رواية ليتني لم أحبك الفصل السابع عشر 17بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايا
رواية ليتني لم أحبك الفصل السابع عشر 17بقلم الكاتبة شهد الشورى حصريه في مدونة قصر الروايا
الفصل السابع عشر
مر يوم الأمس على سمير محاطًا بنظرات العتاب من الجميع، بعد أن فاجأهم بخطبة فتاة دون أن يُطلعهم أو يستشير أحدًا، بينما جاء اتصال مفاجئ من إيهم لفريد، يخبره فيه بضرورة عودته سريعًا، بأمرٍ من الجد، لأمرٍ بالغ الأهمية لا يحتمل التأجيل.......
في صباح اليوم داخل منزل أكمل النويري
كانت تيا تقف أمام خزانتها، ترتدي ملابسها استعدادًا للتوجه إلى الشركة، لا بُغية الاستمرار في التدريب، بل لتقديم استقالتها. لم يعد للبقاء فائدة، فقد اقتربت امتحاناتها، وأثقلها قلبها بما لا يُحتمل
ما إن همت بالخروج من الغرفة، حتى سمعت طرقًا خفيفًا على الباب، تبعه دخول شقيقتها جيانا بابتسامتها المعتادة، وهي تقول بنغمة مرحة تخفي ما بها من قلق:
– صباح الفل يا توتا.
التفتت لها تيا مجهدة الابتسامة، كمن تحاول أن تُخفي خلف ملامحها بحرًا من البكاء:
– صباح الخير يا جيجي
اقتربت جيانا وجلست على الفراش، ثم ربتت على المساحة الخالية بجوارها بإشارةٍ تطلب منها أن تقترب:
– تعالي هنا يا بنتي، مالك واقفة كده....؟؟
ترددت تيا لوهلة، ثم جلست بهدوء، لتبادرها جيانا بصوت دافئ وقلق يتخلله رجاء:
– مالك بقى يا ستي؟ إيه اللي مضايقك؟ لما سألت ماما قالت مش عارفة، وقلقانة عليكي جدًا، وبابا قالي إنك مش حابة تتكلمي دلوقتي... بس أنا أختك يا تيا، يعني مش هتلاقي حد يخاف عليكي زي اختك الكبيرة، قوليلي، مالك؟
ما إن انتهت كلماتها حتى انفجرت تيا في بكاءٍ مر، غزير، كأن كل ما احتجزته في قلبها طوال الأيام الماضية قرر أن يثور الآن دفعةً واحدة، دموعها سالت بغزارة، تناثرت على وجهها كأنها تعاقب روحها بما لا يُقال
جيانا بذعرٍ مشوب بالحنان أمسكت بيدها وسألتها بقلق:
– مالك يا تيا؟ في إيه؟ إيه اللي مزعلك كده؟
قالت تيا بصوت مختنق :
– قالي إنه بيحبني... وسِبتُه ومشيت، بس أنا... أنا بحبه يا جيانا، ومكنش ينفع أحبه... مش المفروض كنت أسمح لنفسي بالمشاعر دي... حبيت الشخص الغلط... مش عارفة إزاي، ولا إمتى، بس فجأة لقيت قلبي رايحله، من غير ما أحس، كل يوم كنت بنجذب له أكتر.....
ساد الصمت للحظة، وكأن حتى الهواء في الغرفة توقف عن الحركة، ثم سألتها جيانا بحذر :
– ومين هو؟ وليه بتقولي عليه الشخص الغلط؟
همست تيا، وترددها يسبقها، وكأن الاسم ذاته يُثقل لسانها:
– ايــهــم !!!!
اتسعت عينا جيانا بصدمة غير مصدقة:
– ايهم الزيني؟
أومأت تيا برأسها، والدموع ما زالت تسابق نظراتها، فسألتها جيانا، هذه المرة بذهول أكبر :
– قـالك إنه بيحبك؟!!
أومأت مرةً أخرى، لتقول جيانا وهي تحاول أن تحافظ على هدوئها :
– احكيلي.....احكيلي من الأول كل حاجة
بدأت تيا تسرد كل ما حدث، بكل ما فيه من لحظات اختلط فيها الارتباك بالشوق، والتردد بالحنين، كانت جيانا تنصت في صمت، لكن ملامح وجهها لم تستطع أن تُخفي الغضب المتزايد الذي استعر بداخلها كلما توغلت تيا أكثر في الحكاية، إلى أن انتهت.
نظرت جيانا نحوها وسألتها :
– وانتي كنتي رايحة فين دلوقتي؟
ردت عليها تيا بحزن :
– كنت ناوية أقدم استقالتي من التدريب، وآخد حاجتي من الشركة....وبعدها أطلع ع الجامعة، بقالي كذا يوم مروحتش
حركت جيانا رأسها ثم قالت بجدية :
– لا، روحي الجامعة علطول.....متعديش ع الشركة
فتحت تيا فمها لتسأل عن السبب، لكنها فوجئت بجيانا تنهض مسرعة وتغادر الغرفة دون أن تشرح شيئًا
تنهدت تيا بألم، عيناها تتوجهان تلقائيًا لهاتفها المُلقى على المكتب، الذي لم يهدأ منذ تلك الليلة، رسائل إيهم المتلاحقة واتصالاته المتكررة كانت حاضرة دومًا، لكنها لم تملك الجرأة لتجيب، ولم تكن قادرة على المواجهة
أخذت حقيبة ظهرها بهدوء، وخرجت من المنزل بخطوات بطيئة، منهكة الروح، مكسورة القلب، لا تعلم أن سيارةً سوداء كانت تتابع خطواتها منذ أن أُغلق الباب خلفها….....!!!!!
.........
بخطوات واثقة، كان فريد يسير في أروقة الشركة، يتلقى تحيات العاملين بابتسامة صغيرة، لم يتوقف كثيرًا، بل تابع طريقه نحو مكتب ابن عمه دون أن يُعر أي اهتمام لنظرات سالي، التي كانت تتهيأ لتبدأ محاولاتها الرخيصة كعادتها، لكنه تجاهلها ودخل مباشرة
في الداخل، فوجئ بإيهم جالسًا على الأريكة، واضعًا رأسه بين يديه كأن همًّا أثقل صدره
سأله فريد متعجبًا :
– مالك قاعد كده ليه؟
رفع ايهم رأسه نحوه، وفي عينيه نظرات غيظ وغضب صامت، جعلت فريد يتراجع قليلًا قبل أن يسأله مرة أخرى :
– مالك ياض بتبصلي كده ليه؟
نهض ايهم بغضب، واندفع نحوه يمسكه من مقدمة قميصه وهو يصرخ بانفعال:
– بسببك....بسبب اللي عملته زمان، هي دلوقتي مش واثقة فيا، أنا بحبها، بس كل اللي بعمله بيروح ع الفاضي عشان ماضيك اللي بيطاردني كل لحظة !!!
ظن فريد أن ايهم يتحدث عن جيانا، فلكمه بعنف وهو يرد بعصبية مماثلة :
– بتبص للي ابن عمك بيحبها يا كلب !!
قبل أن يتطور الشجار أكثر، دفعت جيانا باب المكتب الذي لم يكن مغلقًا بالكامل، ودخلت بخطوات غاضبة، ارتخت يد فريد تدريجيًا، وقد تجمدت عيناه على ملامحها، وفي عينيه اشتياق لم يستطع إنكاره......
وقفت جيانا مشدوهة للحظة، ما ان التقت نظراتها بعيني فريد، فقرأ كلٌ منهما قصة من الحنين والخذلان في عين الآخر، لكن لم يتحدث أحدًا
أفلتت جيانا من شرودها سريعًا، وأبعدت عينيها عن عينيه، ثم تقدمت نحو إيهم بخطى ثابتة، ورفعت إصبعها في وجهه قائلة بحدة وتهديد :
– اسمع هما كلمتين ويخلص الكلام على كده، تبعد عن أختي، وإياك تفكر تقرب منها تاني، أنا مش هسمح للي حصل زمان يتكرر، ومش هخلي تيا تبقى رهان جديد تسلي بيه وقتك زي ما عملت انت وابن عمك
صرخ عليها ايهم بغضب :
– رهان إيه وزفت إيه، أنا بحب تيا، ومستحيل أسبب لها أذى
ضحكت بسخرية لاذعة، كلماتها كانت كالسياط على قلب فريد الذي كان يستمع بصمت موجع :
– ما غيرك وعد وقال أكتر من كده، وفي الآخر النتيجة إنت شايفها بنفسك، إنت وهو مالكوش أمان، وأنا مش هآمن على أختي مع واحد زيك، تبعد عنها بالذوق، بدل ما أبعدك أنا بالعافية
رد عليها ايهم بعناد وتحدي :
– أنا مش بتهدد، أنا بحبها ومش هفرط فيها، ده قرار بيني وبين تيا.....وهي بس اللي من حقها تقرر مش انتي
ردت عليه جيانا ببرود :
– ماتخافش، هي قررت، كانت جاية النهاردة تقدم استقالتها عشان مش عاوزة تشوفك، بس أنا قولتلها ماتجيش، عشان اسمعك الكلمتين دول
نظر ايهم لها بصدمة، وهو يبتلع ريقه بصعوبة :
– لما أسمع الرد ده منها، ساعتها أعمل اللي هي عاوزاه، بس أنا مش كداب يا جيانا.....أنا بحبها بجد
زفرت بملل وخرجت من المكتب، وتركت خلفها سكونًا مشحونًا بالندم، جلس فريد على الأريكة، وضع رأسه بين يديه، ثم لحقه إيهم وجلس بجانبه، لا أحد منهما ينطق بكلمة، إلى أن قطع الصمت صوت فريد، ساخرًا بنبرة حزينة:
– عندها حق.....أنا وعدتها كتير وما نفذتش، كنت أنا اللي بجري وراها من سبع سنين، وكل ده عشان رهان تافه وفي الآخر، اللي وقع في حبها أنا مش هي، خونتها، وكنت هغتصبها وكسرت كل حاجة فيها، هستنى منها تسامحني على إيه؟ وأنا أصلاً مش قادر أسامح نفسي
تنهد، ثم أكمل بصوت منكسر :
– كنت فاكر إني اتغيرت عشانها، وده كفاية.....بس ده كان اكبر غلط، اللي بيتغير بجد، بيتغير عشان نفسه، مش عشان يثبت حاجة لحد، انا فعلاً بحبها يا ايهم، نفسي في فرصة تانية، بس....بعد كل اللي حصل، مقدرش أبص في عينيها تاني وأقولها سامحيني...... كل بينا نهيته انا بغبائي
ابتسم ايهم بسخرية حزينة :
– كلنا في الهوا سوا يا ابن عمي، أنا كمان بحب تيا...اللي يضحك بقى؟ إني من كل بنات الدنيا، محبتش غير أخت جيانا، البنت الوحيدة اللي عارفة ماضينا كويس والصراحة اللي توافق على اللي زينا بسهولة، تبقى يا إما هبلة يا إما بايعة نفسها
أومأ فريد ببطء مؤيدًا كلامه، قبل أن يغير إيهم الموضوع فجأة :
– تعرف جدك عاوزك ليه؟
حرك فريد رأسه نافيًا، فسأله ايهم:
– طب عرفت إن هايدي جالها عريس؟
نظر له فريد بتساؤل، فأكمل ايهم:
– ظابط شرطة، صاحب آسر ابن عم جيانا، وساكن معاهم من زمان، كل السكك بتجمعنا بالعيلة دي يا بني مش عارف ليه، تفتكر دي اشارة انهم من نصينا مهما حصل
ابتسم فريد بصمت، ثم سأله بسخرية :
– وهايدي قالت إيه؟
رد عليه ايهم بعد تنهيدة طويلة :
– اتغيرت خالص يا فريد، بقت هادية، عاقلة، ماسكة دار الأيتام وبقت تديرها بجد، حتى لبسها، طريقتها، بقت محترمة زي الأول من الآخر، بس لما جدك فاتحها بخصوص العريس، حسيت إنها ميالة ليه، بس عنيها كان فيها خوف وأظن إنك عارف سببه
تنهد فريد، ثم قال بضيق :
– يلا نروح القصر نشوف جدك عاوز إيه، وبعدها هروح الأوتيل
سأله إيهم متعجبًا :
– أوتيل؟!
ابتسم فريد بحزن وقال :
– بعت الشقة، ومش ناوي أقعد في القصر، الذكريات اللي فيه تقيلة، وأنا خلاص مبقاش ليا مكان وسطهم، هقعد يومين في أوتيل، وبعدها أرجع على القاهرة، عند ديما ووالدتها
نظر له ايهم مبتسمًا وقال :
– شايف إنك ابتديت تحب مرات أبوك وأختك؟
ابتسم فريد قائلًا :
– كان غباء مني إني كرهتهم زمان، محمد باشا خسر ست طيبة بجد، دي وقفت جنبي، ونبهتني، وعلمتني حاجات كتير، حتى ديما.....ديما بقت أكتر من أخت ولأول مرة في حياتي، أحس إن عندي عيلة، بس ناقص حاجة واحدة بس...ناقصني جيانا ساعتها بس هحس إن حياتي اكتملت
ربت ايهم على كتفه، يبتسم بسعادة لصديقه، غير مدركين أن هناك من كان يستمع لكل كلمة......وسجل كل شيء
غادرا الشركة معًا، لكن وقبل أن يصعد إيهم إلى سيارته، رن هاتفه، رد بسرعة، ثم نظر إلى فريد قائلًا بلهفة :
– فريد، روح بعربية من عربيات الشركة، أنا عندي مشوار مهم وضروري أوي
وقبل أن يسأله فريد عن السبب، كان إيهم قد ركب السيارة، وانطلق بسرعة، تاركًا خلفه فريد مزهول وبداخله الكثير من الأسئلة عن رحيله بهذا الشكل السريع !!!!
..........
في الجامعة، كانت تيا تخرج من محاضرتها برفقة "رغد" و"مي"، بينما لا تكف الأخيرة عن توجيه نظراتها الحاقدة نحو تيا، ما جعل الأخيرة تشعر بالاستغراب من هذا العداء الخفي دون مبرر ظاهر
لكن فجأة، اصطدمت بها فتاتان تركض إحداهما خلف الأخرى دون قصد، فتساقط منها كتابها على الأرض، انحنت تيا بحذر لتلتقطهم، وما إن مدت يدها حتى فوجئت بيدٍ أخرى تضع فوقه برفق، رفعت وجهها في توتر، لتجد إيهم أمامها، بعينيه اللتين امتلأتا بعشق واضح واشتياق لا تخطئه النظرات
لم تكن تعلم أن أحد رجاله كان يراقبها منذ أيام، ليخبره فور مغادرتها للمنزل، ولهذا أتى إلى هنا
شدت تيا الكتب سريعًا، واعتدلت واقفة، بينما فعل هو المثل، تحت نظرات "رغد" المتعجبة، و"مي" التي كانت تكاد تقطع الكتاب الذي بيدها من الغضب، فكل ما تراه أمامها يؤكد لها أن "ايهم" لم يكن يكذب حين اعترف بحبه لتيا في مكتبه
اقترب منها ايهم وقال بهدوء :
– عايز أتكلم معاكي شوية
توترت تيا، وتحركت بخطى سريعة نحو مبنى المحاضرات، محاولة التهرب بأي وسيلة :
– مش هينفع.....أنا اتأخرت، وعندي محاضرة مهمة
ركض خلفها بخطاه الواسعة يحاول اللحاق بها، لكنها قبل أن تدخل المبنى، فوجئت بزميل من الجامعة يُدعى "أحمد"، يقف أمامها بابتسامة هادئة يسألها :
– لو سمحتي، آنسة تيا... ممكن اخذ من وقتك دقيقتين بس
أجابته بسرعة :
– ضروري دلوقتي؟
رد عليها قائلاً بابتسامة صغيرة :
– مش هطول، كل اللي محتاجه رقم والدك، كنت حابب أتقدم لحضرتك.......
لم يكمل، إذ قاطعه صوت ايهم الغاضب من الخلف :
– نعم يا روح أمك.....؟!
رد عليه أحمد بحدة :
– إيه يا أستاذ، اتكلم بأدب، وبعدين بتدخل في نص الكلام ليه؟ إنت مين أصلاً....؟؟
اقترب ايهم منه، وابتسامة لا تحمل خيرًا ارتسمت على شفتيه وهو يطوي أكمامه :
– من العين دي قبل العين دي، سيبني اقولك أنا مين بقى....يا روح امك
في لحظة، كانت قبضة إيهم تهوي على وجه أحمد، ليسقط أرضًا والدماء تسيل من أنفه، صرخت تيا بفزع :
– إنت عملت إيه يا مجنون؟!
2
ركضت تجاه أحمد تجثو بجانبه :
– إنت كويس يا أحمد؟
وما إن نطقت اسمه، حتى اقترب منها ايهم يشدها من ذراعها بغيرة مشتعلة قائلاً :
– اقفي مكانك....وما تنطقيش اسمه تاني، اقسم بالله أكمل عليه وأبعته بيته على نقالة
انتزعت ذراعها من قبضته بعنف، ونظرت إليه باشمئزاز قائلة :
– بني آدم همجي
ثم أسرعت إلى داخل المبنى تهرب من عينيه التي ما زالت تلتهب غضبًا، أما هو، فالتفت نحو أحمد الذي بدأ يحاول النهوض، وقال له بنبرة مهددة لا تقبل نقاشًا :
– اخفى من وشي... دلوقتي، قبل ما أكمل اللي بدأته، اياك تاني مرة اشوفك قريب منها
فر أحمد سريعًا، وهو يعلم أنه لا قِبَل له بمواجهة ايهم، فبنيته الجسدية النحيلة لا تقارن بغضب الرجل الواقف أمامه
دخل ايهم المبنى خلف تيا، يفتش بعينيه عنها، إلى أن لمحها تسير في الممر، اقترب منها مسرعًا، ووقف أمامه قائلاً بضيق :
– تيا، استني.....احنا لسه مخلصناش كلام
ردت عليه تيا بخوف وصرامة :
– سيب إيدي
حرك رأسه رافضًا، ثم أمسك يدها وسحبها إلى إحدى القاعات المفتوحة والتي لم يكن بداخلها أحد، وأغلق الباب خلفهما، ليمنع أي تدخل، ثم قال لها بصوت خافت، لكنه مملوء برجاء :
– اسمعيني الأول... أنا بحبك بجد يا تيا، قوليلي أعمل إيه عشان تصدقي؟ جيانا قالتلي إنك ناوية تسيبي الشغل، وإنك رافضة حبي ليكي، طب ليه؟ أنا حاسس إنك بتحبيني......
صمت للحظات ثم تابع بصدق :
أنا أول مرة أحب، ومش عارف المفروض أعمل إيه عشان أكسب ثقتك... بس كل اللي عارفه إني مقدرش أخسرك، إنتي بقيتي السبب الوحيد اللي مخليني عايز أعيش بعد أبويا
استدارت تيا فجأة، محاولة فتح الباب ومغادرة القاعة، فاستند بيديه على الباب مغلقًا إياه، ليصبح جسدها بينه وبين الخروج، وهمس من خلفها قائلاً بتصميم :
– مش هتمشي....إلا لما تتكلمي، قوليلي إنتي حاسة بإيه، وخايفة من إيه بس
حركت رأسها نفيًا، ودفعت الباب محاولة الخروج، ثم صرخت وهي تغالب دموعها :
– مش عاوزة أتكلم... هو بالعافية؟!
اقترب منها، يواجهها، يسألها بحزن :
– ليه؟ ليه بتهربي؟ ليه مش عاوزة تواجهي؟
صرخت عليه بألم وبعينين دامعتين :
– عشان ماينفعش....ماينفعش أحس تجاهك بحاجة... إنت كنت واحد من اللي اتراهنوا على أختي، أنا حافظت على نفسي سنين، وفي الآخر ألاقي نفسي بعيش مشاعر تجاه واحد ما سبش واحدة ومعملش معاها علاقة، أنا هعيش في خوف طول الوقت لو قبلت بيك وقبلت بالحب ده، مينفعش بعد ما حافظت على نفسي سنين واتربيت احن تربية احب واحد عصى ربنا بذنب عظيم زي ده، مينفعش نكون لبعض انا مستاهلش كده ولا استاهل اعيش عمري كله خايفة.......
صمتت لثوانٍ، وكأنها تحاول انتزاع الكلمات من قلبها قبل لسانها، ثم رفعت عينيها إليه، لتلتقي بنظراته التي تحوي كل الألم في هذا العالم، ألمٌ نقي، موجِع، لا يزينه شيء سوى الصدق
حتى قالت بصوت مرتجف، يشوبه اعترافٌ ثقيل وندم دفين:
مكنش ينفع أحبك
قالت جملتها الأخيرة بانكسار، والدموع تغسل وجهها، أما هو، فقد تجمد في مكانه، لا يسمع إلا كلمة واحدة فقط من حديثها السابق :
بتحبيني !!!
ابتسم رغم كل شيء، رغم الصراخ، والدموع، والاتهام.....فقط لأنه سمع ما أراد، سألها بزهول مرة أخرى :
– بتحبيني يا تيا.....؟!!
1
تنهدت بضيق، ثم تبادلا نظرة طويلة صامتة، قبل أن تستدير وتغادر القاعة، تخرج من الجامعة كلها، باحثة عن مخرج من تلك الفوضى التي اجتاحت قلبها
أما هو، فقد ظل واقفًا مكانه، يبتسم... وكأن كلمة "أحبك" أنسته كل ما سبقها، وكل ما سيأتي
همس لنفسه وهو ينظر للباب :
– وحياتك عندي لهتكوني ليا مش لغيري، حتى لو الطريق بينا طويل معاكي لحد ما تسلمي وتقولي انا ليك يا بنت أكمل النويري
لم يكن أحدهما يعلم.....أن هناك من كانت تستمع لكل كلمة قيلت، وقلبها تشتعل بداخله نيران الحقد أكثر فأكثر.....!!!!!!!
.......
في المساء......
ساد الهدوء أروقة قصر "الزيني"، ذلك الهدوء المشوب بالترقب، كانت المقاعد مصفوفة بعناية، والأنفاس محبوسة في انتظارٍ ثقيل
2
الكل حضر، إلا "دولت"، التي اختارت أن تقضي المساء في صحبة أصدقائها من الطبقة المخملية، كما اعتادت، كأن لا شيء يعنيها سوى مرآتها الاجتماعية
أما "سمير"، فكان في قمة سعادته، لم يكف عن إرسال القبلات الخفية لـ"هايدي"، التي كانت ترد عليه بابتسامة خجلة، تختبئ بين وجنتيها مشاعر لم تعتد الظهور
راقبهما "فريد" بصمت، ابتسم بسخرية خفيفة يبدو ان ابنة عمته وجدت من امتلك قلبها، وامتلكت قلبه اخيرًا
قالها في سره، لكن شيئًا داخله تمزق…..
تمنى، للحظة، لو كان مكان "سمير"، وأن تكون "جيانا" هي من تجلس بجانبه، تمنى أن يسرق من القدر ثانية واحدة فقط، يتبادل فيها الأدوار مع سمير، وجيانا محل هايدي.
حين تلاقت عيناه بعينيها، شعر أن عتابها كالخناجر، لا يُوجَع، بل يُنزِف، رد عليها بنظرة باهتة، حزينة.....نادمة
في الزاوية الأخرى، كانت "تيا" تجلس هادئة كمن يختبئ خلف الصمت، تحاول تجاهل نظرات "أيهم" التي لا تخفي شوقه، عيناه تلاحقها كأنما يرى بها ما لا يُقال
لاحظه "أكمل" فانعقد حاجباه وقرر أنه لن يترك الأمر الآن، حتى يعرف ما يدور من ابنته، مهما كلفه الأمر
أما "فريد" و"فادي"، فالتوتر بينهما كان كثيفًا كالهواء المسموم......
نظراتهم لم تكن عابرة، بل مليئة بالغضب، كلٌ منهما يحمل في صدره سرًا ينتظر لحظة الانفجار و"فادي" كان مستعدًا أن يحرق كل شيء، مقابل لحظة يرى فيها فريد منكسرًا، يريد ان يرى ايهم وفريد مطرودان من هنا، وإلغاء تلك الزيجة مهما كلفه الأمر !!!
فجأة.....نطق "فادي"، بنبرة تقطر مكرًا وخبثًا، لتدوي كالقنبلة وسط الهدوء :
"بجد؟ أنا مش مصدق إنك إنتي وفريد كنتوا بتحبوا بعض زمان…..ولا أقول لسه بتحبوا بعض يا جيانا؟
ازاي قدرتي تخوني صاحبتك، وتبقي في حضن خطيبها، في حفلة خطوبتهم كمان، اسمحيلي يا رونزي اقولك إنك ما بتعرفيش تختاري صحابك........!!!!!!
1
عم الصمت على الجميع
كأن الزمن توقف، والعيون اتجهت نحو "جيانا"، وجوهٌ مصدومة، وأخرى مترقبة
في تلك اللحظة، لم يكن في القصر من لم يشعر أن الأرض تهتز تحتهم
كلمة واحدة كانت كفيلة بأن تفتح كل الأبواب المغلقة، أن تكشف كل الوجوه التي احترفت التنكر خلف الأقنعة !!!
_________
يتبع.
تكملة الفصل السابع عشر
عم الصمت على الجميع، كأن الزمن توقف، والعيون اتجهت نحو "جيانا"، وجوهٌ مصدومة، وأخرى مترقبة
في تلك اللحظة، لم يكن في القصر من لم يشعر أن الأرض تهتز تحتهم
كلمة واحدة كانت كفيلة بأن تفتح كل الأبواب المغلقة، أن تكشف كل الوجوه التي احترفت التنكر خلف الأقنعة !!!
ساد الصمت المكان لثوانٍ كانت كفيلة أن تُشيع الارتباك في النفوس، قبل أن يكسره فادي بابتسامة ماكرة وقلب لا يعرف للحياء معنى، قال بصوت لاذع يشق الأرواح كالسكاكين :
هو يعني أنا عارف إنك برضو كنتي ضحية، بس ده ميمنعش إنك خونتي صاحبتك وكنتي في حضن خطيبها وفي حفلة خطوبتهم كمان، أممم، كان يستاهل المشهد ده يتصور، بس للأسف ملحقتش أصوره....كان حضن جامد، مش كده ؟؟
لم يُكمل جملته إلا وقد غاصت غمزته الوقحة في قلب فريد كنصل غادر، فاندفع عليه كالوحش الجريح، ليسقطه أرضًا على الأريكة ويوجه له اللكمات العنيفة
ردد فريد وهو يضربه بانفجار غضب مكبوت منذ سنين :
أقسم بالله لو جبت سيرتها على لسانك تاني، لأخليك تتمنى الموت ومتطولهوش
هرع أيهم لمحاولة إبعاده، لكن فريد كان كالبركان لا يهدأ، بينما الصدمة تلبدت على وجوه الجميع، وانفجر صلاح بصوته المهيب الذي أخرس حتى الجدران :
حـــالاً... أفهم كل حاجة... وإلا مش هيحصل خير أبدًا
رفع فادي جسده بصعوبة، ومرر يده على فمه ينفض عنه دمًا امتزج بسُمّه، ثم قال بسخرية مميتة :
أحكيلك أنا يا صلاح باشا، ببساطة كده....أحفادك الاتنين، أيهم وفريد باشا، من كام سنة اتراهنوا على بنت والرهان؟ إن فريد يوقعها في حبه ويقضي معاها ليلة، بسلامته فضل يرسم دور العاشق الولهان، لحد ما خلى البنت تحبه، بس قبل ما ياخد اللي هو عاوزه، هي شافت خيانته بعنيها، كان مع واحدة تانية، ده حتى حاول يعتدي عليها يوم ما كشفت خيانته، وبلاوي تانية مش عارف أبدأ منين ولا منين
ده حتى خبى عن خطيبته إنه كان على علاقة بصاحبتها
حفـيدك عامل مصايب يا جدي ومش لوحده تؤ ده كان معاه شريكين، أيهم وأركان !!!
الوجوه شاحبة، الأرواح معلقة، والنظرات المذهولة تتقافز بين فريد وجيانا، بينما صلاح يصرخ بنبرة حادة كالسيف :
اللي فادي بيقوله ده.....صـح ؟
صمت فريد، فتعالت صيحة صلاح من جديد بصرامة :
مــــا تنطق!!
لكن فادي، وكأنه لم يكتفي، ألقى بقنبلة أخرى انفجرت في قلب الجميع، وهو ينظر لفريد باحتقار وتشفي :
هيقول إيه بعد كل ده، طبعًا ده غير أختي اللي مسلمتش منه
من سبع سنين، لما كان في شغل بره، وهايدي كانت هناك ضحك عليها، وخلاها تسلمله نفسها وباعها !!!!!!!
أطرقت هايدي برأسها نحو الأرض، كأنها تلتمس منها رحمة غابت عن الوجوه من حولها،
تساقطت دموعها في صمتٍ حزين، لم تصدق أن من يتحدث عنها بهذا الجفاء هو شقيقها وبكل بساطة، وأمام الجميع !!!
أرسلت نظرة خافتة نحو سمير، نظرة جمعت بين الحزن والخجل، والخوف من أن تفقده.....ذاك الذي أحبّته بصدق
أما سمير، فظل يحدق بها بذهولٍ يملؤه الإنكار،
يحاول فهم ما يُقال
أي "أخت" هذه التي يتحدث عنها؟
لا.....لا يمكن أن تكون هي
لابد أن هناك خطأ.....
فهو أحبها، ولم يرى منها إلا النقاء
رفع رأسه إليها مجددًا، يتشبث بنظراته لعلها تنفي،
لعلها تصرخ، تبرر، تدافع عن نفسها......أي شيء
لكن دموعها كانت أصدق من الكلمات،
تنهمر في صمتٍ موجع، دون اعتراض، دون دفاع، دون حتى محاولة للشرح، وهنا... لم تعد الظنون ظنونًا، صمتها كان اعترافًا، ودموعها ختمًا للحقيقة التي لم يشأ تصديقها
تراجع خطوة إلى الوراء، كأن الأرض لفظته،
أخفض عينيه، كمن خُذل في صدقه،
في قلبه.....انكسر شيء لن يلتئم ابدًا !!!
بينما تجمدت عينا جيانا على فريد، لم تكن تراه، بل كانت ترى شبحًا لإنسانٍ ظنت يومًا أنها تعرفه، تكشف لها حقيقته كل يومٍ أكثر، وتزداد صدمتها كلما ظنت أنها وصلت للنهاية
خانها....لا مرة، بل مرتين !!
خانها وهي إلى جواره، تمنحه كل ما تملك من حب واحتواء.
خانها في غربته، بينما كانت تتلوى شوقًا ووجعًا من بعده تبكي وتنتظره، وهو هناك يخونها بقلبٍ بارد
هرب بنظراته منها، كمن يعجز عن مواجهة ما اقترفته يداه.... عيناه مليئتان بالخجل، يغمرهما ندمٌ لا يجدي
1
هرب وهو يدرك تمامًا أن ما بينهما يتحطم مرة بعد مرة ولا رجعة فيه !!!
تقدم فادي بخطوات ثابتة نحو رونزي، تلك التي كانت لا تزال تتلقى وقع كلماته الأخيرة، مزيج من الذهول والقرف والتساؤل يغمر ملامحها، لم تكن الصدمة فقط مما قيل عن أخته، ولا عما فعله فريد بجيانا، كانت تظن أن ما فرق بينهما خلاف عابر، أو جرح من سوء الفهم، لم تتخيل للحظة أن الخيانة هي الجواب !!!
نظر إليها فادي بنظراتٍ مصطنعة، مزيج من الحزن الكاذب والمواساة المزيفة، بينما داخله يحتفل، يتلذذ بنظرات الشك التي بدأت تتوزع بين فريد وأيهم، لكنه لم يعلم أن أعين الاتهام كلها كانت تستقر عليه أكثر من الجميع
قال بلهجة خبيثة تخفي نشوته خلف ستار تعاطف بارد :
عندِك حق تتصدمي، مش سهل أبداً تكتشفي إن خطيبك وصاحبتك اللي كنتي شايفاها أخت، كانوا بيخونوكي وطعنوكي في ضهرك !!
قاطعت كلماته رونزي بنبرة جامدة، ولكنها تنزف قرفًا واحتقارًا :
أنا عرفت اللي بين فريد وجيانا من زمان....الصدمة اللي شايفها دي مش فيهم، دي فيك إنت، في بجاحتك، وقرفك، بأخلاقك السودا، دي يا عديم الرجولة، إزاي تسمح لنفسك تتكلم عنها كده وتفضحها قدام الكل، إزاي، أنت إنسان مريض
اشتعل الغضب في عيني فادي، واتسعت حدقتاه، هم أن يرد عليها بشيء يطفئ احتقارها، لكن محمد سبقه، صوته جاء قاطعًا، غاضبًا، موجوعًا :
الكلام ده صح يا فريد، انطق !!!!
صرخ فريد، كأن صمته كان حريقًا وانفجر :
آه صح، أنا راهنت عليها، بس حبيتها، من قلبي، حبيتها لكن غصب عني ضعفت وخنتها، مش مرة، لا، مرتين، وفي لحظة كنت هخليها تخسر شرفها بإيدي، انا وجعتها، كسرتها، واذيتها
أكتر، وإنت ومراتك كنتوا السبب، انت ومراتك لما دمرتوا حياتي
نظر إليه محمد بذهول، ممزوج بألم وخزى، لم يرد، لم يصرخ، فقط حدق، بينما فريد تابع بكلمات كالسكاكين، بسخرية مرة :
مستغرب ليه؟ أنا مجرد نسخة تانية منك....يا محمد باشا
ثارت الدماء بعروق آسر، تقدم بخطواتٍ غاضبة نحو فريد، قبضته مشدودة، لكن أيهم اعترض طريقه في اللحظة المناسبة، قابضًا على ذراعه بقوة، قبل أن يرتفع صوت عز بصرامة قاطعة :
آسر، كفاية يلا بينا نمشي كفاية لحد كده
في لحظة اختلط فيها الذهول بالغضب، شد أكمل يد ابنته التي كانت كتمثالٍ من الحيرة والصدمة، خرج بها من الفيلا وعقله لا يهدأ، قد اتخذ قراره في صمت
لن تطأ قدماه هذا القصر مرةً أخرى، ولن يترك ابنته تُقرب من ذلك الوغد مهما كلفه الأمر.......
لكن وقبل أن يصل إلى البوابة، وقعت عيناه على مفاجأة لم يكن يتوقعها، شهق، وتجمد للحظة، قبل أن يتمتم بذهول :
دولت.....!!!!!!
نعم، دولت، التي أنهت سهرتها وعادت للقصر، لتقف أمامه..... بشموخها البارد، وجمودها العتيق، وكأن الزمان دار دورته ليصطدم وجهًا بوجه مع الماضي......بلا رحمة
يبدو ان الليلة لم تنتهي بعد !!!!!
2
لحظاتٌ مرت ثقيلة، كأن الزمن توقف عن الدوران، وكل من في المكان ينظر في ذهول وصمت، كأن الهواء قد تجمد فجأة، عدا "حنان"، كانت الوحيدة التي تدرك ما يحدث، وتعلم الحقيقة كاملة......الحقيقة التي ظلت طي الكتمان لسنوات، حتى قررت الأيام فجأة أن تُخرجها من الظلال !!
قطع الصمت صوت فريد الحذر :
حضرتك تعرف والدتي قبل كده....؟!
ضحك أكمل، ضحكة جافة مجردة من أي دفء، كأنها سخرية القدر حين يقرر أن يُعري الوجوه....ثم رمق "دولت" بنظرة احتقار طاعنة، نظرة لم يحملها من قبل لأحد بهذا القدر من الكراهية !!!!!
ردد أكمل بصوت غليظ يسكنه جراح الماضي :
أعرفها بس؟.....ده أنا أعرفها عز المعرفة، يمكن أنا أكتر واحد فيكم يعرفها، كل اللي أقدر أقوله عن الست دي إنها شيطان ماشي ع الأرض
انتفض فريد، والغضب يتفجر من عينيه قائلاً :
أنا ما اسمحلكش تتكلم عن والدتي بالطريقة دي
قهقه أكمل بسخرية مريرة، بينما كانت حنان تراقبه بعينين تملؤهما الدموع، تعلم كم من الألم يختبئ خلف كلماته، كم كرهها وكم قاسى بسببها !!!!
ردد أكمل بسخرية مريرة ولم يبالي بصراخ فريد :
قال إيه وانا اللي كنت مستغرب إزاي فيه واحد بقلة أصلك، لو كنت عرفت من الأول إنك ابن دولت، كنت صدقت على طول، ده كفاية بس انك ابنها، بس متخافش، الست الوالدة معدية حقارتك بكتير......ومن زمـــان أوي كمان
صاحت دولت غاضبة، بكره وغل :
احترم نفسك يا أكمل
انفجر فريد غضبًا، فقد أعصابه تمامًا، واندفع نحو أكمل، ممسكًا بمقدمة ملابسه، وصاح عليه بغضب :
قولتلك ماتتكلمش مع امي بالطريقة دي
كادت جيانا ان تتدخل لتُبعد يد فريد عن والدها، لكنها تجمدت مكانها، حين دفع أكمل يد فريد بقوة، وفي اللحظة التالية، طارت قبضة يده نحو وجهه بلا تردد، صفعة حملت ثقل السنين، وصفير الألم، وصفعت معها صمت القاعة....
شهق الجميع، مذهولين.....مشدوهين بما رأوا وما سمعوا !!
اقتربت "حنان" بسرعة، أمسكت بيد أكمل بكل رجاء، وعيناها تغرقان في الدموع، كانت تشعر بأنه ينهار من الداخل، رغم صلابته الظاهرة :
اكمل، وحياتي عندك، كفاية كده، خلينا نمشي من هنا
لكن أكمل لم يسمع سوى صدى الغدر، لم يرى سوى وجه دولت الذي يحمل ذاكرة ميتة تئن تحت التراب
ضحك، ثم قال بصوت متهكم، يحمل خلفه سنوات من الكره : أمشي، لأ مش همشي، مش قبل ما ابنها يعرف ماضي الست الوالدة، ده حتى من حقه يعرف هو طالع ندل لمين
ثم نظر إلى دولت مجددًا، وتكلم ببطء، والكره يتسلل من بين حروفه كالسم :
ولا إيه يا.......يا اختي يا كبيرة !!!!!
حل الصمت، لا كسكونٍ طبيعي، بل كصفعة على وجوه الجميع.....وكأن الزمن توقف، وكأن الهواء تجمد في الرئة
كانت جيانا أول من انكسر الصمت على شفتيها المرتجفتين :
بابا... حضرتك بتقول إيه....؟!
قالتها بذهول، بعينين تائهتين في وجه والدها
لكن أكمل لم يترك لها فرصة لالتقاط أنفاسها، نظر صوب دولت، كأن عينيه تَقذِفان لعناتٍ لا تُرى، ثم قال باحتقار :
أقدملك يا جيانا......عمتك
توسعت الأعين، تراجعت الأنفاس، وكأن قنبلة سقطت في وسط القاعة، لم يكن وقع الكلمات وحده مؤلمًا، بل ما تبعه أشد !!!!!
تابع أكمل بصوت يقطر غضبًا دفينًا :
أو نقول اللي كانت السبب في موت أبويا، واللي ورا بلاوي سودة حصلت زمان
سأله آسر بصدمة :
انت بتقول إيه يا عمي؟!
أما دولت، فكان لسانها كالسيف، يَقطع بلا وعي، بلا ندم :
ولو الزمن رجع بيا؟ كنت هعمل أكتر من كده، ده حقي، وانت وابوك وإبراهيم تستاهلوا أكتر من اللي حصل بكتير
رد أكمل بضحكة ساخرة، تمزج بين الأسى والاشمئزاز :
مهما عدت السنين، هتفضلي زي ما انتي، أنانية، طماعة، قلبك مفيش فيه غير سواد وغل، زورتي، نصبتي، وكلتي حق اخواتك، وسبحان الله، ابنك طلع على نفسك خُطاك، نفس القلة، نفس الندالة والخيانة
انفجرت دولت كبركان لا يجد مخرجًا سوى الخراب :
خُد اللي معاك واطلع برا يا أكمل، والله لو شوفتك تاني، حتى لو صدفة، هتشوف مني اللي عمرك ما شوفته، واللي حصل زمان هيكون نقطة في بحر من اللي هتشوفه تاني لو قربت على حياتي !!!
نظر لها أكمل بنظرة تقشعر لها الأرواح، ثم قال بغضب :
واللي زيك يعرف ربنا عشان يحلف بيه، أمنا ما غلطتش في حياتها غير مرة......لما جابت شيطانة زيك ع الدنيا
شهقت جيانا، وارتجفت نظرة فريد، ثم سألها بذهولٍ أقرب إلى الرجاء :
الكلام ده... صح؟!
صرخ محمد، وقد بلغ منه الغضب ما لا يُطاق :
دولت!! أكمل أخوكي؟! واللي بيقوله ده حصل فعلاً....؟!
لكن الصمت كان جوابها لسؤاله، فردد أكمل بسخرية مريرة :
اخوات من نفس الأم
ثم تابع بنبرة تقطر ألمًا دفينًا :
غلطتي أنا وإبراهيم إننا دورنا عليكي، كنا فاكرينك أختنا اللي هتخاف علينا، نسينا إنك بنت منصور الناجي، اللي مات وسب وراه شيطانة من نسله، أنا تربية أحمد النويري، وانتي تربية منصور......وده هيفضل الفرق اللي بينك وبينا طول العمر
رفعت دولت يدها لتصفعه، لكن قبضة أكمل كانت أسرع..... أوقف يدها في منتصف الهواء، نظر لعينيها وقال كجمرة مشتعلة :
اوعي تفكري ترفعي إيدك عليا......اقطعها قبل ما تلمسني، ورحمة أمي وأبويا، لو شوفت خيالك أو خيال ابنك حوالين أي حد من عيلتي، هتشوفي جحيم ما خطرش على بالك يوم، أنا من زمان اعتبرت اني ماليش أخت يعني مش باقي عليكي لو فكرتي تأذي عيلتي
ثم التفت إلى عائلته، قائلاً بصوت صارم :
امشوااااا
تحرك الجميع خلفه في ذهول.....صدمةٌ تُقطع الأوصال
لكن دولت ظلت في مكانها، لم تتحرك، نظرت إلى أثر أكمل، بعيون تشتعل نارًا، لم تنتهي الحرب بعد، بل بدأت للتو :
زي ما خلصت على اتنين قبله......هو كمان جيه دوره !!!!
أما سمير، فكان ثابتًا لا يتحرك، كأن قدميه التصقتا بالأرض...
لم تكن عينيه ترى غير هايدي، تلك التي ظنها حلمًا، فكانت له كابوسًا
خرج فجأة، خطى عنيفة، خطوات هروب لا عودة بعدها بينما هايدي تبكي، تركض خلفه، تصرخ من قلبها :
استنى....اسمعني الأول....عشان خاطري يا سمير
لكنه دفعها بيده، كمن يدفع شوكًا من أمامه، فسقطت على الأرض، تبكي وتصرخ وتضرب الأرض بيديها
كانت جيانا كالصنم، لا ترى ولا تسمع، لا تصدق أن من أحبته يومًا......يكون ابن عمتها !!
أما عليا، فلم تقترب من هايدي، بل نظرت لها كأنها ترى عارًا مجسدًا في ابنتها....؟!!!!
ظلت هايدي على الأرض تنهار، لا أحد يقترب منها......إلا أيهم
اقترب ببطء، بصمت، بعين تملأها الشفقة، كأنها طفلة تحطمت لعبتها الوحيدة، حملها عنوة إلى غرفتها، ووضَعها على الفراش، لكنها تمسكت به، ترجوه بدموع وهزيان :
روح قوله يسمعني، أنا بحبه، أنا مش وحشة، أنا والله تبت، هو اللي عمل فيا كده، أنا ماليش ذنب، قول لسمير مايسيبنيش
ألقت نفسها في حضنه، فضمها كمن يضم وجعًا لا يُشفى، يهدئها، يربت على ألمها، حتى نامت بين ذراعيه
تركها وخرج، وهناك في الأسفل، حيث الجميع ما زال يترنح تحت وطأة الصدمة، كان محمد يصرخ :
اكمل كان بيقول إيه؟! أنتي عملتي إيه يا دولت؟!
ازاي السنين دي كلها وأنا مش عارف إن ليكي إخوات؟!
لكنها لم تُجبه، فقط فركت يديها بتوتر، وعيونها تهرب من المواجهة، حتى صعدت لغرفتها، أغلقت الباب عليها، وزاد الغل بداخِلها عندما تذكرت الماضي...
تذكرت والدتها....
وتذكرت صوت والدها القاسي وهو يصرخ عليها بغل :
بتسألي عن امك ليه؟ امك اللي ضحك عليها راجل بكلمتين خلاها تسيبك وتسيبني وتختاره هو
نظرت إلى المزهرية.....وكأنها تمثل قلبها، ثم رفعتها وألقتها على الأرض، فتهشمت كأحلامها القديمة، ذلك الرجل كان يستحق ما فعلته به، سرقَ منها أمها وطفولتها، فانتزعت منه الحياة !!!!!
..........
عاد الجميع إلى المنزل، عدا "سمير"، الذي ظل وحده، يختنقُ بين صدمةٍ لم يكن يتوقعها....
لأول مرة في حياته، أراد أن يبكي، لكنه لم يفعل.
ليست تلك الماكرة من تستحق دمعةً منه، ولن تكون.....
كانوا جميعًا يقفون أمام "أكمل"، يتهامسون، يتصادمُ الذهول في أعينهم مع الغضب والأسى
ردد آسر بانفعال :
عمي، احنا من حقنا نفهم، في إيه؟!
وتلاه صوت جيانا بصدمة :
بابا....الكلام ده صح، الست دي تبقى عمتنا بجد
صوت ثالث، وهو صوت رامي بضيق :
بابا......حضرتك ازاي تخبي عننا حاجة زي دي؟
ثم جاء صوت رقيق، فيه رجفة قلق وهو صوت تيا :
بابا....انت كويس؟
تنفس أكمل بعمق، وأجاب بصوتٍ هادئ، كأنه يستجمع بقايا تماسكه :
أيوه، الست دي تبقى عمتكم، أخت أبوكم الكبيرة، بس مش من نفس الأب
رفعت جيانا عينيها نحوه، وسألته بزهول :
طب، هي فعلاً قتلت جدو الله يرحمه ؟
قاطعتها حنان قائلة بحدة لم تألفها :
مش وقته أسئلة، سيبوا أبوكم يرتاح، وبعدين اسألوه زي ما تحبوا بس مش دلوقتي
أشار أكمل بيده لزوجته أن تصمت، ثم جلس على الأريكة، كأن ثقلاً سُحب من قلبه فأسقط جسده دفعة واحدة
قال بصوتٍ مبحوح، يخنقه الألم :
اقعدوا......
جلس الجميع، وبدأ هو الحكاية، لا، لم تكن حكاية، بل وجعًا متوارثًا، لم يلتئم حتى الآن :
جدتكم حُورية كانت من عيلة غنية، بنت وحيدة، لا اخوات ولا سند، بعد وفاة أهلها، اتجوزت منصور الناجي راجل الكل كان فاكره طيب، بس هو.....كان شر وشيطان ماشي ع الأرض
ضرب، إهانة، خيانة... حتى على سريرها خانها، لكنها كانت ساكتة عشان خاطر بنتها واللي هي دولت، منصور حبسها، منعها من الخروج، سرق منها حريتها وحياتها وكل حاجة، لما وصلت صبرها نفذ ومقرتش تتحمل، اتخانقوا، ضربها وطردها، وخد دولت وهرب بيها، وهي رفعت عليه قضية عشان تاخد بنتها، وساعدها أبويا، لأنه كان محامي وقتها، بس منصور وسخ سمعتها، وقال كلام مايتقالش، وكسب القضية، وسافر ببنته، ومن وقتها، ماحدش عرفله طريق
صمت قليلًا، ثم تابع :
بعد فترة، ماما اتجوزت بابا، وعاشوا كويسين ومبسوطين، أنا وإبراهيم كبرنا، وعرفنا اللي حصل، وفضلنا نحاول نلاقي دولت....بس مفيش فايدة كنا بنفشل في كل مرة، وفي يوم، عرفنا إن منصور رجع مصر، ومعاه دولت، حاولت جدتكم تقابلها، بس هي رفضت، وساعتها ماما كانت في المرحلة الأخيرة من السرطان......واتوفت تاني يوم والأصعب؟
إن بعد موتها، فتحنا وصيتها، والوصية فيها إن ماما كتبت كل أملاكها لدولت، اتصدمنا قولنا، ازاي ماما تعمل كده وهي كانت دايمًا تقول إن كل حاجة هتتقسم بينا بالعدل
صمت أكمل قليلاً ثم تابع بصوت واهن :
الوصية كانت مزورة، واحنا عرفنا ده من محامي ماما قبل ما يموت، اعترف بكل حاجة، اعترف إن دولت ومنصور اتفقوا معاه على التزوير، بابا ساعتها كان تعبان ولازم يعمل عملية طلبنا منها فلوس عملية أبويا قالت لنا بدم بارد ما يموت، مش فارق معايا......ومات بابا فعلاً ولما مات جت تشمت بكل غل فينا وتقولنا ان يوم موته اسعد يوم ليها، سرق منها امها ودمر عيلتها.....فقتلته !!!
مرت لحظة صمت مقيتة، قبل أن يكمل :
وبدأت دولت تأذينا في كل حاجة، في الشغل، في حياتنا، في علاقاتنا، حتى يوم كتب كتابي، لفقت لإبراهيم قضية مخدرات لولا ستر ربنا جدكم عز اثبت براءته وعرفنا نطلعه، وقبل ما يتجوز والدتك، يا آسر، كان بيحب بنت، واتقدم لها قامت بعتت لها بلطجية ضربوها و......اعتدوا عليها
شهق البعض من الصدمة، بينما هو قال بمرارة :
البنت.....ماستحملتش، وانتحرت، وإبراهيم اتجنن، حاول يقتلها،. بس قدرنا نمنعه في آخر لحظة، قالت لنا بعدها بمنتهى البرود، زي ما كنت سبب في موت أبوكم، هبقى سبب في خراب حياتكم واحد واحد فيكم
ربت على يد "عز"، الذي كان يجلس بجواره، نظر إليه أكمل بعينين ممتنتين، وقال:
انت الوحيد اللي وقفت جنبنا، حسيت إنك أبويا التاني
ابتسم "عز"، وربت على كتفه بحنان، بينما جلس كل من في الغرفة في ذهولٍ تام، كأنهم خرجوا لتوهم من زلزالٍ خلفهم بلا صوت
نهض كل منهم بهدوء، وانسحب إلى غرفته، كل يختلي بنفسه، يحاول فهم ما حدث واستيعابه
إلا "آسر"......خرج يبحث عن "سمير"، ولم يجده
بحث عنه في كل الأماكن التي قد يخطر بباله أن يذهب إليها
........
في مكانٍ لم يُذكر من قبل...
في أثينا، عاصمة اليونان، كان يجلس رجلٌ طويل القامة، ما زال يحتفظ ببقايا وسامته، لكن ملامحه باتت تغلفها قسوة الليل وسواده إنه م"جدي القاسم"
كان يتحدث عبر الهاتف، بنبرة غاضبة :
مش هيحصل !!!
جاءه صوت من الطرف الآخر، حادٌ كحدّ السكين :
لا، هيحصل، وفي أقرب وقت كمان، زي ما ساعدتك تخلص من إبراهيم النويري زمان، هتساعدني وإلا والله ما هيحصل خير أبدًا، عايزة أسمع خبره قريب جدًا، زي ما سمعت خبر التاني......مفهوووم !!!!!!!
____________
البارت خلص 🩷✨
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا