رواية ليتني لم أحبك الفصل التاسع عشر 19بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية ليتني لم أحبك الفصل التاسع عشر 19بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايات
الفصل التاسع عشر
ذكروا قلوبكم بذكر الله.....
ففي الذكر راحةُ النفس وسلامُ القلب ♥️♥️
_______
كان يحتضن يدها بين كفيه كأنها وطنٌ خائف، يقبلها بحنوٍ لا يشبهه، وكأن روحه قد وجدت مرساها في أناملها المرتجفة. لحظة سلام نادرة......لم تدم طويلًا
صوتٌ غاضب اخترق اللحظة :
جيانااا
تجمدت في مكانها، واتسعت عيناها دهشةً، قلبها سقط في صدرها كحجرٍ في بئر، لم يكن إلا والدها "أكمل" يقف خارج سيارته، نظراته مشتعلة كأنها تحرق الهواء من حوله
تقدم منها بخطواط غاضبة قائلاً بحدة :
بتعملي إيه هنا ؟؟
لم تجب، فقط نظرت إلى الأرض وكأنها تبحث عن إجابة مدفونة في التراب، لكن فريد أنقذ الموقف قائلاً بصوتٍ متماسك :
انا كنت ماشي بالعربية، ولما شوفتها نزلت أتكلم معاها
نظرت له بصمت....لقد كذب، لم يقل إنها هي من جاءت إليه، حمل عنها اللوم، وتحمل الغضب وحده
هل كانت هذه المرة الأولى التي يحميها فيها ؟؟
لا....لكنه هذه المرة، فعلها بقلبه، لا بلسانه فقط
رغم كل التوتر، لم يعد لوجود "أكمل" أثر في لحظتهما، كانا وحدهما، كما لو أن العالم تلاشى وترك لهما ساحة الارتباك
فريد يجعلها تنقسم داخليًّا بين حبٍ لا تمحوه الأيام، وكرهٍ لا يفسره المنطق، هو ذلك التناقض الذي لم تعرف له قرارًا يومًا
قاطعها صوت والدها من جديد، أكثر حدةً هذه المرة :
تليفونك مقفول ليه...؟؟
— ها ؟؟
خرجت الكلمة من فمها بارتباك كمن أُفزع من حلمه
— بسألك، تليفونك ليه مقفول؟
قالها وهو يضغط أسنانه بغضبٍ صريح
ردت عليه جيانا بصوت خفيض، خائف :
فصل شحن مني...
لم يُعلق، فقط أومأ ببرودٍ يقطر غضبًا، قبل أن يقول بنبرة قاسية وهو ينظر إلى فريد :
جواد خطيبك بيرن عليكي من الصبح، ولما ما عرفش يوصل ليكي اتصل بيا
كأن الكلمة خنجر، لا اسم شخص يدعى"جواد"
سمعها فريد، فانكمشت قبضته، وعيناه اشتعلتا بغيرةٍ سوداء أي ملكية تلك التي نُسبت لرجلٍ آخر....!!!!
لم تغب على "أكمل" تلك النيران في عيني فريد، فابتسم... بانتصارٍ لا يخلو من المرارة، كمن وجد الثغرة التي ينتقم بها
ثم نظر إلى جيانا قائلاً بصرامة :
اسبقي، اركبي العربية.....أنا جاي وراكي
ترددت للحظة، ثم غادرت، وكل خطوة تبعدها عنه كانت كسكينٍ تُغرَز في صدر فريد
ما إن ابتعدت حتى التفت أكمل إليه، وصوته يقطر تهديدًا :
بص يا ابن دولت.....لو كان فيه أمل واحد في المية إني أقبل وجودك في حياة بنتي، واسامح ع اللي عملته فيها زمان، فالأمل ده انتهى أول ما عرفت إنك ابن دولت
ابتلع فريد جُرحه وقال بصوتٍ مهزوم مليء بالحزن :
حتى لو بحب بنتك....؟؟
اقترب أكمل منه خطوة، وصوته أكثر جدية من أي وقت مضى :
عارف أنا وافقت ليه على جواز جواد من بنتي، عشان احترمني، دخل من الباب، قالي بالحرف أنا معجب ببنتك وعايز اتجوزها، قدر واحترم وجود اهلها، دخل من الباب مش من الشباك زي الحرامية
نظر له بعينِ رجلٍ يزن الدنيا بميزان أبٍ مُجرب :
لو كنت جيتلي، وقولتلي ببساطة انا بحب بنتك، يمكن كنت شوفتك راجل، حتى لو ماضيك مش نضيف، كنت قولت يمكن ده شاب طايش محتاج اللي يرشده وكنت هساعدك كفاية انه ملعبش بيها وجالك ضهري ودخل البيت من بابه
ثم تنهد، وعيناه تحفران في أعماق فريد :
بُكرة.....لما تبقى أب، ويبقى عندك بنت هتخاف عليها من الهوى، هتدور ليها على زوج تلاقي معاه الأمان، تبقى مستأمنه على بنتك، هتبعدها عن اي شخص ممكن يسبب ليها اذى حتى لو هي مش شايفة ده
صمت قليلًا، ثم أكمل بصوتٍ خافت لكنه مشحون :
وأنا كل اللي بعمله دلوقتي؟
إني بحمي بنتي منك.....ومن أذاك
سواء انت أو ابن عمك، وصل له رسالتي كويس،
لأني مش غبي عشان مفهمش نظراته لتيا
انتوا الاتنين....عمري ما هستأمنكم على بناتي
ولا عمري هلاقي ليهم الأمان معاكم
بُكرة، لما تبقى أب، وتتحط في نفس موقفي، هتحس بإحساسي، ويمكن تعمل أكتر مني كمان، أنا مش لاقي بناتي في كيس شيبسي، ولا مستغني عنهم علشان أرميهم الرمية دي......بناتي غاليين ومش هياخدهم غير الغاليين، اللي يقدروهم ويحافظوا عليهم
ثم اقترب منه، نظر داخل عينيه مباشرة، وقال بهدوءٍ مميت : وصلك كلامي....؟؟
لم يكن هناك مجال للجدال، لا مساحة للاعتراض، أومأ له فريد برأسه، وخرجت كلمتان من فمه بثقل ندمٍ لا يُحتمل : عندك حق
ثم تركه أكمل" ومضى، منتصرًا بحب أبٍ لا يقبل الهزيمة
جلس فريد على المقعد كأن الأرض قد ضاقت بما رحبت، وانكمشت الدنيا في عينيه حتى صارت مجرد وجعٍ لا اسم له أسند رأسه إلى كفيه، وكأنهما آخر من تبقى له ليحتويه
كان الصمت ينهش صدره، والندم يضغط على أنفاسه حتى كاد يختنق
لم يكن يحتاج إلى من يخبره أنه خسر.......
كان يشعر بالخسارة وهي تتسلل داخله بهدوءٍ قاتل، كأنها عقوبة لا تصدر من محكمة، بل من ضميره هو
يعلم أن ما قاله والدها صحيح، ويعلم أكثر أنه تأخر كثيرًا في فهم قيمة الأشياء التي أحبها بعد أن كسرها بيده
كان يحبها....
نعم، تلك الحقيقة الوحيدة التي لم يكذب فيها أبدًا
لكنها الحقيقة ذاتها التي لا تُكفر عن الماضي، ولا تشفع له عند قلبٍ جُرح بسببه
وأسوأ ما في الأمر.....
أنه يعلم تمامًا انها أجمل ما عاشه
لكن هو أسوأ ما مر عليها
كم مؤلم أن يكون الحب نفسه هو الذنب الأكبر
أن تظل تحب، دون حق، دون أمل، دون حتى أن يُسمح لك بالاقتراب
هو لم يندم على حبه لها.....
لكنه يكره نفسه لأنه جعل نفسه ذكرى مؤلمة في قلبها
..........
كان يجلس في حديقة القصر، يهز قدمه بعنف، يتقد في داخله حريقٌ لا يخمد، كلما مر في ذهنه شريط ما حدث صباحًا، كلما عادت إليه كلمات تلك الحقيرة، اشتعل الغضب في صدره كأن قلبه على وشك الان
ما ان خرجت من مكتبه، حتى تحرك خلفها بخطى غاضبة، لم يكن ينوي الصمت، ولم يكن الصبر خيارًا، وجدها لا تزال تقف عند مكتب "سالي"، لم تغادر، فخطف هاتفها من يدها في لحظة، ثم ألقاه بكل ما أوتي من قوة على الحائط ليتهشم إلى شظايا
في البداية، بدت عليها الدهشة، لكنها ما لبثت أن ضحكت، ضحكة مستفزة وهي تقول بسخرية باردة :
شكلك واخد فكرة غلط عني، متستهونش باللي قدامك وتفكرها ساذجة وغبية يا روحي
اقتربت منه بخطوات واثقة، تمسك بياقة قميصه وكأنها تنتزع هيبته، وقالت بتحدي :
يا حبيبي، أنا قبل ما أدخل مكتبك ده، كان معايا حوالي خمسين نسخة.....مش ع الموبايل ده بس
ثم طبعت قبلة خبيثة على وجنته، وهي تبتسم ابتسامة مقرفة قائلة :
انا مش تيا يا حبيبي......بلاش تستهون بيا، ماشي
غادرت، وتركته واقفًا، الدماء تغلي في عروقه، لولا أنها اختفت عن ناظريه لكان مزق كل قطعة أثاث في المكتب على رأسه
استفاق من شرود، وهو يزمجر من بين أسنانه بغل :
وحياة أمها لأكون موريها الويل، هي اللي ابتدت ولعبت بالنار
كان يغلي غيظًا، لكن الغضب لم يكن كل ما يشعر به، بل كان هناك خوف، خوفٌ لا على نفسه، بل على من أصبحت كل حياته، على من لا يعرف كيف يُنقذها من هذه الورطة
قطع شروده صوت بكاء مكتوم، بكاءٌ بدا وكأن صاحبه يفقد روحه....فاقترب بحذر وما إن وصل مصدر الصوت، حتى اتسعت عيناه دهشة وتمتم بزهول :
هايدي !!!
كانت تجلس القرفصاء، تحتضن قدميها، تبكي بحرقة، وملامحها أشبه بالخراب، اقترب منها مرتبكًا، يسألها :
مالك قاعدة كده ليه....؟؟
لم تجبه، فقط نظرت في الفراغ، والدموع تهطل كالمطر، تبكي على نفسها، على ماضيها، على كل ما ضاع منها بيدها
جلس جوارها يسألها بقلق حقيقي :
هايدي.....انتي كويسة ؟؟
لكنها لا تجيب، صمتها كان أبلغ من أي رد، فمد يده برفق ووضعها على كتفها قائلاً :
قوليلي مالك
فجاءه صوتها مختنقًا، بين البكاء والمرارة :
بعد اللي حصل امبارح، مش محتاج سؤال
تنهد بعمق ثم قال بضيق :
عندك حق
ثم سألها بصوت خافت :
بتحبيه....؟؟
أومأت وهي تبكي بحرقة، فتنهد بحزن، وقال بشفقة لم يظن يومًا أنه سيشعر بها نحو هايدي :
لو بيحبك هيسامحك يا هايدي
لكنها انفجرت فيه قائلة بسخرية مؤلمة. :
بتكدب على نفسك ولا عليا، وبتقولي كلمتين شفقة، انت لما اتحطيت مكان سمير عشان تتجوزني بعد ما جدو طلب منك رفضت... وعايرتني، عايزه هو يوافق؟!
محدش يقبل على نفسه يتجوز واحدة زيي
صمت.....لم يجد ردًا، فكل حرف قالته كان صادقًا وموجعًا أكملت هايدي، بصوتٍ يقطر ندمًا :
أنا حاولت والله أحكيله، بس كل مرة كنت بخاف...
أصارحه يبعد عني، خوفت أخسره
كنت عارفة إن الخسارة جاية، كده كده
فقولت أفضل معاه أطول وقت ممكن، أشبع منه قبل ما يسيبني ويمشي
لم يكن يتخيل أن الحب يغير الإنسان لتلك الدرجة.....
الحب، الذي كان يظنه مصدر قوة، بات يراه ينهكهم، يُسقطهم واحدًا تلو الآخر
لقد غير من فريد كثيرًا.....جعل منه رجلاً يخشى الخسارة بعدما كان لا يُهزم، جعله يراجع كل خطوة كأنما الأرض تحت قدميه صارت هشة، لطالما ظنه لا يعرف معنى التعلق، أصبح قلبه يرتجف من فكرة الفقد
وها هي ابنة عمته....تلك التي لطالما رآها شامخة، عنيدة، تعلو فوق الجميع بكبريائها وغرورها، يراها اليوم منكسرَة، خائفة من الفقد، تتهرب من الحقيقة وتبكي كمن أدرك فجأة أنه بلا سلاح في ساحة حرب
يعلم أن الحب عادةً ما يقوي الإنسان، يمنحه ما يُقاوم به الحياة.....
لكن ما يراه أمامه الآن مختلف.....
ففي حالتهم هم الثلاثة، الحب لم يمنحهم قوة، بل عراهم من أقنعتهم، كأن الحياة تُطالبهم اليوم بثمن ما عاشوه بالأمس...
بالطول والعرض كما يُقال، يدفعون الآن فاتورة لم يكونوا يظنون أن وقت سدادها سيأتي
فجأة.....قالت بصوت خافت ممزوج بدموع حارقة :
فريد مقربش مني خالص
تراجع للخلف بدهشة لم يستوعبها عقله :
نعم ياختي !!!!!
تابعت هايدي، بصوتٍ مخنوق، تتكلم كأنها تعترف بخطيئة :
هو قبل ما يقرب مني، كان نام من كتر ما كان سكران، وأنا اللي عملت كل ده، وهمته إنه لمسني، استغليت انه سكران وقربت منه، وقبل ما يكمل أو يعمل أي حاجة.....كان نام
رد عليها مذهولًا :
بتتكلمي جد ؟؟
فردت عليه بدموع تُذيب القلب :
هو ده موضوع للهزار يعني؟!
ظل يحدق بها، لا يستطيع التصديق، فتابع بصوت أقرب للعتاب :
طب عملتي كده ليه يا هايدي، انتي مكونتيش كده خالص
يعني آه، كنتي مغرورة ومتكبرة، بس مكونتيش بالأخلاق دي ولا بتتصرفي كده
صرخت فجأة بوجعٍ دفين :
محدش فيكم سألني مالك، أنا فضلت شهور قافلة على نفسي، محدش فكر فيا ولا سألني مالك
ثم بدأ قلبها ينزف، تحكي ما لم تحكه لأحدٍ من قبل، تسرد ما كان يقتلها بصمت طوال سنوات :
هو اللي دمرني...
أنا حبيته، أو كنت بحبه......
بس هو استغل حبي ليه وثقتي فيه ودمرني
تسارعت أنفاسه، وسألها بصدمة :
هو مين؟!
أجابته هايدي وهي ترتجف بقوة :
مازن.....كان أخو صاحبتي، وأكبر مني بسنتين، أنا كنت لسه داخلة الجامعة، قابلته مرة، ومن ساعتها بدأ يتقرب، يتحجج، يكلمني، يشوفني، وأنا كنت مصدقة كل كلمة، مصدقة مشاعره، لحد ما......
ابتلع ريقه بقلق وسألها بحذر :
لحد إيه....؟؟
تجمدت ملامحها، ثم انفجرت بكاءً وهي تحرك يديها على جسدها كمن يطرد لعنة :
في مرة روحت أزور صاحبتي اللي هي أخته بعد ما قالتلي إنها تعبانة، وقاعدة لوحدها، بس لما وصلت، كانت هي بس اللي هناك، وقدمتلي عصير، وبعد ما شربته جسمي كله اتخدر، مش قادرة أتحرك، بس عنيا كانت مفتوحة، شايفة كل حاجة.......
واصلت بكلمات تقطر مرارة وألم :
كان متفق معاها، يكسر مناخيري اللي طالعة بيها السما بسبب غيرتها مني، اعتدى عليا.....وانا شوفت كل حاجة، بس مقدرتش أدافع عن نفسي، مقدرتش حتى اصرخ
ثم انهارت أكثر، وقالت بقهر :
ما اكتفوش بكده، صوروني وكانوا ناويين يفضحوني، بس
هما الاتنين عملوا حادثة بعد ما سابوني ومشيوا......وماتوا
نظر لها مذهولًا، والدمعة تحاصر عينيه، سألها بصوت مختنق :
وماقولتيش لحد فينا ليه؟!
صرخت فيه صرخة، تكاد تخرق صدره من شدة الألم بها :
هقول إيه؟ ولمين؟!
كان إيه اللي هيحصل مثلاً...؟؟
محدش كان هيصدقني.....كنت هفضح نفسي
أنا طالعة الشقة برجليا، محدش هيصدقني.....فسكت
حاول ايهم أن يبتلع غصته، فسألها :
طب قربتي ليه من فريد وعملتي كده ؟؟
ردت عليه بقهر والألم كالوحش ينهش قلبها بلا رحمة :
كنت عاوزة أستر على نفسي، أوهمه إن حصل بينا حاجة،
عشان يتجوزني.....بس مع الوقت، اتعودت أجري وراه...
بقيت عايزاه يبقى ليا، مرة ورا التانية لقيت نفسي اتغيرت شرب وسهر، لقيت نفسي مع الوقت واحدة تانية انا معرفهاش واحدة اخدت ع الغلط لحد كا بقى جزء من شخصيتها، هما اللي دمروني يا ايهم، انا تعبانة اوي، قول لسمير يسامحني انا بحبه والله
1
قالتها بكل ذل الحب، ووجع الفقد، وانكسار نظرة مَن تُحب
لم يشعر إلا ودمعة تسقط من عينيه، فمسحها بإصبعه في صمت، ثم جذبها إلى صدره، يضمها كمن يحاول لملمة جرح لا يندمل، وهمس بغل :
اقسملك بالله، لولا إنهم ماتوا، كانوا شافوا العذاب ألوان على ايدي
ربت على رأسها بحنانٍ لم تعرفه من قبل، وقال :
سمير لو بيحبك.....هيسامحك، اتكلمي معاه، واحكيله اللي حصل، هو هيسامحك ويقدر ان مالكيش ذنب لو حبك بجد
حركت رأسها نفيًا، وقالت ببكاء :
بس هو كتير على واحدة زيي...
هو يستاهل الأحسن، أنا منفعهوش...
بس بحبه ومش عاوزاه يبعد عني
قالتها وهي تتمزق بين عقلٍ يقنعها أنها لا تستحقه، وقلبٍ يصرخ بأنه لها
نظر لها، ونزلت دموعه حزنًا عليها، وبعد لحظات، ما إن هدأت أنفاسها، حتى حملها برفق، أخذها لغرفتها، تركها تنام بسلام، ثم اتجه إلى غرفته وعينه لا ترى إلا وجه سمير
عليه أن يتحدث معه غدًا !!!
........
كان يتحرك بخُطى حذرة، يلتفت حوله كل بضع ثوانٍ، يتأكد من أن لا أحد يتبعه، لا من الخلف، ولا من أحد جانبيه ملامحه مخفية خلف قبعة منخفضة، ونظارة سوداء كبيرة تُخفي عينيه، حتى ثيابه اختارها بعناية
يتخفى في صمت يشبه صمت القتلة
بعد وقتٍ من المراوغة، كان يقف أخيرًا أمام تلك البناية المهجورة، المتداعية، في أطراف المدينة، بعيدًا عن أي أثرٍ لحياةٍ بشرية، استطاع أخيرًا أن يتخلص من أعين الرجال الذين أوكلوا بمراقبته
ما إن دلف إلى مدخلها العفن، حتى وجده واقفًا في انتظاره… كما كان متفقًا، لم يصدق أن من قضى شهورًا يفتش خلفه، لم يكن إلا طرفًا آخر في كشف الحقيقة....دون أن يعلم
اقترب منه ليبادره الآخر بلهجة مُتعجلة :
كويس إنك جيت بسرعة، لأني معنديش وقت خالص، مراقبتهم زادت حواليا الفترة دي
ابتسم الآخر بسخرية، وقال هازئًا :
حقيقي يا حامد، مش مصدق لحد دلوقتي إن كل المعلومات اللي كانت بتجيلي من اللوا أساسها انت وانك....
قاطعه حامد ببرود، وسخرية تخفي ألمًا عتيقًا :
أبوك زمان ساعدني يا آسر، وكان له فضل كبير عليا، واللي أنا فيه دلوقتي كان باتفاق معاه ومع اللوا، كنت عايز آخد حق ابني لكن بعد موت والدك وقتلهم ليه، بقالي عندهم تارين، مش واحد
سأله آسر بغضب :
طب وليه كنت معادي جيانا ؟ والحادثة اللي حصلت لها ؟
أطرق حامد برأسه، كأن صدقه بات عبئًا، ثم قال بضيق :
بنت عمك بتدويرها ورايا، ومحاولتها إنها تِكشفني فتحت عيونهم عليها، وبقوا عايزين يخلصوا منها، لأني لو انكشفت، هما كمان هيتكشفوا، فكان لازم يخلصوا منها، وأنا طول الوقت ده كنت بقنعهم إن إحنا نديها قرصة ودن ونخليها لصالحنا، وزي ما طلعتني وحش، تقدر تطلعني ملاك، وبكده هما يبقوا في السليم، واعتقد إن الحادثة اللي حصلت ليها أحسن بكتير من موتها زي ما كانوا عاوزين
ثم أردف بنبرة حادة مليئة بالتحذير :
بنت عمك بتلعب مع اللي هي مش قدهم، وده مش في صالحها، حسين، دراعي اليمين، شغال معاهم وبيراقبني واللي حصل يومها كان تحت عينه، يعني لو شك إني بتعامل معاها بحذر أو بخوف، كنت اتكشفت، وكل اللي بنيته كان هيضيع في لحظة
3
ردد آسر بنبرة متهدجة وقد علا غضبه :
واللي كنت مانعه من أذيتها......يبقى مجدي القاسم
أومأ له حامد قائلاً بإيجاز :
مظبوط، بس مجدي له شريك بيساعده ومن زمان الشريك ده خفي، محدش يعرفه، ولا حتى أنا، كل تعاملنا معاه من بعيد الشخص ده مجدي وبس اللي يعرفه
تردد آسر لحظة، كأنه يخشى السؤال أكثر مما يخشى الإجابة، ثم قال :
طب بنته، بتشتغل معاه في الشغل المقرف ده ؟؟
حرك حامد رأسه نافيًا وقال :
لأ، هو أصلًا مش بيشوفها غير فين وفين، مجدي مريض… ومبيهموش غير نفسه، حتى بنته مش فارقة معاه، عندي رجالة وسط رجالته، بينقلوا ليا أي معلومة، واحد منهم سمعه بيقول لواحدة مش ده الاتفاق المفروض كان بنتي وابنك يتجوزوا، ولا هتخلي بالاتفاق زي ما عملتي انتي وأبوكي زمان....مجدي ممكن يبيع بنته ويقبض التمن عادي
1
عشرات علامات الاستفهام انهالت داخل عقل آسر كالرصاص، لكنه كان يشعر أنه اقترب من شيء…...من جواب
نظر حامد لساعته، وكأن كل ثانية بعدها صارت خطرًا :
انا اتأخرت....خد بالك من بنت عمك.هي دلوقتي جابت آخرهم، خصوصًا بعد آخر مقال نشرته، قالت فيه إن في ناس تانية ورايا، وهما مش هيسكتوا، حياتها بقت في خطر، وأنا مش هقدر أعمل لها حاجة، الموضوع خرج من ايدي
اشتعلت نيران الانتقام في صدر آسر، اشتعل قلبه كما لم يحدث من قبل....
تلك الوجوه الحقيرة، التي تسببت في موت من أحب
لن تنجو......
رحل حامد كما جاء، في صمت، أما آسر، فقد انطلق كالعاصفة وجهه مشدود، نظراته تقدح نارًا، سيحمي ابنة عمه بأي ثمن
..........
بمنزل أكمل النويري.......
كان الهدوء يخيم على المكان، لكن قلب حنان لم يعرف له طريقًا، كانت تستقبل ابنة خالتها منال وابنتها سلوى، بابتسامة باهتة لم تصل لعينيها، بل بالكاد ظهرت على شفتيها، لم تكن تطيق هذا اللقاء، ولا تلك الأحاديث المبطنة التي لا تخلو من التعريض ببناتها، وبالذات الكبرى.....جيانا
قلبها يحترق كل لحظة تتذكر فيها ما حدث بالأمس، تتساءل في مرارة كيف لم تشعر بابنتها....؟؟
كيف غفلت عنها لتلك الدرجة كل تلك السنوات.....؟؟
ما زاد وجعها أن زوجها ووالدها كانا على علم وهي آخر من يعلم
انضمت للجلسة رونزي، ثم رامي، ثم تيا......الأخيرة كانت شاردة، لا حياة في عينيها المتورمتين من البكاء، ولم يزرها النوم منذ الليلة الماضية
رددت حنان بابتسامة مجاملة :
تشربوا إيه
طلبت منال الشاي، لكن سلوى رفعت رأسها بتصنع وغرور، متفحصة مظهر تيا بنظرة مليئة بالتعالي :
وأنا coffe يا طنط
ردد رامي ببرود وسخرية، وهو لا يخفي اشمئزازه منها ومن والدتها :
قال coffe قال، الله يرحم أبوكي كان فاكر ليبتون رئيس أمريكا
1
ضحكت رونزي فجأة، وضعت يدها على فمها تكتم ضحكتها لكن بلا جدوى، فانفجرت ضاحكة لتلتفت إليها العيون بدهشة، فقالت محرجة :
احم، sorry يا جماعة، بس افتكرت موقف كده
حرك الجميع رؤوسهم، فيما قالت منال بنبرة رسمية :
احنا جايين نعزمكم على فرح سلوى آخر الأسبوع، عقبال عندكم
رددت حنان بابتسامة :
مبروك يا سلوى يا حبيبتي.....الف مبروك
تمتمت سلوى بابتسامة متصنعة :
ميرسي يا أنطي، الله يبارك فيكي
ثم تابعت بخبث :
عقبال تيا وجيانا
رددت منال ساخرة :
مش ناويين تعملوا فرح جيانا ولا إيه؟ هيفضلوا مخطوبين كده لحد امتى العمر بيجري !!
ردت عليها حنان وقد حاولت إخفاء ضيقها :
لسه شوية، ربنا يسهل
رددت منال بلؤم وهي تلوك الكلمات :
شوية إيه؟ هي لسه هتستنى؟ أنا لو منها أمسك في العريس بإيدي وسناني، دي داخلة ع السبعة وعشرين سنة، وقطر الجواز فاتها، اللي قدها معاهم عيل واتنين، هتستنى لحد إمتى، لما يكون عندها اربعين سنة، بصراحة بقى يا حنان بنتك بتتدلع وعايزة يتشد عليها
تحولت ملامح حنان إلى غضب مكتوم لم تستطع إخفاءه، وهنا لم يصمت رامي، خرج عن هدوئه المعتاد، وقال بنبرة باردة كالسيف :
صحيح يا طنط، سمعنا من فترة صغيرة، لما روان بنت حضرتك كلمتنا، وقالت إن العريس اللي متقدم لـ سلوى الخاطبة هي اللي جابته
1
تلجلجت منال، ولم تجد ردًا، فأكمل رامي، ساخرًا :
غريبة إن حضرتك تعملي كده وتروحي لخاطبة!د، رغم إن بنتك ما فاتهاش قطر الجواز عشان تدللي عليها وتروحي لخاطبة تشوفلها عريس
صرخت عليه منال بغضب :
انت ولد قليل الأدب !!
رد عليها رامي، بنبرة صارمة لأول مرة تُسمع منه :
انا مش قليل الأدب، أنا بقدر اللي قدامي وبحترم شعوره
بس لما ألاقي غيري بيتمادى مرة بعد مرة، لازم أتعامل بنفس الأسلوب، أختي لحد امبارح العرسان بتخبط على باب بيتنا، رغم إن فاتها قطر الجواز زي ما بتقولي، لكن ما روحناش لخاطبة، ولا دللنا عليها، وهي لسه مكملتش التلاتة وعشرين سنة، و حضرتك ناوية تشرفي بيتنا، يبقى تحترمي اللي ساكنينه، زي ما بيحترموكي ويشيلوكي فوق راسهم
أختي مش مجال للسخرية، وكل ما تيجي، تفضلي ترمي عليها كلام إنتي وبنتك من تحت لتحت، اخواتي خط أحمر أظن كلامي وصل لحضرتك انتي وبنتك
1
قالها وغادر تحت صدمة الجميع
بينما حنان، رغم غضبها من أسلوبه، إلا أن قلبها ارتوى قليلًا، ابنها دافع عن كرامة شقيقته، ورفض إهانتها أمام أحد
بينما منال اشتعلت غضبًا، وهي تقف بصعوبة من شدة الحرج قائلة بحدة :
بنتهان في بيتك ومن ابنك يا حنان، قسمًا عظيمًا ما دخلالك بيتك تاني
غادرت برفقة ابنتها بغضب شديد ولم تتمسك بها حنان حتى فهي تستحق !!!
..........
داخل قصر الزيني، كان صلاح يجلس في غرفته، شاردًا، قلبه مثقل بهموم العائلة التي تكاد تفتك به، لم يعد يتحمل فكرة أن الخلافات تتمدد حتى تخنق الهواء بينهم
قطع شروده رنين الهاتف، رفع السماعة ليأتيه صوت جاف، ولم يكن سوى صوت سمير الذي ردد بنبرة لا تحتمل التردد :
أنا سمير الحسيني، بتصل بحضرتك عشان احدد معاك ميعاد الفرح وكتب الكتاب، لو موافقين على طلب جوازي من هايدي !!!!!!!
__________
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا