رواية لأنه موسى الفصل الرابع عشر 14بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية لأنه موسى الفصل الرابع عشر 14بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
البَاب الرَابع عَشر chapter fourteen l
أغرِقوا ال مُوسى بِقلوبَكم
دَعمكم هَو وَقودي لِلأستِمرار
ولأَنهُ موسَى
𝒜𝓃𝒹 𝒷𝑒𝒸𝒶𝓊𝓈𝑒 𝒽𝑒 𝒾𝓈 𝑀𝑜𝓊𝓈𝒶
-----------------------------
. -------------------------
رَمشت " امنه " تُطالع الكَلمات مِرارا وتكرارا
"لابُد أنَّه هو، ذاتُ الخَط، ولونُ الحِبر، وتلك الحِدّة في التِواء الأحرف وتشابُكها.
"لا أفهَم... ما الذي يُريد هذا الخفّاش المُظلم أن يُوصِله إليّ؟ كلماتُه مُشفّرة، مغلقة عليّ كمفتاحٍ ضاع مِنه قفلُه."
لَم تَعد "امنه" قَادِرة عَلى حِمل جَسدِها، فَجلست فَوق السَّرير مُتربِّعة، تَرفع بَصرها مُرتجِفة، جُفونها تَتسع في صَمتٍ مُثقَل تُحدِّث نَفسها هامِسة
"وَلكن... كَيف يَكون ذلِك؟ هَل اقتَحم غُرفتي في غَفلتي وخَطّ جُملتَه؟ لكِن لَو فَعل، ألا كُنت سأنتبِه؟ نَومي خَفيف كَجَناحِ فَراشة... كَيف لم أَشعر؟"
تَسارَعَ نَبضُها ، وحينَ سَرت إلى ذاكِرتها تِلكَ اللّحظة، كادَت القُشعريرة تُسقطها
"مَهلاً... الآن تَذكرت، يَوم كُنتُ في مَكتبة جَدّي... لقد أزاح الكِتاب وأَبدله بآخر، كَيف لم ألحَظ ذلك؟ وكيف استطاع أن يَفعلها؟ لم تَكن سِوى ثَوانٍ معدودَات، وَهو لَم يَكُن بِالجوار وإذا بِالكتاب قد تبدّل مِن بَين الأَرفُف "
ارتجف صَوتُها وهي تُهَتف، والفُضول يَنهش تَفكيرها
"ماذا يُخفي؟ وماذا يُريد أن أَكتشِف ذاك الخُفاش ذَا الرِداء الأَسود ؟
أسرَعت "آمنة" تَلتقط دَفترها العَتيق، كَمن يَخشى أن يَتبخر صَدى كلماتُه قَبل أن تُمسكه.
وَضعت القَلم بَين أصابِعها المُرتجفة ، تِدون عَلى صَفحاتُه الصَفراء جُملتُه
" حَبه من رُمّانٍ قديم... تُخفي بين تجاعيدها قلوبًا هشّة ما زالت تنبض، وما زالوا يُفتّشون عن يدٍ تُنصت 🍒"
سَطّرت كلماتُه في دَفترها، وأتبَعتها برَسم غُصن رُمّان، يُشبه تمامًا ما رأتْه يعلو السَقف. ثُم أغلَقت دَفترها ، تَتساقط مِنهُ أورَاقه الصَفراء كَأنها هَاربة مِن ثُقل الذِكريات لامستَها بِأنامل مُرتجفة، قَبل أن تَهمس بِخفوت
"لهذا اخترعوا الكُتب... ليحفظوا لحظةً واحدةً من الانطفاء قبل أن يبتلعها النسيان "
تَوقفت مَكانها تُطالع السَقف فِي شِرود مَره أُخرى ، وَلكنها جَفلت لِصوت شَقيقها مِن خَارج حُجرتها جَعلها تَضع الكِتاب فِي الدَرج مُسرعه وَتهم بِالخروج مُنتشله الدَواء مِن عَلى الفِراش
" امنه لاقيتي الدوا ولا لسه وتعالي افتحي الباب "
" ايوه .. لاقيتُه"
وَحالما خَرجت أعطَت الدَواء لـ " مصطفى " بِينما هَي تَحركت نَاحية البَاب حِينما سَمعت رَنينُه ، لِتجد
" حبيبه " أمَامها بِأعين زُجاجيه تُحاول جَاهده مَنع البُكاء
" حبيبه .. انتِ بخير "
ارتَفع ثِغر " حبيبه" فِي شِبه ابتِسامه لُتجيب بِنفيٍ وَقد كَان بِعيونها مَا كَان بِركود المُستنقعَات
" لاء .. انا مش بخير "
دَفع " مصطفى " كُرسيه لِلأمام وَقد بَدأ القَلق يَتملكُه
" في ايه ياحبيبه .. مالك .. ادخلي .. واقفه ليه "
قَضمت عَلى شَفتاها ، تَقبض عَلى حَمالة حَقيبتها وَهي تَهم بِالدخول لِتُلاحظ "امنه" احمِرار كَفيها
وَملامحها المُتألمه ، لِتسحبها مِن يَدها
" تعالي معايا ياحبييه .. عايزاكي "
هَي أفلَتت يَديها وَلكنها استَمرت بِالسير خَلفها ، وَحالما وَصل الىّ بَاب غُرفتها طَلبت " امنه " مِن شَقيقها الانتِظار بِالخارج بَعد الحَاحاً مِنها ، اغَلقت البَاب واستَدارت تُطالع " حبيبه " مُبتسمه لَها
" لازم نعقم الحرق اللي في ايدك قبل ما يلتهب اكتر من كده ياحبيبه "
أردَفت " امنه " بِكلماتها اثنَاء أحضَارها لِبعض المُعقمات والقُطن
" ممكن بس ترفعي كُم فستانك شويه "
تَوجهت نَحو " حبيبه " لِتراها جَالسه عَلى طَرف السِرير وَحالما ابتَسمت لَها ، أشَاحت بِوجهها لِتتنهد
" حبيبه "بِقلة حِيله قَائله
" انا اسفه ، بس مش عايزه اول مقابله بينا بعد الحفله تشوفي فيها دموعي "
طَالعت " امنه " البُقعه الحَمراء التّي تَكونت عَلى يَديها ، تَقضم شَفتاها وَاضعه يَدها عَليها لِتشعر بِأنكماشها
" انا اسفه ، وجعتك ياحبيبه"
" بتتأسفي على ايه ، اذا كان اللي حرقتني اصلاً ما عتذرتش ، وانتِ اللي بداويني تعتذري "
شَرعت "آمنة" تُمرِّر قِطعة قُماشٍ بَاردة عَلى مَوضع الحَرق، فَتراجع الاحمِرار قَليلًا تَحت لمسَتها، ثُم أتَبعت ذَلك بطبقةٍ رقيقةٍ مِن الزَيت، قَبل أن تُحكم تَغطية المَنطقة بِالضمَاده
" خلاص ياستي خلصنا اخيراً "
.. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁
انتَهى اليَوم الدِراسي ، لِتنزل " نورا " مُسرعه الىّ الأسفَل يَسكُنها تَوتر يَتماوج مَع ارتِباكٍ خَفي ، تُمشط خَطواتها نَاحية البَوابه الرَئيسيه لِلخروج ، لَكن أَوقفها صَوت فَاستدارت لِترى " لقمان " يَتجه نَحوها وَهي تَدعي الله بِداخلها إلا يَسألها عَن شَىء
تَوجه نَحوها وَعيناه تَجولان فِي الأرجَاء وَهو يَرمق كُل مَن يَمُر أَو يَقترب مِنهم بِنظراتٍ قَاتله تَجعلهُم يُخافون مِنه لِدرجة أنَها شَعرت بِرهبه مُنه لِلحظات ، فَسألتهُ بِنبره مُرتجفه
"ف..في حاجه يامستر"
أَجابها وَقد نَظر اليِها أَخيراً
" لا ابداً ، انا بس شوفتك بتلمي حاجتك بسرعه
وبتحطيها في الشنطه ، ووقع منك القلم ده "
انتَشلتهُ منِهُ ، وَتحركت وَتركتهُ ، استَدارت لِتراه يَقف بِهدوء ، وَحين عَادت تَنظر لِلأمام تَأوهت لِشىٍء صُلب قَد اصطَدم بِها
" ا .. انا مخدتش بالي "
رَمى " كريم" حَقيبتُه المَدرسيِه يُعبر عَن غَضبُه وِبجانبهُ " ليلاس " التّي تَقف مُتربعه تَرمُقها بِنظرات مَليئه بِالأحتِقار
" كده تخبطي في ولاد الناس ، نعمل ايه احنا دلوقتي في حالته النفسيه اللي هتدهور بِسببك دي "
وَكزتها " ليلاس " بِاصبعها فِي كِتفها بِقسوه لِتتراجع
" نورا" لِلخلف مِن شِدتها
" انا شايفه انك لازم تعتذري لكريم على خبطتك
اللي توجع دي "
حَاولت " نورا " ان تُتابع سَيرها فَوجدت " كريم " وَقف أَمَامها وَقد تَحولت مَلامحهُ الى مَلامح أشَد
قَسوه ، ضَاقت عَينا "نورا " بِهلع ، وَتقهقرت لِلخلف بِذُعر تَمكن مِنها وَهي تَرى ابتِسامته التّي تَمقُتها أَشد المَقت
" افتكر ان كريم هو اللي ظهر قدام نورا فجأة .. يعني هو اللي لازم يعتذر مش هي "
ذاك الإحساس حين يَرتجف الجَسد مِن البَرد، ثُم يُلقي عليك أَحدهم غِطاء دافئًا... تلك القشعريره المحببه لأنفسنا هي ما اصابتها حين وجدت "لقمان" الذي توسطهما يُدافع عَنها ، منتظراً ما سيفعله هؤلاء وَلم يَنتظر كَثيراً حِين وَجد "ليلاس" تَقدمت نَحوه
" ما بلاش انت يامستر تدخل في المواضيع اللي مالكش فيها ، اقعد في حالك وكُل عيش "
قَالتها "ليلاس" فَتقدم "كريم" خَطوه نَحو "نورا"
لِتتراجع هَي بِلا وَعي حتى استقرت خلف "لقمان" وَكأنها أَخيراً وَجدت مَا يَحجبها عَن أعيُنهم لَم يَمهلهُ "لقمان" فُرصة لِلاقتراب أكثَر، فَاعترض طَريقُه ، ثُم أدَار رأسُه نَحو "ليلاس" وهو يَنطق بِسُخريه لاَذعه لا تَخطئها الأُذن
"العيش ده انا اللي بأكلهولك ، اصل انا ابن فران"
مَدت "نورا" كَفها تَتشبّث بِطرف قَميص "لقمان" من الخَلف، فارتجف في داخله للحظةٍ لم يتوقّعها، والتَفت إليها بنظره خَاطفه، يَلمح في عَينيها خوفًا تَستجدي الأمَان
تَجمّع الطُلاب حَولهم، يَرفع كُلٌّ مِنهُم هاتِفه ليُسجِّلوا ما سيحدُث مِن شِجارٍ بَدا وَشيكًا. تَفحّصت "ليلاس" المَشهد بِعينٍ مُترقِّبة، وحين رأت "ليلاس" الجَميع يُصوّر، مَدّت يَدها تُمسك بِيد "كريم" وتَجذبه إلى الخَلف تَوجه حَديثها " للقمان "
" لا ، عجبتني يابن الفران بس خليك فاكر اني نبهتك وقولتلك كل عيش "
ارتَسمَت على وَجه "لقمان" ابتِسامة ساخِرة.
" انتِ ليه محسساني اني باكل كرواسو "
هَزّت رَأسها مُلوِّحة بالتَّهديد.
" هنشوف .. بس ماترجعش تندم بعدين "
تَراجعت "ليلاس" ومِن خَلفها "كريم" وسَحبَت الجَموع أنفُسها بالتدريج، فاغتنَمت "نورا" الفُرصة وتَحركت مُسرعة، يَتبعها خُطى "لقمان"
" نورا ، استني انتِ كويسه "
أدارت وَجهها إليه، تَطفُر الدُّموع مِن عَينيها وتَفيض بلَومٍ مُرّ.
" ايه اللي خلاك تدخل بس ، انت مالكش ذنب في كل ده ، باين عليك طيب وغلبان ، انت ما تعرفش ليلاس ولا تعرف كريم ، ياريتك ما ادخلت ، ياريتك كنت سيبتني انط ساعتها وكنا نخلص "
تَركتهُ تَحت نِداءاته، لم تَقف ولم تَلتف، بل أسرعت تَدلف إلى السيّارة وتُغلق البَاب وراءها، تاركةً إيّاه واقفًا يَتأمّلها بِحَيرة لا يَملك لَها جَوابًا.
.. .. .. .. 🍁. .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. 🍁
جَلس " ادم " فِي قَاعتُه عَيناهُ تُفتشان بَين المَقاعد عَنها وبَين الوُجوه ، ثُقل صَدرهُ حِينما لَم يَجدها ، زَفر يُطالع عَقارب سَاعتهُ بِملل ، وَما ان أُعلن خِتام المُحاضره ، غَادر القَاعه ليِقع بَصرُه عَلى " هنان" بِالخارج تَتكىء عَلى سَطح سَيارتها
تَنعم بِحديثها مَع شَاب يَقف بِجانبها ، وَقف يُطالعها لِلحظاتٍ عَلى بُعدٍ ، وَضحكاتها تَتسرب الىّ أُذنه وَكأنها تُضاعف ضِيقه ، شَد قَبضتُه عَلى كُتبه وَهو يِواصل سَيرُه
التَفتت " هنان "لِلخلف وَما أن وَقع بَصرها عَليه تَحركت نَحوه مُسرعه تُناديه بِصوتٍ مُرتفع عَل يَصل اليِه وَحين تَوقف هَتفت بِصوتٍ لَاهث
" ايه يا ادومه .. كل ده مش سامعني ده انا الجامعه كلها سمعت صوتي يا اخي .."
عَقد حَاجبيه لما قالتهُ مُشيراً لِنفسُه
" أنتِ تُقصديني انا بِأدومه .."
ابتَسمت لهُ لِيرتبك ، لَيس مِن عَادتها الابتِسام لهُ بِبساطه هَكذا . هُناك شَىءٍ مَا بِها قَد تَغير
" ايه .. شيفاك مستغرب اني ناديتك بِأدومه مش ادم ، اصل بصراحه بقى عندي ابن اختي برضوا اسمه ادم ومش بقولوا غير ادومه "
أردَفت " هنان " أثناء تَفقدها لِحقيبتها بِينما هُو جُزء بِداخله قَد خُدش وتَمتم
" ابن اختك !! "
تَوقفت عَن البَحث لِترفع مِقلتاها نَحوه ، تَخرج صِوره فُوتوغرافيه مِن مَحفظتها
" بص ، ده ادومه ابن اختي ، شايف زي القمر ازاي .. تحس انه شبهك نفس العيون الرمادي كده "
تَبسم فِي ايِماءه حَرجه يَضم كُتبه اليِه ، تَاركاً ايِاها لِيرحل ، تَحركت لِتتبعهُ وَاضعه المَحفظه جَوف حَقيبتها ، وَرؤيتها لهُ يَسرع فِي خَطوته
" ادم استنى ، انت مشيت ليه انا مش بكلمك "
تَبعتهُ " هنان " لِتسير بِجانبُه
" انا قولت حاجه ضايقتك طيب "
نَفى بِرأسُه وَكله تَساؤل عَن سَبب سَيرها بِجانبُه
" انتِ ، انتِ بتيجي ورايا ليه "
جَحظت مِقلتاها لِسؤاله تَستدير نَحوه وَسط صَدمتها
" انا.. انا كنت جايه اديك دعوة عيد ميلادي هو كمان يومين "
قَضم شَفتاه فِي حَرج ، يَتفادى النَظر اليِها ، وَهي تَمد كَفها لهُ بِالدعوه قَائله
" لو حابب تجيب اي حد معاك براحتك "
ظَل يُطيل النَظر إلىّ الدَعوة دُون أن يَمد يدُه، فبَادرت هَي بِسحب كَفه بِرفق تَودع الوَرقة بَين أصابعُه
"خدها ولو مش عايز تيجي ماتجيش ، بس خدها
عشان لو غيرت رأيك "
انتَفض " ادم " مِن لَمستها ، تَرى الذُعر عَاريًا فِي عِينيه ، ابتَلعت " هنان " ريِقها بِصعوبه وَقد صَدمها رَد فِعلُه
" انا ، انا اسفه انا مش عارفه انا عملت ايه ، لو مش حابب تيجي خلاص "
تَمالك " ادم " نفسه يَتجنب النظر لها وَهو يَرفع نظَارته مِن عَلى ارنَبة انفُه
" انا ، انا مش بحب حد يلمسني"
زَفرت " هنان " وَهي تَومأ بِرأسها بِراحه
" انا مكنتش اعرف "
أشَارت بِسُبابتها لِلخلف ،تَبتعد عَنهُ بِخطواتها
" انا همشي بس لو مش حابب تيجي ، خلاص مش مشكـ
أومَأ بِرأسُه ايِماءه خَفيفه لِليسار يَبتر حَديثها
" لو معايا فلوس هاجي .."
تَوقفت" هنان " تُطالعهُ وَقد تَشكلت عُقده مِستغربه
مِن رَده ، لِيُعقب هُو
"علشان .. علشان ده عيد ميلاد ولازم لما اروح عيد ميلاد نجيب هديه .. عيب لما مانجيبش هديه "
ابتَسمت بِارتباكٍ وَاضح تَخبرهُ بِمشاعر مُختلطه لِبرائتهُ وبساطتهُ التّي سَحبتها مِن زِحام التَعقيدات ، كَأنهُ يَبصر الدُنيا بِعيونٍ لَم تَلوث بَعد
" بس انا مش عايزه هديه "
رَمشت تُطالعه فِي ارتِباك تَقضم شَفتيها وَنبست
" كفايه انك تيجي "
اعَدل مِن وَضع حَقيبتُه عَلى جَسدُه ، يَضم كُتبه الىّ صَدرُه بِقوه يَخبرها وَهو يُطالع الأَرضيه
" عيب .. عيب لازم نجيب هديه ، ووعد لو معايا فلوس هاجي "
انعَكست فِي عَيني " هنان " لَمعه دَافئه ، اشبَه بِخيط فِضول شَفيف يَدعوها لِتعرفهُ أكثَر ، تِجاه ذَاك الصِدق الطفُولي الذِي يَكسو كَلِماتُه
.. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁
رَفعت " حبيبه " كَف يَدها تُطالعه لِتجبر شَفتيها عَلى الابتِسام
" شكراً ليكي يا امنه تعبتك معايا .."
ابتَسمت " امنه " لِلطفها لِتُعيد الزَيت الىّ الخِزانه
" شُكراً ليه ، مش المفروض واحنا في الحفله انتِ قولتيلي ان احنا باين علينا هنبقى صحاب ولا رجعتي في كلامك "
هَزت " حبيبه " رَأسها اثنَاء كَتمها لِصوت رَنين هَاتفها ، ثُم اقتَربت " امنه " مِنها وَهي تَهتف
"طيب يبقى بتشكريني ليه بقى طالما بقينا صحاب "
نَبست وَقد أَدارت جَسدها عَنها لِتلتقط المِشط الخَشبي مِن جَانبها تُحاول أن تَفتح مَعها حَديثًا
" امبارح اخدت دش ومن كتر التعب نسيت اسرح شعري "
تَقدمت "امنه" لِتجلس أمَامها عَلى الأرض وَسط استِغرابها
" ايه رأيك ياحبيبه تسرحيلي شعري "
أومَأت " حبيبه " وَهي تَلتقط مِنها المِشط الخَشبي ثُم أردَفت
" انا عارفه انك بتعملي كده عشان تطلعيني من الموود اللي انا فيه "
قَسمت " امنه " شَعرها لِنصفين وَهي تَغمض عيِنيها
" مين قالك .. كل الحكايه ان انا زي ما انتِ شايفه شعري تقيل وطويل وما صدقت الاقي حد يسرحه بدالي "
ابتَسمت " حبيبه " وَاثنَاء بِدأها لِتهذيب شَعر
" امنه" رَن هَاتفها مُجدداً لِتقوم بِكتم الصَوت مَره أُخرى ، التَفتت لَها " امنه " بِقول
" لو حابه اطلع بره عشان تردي ..
قَاطعتها " حبيبه " وَهي تَنفي بِرأسها
" لا لا ابداً ، خليكي دي صاحبتي وعشرة عمري ، انا اصل رنيت عليها كتير ومكانتش بترد روحت بعتلها مسيچ قبل ما اجي اني مضايقه ومخنوقه وهي اول ما فتحت شافتها ومن ساعتها كل شويه تتصل وعايزه تيجي في المكان اللي انا فيه بس انا كنت جيت هنا خلاص .."
شَفتا " امنه " قَد تَقوست لِلأعلى لِكلامها الأَخير تَقترح عَليها
" طيب ما تبعتلها اللوكيشن وخليها تيجي "
هَززت " حبيبه " رَأسها نَافيه
" لا مش هينفع انتِ ماتعرفهاش وبجد هتصدعك "
مَدت " امنه " كَف يَدها بِالهاتف
" بالعكس مش هتصدعني ولا حاجه وبعدين انا ماليش حد هنا ، ومحتاجه اني اكون صحاب وطالما هي صحبتك يبقى اكيد هتبقى صحبتي انا كمان "
وَافقت " حبيبه " وَقد أرسَلت لِصديقتها المَوقع ، وَأمسكت بِالخُصلات لِلأعلى لِكي لاَ تَتألم " امنه" تُحاول قَدر المُستطاع أن تَكون حَنونه عَليها ثُم نَبست
"مش عارفه ايه اللي خلاكي تيجي على بالي يا امنه لما صحبتي ماردتش عليا ، حسيت اني هحس بالراحه معاكي هنا ، وماحبيتش اتصل بمصطفى عشان كل ما احكيله بيحس بالعجز اكتر
وبيضايق اكتر مني لما بيلاقيني مضايقه وانا مش ببقى عايزه اضايقه "
قَضمت " امنه " شَفتاها تَنتظرها أن تُكمل ، صَمتت لِثوانٍ وَقد أَردفت وَهي تَبدأ بِتهذيب الجُزء الأخر
" حتى موسى اللي ماليش في الدنيا غيره بضطر ساعات اخبي عنه حاجات ، علشان بجد هو شاف من الدنيا كتير ، موسى ده مش اخويا وبس لاء ، ده ابويا وصاحبي وحبيبي وكل حاجه ليا في الدنيا "
شَردت وَقد صَنعت اَكاليل مِن خُصلاتها
" لو يطول يبقى مكان امي مش هيتردد لحظه ، وجوده محسسني اني مش عايزه حاجه تاني من الدنيا ،علشان كده بضطر اخبي عليه علشان مش عايزاه يشيل هم على همه وهو فعلاً مش ناقص "
اتَسعت حَدقتا " امنه " التي أُلجمت عَن الحَديث بَينما هَي قَد فَرغت مِن التَصفيف دُون أن تَنتبه، رُبما لأنّ حَديثها أخذهَا بعيدًا، حَتى نَسيت مَا كَانت تفعلُه
" نفسي اوي اتجوز انا ومصطفى ونبعد عن هنا خالص عن بابا وماما ومرات ابويا واشيل حملي من على كتاف موسى عشان يشوف حياته بقى "
نَاولتها " امنه " الشِريطه وَصمت أَطبق عَليها لِتكمل شَاعره بِابتسامتها
" ويتجوز واشوفله اولاد وابقى انا عمتو الحربايه
مع اني عمري ما هبقى حربايه حتى لو مراته كانت حربايه "
فَاقت " حبيبه " مِن شِرودها لِتجد انها قَد أنهت تَصفيف شَعر " امنه " ثُم أخبَرتها بِدهشه
" اي ده .. ما اخدتش بالي .. مش عارفه ازاي ما اخدتش بالي اني خلصت تسريح شعرك يا امنه"
نَهضت " امنه " لِتجلس جِوارها عَلى طَرف الفِراش تَمسح بِقايا دِموع " حبيبه " العَالقه بَين اهدَاب عَيناها ثُم نَقرت جَبينها تُطمأنها
" كل واحد في الدنيا دي عايش وشايل همومه جواه ، وحاسس ان همومه هو اكبر هم في الدنيا
بس بكره المشاكل تتحل والهموم صدقيني هتنزاح
وزي ما موسى بيحاول يسعدك ، انا كمان بحاول اعمل كل اللي اقدر عليه علشان تتجمعي انتِ ومصطفى في بيت واحد في يوم ، وقتها بس هتعرفي ان كل اللي فات ده مجرد ذكريات اليمه هتتنسي ، علشان الذكريات الحلوه بدأت خلاص "
جَحظت مِقلتا " حبيبه " وَلم تَبدي اهتِمامًا بِما قَالتُه وَقد نَال مِن " امنه " الارتِباك لِمقلتاها التّي تُلاحقها وَهذا مَا جَعلها تَسأل
" مَ..مَا بِك ، هَل قُولت شَيئًا خَاطىء "
شَفتا " حبيبه " تَبسمت بِمكر وَلم تُزحزح مِقلتيها عَنها
" غريبه .. موسى برضوا بيفضل ينقرني بصباعه كده على قورتي نفس اللي عملتيه بالظبط"
ابتَسمت " امنه " بِأستغراب لِحديثها ثُم قَطع حَديثهما صَوت نَقر البَاب لِتهتف " حبيبه " بِحماس
" دي اكيد ليلاس جت "
.. .. .. ..🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. .. 🍁 .. .. .. ..🍁
مَضى يَومان مُنذ آخَر لِقاء بَينهُما، فَوجد "أنس" نَفسُه واقفًا أسفَل بَيتها، وَكأن القَلق سَاق خُطاه رَغمًا عنهُ. تَجاهلت سمر" رَسائلُه، لَكن قَلبُه ظَل يَطرق أبوَابه رَغبة فِي الاطمِئنان عَليها
حَتى لَمحها تَطلّ مِن الشُرفة، تَجمع المَلابس عَن الحِبال. انسَاب فِي دَاخلُه سِكونٍ خَفيف، لَم يدرِ مِن أيِن ؟ حِين رَأها بِخير ارتَسمت شِبه بَسمه عَلى ثِغرُه
لِتقع عَينا "سمر" عَليه، حَالما نَظرت لِلأسفل ، مَرت ثَوانٍ قَليله تَشابكت فِيها نَظراتهُما ، ارتَبكت "سمر" عِندما جَاءت كَلمات "والدتها " لِمسمعها
" ســـمـــر .. كل ده بتلمي الغسيل "
سَحبت "سمر " مَا تَبقى مِن المَلابس بَين ذِراعيها عَلى استِعجال ، ثُم أسرَعت إلىٌ الدَاخل. تَشكلت عُقده مِن بَين حَاجبي "أنس" لِدخولها المُفاجىء
وَهو يَأخُذ نَفسًا عَميقًا ، حَتى جَفل عَلى ذِراعي شَقيقُه " نوح " وَهو يَضعها عَلى مَنكبيه ، يُحاوطه
بِقوه
" ايه عينك يسطا .. راشقه في بلكونة الجيران "
رَفع "أنس" يَدُه ليُحرّر كَتفيه مِن قَبضة ذِراع شَقيقُه الثَقيلة
" يسطا .. خضتني يسطا فكرتك حد تاني "
سَار " نوح " بِجواره وَهو يَهتف
" لا الحد التاني على اول الشارع الاولاني لسه جاي من عنده دلوقتي غرقان لشوشته في توضيب الصيدليه بتاعته مع العمال "
فَتح " انس" فَمه فِي تَفاجؤ نَابسًا
" ياسطا انا مش قصدي على طه يسطا ، انت بتقول ايه بس "
وَقف " نوح " عَلى عَتبة بَيتهم يُعيد تَأكيد مَا قالُه
" لا يسطا ، ورب العز واللي خلقني وخلقك قصدك عليه ، خايف طه يشوفك وانت واقف تحت بلكونتها يسطا ، علينا احنا الكلام ده "
حَاول "أنس" التَهرب مِن الحَديث، وأشَار بِعينيه نَحو الدَرج"
" اطلع يانوح ، اطلع يسطا الله لا يسيئك عايزين ننام شويه صاحيين من امبارح ، انت باين عليك فاضي "
وَلكن قَاطعهُما صَوت " نجاح " القَادم مِن النَافذه السُفليه
" واد يانوح ، واد يا انس "
مَسح " نوح " عَلى وَجهه بِنفاذ صَبر ، بَينما قَضم
" انس" شَفتاه مَانعاً ضِحكتُه مِن الخُروج نَابسًا
" قابل ياسطا ، قولتلك اطلع فضلت واقف ترغي في المرغي وتحكي في المحكي "
" ياواد تعالى انت وَهو في ايه هو انا حاكلكم ده انا حتى جيبالك عَروسه ياواد يانوح "
اردَفت بِها " نَجاح " أثناء تَمسكها بِالقضبان الحَديديه لِلنافذه السُفليه لِيُجيبها " نوح " بِنفاذ صَبر
"ياوليه ، ياوليه حد قالك اني عايز عروسه ياوليه"
أَردَفت " نَجاح " وَهي تَحاول اقنَاعُه
" ياواد دي نجفه دي لهطة قشطه "
أَشار بِيدهُ بِلا مُبالاه
" شُكراً انا عامل دايت "
مَدت كَف يَدها مِن بَين القُضبان تَسحبهُ مِن أُذنه
بِحده
" ياواد مش لما تعرف هي بتشتغل بأيه الاول "
قَبض عِينيه بِقوه يُحاةل تَحرير أُذنه مِن بَين أنَاملها
" اكيد بلمبتين هتشتغل بأيه طيب "
تَدخل " انس " بِحديثهما
" سيبي ودن الواد يانجاح ، صرصور ودنه هيطلع في ايدك يامفتريه "
حَررتهُ " نجاح " مِن بَين أنَاملها ليِهرول كُل مِنهما لِلأعلى
بَينما "سمر " القَت المَلابس مِن بَين ذِراعيها عَلى السِرير وَهي تُطالع السَيده "وداد " التّي سَحبتها لِلكلام وَلم تَتوقف عَن الحَديث لَكن
تَركيز " سمر " لَم يَكُن مَعها ، بَل التَف شِريط تِلك الذِكرى حولها حيِن قَفزت الىّ دَاخل سُور المَدرسه مَع " أنس " ليُعانقها فَتملكها الدِفء ، حَالما تَذكرت
" انا مش عارفه ازاي وافقتك اني انط من على السور وندخل جوه المدرسه "
طَرف " انس " بِعيناه نَاحية المَبنى وَقبل أن تَنبس بِبنت شِفه ، أمسكَها مِن يَديها أخذاً أيَاها
لِلداخل ، وَقد عَقدت حَاجباها لِتصرفُه نَابسه
" أنس ، احنا بنعمل ايه هنا تبقى مصيبه لو حد شافنا ، هيقولوا علينا ان احنا بنسرق المدرسه وهانروح في داهيه "
تَرك يَدها ، واستَدار يَومأ لَها
" نسرق المدرسه مره واحده ، ايش ياخد الريح ، دي المدرسه واللي جواها عايز اللي يبوسهم ويحطهم جنب الحيط "
أشَار بِيدهُ لَها
" تعالي ورايا بس وبطلي خوف مكنتيش كده واحنا صغيرين "
أومَأت لِحديثُه وَهو يَراها تَبتسم مَع نَفسها حِين تَذكرت تِلك الجِدران ، دَلف " انس " الىّ احدى الحُجرات المَدرسيه بِدهشه
" اهوه فصلنا اهوه ياسمر ٣/٢ فاكراه "
نَبست لِتنظُر لِلأعلى لِأرقام الفَصل المُعلقه عَلى البَاب ، وَكأنها تُفتش بَين ذِكرياتها ، ليَراها تَبتسم ابتِسامه صَغيره
" طبعاً فكراه .. وهو ده يتنسي "
دَلف " انس " يُفتش بَين المَقاعد حَتى وَجد ضالتُه
المَقعد الذِي نَقش عَليه حُروف اسمَائهُم حِين كَانوا صِغاراً فَصاح بِقول
" اهيه لاقيتها .. التخته اللي كنت بنقعد عليها انا وانتِ واحنا صغيرين "
جَحظت عَيناها وَهي تَقترب مِنها بِذهول
" لاء .. بِتهزر "
" وحياة ربنا .. حتى بصي ده خط مين "
ابتَسمت وَهي تُمرر أنَاملها فَوق الكَلمات بِحنينٍ وَاضح بِعينيها تُمرر انظَارها عَلى اسمَائهم فِي وَهن
" عمري ما هنسى لما كنا صغيرين كانوا بيقعدوا البنات جنب بعض والولاد في صف لوحدهم وانا وانت فضلنا نعيط طول اليوم علشان نقعد جنب بعض وابله كريمه بتاعت العربي عشان تخلص مننا
قعدتنا سوا ، فاكر يا انس "
أَومأ لِيطلق تَنهيده مِرتاحه
" فاكر طبعاً ، في حاجات ماينفعش ننساها حتى لو عدى عليها عمر بحاله "
تبادَلوا نَظرات مازِحة قبل أَن يتزاحَما على ذاك المقعَد الصغير، المقعَد الذي كان يومًا يتسِع لطفولتِهما.
ومَا إن جَلسا حَتى أطلَق المقعَد أَنين خَافت قَبل أَن يَنكسِر تَحت ثٓقلهِما. تدحرَجا إلىّ الأَرض وَسط مُوجة ضحِك لا يشبِه إلا ضحكتِهما القَديمة، وَقد أَعادتهُما اللحظَة لِطفلين لا يَعرفان أَن العُمر قَد مَضى
أجفَلت " سمر " عَلى حَديث السَيده " وداد " وَهي تُناديها
" بت ياسمر ، بتضحكي على ايه يابت هو انا قولت حاجه تضحك "
تَوجهت " سمر " نَحو غُرفتها وَحينما دَخلت اعاده
" والدتها " سؤالها
" يابت هو انا مش بكلمك تقومي تسيبيني وتمشي"
جَلست "سمر " عَلى الفِراش والبَسمه لَا تُفارق شِفاهه سَائله
" هـــا ، انا معاكي كنتي بتقولي ايه بقى "
اقتَربت مِنها " والدتها" تَجلس مُقابلها عَلى الفِراش
" كنت بقولك ياروح امك على هاشم ، هتعملي معاه ايه ، عايز ينزل كمان شهرين يكتب الكتاب على طول ، ايه رأيك "
تَلاشت ابتِسامتها ، واتَسعت مِقلتيها حِين عَلمت بِما يُريده " هاشم " مِنها
" مالك يابت اتاخدتي كده ليه ووشك اصفر "
وَقبل ان تُجيب عَلى سُؤالها ، وَصل رَنين الهَاتف الىّ سَمعها لِتجدُه رَقمًا دَولي ، رَفعت الهَاتف لِتجيب حَتى سَمعت صَرخاتُه تَملىء
" كنتِ فين ياعجله انتِ ، باعتلك الف رساله على الواتساب قافله النت ليه ، كده تخليني اتصل بيكي مكالمه دوليه "
.. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. ..🍁
تَناهى لِ " حبيبه " صَوت صَديقتها مِن الخَارج
" هي حبيبه كويسه .."
لِيطَمأنها " مُصطفى " بِقول
" اطمني هي بخير .. ادخليلها جوه في الاوضه ياليلاس اللي في الوش دي على طول "
وَما ان دَلفت الىّ دَاخل الغُرفه حَتى صَاحت بِـ "حبيبه"
" ما انتِ كويسه وزي القرد اهوه اومال شغاله تبعتيلي ڤويسات وانتِ بتعيطي من الحربايه امك ليه .."
أنهَت " ليلاس " حَديثها بِنبره مُرتفعه نِسبيًا لاَ تَأبه
لِأصحاب المَنزل وَلا لِأحتمالية أن يَتضايق سُكانه
لِتغمض " حبيبه " عَيناها ثُم تَنهدت تِوجه حَديثها
"لِأمنه "
"مش قولتلك بلاش نجيبها دي صداع لوحدها دي ،
طيب على الاقل سلمي الاول على امنه وبعد كده نتفاهم "
تَبسمت " ليلاس" تَلقى السَلام عَليها
" اهلاً .. امنه انا ليلاس صاحبة عمر البت دي وكنا مع بعض في المدرسه "
عَقدت " امنه " حَاجبيها بِاستغراب بِسبب ارتِدائها لِملابس الثَانويه ، وَهي تَعلم بِأن " حبيبه " قَد أنهَت تَعليمها السَنه المَاضيه بِالفعل ، تَحركت "ليلاس" تَتجه نَحو المِرآه تِلون عَيناها بكُحل بَسيط .. تَشعُر بِعَيناها تَصبح غَائره وَأكثر سَوداويه وَعُمقًا عِندما تَخُط أَطرافها بِكُحل تَقليدي نَابسه
" طبعاً انتِ دلوقتي مستغربه ازاي كنا مع بعض في المدرسه وهي مخلصه كليه وانا لابسه لبس الثانوي صح .."
ابتَلعت " امنه " رِيقها وَهي تَشعر بِأحراشٍ تَنهش فِي صَدرها وَلكنها نَبست
" بصراحه اه .. "
وَضعت " ليلاس " مُلمع الشِفاه تُطالعها مِن زَاويه انعِكاسها بِالمرأه
" دي قصه كبيره مختصرها ان انا كل سنه من وانا في اعدادي بحاول اسقط نفسي عشان مانجحش وافضل فتره طويله في المدرسه "
" طيب وليه بتعملي كده .. "
هُما نَظرا الى بَعضُهما لِتتمنى " امنه " ان تَبتلعها الأرض أو تَتبخر فِي الهَواء ، لَقد اندَفع بِها فِضولها
وَهي لاَ تُريد أَن تَتدخل بِما لاَ يَعنيها ، لِتتقدم " حبيبه" امَامها تِوضح لَها
" لا ، ابوس ايدك ما تفتحهاش علشان دي لو اتفتحت مش هتسكت وهتفضل بقى تحكيلك على كل اللي حصل معاها لحد ما دماغك تورم "
استَأذنتها " حبيبه " تَتقدم نَاحيه بَاب الحُجره وَهي تَنبس
" احنا لازم نمشي بقى ، الليل ليل وانا اتأخرت على ماما اوي ..
كَادت " امنه " أن تُفرق شَفتيها لِتعترض الا ان "ليلاس" وَقفت أمامَها نَابسه
" بصي انا عارفه حبيبه عايزه تمشي ليه ، بس سيبك منها هاتي رقمك وخدي رقمي ، انا حبيتك اوي باين عليكي طيبه ومش خبيثه ، اصل بيبان على الوشوش ، ولو احتاجتي اي حاجه رني عليا مش اكتر"
هَتفت بِها "ليلاس" ، وهي تُبادل "آمنة" الأرقام كأنّها تُلقي خَيطًا في مَاءٍ راكِد، تَنتظر ما سيُعيده التيار.
وما إن غادَروا الغُرفة، حتّى بَقي الصَمتُ يُطارد خُطاهم في المَمر، كأنَّ المَكان يَحفظ صدى كلماتٍ لم تُقال بعد.
تَلفّت "مصطفى" ناحيتهم، عَيناه تَسألان ما لم يَستطع اللّسان نُطقه، فَبادرت "حبيبة" تَخفي ارتجافَ صوتها وتُطمئنه بِابتسامةٍ مُتعبة
"أنا بخير يا مصطفى... هبقى اكلمك في التليفون."
لكنّ نَبرتها لم تُقنع حتى الصمت الذي رافقها إلى الخارج ، سَكنت الغُرفة بَعد رَحيلهِم، كأنَّ الصَوت تَوارى خَلف الأبواب تاركًا في الهَواء أثَرًا لا يُمحى.
امتزج عِطر "ليلاس" الثَقيل بِدُخان الشاي البَارد على الطاوله ، وفي الخارج، كان الليلُ يَهبط ببطءٍ على المدينة، يُطفئ الألوان، ويُخفي معه بقايا هذا اللِقاء … وكأنَّه لم يَكن
نَظرت "آمنة" نَحو السَقف مَره أُخرى لِتعيد قِراءة كَلماتُه ، لَكنها لَم تَجد لَها أثَر مِن الأساس ، وكَأنها لَم تَكن مَوجوده بِالفعل ، جَحظت عَيناها وَبعثر اثَاث عَقلها فَكيف لهُ بِمحو كَلماتُه وَهي لَم تُغادر غُرفتها مِنذُ الصَباح البَاكر
.. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. .. 🍁.. .. .. .. 🍁
جَلس مَعاً كُلاً مِن "لُقمان" وَ"نصار" و "موسى"
أَمَام الفُرن فِي أحدَى زَاوياه المُطله عَلى الشَارع الرَئيسي يَتنعمون بِأشعة الشَمس الدَافئه فِي قَلب الشِتاء كَهمسة دِفء تُقيم صُلحاً بَين الجَسد والرَعشه ، جَلسا عَلى مَقعديهُما وَقد تَوسطتهما طَاوله .. هَتف " موسى " سَائلاً
" خير يا حاج .. لُقمان قالي انك عايزني "
أَدار " نصار " وَجهه لِلجانب الأَخر طَالباً مِن فَتى القَهوه المُقابله لهُ
"وحياتك يامحمود تجيب اتنين قهوه عالريحه هنا"
وَجه " نصار " حَديثُه لِ " موسى " سَائلاً
" مش لسه بتشربها عالريحه برضوا "
تَبادل " لقمان " الأنظَار مَع " موسى " الذِي قَال
" لا ، طالما طلبتلنا قهوه عالريحه ياحاج يبقى الموضوع كده كبير وعايزله قاعده "
ضَحك " نصار " بِخفه لِيضع العَامل القَهوه عَلى الطَاوله مُبتعد عَنهم ، شَعر "موسى " مِن نَظرات "نصار" أنهُ يَمنع نَفسُه مِن قَول شَىءٍ مَا وَلكنهُ نَطق بِالنهايه
" شوف ياموسى .. انت عارف يعلم ربنا يابني انك عندي زيك زي لقمان بالظبط ، وعمري في يوم ما أثرت معاك في شىء ولا فرقتك عنه ، انتَ بالنسبالي السند انتَ واخواتك بعد ربنا سبحانه وتعالى .."
أَطلق " موسى " صَوتًا بِالموافقه ليِرجع بِظهره لِلخلف ليُكمل " نصار " حديثُه
"ومن يوم يابني ما ربيتك وانت عارف اني مابدخلش حاجه حرام بيتي ولا اكلتك بقرش حرام"
انحَرف ثِغر "موسى " فِي ابتِسامه شِبه سَاخره ، وَادار وَجهه نَحو " لُقمان " الِذي أشَاح بِنظراتُه عَنهُ
ثُم أَومأ " موسى " وَهو يَهتف
" فهمتك ياحج ، انا فهمت انت عايز تقول ايه ..
لو على فلوس الكافيه جيبتها منين ، فانا كنت مستني سؤالك ده من بدري وعارف انك هتسألهوني .. بس مكنتش عارف انك ممكن يدخل قلبك الشك اني ادخل على اخواتي فلوس حرام في يوم "
بَدا " موسى " مُستاءٍ لِلغايه ، كَما ان أكتافُه تَبدو مُنهكه مِن حِملٍ ثَقيل هَاتفًا
" من اول ما رجعت قصر ابويا من وانا عيل صغير وعرفت انك مش ابويا الحقيقي ولا نعيمه تبقى امي وانت نبهت عليا وعرفتني اني مافيش جنيه من ريحة فلوس ابويا سالم هتدخل بيتك في يوم ، وانا قدرت ده ، ليه دلوقتي جاي ياحج تقلبها في دماغك تاني "
تَمتم " نصار " مُتقدماً نَحوه بِمقعدُه الخَشبي دَاسًا يَديِه فِي جِيوب جِلبابُه
" علشان المره دي الهديه تقيله وكبيره ، الكافيه ده اكتر من مليون وشويه ياموسى ، وانت من اخر سفريه كنت معرفني اني مافيش في جيبك اللي يكفيك لدرجة اني طلعت من بيتي وحطيت في ايديك اللي قدرني عليه المولى عز وجل .."
زَفر " نصار " مَا بِداخلُه مِن ضِيق ثُم وَاصل
" يبقى قولي ايه اللي ممكن يخليك تجيب اكتر من مليون وشويه في كام شهر ياموسى ، نَور ابوك يابني عشان دماغي ضلمت من كتر التفكير "
هَمس لهُ ، لِيدحرج " موسى " مِقلتيه نَاحيه
" لقمان " الذِي هَتف مُدافعًا
" اسمحلي ياحاج اقولك ان موسى مهما يحصل عمره ما هيدخل علينا قرش حرام في يوم ، ومن غير ما اعرف هو جابهم منين انا واثق فيه ، زي ما انا عارف انك انت كمان واثق فيه .."
هَب " موسى " مِن مَكانُه وَهو يُفرق بَين شَفتيه لِيتحدث
" لا يالقمان .. لا انت ولا الحج واثقين فيا ، لو كنت واثق فيا زي ما بتقول مكنتش خليت الحاج يسألني سؤال زي ده بما انك انت اللي قولتلي انه عايزني يبقى انت اكيد كنت عارف هو عايزني في ايه .."
ثُم طَالع "الحج نصار " يُوجه حَديثُه لهُ
" واطمن ياحاج نصار ، كل الحكايه ان جدي الحاج غنيم باع حتة ارض في سينا واداني فلوسها اعمل بي المشروع اللي كان نفسي فيه طول عمري ده غير شقايا وتعبي السنين اللي فاتت ، وانا قولت اتلم انا واخواتي وندارى في المشروع اللي طول عمرنا بنحلم بي ، ويشهد عليا رب العالمين شغل ابويا ده انا بعمله غصب ، وشايل روحي على كتفي ، بس ماقداميش اختيار تاني .. كل املي ان اختي حبيبه تتجوز عشان تبعد عنه ، وامي في يوم ترضا عني عشان اطلع من تحت جناحه ، ومكانش العشم ياحاج نصار ، يابويا .. ياللي مربيني .. تشك في تربيتك ليا في يوم "
فَرق " لقمان " شَفتيه لِيتحدث لَكن " موسى " قَاطعُه وَتَركهم مَتخبطين بَين افكَارهم يَحدقون بِه وَهو يَتوجه نَاحية مُوتوره الذِي يَقبع عَلى بُعد أمتَار مِنهُم ، حَاول " لقمان " اللِحاق بِه وَلكنهُ أدرَك
أن " سعد " و " والده " وَمعهم ثَلاث رِجال لِكُل مِنهم بِنيه ضَخمه يَقتربون مِن " الحج نصار"
وَقف " والد سعد " بِالمُنتصف وَخلفه ابنُه وَمن مَعهُ
يَستند عَلى عُكازه بِيديه الأثنَتين وَقد بَانت نِيتهُ الحَاقده مِن نَظراتُه نَابسًا
" الا يعني يانصار فات على كسر عيالك لدراع ابني يوم واتنين وعشره وانا مش راضي اقل بأصلي ومستنيك تيجي وتجيب عيالك تبوسوا الايادي يمكن ارضا عنكم ونتصافى
لَمح " هيما " شَقيق " بِشر " مَا يَحدث لِيهرول مُسرعًا نَاحية الشَارع الرئيسي ليِرى " موسى "
وَهو يَصعد عَلى موتوره قَائلاً
" مــــوســــى ، مـــوســى الحق ابوك الحاج نصار ، الحاج منعم وسعد ابنه راحولوا ومعاهم رجاله وناويين عالشر "
بَينما وَقف " لقمان " أَمام وَالدهُ يَرُد بَدلاً عَنهُ
" غريبه !!
مع ان احنا كنا مستنينكم تيجوا تبوسوا الجزم ، وبرضوا مكناش هنتصافى "
" لما الكبار ياحبيبي يتكلموا العيال الصغيره يسكتوا "
أَردف بِها " الحاج منعم " وَهو يَقترب رافِعاً عُكازه
لِيدفع بِه " لقمان " لِلخلف وَلكن كَتف " موسى " كَان الأسرَع، تلقّى الضَربة بَدلاً عنه بثباتٍ، قابضًا عَلى طَرَف العَصا بكفِّه يَنبس بِصوتٍ هَادىء
" الكبار ياحاج .. عمرهم ما كانوا بالسن ، عندك انت اهوه اكبر مثال .. كبير سناً بس اقل مقاماً "
تَقدم " لقمان " خَطوه لِلأمام بِجوار " موسى " يَحجبان وَالدهُم عَن الأعيُن سَتراً وَوقاء لهُ كَأن الجَسدين اتَحدا ليُشكلا دِرعاً وَاحداً لِأبيِهم ، ابتَسم
" نصار " عَلى فَعلتهما وَقد شَعر بِالفخر بِابنائه هَامسًا لِنفسُه
" واللاه وربيت يانصار "
رَكل "سعد" حصاةً عند موضع قدمه، لتتوقف أمام حذاء "موسى" قبل أن تَبلغ والدَه.
لِترتسم عَلى وَجه " سعد " ابتِسامه سَاخره
" اهوا انتوا بتفكروني بالمثل اللي بيقول اللي جيبه فاضي يعوضه بالكلام "
رَمق " سعد " والده الذيِ رَفع رَأسُه بِتعالٍ لِيُعقب
"وطالما عاملين فيها رجالة يا ولاد نصّار، ما تورونا الجدعنة بقى ، و تشَخّللوا جيوبكم وسدّوا الدين اللي عليكم قبل ما نهدّ الفرن على دماغكم ودماغ اللي رباكم
ولا إنتوا فالحين بس في الرد على اللي مسلفينكم ومخلّينكم تاكلوا عيش في قلب الحاره بفلوسهم "
ليُعقب "نعيم " عَلى حَديث ابنُه
" افتكر ان انا كده عملت بأصلي ، واعمل حسابك يانصار قدامك حل من الاتنين يا الدفع يا الحبس "
ارتَسمت عُقدة دهشة بَين حَاجبي "موسى" و"لقمان" عَلى وَقع الكلِمات التّي تَسلّلت إلىّ أُذنيهما، فالتَفتا في آنٍ واحد، لِتقع أنظارهُما عَلى والدهُما، وَقد لَمح
" موسى " بِأنهُ قَد انحَنى شَيئًا مَا فِي مَلامح رَوح والدُه ، كأنّ النورَ انطفأ في عينيه دفعةً واحدة.
لم ينطق الأب بحرف، فقط اكتفى بنظرةٍ طويلةٍ غامت فيها الملامح وتاهت الملامة
سقطت الكلمات كحجرٍ في بئرٍ ساكن، وابتلع الصمتُ ما تبقّى من وجوههم
.. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 🍁
إن كَانَتْ كَلِمَاتِي قَدْ وَجَدَتْ لَهَا مَقَامًا فِي قَلْبِكِ، فَلَا تَبْخَلِي بِقلب يَضيء لِي الدَّرْبَ، وَتَعْلِيقِ يُنْبِتُ فِي رُوحِيَ الرَّغْبَةَ فِي الاسْتِمْرَارِ✨
تكملة الرواية بعد قليل
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا