رواية لأنه موسى الفصل الخامس عشر 15بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية لأنه موسى الفصل الخامس عشر 15بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
البَاب الخَامس عَشر chapter fifteen l
أغرِقوا ال مُوسى بِنجومكم
دَعمكم هَو وَقودي لِلأستِمرار
ولأَنهُ موسَى
𝒜𝓃𝒹 𝒷𝑒𝒸𝒶𝓊𝓈𝑒 𝒽𝑒 𝒾𝓈 𝑀𝑜𝓊𝓈𝒶
-----------------------------
-----------------------
مَساء الخِير قَبل بَس مَا نبدأ كنت حَابه اقُول انَا اسمي " ماهي احمد " ماسميش الكَاتبه او اللي كَتبت رِواية الهَجينه ، انا ليِا اسم يَاحبايبي
" مـــاهــي احــمــد "
.. .. .. .. .. ..
تَاني شِىء حَابه اعتِذر عَن التَأخير بَس وَحياة رَبي اللِي أغَلى مِن كُل شِيء غَصب عَني مِش بِمزاجي
اللي يعرفني يعرف ان عندي ابن من ذوي الاحتياجات الخاصه وحصله مضاعفات الفتره اللي فاتت ولله الحمد .. رب العالمين ستر بس لسه
قُدامي مِش أقل مِن عَشر أيَام كَمان انَا حسبَاهم بِاليوم واللّه وابني يَطلع مِن المُستشفى وَنروح البِيت عَلشان ارجَع أنزِل بِانتظَام ، انَا بَحاول أعمِل كُل اللِي اقدَر عَليه رَبي العَالم عَشان مَاتزهَقوش وتملوا مِن الأنتِظار وانا حِلم حيَاتي ان الروايه دِي تَنجح بَس للأسف تَأخيري هَيتسبب فِي فَشلها ، بَس واللّه مَافيش حَاجه فِي أيدي عَشر ايَام كَمان اتحَملوني وَحقكم عَليا مَحتاجه بس انكُم تِقفوا جَنبي عَشان الأيَام التِقيله دي تِعدي بِالصَبر كَمان عَشر أيَام وَماتكرهوش حَد فِي الروايه بِأني بَاتأخر او بَدلع
او مِش كَامله لأني مَحدش عَارف ظِروف غِيرُه
وبِالنسبه لِلي زِهقوا مِن الأعتِذارات بَدعي مِن قَلبي ان رَبنا يُرزقكم بِذريه مُعافيه بِصحه كُويسه ومَاتشفُوش الليِ أنَا فِيه
✨أنَا رَغيت كتيِر مَعلش حَقكم عَليا تَاني .. يَلا نِبدأ .. وَشكراً ليكُم ✨
بَــــانــــدا

في بادئ الأمر، اكتفى ذاك الخفّاش بأن يسلبني سِواري ، أما الآن، فهو يحاول أن يلتهم ما تبقّى من خلايا عقلي.
أين جُملته التي كانت تُزاحم السقف منذ لحظات؟
كيف انمحت آثارها، وأنا لم أبرح مكاني؟
لم تُفتح النافذة، ولم تمسّ الجدران يدٌ غيري...
فأي يدٍ خفيّة امتدّت إلى الحبر وسرقته من عينيّ؟
أيمكن أن أكون قد توهّمت؟ ربما... لم أستيقظ بعد،
وربما العالم كلّه لا يزال حُلمًا يُعيد تشكيل نفسه على مهل .. يتبدّل فيه المعنى كما تتبدّل الظلال على الجدار حين تَنطفىء الشَمعة.
عقدت "آمنة" ما بين حاجبيها، كمن يُحاول أن يُمسك خيط الوعي قبل أن ينزلق من بين أصابعها.
"مَهلاً... لحظة..."
"لقد دوّنت كلماته داخل صفحاتي، قبل أن تُمحى
مِن عَلى السَقف هذا الصباح "
اندفعت نحو الدرج، كأن خيوطًا خفيّة تشدّها إلى الداخل ، تُفتّش بين الأوراق بصدرٍ يعلو ويهبط كبحرٍ فقد طريق السكون ، حتى عثرت على دفترها الأصفر القديم.
فتحته بأصابع مرتجفة، تقلّب صفحاته بعجلة،
والورق يتنفّس بين يديها رائحة العُمر القديم.
حتى وقعت عيناها على السطور
قرأتها في صمتٍ يُشبه الغرق أكثر مما يُشبه السكون
"حَبه من رُمّانٍ قديم... تُخفي بين تجاعيدها نَجاةٍ لِقلوبٍ هشّة ما زالت تنبض، وما زالوا يُفتّشون عن يدٍ تُنصت 🍒"
"ها هي كلماته... لو كانت وَهمًا ، أَكان لِيترُك أثَراً عَلى الوَرق .. لكن ما معنى تلك العبارة الغامضة التّي تُغلق باب الفهم وتفتح ألف بابٍ للريبة"
ظَلت " امنه " تَخط كَلماتُه مِراراً وَتكراراً حَتى تَجمد قَلمها أَخيراً عَن النَبض حِين نَزف حِبرُه
مَررت أَناملها بَين خُصلاتها الأَماميه لِتُعيدها لِلخلف وَهي تَخرج تَنهيده مُنهكه بِداخل صَدرها كَادت أن تَلتهمها ثُم سَمعت خَطوات أحدَاً مَا بِالخَارج ، لِيقع بَصرها عَلى جِدها يَصنع القَهوه عَلى الطَاوله بِيدٍ مُرتجفه ، مَشطت خَطواتها نَحوه وأمسَكت بِيد البَراد قَبل أن يَنسَكب
" خللي بالك ياجدو ، القهوه هتقع من ايدك "
أشَارت بِعينيها بِأتجاه الشُرفه نَابسه
"اسبقني انت على البلكونه وانا هجيبلك القهوه لحد عندك "
أَومَأ بِأبتسامه وَاهنه يَتوجه بِخطواتُه نَحو الشُرفه
يَجلس عَلى المَقعد وَهو يَنظُر لِلمباني القَديمه امَامُه المُغطاه بِالأشجار
حَملت " امنه " الصِينيه تَخطو فِي المَمر بِتباطؤ لِتلقط أُذناها صَوت جِدها يَهمس لِنفسه
" فينك ياعفت كنتِ شوفتي جمال السما معايا "
قَضمت شَفتاها تَميل بِجسدها نَاحية الطَاوله لِتضع الصِينيه تُدَحرج مِقلتاها لِلسماء لاَ يُمكنها تَمييز لَون السَماء وَلكن وِفقًا لِمعرفتها فَلا بُد أنَها الأَن تَرتدي الرُمادي
جَلست " امنه " بِجواره تَرتشف مِن فِنجانها ، لِتلمحه مِن زَاويتها يَبتسم فِي شِرودٍ وَهو يَشرب مِن الفِنجان ، نَبست مُتبسمه
" افتكرت ايه ياجدو خلاك تضحك كده "
زَفر وهُو يَخلع نَظارتُه مُدلكَاً صِدغيه فِي استِياء ، يَشير لِلمبني المُقابل
" شايفه العماره اللي قدامنا دي "
أَومَأت لِتبادلهُ النَظرات لِيُعقب
" اهي العماره دي بقى كان بيقف فيها شاب غلس ويقعد يبصبص لعفت وهي لسه بنت ، وانا وقتها كنت اتغاظ واضايق لما اجي البيت هنا عندهم واقفل عليها كل الشبابيك والببان ، وافضل ازعق فيها واقولها الشبابيك دي تتقفل ، مش عايز اشوفك لا بتبصي من الشباك ولا الاقيكي فاتحه باب "
ابتَسمت " امنه " تَسند ذقنها عَلى مَفاصل يَديها
" ياجامد انت ياجدو ، كنت بتغير عليها اوي كده"
" طبعًا عفت قبل ما تكون حبيبتي ومراتي فهي بنت خالتي ومتربين سوا "
استدار يمنحها ظهره، يمدّ يده نحو جهاز التَسجيل ، يُقلب الشريط بين أصابعه ثم يُدخله في مكانه برفق.
ثبّت للحظة، يتأكّد من الاسم المكتوب على الغلاف يِؤكد لِنفسُه
" ايوه هو ده شريط المطربه نجاة "
ثم ضغط الزرّ لتنبعث من السماعة أنفاس الأغنية
" الا انت فيها ايه الدنيا ديا .. الا انت .. كل غالي يهون عليا .. الا انت .. وابتساماتي واهاتي الا انت"
أَردف " الجد " اثنَاء استِماعه لِلأُغنيه يُغمض عَيناه بِاستمتاع .. عِندها ابتَسم لِتظهر الخمسة اسنَان التىّ بَقيت لَديه وَهو يَخبرها بِصوتٍ هَاديء
" اللــــــه ، المطربه نــجاة دي جَميله اوي ، وعفت
جدتك كانت بتحبها اوي اوي ، بتحب صوتها الرايق ، وابتسامتها الهاديه "
استَدارت "امنه" نَحوه لِترى مَلامحهُ المُفعمه بِالحيويه ، وَشىء مِن البَهجه
" تعرف ياجدو اني ناسيه شكل جدتي ، مش فاكره ملامحها خالص "
رَد عَليها مُسرعاً
" شوفتي نجاة اهي كانت كلها نجاة ، شبهها في رقتها وفي جمالها وعنيها السودا الكحيله "
فَرت ضِحكه مِنها تَستميل عَليِه
" طيب ليه ياجدو ما اخدتهاش لما اتجوزتوا وطلعتوا من هنا طالما جاركم الغلس ده كان بيعاكسها "
طَالع الأَرجاء فِي ابتِسامه خَافته يَصنعها عِندما يُقابل أيامٍ مِن الذِكريات الحِلوه
" جدتك عفت كانت وحيدة امها وابوها ولما ابوها مات مابقاش ليها غير امها اللي شرطت عليا اني لو هاخد بنتها اجي واعيش معاهم هنا ، وقتها جاردن سيتي كانت من المناطق القليله الراقيه اوي ، وعمايرها كانت قديمه وواسعه وكبيره بس للأسف كله اتهد وفضل الحي بتاعنا بعاميره اللي من ايام الملك واشجاره اللي على الجانبين "
مضى "الجد" بخطواتٍ وئيدة نحو السور، وتناول مِرَشَّ الماء الصغير، يسكب منه على أوراق الزرع
لتنحدر الخيوط الشفافة على الأوراق اليابسة فتستعيد شيئًا من عافيتها
ابتسم، والتفت نحوها بعينٍ يسكُنها الضَحك ثُم أَردف
" تعرفي يابت يا امنه مين الشاب الغلس اللي كان بيعاكس جدتك عفت وهي صغيره "
وَضعت فِنجان القَهوه عَلى الطَاوله ، تَقترب مِنهُ
بِتساؤل
" مين ياجدو "
رَفعَ إصبَعَه المُمتلئ بخُيوطِ العُمر، يُشيرُ إليها بأصابِعٍ مُرتجِفة
" يبقى جدك سليمان ابو ابوكي ، وامك مَا بين كل شباب حي جاردن سيتي ، قلبها مادقش إلا لأبن سليمان اغلس واحد فيهم "
ضَحكت تِهز رَأسها وَهي تُسايره مَا بَين دَهشه وَفرحه تَنطق مِن بَين ضَحكاتها
" بس بابا مكانش غلس ياجدو "
أَومأ يُؤكد عَلى كَلماتها
" الشهاده لله لاء .. ابوكي مكانش زي جدك الغلس ولا كان زي عمامك حتى بعد ما ابوه عزل وراح سكن في ڤيلل بره جاردن سيتي وبقى عنده ثروه كبيره .. ابوكي مكانش بيرتاح الا هنا عند جده وجدته وطبعاً كان بييجي عشان يشوف امك "
تَلاشت ضَحكات " امنه " بِبطء حِين تَذكرت عَمها ، ارتَجف خَافقها وَهي تُغمض عَيناها تَتنفس بُعمق ، تَدخل كَثيراً مِن الهَواء فِي صَدرها عَل زَفيرها يَخرج كُل ذَرة غُباراً أسوَد تَهمس بِداخلها
"عمي... وعمّاتي...
لا أعلم كيف سأواجههم. مجرّد ذِكرهم يهزُّ ما بين ضلوعي كوترٍ مُرتجف لا يثبت على نغمة
كيف أذهب إليهم أُطالب بحقي، وأنا لا أملك حتى ثبات النظر في أعينهم؟ وكأن وجهي وحده جريمة تنتظر الحُكم
لا أريد أن أخذل أخي، لكنّ الخوف يثقلني.
كل الطرق تؤدّي إلى الألم ، الذهاب إليهم مُرّ، والبقاء كما أنا أمرّ
استَيقظت " امنه " مِن شِرودها عَلى اقتراب جِدها مِنها يِوجه اليِها نَظرات حَانيه لِتبادلهُ النَظرات ، لِتمتد يَدهُ يَمسح دَمعه سَالت عَلى وِجنَتيها دُون أذنٍ مِنها
" انا اسفه .. بس انا مش عارفه اعمل ايه ياجدو "
شَهقه خَرجت مِنها رَغماً عَنها وَقد ازدَاد بُكائها ، عِندما ضَمها بِذراعيه وَرائحتُه المُلتصقه عَلى مَلابسُه مَلأت أنفَها
" بتتأسفي ليه يا آمنة؟
لو في حد لازم يعتذر، فده أنا ومصطفى.
احنا اللي رميناك في الاختبار ده من غير ما نسألك إذا كنتِ جاهزاله ولا لأ.
بس يابنت بنتي انا عارف إنك قوية، بس القوة من غير ثقة بتفضل ناقصة، وده اللي ناقصك دلوقتي.
رجّعي لنفسك الإيمان بيها، لأنك لو صدّقتي إنك قادرة، هتعرفي تواجهِي ظلم عمّك واخواته من غير ما ترتجفي .. ورث أبوكي لازم يرجع، مش بس عشانك...عشان مصطفى كمان "
هُو أبعد خُصلاتها عَن وَجهها وَتجاعيدُه الطَريه رَبتت عَلى مَنكبها وَأردف
" اللي بيحصل قاسي، أيوه... بس أحيانًا القسوة بتبقى الطريق الوحيد اللي يفتح جواكي باب للفهم
بصي لنص الكوباية المليان يا آمنة، للفُرصة اللي ربنا بعتهالك جوّا الوجع ده ، فرصه انك تفهمي اللي بيحصل حواليكي وتصححي غلطات داراها عنك الزمن وانتِ فاهمه غلط "
صَنعت " امنه " لهُ مَلامح حَائره مِما قَالُه ، لِيضع يَدهُ خَلف ظَهرها يَقودها نَحو غُرفة شَقيقها يَفتح بَابُه مِوارباً بِبطىء لِتراه " امنه " غَارقًا بِنومه
" شايفه يا امنه .. شايفه اخوكي نايم مرتاح ازاي
هو ما نامش كده ولا ارتاح بالشكل ده الا لما انتِ جيتي .. كان الاول دايمًا يسألني سِؤال هنعمل ايه ياجدي لو فضلنا لوحدنا ، ومحدش سأل فينا ، وانا هعيش ازاي من بعدك "
اغلَق البَاب وتَبعتهُ "امنه " وهُو يتَحرك نَاحية غُرفتُه والابتِسامه لَا تُفارق مَحياه
" كنت وقتها اضحك واقوله لما المرض يشتد عليا ومافتكركش وديني جمعية الأورمان فيها هناك دار للعجزه وبالذات يقعدني في غرفة المطربه نجاة وهو يبقى ياخد الأوضه اللي جنبي "
هَي امسَكت بِيدُه لِيتكأ عَليها يَصعد عَلى فِراشُه نَابسه
" نجاة ايه بس ياجدي اللي يبقى ليها اوضه في دار الأورمان "
نَبس يَلتقط وِساده صَغيرة الحَجم يَضعها خَلف ظَهره يَستند عَليها
" انتِ فكراني بهزر ولا ايه ، نجاة عامله اوضه مخصوص للعواجيز اللي قلوبهم هشه زينا وبيدوروا على ايد تطبطب وحد يسمع لينا ، وعلى الاوضه من بره مكتوب اسم نجاة ووهباها لله ، ويابخته ومن نصيبه بقى اللي ييجي الدور عليه ويقعد فيها "
نَبست أثناء ضَحكاتها عَن طِيب خَاطر تَستمتع بِانبهارُه بِتلك الغُرفه
"يــــاه يــاجدو ، لِلــدرجــه دي مبهور بالأوضه دي"
" طبعًا .. ده كفايه أغصَان الرُمان اللي بتدخل بلكونة اوضتها .. وتلاقيها كل اول شهر تبعت حد من طرفها عشان يسقي اغصانها .. واللي في الأوضه يبعت السلام ليها معاه "
صَمت قَليلاً يَنطق اسمها بِجديه
" امنه .."
تَهدچ صَوته ،لِتقبض هَي عَلى ثَوبها تَصب اهتِمامها نَحوه
" نعم ياجدو "
شَعرت بِيده تَمسك خَاصتها يَدفعها لِلنظر لهُ
" توعديني لما مصطفى يتجوز هو وحبيبه توديني اوضة نجاة .. عايز اموت هناك يا امنه "
تَقدمت نَحوه وَأغصان ذِراعيها التَفتت نَحو جَسدُه
اقتَطفتهُ نَحو حُضنها ، فَقد كَان جَسدُه هَزيلاً وَلكن هَذا لَم يَكُن مُهمًا
" ماتقولش كده ياجدو .. بعد الشر عنك .. انت هتفضل عايش لحد ما تشوف ولاد ولاد مصطفى "
شَد هُو عَلى عِناقها رُبما أراد أن يَهرب داخلها أَو لَعلها هَي مَن رَغبت أَن تَختبىء فِيه ثُم هَمس بِصوتٍ مُتعب
" اسمعي كلامي يا امنه .. دي وصيتي ليكي يابنتي .. عايز اعيش اللي باقي من عمري في اوضة نجاة في دار الاورمان .. حققهالي يا امنه .. حققيلي وصيتي "
هَمس لَها وَهو يَفصل العِناق وَقد رَأت الأصِرار فِي عِينيه أصرَاراً يَشبِه الضَوء الأَخير قَبل الغُروب
لِتومأ لهُ بالأيجاب عَلى طَلبُه وَقد ارتَاح لِابتسامتها الحَانيه نَحوه ، يُغمض عِينيه لِيغوص فِي سَباتٍ عَميق كَمن وَجد أَخيراً سَلامهُ المُؤجل
تَحركت " امنه " بِخطواتٍ تَشبه التَسحب تَغلق البَاب خَلفها بِحذر تَتوجه نَحو غُرفتها وَلكن أوقَفتها ، كَلمات الأُغنيه التّي مَازالت تَتسلل مِن الشُرفه ، وصوت "نجاة" ينساب كنسمةٍ تحمل بين طيّاتها دفء القلوب
مدّت يدها لتُغلق الجهاز، لكنّ الكلمات أوقفتها، شدّتها من أعماقها لتستمع أكثر
" طول ما انت جنبي روحي وقلبي ..في دنيا تانيه
مالهاش وجود .. وان غيبت عني هحس ان ولا ليا دنيا ولا ليا وجود "
تراجعت "آمنة"، وجلست على الكرسي الهزّاز،
تدفع جسدها إلى الأمام ثم تعيده ببطءٍ
وأغمضت عينيها، وتركت للموسيقى أن تُداعب جدار قلبها ، تَهمس بِداخلها
" كيف انزلقت السنوات من بين أصابع الزمن هكذا؟ لم يَعُد جدي كما كان يومًا، ذاك الرجل الذي كان وجهه يفيض بالحياة ..غابت خُصلاته البنيه الداكنة التي كنت أُمشّطها في طفولتي بمشطٍ خشبي صغير، وحلّت محلّها فراغات تلمع تحت الضوء كأثرٍ صامتٍ للعمر.
عيناه الغائرتان الآن تُشبهان بئرين جفّ ماؤهما،
وجلد وجهه صار خريطةً من التجاعيد، كل خطٍّ فيها يروي فصلاً من صمته الطويل.
ذقنه التي كانت تفوح منها رائحة الصابون القديم،
اشتعلت بياضًا حتى بدت كثلجٍ حطّ على أرضٍ متعبة.. يداه اللتان كانتا تُمسكان بالأشياء بثقة ترتجفان اليوم في كل حركة، واستَبدل الزمن قوّتهما برعشة حنين
ما أقسى أن يفعل بنا العمر هذا ، نبدأ بفيضٍ من الحيوية، نركض نحو الحياة كمن يملكها، ثم ذات صباحٍ، نصحو فلا نجد إلا أصداءنا القديمة
مُعلّقة في ملامحنا المنطفئة
أغمَضت عَيناها تتنفس بعمق
" كنتُ أقضي مع جدي معظم وقتي، رغم صِغَر سِنّي ، كان أول من فتح لي باب المعرفة، ودفعني برفقٍ نحو عالم الكتب ، يأتي إلى البيت محمّلًا بحكاياته، يُحدثني عن الأدباء الذين ملأوا الدنيا فكرًا، ويروي لي القصص قبل النوم بصوته الهادئ
وحين كبِرت، بدأ يمنحني أعزّ ما يملك .. كتبه القديمة، تلك التي ما زالت تحتفظ برائحة أصابعه بين صفحاتها.
لم أنسَ يومًا بريق عينيه وهو يقرأ، كان يضيء المكان كشمعةٍ تُحبّ الحياة
وحين رحل والداي، لم يتركني للفراغ،
احتواني انا وأخي، وتحمّل عنّا أثقال العالم دون أن يُظهر وهنه.
لكن يبدو أن الحياة تُعيد ما تأخذه على طريقتها،
تستردّ منّا ما تهبه حين تملّ الانتظار
الآن صار جدي يتحدث عن الرحيل، يبتسم كلما ذكر الموت ، يقول إنه يريد أن يقضي ما تبقّى من عمره في دارٍ هادئة كَـ "دار الأورمان " قرب أغصان الرمّان
لكني لا أستطيع أن أقبله .. كيف أترك يده بعد أن ..
مَ ..مهلاً لحظه ..
صَمتت فِي شِرود وَقد تَغيرت مَلامحها الى التَرح
هل قال " اورمان .. رمان .. نجاة "
.. .. .. ..🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁.. .. .. ..🍁....
إنه الرفض... أن تمتلك الشجاعة لتقول لا، ولو مرة.
ذلك ما يعيشه "موسى" الآن، بِثقلٌ يشبه كتم الأنفاس
كان الطريق طويلًا أمام " موسى " ، والموتور يعلو صوته كلّما زاد من سرعته.
لم يكن يرى شيئًا بوضوح، فقط خط الإسفلت الممتد تحت العجلات، وصوت أنفاسه داخل خَوذتُه
إذ به يشرُد في الطريق ، تتزاحم الكلمات في رأسه
وأصواتٌ تتداخل، ووجوهٌ تتبدّل وصوت "نصار" يسأله بحده وَهو يَجلس عَلى الأريكه اسفل نَافذتُه
" كنت هتعملوا ايه يعني ياموسى انت ولقمان لو كنتوا عرفتوا ان عليا دين ومديون للحج منعم "
تَرك الحاج "نصار" الأريكه ، يَلتفت اليهُما يَتبادل النَظرات مَع كِلاهما
" انت يالقمان ياللي بتشتغل شغلانتين عشان بس تقدر تلم نفسك وتتجوز هتحط ايدك في جيبك وتديني "
التَفت يِوجه حَديثُه لِموسى
" ولا انت ياموسى اللي عشان تفتح مشروع عمرك بيعت جدك غنيم الارض اللي حيلته وتحويشة عمرك يادوب هتوضب بيها المحل عشان تقف على رجليك "
عاد " موسى " إلى واقعه مع أوّل نُقطة مطر لامست زجاج خوذته، لتيقظه من دوّامة الصوت في رأسه ، زَاد مِن سَرعتهُ أكثَر يَميل رأسه قليلًا، يحاول أن يُسقِط عن ذهنه بقايا الكلمات ، لكنها كانت عالقة بِداخلُه وَهو يَرد عَلى حَديث " نصار " والدُه
" كنا احنا هنتصرف ، على الاقل مكنتش هشتري الكافيه "
رَد " لقمان " يَدعم حَديث شَقيقُه
" وانا مكنتش هتجوز دلوقتي على الاقل "
تَبسم " نصار " فِي وَهن مِن كَلامهُما يَلتقط
جِلبابُه يُربت عَلى منكبيهما بِكف يَدِه
" لا رجاله ياعيال نصار .. صحيح عرفت اربي "
أخذَ يُكابر بِحديثُه مَعهما
"بس الكلام ده لما تلاقوني مش لاقي ااكلكم ولا البسكم ، ولا لما منعم يحجز عليا زي ما قال ، لكن طول ما انا بصحتي هفضل الحج نصار اللي بيصرف عليكم "
شَعر " موسى " بِالسوء مِن حَديثُه ، يُحاول تَمالك اعصَابُه
" انت مستني ايه ياحاج ، مستني لما تلاقيه بيحجز عالبيت ويطردنا منه كلنا ، ولا مستني لما يقفلك الفرنه ويقلبها مخزن للخرده "
" مــــوســـــى .."
جَاء صَوت السَيده " نعيمه " وَهي تَغلق البَاب خَلفها
تُمشط خَطواتها اليِهم ، نَابسه بِحده
" صوتك ياموسى مايعلاش على ابوك حتى لو حصل ايه ، نصار طالما ماحبش يقول ، يبقى هو ادرى كويس اوي باللي بيعملوا ، وانا معاه وهسانده في اي قرار ياخده وطالما هو مكانش عايز يقولنا فانا واثقه الف في الميه انه اكيد لي اسبابه ، اللي بالمناسبه هو مش مضطر يشرحها "
أَخذَ " موسى " نَفسًا عَميق يُحاول جَمع شَتات نَفسُه
" هو فعلاً مش مضطر يشرحها ، بس على الاقل يقولك هو كان واخد كام من منعم ومنعم كتب كام في وصلات الامانه اللي الحاج مضى عليها "
ازَاح " موسى " انظَارُه عَنهُ حَالما سَقطت مِقلتيه عَليه
" انا مضيت على ٦٠٠ الف جنيه بس ياموسى "
جَلس " لقمان " بِمنتصف الأَريكه يُكمل مَا لَم يَتفوه بِه شَقيقُه
" لا ياحج الوصلات اللي انت ماضي عليها بمليون ونص مش ب ٦٠٠ زي ما قولت "
صَدمه أَو رُبما دَهشه حَلت عَلى مَلامح " نصار " لَم تَتحملهُ قَدماه ، اسندهُ " موسى " حَتى جَلس عَلى الأَريكه ، لِتجحظ مِقلتاه واهتَز شَعرُه البُني الذِي اختَلط بِبياض الشِيب ، بَينما مِقلتاه السَوداء ذَابله اصَابها التَخضرُم
هَز بِرأسُه " للِقمان " نَافياً مُستمراً بِالنظر لهُ
" بس ، بس انا يابني ما بصمتش غير على اللي اخدته
انا ما اخدتش منه غير ٦٠٠ بس وربي العالم "
نَهض بِعكازه لِيمنعهُ " موسى " مِن المَضي قَدماً
" رايح فين بس ياحج "
أشَار لهُ بَعينيه كَي يَتنحى جَانبًا
" ابعد عني ياموسى دلوقت .. انا لازم اروحله .. ده نصاب ازاي يخليني ابصم على اضعاف المبلغ اللي اخدته منه "
" وبعد ما تروحله هيحصل ايه ، مش هيحصل حاجه غير انك هتقل من نفسك قدام الخلق من تاني يابويا
اللي زي منعم ده كلنا عارفينه لا لي دين ولا مله ، الجنيه اهم حاجه عنده ، واذا كنت فعلاً مش عايز يتقل منا اكتر من كده قدام اهل الحاره سيبني انا ولقمان نتصرف "
صَمت " نصار " لِثواني وَهو يَقضم شَفتاه عَائداً لِلأريكه بَينما " موسى " لَحقُه بِخطواتٍ مُسرعه
يَقبض عَلى يَداه
" هــــا ياحج ، قولت ايه .."
أَشَار "نصار" بِعينيه بِنظره مُنكسره
" اللي تشوفوا يابني .."
ازدَاد ارتِطام قَطرات المَطر كَنبضٍ مُضطرب بِزُجاج خَوذته لِيعود الىّ وَاقعُه يَضغط عَلى المِقبض بِقوه لِتتضاعف سُرعتُه وَكأن المَطر يَغسل الطَريق وَلا يَستطيع أن يَغسل مَا عُلق فِي صَدرُه
.. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. ..🍁
ابتَسمت " امنه " بَعدما تَوجهت الىّ غُرفتها وَكأنها قَد بَدأت بِفهم الكَلمات ، جَلست عَلى المَكتب تُحلل كَلماتُه بِهدوء وَقد أخرَجت دَفترها القَديم ثُم هَمست لِنفسها وَهي تُمرر القَلم عَلى السِطور
حَبه من رُمّانٍ قديم...
تأمّلت " امنه " الكَلمة الأولىّ
" حَبه ..
انعقد حاجباها بخفوتٍ وهي تهمس لنفسها
"غريب... لِمَ قال حبّة؟ أليست رُمّان جمعًا؟"
أمالت رأسها جانبًا، تُقلّب الفكرة في ذهنها كمن يختبر ثِقلها
"لا... ذَاك الخفّاش لا يزرع كلمةً عبثًا، أعرف ذلك."
صَمتت لَحظة ، تُصغي لِرجفة خَفية بَين الحِروف
يُمسك عَقلها بخيطٍ دَقيق بَين الشكّ واليَقين
"حبّة... واحدة... ربما قصد بها الوحدة، أو..."
جَحظت عَيناها كَمن لَمح خيط ضوءٍ في عتمة الفهم
"واحد "
بَللت حَلقها تَقبض عَلى الدَفتر تَتذكر كَلمات جِدها
" بييجي عامل كل يوم واحد في الشهر يسقي اغصان الرمان ويوصل سلام اللي موجود في الاوضه لنجاة "
وَضعت القَلم بَين أسنَانها تُحدق بِالفراغ بَعدما زَادت عُقدة حَاجبيها
" أيعني بالحبه رَقم واحد ؟ والرمانات هي الأيام..."
زَفرت " امنه " فِي ضَجر تُطالع الأرجَاء فِي اختِناق
لِشدة مَللها هَامسه
" تَركني ذاك الخُفاش لِعاصفة أفكَاري ، وَلكني لَن أرفع راية الأستسلام بعد .. "
أخَرجت القَلم مِن بَين اسنَانها تُدحرج مِقلتيها نَحو الوَرق تِدون مَاتوصلت اليه
" يوم واحد ..
صمتت لحظة، وعادت للورقة
" رمانٍ قديم..."
تسللت بسمة صغيرة على شفتيها، وكأنها التقطت الخيط الثاني
"رمان... الأورمان ، لا فرق كبير بين النطقين، أهي مصادفة؟ لا اعتقد البته بأنه يؤمن بالمصادفات"
اطلَقت تَنهيده خَافته لِتتكيء عَلى المَقعد خَلفها وَهي تَفرك جَبينها تُكرر كَلماتُه
" تُخفي بَين تَجاعيدها نجاةٍ لِقلوبٍ هَشه .."
رفعت رأسها فجأة، كأن الضوء انسكب في رأسها دفعة واحدة
"التجاعيد... إذًا هو لا يتحدث عن ثمرة، بل عن دار العجزة... دار الأورمان وَلابد بِأنه يَقصد بِكلمة نَجاة هي غُرفة المُطربه نَجاة .."
كتبت بخطٍ سريع
" يوم واحد .. غرفة نجاة .. دار الأورمان .."
قَرأت الشَق الأخيِر مِن جُملته
"مَازَالت تَنبض .. وَما زَالوا يِفتشون عَن يَدٍ تَنصت.. مَا هَذه الكَلمات بِربُه "
أطلَقت تَنهيده خَافته وَهي تَردف
" لا أُصدق ان خُفاش السوء هَذا يَسكُب الزَيت بِأسراف عَلى نَار فِضولي ، وَماذا يَقصد بِاليد التي تَنصت ، اهناك يَدٍ تَنصت ؟ اليَد تَلمس .. تُطبطب .. تِواسي .. او تَروي
انتَفضت تَعيد اخر مَانطقَت بِه
" تَروي ..
تَرددت كَلمات جِدها الى ذِهنها
"بييجي عامل كل أول شهر يسقي أغصان الرمان..."
" ان اللُغز يَكمن بِه هُو .. أيُعقل بِأن اليَد التّي تَنصت يَقصد بِها نَفسُه أهو العَامل الذي يَأتي ليِروي الأغصان اول يومٍ بِالشهر "
التَقطت القَلم بَين يَديها وَقد تَشابكت جَميع الخِيوط وَهي تِدون
" اول يوم بالشهر .. بدار الاورمان .. بغرفة نجاة .. العامل الذي يروي الاغصان .. "
هل أراد أن ألقاه هناك؟ في دار الأورمان؟ في غرفة نجاة .. أول الشهر؟"
انزلقت نظرتها نحو الهَاتف لِتجد فِي التَقويم بِأن الغَد هو اليَوم الأول بِالشهر "
.. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁
زَفر "ادم " لِيرمي بِرأسُه عَلى الوِساده بِأنهاك يُطالع السَقف بِملل وَاضح مِن تَنهيدتهُ ، التَقط " نوح"
لِفافة تَبغِه مِن عَلى الكُومود بِجواره يَشعلها سَائلاً
" مالك ياعم ادم ، مش طايق ريحة شرابك ليه في الليالي كده "
شَرد " ادم " بِصوت " هنان " وَلم تُفارق نَظراتُه السَقف حِين أخبرتُه
" عيد ميلادي بعد يومين لازم تيجي يا ادم "
تَحرك " نوح " نَحو مِقبص المَروحه المُعلقه بٓالسقف يَضغط عَليه اثنَاء سُؤاله
" ولا يا ادم ما تعرفش يلا ابوك وامك ولقمان وموسى كانوا قافلين على نفسهم الباب ليه النهارده عالمغربيه كده ومش مخلين حد يدخل عليهم "
نَظر " ادم " لِجانبهُ الأَخر دُون رَد لِيلقي " نوح " حَقيبتهُ التّي التَقطها مِن عَلى الطَاوله
" ماترد يسطا مالك .. بكلم امي من الصبح "
تَبعثر مَا بِجوف الحَقيبه عَلى الأَرضيه لِينتفض
" ادم " أثَر رَميتُه
" انت .. انت بتعمل ايه يانوح .. كده كده رميت كل حاجتي على الارض "
تَلاشت ابتِسامتُ " نوح " فِي تَفاجؤ وَهو يَثني جَسده لِيلتقط ظَرف بِلون السُكر
" اي ده يلا الظرف الفخم ده اللي في شنطتك ده "
انتَفض " ادم " يَمد كَفه لِينتشلُه مِن بَين أصابِعه
لَكنهُ رَفع ذَراعُه لِلأعلى بَينما " ادم " بَلل حَلقُه وَنظره عَالق عَلى الظَرف
" اديني الظرف يانوح بدل والله هاروح اقول للقمان "
لَاحظ " نوح " شِحوب وَجه " ادم " لِتتلاشى ابتِسامتُه
" طيب اهدى ، اهدى مالك يسطا قلبت كده ليه ، انا كنت بهزر معاك على فكره ، لاقيتك اتحولت مره واحده للدرجه دي الجواب ده يهمك"
جَلس " ادم " عَلى طَرف السِرير ، يَدحرج مِقلتاه نَاحية الظَرف الذي بِيدُه جَلس " نوح " امَامُه يُربع قَدميِه
" ايه يسطا ماتحكي هو انا هاكلك ، وبعدين لو بتحب قولي ده انا اخوك افطمك يسطا البنات تمشيها ازاي "
هَز " ادم " رَأسُه بِالنفي وَهو يَقضم شَفتاه
" ده مش جواب"
" اومال ايه ده يسطا الظرف ده "
أشَار " ادم " بِعينيه عَلى مِقبص المَروحه بِقلب الحَائط
" ماشي هقولك بس طفي المروحه وانا هقولك عشان انا سقعان "
ابتَسم " نوح " لهُ تِلك الابتِسامه المُتحمسه وَأردف اثناء اغلاقُه لِلمقبص
" بس كده يسطا انت تؤمر "
أغلَقها نَابساً يَعود أدرَاجُه طَالباً
" قفلتها اهوه ياسيدي قول بقى يسطا بدل عليا النعمه اسكعك قلم ارجعك بطن نعيمه تاني "
طَالعهُ " ادم " وَهو يَشد عَلى الظَرف بِيديه
" الظرف ده في دعوه "
تَكونت عُقده خَفيفه بَين حَاجبي " نوح " أثنَاء قَوله
" دعوه ..تقصد حد بيدعيلك فيه "
نَفى بِرأسُه يُوضح مَقصدُه
" يــــــوه ، يدعيلي ايه بس يانوح دي دعوة عيد ميلاد ، واحده زميلتي في الجامعه ادتني الدعوه دي وقالتلي اني لازم اجي عيد ميلادها ، بس لما قرأت وعرفت هتعمل عيد ميلادها فين عرفت اني مش هعرف اروح عشان هيبقى عايز فلوس وانا مش معايا فلوس "
أَومَأ " نوح " لهُ لِينهض فِي امتِعاض
" ليه يسطا هو فين العيد ميلاد ده "
" في لاڤيستا اللي في العين السخنه "
اقتَرب " نوح " مِنهُ وَقد تَملك الاندهاش مِن مَلامحُه
" يسطا انت بتهزر صح القريه دي غاليه فورتيكه مابيدخلهاش غير المُلاك بس يسطا انت عرفت البت دي ازاي ، وازاي مش عايز تروح "
"انا مش ، مش عايز اروح ، بس انا مش معايا فلوس"
عَرض " نوح " عليِه مُسرعًا
" يسطا انا معايا الفين وخمسمية جنيه بتوع الجمعيه اللي قبضتها هدهوملك نجيب طقمايه نخمس فيها انا وانت ، ونجيبلها بوكيه ورد "
قَضم " ادم " شَفتاه ليؤخذ نَفسُه سَريعًا
" بوكيه ورد !! .."
" يسطا لو مش عجبك هتصرفلك في فلوس نجيبلها سلسله كده صغيره وبتاع ان شالله ابيع الواد بشر التروسيكل بتاعه بس خدني معاك .. ايه رأيك "
طَالعه " نوح " لِيرى مَلامحهُ المُقتضبه لِيحثه عَلى الموَافقه
" هــــا .. قولت ايه يا ادم ياحبيبي "
اشتَرط " ادم " عليه
" بس بشرط يعني مش عايز لما تروح هناك تحرجني وتعملي مشاكل مع البنات اللي هيكونوا هناك ، اتـ .. اتفقنا"
ابتَسم " نوح " بِمكر
" ياباشا من غير ما تقول ده انت وصحابك البنات وحبايبك فوق راسي "
ورَغم موَافقة " ادم " ، كَانت عيناه تُخفيان ظلالَ تردّدٍ غامض، كَأن شيئًا فِي داخلُه لم يَطمئن بَعد
.. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. ..🍁
مَلامح نَصار المُتضايقه كَانت سَبب فِي ابقَائه عَلى الأريِكه اسفَل نَافذتُه طوال اللَيل ، مِقلتيه تِطالع الفَراغ فِي شِجون ، أتَت السَيده " نعيمه " تَضع صيِنيه الشَاي عَلى الطَاوله ، مَدت يَدها الىّ خَارج النَافذه لِتقطف أوراق النِعناع ثُم دَحرجت مِقلتيِها نَحوه أثناء وَضع أورَاق النِعناع دَاخل الكُوب لِتبتسم ابتِسامه تَبدو لهُ مُريحه
" الشاي بالنعناع اللي بتحبه يانصار ، انا عارفه انك مش هتنام النهارده وهتفضل طول الليل كده قاعد تحت الشباك طول ما بالك مشغول ، قومت انا بقى قولت ايه "
التَقطت القِدح مِن عَلى الطَاوله بَين كَفيها
" نقعد كده نشرب كوبايتين شاي انا وانت بالنعناع
ينسونا الهَم اللي حصل النهارده ده "
اطلَق تَنهيدة خَافتة مُدلكًا صِدغيه ، ليَردف بِنبره يَتخللها الأحبَاط
" غريبه يعني يانعيمه ما سألتنيش اخدت من منعم الفلوس ليه ، ولا صرفتها في ايه "
رَطبت حَلقها تَناوله القِدح السَاخن بَين كَفيه فِي لَيله بَارده كَهذه
" من غير ما اسأل انا عارفه انك لما اخدت الفلوس من اللي ما يتسمى منعم جيت على نفسك بالجامد اوي علشان تفدي حاجه مهمه كانت هتحصلنا ، اوعى ياراجل تكون فاكر اني هاجي احاسبك واقولك اخدت الفلوس ليه وصرفتها في ايه "
مَلامحهُ المُرتبكه أخَافتها ، حَيثُ نَظر لَها وَكأنهُ يَعتذر عَما فَعلُه هَاتفًا بِصوتٍ مُتحشرج
" حَقك عليا يانعيمه ، الديون قسمت ضهري ، كنت حاسب كل حاجه بالورقه والقلم بس الغلا اللي كل يوم بنطلع فيه ، كل يوم نلاقي الحاجه غليت بسعر جديد ، الاسعار مش راضيه ترسالها على مرسا ، والضرايب عليت على الغلابه اللي زينا
وهو هو تمن رغيف العيش والدنيا بتغلى زياده لاقيت نفسي معنديش حل غير اني لازم اسدد الضرايب وادي للعمال فلوسها يا اما الفرن كان هيتقفل ، عرض عليا المساعده وانا مكانش في ايدي حيله ، اضطريت اوافق بس مكنتش اعرف انه هينصب عليا ويبصمني على اكتر من اللي اخدته يانعيمه ، مكنتش اعرف "
طَالعتهُ فِي ضَياع دُون التَفوه بِكلمه ، لَكنها ابتَسمت لهُ تُربت بِيدها عَلى مَنكبيه ، لِتنزل دَمعه دُون أذنٍ مِنها تَجبر شِفَاهه عَلى الابتِسام
" شوفت ، شوفت بقى انا ليه ما سألتكش عشان عارفه انك شايل حمل تقيل على كتفك "
اعتَدلت فِي جَلستها تُخبره بِمزاح
" الحاجه الوحيده اللي ممكن تخليني اسألك صرفتها في ايه ، لو الفار لعب في عبي من ناحيتك يانصار وحسيت انك شايفلك شوفه كده ولا كده واتجوزت عليا وقتها ورحمة امي هتحول ، اه انت عارفني مجنونه "
بَلع مَا فِي جَوفه لِتنال ابتسامتهُ مِنهُ ، لِيتشد عَلى عِناقها لهُ وَتلك الغَصه التّي في قَلبُه قَد اختَفت
" هي العين تقدر تشوف بعدك ، ده انتِ مُر الدنيا بِيحلى بيكي ياست الستات يا اصيله "
لَقد ضَمدتهُ السَيده " نعيمه " كَما دَومًا تَفعل فَعناقها لهُ
ضِمادتهُ ، بَينما كَلماتها هَي مَرهمُه نَابسه
" ايوه كده يانصار فك شويه ، مالهوش لازمه قلقك ، انت ربيت رجاله هيعرفوا يجيبولك حقك ، انا قلبي مطمن عشان عيالك هيتصرفوا وانت عارف لما موسى ولقمان يحطوا حاجه في دماغهم ، نام وارتاح يانصار زي ما انا مرتاحه "
فَصل هُو العِناق يَعتدل بِجلستُه أثنَاء تَقليبُه لِحبات سِبحتُه وَهو يَستغفر رَبُه نَابسًا بِصوتٍ بَان بِه كَسرتُه
" استغفر الله العلي العظيم .. انا حاسس اني اتكسرت
النهارده يانعيمه قدام ولادي ، حاسس اني اتقسم ضهري نصين وهما واقفين قدامي بيحاسبوني على اللي عملته زي العيل الصغير "
شَهقه خَرجت مِنها بِقوه وَهي تَضرب بِكف يَدها عَلى صَدرها
" ما عاش ولا كان اللي يكسر ضهرك يانصار ، ولادك مش قصدهم حاجه هما غرضهم يقفوا في ضهرك مش اكتر "
نَزلت مِن عَلى الأَريكه تَجلس أمَامُه بِابتسامتها الهَادئه
" عيالك بيحبوك يانصار ، وانتَ عارف ده كويس انت ياما خفت عليهم وكنت بتحميهم كتير ، سيبهم هما المره دي يقفوا في ضهرك عشان يصلبه ضهرك يابو الرجاله .. سيبها على الله يانصار سيبها على الله وفكها بقى ، والله بكره تشوف لهتفرج وتقول نعيمه قالت "
فَرك وَجهه بِكفيه أثنَاء قَوله
" يـــــارب ، الفرج من عندك ياحبيبي "
فَركت بِيدها فَخذُه فِي شِبه ابتِسامه
" ايوه كده فكها بقى واضحك "
اصطَنع الأبتِسامه لَكنها اردَفت اثنَاء توجها الىّ الخِزانه
" انا عارفه ايه اللي هيخليك تضحك وتفك .. "
أخرَجت قَميص نَومها الأَحمر تَميلُه بَين كَفيها يسَره ويُمنه
" ايـــه رَأيك بقى "
ابتَسم يَهز رَأسه بَعدم تَصديق مِن بَين ضَحكاتُه
" ياوليه احنا في ايه ولا في ايه دلوقتي بس "
مَشطت خَطواتها بِابتسامه واسِعه بِاتجاهُه تَضع القَميص عَلى جَسدها
" واحنا في ايه يانصار ما احنا زي الفل اهوه ، فاكر القميص ده يانصار ، قميص ليلة دخلتنا "
ابتَسم لهَا بِدماثة وَهو يَقترب مِنها يُدلك جِزع ظَهره يَتكأ عَلى عُكازه
" الا فاكر دي كانت ليله "
وَحينَ رَأت ابتسامتهُ الواسعه اتَجهت نَحو السِرير بِخطواتها المُتباطئه
" كويس انك فاكرها يلا بقى عشان ننام "
تَلاشت ابتِسامتهُ حِين سَمع كَلماتها بِدهشه
" ننام ايه يانعيمه انتِ مش هتلبسي القميص "
جَحظت مِقلتاها لهُ لِيردف مُؤكداً عَلى مَاقاله
" بالله ما هنام الا لما تلبسيه .."
" ياراجل احنا في ايه ولا في ايه "
مَد كَف يَدهُ بِالقميص وَهو يَهتف
" احنا في ايه ما احنا زي الفل اهوه يانعيمه ، يلا بقى هموت واشوفه عليكي "
ابتَسمت بِحرج تُطالع القَميص بَين يَديها بِصوتٍ هاديء
" ياراجل بس .. بس يانصار .."
" يلا بقى .. والله هموت واشوفه عليكي .. هشوفه بس "
اشَارت بِخنصرها بِوجهه
" هَتشوفه بس .."
ابتَسم لَها مؤكداً
" هشوفه بس .. "
ابتَسمت ابتَسامه واسِعه تَميل بِرأسها
" مِــــاشــي .."
جلست بجواره بَعدما ارتَدتهُ ، في صمتٍ دافئ، كأن كُلَّ ما أثقلهما من الهمّ تلاشى في تلك اللحظة ثُم قالت بخفوتٍ
"شايف .. لسه حلو زَيّ ما هو عليا ازاي "
ضحك "نصار" بخفّةٍ تعبُق بالحب
"هو الحلو بيتغيّر يا نعيمة "
.. .. .. ..🍁 .. .. .. .. 🍁.. .. .. .. 🍁.. .. .. .. 🍁.. .
انَها السَادسه صَباحًا ..
رَفعت " امنه " خُصلات شَعرها تَشد مِن عُقدة شَريطتها ، كَما أنَها تُحاول بِكل مَا لَديها أن تَتحرك بِداخل المَنزل دُون أيقَاظ أحَد حَتى تَتهيأ لِأعداد الفِطور ، غَادرت الغُرفه تَسير عَلى رؤوس قَدماها حَتى وَصلت لِلمطبخ ، فَتحت بَاب المُبرد بِهدوء
وَتسللت مِنهُ بِروده خَفيفه أخرَجت سَلة الخُبز الفِرنسي المَخبوز مُنذ الأَمس، مَا زَالت رائحتُه تَعبق بِالدقيق والزُبد. بِجانبهُ وُجدت زُجاجة صَغيرة مِن عَصير البُرتقال الطَازج، وَوعاء زُجاجي يَحتضن شَرائح الجُبن الأبيَض المَرصوصة بِعناية
وَضعت إلىّ جِوارها إناءً مِن الزَبادي بِالعسل وَبعض التوُت، وقطّعت شَرائح رَقيقة مِن الخِيار والطَماطم، ثُم صبّت فِي كوبٍ خَزفي مَزيج الحَليب والكَاكاو السَاخن، تُحرّكه بِملعقة صَغيرة بَينما يَعلو البُخار فِي سِكون المَطبخ
اصطفّت الألوَان عَلى الطَاولة فِي تَناغُم هَادئ؛ الخُبز، الجُبن، الفَاكهة، وَرائحة الشوكولا السَاخنه تَتسلّل بِبطء، تُعلن عَن صَباحٍ يَليق بِالسَكينة التّي تَسكن البَيت
ابتَسمت إلى ما صَنعتهُ بحب حتى جَفلت على صَوت دَقات السّاعة المعلّقة بجوف الحائط تُعلن تَمام السَاعه السَابعة صَباحاً ، التفتت تُطالع عَقاربها بِشرود، تُتابعُ حركتَها الرتيبة كأنّها تُحصي أنفاسَ الوقت لا دقّاته.
"ساعَةٌ أخرى انسلّت من بين يديّ... كيف مرّت بهذه السُّرعة؟"
أرخَت نظرتَها نحو المائدة، ثُمّ عادت بعينيها إلى الساعة، يتقافز في صدرها سؤالٌ يتلو الآخر.
"أأذهب ..أم أبقى "
أهو فعلًا ذاك العامل الّذي يُسقي أغصان الرّمان
وإن كان هو فَمن المؤكد أن المَوعد فِي السَاعات الأولى مِن الصَباح حين تفتح الأرض كفّيها لتستقبل الماء، ويغسل الضوء وجوه الأغصان النائمه
أأكون أنا من يسقي الوهم كلّ هذا الوقت؟"
تنفّست بِعمقٍ، كأنّها تُحاول أن تُبطئ دَوران العَقارب، هَامسه بِداخلها
"الوقت لا ينتظر أحدًا، وسيتسرّب من بين أصابعي كما تفعل المياه إن تردّدت...
عليَّ أن أقرّر هَل سَأذهب أَم سَأبقَى ، قبل أن تسبقني السّابعة إلى الثامنة...
تَحركت " امنه " تَنفض تِلك الأفكَار عَنها تَطرق بَاب شَقيقها بِخفه وَلكن الصَمت كَان جَوابها ، دَفعت البَاب بِرفق فَصدر عَنهُ صريرًا مُزعج وَقد طَرفت بِجفناها فِي صَدمه لِمدى فَوضويه الغُرفه ، أوراق
مُبعثره ، ومَلابس مُتكوره عَلى الأَريكه ، مَكتبهُ الذي يَعلوه أكوَاب قَهوه نِصف مُمتلئه وَاطباق مُتسخه كُل هَذه أشيَاء تُثير اشمِئزازها ، لاَ تَستطيع احتِمال مَنظر كَهذا عَيناها تَتألمان
"أحقًا بلغ به الحال أن يغرق إلى هذا الحد في فوضاه وبؤسه .."
دَخلت تَغلق البَاب خَلفها ، تَتقدم نَحو سَريرُه
" مصطفى ، مصطفى اصحى الفطار جاهز "
نَبست بِصوتٍ مُنخفض لَكنهُ لَم يَطرف بِجفنيه حَتى
" مصطفى ، كل ده نوم الساعه بقت سابعة يلا بطل كسل "
وَضعت يَدها على كَتفه تَهزُه بِهمجيه
" مصطفى الحق حبيبة بره "
ليُتمتم وَهو نَائم
" حبيبة ، انا بحبك اوي ياحبيبة "
ابتَسمت اثنَاء سَحبها مِنهُ الغِطاء بِصعوبه ، لِيفتح مِقلتيه يُطالعها فِي جِحوظ
" امنه .. في ايه يا امنه مصحياني بدري كده ليه
جدو حصله حاجه "
كَتمت ضَحكاتها لِأتسَاع حَدقتيه بِذهول
" جدو سليم وزي الفل كل الحكايه عايزين نفطر سوا النهارده ممكن تقوم بقى عشان خاطري "
وَافق وَسط تَذمُراته لِتساعدهُ هَي فِي الجِلوس عَلى مَقعدُه المُتحرك وَقد دَلف الىّ الحَمام ، أخذَت الأطبَاق والاكوَاب مِن عَلى المَكتب نَحو المَطبخ وَقد لَمحت جِدها وَهو يَفرُك عِينيه فِي نِعاس وَحالما انتَبه لَها تَبسم فِي اشرَاق لِتظهر لَها اسنانُه المُتبقيه
" ايه الفطار الملوكي ده يا امنه .."
نَالت مِنها ضِحكه خَافته لِتجلس عَلى الكُرسي تَشير بِيدها الىّ الأطبَاق
" من هنا ورايح الفطار هيبقى كده دايمًا ياجدو "
جَلس الجِد عَلى المَقعد المِجاور ليِنضم " مصطفى"
اليِهم بَعد دَقائق بَسيطه كَانت الطَاوله عَامره والحَديث يَدور خَافتاً بَينهُما ، واثنَاء تَناولها مِن الطَبق تَوقفت " امنه " عَن المَضغ حيٓن دَقت السَاعه الثَامنه نَظرت لِلعقارب بِتشتت وَاضح هَامسه بِداخلها
" هل حقًا لم يتبقَّ سوى ساعة؟ ساعة وتُروى الأغصان...؟
تنهّدت بخفوت، وعيناها لا تزالان مُعلّقتين بالعقارب. شعرت أن الوقت ينقص منها ليسَ بالثواني بَل بِالفُرص قَطع صَوت "مصطفى" لَحظة
شُرودها
" الا قوليلي يا امنه ، فاكره السوار بتاع ماما الله يرحمها اللي اخدتيه معاكي وانتِ مسافره "
أدَارت وَجهها نَحوه تَقبض عَلى أطرَاف الطَاوله بِاستغراب لِتراهُ وَهو يَسكُب الكَاكاو فِي قَدحُه لِيُعقب
" من ساعة ما رجعتي وانا مش شايفه في ايديكي يعني "
وَكأن كَلماتُه أيقَظت فِيها قَراراً خَفيًا ، إِذ نَهضت بِكُل لَباقة تُعيد المَقعد لمَكانُه ، بَينما تَطلع إِليها شَقيقها فِي تَساؤل
" قومتي ليه يا امنه اقعدي كملي اكلك "
لِتشير هَي بِخنصرها نَحو البَاب
" ا..انا لازم انزل دلوقتي نسيت السوار بتاعي مع ليلاس صاحبة حبيبة .. كانت بتقيسه ونسيته في ايدها .. هاروح اخده منها واجي على طول .."
اردَفت أثنَاء ارتِدائها لِفردة حِذائها ، وَحين انتَهت صَفعت البَاب مِن خَلفها عَلى استِعجال تَاركه وَرائها نَظراتهما المُستغربه دُون كَلمه
.. .. ..🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁.. .. .. 🍁 .. .. ..🍁
كَان الصُبح مَا يَزال يَتهامس فِي الشوارع، أصَوات المَارة تَمتزج بِتلاوةٍ قَادمة مِن مِذياعٍ قَديم، والخَبّاز يرشّ دقيقُه عَلى الرَصيف كأنّه يَوقظ النَهار.
وَقف "لقمان" فِي صمتٍ عِند بَاب بَيت "شيماء " يُطالع الشَارع بعينٍ مُترقبة، يُحصي أنفَاسهُ مَع كُل آيةٍ تُتلى
خَرجت " شيماء " بِخطواتٍ مُسرعه تَحمل أكياسٍ مَا بَين يَديها لِيقوم بِمناداتها بِأسمُه بِصوتٍ عالٍ
" لُــقــمان .."
التَفتت لِتجدُه يَقترب اليِها ، حَتى تَنفست بِضيق
" هو انت ليه بتناديني بأسمك في الشارع يالقمان انا اسمي مش عجبك ولا ايه "
" ياسلام عايزاني انادي عليكي في الشارع بأسمك عشان كل من هب ودب يعرفه "
نَبس اثنَاء اقتِرابُه مِنها لِيلتقط سُؤالها الذِي حَمل نَبرة الأندِهاش
" لا والله .. وفيها ايه يعني لما اي حد يعرفه هو عوره"
وَحالما صَوب نَظرُه عَليها أشَاحت بِبصرها الىّ الجَانب الأَخر نَابساً
" بالنسبالي اه عوره .. وبعدين هو في ايه ياشيماء هو خدوكم بالصوت .. انتِ عارفه اني جاي الوم وعاتب قولتي ادب خناقه عشان يتلهي ومايفتحش بوقه بكلمه "
أومَأت لِيسير بِجانبها يَحمل الأَكياس بَدلاً عَنها وَقد رَفض مُساعدتها لهُ بِحمل وَاحد ، كَانا يَسيران هُو وَهي جَنبٍ الىّ جَنب وَقد كَان هَادئًا كَلحن حَزين
يَتم عَزفه امَام شَخصًا أصَم حَتى قَطعت هَي الصَمت
" هتفضل ساكت كده كتير يا لقمان عتاب ايه اللي جاي تعاتبهوني ده "
لَكن خَطواتُه تَوقفت عَن السَير حِين سَألتهُ
" انتِ ماعندكيش دم ، انا بقالي ٣ ايام بحاول اتصل بيكي وابعتلك على الواتس وانتِ مابترديش ، ورغم اني متأخر وعندي حصه بدري فضلت مستنيكي لحد ما تطلعي من بيتك بس عشان اطمن عليكي .. المشكله انك لما شوفتيني وشك اتقلب ،واتبدّل كأنك شوفتِ حاجة تخوّف، كأنّي بقى وجودي بيضايقك.
يا شيماء، لو إنتي مش طايقاني أو في حد مغصّبك عليا، قوليلي بصراحة
أنا اه بحبك، بس مستحملش فكرة إنك معايا غصب عنك
ساعتها، والله العظيم، هبعد من غير ما تبصي وراكي حتى بس عرفيني يابنت الناس ايه اللي جواكي وايه اللي مغيرك اليومين دول "
أدَارت رَأسها نَحوه ، تَبتسم لهُ وأصبَحت كَلماتها تَخرج مِنها بِهدوء
" ياحبيبي مين قالك بس اني مغصوبه عليك ، مين اصلاً يقدر يغصبني على حاجه انا مش عايزاها يا لقمان امي الست الغلبانه ولا اخويا اللي في اعدادي اللي اصغر مني ، كل الحكايه بس ان اليومين دول مشغوله شويه معرفتش ارد عليك ياحبيبي مش اكتر"
" يبقى تقوليلي ياشيماء ، ردي قوليلي انك متهببه مشغوله لكن ماتسبنيش قلقان كل ده وتخليني واقفلك قدام البيت زي عيال ثانوي"
بَللت حَلقها تَحك جَانب رَأسها بِسُبابتها
" حاضر هبقى اقولك .. فك بقى عشان خاطري "
فَرق شَفتاه وَقبل أن يَتحدث وَجد سَياره بِاللون الوَردي فَارهه مَفتوحة السَقف قَد وَقفت أمامُه تَصدر صَوتٍ عَال بِمكابحها لِتخرج " ليلاس " مِن السَياره
بتنورتها المَدرسيه القَصيره ولون الشفاه الأحمر الثقيل على شفتاها تَشير بِأصابعها لهُ فِي سُخريه
" هــاي يــامستر ، لاقيتك اتأخرت عن الحصه قولت اجي اخدك بنفسي من تحت بيتك "
عُقده حَاده ظَهرت بَين حَاجبي " شيماء" تَسألهُ بِحده
" مين دي يالقمان "
لمّا وقعت عينا "ليلاس" على الدِّبلة في إصبع "شيماء"، تجمّد صوتها لحظة، ثم أفلتت ضِحكه منها بدهشةٍ
" لاء ، ماتقوليش بقى اللي شبه وش القرد دي تبقى خطيبتك يامستر "
مِقلتا " لقمان " تَدحرجا نَحو " شيماء" ليلحظ احمِرار مِقلتيها تَشير لِنفسها بِسبابتها
" انا شبه وش القرد؟ دا انتِ يَابت القرد يشوفك يقول يا خسارة سمعتي"
صَنعت" ليلاس " مَلامح مُمتعضه وَمُقززه وَسط ابتسَامتها السَاخره
" اوه ، ســوفــاچ "
نَبست لِتلحظ استغرابًا فِي مِقلتي " شيماء" تُشيح بِبصرها عَنها ، ثُم طَالعت " لقمان " تَرفع إحدَى حَاجبيها تُشير بِرأسها فِي تَساؤل
" ايه اللي جاب سيرة سوهاچ .. انت قولتلها يالقمان ان ابويا من سوهاچ ولا ايه "
" سوهاج ايه بس ياشيماء "
تَخطاها لِيوجه حَديثُه لـ "ليلاس" مُحذراً
" حاولي تفتحي بوقك بكلمه تانيه يا ليلاس او تقلي ادبك على خطيبتي واوعدك لا هيهمني وظيفه ولا ان ابوكي يفصلني من المدرسه كله إلا شيماء .. فهماني طبعاً "
طَرفت " ليلاس " بِجفناها حَالما أظلَمت مِقلتيه ، لِتعقد " شيماء " حَاجباها تَسألهِ فِي تَشوش
" وظيفه !!
هو انت اتقبلت في المدرسه الانترناشونال يالقمان ؟ "
.. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁
توقّفت "آمنة" أمَام البَوابة الحَديدية، تَنظر إلىّ اليَافطة المعلّقة أعلاَها
" دار الأورمان لِلعجزة والمُسنين "
الحرُوف كَانت بَاهتة، كَأنها شَاخت مَع مَن يَسكنون خَلف الجِدار
وَلجت الىّ دَاخل الحَديقه التّي كَانت تَمتد بِهدوءٍ مُريب ، تَتناثر فِيها أَغصَان الُرمان والمَقاعد الخَشبيه أسفَلها ، يَتحرك فَوقها الزَمن بِبطءٍ عَلى مَلامح العَجائز الجَالسيِن
بَدت الحَديقه وَاسعه يَشُقها مَمر مِن الحَصى الرُمادي وَعلى جَانبيه عَجائز يَسيرون بِبطء
تَوقّفت تَنظُر إليِهم بِشرودٍ ، تَتأمل ارتِجافة ألأيديٍ وَعيونٍ تُطفئها الأيَام ببطءٍ رَتيب
تَسللت فِكرةٌ غَامضة إلىّ صَدرها، وَكأنها طفلٌ يَخاف النِهاية لِتهمس بِدَاخلها ، بصوتٍ لا يَسمعهُ سِوى قَلبها
"أحقًا هذا ما يصنعه الزمن بنا... يُطفئنا ببطء، حتى لا نشعر أننا انطفأنا .. كم تغدر بنا الحياة حين تُربينا على الأمل، ثم تُسلّمنا للخذلان كما تُسلِّم الأم طفلها للنوم الأخير..."
جَفلت عَلى صَوت "مُمرضه" تَقف أمَامها تَعرض عَليها مُساعدتها
" تِحبي اساعدك في حاجه يا أنسه .."
بَلعت مَا فِي حَلقها بِتوتر مَلحوظ تَتلفت يَمنه وَيسره
" نعم .. انا أريد .. اعني .."
عُقده خَفيفه ظَهرت مَا بَين حَاجبي" المُمرضه" لِحديثها المُتقطع لِتصحح " امنه " كَلماتها مُسرعه
" ا.. اقصد كنت بسأل عن اوضة المطربه نجاة اللي فتحاهه هنا بأسمها للخير "
ابتَسمت "المُمرضه" بَسمه وَاسعه تَومىء بَرأسها لِلأمام
" اتفضلي معايا من هنا .. "
تَبعتها " امنه " لِتفرق بَين شَفتيها تَنوي الحَديث لَكن حَديث " المُمرضه " جَعلها تَومىء بِصمت
" بجد انا مش مصدقه اخيراً حد من عيلة استاذ سليمان افتكره ، ده كان لسه من يومين بيسأل اذا كان حد زاره ولا لاء ده بقاله سنتين محدش فكر يزوره في يوم ، وحالته النفسيه والصحيه وحشه جداً
زَمت " امنه " شَفتيها غَير مَصدقه مَا يَحدث هَامسه
" يا الهي .. في أي مأزقٍ هذا وضعت نفسي ، بعد لحظاتٍ سيتبيّن لذلك العجوز أنني لست من عائلته... عليّ أن أجد مبرّرًا سريعًا وأرحل قبل أن نصل إلى الغرفة، لكن... بأي عُذر سَأواجه تِلك الممرضة"
وَقبل ان تُفرق " امنه " شَفتاها كَانت " المُمرضه "
قَد تَوقفت أمَام الغُرفه تَضع يَدها عَلى المِقبض النِحاسي تَلتفت نَحوها
" انتِ اكيد حَفيدته فيكي شبه منه .."
أومَأت " امنه " لَها بِأرتباك بِالأيجاب ، لِتفتح
" المُمرضه" بَاب الغُرفه تَشير بِيدها لِلداخل
" اتفضلي ، بس ياريت ماترهقهوش كتير "
خَطت "آمنة" إلى الداخل بخطواتٍ مترددة، وَصوت البَاب خَلفها بَدا كأنه يَغلق عَليها تردّدها.
الغُرفة سَاكنة إلا مِن حَفيف الأورَاق خَلف الزُجاج المُمتد بِطول الحَائط
جَلس الرَجل فِي مَقعدُه المُتحرك، ظَهره إليِها، يحدّق فِي الأغصَان المُتمايلة خَارج النَافذة، تَتدلى مِنها حَبات رُمانٍ تَتلألأ تَحت الضَوء الخَافت.
تَرددت لِلحظة، تَتقلّب أنفَاسها مَا بَين الخَوف والفِضول، رَفعت يَدها بَخفوت، تَشير نَحو البَاب، وَصوتها بِالكاد خَرج مِن بَين شَفتيها
"انا .. انا اسفه هــو... الظاهر ان أنـا دخلت هنا غَلـط"
التَفت العَجوز نَحوها بِبطء، وَحين وَقعت عَيناها علّى تَفاصيِل وَجهه ، جَحظت مِقلتاها مِما تَراه ، تَسارعت أنفَاسها وَهي تَتقدم خَطوه لِلامام ، أثنَت قَوامها تَجلس أمَامُه تُمرر أصابِعها بِرفق عَلى خِطوط العُمر تُطالعه بِصمتٍ و الكَلمات على شَفتيها قَبل أن تنفلت مِنها مُرتجفه
"جدو سليمان ..."
.. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. ..
رد عليا يالقمان ، هتاخد مرتب كام ؟
طَالعها فِي غَير تَصديق أثَر أحمِرار وَجهه لِيُجيب
" هو ده وقته ياشيماء "
لِتقهقه " ليلاس" اثَر انزِعاجُه مِن اسألتَها
" لا .. بجد يازين ما اختارت يامستر "
طَالعتها " شيماء " بِغيظٍ كَاد يَفضحها وَلكنها ابتَلعت غَضبها بِبُطء لِتردف بِهدوء عَكس العَاصفه بِداخلها
" متشكرين ياانسه .. بس طالما طلعتي بنت صاحب المدرسه اوبقي وصي على لقمان شويه في المرتب "
جَحظت عَين " لقمان " حَيث مَلامحهُ صَنعت أمَارات التَعجب مِن حَديثها
" شيماء ، ايه اللي بتقوليه ده "
رَفعت يَدها فِي وَجهه اشَاره لِلصمت
" استنى بس يالقمان "
" انا سايبك وماشي "
قَالها أثنَاء مِغادرته لِتصد " ليلاس " طَريقُه تَشير لهُ لِلصعود الىّ سَيارتها ، لِتظهر بَسمه جَانبيه تَحمل استفزَازاً حَقيقياً لـِ " شيماء " هَاتفه
" بعد اذنك ياشوشو هاخد المستر بتاعي منك شويه ، بس اوعدك اول ما اخلص هرجعهولك على طول "
جَذبته "ليلاس" من مِعصمه لتُدخله السيارة دون أن تُعير "شيماء" اهتمامًا، بينما "شيماء" حَملت الأكياس البلاستيكيه مِن يَدُه تُشير لهُ بِعينيها الىّ السَياره
"اه طبعًا، اركب معاها يا لقمان... وأول ما تخلص كلّمني"
عَدلت وضع الأكياس في يدها بِبرود ، وَكأنهُ لا يعنيها لم تلتفت نحوه وهو يَنظر إليها في حيرةٍ صامتة ثُم تابعت طريقها بخطًى ثابتة، لا شيء في ملامحها يشير إلى وجعٍ أو غيرة ، فقط تلك العملية الجافة التي تُشبه من يحسب المكسب قبل الشعور
.. .. ... 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. ..
" انتِ مين .. وتعرفيني منين ..
فَرقت " امنه" شِفاهه لَكن العَجوز رَفع ابهامُه فِي وَجهها لِمنعها مِن الحَديِث
" استني .. استني ..انا .. انا حاسس اني شوفتك قبل كده .. فيكي .."
ابتَلع مَا فِي جَوفه بِصعوبه لِيُكمل
" فيكي شبه كبير من حد اعرفه"
نَبس "سليمان " فِي شِرود لِتزداد حِيرتها ، نَبرته بَدت لَها مُختنقه وَكأنهُ يَعود بِذاكرتُه لِشئً مَا
" جدو .. انا امنه بنت ابنك محمد الله يرحمه "
طَرف بِجفناه حِين نَطقت بِأسمُه لِيقبض بِيدهُ عَلى مَسند المَقعد
" امنه .. ازاي كبرتي كده .. وعرفتي طريقي منين
رجعتي امتى ، ووصلتيلي هنا ازاي يا امنه ، انتِ جايه هنا عشاني انا "
اسئلتهُ الكَثيره جَعلت الصَمت يطبَق عَليها والشِرود اختَطفها لِتكُون رَهينه لِأفكَارها
" هل أخبره أن قدومي كان محض صدفة؟
وهل تُصدق الصدف في أعينٍ أنهكها الانتظار؟
ربما يظنّ أنني آخر خيطٍ يمتدّ إليه من ماضٍ نسيه الجميع… فبمَ أبرّر وجودي إذًا؟
لا، سأُخفي الحقيقة، أُرمّمها بكذبةٍ صغيرة تريح قلبه ليظنّ ولو لحظة أن أحدًا ما ما زال يعبر إليه، أن الدنيا لم تُغلق أبوابها كلها في وجهه بعد"
" ا.. انا كنت مسافره ياجدو كنت بدرس بره ولسه راجعه واول ما رجعت دورت عليك .. لـ .
بَللت شَفتاها العلويه نَابسه
" لحد ما عرفت اوصلك .."
اختَطفها لِأحضانه بِقوته الوَاهنه يُمسد عَلى خُصلاتها بِأصابعهُ المُرتجفه
" انا مش مصدق اللي انا شايفه قدامي ده .. أنتِ يا أمنه اللي تدوري عليا من بين عمك وعماتك وولادهم انتِ الوحيده اللي تيجي تزوريني بعد اللي عملتوا فيكم انتِ وأخوكي مصطفى ومحوطش عليكم بعد ما محمد مات وسيبتكم لجدكم يربيكم "
مِقلتاها جَحظتا لِتفصل العِناق تَقبض عَلى قِلادتها بِأيدٍ مُرتجفه
" انتَ بتقول ايه ياجدو ، تقصد ايه بكلامك ده "
لَكنها طَرفت فِي تَفاجؤ حِينما سَمعتهُ يُبرر
" اقصد اني مشيت ورا كلام عمك وحرمتكم من ميراثكم ، واللي عملته فيكم عمك عمله فيا .. زي ما سمعت كلام عمك و حرمتكم من ميراثك انتِ واخوكي فيا وفي ابوكي ، عمك رماني هنا وحجر عليا يا امنه ، ومش معرف اي حد طريقي "
مَسح دِموعه التّي قَد هَبطت دُون أذنٍ مِنهُ ، يَلتقط أنفاسُه بَعدما أصبَحت مُسرعه
" كنت بدعي ربنا اني اشوفك انتِ ومصطفى قبل ما اموت مش مصدق ان ربنا استجابلي أخيراً وبعتك ليا عشان تنجديني من الوحده اللي انا عايش فيها ماتسبنيش هنا يا امنه ، ماتسبنيش خديني معاكي يابنتي ، واوعي تسيبي حقك انا ..
سَعل بِشده مِن وَسط كَلماتُه لِيُعقب
" انا .. انا عارف ازاي اخليكي ترجعي حقك "
شَد قَبضتهُ عَليها كَمن وَجد النَجاه بَعد الغَرق ، نَبست تَتألم مِن كَلامه بِأعين زُجاجيه
" ا.. اهذا صحيح .."
جَفلت " امنه " حَالما خَرج مِنهُ سِعال قَوي هَذه المَره يُحاول النِهوض مِن مَقعدُه وَهو يَضغط عَلى قَلبُه فِي تَألُم
" جدو مالك فيك ايه ، جـــــدو .."
تَحركت مُسرعه نَحو البَاب تَصرخ بِصوتٍ مُرتفع فِي المَمر
" دكتور ، عايزه دكتور "
استَدارت لِتجده مُلقي عَلى الأرضِيه وَقد تَحول وَجهه لِلأزرقاق
تَوجهت " المُمرضه " نَحوه بِهلع تُحاوط ظَهرُه بِقوه
" باين عليه اتعرض لنوبه قلبيه ممكن من الفرحه لما شافك حاولي تضربي على ضهره لحد ما اجيب العلاج بتاعه "
سَارعت " المُمرضه " لِأحضار الدَواء بَينما " امنه " كَانت تُمسد لهُ عَضلة قَلبه بِأحدى يَديها
" جدو ، خد نفس عشان خاطري ، اتنفس ياجدو عشان خاطري "
هممت في فَتح أزراره وَسط تَخبط انفاسُه ، لِتشعر بِاقتراب المُمرضه مِنها ، اثناء ضَغطها بِسلاسه عَلى جِهه قَلبُه لِتدخل حَبة الدَواء بِفمُه تَرفع رَأسُه نَحو كِتفُه
مَرت دَقائق حَتى استَعاد نَفسُه مِن جَديد لِتزفر
" امنه " بِراحه تَرفعه مَع " المُمرضه " مِن كَتفُه لِيستلقى عَلى السِرير ، وَبعد أن قَامت " المُمرضه"
بِتغطيتُه حَتى وَصلت الىّ اكتَافُه ، تَبسمت
" المُمرضه" نَحوها عَلها تَطمئن
" ما تقلقيش جدك اخد الدوا ونام مش هيصحى دلوقتي خالص ، حاولي تروحي دلوقتي وتعالي بكره ، وجودك جنبه مالهوش لازمه "
أَومَأت " امنه " اليِها دُون حَديث تَزفر فِي رَاحه لِتتراجع بخطواتٍ بطيئة، تُنصت لأنفاسها المبعثرة،
ثم أدارت وجهها نحو الزجاج الممتدّ، تتأمل ارتعاشة اغصَان الرُمان وهي تميل تحت نسمةٍ خفيفة.
الحَديقة سَاكنة، غير أن صوت الماء كان ينساب ببطءٍ من بعيد لِيقع بَصرها عَلى مَن يَروي الأَغصان ، كَانت لاَترى مِنهُ إلا ظَهرُه وَلكنها استَطاعت ان تُميز سُترته الجِلديه السَوداء تَمتمت بِصوتٍ خَفيض
" انه هو .. من المؤكد انه هو ، فهَي نَفسها ذَات السُتره السَوداء التي ارتَداها حِين رَأيتُه مِن قَبل"
انتَفضت لِتجري بِكل طَاقتها نَحو الحَديقه وَالأدرينَالين يَزيد مِن ضَربات قَلبها ، عَبرت المَمر لِتزيد مِن سُرعة رَكضها وَحالما وَصلت لِلحديقه لَم تَجدُه وَكأنهُ قَد أصبَح سَراب ، وَقفت تَلتقط أنفَاسها لِترى خَرطوم المَياه مُلقى عَلى الأرض والمِياه تَنساب بِبطء تَرسم مَساراً رَفيعًا عَلى التُراب ، التَفتت يَمنه ويَسره تَبحث عَنهُ بعيونٍ مُرتبكه وَلم تَجد سِوى الفَراغ ، مَشطت خَطواتها لِخارج الدَار حَتى عَبرت الطَريق لِتجلس عَلى المَقعد الرُخامي
كَانت الشّمسُ فِي كَبد السَماء يغلّفها ضوءٌ باهت يليق بشتاءٍ هادئ
امتدّت أمامها الحديقة الصغيرة، حيث يلتفّ جمعٌ من الصغار حول رجلٍ يرتدي زيّ باندا، يوزّع البَالونات الحَمراء
وَقع بَصرها عَلِيهم كَأن الزَمن التَفت إليِها شَردت فِي ذِكرى قَديمه مِن زَمنٍ بَعيد حِين تَذكرت وَهي طِفله تَركض بَين الألوَان، بِثوبٍ صيفيٍّ بَسيط، وشَعرٍ يَتطاير خَلفها، ووالدهَا يَبتسم مِن بَعيد، يَمدّ نَحوها بالونًا أحمَر وهو يَخبرها بِصوته الحَنون
"امسكيها يا أمونة قبل ما تطير "
ارتَجف قَلبها، وتَكوّر الدِفء فِي صَدرها ليِصير وَجعًا ممزوجًا بدمعةٍ ساخنة هَبطت مِن مِقلتيها
مَسحتها سريعًا، فتبعتها أخرَى، ثُم ثالثة، حَتى وَجدت نَفسها تَبكي فِي صمتٍ لا يُفسر الا بِالحَنين
شَعرت بِوخزه خَفيفه مِن اصَابع صَغيره عَلى مَنكبها ، رَفعت رَأسها بِبطء تَتبع عَيناها مَصدر اللَمس لِتجد طِفلاً يَنظُر اليِها بِابتسامه وَاسعه تَظهر صَف اسنَانُه الصَغيرة
تَجمع حَولها عددٌ من الأطفَال وضَحكاتهم تَملأ المَكان، والبَاندا يَقف أمامَها بِثباتٍ، يُمدّ يَده نحوهَا، ببالونةٌ حَمراء تَتمايل مع نَسمةٍ بَاردة.
أدَارت وَجهها نَحو البَاندا ، تُطالعه بِأستغراب لِيلحظ مَلامح مِحتاره عَلى وَجهها سَائله وَهي تَشير الى نَفسها
" البلونه دي ليا انا "
بَللت حَلقها تَترقب رَدُه ليِشير البَاندا لَها بِرأسه بِالأيجاب
عَقدت حَاجباها تَتلمس قِلادتها لِتأتي نَبره غَريبه مِن الأَسفل لِتجد الطَفل يَشد طَرف فُستانها
" خدي البلونه ياطنط وماتعيطيش "
اقتَربت تَنحني مُقبله وَجنتيه القُطنيه هَذا الفَتى تَعدا مَرحلة اللطَافه
" حــاضـــر .."
ارجَعت خُصلات شَعرها خَلف أُذنها وَلم تَستطع مَنع ابتِسامتها التّي تَميل الىّ الجَنب لِتنبس وَهي
تَمد يَدها لِلباندا وأخذَتها بِبُطء
" شـُـــكـــراً .."
أَمال البَاندا رَأسُه قَليلاً لِيشير لَها بِإصبعيِه عَلى فَمه كعَلامةٍ لِتبتسم
عَانقت نَفسها لِتبتسم حَتى بَرز صَف اَسنَانها ، أثنَاء رَحيلها تَرفع عَيناها نَحو البَالونه الحَمراء التّي تَرتفع قَليلاً بَين الحِين وَالأخر تَتمايل مَع الريَح كَما تَتمايل خُصلاتها وَشىء مَا فِي مَلامحها يَشبه الرَاحه
وَتحت رَأس البَاندا كَانت عَيناه تُتابعها بِصمت حَتى تَوارَت بين الأشجار
نَزع الرّأس الضّخم عن كتفيه، فَانكشف وَجهه المُبتسم، وعيناه الكَابولتيه تَلمعان كأنّهما تَقولان شيئًا لم يَجد لهُ كَلمات
ظَلّ يَنظر في الاتّجاه الّذي سارت فيه، إلى أن تَضاءل ظلّها وتلاشى تمامًا ، ليقَطع هدوءَ اللّحظة صوتٌ اتَى مِن خَلفُه
" اقلع بقى يا موسى بدلة الباندا دي، علشان الراجل صاحب المحل لو شافني مش لابسها هينفخني"
التَفت "موسى" نَحوه، وفِي عِينيه هِدوءٍ غَريب ثم ارتَسمت على شَفتيه ابتسامةٌ جانبيّة خفيفة، فيها شيءٌ من الرضا نَابسًا وَهو يَرمق الطَريق الذِي اختَفت فِيه
" تسلم ياصاحبي .."
شَعَر، لوهلةٍ عابرة، أنّهُ لَمس شَيئًا فِي دَاخلها… شيئًا خفيًّا انكَسر مُنذ زَمن، وَعاد يتحرّك للحظةٍ وَاحدة، ثُم سَكن مِن جَديد.
.. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁.. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. ..🍁
وَقفت " ليلاس" بِالسياره فِي مَكان نَاءٍ فِي الصَحراء بَعد الكِيلو ١٠٩ بِطريق السِويس تَطرق بِأناملها عَلى المَقود وَقد ابتَسمت تَغمزهُ مُمازحه
" اللبس حزام الأمان بقى يامستر "
زَفر وَهو يُطالعها بِنفاذ صَبر
" مش هنخلص بقى .. بقالنا ساعه بقولك رايحين فين وانتِ مابترديش احنا بنعمل ايه هنا في وسط الصحرا ياليلاس "
التَقطت أُذناه كَصوت أطَارات تَأتي مِن مَكانٍ بَعيد
لِتضع نَظارتها السَوداء تَخبرهُ بِنبرتها المُشاكسه
" براحتك .. انا قولتلك اللبس حزام الامان وانت اللي ماردتش "
دَوى هَدير المُحركات مِن حَولهما فانطَلقت بِالسياره
دُفعه وَاحده ، فَرت شَهقه مِنهُ لِأندفاعها السَريع مَع أقتِراب تِلك السَيارات مِنها ، لِيهم فِي وَضع الحِزام بُسرعه يَقبض عَلى مِقبض البَاب وَهي تَقود بِيدٍ واحَده فَقط ، لِيراها تَتسابق مَع أحدَى السَيارات بِجانبها وَقد جَف حَلقُه
" بالراحه شويه الله يخربيتك .. وقفي العربيه دي"
" اسفه يامستر ، لكن ماقدرش اوقفها دلوقتي واحنا في وسط السبأ "
رَفعت كِتفاها لِلأعلى بِلا مُبالاه
" انا ماتعودتش عالخساره قبل كده "
أدَارت المَقود لليِسار عَلى أخرُه لِيتمايل جَسدُه عَلى اليَمين ، هَي لَم تَأبه لِلسيَارات المُنافسه لَها بَل كَانت تَتخطَاها يَمينًا وَيساراً يَتمايل جَسدُه مَعها كَزُجاجة مَاء مُضطربه ، لِيدير مُنافسها سَيارتُه لِليمين بِأقصى دَورانها حَتى وَقف أمَامها ، وَحالما ضَغطت هَي عَلى المَكابح اندَفع جَسد " لُقمان " الىّ الأَمام لِيعود للخَلف بَينما هَي فَتحت نَافذة السَياره لِتنظر خَلفها ، تُحدق فِي المِرآه الخَلفيه لِتجد سَيارتين قَد حَاوطوها عَمداً وَبقت هَي بِالمُنتصف صَكت عَلى أسنَانها هَامسه بِداخلها
" اتفقتوا عليا ياولاد ال... البوبي "
مدّت "ليلاس" يدها إلى الدرج الجانبي التقطت شريطة شَعرها السَوداء من داخله، أمسكتها بين شفتيها، بينما كانت أصابعها تجمع خصلات شعرها إلى أعلى، وعيناها لا تُفارق الطريق
" انتِ بتعملي ايه فهميني .. ومين دول "
ضغطت بقدمها على دواسة الوقود بقوة، فارتفع صوت المحرك تدريجيًا حتى صار هديره يملأ المكان، يتداخل مع هَدير السيارات الأخرى
"عارف لعبة عسكر وحرامية، اللي كنا بنلعبها زمان واحنا صغيرين دي ونستخبى من العسكر والجو البلدي ده لحد ما العسكري يمسكك "
اجابها وهو يُحاول أن يَضع عِينيه عَلى الطَريق رَغم ارتِباكُه
" عارفها .. مالها دي "
أمَالت رَأسها قَليلاً عَيناها تُتابع المَسافه بَينها وَبين السَيارات الأُخرى
"أهو إحنا بقى بنلعبها من وقت للتاني، وعلى حسب ما يقرروا في اللعبة مين اللي يبقى الحرامي ومين يبقى العسكر… والظاهر كده إنهم قرروا إن هما اللي هيبقوا العسكر المرة دي، وأنا الحرامي، واتفقوا عليا"
صَنعت مَلامح مُستعطفه تَرمقهِ بِها
" يرضيك يامستر يتفقوا عليا .. "
" وايه اللي هيحصل لو خسرتي "
غَيرت نَظرتها بِنظره أُخرى حَاده تَرفع حَاجبها الأيسَر
" ماتقلقش يامستر انا عمري مابخسر "
صَنع " لقمان " مَلامح مِتقززه مِن فِعلتها
" ما ان شالله تخسري ولا تكسبي انا مالي بالقرف ده كله ردي عليا لو خسرتي ايه اللي هيحصل "
قَال جُملته بِسرعه لِتجيبُه
" هياخدوا العربيه وموبايلاتنا وهانروح مشي "
ضَرب عَلى فَخذُه بِعنف
" يــانـهـارك أزرَق "
.. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .🍁
لَاحت شَفتي "آمنة" تَبتسم فِي رِضا حِين رَأت شَجر اللاڤندر، وأثنَاء تَوجهها إليهِ لامَسها شُعورٌ دافئٌ بِالسكينة ، رَفعت أطراف أقدامها لِتقتطف بَعض الأزهَار، لكن قَبل أن تَمسها أحسَّت بثِقَلٍ خفيفٍ فوق كفِّها.
تَجمدت يَداها حين شَعرت بِهِ خَلفها، نَظرت إلى يَدها المرفوعة ، فإذا بكفِّه يُغلف كفَّها، واقتَربت شفتاه من أذنها
" ماحدش قالك ان السرقه حرام .."
كَان صَوته هَادىء لِلغايه يَصلح لِألقاء تَنهيده لِلنوم
لَكنها التَفتت مُسرعه وَقد دَخل التَوتر مِعدتها مُبعثراً احشَائها رَفعت بَصرها نَحوه كَان يُطالعها وَعيناه تَحتمي بِخصُلاته الأدعَجيه يَرتدي كِمامةٍ سَوداء تُغطى مُعظم وَجهه وَقلنسوه قَاتمه تُغطي فَروة رَأسُه ، لَم تَستطع قَطع تَواصل عينَاهم لِشعورها بِأن ذَاكرتها تَستيقظ لَكنني انزَلت مِقلتاها حَالما شَعرت بِدفء يُعانق يدهَا وَقد ادرَكت انَها مَا زَالت مَحبوسه بِداخل قَبضتُه
.. .. .. 🍁.. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁 .. .. ..🍁
إن كَانَتْ كَلِمَاتِي قَدْ وَجَدَتْ لَهَا مَقَامًا فِي قَلْبِكِ، فَلَا تَبْخَلِي بِقلب يَضيء لِي الدَّرْبَ، وَتَعْلِيقِ يُنْبِتُ فِي رُوحِيَ الرَّغْبَةَ فِي الاسْتِمْرَارِ✨
𝓜𝓪𝓱𝓮𝓮 𝓐𝓱𝓶𝓮𝓭🥀
تكملة الرواية بعد قليل
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا

تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا