القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لأنه موسى الفصل الثاني عشر 12بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 رواية لأنه موسى الفصل الثاني عشر 12بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




رواية لأنه موسى الفصل الثاني عشر 12بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)


لُغز 


البَاب الثَاني عَشر  chapter ten l


أغرِقوا ال مُوسى بِقلوبَكم


دَعمكم هَو وَقودي لِلأستِمرار 


                         .             ولأَنهُ موسَى 

                                

         𝒜𝓃𝒹 𝒷𝑒𝒸𝒶𝓊𝓈𝑒 𝒽𝑒 𝒾𝓈 𝑀𝑜𝓊𝓈𝒶 

             .               ------------------------------  

                     .           -----------------------


" امنه .. "


استَدارت نَحوه تَضع الوَرقه بِداخل جَيبها بِارتباك 


" مالك يابنتي ، حصل حاجه وانتِ جوه المكتبه

ضايقتك"


تَحركت لِلداخل ليِتبعها " الجد" بِخطواتُه وَعيونه المُستفسره لَها حَتى تَوقفت 


" انا .. انا اصل ياجدي مش.. مش مصدقه اني لاقيت عندك كتاب القهوه السوداء لأجاثا كريستي ، من فرحتي طلعت بره المكتبه مره واحده مش عارفه طلعت ليه " 


"حسنًا .. فأنا الأَن أُريِد أَن أَصفَع نَفسي دَاخليًا لِتأتأتي أَمَامُه .. لا أريِده أن يَشُك بِأي شَىء تَجاهي"


ابتَسم لَها وَاستَدار نَحو مَكتبُه وَأخذت هي مَقعداً لَها أمَامُه لِيمَرر لَها قِدح حَليب الكَاكاو السَاخن 


" انا عارف انك بتحبي شاي الزيزفون زي والدك الله يرحمه ، بس للاسف من ساعة ما مشيتي وانا مابقيتش اجيب منه ، بس اوعدك من هنا ورايح هيبقى عندي دايمًا في المكتبه وفي البيت كمان " 


ارتَفع ثِغرها فِي شِبه ابتِسامه لِتجيب


" يـــاه ياجدو معقوله لسه فاكر انا افتكرتك نسيت زي ما نسيت كل ... "


سُحقاً .. لقد اندفعت الكلمات من قعر فمي دون إذني

مَاذا قُلت أنا تَبًا لَكِ أمنه ، تَباً لكِ 


تَدحرجت مِقلتيه السَوداء نَحوها نَابساً بِبسمه مُتفهمًا


" هو لحد دلوقتي فاكر مش عارف بقى بعد كده لما الايام تعدي هبقى فاكر ولا لاء بس كل اللي اعرفه انك لسه زي ما أنتِ ، ماتغيرتيش ابداً يا امنه ، لسه لحد دلوقتي بتعشقي كتابات أجاثا كريستي " 


ضَحكت وَهي تَومأ لهُ وَحالما أَرادت الأرتِشاف مِن قَدحها تَوقفت لِما قالُه 


" بس انا معنديش كتاب القهوه السوداء ، ده كتاب نادر جداً ، حاولت اجيبه بس ماقدرتش " 


حَسنًا .. لقَد بَدأت مِعدتي تؤلِمني حَقًا 


" مَ.. مُحال ! هَل يُعقل " 


لاَ بُد أنهُ نَسي أمرهُ تَمامًا ، كَما نَسي أمر عَودتي مِن السَفر لَيلة البَارحه 


أَردفت " أمنه " مِن بَين ضَحكاتها حَتى ظَهر صَف أسنَانها 


" اكيد ياجدو كنت جايبُه وناسيه ، انا حتى هقوم اجيبهولك دلوقت " 


ارتَدى نَظارتُه الطبِيه وَسط عَقده لِحاجبيه مُشيراً


" هاتهولي .." 


تَحركت نَحو قِسم الجَريمه والعِقاب وَتتبعها هِو بِخطواته ، لِتفتش كُل رُكن بِه ، هُنا وَهناك وَكأنُه قَد تَبخر كَما يَتبخر المَاء ، طَالعت "امنه" عَيناه

لِـ " جدها " بِأستغراب تُؤكد لهُ


" جدو ، الكتاب .. اقسم لك ان الكتاب كان هنا " 


أَشارت بِيدها عَلى الرَف مُردفه


" انا حطاه بأيـد " 


"مَهلاً .. لا .. حِين وجدت الوَرقه المطويه عَلى شَكل التِنين حَملتُه بَين أَصبعي وَأنا أُمشط خَطواتي لِلخارج وَدون وَعي مِني وَضعتُه عَلى الطَاوله بِالقرب مِن البَاب "


زَفرت فِي رَاحه تَضرب بِيدها عَلى جَبينها وَسط ابتِسامتها النَاعمه 


" اسفه ياجدو ، انا نسيت انا محطتهوش هنا "


مَشطت خَطواتها نَاحية الطَاوله ، لِتتلاشى ابتِسامتها بِبطىء حِين وَقعت عَيناها عَلى الكِتاب لِتجدُه كِتاباً أخَر يَتحدث عَن الجَريمه والغِموض ليِلتقطه الجِد بَين 

أصَابعه قَائلاً


" ده كتاب لغز الأختفاء لچووفين تاي مش لأجاثا كريستي " 


تَحركت بِهمجيه وَقد تَملكها الجِزع 


" مستحيل لقد وضعته هنا بنفس المكان "


التَقطت حَقيبتها تُسارع بِخطواتها نَحو البَاب لِيلتقط 

" الجد " مِرفقها يُديرها نَحوه 


" مالك يا امنه وشك اتخطف كده ليه " 


" انا ، انا افتكرت اني نسيت العيش في الفرن ومصطفى نايم مش هعرف اكلمه " 


بَلعت غَاصتها تُقبل يَدهُ المُتجعده مُغادره المَكان تَوجهت نَحو الشَارع لِتهرول بِكل سُرعتها 


" هَل .. هل يُعقل بِأنني كُنت أَتوهم عِند رؤيتي لِكتاب القَهوه السَوداء " 


" لا .. انا لست مَوهومه فَقد رَأيت الكِتاب وَلمست أَناملي صَفحاتُه " 


" فَقد كَان الطَبعه الأُولى ، وقد كَان مَختومًا بِأهدائها عَليِه فَأنا أحفَظ اهدائاتِها عَن ظَهر قَلب "


وَصلت أَخيراً ..

وأَغلقَت البَاب خَلفها وَهي تَلهث مُتجهه نَحو غُرفتها تُحدث نَفسها


تِلك الوَرقه مِن لَيله أَمس أَين وَضعتها 


تَحركت والأدرينالين يَزيد مِن هَيجان عَاصفتها .. تَبحث عَنها بَين الكُتب .. دَاخل حَقائبها .. حَتى أَدراج المَكتب لَم تَكُن لَها أثر 


جَلست عَلى طَرف السِرير بِذهن مُشتت تَلقي بِالوساده عَلى الأَرضيه مِن فَرط عَصبيتها حَتى تَذكرت حيِن وَضعتها أَسفل الوِسَاده 


جَالت عَيناها فَوق الفِراش، تَتحسّس المَكان بِارتباك، مَدّت يَدها أسفَل الوِسادة... لاَ شَيء، لِتتراجع أنفَاسها فِي صَدرها تُعيد تَرتيب أَفكارها لِلحظات وَهي تَدعك صِدغيها ، قَبل أن يَقع بَصرها مُجددداً عَلى الشَراشف 


" مَهلاً لَحظه ، لَم تَكن هَذه نَفس الشَراشف التٌي نِمت عَليها البَارحه ، فَهذه مُطرزة الأَطراف وَالأُخرى مَلساء 


" بتكلمي نفسك يا أمنه " 


أستَدارت مُنتفضه لِصوت شَقيقها لِتجده يَقف جِوارها 


" متى أتى هو لِهنا.. الهذه الدرجه كُنت شَارده " 


نَفضت رَأسها المَلىء بِالفوضى لِتسألُه


" مصطفى مين اللي غير الملايات دي " 


" انا .." 


قَبضت حَاجبيها بِاستغراب لِيفك هو عَقدة حَاجبيها بِرده


" مالك مستغربه ليه ، مش معنى اني قعيد مش هعرف اغير ملايه ولا اعمل اكل ..ولعلمك بقى انا اللي ماسك قسم تنضيف الغرف والمواعين " 


نَمت ابتِسامه حَقيقيه عَلى ثِغرها ، وَلكن ابتسامتها تَلاشت تَماماً حِين سَألتُه 


" مُصطفى .. كان في ورقه كده على شكل تنين صغير ، ولونها اسود " 


" ايه ده هي بتاعتك ، انا لاقيتها مرميه في الارض قولت اكيد مش محتاجاها " 


أشَار بِأصبعُه إلىّ الزَاوية، حَيثُ تَقبع سلّة المُهملات


" وَرميتها في الزبـا..."


تَحركت نَحو السَله قَبل حَتى أن يَنهي حَديثُه ، ليِمنحها هُو أحدَى ابتِسامتُه اللطيِفه وَغادر الغُرفه يَغلق البَاب خَلفُه 


وَحين عَثرت " أمنه " عَليها قَامت بِفك طَياتها لِتقرأ مَا بِداخلها بِتمعن لِتجدها مُجرد نِقاط صَغيره ، اتَجهت نَاحية النَافذه وَقد قَامت بِأزاحة السَتائر تَرفع بِها نَحو أَشعة الشَمس قَبل أن تَتصبغ أَشعتها لِلون البُرتقالي لِترى خَيوطٍ رَفيعه تَصل بَين الثُقب وَالأخر 


بَينما تَسللت أشَعة الشَمس عَلى الوَرقه ، سَقط بَصرها عَلى كَلماتُه الجَانبيه 


"حين تتلاقى الخيوط، يُستدعى الطريق المخبوء"


"مَ..مَاذا ؟ "


أنزَلت الوَرقه بِملل ، لَم يَستوعب رَأسها كَلماتُه بَعد 

لِتخرج الوَرقه الأُخرى تَضعها صَوب الشَمس لِتقرأ 

مَا بِداخل ثَناياها مره أُخرى


" حينَ يَهزم اللَيل نَفسُه فِي مُنتصفه ، عَلى بُعد خَمسه وَعشرين مَيلاً مِن ضِباب المَدينه ، أُسدلت السِتاره عَلى عَقد رَاحل ، لِتولد حِكاية فِي مَطلع الثَلاثينيات ، كَانت لَها أربَعة فِصول، فُقِد مِنها فَصل وَاحد "


وَضعت الوَرقتين عَلى المَكتب تُمرر بَصرها بَينهما 

ثُم أخرَجت وَرقه تِدون بِها كَلماتُه لَعلها تَفهم شَيئًا


دَعكت صِدغاها مِن عَاصفة الأَفكار التّي بُعثرت أَثاث عَقلها جَلست عَلى حَافة المَكتب بِذهن مُشتت ، تُحاول رَبط الأَجزاء بِبعضها ، أو تَكوين جُمل مِن كَلماتُه ، وَلكنها فَشلت 


" مَ.. مَا مَعنى تِلك الثِقوب ، وَما يَقصد بِحينَ تَتلاقى الخِيوط .." 


وَضعت رَأسها المَلىء بِالفوضى بَين يَداها بِيأس ، لِتجحظ مِقلتَاها 


" ثِقوب .. وتتلاقى الخيوط.. كَيف لم أفهم ذلك مِن قَبل .." 


أَتت بِالوَرقه مِن جَديد لِتشبِك الثِقوب بِالحبر لِتجد أنها قَد شُكلت عَلى هَيئة دَائره ، دائره لاَ مَعنى لَها

أو رُبما هَي لَم تَفهم مَغزاها بَعد ، لِتعود الى نُقطة الصِفر مِن جَديد 


.. .. .. .. 🍁 .. .. .. .. 


جَلس "آدم" إلى جوار " موسى " فِي الحَافلة الصَغيرة تَفصل بَينهُما حَقيبته ، امتَزجت أصوَات الرُكّاب مَع صَرير العَجلات، فِيما ظلّ "آدم" يتأمّل الطريق بصمتٍ عميق سُرعان مَا قَطع " موسى " صَمتُه بِقول 


" ماقولتليش بقى انت رايح لدكتور الجامعه بتاعك في المكتب بتاعه ولا هتقابله فين " 


طَالعهُ " ادم " بِضجر لِيجد نَفسُه يَجيب عَلى سُؤاله

بِسؤال أَخر 


" موسى.. انت جاي معايا ليه " 


ضَحك بِسخريه عَلى سُؤاله ، ثُم بَدى أنزِعاجُه بِقول


" مين قال اني جاي معاك ، انت في طريقي مش اكتر .. بس قولت نركب الميكروباص سوا "


أَبدى " ادم " عَدم صِدقه لِحديثه 


" لا والله وعلى كده بقى رايح فين " 


امتَدت يَداً مِن الخَلف تَحمل نِقوداً 


" خد يابني اديله اتنين ورا " 


مَد " موسى " يَدهُ يَلتقط مِن السَيده النِقود أثنَاء قَوله 


" رايح اشوف الكافيه ياسيدنا ولو مش مصدقني حتى اسأل لقمان انا قولتله يحصلني على هناك بعد ما يخلص مشواره اللي رايحله دلوقت " 


رَد عَليه " ادم " وَهو يُتابع مَا يَفعله مِن عَد النِقود 


" وماروحتش بالماكنه بتاعتك ليه " 


" يابني ما انت عارف نوح اخد الماكنه وقالي انه رايح مشوار مهم ومحتجها معاه ، شوفت بقى انك ظالمني " 


نَاول " موسى " لِلرَاكب أمَامُه وَهو يُطالع " ادم " بِقول 


" اديلوا اتنين ورا بعد اذنك " 


ثُم رَمق "ادم " بِضجر 


" في اي اسئله تاني ياسيدنا " 


لَم يَرق لـ " ادم " حَديثُه حَيثُ عَلق عَلى قَول شَقيقُه 


" موسى ، انت ليه بتستغباني " 


اتَكأ " موسى" بِمرفقه عَلى الكُرسي المُتحرك بِقُربه

نَافيًا 


" ماقدرش ، حد برضوا يستغبى واحد معدل ذكاءه اعلى من معدل ذكاء اينشتاين " 


لَاحظ " ادم " لَمعه طَفيفه أنبَثقت مِن قَاع بَحريه 


" في واحد زمان قالي مابروم على مابروم مايلفش 

اصلهم مابرومين على بعض هيلفوا ازاي " 


مَسح " موسى " عَلى أَرنبة أنفُه بَاسمًا 


" عارفه اللي قالك كده ده ، لاء وحافظه كمان " 


ثُم هَرش بِسُبابته أَسفل رَأسُه لِيُعقب 


" زي ما حافظك بالظبط يا ادم " 


التَفت " موسى " إليِه ، تَرتسم الجِديه علّى قَسماتُه كَما لَو أُطفَئت كُل مَلامح العَبث


" مش ناوي تقولي الواد سعد ليه حطك في دماغه 

وكل مايشوفك يعمل معاك مشاكل ، مع انكم كنتم اكتر من الاخوات " 


بَلل " ادم " حَلقُه يَستمع الىّ كَلِمات " موسى " بِحذر 


" على فكره انا مُمكن اعرف بطريقتي اللي حصل بينك وبينه .. وكمان بين .. بين ابو سعد "


رَفع " ادم " نَظارتُه بِسبابتُه وَقد بَدى عَليِه ارتِباكُه 

حِين جَاءت سِيرة ذَاك الرَجل فَهو يَمقتُه وَيمقت سِيرته


فَهو اعتَاد إخفَاء كُل شَيء دَاخلُه ، فَرتَدى سِكونًا مُصطنعًا خَشيه أَن يَلتقط "موسى" خَيطاً مِن سِره 

مُتجاهلاً النَظر فِي عِينيه


" موسى ، انا عارف انك بتحاول تبص في عنيا وتقرا حركات جسمي كويس ، عايز تعرف كل كلمه هقولهالك هخبي عليك ولا هقولك الصدق ، بس ياموسى "


لَمح " موسى " ارتِجافه خَفيفه فِي بُؤبُؤ عِينيه بِرغم مُحاولته أخفَاءُه ، فعلِم في صمتٍ أنّ الكَلمات القَادمة لَيست سِوى سِتارٍ يَخفي مَابِداخله


" عَلى جَنب يَسطا " 


أَنزلقت العِباره مِن بَين شَفتي الرَاكب أَمامهُما 

لِتتبدد مَعها الغَيمه الثَقيله التّي خَيمت بَينهُما 

هَبط الرَاكب وَاعتلت فَتاه مَكانُه لِتشغل المَقعد الخَالي ، أَخرج " موسى" نقوده يَستأذن بِصوتٍ خَافت


" لو سمحت اديلوا اتنين " 


أجابتهُ بِنبرة بَارده ، وَعيناها لاَ تُفارقان سِطور هَاتفها المُضيء


" اوبقى ادفع وانت نازل " 


عَقد "موسى" حاجبيه من نَبرتها البَاردة، ثُم مَالت نَظراته تلقائيًا نَحو شَقيقُه وَكأنه يَبحث عَن تَفسير


تَلقّى "آدم" النَظرة بابتسامةٍ جَانبية، وحين رَفع "موسى" حاجبيه مُشيرًا بعينيه نَحو الفَتاة، التَقط "آدم" الإشارة ، ثُم ظَهرت شِبه بَسمه عَلى ثِغره نَابسا


"تيجي نبدأ.."


ارتَسمت عَلى مَلامح "آدم" ابتِسامة مُستمتعة، فَرَكَ كفّيه طلبًا لدفءٍ مَفقود، وهَمَس 


"موافق... بس على إيه.."


أَرضا "موسى" فِضوله 


"اسمها..."


هَزّ "آدم" رأسُه مُعلنًا قبوله، لكنّه تَدارك سريعًا وهو يُلقي شَرطه الوَحيد


"ماشي، بس لو انا اللي عرفت اسمها صح ماتسألنيش تاني عن أي حاجة تخصّ سعد وتسبني براحتي "


مَال "موسى" بِأتجاهه ، بِصوتٍ خَفيض وكأنّهما يحيكان سِرًا


"ولو انا اللي قولته صح ... هتقولي على كل حاجة اتفقنا .. هبدأ انا الاول "


هَتف " موسى " وَهو لا يَزيح بَصرُه مِن عَلى الفَتاه


" العربيه دي اخر محطه ليها الاربعين من ناحية اليهوديه ، مش من ناحية الترعه ،وطالما ركبت من منطقة الزراير يبقى اكيد مش هتنزل قريب.. على الاقل هتعدي على الملاحه ، وباللبس الغالي والنضيف ده مافتكرش انها هتروح منطقة الاربعين الشعبيه بلبسها ده " 


أَطبق "آدم" جِفنيه، مُستسلماً لِعبير الفَتاه الذِي تَسرَّب الىّ ثِقوب أَنفُه وفِي أرجَاء الحَافله


"ريحة بارفنها من نوع Dior J'adore وده معناه انها في حالة حب مابيتحطش الا لو البنت رايحه تقابل حد قريب اوي من قلبها "


مدّت الفتاةُ يَدها إلىّ دَاخل حَقيبتها وأخرَجت مِرآةً صَغيرة، تُصلح زِينتها وتُعيد رَسم لَون شَفتيها ، التَفت " موسى" الىّ شَقيقه وَهنا ابتَسم بِاستمتاع 


" دي رايحه تقابل ياسيدنا "


نَقل " ادم " نَظرُه الىّ الفَتاه يَرفع نَظارته مَن عَلى ارنَبة انفُه هَامسًا


" مش ، مش يمكن رايحه تِقابل خَطيبها " 


أَخرجت الفَتاه سَاعه مِن عِلبه أَنيِقه ، ثُم عَطرت غُلافها مِن الخَارج بِرذاذٍ خَفيف لِيُتبعها " ادم " بِتعقيب


"الساعه شكلها غالي يبقى اكيد اللي رايحه تقابله ده شاب غني ووسيم والنهارده عيد ميلاده 

وفي اتنين شباب اغنيا بس في الملاحه 

وهما اللي وسيمين مهند سلامه وفارس عز الدين 


مهند مسافر الامارات مع والده الايام دي 

وفارس دايماً بيحب يقعد في كافيه المحروسه اللي في الملاحه بما انه بتاع عمه وهو اللي بيديره 


اخر مره نزل صوره على الانستجرام 

كان منزل صوره وظاهر فيها ايد حبيبته بس ومكتوب عليها حرف ال N وجنبها قلب اراهن ان دي ندا خطيبته " 


كَان " موسى" يَدعي الأنصَات ، لَكن نَظراتُه الأنترتيِكيه كَانت تَتأرجح بَين الفَتاه وَالطريِق ثُم ثَبتها فِي الأَخر عَلى أَظافر الفَتاه هَاتفًا 


" تؤ .. دي مش ندا .." 


التَفتت " الفتاه " نَحو السَائق تَطلب مِنهُ التَوقف 

مَال ثَغر " موسى " فِي ابتِسامه وَكأنه تَأكد مِن شَىءً مَا بِداخلُه ، مَال رَأسُه نَحو " ادم " بِصوتٍ خَفيض 


" البنت نزلت قبل الكافيه بخمسه متر تقريباً ، معنى كده انها مش عايزه تقف قدام الكافيه وحد يشوفها نازله من ميكروباص " 


نَاولت الفَتاة السَائق أجرتُه عَبر النَافذة وَهي تَتأهّب لِلنزول


" واحد من الزراير "


فَأكمل " موسى " مسرعًا وَعينيه مَازالت تُتابعها 


" بتبص شمال ويمين وهي متوتره لحد يشوفها وهي نازله من المكروباص ، واكيد شخصيه زي شخصية فارس يوم ما يخطب هيخطب واحده على الاقل في مستواه ، ومن اخر مره دخلت عنده على الانستجرام لاقيت بنت بتعمله اغضبني على اي صوره بيحط عليها حرف ال N او اسم ندا ولما دخلت عندها لاقيت ان اليوزر نيم بتاعها بأسم شاهي ، يعني باختصار دي شاهيناز اللي فارس بيخون ندا معاها " 


" اتفضلي " 


تسلّمت الفَتاة مَا تبقّى مِن النقُود، وانطَلقت الحَافلة بخطًى مُتثاقلة، بَينما رَفع "موسى" يَده يُلوّح لهَا مُبتسمًا


" باي باي ياشاهيناز " 


جَحظت عَينا الفَتاه وَقد انعَكس الأستَغراب عَلى ثَنايا وَجهها 


" انتَ عرفت اسمي منين " 


مَضت الحَافلة تَاركةً خَلفها سؤالًا مُعلّقًا في الهَواء، لِترتسم ابتِسامه عَلى ثِغر "موسى" يَلتفت بِرأسُه

لِشقيقه ، لِيطرق " ادم " جَبهتُه سَاخراً مِن نَفسُه وَمن يَقينُه الذِي خَذلُه، لتُصبح اللَحظة شاهدًا جَديدًا عَلى أن كفّة اللعبَه قَد رَجَحت لِمصلحة "موسى"


.. .. .. ..                      🍁                       .. .. .. .. 


كَان أَول ما فَعله "لقمان" هُو مُهاتفة "شيماء"، التّي تَوترت حِين أَبصَرت اسمُه يَتوهّج عَلى شاشَة هَاتفها وَسط جَلَبة المَكان ، وَضجيج  مُجفف الشَعر يَمتزج بضحكَات الزَبائن وأحاديثهُنّ المُتقطعة، فِيما تَصاعدت رائَحة مُثبت الشَعر مُمزوجة بِعبق الأصبَاغ النفّاذة


زَفرت بضِيق وهي تَكتم رَنّة الهاتف بكفّها، تُحاول الحِفاظ عَلى ثَبات يَدها بَينما تُشكل حَاجب أحدَى السَيدات 


اقتَرب مِنها "سمير"، العَامل فِي المَحل، يُلوِّن صَوته بِنبرةٍ نِسائيه وَهو يَمضغ عِلكتُه بِبطء ،  يُصدر فَمُه طَقطقة خَفيفة ، مُطلقًا عبارته بنَبرة مُتصنّعة تُحاكي رِقّة النسَاء


"ماتردي بقى ياشيماء ، صـــدعــت مِن كتر الرنات ياحبيبتشي "


نَبست " شيماء " بِصوتٍ أَشد مِن الهَمس بَعد أن التَفتت أَنظار الجَميع نَحوها


" ارد فين انتَ كمان ، انتَ عايزه يسمع صوت الاستشوار ، والزباين ويعرف اني بشتغل في كوافير " 


تَمتمت صَاحبة المَحل مِن خَلفها ، تَعقد حَاجبيها بِنفاذ صَبر وَهي تَقترب مِنها 


" وماله يابت شغل الكوافير واحنا بنعمل حاجه عيب ولا حرام " 


أطلَقت " شيماء " تَنهيده خَافته وأَصابعها تُتابع مُهمتها بِخفه عَلى مَلامح الزبُونه فِي رَسم الحَاجب


" حرام ايه بس يامدام ، ما انا شغاله اهوه وزي الفل اعمل ايه بس في دماغه الناشفه محكم راسه والف سيف ماشتغلش  ، ويوم ما وافق اشتغل كان عايزني اشتغل بتاعت كول سنتر "


تَمتمت " المدام " وَهي تُمشط خَطواتها لِلداخل 


" كول سنتر .. كول سنتر ايه هما اللي بيشتغلوا كول سنتر دول لاقيين ياكلوا " 


طَرفت " شيماء " بِنظرها نَحو " سمير " الذي يَتناول طَعامُه بِلا مُبالاه 


" ولا ياسمير الواد الغني اللي قولتلي عليه انه عاوز رقم تليفوني لسه مكلمنيش لحد دلوقتي "


لَمحت " شيماء " تَوقفه عَن المَضغ حِينما نَطقت بِذلك 


" ما انتِ ياشوشو اللي محبكاها حبتين ، هو اداني رقمه قالي انه عايزك تكلميه تقومي انتِ تقوليله اديله رقمي خللي هو اللي يكلمني ، مش لعبه هي ياشوشو الراجل مستنيكي تكلميه بفارغ الصبر ياحبيبي ، مش على بعضه من ساعة ما شافك وانتِ بتحطي ميكب في فرح اخته في التجمع ياقلبي " 


خَرجت شَهقه مِنها تَلتفت نَحوه وَقد تَوقفت يَدها عَن العَمل 


" انت اتجننت ياواد انت ، ولا جرا لمخك حاجه اكلمه ده ايه ، لا ياحبيبي هو لو عايزني هيكلمني غير كده يبقى لاء " 


نَبست بِكلماتٍ مُتسارعه أثنَاء رَنين هَاتفها لِتجدُه 

"لقمان" مُجدداً زَفرت بِضيقٍ 


" يـــــوه يا لُقمان بقى " 


وبينما كانت "شيماء" تَكتم رنين الهاتف 

كَان "لقمان" فِي الضَفة الأُخرى مِن المَدينة يَقطع رحلتُه فِي سِكونٍ مُهيب هُناك حَيثُ يُطوى الصَخب خَلف الزُجاج المُعتم، وتُستقبله الوجوه بالاحترام والأبواب تُفتح أمَامُه 


" اتفضل يافندم ، وصلنا " 


نَزل "لقمان" مِن السَياره يَضع هَاتفه بِداخل جَيبه لِيتبعهُ نَحو مَدخل الحَديقه ، أشَار لهُ السَائق بِيديه بِالدخول الى دَاخل الڤيلا ليستقبلهُ الخَادم

بِابتسامه بَسيطه


" اتفضل يافندم  في الصالون ، ثواني عامر بيه هيكون في استقبال حضرتك " 


هَزز "لقمان " رَأسُه يَعقد حَاجبيه شَارداً بعسليِتيه فِي زَوايا المَكان الفَاخره ، حينَ جَحظت مِقلتاه ليِلمح يَداً تَسحبهُ  مِن مَعصمُه دَاخل المَكتب 


" اي ده في ايه .. وبتسحبيني وراكي كده ليه "


التَقطت " نورا " انفَاسها بِقول


" ارجوك ، ارجوك يامستر لقمان ماتقولش لبابا ان ليلاس كانت واقفه وانا بحاول انط من فوق السور ، ارجوك ماتجيبش سيرة ليلاس اصلاً خرجها من الموضوع " 


نَبست بِكلماتٍ مُتسَارعه أثنَاء اغلاَق البَاب خَلفها ، أشَار عَليها بِأصبعُه مُستفسراً


" مش انتِ نورا أو نور اللي كانت عايزه ترمي نفسها والبنات والشباب كانوا بيجبروكي انك تعملي كده " 


عَبست أثنَاء قَوله نَافيه


" لاء ، هما ما أجبرونيش ولا حاجه الحكايه مش كده خالص ارجوك ماتودنيش في داهيه يامستر ، بص بابا نازل دلوقتي ولما يسألك ايه اللي حصل قولوا انك لاقتني لوحدي كنت عايزه انط من فوق السور وانت انقذتني " 


تَرجتهُ بِعينيها قَبل لِسانها تَردف


" وانا والله ، والله كمان مره يامستر هقول لحضرتك على كل حاجه في المدرسه "


حَدقتيه تَدحرجا تَستبيح ثَنايا وَجهها الرَاجيه سَائلاً


" وليه عايزاني اغير كلامي ، لو خايفه منهم ماتخافيش انا لما اقول لباباكي هو هيتصَـر "


وَضعت سُبابتها المُرتعشه عَلى شِفاهه بَاتره لِحديثُه


" لاء ، لاء هما مالهمش ذنب حرام تظلمهم ، انا ، انا بس مافيش وقت احكيلك بابا زمانُه نَازل دِلوقتي 

بس مع اول فرصه هشوفك فيها اوعدك اني هقولك على كل شىء " 


التَقطت "نورا" صَوت خُطى أبيها تَقترب، فَرفعت بَصرها إلى عَسليتيه، تَقرؤُ فيهما إصرارًا عَلى حَديثُه، فَنَبَست تُحذّره قبل أن يَنطق


" طيب اسمع بقى يامستر.. انت لو جيبت سيرة ليلاس واللي كانوا معاها انا هكذبك وهألف حكايه  اخليك تبقى انت الجاني بدل ما تبقى البطل فيها


تَقدمت خَطوه نَحوه ، عَيناها البُندقيتان تَتسعان رَجاءا وَصوتها يَحمل مِن اللِين مَا يَكفي ليِكسر جِبال تَردُده


" او ..او تسمع كلامي وترأف بحالتي وماتجبرنيش اني اعمل كده  وتديني فرصه  احكيلك كل شىء بكره في المدرسه  " 


أَدارات كَعبها نَحو البَاب تُغير نَظرتها بِابتسامه تَزامُنًا مَع دِخول أبِيها الىّ الدَاخل الذي رَحب بِه عِند رؤيتُه


" مستر لقمان ،  طبعاً انا بتأسفلك جداً اني ماقدرتش اجيلك بنفسي وبعت السواق يجيبك "


أشَار " عامر " لهُ بيِديه لِلجلوس 


" اتفضل اقعد " 


جَاء صَوت "ليلاس" مِن الخَارج ، تُجفف عَرقها ، بِسبب تَأدية تَمارينها الريِاضيه ، أتَت " حُسنيه " 

تُمشط خَطواتها مُسرعه


"داده حُسنيه ، داده حُسنيه .." 


" افندم يا انسه ليلاس " 


أَشارت بِعينيها عَلى بَاب المَكتب 


" مين جوه مع بابي " 


" ده المستر اللي أنقذ انسه نورا في المدرسه " 


شِبه بَسمه مَاكره ظَهرت عَلى ثِغرها ، لِتلمح "لقمان" يَخطو عَتبة المَكتب وحَالما انتَبه عَلى وجُودها استَمر بِالنظر لَها أثنَاء سَيره ، غَمزت لهُ مُبتسمه لَكنهُ أَبعد عَسليتاهُ عَنها مُتجهاً لِلخارج ويَتبعهُ كُلاً مِن "نورا " و " والدها " لِتوديعه 


.. .. .. ..                    🍁                         .. .. .. .. 


إن الحَافله عَلى وَشك الوصُول  الىّ وَجهتهما وَحينَ وَصل نَزل كُلاً مِن " موسى وادم " الىّ مَقصدهما يَسيرون مَعاً جَنبٍ الى جَنب الىّ جَنب خُطاهم تَتناغم فِي صَمت ، بِينما شَفتي " موسى" تَبسمت لهُ فِي مَكر وَلم تَتزحزح حَدقتيه عَنه لِقطع 

" ادم " صَمتُه


" خلاص بقى .. ماتفضلش كل شويه ، كل شويه تبصلي كده .. عارف .. انا عارف ان انت اللي كسبت وانت اللي خمنت اسمها  " 


ضَم " ادم " حَقيبتُه الىّ صَدرُه مُتابعًا 


" وبعدين ما اكيد يعني ، اكيد انت اللي هتكسب عشان انت اصلاً اللي معلمني ازاي اقرا اللي قدامي"


دسَّ "موسى" يَديه فِي جيِبيه، وأخَذ يَبطئ خَطوه قليلًا قَبل أن يَستدير بِجسده، فَيمضي أمَام "آدم" بِخطواتٍ مَعكوسة، ظَهره إلىّ الطَريق وَوجهه إلىّ 

"ادم"  هَاتفاً


" مش شرط عشان انا اللي علمتك يبقى لازم اكسبك .. ياما تلامذه اتفوقت على اساتذتهم .." 


" بس .. بس انتَ مش أي استاذ .. انت استاذي واخويا وكل حاجه ليا ياموسى " 


ابتَسم " موسى " يَبتعد عَن طَريقُه يُبلل شَفتاه ، يَبحث عَن نَبره لا تَبدو بِصيغة الأَمر بِالنسبه لهُ


" ادم ، انا عارف انك مش عايز تحكي اللي بيحصل بينك وبين سعد وانا مقدر ده ومش عايز اضغط عليك بس عايزك توعدني وعد "


أَخذ " ادم " نَفساً عَميقاً ، يَشرع فِي فَتح حَقيبتُه 

مُتجاهلاً حَديثُه ، وَقف " موسى " أمَامُه وَقد تَغيرت مَلامحُه بِجديه 


" ادم .. بصلي يا ادم ماتبصش الناحيه التانيه " 


اشَاح " ادم " بِبصره عَنه مُتعمداً ، لِيأتيه صَوت "موسى" الذِي يُصاحبه نَبره جَديده عَليه


" طيب اسمع يا ادم ، انا حاولت معاك كذا مره وانتَ اللي مش عايز تخليني اقف في كتفك ، ومخلي واحد زي سعد ده يلطش فيك في الرايحه والجايه هو لحد دلوقتي لسه بيتعافى من اللي حصله ودراعه لسه في الجبس مش عارف بعد ما يفك الجبس هيعمل معاك ايه ولا ممكن يفكر يأذيك ازاي " 


رَكل "موسى" الحَصى بِعصبية، فَارتجف "آدم" خَطوة إلىّ الوَراء ، فَهتف  "موسى" بِنبره مُبطنه بِالضيق


" ما هو مش معقول  يا ادم ماتكونش واثق في اخوك اللي واقف في ضهرك ومايتمناش ليك الأذيه ، وانا اللي يفكر يأذيك انت بالذات يا ادم اكله بسناني وانت عارف  " 


ظهرت علامات التوتّر على وجه "آدم"، نَفَسُه يَخرج متقطّعًا. أما "موسى"، فابتلع غيظه في محاولةٍ يائسة لترويض عصبيّته، ليخرج صوته أهدأ مما يَغلي بداخله


" انا اسف يا ادم ، لو كنت خوفتك مني حقك عليا يا اخويا ، بس عشان خاطري ، لو في يوم حبيت تحكي اوعدني انك تيجي تحكيلي ، وانا اوعدك انك هتلاقيني دايمًا بسمعلك وجنبك " 


" توعدني يا ادم .." 


رَد عَليِه " ادم " بِما هو بَعيداً عَن طَلبُه يَشير الىّ المَبنى خَلفُه


" مَ..مكتب دكتور الجامعه بتاعي هنا .. انا طالع " 


فَهم " موسى " رَدُه ذَم عَلى شَفتيه يَهزز رَأسُه بِالموافقه 


" ماشي يا ادم ، على راحتك ياسيدنا .." 


تَحرك " موسى " تَحت انظَارُه وَما ابتَعد عنهُ حَتى التَقط صَوته مِن الخَلف بِصوتٍ مُرتفع حَتى يَصل اليِه 


" او..اوعدك .. اوعدك ياموسى " 


توقّف "موسى" لبرهة، ارتسمت على وجهه ابتسامة عابرة، ثم واصل خطاه دون أن يلتفت، مُلقيًا جوابه وهو يمضي قُدمًا


" هستناك يا ادم .." 


.. .. .. ..                     🍁.                      .. .. .. .. 


دَلفت " أمنه " الىّ غُرفتها تُعدل فِي جَديلتها تَتكىء عَلى طَرف الفِراش ، وَلم تَجد مَهرب مِن عَقلها الذِي أَرغمها عَلى تَذكر تِلك الأحجَيه 


مَ..مَاالذي يَعنيه خُفاش السُوء بِتلك الدَائره المُكونه مِن الثِقوب ، وَبجُملته عَلى الوَرقه الأُخرى 


" حينَ يَهزم اللَيل نَفسُه فِي مُنتصفه ، عَلى بُعد مِئتان وَخمسون مَيلاً مِن ضَباب المَدينه ، أسدَلت السِتاره عَلى عَقد رَاحل ، لِتولد حِكايه فِي مَطلع الثَلاثينَات ، كَانت لَها أَربعة فِصول ، فُقد مِنها فَصلاً وَاحد " 


رُبما أَنا أُفكر كَثيراً لَيس إلا ، رُبما كَلماتُه مُجرد خَرفشات عَلى وَرق لِيثير فِضولي وَقد نَجح ذَلك الخُفاش بِأثارتُه


زَفرت هَي لِتنفض عَن عَقلها تِلك الأسئله الكَثيفه دُون اجابه ، لِتدلف الىّ الحَمام تُحضر حَوض الأستِحمام عَلها تُرخي جَسدها وَتريح عَقلها مِن تُرهاته 


سَكبت زُجاجة العود التّي تَعشق رَائحتها بِأكملها

فِي الحَوض لِتنتعش بِرائحتها المُنعشه  ، أن عَقلها مُهلك مِن سَير الأَحداث هَذه 


استَلقيت لِيسقط جَسدها أَسفل المَاء دُونٍ عَن رَأسها ليِعود عَقلها لِلتفكير مُجدداً بأخيها وكيفية مُساعدته لاتمام زَواجه تَهمس لِنفسها


" لكِن … مِن أَين أَفتَح هَذا الجُرح المُلتَئِم عَلى خَوف؟ وَكَيف بَعد تِلك السِّنين الَّتي انسَلَّت مِن عُمري كَالرَّمل مِن بَين الأَصابِع أَمد يَدي اليَوم لِأُطالِب بِحَقّي مِن عَمّي؟


كَيف أُواجِه رَجُلاً يَحمِل فِي صَدرِه مِفتاح السِّر الثَّقيل عَن مَصير أَبي وَأُمّي؟ أَعلَم أَن عَينَيه سَتَقذِفانِني بِالقَسوَة، وَأَن كَلِماتِه سَتتحَول سِياطًا عَلى ظَهري، وَمَع ذَلِك … ما عاد فِي العُمر مُتَّسَع لِلهُروب


الأَيّام تَتَساقَط مِن تَقويمي كَأَوراق ذابِلَة، وَها قَدِ ابتَلَع يَومان  مِن الشَهر كَطَرف حُلم لَم يَكتَمِل


فَكَيف إذَن؟ كَيف أُلقِي بِنَفسي فِي عاصِفَة المُواجهَة، وَأَنا لا أَملِك مَظلَّة سِوى عَزيمَتي المُرتَجِفَة " 


تَنهدت " امنه" بِقلة حِيله تَغسل شَعرها وَجسدها مِن الرَغوه لِتنهض تَرتجف بَرداً بَحثاً عَن المَنشفه

لَقد أصابها الخِدر والنِعاس بِسبب الميِاه الدَافئه التّي كَانت فِيها ، كَانت الاضاءه خَافته ، وَحالما دَخلت الىّ غُرفتها جَفلت تَقبض عَلى قَبضة مَنشفتها لِرؤية جِدها يَجلس عَلى مَكتبها 


" جدو بتعمل ايه هنا " 


لَم يِوليِها اهتِمامًا كَالذي تَمنحهُ عَيناها لهُ وانشغل بِتقليبه بِالأوراق المُبعثره أمَامُه يَتنقل بِعينيه  بَينهما هَي تَحركت نَحو الخِزانه تَناولت احدَى فَساتينها لِتسارع بِارتدائه


"بتدور في ايه بس ياجدو ، وايه الورق اللي قدامك ده ، لو بدور على حاجه قولي عشان اساعدك "


لَمحتهُ يَمينًا يَقبض عَلى المِقبس قُرب المَكتبه لِيُضاء جَانبُه بِدرجة أَصفر خَافت تَبثُ الرَاحه لِعينيه ، لِتراهُ يَعبث بِالورق الأَسود عَلى هَيئة تِنين ، التَقطتهُ مِنه عَلى الفَور  


" جدو الورق ده مش بتاعك دي حاجه تخصني انا"


أَشار بِكف يَدهُ عَلى الوَرق قَائلاً بِنبره مُرتعشه


" القهوه السودا ، كتاب اسود ، والورق برضوا اسود"


جَعذت حَاجبيها بِعدم فِهم تَنظر الىّ الأوراق نَابسه


" قهوه سودا ايه ، انت عايز تشرب قهوه ياجدو ، 

تحب اعملهالك ونقعد شويه في البلكونه " 


نَبس بِصوته المُنخفض وَقد بَدا عليِه التَعب وَعدم التَركيز 


" القهوه السوداء ،  متين وخمسين ميل وانا امشيها ليكي بالخيل  ياعفت " 


" عفت !!. ماذا يَقصد .. أيَراني جِدتي الأن ، سُحقاً

لَقد بَدأ يَفقد ذاكرتُه مَرةٍ أُخرى " 


ادَعيت " امنه " الهِدوء والثَبات وَقد استَشعرت رِكود الجو وَنعيق البُومه الذِي اختَرق مُنتصف اللَيل  اقتَربت مِنهُ وَأمسَكت بِيدُه كَي تَعيدُه الى غُرفته وَحينما اطمئنت عَليه وَاصبح في سَباتٍ عَميق ،عَادت اخذَت الشِريطه والمِشط لِتضفر شَعرها الطَويل 


"غريبٌ أن يُذكر جَدّي مع القهوة السوداء وخطوات المئتان وخمسون ميلاً، وتُذكر جَدّتي عِفّت في السياق نفسه؛ كأنهما كانا يقرآن رواية القهوة السوداء معًا، ويتسامران ليلًا على فنجانٍ من شاي الزَّيزفون."


تَنهدت بِحنين يَعصف مَا بِداخلها


"ليتني عاصرت تلك الحقبة التي امتزج فيها الحب بالكتب، وازدهرت فيها حكايات أجاثا كريستي...


أجاثا كريستي، القهوة السوداء، وخطوات المئتان وخمسون ميلاً... كيف لم أنتبه لذلك؟


" أيُكمن سِر جُملة ذاك الخُفاش فِي تِلك الروايه " 


صحيح أنني لم أملك الكتاب يومًا، لكنني ما زلت أذكر حين قرأت روايتها عبر إحدى المنصات الاجتماعية، على الأرجح تطبيق اقرأ"


لم تنتبه إلى يديها وقد توقفتا عن الضَّفر، تعصران الجديلة بين الأنامل 


امتدّت يَدها نحو الحاسوب، تعيد قراءة الروايه

ظلّت تتصفح السطور بشغفٍ واضح، حتى اصطدمت عيناها بجملةٍ عند منتصف الليل. التقطت الورقة السوداء ،تأرجحت نظراتها بين الجملتين  


"عند منتصف الليل ـ حين يهزم الليل نفسه في منتصفه"


تردّدت الكلمات في ذهنها كجرسٍ مُلح


كرّرتها مرارًا حتى شعرت أن رأسها سينفجر من ثِقل المعنى


وفجأة دوّى صوت الساعة على الجدار، يعلن منتصف الليل ، العقرب استقرّ عند الرقم اثني عشر حدّقت في الساعة لحظةً، ثم التقطت القلم وسجّلت الرقم 12


عادت للروايه ، تتفحّص كل جملة بعينٍ قلقة. توقفت عند:


«على بُعد مئتين وخمسين ميلاً».


ابتسمت " امنه " فَهذا وَاضح وِضوح الشَمس فِي كَبد السَماء


" الرقم 250"


ثم تابعت تَقرأ كَلماتُه المُتبقيه


"أسدلت الستارة على عقدٍ راحل، لتولد حكاية في مطلع الثلاثينات" 


رفعت يدها إلى جبينها بِتفكيرٍ مُرهق 


عقد راحل… أي عقد انقضى من القرن العشرين؟ مطلع الثلاثينات… نعم، 1930 


مَهلاً لحظة، أليست هذه هي السنة التي كتبت فيها أجاثا كريستي القهوة السوداء؟


انفرجت شفتيها ببسمة خاطفة وهي تدون الرقم الثالث


" 1930" 


لكنّها توقّفت عند السطر الأخير، تقرؤه مرارًا كأنّ الحروف تُلحّ عليها


"كانت لها أربعة فصول، فُقد منها فصل واحد"


عَقدت حاجبيها، تُحاول تَفكيك المعنى.


"أَيُقصد بالفصول فصول السنة؟ ولكن… كيف يُمحى فصل من الطبيعة؟ كيف يُختزل العام إلى ثلاثة" 


سَرت رعشة شكٍّ في عقلها، فانتقلت الفكرة إلى ضفّةٍ أخرى


"أم أنّه يقصد فصول رواية القهوة السوداء؟ تلك التي عُرفت بثلاثة فصول فقط… وقيل إن أجاثا كريستي همّت أن تجعلها أربعة، ثم تراجعت، فمحَت الأخير "


تنهّدت، وكأنّ الخيط بدأ يتضح


"أربع ناقص واحد… إذن ثلاثة" 


ابتسمت في خفوت، تُدوّن الرقم بترتيبٍ جديدٍ ضمن سلسلتها، وكأنّ قطعة أخرى من الأحجية استقرّت أخيرًا في مكانها


تأمّلت ما كتبت بالترتيب 


"12-250-1930-3"


وضعت القلم بجانب الورقة، تنهّدت بضيق، وضربت كفها على جبينها


" حسنًا…هذا لغزٍ آخر .. ماذا تعني هذه الأرقام "


انجذبت نحو النافذة، دفعتها لتتلقف وجهها نسمات الفجر. لم تُدرك كم من الساعات التهمها الليل، حتى بدأت خيوط الشمس تشق السماء. لكن عقلها لم يهدأ والفضول ينهشها


عادت تتأمل الورقة الثانية 


" الدائرة السوداء المرسومة… أهي دائرة فعلًا؟ أم رقم؟ ربما صفر، لا خمسة 


"ولأنه أعطاني تلك الورقة أولًا، فلعلّ الصفر يجب أن يتصدّر السلسلة" 


رفعت القلم وكتبت من جديد


"012-25019303" 


حدّقت بالرقم مطوّلًا، خَفق قَلبها حَتى شَعرت بِاضطرابُه


"هل يمكن… أن يكون رقم هاتف؟ هل يريدني أن أتواصل معه "


جذبت الهاتف بِاصابع مُرتجفه وهي تضغط الأرقام واحدًا تلو الآخر الرنين اخترق سكون الغرفة، يملأ أذنها بانتظارٍ متوتر


في اللحظة التي همّت أن تغلق الخط، ارتعش قلبها على وقع صوتٍ يخرج من الجانب الآخر، هادئًا، وايضًا واثقًا 


"أتأخرتي… بس المهم إنك وصلتي"


  .. .. ..   🍁 .. .. .. .. 🍁.. .. .. .. 🍁  .. .. .. ..


إن كَانَتْ كَلِمَاتِي قَدْ وَجَدَتْ لَهَا مَقَامًا فِي قَلْبِكِ، فَلَا تَبْخَلِي بِقلب يَضيء لِي الدَّرْبَ، وَتَعْلِيقِ يُنْبِتُ فِي رُوحِيَ الرَّغْبَةَ فِي الاسْتِمْرَارِ✨



تكملة الرواية بعد قليل 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع