشاي وهو مستنيني أرد ، فخدت نفس عميق وبدأت أحكي كل اللي حصل معايا .
خلصت كلامي وسكت وأنا ببصله بتوتر ، مسح على شعري بحنية :
— اللي عملتيه صح يا زينب ، أنت هنا كنت مضطرة علشان ميرميش نفسه ، بس خدي بالك ليحاول يكلمك طالما في نفس الكلية .
سندت برأسي على كتفه:
= متقلقش يا غالي ، أنا كدا كدا بروح أحضر المهم وأرجع ، ولو حصل أي حاجة هقولك علطول .
حاوطني بايده ، وكملنا سهرتنا بيحكيلي عمل ايه في يومه كالعادة وأنا بحكيله .
—————————
= اخلصي يا مريم عايزة أكل ..
قولتها بصوت عالي ، فجريت مريم تكمم بوقي علشان محدش يسمع ، بصيتلها بغيظ علشان تشيل أيدها قبل ما أعضها ، فشدتها وهي بتبصلي بجنب عينها :
_ ايه يا مفجوعة أنت هتفضحينا ، هجيب الطلب بتاعي وجاية .
= طب أخلصي الله يسترك لأحسن هموت وأكل.
رفعت حواجبها بذهول :
_ فيه ايه يا زينب دا أنت فطرت في بيتكم كمان ..
رفعت جانب شفتي بتشنج :
= الله أكبر عليا ...قل أعوذ برب الفلق ، ما تسمي يا بنت قبل ما تتكلمي ، ولا هتبقي مبسوطة لما أكتئب وماكولش .
_ يا ستي اللهم بارك مقصدش حاجة يعني..
شاورتلي بايدها وهي بتروح ناحية العامل :
_ استني دا الطلب أهو ..
قعدت استنيتها لحد ما جابته وجات ، قعدنا كلنا وبعدين قامت استأذنت تدخل الحمام ، ففتحت التليفون ألعب عليه ، بس لاحظت أن فيه رسالة من أنس ، ضيقت عيني وأنا بفتحها ، قبل ما توسع بصدمة :
— هعدي عليكي أخدك ، فيه واحد طالب ايدك وقولتله هنقابله برا ، مش هدخل بيتنا حد واعملي حسابك هيترفض ، بلا جواز بلا بطيخ .
بصيت على الحالة لقيته متصل ، فعملت ريكورد وأنا بقول بسخرية :
= وعلى ايه يا غالي ما كنت ترفضه من قبل ما أقعد معاه ، ليه لازمتها الشحططة يعني..
فضلت ثوان بعد ما بعت الريكورد ، فظهرلي يكتب :
— ومبقاش أخ ديموقراطي يا زوز ولا ايه... لأ كله إلا العدل والرأي الأخر.
ضحكت بخفة وأنا بكتبله :
= طب اديني لامحة كدا عن البني آدم اللي جاي ، أو ابعت صفحته على الفيس كدا .
ظهرلي يكتب وبعدين اختفى ولقيته بيرن فون ، فتحت وأنا ببتسم بتسلية وصوته المتغاظ جايلي من التليفون :
— معلومات ايه اللي عايزاها عن العريس يا زينب ، أنت بتفكري توافقي بجد ، مش اتفقنا هنفضل سوا .
رديت بنبرة هادية في محاولة إني أقنعه :
= يعني أنت مش هتتجوز يعني ، طب والبت صفية اللي عمال تحوش عشانها دي ..
صوته اختفى فعرفت أنه أكيد هيمان على نفسه دلوقتي ، فعليت صوتي فجأة :
= أبو الأنانيس ركز معايا الله يرضى عنك ، دلوقتي قلبت مجنون ليلي ..
رد بسرعة :
— خلاص خلاص اتجوزي ، اهو تسيبيلي الشقة ..
عضيت شفايفي بغيظ وأنا بهمس :
= يا كائن يا استغلالي..
— بتبرطمي تقولي ايه يا بت ..
= مبقولش مبقولش ، يلا سلام ولما تقرب اديني رنة .
— ماشي خلي بالك من نفسك.
قفلت معاه ، ودماغي سافرت في موضوع العريس دا ، غريب يعني جه فجأة.
مريم جات بعد شوية وحكيتلها اللي حصل ، وطبعاً ما سلمتش من رخامتها ، قومنا حضرنا المحاضرات اللي علينا ، وبعدين وقفت استنى أنس قدام الكلية .
= أخلص يا أنس دماغي ساحت من الشمس ..
وقفت أحرك رجلي بعصبية ، وأنا بسمع رده عليا :
= طب معلش يا حبيب أختك دوس على رجلك شوية ، وإلا هقابل العريس وأنا متحمصة .
بعد دقايق كان وصل بالريس بتاعته ، فاديته الشنطة يحطها قدامه ، وخدت الخوذة منه ألبسها ، قعدت وراه وكلبشت فيه ولا اللي ماسك حرامي غسيل ..
اتكلم وهو باصص للطريق :
— هتقابلي العريس وتتناقشي معاه بالراحة ، مش عايز شد في الكلام ، استريحتي تمام ، ما استريحتيش ما عنك ما استريحتي ..
ابتسمت بسخرية :
= ما عني ما استريحت ، أنت بترمي دبش يلا .
— اللي عندي قولته ، هبقى قاعد على الطرابيزة قصادكم ، لو قال حاجة ضايقتك شاورلي أعمل معاه الصح .
هزيت رأسي بموافقة ، وكلبشت فيه أكتر :
= بقولك يا أنس أنت كلمته قبل كدا ؟
— اه قابلني من كام يوم ، وقولتله هسأل عليك واديك رد ، وعلى فكرة هو معاكي في الكلية أكبر منك بسنة تقريباً .
= اممم ...أكبر مني بسنة ، طيب واسمه ايه يا أنس ؟!
حط ايده على كفي يعدله على كتفه وهو بيقول :
— اسمه مالك عبدالرحمن ... تعرفي حد بالاسم ده ؟!
ملامحي كشرت بتركيز :
= مالك عبدالرحمن...مالك عبدالرحمن... لأ معرفش حد بالاسم ده .
— يا خبر بفلوس بعد تلت ساعة هيكون ببلاش .
ضحكت بخفة وأنا بهز رأسي تأكيد على كلامه ، والهوا بيحضن وشي بحنية وخماري بيطير ورايا .
وصلنا ودخلنا المطعم اللي هنتقابل فيه ، دور أنس بعيونه لثواني قبل ما يشاور لواحد واقف عند طرابيزة في الجانب ، ضيقت عيني في محاولة إني أشوف مين ، بس مشوفتش ...يا مصيبتي حتى وأنا لابسة النضارة مش شايفة .
قربنا ناحية الطرابيزة ، وأنا طبعاً عاملة فيها مكسوفة ، وحاجة ضايعة مني في الأرض ، سلم على أنس فلقطت الصوت اللي اتكلم ، ضيقت عيني بشك وأنا بقعد معاهم ، وبحاول افتكر الصوت دا سمعته فين ..
فضلنا قاعدين شوية هما بيتكلموا ، وأنا في محاولة مستميتة مع دماغي افتكر صاحب الصوت ، بس نو إشارة..
— عاملة ايه يا زينب ؟
رفعت رأسي لما سمعت جملته ، فاكتشفت أن أنس سابنا وقعد بعيد شوية ، رجعت بنظري ناحيته ، وبمجرد ما شوفته حسيت نفسي اتكتم ، والهوا انسحب من حواليا ، وهو بيبتسم بود .
عاد سؤاله مرة تانية ، فاستدركت نفسي ، وأنا برد بصوت هادي :
= أنا الحمد لله تمام ، أنت أخبارك ايه ؟!
قولت سؤالي بمخزى ، فابتسم بتفهم ، فات عشر شهور على حادثة الانتحار ، شكله مختلف عن أخر مرة شوفته فيها ، باين أكتر راحة وهدوء ، كمان هيئته اختلفت كتير .
ابتسامته وسعت :
— الحمد لله أحسن بكتير من أخر مرة ، وبصراحة مدين ليكي بعد ربنا سبحانه وتعالى إنك خلتيني أفكر في نفسي وأخاف عليها من الآخرة قبل الدنيا..
بادلته الابتسامة بود :
= الشكر لله أنا معملتش حاجة ، أي حد في مكاني كان هيعمل كدا .
حرك رأسه بتفهم وبدأنا نسأل بعض الأسئلة المعروفة ، قبل ما أسأله بفضول :
= هو اشمعنى أنا ؟!
رد بنبرة مرحة :
— أصلي حالف محدش يشوفني منهار غير مراتي ، دا غير إنك خربتيلي بيتي فواجب عليكي تعمريه .
ضحكت لما افتكرت اني قولتله يخربيتك ، اتكلمت بنبرة جادة وسط ضحكي :
= والله ما كنت اقصدها بس من الفزعة ، مع ذلك عايز أعرف السبب الأساسي معتقدش أن دا سبب يخليك تلبس في واحدة طول حياتك ، ودي هتكون زوجتك وأم أولادك.
— ودا السبب اللي علشانه اختارتك ، إني شوفتك مناسبة تكوني زوجتي وأم أولادي ، محتاج أن زوجتي تكون واعية وناضجة ، وتكون فاهمة دورها كويس واثق إنك هتكوني سكن دافي وأم رائعة وأن أولادي هيطلعوا رجال بجد ، وأن شخصية زيك هتطلع شخصيات قوية و سوية نفسياً .
ملامحي بهتت ، والحمار غزاها ، ابتسمت بخجل وأنا بشكره على إطرائه ، قبل ما أسأل بخفوت وبنبرة حاولت أخليها ثابتة :
= طيب وأنا ايه يخليني أوافق عليك ؟! ايه يضمنلي إنك بجد اتغيرت وأنك هتكون أب كويس لأولادي في المستقبل ؟ زي ما أنت عارف فالأب ليه دور كبير في تربية الأولاد وتأهيلهم أنهم يكونوا أسوياء وشبعانين حب وحنية واحتواء ، وأول بطل بيشفوه قدامهم ، فهل هتكون قادر على كدا ولا لأ ؟!
بصلي لثواني بدون كلام ، خد نفس عميق وبعدين اتكلم بنبرة هادية واثقة :
— مقدرش حالياً اديكي دليل ملموس ، يعلم ربنا إني مبقتش الشخص المنهزم اللي شوفتيه أول مرة ، ايوا مصلحتش دا من أول مرة بس بعد محاولات طويلة ، قدرت بفضل الله إني أكسر حاجز الخوف حواليا ، الأيام كفيلة تثبتلك إني تغيرت وأظن فترة الخطوبة معمولة لكدا ، بس كل اللي أقدر أوعدك بيه إني مش هسمح أن حد منكم ينأذي ولو بنظرة .
حركت رأسي بهدوء وأنا ببتسم بتفهم :
= تمام يا مالك ، هستخير وأفكر وردي هيوصلك مع أنس إن شاء الله .
— إن شاء الله ...فرصة سعيدة .
قالها وقام من مكانه ، وأنا بتابعه بعيوني ، وعقلي بدأ مهمته في التفكير من دلوقتي.
سلم على أنس ، وبعدين روحنا وأنا دخلت أنام من غير كلام ، خدت حوالي عشر أيام بفكر وأصلي ، ورسيت في الأخر واتخطبنا .
———————
= ايوا يا أنس ... أنت فين ؟ أنا واقفة قدام الكلية مستنياك .
مسحت وشي بالمنديل وأنا ببص لنقطة معينة :
= ايوا مالك خلص هو كمان ، و واقف بعيد شوية اهو ، أخلص بقى وإلا والله أروح وبلا سجاد بلا بطيخ .
سمعت صوته المتعصب من على التليفون ، فبدأت أجر ناعم :
= خلاص يا أنوس براحتك ، أنا كدا كدا مش مستعجلة يا غالي .
قفلت معاه ، وبصيت مرة تانية ناحية مالك ، فقفشته باصص ناحيتي ، وأول ما شافني بص لبعيد ...ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا.
فضلت واقفة أقلب في التليفون ، وكل شوية أسرق نظرات ناحية مالك ، كنا قريب من الشارع الرئيسي جنب الكلية ، ضيقت عيوني وأنا شايفة ناس غريبة بالنسبة ليا بتقرب من مالك ، كان شاب وبنتين ومعاهم ست كبيرة ، وباين من حركة مالك أنه متضايق .
قربت منهم بخطوات ثابتة ، فودني لقطت جملة علقت فيها :
ـ مش بعادة يعني إنك بتضحك ، شايفك من بعيد مبسوط أوي..
قالها الشاب اللي واقف بنبرة مريحتنيش ، والباقي بيضحكوا ضحكة سمجة بالنسبالي ، ملامحي كشرت بانزعاج ولساني لا إراديا استعد أنه يرد قبل ما أسمع رد مالك :
— وأكيد مش أنت سبب ضحكي يعني ..
ابتسمت بإعجاب ، وأنا شايفة ملامحهم بهتت بصدمة ، ومالك لازال محافظ على ابتسامته :
— ربنا يديم عليا نعمه وأفضل فرحان علطول ، وأكيد دي حاجة متزعلكوش ..ولا ايه ؟!
قال أخر جملة ببرائة وهو بيوجه نظراته للست الكبيرة ، اللي قالت بتوتر :
_ اه أكيد ربنا يفرحك علطول ..
آمن على دعائها وأنا قربت منهم ، وناديت على مالك ، شعوري جوايا إني مسيبهوش لوحده معاهم ، عاملة زي الأم اللي عايزة تحاوط ولادها .
لف ناحية بسرعة لما سمع صوتي ، وابتسامته وسعت ، بادلته الابتسامة بواحدة زيها ، ووقفت على مسافة منه ، وهو بيعرفني عليهم :
— زينب ...خطيبتي .
شاور على الست الكبيرة وهو بيوجهلي الكلام :
— عمتو يا زينب ..
هزيت رأسي بترحيب وأنا ببتسم ابتسامة هادية ، فاتكلمت هي :
_ أهلا يا حبيبتي ، ألف مبروك الخطوبة بس حصل ظرف ومقدرناش نحضر ..
= ولا يهمك ..الله يبارك فيكي.
اكتفت بابتسامة ، وبعدين استأذنت هي واللي معاها ومشيوا ، كان واضح أنهم متفاجئين من رد مالك وطريقته والحاجة الغريبة ابتسامته ..
بعدت عيوني عنهم وأنا بوجهها لمالك ، وابتسامتي بتوسع بفخر وفرحة ، فخر بأنه بالفعل بقى يقدر نفسه ويرضى عنها ، ويحط كل إنسان في حجمه الطبيعي ، وفرحة أن ربنا جعل كلامي سبب من أسباب تحسن حالته .
قطع نظراتي صوت أنس وهو بينادي علينا ، فمشيت ناحيته بخطوات سريعة خفيفة ، وفرحتي باينة عليا ، سألني بعيونه فغمزتله بمرح وأنا بزقه نمشي وهو مش فاهم حاجة ومالك ورانا .
وبكدا أكون شبه اتأكدت أن مالك كان اد كلامه بجد ، ايوا فترة الخطوبة لسه هنقابل فيها بس لحد دلوقتي فل الفل.
——————————
= مااالك ..
قولتها بزعيق فاتنفض من مكانه ، وهو شايفني شايلة يونس ابننا من قفاه ، رميته ناحيته بغيظ فمسكه بسرعة ولهفة ، وأنا لما اطمنت أنه مسكه كملت بعصبية :
= ابنك عندك اهو لو لقيته دخل المطبخ تاني ...هطردكم برا أنتم الاتنين .
حط على الكنبة جنبه :
— طب وليه إحنا الاتنين ، هو اللي غلط يبقى هو اللي يتعاقب ..
ـ بابا !!
— بلا بابا بلا خالي .
سقفت بايدي وأنا بقول بتحذير :
= دا أخر إنذار أنا بقولكم أهو.
خلصت جملتي ودخلت المطبخ تاني .
ـ بابا ..
رديت عليه وأنا معلق عيوني بيها بعد ما دخلت المطبخ :
— نعم يا حبيبي..
مسك وشي يلفني ليه ، فرفعته لحضني وأنا بضمه وبطبع بوسة صغيرة على شعره :
ـ هي ماما بتزعق ليه ؟! ما إحنا علطول بندخل معاها وبنبوظ ومش بتزعق ..
قالها ولوا شفايفه ، فابتسمت بحب وأنا ببسط كلامي علشان يفهم :
— بص يا حبيبي هي ماما دلوقتي تعبانة شوية علشان أختك النونو ، فلما بنبوظ حاجة دا بيزود التعب عليها ..
هز رأسه بفهم ، وبعدين قال ببرائة :
ـ طيب ما تقوم أنت تعمل الأكل وهي ترتاح ..
حاولت اداري إحراجي :
— ما أنا حرقت الصلصة فزهقت مني أنا كمان وطلعتني برا .
فجأة جاتلي فكرة ، فنبهته يونس بحماس:
— بقولك ايه رأيك ننزل نجيب شوية حلويات من اللي ماما بتحبهم ونجيب ليونس الدوناتس اللي بيحبه..
سقف بحماس :
ـ ولبابا الجلاش ..
لعبتله في شعره :
— ولبابا الجلاش يا حبيبي...يلا ننزل بسرعة .
لبسته الكوتش بتاعه ، والجاكيت وشديت بتاعي وقررت أنزل بالشبشب عادي ، عليت صوتي وأنا واقف عند الباب :
— زينب حبيبي إحنا نازلين نجيب حاجة من تحت وجايين ..
جاني صوتها من المطبخ :
= ماشي متتأخروش ...وخلي بالك من نفسك ومن يونس .
— حاضر ..
شيلته على ما ننزل السلم ، وبعدين اتوجهنا لأقرب محل حلويات ، اشترينا كل اللي عايزينه ، وطبعاً يونس غربل الميزانية حبيب أبوه .
روحنا وبمجرد دخولنا جري يونس على زينب اللي كانت قاعدة في الصالة ، ساعدته يطلع الحاجات وهي بتضحك على حماسه ، وأنا واقف براقبهم بحب ، قبل ما أمشي ناحيتهم وأقعد جنبهم ، خدتها في حضني وأنا براضيها علشان تفك ، فضحكت وهي بتهز رأسها بيأس مننا ، شيلت يونس على كتفي ، وقومنا كلنا سوا نطلع الأكل علشان نتعشى .
تمــت .
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا