رواية بعينيك أسير الفصل الحادي والاربعون والثانى والاربعون والثالث والاربعون والرابع والاربعون الأخير والخاتمه بقلم شهد الشورى حصريه وكاملة
رواية بعينيك أسير الفصل الحادي والاربعون والثانى والاربعون والثالث والاربعون والرابع والاربعون الأخير والخاتمه بقلم شهد الشورى حصريه وكاملة
#الفصل_الواحد_والاربعون
#رواية_بعينيكِ_أسير
#بقلم_شهد_الشورى
مرت الأيام بسرعة، وتحولت الأسابيع إلى شهر
ذات يوم جلست أماليا في شقتها، عيونها تتجول في أرجاء المكان بينما تفكر في سفيان. كان حضور سفيان في حياتها يثير الكثير من التساؤلات رغم تعمق العلاقة بينهما، ظل سفيان غامضًا بعض الشيء مما جعلها تشعر بالحيرة !!!
هل المشاعر التي بدأت تنمو بقلبها تجاهه هي مشاعر الحب ، أم مجرد انجذاب إلى الغموض الذي يحيط به !!
من جهة أخرى كان سفيان يشعر نحو أماليا بشعور لا يستطيع تفسيره هو حب أم انجذاب لشخصيتها أم لانها نوعاً ما ملئت الفراغ و الوحدة التي كان يشعر بها مؤخراً كان خائفاً من ان يتخذ خطوة و يظلمها معه مثلما فعل مع ميان...
......
في غرفة مظلمة لا يكسر سكونها سوى صوت الجهاز الذي يقيس ضربات القلب
كان يزن يجلس على كرسي بجانب السرير عيناه مثبتتان على الجسد الهامد أمامه انها " بسمة "
لكنها ليست كما عرفها من قبل...ملامحها الشاحبة لا تعكس أي حياة، وكأن روحها غادرت هذا الجسد منذ أن دخلت في غيبوبة قبل شهر
نظر إلى نفسه في مرآة صغيرة معلقة على جدار مرحاض الغرفة، لم يعرف الرجل الذي يحدق فيه ذقنه الطويلة، الهالات السوداء تحت عينيه، وجسده الذي بات هزيلاً
كأن الحياة نفسها هجرت كل ما فيه ضاق صدره بحمل أثقل من أن يطيقه، حمل الذنب الذي يطارده في كل لحظة
همس بإسمها "بسمة..." لكن صوته كان أقرب إلى نداء يائس، مزيج من الخوف...الحزن...والندم....
عاد بذاكرته إلى الوراء...هل كان فعلاً يحب همس ؟
اليس من المفترض انه كان يحب بسمة من الأساس ؟
لكن تلك اللحظة التي رأى فيها بسمة غارقة في دمائها، شعر أن قلبه انتزع من صدره، وكأنها حملت معها جزءاً منه !!
لكن إن كان يحب بسمة فلماذا تركها تعاني؟
لماذا ركض وراء همس وترك بسمة تتآكل أمام عينيه؟
ابتسم بسخرية مريرة لقد فعل نفس الشيء مع همس ايضاً !!!
" أنا أناني... أنا مؤذي " همس لنفسه وكأن الكلمات تحولت إلى سيف يمزق صدره جلس في صمت مستسلماً لفوضى مشاعره غير قادر على تحديد ما يريده حقاً
هل كان يبحث عن حب جديد مع همس ؟
أم انه لم يحبها من الأساس ؟
من أحب ، من يريد ؟
في تلك اللحظة لم يكن يعرف الإجابة كل ما يعرفه أن قلبه قد تحطم ، وأنه ظلم كل من أحبهن
بعد دقائق...
خرج من الغرفة وهو يشعر كأنه يتحرك في ضباب كثيف لم يكن يشعر بأي شيء جسده ثقيل و عقله مشوش
فجأة وجد نفسه وجهاً لوجه مع جميلة قريبة بسمة التي كانت تقف عند باب الغرفة عيناها مشتعلة بالغضب...
- انت متستهلش حبها !!
صرخت في وجهه بصوت مليء بالمرارة :
قاعد معاها ليه...قالتلك إنها مظلومة مصدقتهاش...انت مابتحبش غير نفسك وبس
شعر بثقل كلماتها وكأنها رصاص يخترق صدره، لكنه لم يستطع الرد كانت عيونه تائهة لا تعرف إلى أين تتوجه لا تفهم حتى من أين جاء كل هذا الألم
جميلة لم تتوقف استمرت في مهاجمته و الدموع تغرق وجهها :
لو حصلها حاجة ذنبها في رقبتك...مراعتش إنها بنت في وسط مجتمع هينهيش فيها لو حاجة زي دي نزلت واتفضحت ليه...كانت بتحبك بس مكنش في إيدها حاجة تعملها
وقف عاجزاً غير قادر على قول شيء....صوتها كان يعيد له ذكريات تلك اللحظات التي أدار فيها ظهره لبسمة، تلك اللحظات التي اختار فيها أن يهرب إلى همس يعترف لها بحبه بدلاً من أن يواجه الحقيقة و يسمعها !!
تابعت جميلة حديثها بحدة و دموع :
هي خسارة فيك، و همس ربنا بيحبها عشان خلصها من واحد زيك...هي لو خاينة، فأنت خاين أكتر بدلتها بغيرها وكنت هتتجوز همس عشان تنساها بيها شوية بتحب بسمة، وشوية بتحب همس. ودلوقتي اتجوزت بسمة وهتموت عليها !!!
كلمات جميلة اخترقت يزن بعمق وشعر بالضياع اكثر غير قادراً على تمييز مشاعره بعد الآن كل ما يعرفه أنه في تلك اللحظة كان محاطًا بشبحين...أحدهما يمثل حبه الضائع، والآخر يمثل ذنبه الذي لا يغتفر !
لحظة...اثنتان...ثلاث...بعدها لم يعد يزن يشعر بشيء كل شيء من حوله بدأ يضيق ويخفت كأن الغرفة تتحول إلى نقطة صغيرة في الظلام عيناه أصبحتا ثقيلتين وصدى كلمات جميلة يطغى على كل صوت آخر في رأسه
فجأة شعر كأن الأرض تسحب من تحته وسقط
جسده انهار على الأرض بقوة فاقدًا الوعي !!!
......
بعد شهر العسل بدأت همس تدريبها في المستشفى الخاصة بفارس برفقة ميان و في أحد الأيام
أثناء تجوالهما في ممرات المستشفى شعرت ميان فجأة بالدوار واستندت على الحائط
هرعت همس نحوها بقلق قائلة بعدما جعلتها تجلس :
ميان، أنتي كويسة...فيكي إيه !!
أجابت ميان بتعب وألم شديد في معدتها :
"مش عارفة بقالى كام يوم تعبانة
سألتها همس بقلق :
طب فارس عارف...ازاي تسكتي على نفسك كل ده من غير ما تكشفي....بتستهبلي والله
ظهرت علامات الضيق على وجه ميان و هي تستند برأسها على الحائط ساعدتها همس في الوقوف قائلة بصرامة :
قومي واسندي عليا هنروح نكشف دلوقتي احنا أصلاً في المستشفى
....
بعد حوالي نصف ساعة
كانت الطبيبة تسحب عينة دم من ميان وتدون عليها بضع كلمات...ثم أعطتها للممرضة قائلة :
تحليل مستعجل النتيجة تطلع خلال ساعة بالكتير
سألت ميان وهمس معاً :
تحليل إيه ده...ما تفهمينا !!
ابتسمت مها، التي أصبحت صديقة لهما منذ أن بدئوا العمل بالمستشفى قائلة :
اهدوا، مفيش داعي للقلق...أنا سألتك حاسة بإيه... قولتي دوخة وآلام في معدتك و زيادة في القيء الفترة دي....وكمان سألتك عن أخبار الضيفة اللي بتيجي كل شهر قولتي اتأخرت
أومأت ميان برأسها فتابعت مها ضاحكة :
كل ده ما لفتش نظركم لحاجة !!
ردت همس بضيق ونفاد صبر :
جيبي من الآخر يا مها، قلقتينا، مالها ميان
حركت مها رأسها بيأس وقالت :
دخلتوا طب ازاي..أنا مش عارفة أصلاً ليه ما رحتوش لدكتور متخصص وجايين ليا
ردت ميان بنفاد صبر وتعب :
انجزي يا مها....في إيه !!
أجابت مها بابتسامة واسعة :
فيه اني متأكدة بنسبة ٩٠ ٪ ان الدكتور فارس و حضرتك هتستقبلوا ضيف صغنون إن شاء الله بعد تسع شهور....ينور دنيتكم بس هتأكد اكتر بعد التحليل !!!!!
صُدمت ميان مما قالت و تجمدت مكانها بينما كانت مشاعرها تتداخل بين الصدمة والفرح صرخت همس بسعادة وعانقت ميان بقوة :
هتبقي أحلى مامي يا ميان
دمعت اعين ميان و شعرت بشعور عميق من الفرح يجتاحها و بينما كانت دموعها تسقط لم تستطع إلا أن تفكر في فارس تصورته وهو يتلقى هذا الخبر كيف ستتغير ملامحه إلى الفرح و الحماس
اختلطت مشاعرها بالفرحة العارمة والحماس لمشاركة هذا الخبر السعيد مع فارس
ابتسمت بسعادة بعدما خطر ببالها شيء من المفترض ان غداً عيد ميلاد فارس لكنها ستغير الخطة !!!!!
......
- نايمه !!!
رسالة من كلمة واحدة فقط وصلت لأماليا عبر تطبيق التواصل الاجتماعي " الانستغرام " من سفيان الذي تردد كثيراً قبل ان يرسلها فالوقت متأخراً
بتردد مماثل له كانت أماليا تجيب عليه برسالة :
لأ
سألها محاولاً فتح حديث معها :
صاحية ليه لحد دلوقتي
تنهدت و هي تعاود النظر إلى السماء قبل ان ترسل له بتردد و حيرة :
مش جايلي نوم خالص
تنهد هو الآخر قبل ان يجيب عليها برسالة :
انا كمان ، بس انتي مش جايلك نوم ليه !!
تكومت بداخل الارجوحة التي تحتل جزء كبير من شرفتها الصغيرة و هي تقول بحيرة :
بفكر !!
سألها سفيان : بتفكري في ايه ؟
تنهدت و لم تعرف بما تجيب !!
هل يمكن ان تخبره انها تفكر به هو !!!
عندما لم تجيب عليه و استغرق الأمر بضع دقائق بتردد كان يتصل بها سرعان ما انتفضت الأخرى عندما شعرت باسمه ينير شاشة هاتفها !!
قلبها يريدها ان تجيب عليه بينما عقلها يرى ان ذلك خطأ كبير و كالعادة كما يحدث مع الكثير منا مشاعر القلب تغلبت عن اي شيء اخر و اجابت عليه بتوتر شديد
صمتت و كذلك فعل هو حتى تجرأ و قطع هو الصمت قائلاً :
بتفكري في مين مطير النوم من عينك !!
تنهدت قائلة بحيرة :
في واحد غامض بالنسبة ليا !!
سألها بهدوء :
ليه غامض !!
ردت عليه بحيرة ارهقتها :
عشان معرفش عنه حاجة ، دايما في حيرة اللي بيعمله حاجة و نظرات الباقين ليه حاجة تانية ، مليش حق اني اسأل ، بس....اا...اا....
صمت للحظات قبل ان يقول بحزن :
بس ايه !!
رددت بحزن و هي تسمح بيدها على مقدمة شعرها :
مفيش !!
سألها بتردد :
انتي حبتيه !!!
كان الرد عليه صمت دام لدقائق قصيرة فرد هو بدلاً عنها قائلاً بحزن :
اي واحدة مكانك هتخاف على نفسها و تبعد و هيكون ليها كل الحق ، انتي تستاهلي تحبي حد أحسن بكتير و رغم ان هو محتاج ليكي جنبه بس انتي تستاهلي الأحسن منه
صمتت و لم تجيب ليتنهد هو قائلاً بحزن :
تصبحي على خير !!
قبل ان يغلق الهاتف جاءه صوتها الخفيض :
مش عارفة بحبه ولا لأ ، حاجات كتير اوي بحسها ناحيته ، اهمها اني مش عايزاه يبعد عني و مش عايزة يجي يوم عليا من غير ما اشوفه ، عايزاه جنبي طول الوقت ، لما بيبعد عني بزعل اوي و بحس اني مخنوقة.......ونفسي اعرفه اكتر !!
هربت دمعة من عيناها تعبر عن حيرتها و هي تتابع حديثها بصوت خفيض :
لو اللي بيحب بيحس بكده ، يبقى انا.....يبقى انا كده بـحـبـه !!!!!!!!!!
ثم تابعت بتساؤل و صوت حزين :
بس هو بقى بيحبني !!!
اغمض عينيه قائلاً بحزن و حيرة :
هو مش عارف حاجة خالص ، مش عارف غير انه مش عايزك تبعدي عنه و تفضلي جنبه !!!
ثم تنهد بعمق متابعاً بحزن :
بس في نفس الوقت شايف انك تستاهلي الأحسن منه بكتير ، شايف انك ملاك و تستاهلي حد يكون شبهك و زيك
سألته بحيرة :
هو ايه حكايته بالظبط !!
ردد بسخرية مريرة :
حكايته لو عرفتيها هتكرهيه و تكرهي الساعة اللي شوفتيه فيها ، هتبعدي زي ما كلهم بعدوا عنه !!!!!
........
في اليوم التالي بمنتصفه عام فارس للمنزل يبحث في أنحاء المنزل عن ميان لكنه لم يجدها اتصل بها ليفاجأ بصوت رنين قادم من غرفة النوم....
بدت تعابير الدهشة على وجهه وهو يتوجه إلى الغرفة ليجد هاتفها المحمول على الطاولة بجانب الفراش تحته ورقة مطوية فتحها ليقرأ :
عشان تلاقيني محتاج تتعب شوية، فكر في الحاجة اللي كنت تعملها لما نكون متخانقين سوا...بحبك
ابتسم فارس وضحك بخفة ثم انتقل إلى الغرفة الأخرى والتي كانت غرفتها السابقة ليجد صندوقًا على الفراش على الصندوق ورقة مكتوب عليها : بحبك تاني
فتح الصندوق ليجد صندوقًا أصغر بداخله ، وعندما فتحه وجد ورقة صغيرة مدونًا عليها "بموت فيك"
ضحك فارس بسعادة و هو يتساءل بداخله " روحتي فين يا ميان "
ثم فتح الصندوق الأصغر ليجد ورقة أخرى مكتوبًا عليها :
اهدا يا عم، هتعرف روحت فين...ندخل في الجد بقى، أكتر مكان بحب أقعد فيه بالبيت علطول
قرأ السطور الأخيرة و ابتسم، قائلاً :
عارفه إنه كتير بس رخامة....دور عليا بقى
ضحك بقوة وتوجه إلى غرفة المعيشة حيث يجلسان عادةً لمشاهدة الأفلام ليجد ورقة أخرى مطوية وعندما فتحها ضحك بخفوت " لا، أنا مش هنا "
توجه إلى الشرفة حيث وجد ورقة مطوية على الطاولة وعليها وردة حمراء فتح الورقة وابتسم عندما قرأ :
برافو عليك، بس أحب أقولك إن المكان الوحيد اللي أحب أكون فيه بكل الدنيا هو حضنك لأنه المكان الوحيد اللي بحس فيه بالأمان...احم...المهم خلينا في الجد زي الشطور انزل تحت هتلاقي حد يجيبك عندي، بس الأول روح أوضتنا وافتح الدولاب
توجه فارس إلى غرفة النوم وعندما فتح الخزانة وجد ملابس له معلقة وعليها ورقة صغيرة مكتوب عليها : يلا البسني
ارتدى بنطال جينز أزرق وقميص أبيض، ثم وجد وردة أسفل عطره مكتوبًا عليها "يلا رشني"
ضحك و هو ينثر العطر و سرعان ما لاحظ كلمة "بحبك" التي جعلته يشعر بالسعادة
نزل إلى الأسفل ليتفاجأ بسائق عائلتها يفتح له الباب بصمت صعد إلى السيارة وجد ورقة بجانبه مكتوبًا عليها :
طب بذمتك الناس مصعبتش عليك وانت نازل من البيت كده، هيحصلهم زهول لما يشوفوا القمر ماشي على الأرض أيوه....ابتسم كمان واخطف قلوبهم أكتر ع العموم أحب أقولك انني بحبك اكتر منهم ومن اي حد
ضحك فارس بسعادة تغمر قلبه و تملكه الشوق لرؤيتها الآن !
بعد وقت....
توقفت السيارة في الميناء حيث ترسوا السفن قبل أن يتحدث شعر بالسائق يضع قماشة سوداء على عينيه، معتذرًا :
أنا آسف يا دكتور فارس...أنا بنفذ الأوامر !!
ضحك فارس بخفوت و توجه مع السائق إلى القارب الصغير وبعد وقت توقف القارب.وجاء السائق ليحل العقدة من على عينيه ، مشيرًا له بصعود اليخت الكبير
صعد فارس إلى اليخت وعيناه تبحث عنها حوله بكل مكان حتى وقع نظره عليها كانت تقف على سطح اليخت المزين بالأضواء والورود الحمراء متألقة بثوب أبيض !!
كان هذا الثوب هو نفسه الذي أهداها إياه بعد الزواج في اول مناسبة تحضرها معه كزوج و زوجة
تجمد للحظة، مذهولًا بجمالها ورقتها كأنها تشرق بين الورود اقترب منها ببطء وعيناه تملؤهما الافتتان يشعر بقلبه ينبض بقوة
وقفت ميان أمامه بابتسامة جميلة وعيناهما تتلاقى حيث شعرت ميان السعادة و هي دوماً ترى نفسها بعيناه أجمل النساء و منذ ان عرفته لم تجد بعيناه غيرها فقط
اقترب منها ببطء، نظراته مليئة بالحب و الشغف لا يصدق كيف لها ان تسرق منه أنفاسه هكذا جذبها اليه يقبلها بحنان...قبلة مليانة بالمشاعر التي يعرف ان مهما تحدث قليل
ابتعد عنها مستنداً بجبينه على جبينها قائلاً :
نا بحبك اوي... مفتون بيكي بطريقة مش طبيعية إنتي عملتيلي سحر صح !
ضحكت بسعادة وهي تعانقه بحب قائلة بصدق :
انا مبسوطة أوي يا فارس
ابتعدت عنه قليلًا و عيناها تملؤهما لمسة من الحزن وسألته :
انت ليه مظهرتش في حياتي من زمان...يا خسارة كل لحظة عيشتها بعيدة عنك وبعيدة عن حضنك اللي عمره ما حسيت فيه غير بالأمان
تلاقت نظراتهما وفي تلك اللحظة لم يكن هناك حاجة للكلمات كان هناك حديث صامت بين الأعين، مليء بالمعاني العميقة التي لا تحتاج إلى تفسير
فارس قد اغرقته سعادته بها ولم يستطع الرد بالكلام فجذبها إليه مجددًا وقبلها بعمق...قبلة مليئة بالعشق الذي لا ينفك بل يزداد مع كل لحظة
- كل سنة و احنا مع بعض يا حبيبي
قالتها ميان بحب و هي تحاوط عنقه بينما الآخر إمارات السعادة تبدو جليه على ملامح وجهه و هو يرى ما قامت بتحضيره لأجله لم يفرح بتلك الأشياء بل سعادته الكبرى و الوحيده انها تذكرته و فكرت به
لم يجد ما يعبر به من الكلام فباغتها بقبلة أودع بها عشقه الكبير و الصادق نحوها ابعدته عنها على الفور قائلة فجأة :
احنا مش لوحدنا !!
ردد بزهول و هو ينظر حوله :
نعم ، مين اللي موجود هنا معانا !!!!!
جذبته إليها قائلة بخفوت بجانب اذنه :
ده ضيف صغنن خالص
سألها بتعجب و هو لا يزال ينظر حوله ليعرف من معهما :
مين ده و فين
التقطت يده تضعها على بطنها قائلة بابتسامة واسعة :
هو قاعد هنا !!!!!!!!
لم يستوعب ما قالت فسألها ببلاهة :
بيعمل ايه !!
ضحكت قائلة بمرح :
بيصيف ايه يا فارس مالك
اغمض عينيه و اخذ يفتحها عدة مرات بزهول و صدمة مردداً بلسان ثقيل من الصدمة :
ده بجد !!
اومأت له عدة مرات و لم تقدر على تمالك دموعها التي انسابت من شدة الفرحة :
هتبقى أحلى بابا يا فارس
بدون سابق انذار حملها بين ذراعيه و اخذ يدور بها صارخاً بسعادة لكونه سيصبح اباً عن قريب
ضحكت ميان بقوة و السعادة تغمر قلبها لرؤيته سعيداً بتلك الدرجة انزلها و هو يكوب وجهها بيديه يقبل كل انش به بسعادة ثم انحنى اخيراً يضع يده على بطنها موضع الجنين تاره يقبله بحنان و تاره يضع رأسها عليها كأنه يعانق طفله
انحنت لمستواه سرعان ما انتفض يمنعها من ذلك قائلاً بلهفة شديدة و هو يحاوطها برفق :
لا متوطيش ، كده غلط عليكي تعالي انتي واقفة ليه اصلاً
حملها بين ذراعيه دون ان يعطيها فرصة للحديث يضعها على الأريكة الموجودة بأحد الزوايا قائلاً بلهفة كبيرة :
عرفتي امتى و ازاي ، انتي كويسة مش نفسك في حاجة ، حاسة بأي تعب طيب ، طالما حامل بتعملي كل المجهود ده انهارده ليه و مرتاحتيش ، احنا هنلف و نرجع دلوقتي نطمن عليكي و عليه ، ايوه....
وضعت يدها على شفتيها توقفه عن الحديث و هي تضحك قائلة بسعادة :
براحة واحدة واحدة يا فارس
جذبها لاحضانه بسعادة دقائق و ابتعد عنها مقبلاً جبينها بكل حب فبدأت هي تسرد عليه كل شيء و ما ان انتهت رددت بسعادة :
ملقتش هدية اجمل من كده تكون هدية عيد ميلادك
ردد بحب و يضع رأسها على صدره :
انتي أجمل هدية يا ميان ، انتي أجمل حاجة حصلت في حياتي ، انا بعشقك
ابتسمت بسعادة تقبل وجنته قائلة بحب و هيام :
وانا بموت فيك يا فارس ♡
التقط اعينهما بنظرة طويلة مليئة بالعشق بادرت ميان تلك المرة و الصقت شفتيها بخاصته كان كلاً منهما غارقاً في الآخر
ابتعد فارس بصعوبة قائلاً :
مش هينفع
سألته بتعجب من ابتعاده :
ليه !!!
رد فارس عليها و هو يقف يوليها ظهره مردداً برغبة يكافح لأخماده لأجل سلامتها هو طفله :
انتي لسه في اول الحمل كده غلط و قبل كده كان فيه....
رددت بصعوبة و هي تتذكر جنينها السابق الذي اجهض بتلك الليلة المشئومة :
متخافش انا كشفت و الدكتورة قالتلي ان كله تمام و مفيش اي خطر عليا انا و البيبي يا فارس
اقترتب تعانقه من الخلف و تستند برأسها على ظهره مرددة بحب و عاطفية :
متبعدش يا فارس
التفت ينظر إليها ليرى مدى رغبتها في قربه كان متوجساً من الاقتراب حتى لا يؤذيها لكنها طمئنته قائلة :
متخافش علينا يا فارس ، لو فيه اي خطر عمري ما كنت هغامر بالبيبي و اضره
كانت ترى رغبته بها و خوفه من ايذائها هي و الجنين فبادرت هي تقبله بحب قائلة :
انت حياتي و روحي يا فارس ♡
حملها بين ذراعيه برفق و برومانسية ينزل بها لغرفة النوم الموجودة بالأسفل و ما ان دخل اغلق الباب بوجوهنا جميعاً كلاً منهما غارقاً في الآخر و سكتت شهرزاد عن الكلام المباح
.......
بعد عودة ميان وفارس إلى منزلهما، سرعان ما انتشر خبر حمل ميان بين الجميع لتغمر السعادة قلوبهم خاصة أهلها وأهله
كانت الفرحة عظيمة لدرجة أن العائلتين قامتا بتقديم الأضاحي كتعبير عن الفرح والشكر لهذا الخبر السار
باتت أجواء الفرح والتهاني تملأ المكان حيث اجتمع الأحبة للاحتفال بهذا الحدث السعيد والكل يترقب بشوق ولادة الطفل الذي سيضيف مزيدًا من البهجة إلى حياتهم
........
في غرفة الاجتماعات، بعد خروج الموظفين ظل سفيان و قصي وحدهما
لاحظ قصي تشتت سفيان خلال الاجتماع فسأله :
سفيان مالك طول الاجتماع مش مركز و سرحان ، حصل حاجة معاك و لا ايه !!
تنهد سفيان بعمق ثم قال بعد صمت.:
تايه ، حاسس اني تايه...جزء من قلبي لسه متعلق بميان ، وجزء تاني عايز قرب أماليا ، بس خايف أظلمها....مش متأكد إذا مشاعري حقيقية ولا لأ
ثم تابع بحزن مبتلعاً غصة مريرة بحلقه :
انا تعبان يا قصي
نظر إليه قصي بحزن لكنه ردد بجدية :
لازم تواجه نفسك و تاخد خطوة ، خليك صريح مع نفسك ومع أماليا لو مش حاسس إنك تقدر تديلها كل اللي تتمناه يبقى الأحسن تكون صريح معاها و تقولها كل اللي في قلبك
رد سفيان بحزن :
لكن الصراحة ممكن تأذيها وتجرحها
طمأنه قصي قائلاً :
الصراحة هي احسن و اقصر الطرق ، خليها هي اللي تقرر بعد كده إذا حابة تكمل ولا لأ
صمت سفيان مفكراً في كلام قصي لكن سأل نفسه بقلق كبير و خوف تسرب إلى قلبه
إذا اكتشفت أماليا ماضيه، هل ستقبل به ؟
كيف ستنظر إليه ؟
هل ستكون قادرة على الوثوق به من الأساس ؟
تنهد سفيان وهو يتذكر حديثه مع فريدة منذ فترة قصيرة
Flash back
كان يجلس برفقة فريدة يتناول معها الغداء في صمت قطعته قائلة بمكر :
عسولة اوي أماليا !!
اومأ لها بصمت و لم يعقب على حديثها فتابعت :
باين عليها متربية و بنت ناس ، الف شاب يتمناها
لم يعقب ايضاً فلم تجد حل سوى ان تقولها مباشرة :
ايه رأيك تتجوزها !!
جز على اسنانه مردداً بحدة :
فريدة شيليني من دماغك و موضوع الجواز دي انسيه تماماً ، طلعي أماليا من دماغك لأني مش هسمحلك تخليها نسخة من ميان
ردت عليه بحدة و غضب :
ميان...ميان...ميان...ايه مش هنخلص منها و من سيرتها ، الحق عليا اني عاملة على مصلحتك ، فوق بقى من الوهم اللي معيش نفسك فيه ، لسه فاكر انها بتحبك و في يوم هترجعلك تبقى غلطان دي قليلة الاصل و خدعتنا المدة دي كلها ، هي لا حبتك و لا باقية عليك ، مع اول فرصة جت ليها اتجوزت و عاشت حياتها و سابتك !!
صرخ عليها بغضب و نفاذ صبر :
فوقي انت من الوهم اللي معيشة نفسك فيه ، مش كفاية عليكي ذنب ميان عايزة تشيلي ذنب أماليا ، مفكراني غبي انا عارف انك هتلفي و تدوري و تعملي نفس الاسطوانة على أماليا و هتطلعيني ضحية و ميان هي المذنبة مع ان العكس صحيح و انا و انتي المذنبين في حقها
ردت عليه بمكابرة و حدة :
فين الغلط مش هي بتحبك زي ما بتقول ، كان حصل ايه يعني ما ياما بيحصل بين المتجوزين ، هي اللي كأنها ما صدقت تخلص منك عشان ترمي حبالها على غيرك
رد عليها بحدة و نفاذ صبر :
انتي ازاي كده ، انا مش عارف اقولك ايه ، فوقي لنفسك يا فريدة قبل ما تخسري كل حاجة ، و اولهم انا ، لو قربتي من أماليا او وصلني انك بس عملتي نفس اللي عملتيه مع ميان انا اللي هقف ليكي و ساعتها كمان هتنسي ان ليكي حفيد اسمه سفيان ، و لو عاملة عليا انا بقولك ملكيش دعوة بيا ، مش محتاجة مساعدتك !!!
Back
جزء بداخله يخشى فريدة و ما يمكن ان تفعله بأماليا
هل سيعاد الماضي و تصبح أماليا نسخة من ميان !!
راقبه قصي بحزن عميق، وهو يعلم بالصراع الذي بداخل سفيان...
رأى الألم والحيرة واضحين على وجهه ، وعرف مدى معاناته همس قصي في نفسه بالدعاء متمنياً أن يهدي الله قلب سفيان ويمنحه الراحة و السلام
.......
- ممكن اعرف طلبت تشوفني ليه؟
قالتها أماليا بنبرة يملؤها الفضول وهي تنظر إلى سفيان الذي استجمع نفسه ثم أخذ نفساً عميقاً قائلاً بتردد واضح :
اسمعيني للآخر و فكري في كلامي براحتك ، بعد كده ردي عليا !!
أومأت برأسها موافقةو هي تستمع إليه بتركيز فابتلع ريقه وقال بخوف داخلي :
عارف إننا اتقابلنا من فترة قصيرة، وإن طلبي دلوقتي ممكن يكون مجنون بالنسبة ليكي....و ممكن جداً ترفضي
سألته بتردد وحرج :
قصدك إيه !!
تنهد بعمق وأجاب بتردد :
قصدي...إني عايز أتجوزك !!!!!!!!
تهربت من نظراته بعيداً و أخذت تحك جلد يدها بتوتر ملحوظ فتابع سفيان بوضوح :
خلينا نكون صرحاء مع بعض فيه مشاعر متبادلة بينا من ناحيتي مش هقولك حب، هقولك ارتياح...لو قولتلك حب هبقى بكذب
ثم تابع بصوت منخفض يملؤه الحزن :
عارف إن طلبي ظلم ليكي ، بس بجد أنا متلغبط و حاسس إني محتاجك جنبي
نظرت إليه بجدية وسألته :
انت لسه بتحب ميان، مش كده ؟
تحاشى النظر إليها فتابعت هي بهدوء يعكس مشاعرها المختلطة :
شوف أنا محبتش قبل كده، وتجاربي في الحياة مش كتيرة...قرار زي ده مش هيتاخد لمجرد شعور بالارتياح
ثم تابعت بنبرة جادة :
أنا مش هقبل أكون لواحد وأنا عارفة إن فيه غيري في قلبه....أنا مش قليلة عشان أقبل أكون زوجة لواحد بيحب غيري وعايزني لمجرد شعور ممكن يختفي مع الوقت ومايتحولش لحاجة تانية.... وساعتها أنا اللي هكون الخسرانة !!
أومأ لها بصمت والحزن ينهش قلبه فتابعت هي :
بص يا سفيان فيه حاجات كتير أنا معرفهاش عنك،ط لكن من نظرات البعض ليك بحس إن فيها كره. حتى كلامك عن نفسك من وقت للتاني بيخليني أحس إنك كنت شخص مش كويس في الأول، بس اتغيرت وبتحاول تتغير. أنا ماليش حق أسألك عن حياتك اللي فاتت، لكن من حقي أعرف إنك مش بتحبني، وإنك بتحب غيري !!
تنهدت ثم تابعت بصدق :
مش هكدب عليك وأقولك إن مافيش فضول عندي أعرف حياتك كانت إزاي قبل كده، بالعكس...أنا عايزة أعرف....
تجمدت الكلمات في حلقه وهو يراقب تعابير وجهها المتغيرة ظل الصمت يخيم بينهما للحظات قبل أن يقاطعها بتوتر لعلها تفكر في الأمر مرة أخرى :
أماليا انا مقدرش أوعدك إن كل حاجة هتبقى مثالية....بس اللي أقدر أوعدك بيه إني هعمل كل اللي اقدر عليه عشان اسعدك..
نظرت إليه بتفكير وكأنها تزن كلماته في عقلها لم تكن ترغب في أن تتخذ قرارًا متسرعًا و لكن شيء ما في صوته و في توتره، لمس شيئًا في قلبها
ربما هو صدقه ربما هو إحساسه بالضياع و ربما رغبتها هي في أن تمنحه فرصة !!
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء :
سفيان، أنا مش هضحك على نفسي و أقول إني مقتنعة تمامًا، بس فيه جزء مني عايز يديك فرصة يمكن نقدر نبني حاجة مع بعض...يمكن نلاقي في الآخر حاجة حقيقية
انفرجت أساريره وكأن عبئًا ثقيلاً انزاح من على كاهله...لم يكن يتوقع هذه الإجابة، و لكنها كانت كافية لتضيء له طريقًا كان يظنه مسدودًا :
انا مش هخيب ظنك، وأعدك إني هبذل كل جهدي عشان نلاقي سعادتنا مع بعض
ابتسمت بخفة وقالت :
بس فيه شروط يا سفيان
ابتسم هو الآخر وقد لاحظ أنها بدأت تشعر ببعض الراحة :
قوليلي إيه شروطك وأنا مستعد انفذها
نظرت إليه بجدية وأجابت :
أولاً...لازم نكون صرحا مع بعض من الأول...مفيش أسرار....مفيش تردد....تاني حاجة.لو في أي لحظة حسيت إني مش قادرة أكمل تبقى عارف إن ده حقي...مش عايزة نبقى متأذين أكتر من اللي لازم
أومأ برأسه مؤكداً على كلامها :
اتفقنا هنبني علاقتنا على الصراحة من البداية وحقك في انك تاخدي القرار ده محفوظ طبعاً
ابتسمت له في هدوء وأكملت :
فيه حاجة تانية يا سفيان
نظر إليها بترقب :
إيه هي ؟
تابعت بهدوء :
عايزة نبدأ بالعقل قبل القلب نتعرف على بعض أكتر نتكلم...نشوف إزاي نقدر نتفاهم ونعيش مع بعض وبعد كده، لو حسينا إن فيه حاجة حقيقية بتتكون نقدر نكمل ، يعني عايزة اعرفك اكتر يا سفيان عايزة اعرف طباعك شخصك.....
رد بإصرار وهو يشعر بأنها أعطته الضوء الأخضر للبدء :
موافق....هنبدأ مع بعض خطوة خطوة
أحنت رأسها قليلاً موافقة و قلبها ينبض بمزيج من التردد والأمل...ربما هذه الفرصة ستفتح لهما بابًا جديدًا في حياتهما...وربما سيكتشفان أن هناك شيئًا أكبر من الارتياح بينهما !!
........
عادت أماليا إلى المنزل وهي تشعر بالقلق بعد لقائها بسفيان.....دخلت إلى غرفة المعيشة حيث كانت والدتها تجلس تنهدت و بدأت تقص لها ما حدث و ما ان انتهت بقت تصرخ عليها بغضب لترد عليها أماليا بجدية :
أنا مليش دعوة بماضيه، أنا ليه دعوة بإنه بقى إيه مش كان إيه !!
قالت والدتها بصوت مرتفع معبرة عن غضبها :
بتقولي كده عشان غبية المفروض تعرفي...تعرفي ايه الماضي اللي هتقبليه ده....مش مجرد كلام بتردديه وخلاص...مخوفتيش للحظة من الماضي ده مسألتيش نفسك ليه ممكن ميان و فارس يكرهوه بالشكل ده
ارتفعت حدة صوت والدتها، و زادت سرعة كلامها :
صح، لو فاكرة نفسك التانية في حياته...تبقي غلطانة قبلك كان على ذمته اتنين في وقت واحد....هو مش بالبراءة اللي انتي شيفاها دي، ده أذى كتير وعمل بلاوي لو سمعتيها، تفكري مليون مرة قبل ما تربطي اسمك مع اسمه.....يا غبية
استمر النقاش بينهما و كان الجو مليئًا بالتوتر
رددت أماليا بتصميم :
سفيان اتغير وصلح من نفسه
صرخت عليها والدتها :
وانتي عرفتي منين...عرفتي كان إيه واتغير في إيه بلاش تحكمي على الأمور بسذاجة
ردت عليها أماليا برجاء :
أنا مش صغيرة...أنا قادرة أفرق إذا كان اللي قدامي بجد شاريني ولا لا
ثم تابعت بصدق :
قلبي بيقولي يستحق فرصة ، قلبي بيقولي إنه يستاهلها ومش هيوجعني
أجابت والدتها بصوت حزين و تعب :
يا بنتي، مش هيحبك ولا عمره هيحبك...هو بيحب ميان ولحد دلوقتي مش قادر ينساها...انتي متخيلة هتكوني إيه...هتكوني بديل ليها...فار تجارب بيجرب فيكي إذا كان هيقدر ينساها ولا لا...ولو كان لا...أنتي اللي هتكوني خسرانة...لما تكوني في مكان وهي معاكم و ده وارد جداً عيونه هتدور عليها قبلك.. ساعتها قلبك هيوجعك، وهتموتي من القهر بدل المرة ألف مرة
ثم تابعت برجاء لعلها تستمع لها وتقتنع :
اسمعي كلامي يا بنتي ، أنتي تستاهلي أحسن منه
تجمدت أماليا للحظة، ثم ردت بجدية :
ماشي فرضنا هخسر....هخسر بس أكون اتعلمت سيبيني أختار....وأنا اللي هتحمل المسؤولية...أنا مش صغيرة يا ماما
أخذت والدتها نفساً عميقاً، ووجهت كلامها بصرامة : أنا هثبتلك إن كلامي صح
أماليا، وهي تنظر إلى والدتها بعينين مليئتين بالدموع ثم قالت بصوت ضعيف :
أنا عارفة إنكِ خايفة عليا، لكن لازم أعطي فرصة لنفسي وأشوف الأمور بنفسي....خليني اجرب واتعلم مس هاخد خطوة الجواز غير لما اتأكد مية في المية انه يستاهلني
صمتت والدتها ثم قالت بهدوء يسبق العاصفة :
خليه يقابلنا بعد بكره ع العشا في.....خلي ابوكي و اخواتك يشوفوه من غير ما يعرفهم انه عايز يتجوزك
انا هقولهم اني عزمته ع العشا عشان وقف جنبك في الشغل و ساعدك...كشكر ليه
قالت ما قالت ثم غادرت و تركت أماليا مكانها تشعر بالتوتر من صمت والدتها المفاجأ تدعو الله بداخلها ان لا تخيب ظنونها به و ان تكون اختارت الصواب
.......
جاء اليوم المنشود و في منزل ميان و فارس
ارتدت ميان ثوبها الأحمر الطويل ، وتطايرت خصلات شعرها مع كل حركة
كانت تنظر إلى نفسها في المرآة بسعادة بينما فارس كان يراقبها من بعيد، مغمورًا بالسعادة
فجأة، اقترب فارس وجذب ميان من خصرها برفق مما جعلها تلتفت إليه بابتسامة مشرقة انحنى ليقبلها لكنها ابتعدت قليلاً و وضعت يدها على شفتيه بلطف تدندن بدلال اذهب عقله :
حلم البنات انت 🎵
ومغرومة فيك إنت وقلبي نقاك انت 🎶
ونحنا لبعض خلقنا من هالليلة وطالع راح يبقى
القلب والع 🎵
ما راح بيضل شارع إلا ويحكي بقصتنا 🎶
تأمل فارس عينيها، وسحبها إليه أكثر مردداً بحب :
أحبك أكتر من كده إيه ، ارحمي قلبي شوية وبراحة عليه هو مش قدك
ضحكت ميان بسعادة عارمة ، وبدأت تدور حول نفسها مرة أخرى بحرص شديد وهي تقول :
أنا مبسوطة أوي أوي
فارس، وهو لا يزال يحتفظ بيده حول خصرها نظر إليها بعيون مليئة بالحب الصادق و قال بابتسامة :
عمري كله فدا ضحكة منك يا ميان
احتضنته بسعادة غامرة و هي لا تصدق ما هذا الرجل كيف له ان يكون هكذا كيف له ان يعشقها بهذا الشكل ويجعلها عاشقة له بهذه القوة ♡
بعد وقت
كان فارس وميان يدخلان المطعم الفاخر تمسكت ميان بذراع فارس، الذي أحاط خصرها بيده وأعطاها ابتسامة محبة
قادهم النادل إلى الطاولة التي كانت تنتظرهم عليها الطبيبة والدة أماليا و عائلتها المكونة من ابنائها الأربعة تجهم وجه فارس حين رأى سفيان جالساً بينهم كذلك فعلت أماليا و هي تنظر لوالدتها بلوم مالت ميان عليه وهمست بخفوت :
فارس من فضلك...خليك هادي الليلة دي احنا ضيوف هنا و الناس حوالينا....بلاش مشاكل
اقترب الاثنان من الطاولة رحبت الطبيبة بهما متجاهلة نظرات فارس الغاضبة و عندما جاء الدور على سفيان صافحه فارس ببرود واضح
جذب فارس ميان لتجلس بجانبه ليصبح هو بالمنتصف بين سفيان و ميان
ساد جو مشحون خاصة عندما لاحظ الجميع وجود توتر بين سفيان وفارس لم يكن أحد يعرف أن ميان هي زوجة سفيان السابقة وأن هناك صلة قرابة بينهما سوى أماليا ووالدتها
رددت ميان بهدوء، دون أن يلاحظها أحد :
فارس الناس هتلاحظ شكلك باين عليه
ردد علي شقيق أماليا الأكبر، بمرح :
بس إيه، يا عم فارس ، الجواز بيحلي الواحد كده خلي بالك أنا مش بحسد والله ، انا بقر بس
ضحك الجميع بخفوت عدا البعض فتدخل نائل احد اشقاء أماليا قائلاً بمرح :
والله، برافو عليكي يا مدام ميان....في جوازة فارس الأولى كان بيكون علطول عصبي لكن واضح إن الوضع اختلف دلوقتي
ابتسم فارس بزاوية شفتيه وكذلك ميان
بينما كانت أماليا تراقب سفيان بتركيز لاحظت كيف كان ينظر إلى الأسفل و لكن قبضة يده كانت مشدودة بغضب
عندما قدم النادل طبق الشوربة الساخنة لميان اهتزت يده وسقط القليل من الشوربة على ميان مما جعلها تصرخ من الألم انتفض الجميع و أسرع فارس لتجفيف يدها
لم يستطع سفيان البقاء هادئاً، فاقترب بقلق واضح قائلاً :
أنتي كويسة....تحبي نروح لدكتور !!
رد عليه فارس بشراسة :
ميخصكش
تعجب الجميع من قلق سفيان المبالغ فيه من وجهة نظرهم تجاه امرأة يبدو أنه يراها لأول مرة، وكذلك من نبرة فارس الهجومية
ردت ميان على الفور لتجنب أي شجار قائلة و هي تسحب فارس معها :
فارس معلش تعالى ساعدني هروح اغسل ايدي أحسن
ذهب معها فارس على مضض، بينما اعتذر سفيان قائلاً بتهذيب :
شكراً على دعوتكم...بس أنا مضطر أمشي عندي مواعيد بدري بكره الصبح....تصبحوا على خير اتمنى لكم سهرة لطيفة
.......
في صباح اليوم التالي
اقتحم فارس مكتب والدة أماليا غاضبًا وصرخ :
إزاي تعملي كده...إزاي تجيبيه وتقعديه معانا على نفس الطاولة وانتي عارفة اللي بينا وبينه.....غرضك ايه من ده كله !!
ردت عليه بثبات واهي :
أحب أحتفظ بالسبب لنفسي
بغضب دفع فارس كل ما على مكتبها إلى الأرض مرددًا :
قسماً بالله لو اللي حصل اتكرر تاني أو حسيت إنك بتستغلي ميان عشان أماليا ، مش هيحصل خير أبداً أنا مش غبي وفاهم إنتي بتحاولي تعملي إيه ، عايزة تبعدي بنتك عن سفيان....اعملي كده...بس مش على حسابي أنا ومراتي !!
أنهى كلماته وغادر صافعاً الباب خلفه، متجهًا نحو مكتبه لكن صوت صراخ مرتفع قادم من نهاية الممر استوقفه !!
هرع فارس إلى مصدر الصوت ليجد رجلًا يمسك بشابة ويضربها بقسوة...بينما كانت الاخرى تصرخ و تستغيث بدون تردد تقدم فارس بسرعة و دفع الرجل بعيدًا عن الشابة واضعاً إياها خلف ظهره و هو يصرخ بغضب :
إيه الهمجية دي !!!!
تقدم الرجل نحو فارس غاضبًا و هو يحاول الوصول للفتاة مجددًا :
انت مال أهلك
ازداد غضب فارس فلكمه بقوة فسقط الرجل أرضًا و الدماء تنزف من فمه نهض الرجل بسرعة محاولًا رد اللكمة لكنه تلقى لكمة أخرى من فارس اسقطته أرضًا مجددًا
أشار فارس للأمن ليمسكوا به حتى تأتي الشرطة
تدخلت طبيبة نسائية كانت شاهدة على الواقعة و قالت بخوف :
الراجل ده من ساعة ما عرف إن مراته حامل في بنت، نزل فيها ضرب وكسر المكتب عندي يا دكتور فارس
أومأ لها فارس...ثم صرف الواقفين وأخذ الفتاة إلى مكتبه وما إن سألها عن قصتها حتى انفجرت بالبكاء قائلة بحزن :
غصبوني عليه...ده راجل معندوش لا قلب ولا رحمة... بيضرني دايمًا وبيعيّشني في ذل وإهانة. أبويا باعني له عشان الفلوس اللي بياخدها منه كل شهر. أنا تعبت... حتى لما ربنا أراد إني أحمل، مرحمنيش... طو لما عرف إني حامل في بنت ، الدنيا قامت
مسحت دموعها لكن سرعان ما عادت للبكاء قائلة بقهر و مرارة :
لو عندي مكان أروح عليه أو الجأ له كنت روحت
شعر فارس بالشفقة نحوها فردد مواسياً اياها :
معندكيش حد من أهلك تقعدي عنده
هزت رأسها بالنفي قائلة بقهر :
مليش غير أبويا ، ولو روحت له هيوديني لأبو عدنان تاني عشان يضمن الفلوس اللي بتوصله كل شهر
تنهد فارس ، وسألها بجدية :
هتعملي إيه لما تخرجي من هنا
ردت عليه بصوت مرتجف :
معرفش...أنا خايفة أوي
جمع فارس أغراضه ، ثم وقف قائلاً بحزم :
لحد ما أمورك تتظبط وأبو عدنان ياخد جزاؤه هتكوني ضيفة عندي وعند مراتي متخافيش، بيتي أمان ليكي
نظرت الفتاة له بتردد وخوف....فشعر فارس بذلك وردد بصوت حنون :
متخافيش، هتكوني ضيفتنا وهتقعدي معانا معززة مكرمة لحد ما أدبر ليكي شغل ومكان تعيشي فيه بأمان. بس لحد ما ده يحصل، مش هتفضلي في الشارع تعالي معايا ، ولو حسيتِ بقلق تقدري تمشي
اضطرت للموافقة إذ لم يكن لديها خيار آخر !!
بعد وقت
دخلت خلف فارس من باب المنزل ، لتجد أمامها ميان فتاة جميلة ابتسمت لها بفضول التفت فارس نحو ميان وقال بهدوء :
دي مدام جنة....ضيفة عندنا كام يوم يا حبيبتي
أومأت ميان برأسها بترحاب ومدت يدها لتصافحها قائلة بابتسامة دافئة :
أهلاً بيكي، نورتينا...أنا اسمي ميان اتشرفت بمعرفتك
ابتسمت جنة بتوتر وصافحتها بخجل قائلة :
أنا آسفة لو هزعجك بوجودي، بس مليش مكان تاني أروح عليه
نفت ميان برأسها و نظرت إليها بشفقة فقد رأت آثار الضرب الوحشي على وجهها والنظرة المكسورة في عينيها ردت بلطف :
إزعاج إيه بس...ده إنتي هتنورينا....هنقضي وقت حلو سوا....أنا بكون لوحدي طول اليوم لأن الأستاذ بيكون في الشغل....هتنبسطي هنا متقلقيش
ابتسمت جنة بخجل فقادتها ميان إلى إحدى الغرف و أعطتها ملابس لتبدل ثيابها بعد ذلك، عادت إلى فارس الذي عانقها على الفور قائلاً بتعب :
تعبان ومش قادر أتكلم يا ميان
بادلت ميان العناق بصمت و بعد دقائق تركته يجلس على الفراش و توجهت إلى الحمام لتجهزه له
بعد وقت قصير
خرج من المرحاض ليتفاجأ بالغرفة معتمة، عدا الضوء المنبعث من الشموع المعطرة
جذبته ميان برفق ليستلقي على الفراش على بطنه ثم بدأت بوضع الزيوت وتدليك ظهره برفق حتى شعر بالاسترخاء و غفا بين يديها ابتسمت وهي تطبع قبلة صغيرة على جبينه قبل أن تغادر الغرفة وتتوجه إلى جنة التي كانت قد غفت من التعب
عادت ميان إلى الغرفة، وتأملت فارس وهو نائم بحب فجأة تحرك في نومه وجذبها إلى أحضانه مرددًا بصوت ناعس :
بحبك ♡
ابتسمت بخجل وحب قائلة بصوت خفيض قبل أن تغلق عينيها وتستسلم لدفيء أحضانه :
وأنا بموت فيك ♡
.......
بعد بضع ساعات استيقظ فارس من النوم ليجد ان ميان غير موجودة بجانبه
تثاءب بكسل ثم خرج من الغرفة مرتديًا بنطال و صدره عارٍ اخذ يمرر يده على شعره يبعثره متناسياً الضيفة التي معهما بالمنزل
ليتفاجأ بها تجلس في الصالة برفقة ميان !!
شعر فارس بالحرج عندما رأى جنة فابتسم بحرج قائلاً : أنا آسف
ثم هرع سريعًا إلى غرفته فلحقت به ميان قائلة بحرج لجنة التي وطأت رأسها واحمرت وجنتاها من الخجل :
معلش يا جنة، هو بس لما بيصحى من النوم بيبقى مش مركز تلاقيه نسي انك موجودة هروح أشوفه لو محتاج حاجة !!
اومأت لها جنة بخجل فدخلت ميان خلف فارس وأغلقت الباب قائلة بغيرة :
إزاي تخرج قدام جنة بالمنظر ده !!
فابتسم فارس بمكر واقترب منها قائلاً :
بتغيري عليا
قبل أن تتمكن من الرد جذبها برفق وقبلها برومانسية استمر الاثنان في الانغماس في تلك اللحظة الحميمة، ناسيين تمامًا وجود جنة
فجأة، جاء صوت طرق على الباب تبعه صوت جنة من الخارج تقول بخوف :
الباب بيخبط جامد
خرج فارس بسرعة من غرفته يرتدي قميصه على عجل متوجهًا إلى الباب ليرى من يطرق بهذا العنف و بمجرد أن فتح الباب وجد كارم واقفًا أمامه و ملامحه تعكس الغضب وصوته يردد :
لازم نتكلم فورًا
أمسك فارس بذراع كارم وسحبه إلى غرفة المكتب أغلق الباب خلفهما بهدوء ليضمن عدم سماع أحد لحديثهما
بادر كارم بالحديث بنبرة حادة :
أبو عدنان ده راجل مش مظبوط و خطير و انك تخبي مراته في بيتك ده هيعرض حياتك وحياة ميان وابنك اللي لسه مشفش النور للخطر !!
رد فارس بحزم :
جنة مسئولة مني ، ولازم أحميها بنفسي
كارم، وهو يحاول السيطرة على غضبه قائلاً :
ما اختلفتش معاك...تفضل مسئولة منك وكل حاجة لكن بعيد عن بيتك اللي مفيش عليه اي حراسة حتى ، انا هاخدها واخبيها في مكان متأمن كويس لحد ما نقدر نمسك أبو عدنان
سأله فارس بحدة :
يعني ايه تمسكه مش الامن سلمه ليك الصبح
ردد كارم بضيق :
ضرب نار على عسكري و هرب !!
ثم تابع بجدية :
بلاش عناد يا فارس ، ميان هتكون في خطر ده اذا مكنتش خلاص في خطر ، أبو عدنان مش هيسكت غير لما يوصل لمراته ويعلم عليك زي ما علمت عليه
سكت فارس للحظة يتذكر ميان و قد بدا له أن حكايتها تشبه حكاية جنة نوعاً ما !!
لهذا السبب أراد أن يساعدها كان يرى في جنة صورة حبيبته ميان و الحالة التي كانت فيها لكن ميان كانت محاطة بالكثير من الناس بينما جنة ليست كذلك ليس لها احد
رد على كارم بجدية و تمسك بموقفه :
شوف يا كارم البنت مش هتخرج من بيتي الا لما اضمن ليها عيشة كويسه وحياتها تكون كويسه ، انا اعتبرتها مسئولة مني و زي اختى
ثم تابع بجدية حتى يريح الآخر :
هات حراس براحتك واحرص البيت بس خروج جنة من هنا مش هيحصل يا كارم !!
استسلم كارم اخيرا بعد مجادلة كبيرة بينهما جنة كانت تقف قريبة من الباب تستمع لما قيل و قد نمت ابتسامة جميلة على شفتيها لموقف فارس معها و نُبله و تساءلت بين نفسها لما لم تحصل مثل زوجته ميان على رجل مثله !!!
......
بعدما غادر كارم وهو غاضب، دخلت ميان لفارس وسألته بقلق :
ليه كنت بتتخانق أنت وكارم...شكله كان متعصب اوي و هو خارج
تنهد فارس بضيق ثم قص عليها الأمر من بدايته و ما ان انتهى ردد بتعب :
المسألة مش مجرد حماية وبس ، الموضوع أعمق من كده...جنة ملهاش حد وأبوها باعها للراجل ده مقابل الفلوس...أنا حاسس إني مسئول عنها لحد ما أقدر أساعدها تبدأ حياتها من جديد بعيد عن الكابوس اللي عايشاه
سكتت ميان لبرهة ثم رفعت نظرها لفارس وقالت بحزن :
أنا حاسه بيها، لأني عيشت تقريبًا نفس التجربة يا فارس...منكرش إني غيرت شوية من تمسكك بيها ، لكن في نفس الوقت صعبانه عليا و زعلت عليها شعور وحش اوي يا كارم....بس الحمد لله كنت محظوظة لقيت حد زيك
نظر فارس إليها بحنان وأخذ يدها بين يديه، قائلاً بصوت مليء بالعاطفة :
ميان، أنتي دايمًا ليكي الأولوية في حياتي...اللي بعمله دلوقتي عشان جنة تلاقي فرصة تانية في الحياة ، زي ما إحنا لقينا بعض....أنا عايز أديها الفرصة تبدأ من جديد، وتلاقي نفسها بعيد عن الراجل اللي دمر حياتها
ابتسمت ميان بخفة وهي تضغط على يده بلطف ثم تابعت قائلة :
أنا فاهمة و واثقة فيك ، خلينا نساعدها مع بعض و أكيد ربنا هيعوضها يا حبيبي
ابتسم فارس وهو ينظر إلى ميان بحب، ثم احتضنها قائلاً بصوت دافئ محب :
أنا محظوظ لأنك مراتي وحبيبتي ، انتي كنزي اللي ربنا رزقني بيه في الدنيا
ابتسمت له بحب و هي تشعر بالدفء الذي يملأ قلبها بسبب كلماته الصادقة
....
بينما كانا يعيشان هذه اللحظة الرومانسية، كانت جنة تقف خارج الغرفة، تنظر بصمت إلى الصور التي تجمع ميان و فارس المعلقة على الجدران
الصور كانت مليئة بالحب والسعادة ، تعكس اللحظات التي عاشها فارس وميان معًا
كانت هناك صور تُظهرهما في لحظات من الضحك و الرومانسية وأخرى تُظهرهما في لحظات مجنونة مليئة بالحيوية
لم تستطع جنة منع نفسها من الشعور بغيرة و حقد مفاجئ تجاه ميان فهي جميلة ربما اكثر من ميان لكن
تساؤل مرير تسلل إلى عقلها لماذا كان نصيبها ان تكون مع رجل قاسٍ مثل أبو عدنان !!
بينما ميان تحصل على كل هذا الحب والاهتمام من رجل مثل فارس !!
كانت تلك الأفكار تتصارع داخلها، تشعرها بالظلم و المرارة أغمضت عينيها للحظة، محاولة تهدئة نفسها، وتقبل حقيقة حياتها، وهي تفكر في ما قاله فارس لها عن بداية جديدة لكن الحزن العميق ظل يثقل قلبها و هي تستمر في النظر إلى الصور ، متمنية لو أن حياتها كانت مختلفة
......
بعد عودة كارم إلى المنزل وهو غاضب دخلت عليه همس بقلق.وسألته عن سبب غضبه فجلس كارم على الأريكة متأففًا، ثم بدأ يقص عليها ما حدث بينه و بين فارس و بعد أن انتهى تنهدت همس بلطف ثم قالت بصوت هادئ :
بص يا كارم كل واحد بيشوف الأمور من وجهة نظره فارس تقريبًا عاوز جنة متكونش لوحدها، هو مش عايزها تحس بالغربة يمكن بيحاول يخليها تحس بالأمان
توقفت قليلاً ثم نظرت إليه بعينيها المليئة بالتعاطف قبل أن تكمل :
شعور وحش أوي يا كارم لما تحس إنك وحيد، و أقرب الناس ليك باعوك والشخص اللي المفروض يبقى نصك التاني و سندك و امانك هو اللي بيشتريك وبيعاملك بالقسوة دي...فارس عايز يخليها تحس بدفى العيلة، يمكن افتكر ميان وإنها مرت بنفس العنف ده، عشان كده عاوز يساعدها
نظرت إليه بابتسامة صغيرة قائلة :
سيبه براحته يا كارم، هو أدرى بيها...وزي ما اتفقتوا زود الحراسة على بيته على قد ما تقدر.و متزعلش منه انتوا ملكوش غير بعض ، اقف جنبه وساعده
ثم أضافت بلطف :
وأنا بكره هروح أشوف ميان وأطمن عليها الحمل أكيد تاعبها
ابتسم لها بحب ثم قال وهو ينظر داخل عينيها :
عقبالك يا حبيبتي
ابتسمت همس بخجل فاقترب منها كارم واحتضنها بحنان قائلاً بصوت مليء بالشوق :
أنا هموت على اليوم اللي أبقى فيه أب ، وأشوف طفل منك نفسي يكون شبهك في كل حاجة ، و يا سلام لو بنت بنفس شقاوتك وجنانك
ضحكت بخفة، وقبلته على وجنته بحب قائلة بعشق صادق :
انا كمان بحبك أوي يا كارم
عانقها كارم بقوة والشعور بالحب والدفء يغمرهما ،
كأن العالم كله توقف للحظة ليتأمل في تلك اللحظة السعيدة بينهما كانت تلك اللحظة البسيطة كافية لتزيل كل التوتر والغضب الذي شعر به كارم اليوم
.......
في صباح اليوم التالي
كانت همس في بيت ميان تطمئن عليها تعرفت على جنة، لكنها لم تشعر بالراحة تجاهها كان هناك شيء غير مريح، شيء لم تستطع تحديده
دخلت ميان إلى المطبخ ومعها همس وجنة كل واحدة منهن بدأت تحضير بعض التسالي استعدادًا لمشاهدة فيلم معًا
بعد دقائق من الانشغال جلس الثلاثة في غرفة المعيشة، الأجواء كانت هادئة
نظرت جنة إلى الاثنين وسألتهما بفضول :
انتوا في طب مش كده
هزت همس وميان رأسيهما بحرج خفيف مدركتين أن جنة لم تكمل تعليمها سألت جنة بفضول :
تخصص ايه إن شاء الله
ردت همس بهدوء :
أنا اطفال
بينما ميان رددت بابتسامة :
وأنا نسا وتوليد
صمتت جنة للحظة ثم قالت بنبرة هادئة :
ربنا يوفقكم
ميان شعرت ببعض التوتر فقامت بالرد مازحة لتحاول تخفيف الجو خشية من ان تكون جنة شعرت بالحزن لكونها لم تكمل تعليمها :
والله مش عارفة كان عقلنا فين واحنا بنقرر نكمل تعليم....بلا هم ووجع دماغ...اللي خدها من قصيرها ريح دماغه والله
رددت همس بضحك مؤيدة اياها :
عندك حق والله
لكن جنة ابتسمت ابتسامة باهتة كانت خالية من الحياة، مشاعرها الداخلية كانت بعيدة تمامًا عن تلك الابتسامة المصطنعة
بداخلها كانت مقهورة تتمنى لو كانت مكانهما كيف لها عرفت أن همس متزوجة من ضابط...كان واضحًا أنه يحبها رأت ذلك عندما صعد ليوصلها للبيت ثم ودعها بحب وحنان
لكن هي؟ لم يكن لها حظ في شيء لا في التعليم، ولا في أهل يدعمونها، ولا حتى في مال يساعدها على تحسين حياتها....حتى في الزواج، لم تحظ بفرصة اختيار شريك حياتها بنفسها
كانت تشعر بثقل هذا الواقع و شعور الفقدان و الحرمان كان يعصف بها بينما تجلس بجوارهم تحاول بكل جهدها إخفاء ما تشعر به
.....
في منتصف اليوم غادرت همس و عاد فارس إلى البيت متعبًا بعد يوم طويل
منذ أن جاءت جنة للإقامة معهما أصبح يطرق الباب قبل أن يدخل حتى لا يفاجئها و هي في لحظة راحة فتحت له ميان بابتسامتها الجميلة التي دائمًا ما تأسره
فور دخوله نظر فارس يمينًا ويسارًا يتأكد أن لا أحد يراقبهما ثم أغلق الباب خلفه فجأة جذبها إليه بقوة قلبه ممتلئ بالحب والاشتياق همس لها بصوت خفيض "وحشتيني"
ابتسمت ميان بخجل وهي ترد عليه بحب :
وأنت كمان
فكر في الاقتراب منها مرة أخرى وجودها دائمًا ما يجعله ينسى نفسه لكنها تراجعت بلطف قائلة : ميصحش، جنة ممكن تيجي في أي وقت
لكنه لم يستطع مقاومة جمالها فخطف منها قبلة سريعة لكن في نفس اللحظة
دخلت جنة إلى الغرفة و شهقت بخجل عندما رأتهم في هذا القرب الحميم...عينانها اتسعتا و وجهها احمر خجلاً من المفاجأة...بينما حاولت ميان أن تستعيد هدوءها وتخفف من حرج الموقف
بعد لحظة من الصمت المحرج قالت ميان بتلعثم :
أنا هروح أحط الغدا
ثم استدارت بسرعة و غادرت محاولة إخفاء خجلها
بينما فارس لم يقل شيئًا توجه لغرفة النوم مباشرة تاركاً جنة وحدها
بقيت واقفة في مكانها مشاعر متضاربة تجتاحها الصورة التي لم تستطع إخراجها من رأسها كانت تلك اللحظة الحميمة بين فارس وميان جعلتها تشعر بغيرة مفاجئة وكأن طعنة خفية أصابت قلبها لم تستطع منع نفسها من التفكير
ماذا لو كانت هي مكان ميان !!
جالت عيناها في الفراغ بينما كانت تتخيل نفسها بين ذراعي فارس تتمنى لو أن الأمور كانت مختلفة لو أن فارس كان زوجها هي لكن هذا الحلم البسيط كان يرافقه شعور باليأس لأن الواقع مختلف و فارس هو زوج ميان...وليس لها !!
عادت للواقع ولكن المشاعر التي تملكتها في تلك اللحظة تركتها عالقة في دوامة من الأمنيات والأحلام المستحيلة
.......
كان عائداً من عمله بوقت متأخر من الليل بعدما اضطر للمغادرة بسبب حالة ولادة متسعرة ليتفاجأ بعدة سيارات تلاحقه لتسبقه واحدة تقف امامه لتسد عليه الطريق....قطب جبينه بتعجب لما يحدث !
نزل من السيارة بوجه متجهم وقبل أن يتحدث تفاجأ بعدة رجال يخرجون من السيارة ويتقدمهم ذلك الرجل عديم الرجولة الذي كان يعتدي على زوجته أمس بالضرب.
اقترب من فارس، الذي لم يرف له جفن، قائلاً بتهديد :
مش قولتلك مش هسيبك؟ فكرك إنك ترفع ايدك على أبو عدنان ده هيعدي بالساهل ده انت حفرت قبرك بايدك
شملها فارس بنظراته مستخفاً به قائلاً :
لو خلصت الشو خلصني يلا وهات أخرك عشان عاوز أنام !!!
استشاط الآخر غضباً واقترب منه سريعاً ليلكمه لكن مسك به فارس مسدداً له لكمة قوية جعلته يقع أرضاً أسفل أقدام رجاله والدماء تنزف من أنفه بغزارة
تقدم رجال أبو عدنان نحو فارس بعد إشارة منه مستعدين لضربه....لكن فارس وقف بشجاعة لا مبالي بهم...جاهزًا للمواجهة
هجم عليه الرجال وتبادلوا اللكمات والركلات بشكل عنيف لكن رغم شجاعة فارس وقوته إلا ان الكثرة تغلب الشجاعة واستطاعوا في النهاية التغلب على فارس وإحكام القبض عليه
جذبوا فارس بقوة ليقف أمام أبو عدنان الذي رفع يده بغل ليضربه لكن فجأة.......
.......
#الفصل_الثاني_والأربعون
#رواية_بعينيكِ_أسير
#بقلم_شهد_الشورى
صلوا على الحبيب المصطفى ♥️
......
هجم عليه الرجال وتبادلوا اللكمات والركلات بشكل عنيف لكن رغم شجاعة فارس وقوته إلا ان الكثرة تغلب الشجاعة واستطاعوا في النهاية التغلب على فارس وإحكام القبض عليه
جذبوا فارس بقوة ليقف أمام أبو عدنان الذي رفع يده بغل ليضربه لكن فجأة و قبل أن يفعل اي شيء توقف عندما استمع لصوت محرك سيارة قادم من بعيد.انوارها بدأت تخترق الظلام تقترب ببطء حتى توقفت تمامًا !!
الجميع كانوا في ترقب ينتظرون ما سيحدث فُتح باب السيارة و نزل منها شخص آخر من توقع فارس أن يراه في تلك اللحظة انه "سفيان " الذي اقترب منهم بخطواته الهادئة و نظراته الثاقبة و لم يبدو عليه أي توتر
نظر إليهم جميعًا ثم قال بصوت هادئ لكنه مليء بالقوة بعدما توقع ما يحدث و هو ينظر لفارس :
الليلة تتفض وكل واحد يروح بيته سليم احسن
ضحك أبو عدنان بسخرية لاذعة و صوت ضحكته كان مليئًا بالتهكم والغضب قائلاً :
وانت مالك اهلك ، مين انت !!
رد سفيان بابتسامة باردة تخفي خلفها الكثير :
تصدق بالله...انت جيت في الوقت المناسب انا كنت هموت و اضرب حد وشكلها من نصيبك
لم يستطع أبو عدنان ولا رجاله استيعاب ما حدث حيث باغته سفيان بلكمة قوية كانت كافية لتطرحه أرضًا في ثانية واحدة
ما إن سقط قائد الرجال تشتتوا و عمت الفوضى في تلك اللحظة انقض فارس على أقربهم و من هنا بدأت المعركة ،كانت الضربات تتبادل بين الطرفين
صرخات مختلطة بأصوات اللكمات والتكسير الفوضى ملأت المكان !!
دقائق قليلة مرت لكن بدت وكأنها ساعات ، انتهى كل شيء كان رجال أبو عدنان ممددين على الأرض بعضهم يئن من الألم ، و وجوههم مليئة بالدماء بينما أبو عدنان كان مرميًا بينهم عاجزًا عن الحركة بالكاد يلتقط أنفاسه !!
امسك هاتفه و هو يلتقط انفاسه بصعوبة يتصل بكارم و يطلب منه المجيء بعناصر الشرطة و قص عليه ما حدث باختصار
بعدها جلس فارس و سفيان على مقدمة السيارة كلاهما يلتقط أنفاسه بصعوبة لم يكن بينهما حديث او نظرات كلاً منهما ينظر للفراغ بعيداً عن الآخر !!
بعد مرور بعض الوقت
وصلت عناصر الشرطة إلى المكان وقبضت على أبو عدنان ورجاله و كارم كان برفقتهم، قبل أن يغادر معهم ألقى نظرة حادة لائمة على فارس لأنه لم يسمع نصيحته و غادر دون حراسة
بقي في المكان فقط فارس و سفيان...كلاهما كان جالسًا في صمت تام عاجزين عن قطع هذا السكون الثقيل
فارس كان يشعر بصعوبة كبيرة في شكر سفيان على مساعدته و سفيان بدوره لم يكن يعرف كيف يبدأ الحديث لكنه و اخيراً قطع الصمت قائلاً بنبرة هادئة :
مبروك...إنك هتكون أب !!
هز فارس رأسه بهدوء و بعد لحظات من الصمت خرجت من فمه كلمة بدت و كأنها ثقيلة عليه :
شكرًا
اومأ سفيان برأسه بصمت اعتدل فارس ليستعد للمغادرة لكنه ما إن وقف و بدأ في المشي حتى شعر بآلام حادة في قدمه أطلق آه قصيرة تعبر عن الألم الذي أصابه فلاحظ سفيان ذلك فورًا فاقترب منه بنبرة تحمل شيئًا من القلق :
إيه مالك !!
ردد فارس الذي كان يتألم لكنه يحاول التظاهر بعكس ذلك بضيق : مفيش
رغم صمت سفيان إلا أن عيناه لم تفارقا فارس الذي بالكاد خطا خطوة أخرى قبل أن يتكرر الألم من جديد هذه المرة لم يتردد سفيان جعله يستند عليه غصباً و قاده إلى السيارة ثم أدخله برفق و أخذ مكان السائق، في حين جلس فارس صامتًا بجانبه لم يكن قادرًا على القيادة بسبب إصابته و كان يشعر بالضيق لأن الشخص الذي يساعده الآن هو الشخص الذي يكن له الكراهية !!
في طريقهم إلى المنزل كسر سفيان الصمت وسأله بلهجة جادة
"مين الناس دي؟ إيه اللي حصل؟ كانوا بيتخانقوا معاك ليه؟"
فارس التزم الصمت لدقائق، ثم بصعوبة بدأ في سرد ما حدث، باختصار شديد و بعد أن انتهى من الحديث، كان رد سفيان الوحيد :
انت غبي !!!!
رد فارس بحدة وهو ينظر له بنظرات غضب:
انت بتقول إيه !!
تجاهل سفيان غضب فارس، واستمر في الحديث بنبرة هادئة :
أنا مقولتش حاجة غلط....انت فعلاً غبي...إزاي تدخل واحدة زي دي بيتك وهي المفروض غريبة، وجوزها معروف إنه خطر....إزاي تسيبها مع مراتك اللي حامل في ابنك....إنت ازاي أمنت عليهم....يأما مش فارق معاك، يأما انت فعلاً غب......
قاطعته نظرات فارس الغاضبة و الذي كان يجز على أسنانه من شدة الانزعاج من إهانة سفيان له
لكنه فضل الصمت وفي المقابل، صمت سفيان أيضًا
عندما وصلا إلى البناية، ساعد سفيان فارس على النزول من السيارة، ورافقه حتى وصل إلى شقته
فُتح الباب بواسطة ميان التي شهقت بقوة ما ان رأت هيئة فارس قائلة بقلق و خوف شديد :
حصل ايه ، انتوا اتخانقتوا !!!
رد فارس عليها بصوت حنون محاولًا تهدئتها :
حبيبتي ما تتخضيش...ما فيش حاجة
تقدمت ميان بسرعة نحو فارس لتحاول أن تسنده، لكن سفيان تدخل بسرعة ومنعها بلطف قائلاً هو ينظر إلى الأرض حتى لا يُشعر فارس بالغضب :
ما ينفعش تسنديه....انتي حامل، وهو تقيل عليكي !!
زفر فارس بضيق واضح، كان وجود سفيان في المكان بالنسبة له شيء مكروه خاصة في وجود ميان !!
حاولت ميان التعامل مع الوضع بقدر من الهدوء، خاصة بعدما أشارت لسفيان على مكان غرفة النوم بمجرد أن وصلوا إلى الغرفة، ساعد سفيان فارس على الاستلقاء على السرير، وبدأ الألم يزداد وضوحًا على وجهه...بينما كانت ميان تراقب بصمت انهمرت دموعها وهي ترى الكدمة الزرقاء الكبيرة التي تملأ ساقه، والتي كانت السبب في كل هذا الألم
في هذه اللحظة، دخلت جنة الغرفة و سألت بقلق :
إيه اللي حصل؟ مالك يا دكتور فارس !!!
اقتربت جنة ببطء نحو فارس، ومدت يدها لتلمس الكدمة في قدمه لكن فارس أبعد قدمه بسرعة، وكان واضحًا ضيقه مما كانت ستفعل
شعرت ميان ايضاً بالانزعاج من تصرف جنة، لكنها لم تظهر أي رد فعل مدركة أن الوقت ليس مناسبًا لهذا النوع من المشاعر بسبب تعب فارس
بنبرة مليئة بالخوف، قالت ميان :
انا هتصل بالدكتور
لكن فارس قاطعها وهو يحاول أن يخفي المه و يطمئنها عليه :
الموضوع مش مستاهل... دي كدمة بسيطة وهتروح ما تقلقيش !!
لم تقتنع ميان تمامًا، و كانت ستتصل بالطبيب حتى تدخل سفيان قائلاً بجدية :
انا اتصلت بالدكتور، وهو قدامه خمس دقايق وهيكون هنا
كان رد فارس على حديثه حادًا :
وانت مين سمح لك تتدخل اصلاً !!!!!!
وقفت ميان صامتة، غير راغبة في الدخول في نقاش أو تصعيد الموقف رغم ان هي الأخرى لم تكن تطيق سفيان...إلا أنها شعرت بضرورة شكره على وجوده و مساعدته لفارس
لم تكن تعرف ما إذا كان هناك شجار بينهما أم لا لكنها كانت متأكدة أن سفيان كان على الأقل واقفًا بجوار زوجها في هذا الموقف الصعب نظرت إلى فارس بنظرات عتاب مشيرة إلى أنه كان فظًا في حديثه معه و قبل أن يتمكن سفيان من الرد
رن جرس الباب فتحت جنة و دخل الطبيب الذي بدأ بالكشف على فارس و بعد أن فحصه بدقة كتب له بعض الكريمات و المسكنات لعلاج الجرح في قدمه و الكدمات التي على وجهه
شعر فارس حينها أنه قد بالغ في رد فعله تجاه سفيان و رغم أنه لا يحبه ولا يطيقه ، إلا أنه لم يستطع تجاهل حقيقة أن سفيان ساعده في وقت الحاجة
فقال للطبيب قبل أن يغادر وهو يشير لسفيان :
لو سمحت ، اكشف عليه كمان !!
في البداية رفض سفيان لكن فارس أصر بحزم مما دفعه في النهاية للقبول كشف الطبيب عليه سريعًا وطمأنه بأنه بخير.....ثم غادر بعد الانتهاء
بينما كان الجميع في حالة من الصمت، لاحظ سفيان شيئًا غريبًا جنة التي كانت تقف على جانب الغرفة تراقب كل حركة بينه وبين ميان وكلما اقتربت ميان منه أو وضعت يدها عليه كانت نظرات جنة تتغير لتصبح مليئة بالغضب والحقد و كأن شيئًا بداخلها يشتعل !!!
طلب سفيان من ميان بهدوء دون النظر إليها :
ممكن شوية مايه !!
لم ترد لكنها أومأت برأسها و غادرت الغرفة بهدوء دون أن تنطق بكلمة تبعتها جنة التي، قبل أن تغادر اقتربت من فارس و قالت بصوت حاولت أن تجعله ناعمًا قدر الإمكان :
ألف سلامة عليك يا فارس...قصدي يا دكتور فارس والله خوفتني عليك، الحمد لله إنها عدت على خير
قالت كلماتها، ثم غادرت الغرفة لكن فارس لم يرد عليها....بقي هو و سفيان في الغرفة وحدهما
نهض سفيان ليقف امامه قائلاً بجدية :
أنت غلطت لما دخلت الست دي بيتك و صدقني من اللي شايفه احب اقولك هيحصل من وراها مشاكل بينك و بين ميان
قالها ثم غادر تاركاً فارس يفكر في حديثه وهو يعلم انه تسرع بمجيئه بتلك الفتاة لتبقى بمنزله !!
التقى سفيان بميان عند خروجه من المنزل، فاستوقفها بهدوء قائلاً :
خلي بالك من البنت اللي في بيتك يا ميان، نظراتها ليكي مش مريحة أبداً، وعينيها على فارس...فتحي عينك وحافظي على بيتك
همت ميان بالكلام، لكنه قاطعها بصدق :
مش قصدي أشكك في إن فارس ممكن يستجيب لها أو يفكر فيها، أنا قصدي إنها ممكن تزرع بينكم مشاكل. لو مش مصدقة، جربي وقربي من فارس و ةهي موجودة
اكتفت ميان بالصمت، وقبل أن يغادر سفيان استوقفته قائلة :
كنت فاكرة إنك ما هتصدق وتقلبني على فارس
ابتسم سفيان بهدوء وقال :
ممكن يكون حصل اللي حصل بينا في الأول، بس ده ما يمنعش إنه راجل بجد وبيحبك، وعمل اللي أنا مقدرتش أعمله معاكي وجوده جنبك بيسعدك، وده مش بس أنا اللي شايفه، ده الكل شايفه....أي حاجة تفرحك يا ميان هعملها، لأنك دلوقتي مش بس بنت خالتي، أنتي أختي، والأخ ما يهموش غير سعادة أخته
صمتت ميان ولم تجب، فتابع سفيان بهدوء :
عارف إن قلبك مش صافي ناحيتي، ويمكن عمره ما هيصفى، وده حقك...بس لو في يوم قدرتي تسامحيني، سامحيني...و أنا موجود دايماً كأخ ليكي
أومأت ميان برأسها بصمت فقال أخيراً قبل أن يغادر ويغلق الباب خلفه :
ربنا يسعدكم مع بعض، وإن شاء الله البيبي يوصل بالسلامة وتفرحوا بيه
......
على مقربة منهما كانت جنة جالسة في غرفتها
الأضواء خافتة و الجو هادئ كانت تحتسي كوباً من الشاي وهي شاردة الذهن تحاول الهروب من دوامة الأفكار التي تسيطر عليها منذ أيام
كانت دائماً تشعر بأن هناك شيئاً ناقصاً في حياتهاشيئاً لا تملكه، موجود لدى غيرها و ميان كانت تجسد كل ما كانت هي تحلم به
سألت نفسها بصوت منخفض :
ميان أحلى مني في إيه عشان يكون عندها كل ده !!كان صوت فارس و هو يتحدث عن ميان و عشقه لها يتردد في أذنيها كالصدى حب فارس لميان كان واضحاً في كل نظرة و كل كلمة يقولها عنها شعرت بغصة في قلبها....غصة مليئة بالغيرة والحقد
تتحدث مع نفسها بصوت خفيض مليء بالمرارة :
نفسي في راجل يحبني ربع الحب اللي فارس بيحبه لميان...يحميها ويكون سند ليها !!
دمعة انحدرت على وجنتها مسحتها بسرعة لطالما تمنت شيئاً بسيطاً...زوجاً يحبها ويشعر بها و....
فجأة، توقفت و لمعت فكرة في ذهنها كشرارة نار لماذا لا تحاول أن تكون مكان ميان !!
أليس من الممكن أن يحبها فارس فهي أجمل من ميان ولديها صفات أفضل بكثير !!
تعرف كيف تهتم به أكثر، وتجيد جعله يشعر
باهتمامها، وهي أيضاً أصغر سناً منها أليس من الممكن أن يعجب بها فارس !!
وضعت يدها على بطنها وشعرت بنبض خفيف ، انه جنينها الذي يذكرها فقط بأيام العذاب و الذل التي عاشتها مع والده "هو فارس هيقبل بيا وبابني" سألت نفسها محاولة إقناع نفسها بأن الأمر ممكن
كان عقلها مليئاً بالأفكار المتضاربة، ولكن شيئاً واحداً كان واضحاً أمامها انها احق بفارس من ميان !!
شعرت بروح جديدة تتسلل إلى داخلها، وكأنها وجدت أملاً جديداً...فارس، الحب الذي كانت تتمناه، الحماية التي كانت تبحث عنها
نهضت من مكانها، ونظرت إلى نفسها في المرآة
كانت عيناها تلمعان بتصميم جديد ابتسمت ابتسامة خفيفة، وشعورها بالغيرة تحول إلى تصميم وضعت يديها على بطنها مرة أخرى، وعينيها تلمعان برغبة ماكرة !!!!!!
......
بعدما علمت ميان بما حدث مع فارس وأنه نجا بمساعدة سفيان في اللحظة الحاسمة، لم تستطع السيطرة على دموعها التي انهمرت بغزارة من شدة خوفها وقلقها عليه حينها، احتضنها فارس برفق وربت على شعرها ليهدئ من روعها، مطمئنًا إياها :
أنا كويس يا حبيبتي متخافيش خلاص كل حاجة هتنتهي قريب !!
بعد لحظات هدأت ميان و هي بين ذراعيه بينما كان فارس يداعب شعرها بحنان فجأة، بصوت هاديء سألته :
ينفع دلوقتي أتكلم مع فارس صاحبي، مش جوزي و حبيبي !!!
عدل فارس من جلسته وسرعان ما انتبه لحديثها باهتمام فرفعت وجهها إليه، ما زالت بين أحضانه، و ترددت قبل أن تتحدث خشية أن تغضبه :
حاسة ان غضبي من سفيان مبقاش زي الأول...بحس إن قلبي بدأ يهدى، مسامحتش ، بس في نفس الوقت مش قادرة أشيل كل الكره ده
ثم أكملت وكأنها تخاطب نفسها :
يمكن عشان قلبي اتملى بحبك... والقلب اللي مليان بالحب ميعرفش الكره أبداً.....فاهمني
حرك فارس رأسه مؤكدًا ولكن في داخله، لم يكن مرتاحًا لتلك الكلمات، فقد شعر بالضيق لأنها تحدثت عن سفيان وفكرت فيه
اعتدلت ميان في جلستها، وأحاطت وجهه بيديها بحب ثم قالت معتذرة :
أنا آسفة لو زعلتك بس والله كنت محتاجة أطلع اللي جوايا يا فارس
ابتسم فارس برقة ، وداعب أنفها بأنفه قائلاً :
مقدرش أزعل منك يا سكر
ابتسمت ميان بحب وراحت تطالع عينيه بحب ثم رددت بعد لحظات من الصمت بصوت هادئ مليء بالعاطفة :
أنا معاك دايمًا...قلبي وروحي ملكك
توهجت لحظتهم بالحنان والرومانسية غمرتهما لحظات من السكون الرقيق، و كأن العالم من حولهما قد تلاشى بدأت أنامل فارس تتحرك برفق على شعرها، فيما راحت ميان تتأمل ملامحه بعيونها المليئة بالحب همست له بصوت خافت :
كل لحظة معاك بتخليني أحبك أكتر وأكتر...أنت الأمان اللي كنت بدور عليه طول حياتي
ابتسم فارس وضمها بقوة إلى صدره هامساً بصدق :
وأنتي الحب اللي مفيش زيه.....انا مكنش هيبقى ليا وجود من غيرك
تبادلا النظرات الحميمة لفترة قبل أن يميل فارس نحوها ليطبع قبلة عميقة على شفتيها في تلك اللحظة شعرا بأن كل ما حولهما يتلاشى وأنهما وحدهما في هذا العالم محاطان بشعور لا ينتهي من الحب
استسلمت ميان لدفء حبه تعمقت لحظتهما في الرومانسية و استمرت الليلة بهدوء وسكينة
حيث امتزجت فيها العواطف بالحب، وانتهت بلحظات حميمية ملأت قلبيهما بالراحة والاطمئنان كأنهما قد وجدا الجنة في أحضان بعضهما البعض ♡
......
في المستشفى....بدأت بسمة تتحرك ببطء من غيبوبتها في تلك اللحظة، كانت الممرضة التي تهتم بها تتفقد حالتها بشكل دوري وقد لاحظت حركتها فطلبت الطبيب على وجه السرعة و ما ان دخل الطبيب أجرى الكشف عليها و أعلن انها بدأت تفوق من غيبوبتها
عم الفرح بين الجميع جميلة و أفراد عائلة يزن لكن كان هناك شيء ناقص انه " يزن " الذي كان في الغرفة المجاورة حيث كان فاقدًا للوعي مغمورًا بالمحاليل بسبب سوء تغذيته وعدم اهتمامه بصحته خلال فترة غياب بسمة كان حاله محزنًا و يعكس مدى معاناته....
بعد فترة جلست جميلة بجانب بسمة، تحضنها بشدة بكل شوق، وهي تبكي بحرقة بينما بسمة كانت صامتة كأن عقلها في عالم آخر و فجأة، سألت بصوت حزين ومجروح :
مسألش عليا ولا حتى اطمن مش كده....ما فرقتش معاه !!!!
كانت جميلة في حيرة لا تعرف كيف ترد هل تقول الحقيقة عن حالة يزن أم تصمت !!
لم يكن لديها خيار سوى أن تقول الحقيقة فقصت عليها ما حدث طوال فترة غيابها
شعرت بألم عميق ووجع كبير ، قلبها مليء بالقلق عليه....لكنها ستختار كرامتها و ترحل لن تجبره عليها لقد اكتفت منه و من كل شيء ستغادر و تبدأ من جديد في مكان جديد بعيداً عن الكل !!
....
عندما استفاق يزن من فقدانه للوعي وجد نفسه محاطاً بالأجهزة الطبية والمحاليل التي كانت مرتبطة بجسده....حاول أن يجمع شتات عقله المتعب و سأل بصوت ضعيف عن بسمة !!
لم يتلقى اي رد بعد وقت كان يعتدل بجلسته يريد الذهاب إليها فردت عليه والدته بصوت هادئ لكن مع لمسة من الحزن :
بسمة سابت المستشفى...هي و جميلة مشوا من غير ما حد يحس و محدش يعرف عنهم حاجة !!
تجمدت الكلمات في أذن يزن و أصابته صدمة شديدة....بدا وكأن العالم حوله توقف للحظة في قلبه تراكمت مشاعر الندم والخسارة خسر بسمة الآن، كما خسر همس من قبل !!
عينيه امتلأت بالدموع و هو يشعر بالوحدة والألم مُدركًا أنه قد فقد شخصين مهمين في حياته بسبب عدم قدرته على التعامل مع مشاعر
.......
استفاق فارس في الصباح الباكر يتأمل ميان و هي غافية بين ذراعيه بنظرات مليئة بالعشق والافتتان ظلت عيناه تطوفان على ملامحها الهادئة لفترة طويلة و كأنه يريد أن يختزن هذا المشهد في ذاكرته للأبد
بصعوبة تحرك و ترك السرير بحذر حتى لا يوقظها اتجه إلى المطبخ ليُعد الإفطار مدركًا أن الحمل في بدايته يكون متعبًا عليها كما أن الخادمة أخذت إجازة لعدة أيام
بينما كان فارس يجهز الإفطار دخلت جنة إلى المطبخ تملؤها علامات الاستفهام والدهشة قائلة بصوت لا يخلو من الصدمة :
دكتور فارس حضرتك بتعمل الفطار بنفسك كنت تقولي وانا حضرته ليك بنفسي بدل ما تتعب نفسك
رفع فارس نظره نحوها للحظة ثم عاد لما يفعل قائلاً بهدوء وهو يقلي البيض :
مفيش تعب أنا متعود على كده من زمان ، روحي انتي اقعدي وخمس دقائق والفطار هيكون جاهز تكون ميان كمان صحيت
جلست جنة على الكرسي الموجود في المطبخ بغيظ عند ذكر ميان و سألته بمكر ظناً منه انه سيشعر بالضيق من ميان :
ميان مش بتعرف تطبخ...أنا بصراحة من ساعة ما دخلت البيت ما شفتهاش في المطبخ
ابتسم فارس ورد عليها :
بتعرف حاجات وحاجات
شعرت جنة بالدهشة من رد فعله الهادئ وسألته :
ده مش بيضايقك
ردد فارس و هو يعد الطعام و ابتسامته لم تفارقه قائلاً بصدق :
أتضايق لو أنا رحت اتجوزت واحدة عشان تكون خدامة ليا...إنما أنا اتجوزت اللي بحبها، خدتها ملكة من بيت أبوها، وواجب عليا إنها تفضل ملكة في بيتي.... الطبخ و شغل البيت مش بيقلل من الست عارف بس الحمد لله أنا قادر أخليها ما تعملش أي حاجة وظروفي كويسة يبقى ليه أتعبها هي من نفسها بتحاول وبتتعلم على قد ما تقدر لأنها حابة كده....لكن لو مش حابة، دي حاجة ترجع ليها
ثم سرح بنظره وكأنه يتحدث إلى نفسه ، بنبرة مليئة بالعشق والحنين، ناسيًا وجود جنة في المطبخ : اصلاً كفاية وجودها جنبي
شعرت جنة بغيرة شديدة وحقد كبير تجاه ميان، وقررت أن تلفت انتباه فارس إليها وتقترب منه بأي وسيلة. وقفت فجأة، وتمثلت التعب، متأوهة بصوت منخفض وكأنها على وشك الإغماء
انتفض فارس من مكانه بسرعة، اقترب منها وأمسك ذراعها بحذر قبل أن تسقط، وفي لحظة خاطفة ألقت بنفسها في حضنه وكأن الأمر حادثة غير مقصودة
كان فارس على وشك إبعادها بغضب، لكن قبل أن يفعل ذلك، دخلت ميان فجأة ورأت المشهد
توقفت مكانها، وعيناها اللتان كانت تطلقان نظرات مليئة بالحب والحنان عندما استيقظت وهي تتذكر ليلة أمس الرومانسية، تحولت الآن إلى نظرات مشتعلة بالغيرة والغضب
صاحت بغضب وغيرة واضحة :
فارس!!
ابتعد فارس بسرعة وهو لا يزال ممسكًا بيد جنة لمنعها من السقوط، وهو بالكاد يستطيع الوقوف بسبب آلام ساقه نادى على ميان محاولًا تهدئتها :
ميان، تعالي ساعديني...جنة دايخة
رفعت ميان حاجبها في شك واضح، وهي تنظر إلى جنة التي كان من الواضح عليها أنها تمثل
ربما لم تكن ميان لتلاحظ التمثيل لولا أن سفيان سبق وأن نبهها
اقتربت ميان من فارس ثم دفعته برفق بعيدًا و هي تقرصه في يده التي كان يمسك بها جنة و قالت ببرود يخفي خلفه غضب كبير :
سيبني أنا أساعدها
سندت ميان جنة حتى وصلت بها إلى غرفتها، وألقتها بحذر على الفراش ثم وقفت بجانبها تنظر إليها بنظرات مملوءة بالمعاني الخفية و قالت بلهجة ساخرة ومغزى واضح :
ألف سلامة عليكي يا حبيبتي ارتاحي...خدي بالك بقى و ابقى سلي نفسك واتفرجي على شادية تمثيلها أحسن بكتير ركزي مع حركاتها...زي ما أنا بركز مع غيري !!!!!!!
......
خرجت ميان من غرفة جنة وهي غاضبة بشدة، عيناها تلمعان بالغيرة والغضب اندفعت نحو المطبخ حيث كان فارس، وبدون تفكير رفعت سكينًا في وجهه وصرخت بغضب حارق :
عارف يا فارس لو لمستها بإيدك دي تاني، أو كلمتها، أو حتى وجهت لها نظرة، أنا هقطعك حتت بالسكينة دي، ومحدش هيعرفلك طريق
نظر فارس إليها محاولًا تهدئتها، وبدأت ابتسامة خفيفة تتسرب إلى وجهه، يحاول كتم ضحكته بصعوبة :
اهدي يا حبيبتي مالك ، تقمصتي دور المرأة والسطور كده ليه !!
لكن ميان جزت على أسنانها بغضب و قالت :
اسكت يا فارس متعصبنيش أكتر ،جرب واعملها ، وأنا والله لأدبحك ها !!
في تلك اللحظةاقترب فارس منها بلطف ممسكًا يديها بحذر ثم أخفض السكين قائلاً بصوت خفيض محب لها و لكل ما فيها :
وأهون عليكي
ترددت ميان للحظة، وضعفت أمام صدق مشاعره، نظرت إليه بعينيها المليئتين بالعاطفة وقالت بصوت هادئ وصادق :
عمرك ما تهون عليا أبدًا يا فارس
ابتسم فارس بسعادة غامرة، وامتلئت عيناه حبًا و امتنانًا اقترب منها أكثر، وطبع قبلة دافئة على جبينها ممتنًا لوجودها في حياته
......
بعد وقت كان فارس وميان ومعهما جنة جالسون على الطاولة يتناولون الطعام بصمت قطعته جنة بابتسامة لفارس قائلة :
فارس... قصدي الدكتور فارس حضرلنا الفطار بنفسه، بجد لذيذ جدًا ، انتي مش ناوية تتعلمي الطبخ اكتر يا ميان !!!
رفعت ميان عينيها ببرود زائف ثم ردت بنبرة هادئة لكن مغزاها واضح :
احنا متعودين على كده، مرة هو ومرة أنا، ميفرقش ربنا يبعد عننا العين بس
جنة حاولت تدير دفة الحوار مرة ثانية و عينيها على فارس قائلة بمكر لتوضح لفارس ان ميان لا تصلح او تجيد مهام الزوجة :
نصيحة مني يا ميان، الراجل بيحب الست تكون شاطرة في كل حاجة، خصوصًا في الطبخ ده شيء مهم جدًا."
ميان نظرت لها بابتسامة زائفة كأنها مستعدة تمامًا للرد ثم قالت بنبرة ذات مغزى :
أكيد، بس تعرفي ، فارس بيحب حاجات تانية بردو زي إن الست تكون واثقة في نفسها و ما تحاولش تثبت نفسها على حساب حد تاني
نظرت إليها جنة بغيظ قائلة :
ماشي، بس مهما كان الأكل والطبيخ جزء مهم دي حاجة كل راجل يحب يشوفها في مراته
مالت ميان للأمام قليلاً و نظرتها كانت ثاقبة و هي تقول بهدوء :
اكيد لكن الأهم اننا بنعمل كل حاجة مع بعض ، من غير ما حد يحس إنه محتاج يثبت أي حاجة للتاني الراحة في العلاقة أهم من مين بيعرف يطبخ
صمتت جنة بغيظ و لم تجد رد بينما فارس ابتسم بصمت و هو مستمتع بالحوار بينهما
تراجعت ميان للخلف و هي ترتشف من كوب العصير الخاص بها غير مبالية الأخرى بالنسبة لها الحوار انتهى !!
........
اخذ فارس اليوم بأكمله اجازة
كانت ميان جالسة في الصالة بجانب فارس مستمتعة بالمشاهدة كان فارس كل فترة وأخرى كان يمسك يدها بلطف ويطبع قبلة على كفها ثم يضع يده على بطنها برقة، كأنه يريد أن يخبر طفلهما المنتظر بأنه هنا و يحبه
بينما كان الجو هادئاً ورومانسياً تسللت جنة من خلفهما ترتدي بيجامة مريحة بدون حجاب شعرها القصير الناعم يتمايل بلطف بالكاد يصل إلى عنقها التفتت ميان بسرعة عندما شعرت بخطوات جنة
بينما كان فارس لا يزال مشغولاً بالفيلم تحدثت ميان بنبرة حادة خرجت منها دون إرادة بسبب الغيرة التي شعرت بها عندما رأت جنة و هيئتها و أن فارس من الممكن ن يراها بهذا الشكل :
جنة نسيتي طرحتك ولا إيه ، فارس هنا !!
اقتربت جنة منهما بجرأة و عيناها تلمعان بتحدي ثم قالت بصوت هادئ متعمدة أن يظهر فيه لمسة أنثوية جذابة :
عارفة ،أنا أصلاً لبست الحجاب غصب مكنتش محجبة....ابو عدنان هو اللي فرضه عليا ، وحالياً هو مش موجود ومفيش حاجة تغصبني عليه فليه ألبسه
شعرت ميان بالغضب بينما فارس بدوره بدا محرجًا لم يكن يعرف كيف يرد أو يتصرف في هذا الوضع الحساس
الجو امتلأ بالتوتر و حاولت ميان كتم مشاعرها بصعوبة لكنها أدركت أن الوضع لم يعد يحتمل الصمت
دخل فارس غرفته بهدوء غير مبالٍ بنظرات جنة الغاضبة والمليئة بالغيظ لأنه لم ينظر إليها و لو للحظة حتى !!
لاحظت ميان مدى استياء جنة من تجاهل فارس لها
رمت كوبًا زجاجيًا على الأرض بقوة مما أحدث صوتًا مدويًا !!!
ارتعبت جنة من صوت التحطم قائلة بفزع :
مش تخلي بالك يا ميان !!
رددت ميان بهدوء لم يريح الأخرى :
تعرفي يا جنة، لما كنت صغيرة كان عندي كلبه !!
نظرت إليها بدهشة لحديثها الذي ليس بمحله لكنها لم تقاطعها فتابعت ميان حديثها الذي كان يحمل بين طيات الكثير
كانت كلبه صغيرة لقيتها في الشارع ، خدتها، نظفتها، واعتبرتها صاحبتي واختي
صمتت لثواني ثم تابعت فجأة ميان بنبرة حادة :
كانت طماعة ، تخيلي كانت عاوزة تسرق حب بابا مني و كانت تعمل كل حاجة عشان تلفت نظره و تخليها يحبها هي و يبعدني انا عنه
كانت جنة تستمع لها بصمت فتابعت ميان بهدوء يسيق العاصفة :
عارفة لما لاحظت كده عملت إيه !!
مجددًا لم ترد فوقفت ميان فجأة أمام جنة قائلة بشراسة اخافت الأخرى :
مسكتها و فتحت الشباك و رميتها و ماتت ، لأنها كانت طماعة و فكرت تاخد حاجة مش بتاعتها و بدل ما تحمد ربنا بقى انها لقت اللي يفتحلها بيته طمعت اكتر
ثم نظرت إلى جنة بتحدي و أضافت قائلة :
دي كانت كلبة ما بالك لو انسان ، اكله بسناني ، انا بدعي علطول ان اللي قدامي ميغلطش عشان ميشوفش قلبتي لان لو شافها ربنا يعنيه ع اللي جاي
شعرت جنة بعدم الارتياح و الربية من الكلمات القوية التي خرجت من ميان التي تجاهلتها و غادرت بثقة غير مبالية بتأثير كلامها على الأخرى !!!!!
.....
دخلت ميان على فارس الغرفة و علامات الغضب والغيرة بادية عليها قائلة بعصبية :
شوف بقى يا فارس ، اللي اسمه عدنان ده دخل السجن خلاص...انا مش مجبورة أستحمل وجود اللي اسمها جنة دي في بيتي !!!
نظر إليها بجدية قائلاً بهدوء :
انا اتسرعت و غلطت لما جبتها هنا ، فعلاً قعدتها طولت وما يصحش وجودها معانا...انا طلبت من بابا يشوف لها شغل في الأوتيل عنده مع سكن طبعا اهو يكون بعيد عن أبو عدنان وأبوها....بابا هيرد عليا بكره الصبح و لو كده هسفرها ليه في اقرب وقت
صمتت للحظة، فسألها فارس بفضول :
ليه قلبتي عليها وعايزاها تمشي !!
جلست ميان بغضب ثم قالت :
لأنها مش كويسة، ونظراتها مش مريحة ، بحس ان عينيها على كل حاجة عندي يا فارس، بس كنت بكذب نفسي ، لكن النهارده اتأكدت....بتتكلم وكأني حياتي ملكها البنت دي مش كويسة ، و عينيها مليانة حقد ، ده غير ان البجحة عينيها منك انت !!
اومأ لها بصمت قائلاً باعتذار :
حقك عليا الغلط عندي من الأول ، اوعدك سيبسني يومين بس و انا هتصرف
اومأت له قائلة بهدوء :
متعتذرش يا فارس انت مغلطش انت كان قصدك خير بس هي اللي مقدرتش ده و طمعت في اللي مش ليها ، انا كمان شاركت معاك في القرار ده لما صعبت عليا و وافقت !!!
صمت الاثنان غافلين عن جنة التي انسحبت من امام باب غرفتهم بعد أن سمعت حديث فارس وميان لم تفهم تفاصيل الحديث بوضوح سوى أنهم قرروا ابعادها و انها اصبحت مكشوفة امامهما
فكرت طويلاً حتى توصلت إلى حل يمكن ان يخرجها من الموقف و يطيل مدة بقائها دخلت إلى غرفتها
حتى مضى بعض الوقت ما يقارب النصف ساعة ارتفع فجأة صوت صراخها في أرجاء المنزل فهرع فارس و ميان نحو مصدر الصوت و.صدموا عندما وجدوا جنة ساقطة على الأرض في غرفتها و تنزف دماً....فزع فارس، وبدون تفكير حملها بسرعة و تبعته ميان ركضا معاً إلى المستشفى
بعد دقائق وصلوا إلى المستشفى نُقلت جنة على الفور إلى غرفة العمليات بعد الفحص السريع و قفت ميان بجانب فارس امام غرفة العلميات
نست كل شيء و شعرت بالآسف تجاهها عندما تذكرت كيف دخلت لتلك الغرفة من عام و اكثر و كيف خرجت منها !!!!
بعد وقت خرج الطبيب من غرفة العمليات و على وجهه ملامح التعب والحزن اقترب منهم ثم قال بصوت هادئ، لكن مثقل بالأسف :
النزيف كان شديد، وحاولنا بكل الطرق نوقفه، لكن للأسف مقدرناش ننقذ الجنين ، المريضة الحمد لله حالتها مستقرة هننقلها أوضة دلوقتي و تقدروا تطمنوا عليها
وقفت ميان في مكانها مذهولة وكأن الدنيا توقفت للحظة....صمتت الكلمات في حلقها بينما غامت عينيها بالدموع التي لم تتمكن من النزول فورًا رفعت رأسها إلى السماء و دعت لها بالصبر كذلك فعل فارس
لا يعلم كلاهما كيف سيخبروها بما حدث !!
......
دخل سفيان بيت أماليا بخطوات مترددة و كأنه يشعر بثقل كل خطوة ، كان يدرك أن المهمة التي جاء من أجلها لن تكون سهلة
استقبلته أم أماليا بوجه جامد و بجانبها وقف علي أخو أماليا الكبير الذي سبق وأخبرته والدته عن طلب سفيان ليد شقيقته و عن ضرورة وجوده أثناء هذا اللقاء لعدم وجود والده في الوقت الحالي
ما ان قام علي ليرد على مكالمة عمل مهمة حتى بادر سفيان بالحديث بدون مقدمات :
انتي اكتر واحدة عارفة إني اتغيرت....واني مبقتش نفس الشخص اللي كان في الماضي ، ليه رافضة !!
نظرت إليه والدة أماليا بنظرة حادة مليئة بالازدراء ثم قالت بصوت غاضب مرتفع :
عشان دي بنتي ، تستاهل راجل أحسن منك مليون مرة ، ناقصها إيه عشان تتجوز واحد متكونش هي أول فرحته ، وتاخد واحد زيك كان متجوز قبلها بدل الوحدة اتنين وحكاياته معاهم مشرفة
صمتت للحظة ثم أضافت بغضب متصاعد :
انت اصلاً بتستهبل ولا إيه حكايتك ، فاكر عشان عالجتك هسلمك بنتي و ارضى بيك زوج ليها !!
رد سفيان بصعوبة متحسسًا كل كلمة :
أنا شاري بنتك و.....
صرخت عليه بغضبٍ أكبر وعيونها تلمع من شدة الانفعال ، بينما أماليا كانت واقفة مزهولة من حدة حديث والدتها
دخل علي من الشرفة على صوت الصراخ العالي وتابع الحوار بعينين متسعتين يحاول أن يستوعب ما يجري
صاحت أم أماليا بصوتٍ قاسٍ موجهة كلماتها نحو سفيان :
وأنا معنديش بنات ليك يا سفيان ، مش مستغنية عن بنتي عشان ترجعهالي بملاية تحت رجلي أنا وأبوها وأخواتها مطلقة ، روح شوفلك حد غيرها بنتي أغلى وأشرف من إنك تلمسها حتى بنظرة
سكتت الغرفة فجأة و كأن الهواء قد تجمد من شدة التوتر !!
وقف سفيان بلا حراك عيناه تعكسان مشاعر من الانكسار والألم كان يعرف أن الطريق للارتباط بأماليا محفوف بالعقبات، لكن لم يتوقع أن يكون بهذه القسوة !!!
الجو في الغرفة كان مشحوناً بالتوتر نظرت أماليا إلى والدتها بحيرة ، بينما كانت الكلمات تتطاير في الهواء بين سفيان ووالدتها كسهام حادة
حاولت أماليا أن تتماسك لكن قلبها كان يخفق بشدة من فرط الصدمة لم تستطع تصديق ما تسمعه فلم تكن قد تخيلت في يوم من الأيام أن الرجل الذي أحبته يمكن أن يكون له ماضٍ بهذه البشاعة !!
قالت أماليا بصوتٍ مرتجف، متمنية أن ما سمعته ليس حقيقيًا :
ماما ايه اللي بتقوليه ده ، ملاية ايه....ااا...ااا...
رددت والدتها و هي تنظر أليه بنبرة أكثر قسوة :
لو فاكرة نفسك التانية في حياته تبقي غلطانة ، قبلك كان على ذمته اتنين، وفي وقت واحد كمان هو مش بالبراءة اللي أنتي شايفاها دي ، ده أذى كتير و عمل بلاوي، لو سمعتيها هتفكري مليون مرة قبل ما تربطي اسمك مع اسمه !!
صمتت قليلاً ثم أشارت إلى سفيان قائلة بحدة :
قولها ماضيك المشرف، قولها عملت إيه في ميان و ازاي دمرت حياتها ولولا فارس وقف جنبها وخلاها تقف على رجليها من تاني، كانت ضاعت
ثم تابعت باحتقار :
قولها ازاي قتلت ابنك بإيدك ، احكي يلا ولا أقول أنا عمايلك !!!!
كانت أماليا في حالة من الذهول والصدمة لم تستطع التحدث حاولت تجميع كلماتها لكن صوتها اختنق في حلقها كل ما استطاعت قوله لسفيان بصوت مهزوز غير مصدقة ما تسمعه :
الكلام ده صح ، انت ساكت ليه ، ما تتكلم !!!
صمت سفيان و عيناه موجهتان إلى الأرض لم يكن لديه أي دفاع يقدمه ، صمته كان اعترافًا بكل ما قالت والدتها التي تابعت بغضب :
ضربها واعتدى عليها زي الحيوانات، ورماها تحت رجلين أبوها يعتبر من غير هدوم وقدام الكل عمل كل ده وهو عارف إنها حامل ، اتهمها في شرفها وكان بيشك فيها، مخلاش مكان مفضحهاش فيه، وهي المفروض قريبته يعني مرعاش إنها لحمه ودمه انتي مش هتكوني أغلى منها في يوم من الأيام
ثم تابعت بقسوة غير عابئة بشيء كل ما يهمها ان تخرجه من قلب ابنتها و تجعلها تكره نهائياً :
ده غير ماضي الست الوالدة المشرف وعمايلها كله على بعضه مينفعكيش يا أماليا هو مش شبهك انتي تستاهلي الأحسن يا بنتي ، هتظلمي نفسك معاه
حاول سفيان ان يتحدث لكن الكلمات لا تخرج من بين شفتيه وقفت أماليا بصعوبة أمامه قدماها تهتزان كأنهما لا تقويان على حملها نظرت إليه بعينين تملؤهما الحيرة والرجاء كأنها تتوسل إليه أن ينفي ما سمعته للتو صوتها خرج مهزوزًا وهي تقول :
أنت عملت كده فعلاً ، دافع عن نفسك ، قول إن ده محصلش و هي بتقول كده عشان تخليني ارفض !!
لكن سفيان ظل صامتًا عيونه مثبتة على الأرض لم يستطع أن يرفع نظره ليواجهها كان شعور الخزي يثقل على صدره ، كأن جبالاً قد أطبقت عليه
صمته كان أبلغ من أي كلام و مع هذا الصمت تأكدت أماليا من أن كل كلمة قالتها والدتها كانت حقيقة !!
كانت صدمة أكبر من أن تستطيع استيعابها الرجل الذي أحبته لم يكن فقط قاسيًا بل وحشيًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى
تراجعت خطوة للخلف وضعت يدها على صدرها كأنها تحاول أن تمنع قلبها من الانفجار :
غلطت لما قلت إن الماضي ميفرقش معايا
همست لنفسها كأنها تحاول إقناع نفسها بما سمعته كيف ستعيش مع رجل ارتكب كل هذه الفظائع !!
كيف ستؤمن على نفسها معه بعدما عرفت حقيقته
التفتت ببطء لتنظر إلى والدتها والدموع تملأ عينيها كانت نظراتها مليئة بالحزن والألم
ثم نقلت نظرها إلى شقيقها علي الذي كان يقف متجمدًا في مكانه محاولاً استيعاب الموقف
كان يستطيع أن يشعر بوجع شقيقته
اختنقت أماليا بالكلمات وأحست وكأن الحروف تختنق في حلقها.عاجزة عن الخروج
لم تكن بحاجة إلى كلمات الآن فقد كانت عيونها بدموعها الصامتة تقول كل شيء ، كانت تعلم انها لن تستطيع الاستمرار في هذا الوضع وان عليها ان تتخذ قرارًا !!
في تلك اللحظة أدركت أماليا أن الحب ليس كافيًا ليبرر البقاء مع رجل بلا رحمة
رجل لا يستحق حتى أن يُمنح فرصة لتبرير أفعاله كان قرارها واضحًا حتى لو كان صعبًا كان عليها أن تحمي نفسها وتبعد عن هذا الجحيم، مهما كلفها الأمر
رددت بصعوبة قبل ان تذهب لغرفتها :
انا مش عاوزاه يا ماما !!!
تبع علي شقيقته لكنه توقف عند الباب بعدما سمع صوت المفتاح ، كانت تحتاج للبقاء وحدها لحظة للتفكير و التصالح مع مشاعرها
وما إن أصبحت بمفردها حتى انهارت في بكاء مرير أخيرًا اعترفت لنفسها بالحقيقة التي ظلت تنكرها
ليس اعجاب ما تشعر به نحوه كان حباً صادقاً
كيف ستعيش الآن مع تلك الحقيقة و ذلك الألم يا ليتها لم تراه
.......
وقف سفيان خارج الغرفة، يشعر بألم عميق كأن وجعه يتضاعف مع وجعها كان يتوقع رد فعلها هذا لكنه كان يأمل أن تمنحه فرصة ، ان تصدق بأنه تغير كان يتمنى لو أنها لم تعرف شيئًا عن ماضيه على الإطلاق !!
التفت إلى والدتها التي كانت تقف خلفه عيناه مملوءتان باللوم والعتاب كيف يمكنها أن تكشف كل ما بينهما بهذا الشكل كأنها عرته أمام الجميع ألم تكن تعرف أن كل كلمة بينهما يجب أن تبقى سرًا
سألها بحزن وألم :
عملتي كده ليه؟ انتي دكتورة وعارفة إن كل كلمة بتتقال بينا سر ، مفيش حاجة تطلع برا ، نا مغلطش حسيت بمشاعر ناحيتها وبدل ما الف وادور جيتلك طلبت إيدها منك
همّت والدتها بالكلام لكنه قاطعها و صوته مليء بالوجع :
فضلتي تقوليلي طول الوقت ، انت مش وحش يا سفيان ، كنت ضحية الظروف ووالدتك هي السبب
اللي عملته أثر عليك...كنتي دايمًا تقوليلي إني مش وحش واني بتحسن، وشايفة التحسن والتغير عليا لكن أول ما جيت أطلب إيد بنتك نسيتي كل اللي قولتيه وعايرتيني بالماضي وياريته بيني وبينك بس !!
صمت قليلًا ثم تابع بحزن و حدة :
بدل ما تفضلي تقولي شعارات درستيها يا دكتورة اتعلمي الأول تطبقيها في الواقع
ردت عليه والدتها بحزم و برود :
أنا أم وبنتي عندي أهم منك ومن أي حد سواء كنت بعالجك أو لا ، عرفت ماضيك أو معرفتوش ، أنت مش الشخص اللي أتمناه لبنتي ولا أتمنى إنها تكمل حياتها معاك
نظرات سفيان كانت مشحونة بالوجع والخسارة لم يكن يتوقع هذا الرد القاسي من امرأة ظلت تدعمه طوال الوقت حتى تحول الماضي إلى سيف مسلط على رقبته !!
.......
عندما أخبروا جنة انها فقدت ابنها انهارت في نوبة بكاء مريرة و كأن قلبها تحطم إلى آلاف القطع حاولت ميان تهدئتها مدركة الألم الذي تمر به فقد عاشت هذا الوجع من قبل لكن كلماتها لم تكن كافية ميان كانت تشعر بكل دمعة تنزل من عيني جنة كأنها تعيد تجربة فقدانها الخاصة مرة أخرى !!
مرت الأيام ببطء في المستشفى يومان من الحزن و الوجع، لم يفارق جنة الإحساس بالفقد للحظة رغم كل محاولات ميان وفارس لمواساتها بقي الألم عالقًا في صدرها ثقيلًا وكأنه لن يزول أبدًا !!!!!!
في اليوم الثالث قررت جنة مغادرة المستشفى وجهها شاحب، ونظراتها تائهة عادت إلى بيت فارس ما ان أصبحت في الغرفة بمفردها نقلت بصرها بين الأرض و الفراش وتحولت نظرات الحزن بعيناها لنظرات اخرى كلها انتصار لأنها حققت مرادها !!!!!
......
كان فارس يجلس في غرفة مكتبه مستغرقًا في عمله ليُفاجأ بصوت الباب يُفتح دون استئذان
رفع رأسه بسرعة ليرى سفيان يدخل بخطى ثقيلة، دون أن يلتفت إلى فارس متجهًا نحو الأريكة
جلس عليها، ثم ارتمى إلى الوراء، واضعًا رأسه بين يديه في صمت
سأل فارس بضيق وحنق واضحين :
إيه اللي جابك !!
أطلق سفيان تنهيدة طويلة، وكأنها تحمل أوزانًا ثقيلة من الألم لكنه لم ينطق بكلمة كان فارس على وشك أن يطلق سيلاً من الكلمات الحادة
لكنه فجأة توقف عندما رأى الحزن مرسومًا بوضوح على وجه سفيان والتعب يطغى على ملامحه
رغم كل ما يكنه فارس من مشاعر كره تجاهه شعر ببعض الشفقة تتسلل إلى قلبه و بدلاً من الصراخ في وجهه حاول كبح غضبه بسؤال خرج منه و كأنه مرغم على النطق به :
إيه اللي حصل !!
رفع سفيان رأسه ببطء و عيناه تكادان تشعان بالألم والندم وقال بصوت خافت مملوء بالوجع :
أنا لحد إمتى هفضل أتحاسب على اللي عملته !! غلطت عارف إني غلطت لكن ندمت وتوبت ومين فينا مش بيغلط !!
نظر فارس إليه ثم رد عليه بحدة :
غلط عن غلط يفرق، بلاش أفكرك إنت عملت إيه... خلينا ساكتين أحسن
تنهد سفيان بتثاقل و كأنه يحمل ثقل الدنيا على كتفيه، واستطرد :
مبقتش طايقة تبص في وشي لما عرفت الماضي بتاعي حسيت إني اتعريت قدامها ، مكنتش قادر أرفع عيني في عينها قلبي وجعني على وجعها مديلها كل الحق في ردة فعلها بس كنت أتمنى لو فضلت جنبي وصدقت إني اتغيرت !!
سكت قليلًا فسأله فارس كأنما يسأله عن رأي دفين :
بتحبها !!!
تنهد سفيان و رد عليه بحيرة و تعب :
والله مش عارف إذا كان حب ولا احتياج ، بس حاسس بوحدة من غيرها ، حاسس إن يومي مفيش فيه أي روح
انحنى فارس إلى الأمام وسأله بحذر :
إيه اللي حصل بالظبط !!
أخذ سفيان نفسًا عميقًا و قص عليه كل ما حدث فرد عليه فارس بجدية :
هتظلمها معاك لو مش متأكد من مشاعرك ، بلاش تاخد الخطوة دي
هز سفيان رأسه نافيًا :
أنا مقولتش جواز فترة خطوبة أيًا كانت المدة اللي تحددها لو كل واحد ارتاح للتاني واتأكد من مشاعره نتجوز !!
نظر إلى الأرض بنظرة خالية كأنه يحدث نفسه :
بس عارف ، برجع أقول لنفسي إيه الهبل ده دي تستاهل الأحسن مني
سكت لبرهة ثم همس :
أي بنت في الدنيا تستاهل الأحسن مني...أي واحدة هترضى تحط اسمها جنب اسمي رغم الماضي ده... تبقى مجنونة !!
رفع رأسه قائلاً بتوسل لفارس بعد لحظات من الصمت :
كلم والدتها قولها إني عاوز أشوف أماليا....قولها إني موافق على أي شروط تقولها....قولها إني محتاج بنتها... قولها والله إني اتغيرت !!
قبل أن يستطيع فارس الرد اقتحمت ميان الغرفة دون أن تطرق الباب كعادتها !!
رفعت عينيها في دهشة وقد صدمتها رؤية سفيان جالسًا والدموع في عينيه لم تستطع تصديق ما تراه كيف يمكن لمكان واحد أن يجمع بين فارس و سفيان !!!!!
.......
عاد كارم إلى المنزل بعد يوم طويل من العمل تعب و إرهاق يغمران جسده و مع ذلك تحول كل ذلك الشعور بمجرد أن رأى مشهدًا أمامه في حديقة الفيلا همس بابتسامة مشرقة تدفع كرسي والدته بحماس و
تضحك معها بكل سعادة
كانت تلك اللحظات مليئة بالدفء و السعادة، فلم يشأ كارم أن يقطعها بل اكتفى بالمراقبة عن بعد
صعد إلى غرفته بهدوء وأخذ حمامًا سريعًا ليزيل تعب اليوم ثم ألقى بنفسه على السرير و ما إن وضع رأسه على الوسادة حتى غلبه النوم سريعًا
بعد نصف ساعة دخلت همس الغرفة و هي تتنفس بصعوبة من الركض وما إن رأت كارم نائمًا حتى ارتسمت على وجهها ابتسامة عاشقة
اقتربت منه ببطء تتأمل ملامحه التي حفظتها في قلبها قبل عقلها و بجراءة غير معهودة منها انحنت لتطبع قبلات خفيفة على كل تفاصيل وجهه
شعر كارم بلمستها واستيقظ لكنه تظاهر بالنوم فضوليًا ليعرف ما ستفعله ، نبض قلبه تسارع مع كل لمسة، ومع كل قبلة لم يستطع التحمل أكثر من ذلك فمد يده في شعرها وجذبها نحوه اكثر
ابتعد بعد قليل و نظر إلى عينيها المليئتين بالحب والشوق وقبل أن يتمكن من قول أي شيء
فاجأته همس مرة أخرى بجراءتها حين همست له قائلة بحب "وحشتني"
كانت تلك الكلمة تحمل الكثير من المشاعر العميقة و صداها في قلبه أكبر من أي كلام قد يقال
ثم....وكأن كل الحواجز بينهما تلاشت تحولت الغرفة في لحظة إلى ساحة مشتعلة بالعواطف
كل واحد منهما كان يسعى أن يظهر حبه للآخر.دون كلمات، فقط العشق هو من يتحدث في تلك اللحظات...كل لمسة، كل نظرة ، كانت معركة صغيرة في حرب الحب التي تجلت بينهما
لكن فجأة !!!
في خضم هذا الجنون توقف كل شيء....ابتعد كارم بعدما شعر بشيء غريب !!!
ابتعد قليلًا نظراته تحولت من الحب إلى القلق حين رأى همس تتألم ، لاحظ أن ملامح وجهها تغيرت و ان كل شيء ليس على ما يرام
سألها كارم بصوت مليء بالقلق :
همس إنتي كويسة !! إيه اللي حصل
أمسكت بطنها برفق وهي تشعر بألم مفاجئ همس بصوت ضعيف :
مش عارفة يا كارم....انا تعبانة اوي
تجمد كارم في مكانه للحظة ثم انتابه الفزع لم يحتمل رؤية التعب والألم في وجهها
فردد بصوت مفزوع :
لازم نروح المستشفى حالًا بسرعة
قفز من السرير و ارتدى ملابسه على عجل أخذ نفسًا عميقًا محاولًا أن يظل هادئًا ثم ساعدها على ارتداء ملابسها
حملها بين ذراعيه برفق ولكن بحزم و كأنها أغلى ما يملك في العالم و ركض بها إلى السيارة دون أن يفكر مرتين في تلك اللحظات كان كل ما يشغل تفكيره هو سلامتها فقط !!!!!
........
عاد كارم إلى المنزل بعد يوم طويل من العمل تعب و إرهاق يغمران جسده و مع ذلك تحول كل ذلك الشعور بمجرد أن رأى مشهدًا أمامه في حديقة الفيلا همس بابتسامة مشرقة تدفع كرسي والدته بحماس و
تضحك معها بكل سعادة
كانت تلك اللحظات مليئة بالدفء و السعادة، فلم يشأ كارم أن يقطعها بل اكتفى بالمراقبة عن بعد
صعد إلى غرفته بهدوء وأخذ حمامًا سريعًا ليزيل تعب اليوم ثم ألقى بنفسه على السرير و ما إن وضع رأسه على الوسادة حتى غلبه النوم سريعًا
بعد نصف ساعة دخلت همس الغرفة و هي تتنفس بصعوبة من الركض وما إن رأت كارم نائمًا حتى ارتسمت على وجهها ابتسامة عاشقة
اقتربت منه ببطء تتأمل ملامحه التي حفظتها في قلبها قبل عقلها و بجراءة غير معهودة منها انحنت لتطبع قبلات خفيفة على كل تفاصيل وجهه
شعر كارم بلمستها واستيقظ لكنه تظاهر بالنوم فضوليًا ليعرف ما ستفعله ، نبض قلبه تسارع مع كل لمسة، ومع كل قبلة لم يستطع التحمل أكثر من ذلك فمد يده في شعرها وجذبها نحوه اكثر
ابتعد بعد قليل و نظر إلى عينيها المليئتين بالحب والشوق وقبل أن يتمكن من قول أي شيء
فاجأته همس مرة أخرى بجراءتها حين همست له قائلة بحب "وحشتني"
كانت تلك الكلمة تحمل الكثير من المشاعر العميقة و صداها في قلبه أكبر من أي كلام قد يقال
ثم....وكأن كل الحواجز بينهما تلاشت تحولت الغرفة في لحظة إلى ساحة مشتعلة بالعواطف
كل واحد منهما كان يسعى أن يظهر حبه للآخر.دون كلمات، فقط العشق هو من يتحدث في تلك اللحظات...كل لمسة، كل نظرة ، كانت معركة صغيرة في حرب الحب التي تجلت بينهما
لكن فجأة !!!
في خضم هذا الجنون توقف كل شيء....ابتعد كارم بعدما شعر بشيء غريب !!!
ابتعد قليلًا نظراته تحولت من الحب إلى القلق حين رأى همس تتألم ، لاحظ أن ملامح وجهها تغيرت و ان كل شيء ليس على ما يرام
سألها كارم بصوت مليء بالقلق :
همس إنتي كويسة !! إيه اللي حصل
أمسكت بطنها برفق وهي تشعر بألم مفاجئ همس بصوت ضعيف :
مش عارفة يا كارم....انا تعبانة اوي
تجمد كارم في مكانه للحظة ثم انتابه الفزع لم يحتمل رؤية التعب والألم في وجهها
فردد بصوت مفزوع :
لازم نروح المستشفى حالًا بسرعة
قفز من السرير و ارتدى ملابسه على عجل أخذ نفسًا عميقًا محاولًا أن يظل هادئًا ثم ساعدها على ارتداء ملابسها
حملها بين ذراعيه برفق ولكن بحزم و كأنها أغلى ما يملك في العالم و ركض بها إلى السيارة دون أن يفكر مرتين في تلك اللحظات كان كل ما يشغل تفكيره هو سلامتها فقط !!!!!
........
#الفصل_الثالث_والأربعون ( قبل الأخير ) 🔥
#رواية_بعينيكِ_أسير
#بقلم_شهد_الشورى
دخلت ميان إلى مكتب فارس بابتسامة عريضة سرعان ما تبددت عندما وقع بصرها على سفيان يجلس في زاوية المكتب...وجهه شاحب وعيناه محمرتان، وآثار الدموع واضحة على وجنتيه !!
لم تصدق ميان ما تراه كيف يمكن أن يجتمع فارس و سفيان في مكان واحد دون أن يسود بينهما أي توتر !!
الأغرب من ذلك، هو حال سفيان الحزين والمكسور !!
نظرت إلى فارس الذي كان يحدق في سفيان بعينين مليئتين بالتأثر حينها ازدادت حيرة ميان و قلقها
فأغلقت الباب خلفها ببطء و تقدمت بخطوات حذرة قبل أن تسأل بصوت يحمل في طياته الذهول و الارتباك :
إيه اللي بيحصل هنا يا فارس !!
توقف سفيان عن النظر إلى الأرض للحظة ثم وقف مترددًا و كأن الكلام أثقل من أن يخرج من فمه
ردد بصوت مبحوح محاولًا إخفاء ما بداخله من مشاعر :
مفيش... أنا ماشي
دون أي كلمة إضافية، تحرك نحو الباب بخطوات متثاقلة كأنه يحمل هموم العالم على كتفيه خرج تاركًا وراءه جوًا من الغموض والحيرة
بقيت ميان في مكانها عاجزة عن استيعاب ما يحدث التفتت إلى فارس تسأله بقلق :
فارس فهمني....في إيه ؟
تنهد فارس بعمق ثم بدأ يروي لها ما حدث !!
صمتت ميان صراعًا داخليًا يشتعل في عقلها ، لاحظ فارس حالتها لكن لم يكن في حال جيد طلب منها بصوت هادئ و منهك :
معلش يا ميان روحي دلوقتي ، أنا هرجع البيت و نكمل كلامنا سوا
خرجت ميان من المكتب و عقلها مثقل بما سمعته بينما كانت تسير باتجاه سيارتها لمحت سفيان يجلس في سيارته رأسه مستند إلى عجلة القيادة و وجهه يزداد شحوبًا !!!
شعرت بقلق عارم...فاقتربت منه و طرقت نافذة السيارة لكنه لم يستجب
فتحت الباب لتراه يلهث بصعوبة و يعبث برابطة عنقه.....كأنه يختنق !!!
تحركت بسرعة وطلبت المساعدة من الطواريء اخرجوه من السيارة و تم نقله إلى المستشفى
جلست تنتظر بقلق في الممر اللحظات تمر ببطء شديد.....تشعر بعبء المسؤولية يثقل كاهلها !!!
بعد نصف ساعة تقريبًا
خرج الطبيب قائلاً بجدية :
اللي حصله سببه الضغط النفسي الشديد اللي كان بيتعرض ليه محتاج يرتاح تمامًا و يبعد عن أي حاجة ممكن تضايقه أو تسبب ليه اي توتر
اومأت له بصمت فتابع حديثه بأسف :
الموضوع مش جسدي قد ما هو نفسي.....ان شاء الله يكون كويس، الف سلامة عليه
.......
نظر سفيان بوهن و تعب إلى ميان ، قائلاً وهو يحاول الاعتدال بجسده على الفراش بعد أن استفاق مردداً بصوت متهدج : انتي هنا !!
ردت ميان بهدوء :
خليك مرتاح
صمت الاثنان، لكن في داخلهما كلمات لا يجرؤ أي منهما على البوح بها
قطعت ميان الصمت تسأله بهدوء :
بتحبها !!!
صمت سفيان للحظات ثم قال بحيرة :
قلبي معرفش يشوف ويحس غير بيها من بعدك
همست ميان بحزن و هي تتذكر تلك الأيام :
عمرك ما حبيتني يا سفيان...خلينا نكون صرحا مع بعض، أنا وأنت ممكن نكون اتعودنا من صغرنا على كده...أنا اتعودت أحبك واتعودت على وجودك، لكن اللي في قلبي ليك اكتشفت مع الوقت إنه مكنش أبداً حب
صمتت لثوانٍ، ثم قالت بنبرة مليئة بالهيام والحب :
الحب الحقيقي هو اللي عيشته مع فارس
نظرت إليه وتابعت حديثها بحزن :
انت كمان عمرك ما حبيتني...عمر ما قلب شال الحب هيشيل الكره والآذى في نفس الوقت
رد سفيان بأسف عميق والندم ينهش قلبه كل لحظة : أنا ندمت...أنا آسف بجد آسف ، لو فضلت عمري كله أعتذر ليكي، قليل يا ميان
صمتت ميان، وعيونها امتلأت بالدموع التي لم تسقط قائلة بصوت مختنق :
أنا عارفة إنك ندمت وعارفة إنك اتغيرت....وعارفة إن اللي واقف قدامي واحد غير سفيان القديم و إن قلبك من جوه طيب.....وإن كاميليا سبب كبير في حالتك دي
ابتلعت غصة مريرة بحلقها ثم تابعت بحزن :
بس زي ما انت ملكش ذنب، أنا كمان مليش ذنب اللي عملته فيا مش قليل، انت مكسرتش دراعي، انت قتلت جوايا حاجات كتير
صمتت وهي تتذكر فارس وشهامته، وحبه الذي غمرها به، ثم قالت بحب وامتنان :
حاجات فارس أحياها فيا من تاني وأكتر....فارس قواني وسندني لما وقعت....أنا هنا بفضله كملت و وصلت لحد هنا بفضل حبه ليا
ابتسمت بتوسع، ودموعها تنساب :
أه، بيمر عليا وقت كتير ببقى نفسي أخنقك، بس برجع وأقول حقك يا ميان تشكريه لولا اللي عمله فيكي مكنتيش هتوصلي لهنا ولا هتقابلي راجل زي فارس، يحبك ويخليك تعشقيه...عرفك يعني إيه حب ، عيشك سعادة عمرك ما حلمتي بيها ، أنا متأكدة لو كنا كملنا مع بعض، عمري ما كنت هلاقي معاك ربع الحب اللي فارس بيحبه ليا
اتنهد سفيان بعمق وقال بابتسامة راضية عن حالتها :
عارف إنه راجل، هو الوحيد اللي يستاهلك يستاهل حبك و قلبك الكبير يا ميان
صمت فسألته ميان بتردد :
انت بجد بتحب أماليا يا سفيان !!
لم يجيب سفيان لكن عيناه كانت مليئة بالحيرة فتابعت ميان بنصحية :
بلاش تشيل ذنب تاني يا سفيان...متقربش إلا وانت متأكد من مشاعرك، وإنك بجد هتكون قد كلمتك
ردد سفيان بوجع وهو يتذكر نظرات أماليا له :
تفتكري هي أصلاً هتقبل بيا....نظراتها ليا مش قادر أنساها، ولا أطلعها من بالي....نار بتحرق قلبي كل ما أفتكر هي كانت إيه قبل ما تحبني وبقت إيه بعد ما حبتني
سألها بحزن وصوت مختنق بالدموع :
هو أنا مكتوب عليا أوجع كل اللي بحبهم
صمتت ميان وهي تستمع إليه يتحدث عنها :
هي بريئة أوي يا ميان...بريئة لدرجة إني لما عرفتها بجد كنت بخاف أوجعها بكلامي...خوفت عليها من نفسي ، كنت حاسس بوحدة لما كلكم بعدتوا عني بس هي الوحيدة اللي ملت الوحدة دي....قلبي مش قادر يستحمل غيابها عنه، وفي نفس الوقت مش قادر ياخد خطوة وشايف إنها كتيرة عليه
صمتت ميان لدقائق ثم ابتسمت قائلة بهدوء :
أقولك على حاجة
حرك رأسه بنعم فتابعت حديثها قائلة :
قلبي بيقولي إنها من نصيبك يا سفيان..كلامك عنها و عيونك اللي بتلمع لمجرد ذكر اسمها فاضحين حبك ليها....وهي كمان بتحبك أوي، وإلا مكنتش اتوجعت بالشكل ده....حاسة إنكم نصيب بعض
اتنهد سفيان و اكتفى بالصمت ينظر للفراغ بشرود فتابعت ميان بنصحية :
الذنب اللي حاسس بيه ناحيتي هو السبب في حيرتك دي يا سفيان....أسأل قلبك مين اللي متقدرش على بعدها، مع إن الإجابة واضحة ده انت دخلت المستشفى يا راجل ومستحملتش
قالت الأخيرة بمرح فرد عليها بمرح باهت :
دخلتها عليكي برضو
ابتسمت بهدوء ثم قالت :
حل المتاهة دي كلها في إيدك يا سفيان ، بس طلعني من حسبتك وفكر فيها من ناحية تانية غير إنك شايل ذنبي !!
حرك رأسه لها بنعم....كانت نظراته مليئة بالامتنان لكلامها الذي أعطاه دفعة إلى الأمام وشجعته
قبل أن تخرج اوقفها قائلاً : ميان
التفتت إليه فسألها بتردد و توسل :
هتسامحيني !!!
تنهدت بعمق ثم قالت بابتسامة صغيرة :
ابقى كدابة لو قلت إنني سامحتك، لأني بشر مش ملاك....لكن الله أعلم بكره فيه إيه سيبها للأيام يا بن خالتي !!!!
ثم قالت بهدوء قبل أن تخرج :
لو حصل نصيب، متنساش تعزمني !!
........
دخل فارس غرفة مكتبه بعد أن كان واقفًا عند الباب، فقد سمع كل كلمة بين سفيان وميان عندما علم أن ميان في المستشفى مع سفيان وأنها أنقذته اشتعلت الغيرة في قلبه كلما تخيلهما معًا
لكن تلك الغيرة سرعان ما اختفت، لتحل محلها سعادة عميقة بكلام ميان عنه...طوال عمره كان يشعر بإحساس دفين أن الحب الذي منحته لسفيان كان أقوى مما تعطيه له....لكنه الآن، بعدما استمع لكل حرف نطقته عن حبها له ، أصبح متأكدًا أن قلبها كله ملك له وحده، وأنها لم ولن تحب أحدًا بهذا الحب غيره
رغم الغيرة التي كانت تأكل قلبه من وجودها مع سفيان إلا أن صوتها حمل له شيئًا مختلفًا لقد كانت مرتاحة، لم تعد تحمل نفس الغضب الذي كان يملأ قلبها في السابق
تذكر حينما قالت له في وقت سابق " يمكن عشان قلبي اتملى بحبك، والقلب اللي مليان بالحب ميعرفش الكره أبدًا "
ابتسم بفخر كم يشعر بالسعادة والفخر حينما تهمس له بكلمة "بحبك"
تلك الكلمة كانت تمنحه إحساسًا بالإنجاز، لأنه تشعره بأنه أخيرًا وصل إلى قلبها الذي عشقه بجنون !!!
........
دخل فارس إلى مكتب والدة أماليا بعد أن أذنت له بالدخول، وبدأ الحديث بعد صمت دام للحظات قائلاً بهدوء :
عرفت اللي حصل بين أماليا وسفيان !!
أجابته الأم بحزم و بنبرة غير قابلة للنقاش.:
أنا مستحيل أقبل بجواز بنتي من سفيان !!!
سألها بهدوء :
عشان مريض عندك
ردت عليه بصرامة :
ده سبب من الأسباب، وكمان عشان عارفة إنه لسه بيحب ميان و بيفكر فيها !!
تنهد فارس بعمق ثم قال بتردد :
يمكن نسيها
رددت بحزم :
مفيش حاجة اسمها يمكن....بنتي مش فار تجارب عشان أضحي بيها، ولا هي رخيصة عندي عشان أقبل بسفيان زوج ليها و هي تستاهل الأحسن منه مليون مرة يا دكتور فارس
صمتت للحظات ثم تابعت حديثها بصرامة :
أنا مش هقبل إن بنتي تكون ميان التانية !!
رد فارس وهو واثق بتغير سفيان للأفضل :
بس سفيان اتغير
ردت عليه بصرامة :
اتغير، آه....لكن شعوره ناحية ميان لسه متغيرش !!
كاد فارس أن يتحدث، لكنها قاطعته بحدة :
متقولش إني الدكتورة بتاعته....أنا دلوقتي قدامك بصفتي أم خايفة على بنتها و حتى لو أنا وافقت أبوها واخواتها مستحيل يوافقوا
تنهد فارس قائلاً بلوم وعتاب :
بتقطعي قدامه الطريق ، بدل ما تساعديه.....
قاطعته قائلة باستنكار :
عشان أقف جنبه أضحي ببنتي، مهما أكون متعاطفة معاه و مهما حصل هو مش هيكون اغلى من بنتي !!
.....
كان كارم يسير في الممر مضطربًا كان القلق ينهش قلبه فقد دخلت همس إلى غرفة الكشف و لم يخرج أحد ليطمئنه حتى الآن
مرت لحظات طويلة قبل أن تخرج الطبيبة، فتوجه نحوها بسرعة وسألها بلهفة :
همس مالها طمنيني عليها !!
أجابته الطبيبة بهدوء :
مفيش حضرتك المدام بس في بداية الحمل و احم... المفروض متحصلش علاقة بينكم في الوقت ده خالص عشان كده حصل نزيف بسيط
ردد كارم بصدمة و عدم استيعاب لما قالت :
حمل؟!
أومأت الطبيبة برأسها قائلة :
اه حمل ، مكنتوش تعرفوا ولا ايه !!
كان كارم في حالة من الصدمة، غير قادر على استيعاب ما سمعه همس حامل...هذا يعني أنها تحمل جزءًا منه ومنها !!
سعادة عارمة اجتاحت قلبه لدرجة أنه لم يستطع النطق لكنها سألها فجأة بقلق :
هي كويسة المهم والبيبي طمنيني عليهم
ردت الطبيبة بطمأنينة :
لا متقلقش حضرتك كل حاجة تمام....الأفضل تستشيروا دكتورة متخصصة تتابع الحمل، كمان لازم همس ترتاح كام يوم ، الف مبروك
بعد أن غادرت الطبيبة، دخل كارم إلى غرفة همس وجدها نائمة....اقترب منها وقبل جبهتها بحنان و امتنان لوجودها في حياته
استفاقت همس على صوت خطوات كارم فتحت عينيها برفق فوجدته جالسًا بجانب سريرها وجهه مليء بالفرح والامتنان فسألته بصوت ضعيف :
كارم، إيه اللي حصل !!
أجابها كارم بابتسامة عريضة :
حصل انك هتبقي أحلى ام في الدنيا و انك شايلة جواكي حتة مني ومنك حصل اني بسببك عايش سعادة عمري ما حلمت بيها....انتي حامل يا همس !!
عيناها تلألأت بالدموع وأمسكت بيده بلطف :
بتتكلم بجد ، إحنا هيكون عندنا بيبي !؟
يدها في يده وابتسم قائلاً :
إيوه ده أحلى خبر سمعته في حياتي
ابتسمت في سعادة و عانقته بقوة و الدموع تنساب من عيناه بفرح....شعرت همس أن الصمت في تلك اللحظة كان أبلغ من أي كلام
سعادة و فرح غمرتا قلوب الجميع بخبر حمل همس توالت التهاني والابتسامات تضافرت الأمنيات الطيبة، ليُعبر الجميع عن فرحتهم بهذا الحدث السعيد الذي لم يكن ليزيد من لحظاتهم بهجة و سرورًا
.......
دخل فارس المنزل و عينيه تبحثان في كل زاوية عنها ، كأن قلبه يتسابق مع خطواته ليجدها كان يريد أن يضمها إليه بشدة يُشعرها بكل ما يحمل قلبه من حب وحنين
تفاجأ بجنة تقابله، مرتدية ملابسها، معتنية بمظهرها، قبل أن تبدأ بالكلام، تجاهلها ببرود
كان يعلم لما تتصرف هكذا ، لقد وصل إلى أقصى درجات صبره معها...غداً سيجعلها تغادر !!
دخل إلى غرفة النوم....قلبه قبل عيناه يبحث عنها رآها جالسة على كرسي في إحدى زوايا الغرفة تؤدي صلاتها.....كانت تبدو هادئة و جميلة اقترب منها وما أن أنهت صلاتها حتى انحنى وقبلها في منتصف جبينها بحنان وعشق قائلاً بصوت هادئ :
حرماً
ابتسمت بحب و قبلت يده التي كانت تحيط بوجهها ثم ردت عليه برقة :
جمعاً إن شاء الله يا حبيبي
نظرت إليه و رأت في عينيه نظرة غريبة فسألته بابتسامة جميلة لا تفارق شفتيها :
مالك
أجابها و هو يرفعها بين ذراعيه يجلس بها على الفراش وهي على قدمه : أنا بحبك أوي
ردت عليه بحب وهي تقبل خده :
وأنا بموت فيك
ابتسم الاثنان لبعضهما بحب وهدوء كان حبهما كالشمس في يومٍ بارد، يدفئ القلوب دون أن يُطلب هي بالنسبة له ليست مجرد حبيبة، بل الروح التي تمنحه الحياة وفي كل مرة ينظر إليها، يشعر أن العالم ملكاً له هي النور الذي يضيء طريقه، وهو الأمان الذي يغمُر قلبها بالسكينة...معًا لا يحتاجان إلى كلمات كثيرة فالحب بينهما هو اللغة الوحيدة التي يفهمانها...لغة تنبع من القلوب وتُسمع بالروح
سألها فجأة : تيجي نسافر
ابتسمت ميان بحماس قائلة :
ياريت، يا سلام بقى لو تكون كل العيلة مع بعض في مكان واحد و نتجمع
تذمّر فارس قائلاً :
أنا عاوز نكون لوحدنا...آه بحب لمتنا كلنا سوا بس عاوز نقضي وقت لوحدنا مع بعض
ابتسمت بتوسع ثم قالت :
نقضي معاهم يومين وبعدها نكون لوحدنا
حرك فارس رأسه موافقاً ثم قال :
خلاص، هقولهم وأشوف ظروفهم....هنروح نطمن عليكي وعلى البيبي و نتأكد إذا كان السفر مسموح ليكي ولا فيه تعب عليكي
بعد أن تحدثا عن السفر وخططهما المستقبلية ساد الصمت بينهما للحظة لكن لم يكن صمتًا عاديًا !!
كان مليئًا بالحب والشوق، كأن كل كلمة قيلت تركت أثراً عميقًا في قلبيهما...فارس كان لا يزال يمسك ميان بين ذراعيه، عينيه تتأملان ملامحها التي تزداد جمالًا كلما اقترب منها أكثر شعر بدفئها و رقتها التي دائمًا ما كانت تشعره بأنه وجد ملاذه الوحيد في العالم
اقترب فارس أكثر وملامح وجهه تنطق بالشوق الذي كان يحمله في قلبه....لم يكن بحاجة إلى المزيد من الكلمات فكل شيء كان واضحًا في نظراتهما
بهدوء، رفع فارس يده ولمس وجهها بلطف وبدأ يقرب شفتيه نحوها. كانت لحظة مليئة بالعشق، عندما قبله كانت مليئة بكل المشاعر التي حملها في قلبه لها....كأن كل هموم العالم تلاشت في تلك اللحظة ليبقى فقط هو وهي محاطين بحب لا ينتهي
لم يكن يريد أن يتركها....شعرت هي بذلك في كل لمسة....كل حركة....في تلك الليلة، لم يكن هناك مكان للحديث أو التفكير.....فقط الحب والعشق هما ما جمعا قلبيهما في هدوء الليل
........
في صباح اليوم التالي، استفاق فارس الذب كان يحتضن ميان برفق قبل وجهها بحب وهو يناديها :
اصحي يا كسولة
تمسكت ميان به أكثر ثم قالت بصوت مغمغم : سيبني شوية كمان يا فارس، مش قادرة أفتح عيوني
ابتسم بحب، ثم نهض بهدوء متجنبًا إيقاظها ابتسم عندما تذكر ما حدث في الليلة الماضيةو كيف قضيا وقتًا مميزًا معًا يعبران عن حبهما بشغف
خرج من الغرفة ليجد جنة جالسة في الصالة، تلتهم أظافرها، وبدا عليها الغضب بمجرد أن رأته انتفضت قائلة بغيرة و هي تقترب منه :
صوتكم كان عالي !!
عبس فارس في وجهها بعدم فهم :
صوتنا !!!!!
اكملت بجرأة و وقاحة :
كنتوا مع بعض وصوتكم عالي !!!!!
صدم فارس من وقاحتها، فرد عليها بنفس الأسلوب : واحد ومراته مالك ومالنا....ازاي تتجرأي وتتكلمي بالجرأة دي
ارتبكت جنة وتلعثمت وهي ترد عليه :
أاا...أنا معرفش...قلت كده إزاي.....
قاطعها قائلاً بحدة :
اسمعي، أنا دخلتك بيتي عشان صعبتي عليا ، مش أكتر ولا أقل...ندمت لأني عملت كده لو فاكرة إن حركاتك دي هتوصلك لحاجة، تبقي غلطانة وغلطانة أوي كمان وعايزة اللي يفوقك
كانت ترتجف من الخوف من حديثه الصريح فتابع فارس بغضب :
أنا بحب مراتي، ومحبتش ولا هحب في حياتي غيرها ولا إنتي ولا ألف من عينتك ولا بنات حوا كلهم يملوا عيني
ردت عليه بغل صريح :
أنا أحسن منها ألف مرة
عنفها فارس بغضب واحتقار :
إنتي أسوأ منها ألف مرة تيجي إيه إنتي فيها بغلك و حقدك
رددت بتوسل :
أنا هسعدك أكتر منها، وهتتبسط معايا أكتر هعمل كل اللي تقوله عليه بعرف أعمل حاجات كتير وبطبخ حلو وبسمع الكلام وحتى أنا موافقة أكون زوجة تانية......بس تقبل بيا أنا ضحيت بأغلى حاجة عندي عشانك يا فارس !!!
صرخ فارس عليها بغضب لكن بصوت منخفض حتى لا تستيقظ ميان و تسمعهما :
اخرسي يا مريضة....ضحيتي بإيه، أعرفك منين انا إنتي متستاهليش غير واحد زي أبو عدنان وأبوكي، أنتوا التلاتة عينه واحدة
ردت بغيظ وغضب :
عملت إيه ، خلصت من ابني عشان ميكونش عائق بينا....عشان مترفضنيش بسبب ابن شخص تاني غيرك
كانت ملامح فارس مزيجًا من الزهول والاحتقار فقال بحدة وغضب :
لمي هدومك.....مش هتقعدي هنا ليلة تانية.....هدبرلك شغل في فندق، والسكن هيكون هناك
تركها فارس ودخل الغرفة ليجد ميان مستيقظة ابتسمت له قائلة بهدوء :
صباح الخير يا حبيبي
قبل جبينها بحب ثم دخل للمرحاض و بقيت ميان في مكانها وقد تحولت ملامحها من الهدوء إلى الشراسة !!!!!
.......
في منتصف اليوم اجتمع الجميع في فيلا كارم لتهنئتهم وما ان جلست ميان وحدها مع همس ولينا وسيلين
تباينت المشاعر بعد أن كشفت ميان عن ما فعلت جنة لتكون سيلين اول المعلقين قائلة بصدمة :
إيه البجاحة دي....بدل ما تحمد ربنا إنها لقت حد يفتح لها بيته في ظروفها
لكن لينا لم تقتنع، فردت بلهجة مليئة بالاحتقار: سيبك من كل ده، دي قتلت ابنها دي واحدة مريضة
نظرت همس إلى ميان التي كانت صامتة وسألتها : هتعملي إيه يا ميان ، ناوية على ايه
أجابت ميان بنبرة غامضة :
عاوزة اتنين ستات بس بيضربوا حلو....هخرجها بفضيحة عشان تحرم تعض اليد اللي اتمدت لها
ابتسمت سيلين بحماس و قالت :
واحنا روحنا فين بس
سخرت ميان قائلة :
أبداً، موجودين، بس زي قلتنا ، أنا حامل و الأخت همس كمان
ثم تابعت بشراسة :
ياما كان نفسي اكلها بسناني بنت ال......
ردت سيلين بحماس :
وانا و لينا روحنا فين؟ أنتي عارفة يا روحي ان كل واحدة فينا مضغوطة في أول الولادة و عايزة تفش غلها في حد.....ففرصة جت لينا من ذهب يبقى نستغلها في حد يستاهل
رددت لينا بمرح :
وطبعاً إحنا أولى من الغريب يا قلبي
ضحكت ميان عندما اضافت همس بمرح :
وأنا هاجي وأجيب فشار وأتفرج معاكي
ضحكوا جميعاً و بدأت ميان تملي عليهم ما سيفعلون
فابتسم الأربعة ببشر !!!!!!
.......
في المساء تفاجأ فارس عندما طلبت منه ميان أن تبقى جنة معهما بعض الوقت رفض ذلك بشدة في البداية، تذكر كيف أنها قبل يومين كانت تطلب منه أن يأخذها إلى مكان ما، و الآن تطلب منه أن يسمح لها بالبقاء !!!!
مع إصرارها الكبير، قرر فارس أن يستجيب لرغبتها فأحضر خادمتين إلى المنزل لتكونا مع ميان حتى تنتهي فترة إقامتة جنة، مما يعزز من شعوره بالأمان رغم عدم اقتناعه الكامل بالفكرة، إلا أنه رضخ لإلحاح ميان في الأخير
........
في الصباح الباكر بعد اصرار كبير والحاح من همس أوصلها كارم إلى بيت ميان، غير مدرك لسبب إصرارها على الذهاب في هذا التوقيت و هي مريضة !!
في نفس الوقت كانت لينا وسيلين قد تركتا أطفالهما عند والدتيهما وتوجهتا إلى منزلها أيضاً
بعد ليلة طويلة من التفكير في كيفية البقاء في المنزل، أو على الأقل افتعال مشكلة بين فارس وميان، غفت جنة أخيرًا وفي الصباح، بعد أن طلبت من ميان السماح لها بالبقاء حتى الصباح، تفاجأت بموافقة ميان الفورية، مما أثار حيرتها لم تكن تتوقع أن تسير الأمور بهذه السلاسة، وهو ما جعلها تشعر بشيء من الارتباك والتردد حيال خططها
أستيقظت جنة ثم خرجت من غرفتها بعد ان تجهزت كما امرها فارس في المساء تبحث بعيناها يميناً و يساراً عن الموجودين بالمنزل لتتفاجأ ما ان دخلت الصالون بميان تجلس برفقة همس و اثنتان لأول مرة تراهما القت عليهم الصباح فلم يرد عليها احداً منهن
شعرت الحرج فقالت لميان بهدوء :
ميان ، ممكن أتكلم معاكي لوحدنا !!
ردت عليها ميان ببرود :
هنا مفيش حد غريب، قولي اللي عندك
صمتت جنة لبرهة تفكر لربما ان تحدثت مع ميان امامهم تشعر بالحرج فيتزايد غضبها و تثور على فارس اكثر و تطلب الطلاق !!
استجمعت نفسها ثم قالت بصوت حاولت ان تجعلها حزين قدر المستطاع لتؤثر به على الأخرى و تحصل على تعاطفها :
أنا اترددت كتير قبل ما أقولك....بس مش حابة تفضلي على عماكي و يكون فيه حد بيغشك....أنا بردو أكلت معاكي عيش وملح في البيت ده....
قاطعتها ميان قائلة بهدوء يسبق العاصفة :
مبحبوش !!
سألتها جنة بزهول :
هو إيه
ميان ببرود و هي تضع قدم فوق الأخرى :
الكلام الكتير مبحبوش....قولي اللي عندك علطول
جنة حاولت السيطرة على غضبها، لكن كلامها خرج بصوت مرتجف مليء بالغل :
جوزك حاول معايا كذا مرة...اتحرش بيا وأنا صديته حبيت أقولك عشان متكونيش على عماكي و يفضل يضحك عليكي زي ما ضحك عليا و جابني هنا و فهمني ان نواياه بريئة لكن هو في الاصل عينه زايغة ، ومش محترم !!!!!
ابتسمت ميان بهدوء ، ثم قتربت منها بخطوات بطيئة و ابتسامة ليست بمحلها بثت الرعب بأوصالها
رفعت ميان يدها بلطف و ربتت على وجنة جنة، مما جعلها تنتفض مكانها ظناً منها انها ستضربها !!
لكن المفاجأة جاءت في كلمات ميان التي خرجت بصوت هادئ يسبق العاصفة :
كان ممكن افوت أي كلمة قولتيها عليا...لكن إنك تغلطي في جوزي وتتهميه اتهام***زي ده.....
تغيرت نبرتها فجأة إلى الشراسة و هي تقول :
ده انتي كده جنيتي على نفسك !!!
قبل أن تدرك جنة ما يحدث، كانت ميان قد أمسكت بشعرها بعنف فصرخت تستنجد بأحد بعدما فشلت في تخليص نفسها من بين يديها التي تقبض على خصلات شعرها بعنف
تقدمتا لينا و سيلين و يبعدان ميان عن جنة حتى لا يتأذى جنينها و بالفعل ابتعدت لكن بعدما اقتلعت في يدها بعض خصلات شعرها
حاولت جنة الهجوم على ميان لكن قامت كلاً من سيلين و لينا بسحبها و انهالوا عليها بالضرب متعجبين من وقاحتها !!!
بينما كانت ميان تقف تراقبها بتشفي و هي تصرخ من شدة الألم فلم ترحمها لينا كلما تخيلت ان تلك كانت تريد افساد حياة صديقتها و سيلين ايضا كانت تبرحها ضرباً و هي تراها ابنة خالتها التي ارادت سرقة زوجها منها !!
كانت همس تجلس على الأريكة تمدد جسدها براحة ، تتناول حبات الفشار باسترخاء و هي تشاهد جنة و هي تنال ما تستحق و كم تمنت لو تذهب و تعطيها ما فيه النصيب كما يقال لكنها تخشى على جنينها ان يتأذى !!
بعد وقت قصير
كانت جنة ملقاة على الأرض، يتملكها الألم أثر الضربات القاسية التي تلقتها !!
ابتعدت عنها سيلين ولينا، تاركتين إياها تتلوى من الألم بينما كانت ميان واقفة على مقربة، تتأملها بنظرات ممتلئة بالاشمئزاز والغضب....نار مشتعلة تتأجج في قلبها كلما تذكرت نيتها الخبيثة و رغم ثقتها الكبيرة في فارس، إلا أن مجرد تخيل ما كانت تخطط له يجعل دماءها تغلي
كيف تجرأت على التفكير في هذا الأمر ؟
كانت الرغبة في الانتقام تسيطر على ميان لو استطاعت لكانت التهمت جنة بأسنانها
تقدمت ميان بخطوات غاضبة نحو غرفة جنة، وبدأت تجمع أغراضها التي بالأساس تخصها من البداية بحركات سريعة، وهي تستشيط غضبًا وبينما كانت تفرغ الأدراج، توقفت فجأة عندما رأت بعض مستحضرات التجميل الخاصة بها، وأشياء أخرى كانت قد فقدتها منذ فترة في خزانة الأخرى !!!
شعرت ببركان من الغضب يتفجر بداخلها تشددت قبضتها على الأغراض، وكأنها تحاول كبح نفسها من انفجار أكبر
خرجت تجر الحقيبة خلفها ثم مسكت بذراع الأخرى تدفعها خارج المنزل بقوة، ثم رمت حقيبتها أمامها دون اكتراث !!
وقفت ميان أمام جنة، تحملق فيها بنظرة مليئة بالاحتقار والاشمئزاز، وكأنها ترى شيئًا أكثر دناءة من أن يكون إنسانًا كانت عيونها تشتعل بالغضب الذي لم تستطع كبحه، فصاحت بكلمات قاسية :
فتحتلك بيتي، عاملتك زي أختي، وفارس ساعدك و دافع عنك وكان ممكن يتأذي بسببك.....ده كان ممكن يموت وده كان ردك للمعروف إنك تخوني ثقتي و تحاولي تخربي حياتي، تحطي عينك على جوزي!!!!!
ثم تابعت بغضب وقرف :
وصلت بيكي الحقارة والقسوة إنك تقتلي ابنك بإيدك؟ طب ليه؟ وعشان إيه يا شيخة؟ ربنا ينتقم منك! قتلتي روح بريئة
كانت جنة تقف أمامها متهاوية، عاجزة عن مواجهة هذا الطوفان من الغضب والكلمات اللاذعة جسدها يرتجف من لكن ميان لم تشفق لم يكن بداخلها أي مكان للرحمة في تلك اللحظة تقدمت نحوها بخطوات سريعة، والغضب يشتعل في عينيها، ووجهها مرسوم بملامح القسوة فجأة، ضربتها ميان على وجهها بصفعة عنيفة، اخرجت فيها كل غضبها :
زي ما دخلتي البيت ده من الشارع، هترجعي للشارع برده و المساعدة اللي جوزي كان هيقدمها ليكي؟ خسارة في واحدة حقيرة زيك، عينها ع اللي في إيد غيرها
ثم بصقت عليها بقرف شديد، وكأنها تريد التخلص من كل أثر لها، واستدارت دون أن تنظر خلفها، تدخل البيت وتغلق الباب بعنف في وجه جنة، تاركة إياها وحيدة
جنة، التي لم تعد تعرف إلى أين تتجه، جلست على رصيف بارد، تبكي بحرقة وندم لا يمكن وصفه كان كل شيء يدور في رأسها، كلمات ميان الجارحة تردد في ذهنها، تدور كالسكاكين الحادة
كانت أمامها فرصة لتبدأ من جديد، لكنها لم تحافظ عليها، واندفعت في طمعها حتى فقدت كل شيء
لم يكن أمامها أي مستقبل واضح...ظلم يتبق لها سوى بيت والدها، والذي سيسلمها مرة أخرى لأبوعدنان، ليعيدها إلى ذات العذاب الذي هربت منه !!!
.......
كان يقف هناك ، ينتظرها كل يوم يترقب ظهورها كما يترقب الظمآن قطرة ماء....ظلت عيناها عليه للحظة فركض نحوها لم يتحمل انتظارًا أطول
تجاهلته بشدة، وسارت بسرعة تحاول الهرب كأن وجوده يزيد الجروح عمقًا....لكن سفيان لم يستسلم لحق بها وأمسك بيدها ليس بعنف، بل بحذر كمن يخشى أن يكسر شيئًا هشًا
سحبها بهدوء بعيدًا عن الأنظار، وعيناه تبحثان في وجهها عن أمل أو ذرة تفهم
انتفضت أماليا وسحبت يدها من قبضته وصرخت فيه بغضب كامن :
إزاي تمسك إيدي كده، إياك تعمل كده تاني....إياك أساسًا تظهر قدامي في أي مكان ، ابعد عني...أنت طلعتلي منين
كانت كلماتها تنطق بالضعف رغم محاولة إخفائه كأن صوتها خانها في النهاية أما هو ظل يتأملها كان يرى وجهها لأول مرة بعد غياب طويل.....الألم يعتصر قلبه وهو يشاهد تلك العيون المتعبة و الوجه الذي فقد نوره وحيويته
كيف يمكن أن تكون هي نفسها الفتاة التي أحبها ؟ أين ذهبت تلك الأماليا التي جذبته بروحها المرحة وجنونها الجميل ؟
كل شيء فيها يبدو باهتًا.....تمامًا كما يشعر داخله أدرك حينها، أن كل من أحبه، تأذى بسببه
رغم الغضب الذي يشتعل في صدرها، كانت تشعر بضعف يتسلل إليها وهي تقف أمام سفيان
كانت عيناه، المليئتان بالندم والشوق، تنفذان إلى أعماقها، ولكنها لم تكن مستعدة للتنازل أو حتى لسماعه
حاول سفيان أن يقرب المسافة بينهما، وبدأ صوته يرتجف قليلًا وهو يقول :
أماليا، اسمعيني.....أنا عارف إن كل اللي حصل كان غلط، بس أنا ندمت و اتغيرت......
لكنها كانت قد اتخذت قرارها نظرت إليه بعينين مليئتين بالألم والعتاب :
ندمان....تفتكر إن الندم كفاية.....ازاي تتوقع إني أصدقك بعد كل اللي سمعته عنك ، ازاي كنت بالقسوة دي كنت غلطانة لما قولت ان الماضي ميفرقش معايا ، بعد اللي عرفته وسمعته ندمانة على كل لحظة شوفتك فيها.....ندمانة اني عرفتك اصلا ، لو ليك اخت هترضى بواحد زيك ليها !!!!
كانت كلماتها قاسية لكنها صادقة، تصب كل ما في قلبها من عتاب وألم و هو يقف صامتًا....عاجزًا عن الرد....كل كلمة كانت تطعنه في القلب لكنه لم يستطع سوى أن يقف متحملًا اللوم، متفهمًا حجم الأذى الذي سببه لها
استدارت ببطء بعد أن انتهت من كلامها و قبل أن تبتعد تمامًا قالت بصوت خافت كأنها تحدث لنفسها :
ابعد عني ارجوك ، اه فيه مشاعر ناحيتك بس مش كفاية عشان أتغاضى عن ماضيك ده ، كفاية وجع
ثم مشت بعيدًا، خطواتها مترددة لكنها ثابتة لم تلتفت خلفها، رغم أنها شعرت بنظراته تلاحقها أما هو بقي واقفًا في مكانه، يشاهدها وهي تختفي تدريجيًا عن أنظاره حاول أن يناديها مرة أخيرة لكنه أدرك أنها محقة !!
........
مر شهران ثقيلان منذ أن انقطعت أماليا عن سفيان، حاول خلالها مرارًا العودة إليها، لكن دون جدوى بدا الأمر وكأنها أغلقت صفحته تمامًا، أو هكذا حاولت أن تظهر للعالم، ولكن داخلها كان ينزف لم تكن تتوقع أن تكون تجربتها الأولى في الحب بهذه القسوة، أو أن تصل جراحها إلى هذا العمق
هربت من آلامها إلى العمل، تغرق فيه ساعات طويلة لتنسي نفسها، حتى إنها وافقت على مشاريع في محافظات بعيدة، بشرط أن تعود للإسكندرية في نفس اليوم...واليوم كانت تستعد لأول مرة للسفر إلى القاهرة لمعاينة شركة جديدة تتولى تصميمها
بينما كانت تضع اللمسات الأخيرة على تجهيزاتها للسفر، دخلت والدتها، وبنبرة يعتريها الحزن قالت : لحد إمتى هتفضلي واخدة الموقف ده مني أنا كنت بعمل كده لمصلحتك، وانتي شوفتي بنفسك، مكنش يستاهل حبك ولا تضحيتك بنفسك عشانه
رفعت أماليا عينيها نحوها، ونطقت أخيرًا بعد صمت طويل، بنبرة تحمل خيبة أمل كبيرة قبل ان تغادر :
كان قدامك ألف طريقة تعرفيني بيها الحقيقة، لكن مش بالقسوة دي لا عليه ولا عليا، عمري ما هكون مبسوطة وأنا شايفة أمي قاسية كده
انحنت الأم برأسها بحزن ابنتها معها حق كانت تعرف في أعماقها أنها تصرفت بقسوة، حتى وإن كانت نيتها هي حماية ابنتها !!
نزلت أماليا إلى سيارتها وانطلقت باتجاه القاهرة، غير مدركة أن عيون سفيان كانت تراقبها من بعيد، كما كان يفعل دوماً منذ ابتعدت عنه كان يقف كل صباح أمام بيتها، ينظر إليها وهي تخرج، يتبعها حتى تصل إلى عملها، لعله يشبع عينيه وقلبه برؤيتها ولكن اليوم، شعر بشيء مختلف حين رأى وجهتها نحو القاهرة امتلأ قلبه بشعور غريب، كقبضة ضاغطة، فقرر أن يتبعها
بعد ساعات من القيادة، كانت أماليا تقف أمام صاحب الشركة "عصام" تحدث إليها بنظرات لا تخلو من الإعجاب، بينما هي تحاول أن تتجاهل هذا الشعور غير المريح الذي يزحف إلى قلبها أنهت حديثها معه بشأن تفاصيل المشروع وقالت له موعد الانتهاء، وهمت بالرحيل لكن قبل أن تخطو خطواتها الأولى، استوقفها بابتسامة خبيثة لم تلحظها قائلاً :
هتيجي معايا دلوقتي تعايني الفيلا اللي على الطريق الصحراوي، زي ما اتفقت مع خالك
نظرت إليه بدهشة، وقالت :
خالي!!!، مقالش حاجة عن الفيلا دي ولا حتى عطاني خبر بكده
أجابها بثقة وهو ينظر إلى ساعته :
اتكلمت معاه قبل ما توصلي بنص ساعة تلقيه ملحقش يقولك ع العموم ممكن تتأكدي بنفسك لو مش مصدقة كلامي
ترددت للحظة، شعرت بعدم ارتياح، وافقت أخيرًا، و ركبت إلى جواره في السيارة كان يقود بسرعة مريبة، بينما هي تشعر بانقباض في صدرها يتزايد كلما اقتربوا من الطريق الصحراوي خاصة ان الليل قد حل !!!!!
توقف عصام بالسيارة أمام فيلا معزولة على الطريق الصحراوي، نزل بسرعة وفتح الباب لأماليا، التي تملّكها شعور غير مريح زاد حدته مع كل دقيقة مضت نزلت من السيارة، ولكن القلق كان يعتلي ملامحها، خطواتها مترددة، شعرت كأنها في فخ محكم !!
دخلت إلى الفيلا، وأحست ببرودة الهواء تتسلل إلى عظامها استدارت نحو عصام بصرامة قائلة :
سيب الباب مفتوح من فضلك، يا أستاذ عصام !!
ابتسم لها بمكر قائلاً :
بس كده، انتي تؤمري!!!!
ثم أغلق الباب بعنف جعلها تنتفض في مكانها، و الخوف يشتعل في قلبها كشرارة ملتهبة
اندفعت نحو الباب محاولة فتحه، لكنه أسرع منها، أدار المفتاح وأغلق الباب بإحكام، ثم لوح بالمفتاح أمامها وقال بنبرة تملؤها الشهوة :
رايحة فين يا حلوة، وشرفي الفيلا دي مدخلاهاش غير الحلوين اللي زيك !!
تراجعت أماليا إلى الوراء بخطوات سريعة، وصوتها يرتجف بالغضب والخوف :
افتح الباب، أحسن والله.......
قاطعها وهو يخلع سترته بنظرات ملؤها التجرؤ و التفحص لجسدها بشهوة :
هتعملي إيه يعني، هتصوتي...صوتي، محدش هيسمعك ولو حد سمعك، انتي هنا بمزاجك، ركبتي معايا بمزاجك ودخلتي لهنا بمزاجك، يا حلوة !!
شعرت أماليا برعب يخترق قلبها كخنجر، والندم يعصف بأفكارها كيف وقعت في هذا الفخ !!
أخذت تتلفت حولها، حتى التقطت نظرها مزهرية طويلة على طاولة قريبة، فاندفعت نحوها وأمسكتها بيد مرتعشة، ثم صرخت بصوت مرتفع، كلما اقترب عصام منها زاد صراخها، لعل أحداً يسمعها وينقذها
لكن عصام تابع تقدمه بثقة، فتراجعت وهي ترفع المزهرية عالياً، ثم هوت بها نحوه بكل ما أوتيت من قوة إلا أنه أمسك بيدها بقسوة، انتزع المزهرية ورماها بعيداً، ثم دفعها بعنف لتسقط على الأرض كانت تحاول أن تقاومه، قدماها تركلانه ويديها تحاولان دفعه بعيداً، لكنها كانت تشعر بثقل جسده يقيد حركتها وكأنها تغرق في مستنقع من اليأس
في تلك اللحظة، عندما كانت صرخاتها تصدح في المكان كأنها نداء استغاثة، سُمع صوت طرقات عنيفة على الباب تحول الطرق إلى ضرب عنيف حتى انكسر الباب بفعل قوة مفاجئة، ليظهر سفيان مندفعًا كالعاصفة !!!!!!
كانت أنفاس أماليا تتسارع، وعيناها تملؤهما دموع الخوف والذعر، بينما انقض سفيان على عصام الذي كان منشغلاً بمحاولة إخضاعها، ولم يدرك ما حدث إلا بعد أن سحبه سفيان من فوقها وأسقطه أرضًا انفجرت دموعها عندما شعرت بأن كابوسها أوشك على الانتهاء، كانت ما تزال ترتجف من الخوف
سدد سفيان ضربات متتالية إلى عصام، كل ضربة كانت تخرج معها غضبه وألمه، ضربات لم تكن فقط دفاعًا عن أماليا، بل انتقامًا من كل لحظة شعر فيها بالعجز منذ أن تباعدا كان صوت أنين عصام يتلاشى مع كل لكمة، حتى أصبح بلا مقاومة تُذكر، فيما كان سفيان يعيد إليها الأمان الذي كاد أن يُسلب منها
بعد أن انتهى تركه بصعوبة، استدار نحو أماليا التي كانت تجلس على الأرض، عيناها زائغتان من هول ما مرت به، فاقترب منها وجلس بجانبها، واحتواها بذراعيه، بينما هي تنفست أخيرًا الصعداء احتضنته وكأنها وجدت في ذراعيه الأمان الذي فقدته خلع سترته على الفور وحاوطها بها بحرص، شاعراً بالغضب عندما رأى البلوزة التي ارتدتها قد تمزقت بفعل ذلك الحقير بينما كان يهم بحملها نحو سيارته، أحس بوجودها كشعلة دفء في قلبه، لكنها لم تكن تدرك أن الأمان الذي كانت تبحث عنه كان مهددًا بلحظة واحدة
بينما وضعها برفق على الأرض، شعر فجأة بانقباض قوي في جسده، وصدر منه أنين خافت ارتابت أماليا، وفزعت حين تكرر الأنين، فالتفت خلفها لترى ما يحدث كان المشهد أمام عينيها صادمًا، فقد رأت عصام، الذي كان يتخبط على الأرض، يرفع مسدسًا مصوبًا نحو سفيان وجهه كان مشوّهًا، مغطى بالدماء، عينيه تومضان بغضب كبير
صرخت أماليا، لكن صوتها تلاشى في غيوم الرعب و في لحظة مرعبة، شاهدت عصام يتراجع، ثم يقع على الأرض فاقدًا وعيه، بينما سفيان هو الآخر لم يكن أفضل حالًا بدأ جسده ينهار، دماؤه تتساقط بغزارة على الأرض، وكأنه يحاول أن يمسك بأنفاسه الأخيرة
بكت أماليا بقوة، دموعها تنهمر دون انقطاع تمسكت بجسده بقوة، والذعر يجتاح قلبها، تنقل بصرها المرتجف بين وجهه ويدها الملطخة بدمائه
انسابت دموعها كالشلال، ونحيبها المتقطع شق سكون الليل وهي تهمس بتوسل ممزوج بالرعب :
افتح عيونك...أنت مش هتسيبني، صح؟ مش كنت عايزني أتكلم معك؟ اهو أنا هنا، جنبك...ليه سكت دلوقتي !!
ازدادت حدة بكائها وهي تواصل بصوت مكسور :
شوف... أنا هنا، ومش هبعد عنك تاني....بس عشان خاطري افتح عيونك...متسبنيش رد عليا، سفيااان !!
بأعين شبه مغلقة، وبصعوبة بالغة، رفع يده المرتعشة ليمسح على وجهها، وهو يهمس بصوت متقطع وثقيل :
طول عمري كنت سبب وجع لغيري...حتى أنتي، هكون وجع ليكي...ربنا عمل كده عشان يريح الكل...مني ومن وجعي
هزت رأسها بنفي، والدموع تتساقط كالمطر، قائلة :
بس أنا مش عايزة ارتاح منك... قوم وابقى جنبي...أنا قابلة منك كل حاجة، حتى الوجع... والله مش هبعد عنك تاني مش اتفقنا نعمل فرحنا في نص البحر وتجيبلي فستان الأميرة أريل اللي بحبها؟ واتفقنا نعيش حاجات كتير مع بعض...
ثم وضعت جبينها على صدره، وصوتها مكسور بالوجع :
بس ما اتفقناش أنك تسيبني وتمشي
كانت آخر كلماته، بينما يده تلامس وجنتها برفق :
بحبك
في اللحظة التالية، تراخت يده وسقطت بجانبه ابتعدت لتنظر إليه بعينين متسعتين من الصدمة وعدم التصديق، ثم صرخت بهستيريا :
"لأ... لأ...افتح عيونك...متسبنيش...لأ، عشان خاطري، قوم !!
بدأت تصرخ بقوة، تضم جسده إليها بقهر، وكأنها تحاول استعادة الحياة التي انسلت منه !!!!!
.......
الفصل الرابع والأربعون "الأخير
وقفت أماليا في ركن بعيد، تائهة في عالم آخر، الأصوات من حولها تتلاشى كأنها في ضباب بعيد كانت عيناها مفتوحتين على آخرهما، تغوصان في بحر من الذهول والخوف، تنظر إلى ثيابها ويديها اللتين التصقت بهما آثار دم سفيان
لم تكن هناك دموع تنهمر، بل صدمة تثقل عليها....كصخرة عظيمة على صدرها، شعرت أن العالم من حولها يغرق ببطء، كأن عقارب الساعة تتعمد إطالة كل لحظة صوت دقات قلبها يكاد يغطي على كل شيء، يحفر في أذنيها إيقاعاً مرعباً من الترقب
على الجانب الآخر، وقف أهلها وأصدقاؤها في ترقب مضطرب، كل واحد منهم يراقب باب غرفة العمليات بقلقٍ يتسلل إلى قلبه، الجميع كان ينتظر، لكن لا أحد منهم يعرف حقيقة ما حدث، عدا فارس الذي تلقى مكالمة من أماليا، وأخبر الجميع بما يكفي لإشعال فتيل القلق في نفوسهم!!!
اقتربت ميان ببطء نحو أماليا، وداخلها شعور الحزن والشفقة، كان وجه أماليا شاحبًا، وعيناها شاردتان كأنهما فقدتا القدرة على التواصل مع العالم، لم تستطع ميان كسر هذا الصمت الثقيل الذي يغمر المكان، لكنها حاولت الاقتراب بلمسة خفيفة على كتفها، وكأنها تخشى أن تزيد جراحها بأي كلمة، وهمست بصوت خافت، وقد امتزجت في نبرتها الشفقة والعجز :
أماليا.....انتي كويسة ؟
نظرت أماليا نحوها، كأنها عادت للحظة من عالمها البعيد، لكن شفتيها عجزتا عن الكلام زفرت نفساً عميقاً، وعادت بذاكرتها إلى ما جرى على الطريق، الدماء، والخوف العارم الذي كاد يقضي عليها
اقترب فارس منها وقال بحزن :
سفيان هيبقى كويس متقلقيش !!
تحولت عيناها إلى فارس، لكن نظرتها كانت ضائعة كأنها لا ترى أمامها لم تلتقط كلماته، ولم تشعر بوجوده كانت غارقة في عالم آخر، وبصوت مخنوق بدأت تتكلم بعدم اتزان وكأنها تحادث نفسها، عيناها مثبتتان في الفراغ :
كنت بحاول....كنت بس بحاول ألحقه بس كان نفسه ضعيف، وأنا مش عارفة أعمل حاجة....بس الدم....حتى لما وقفت العربية على الطريق....حسيت كأني في كابوس....كل ده حصل بسرعة !!
بدت وكأنها تغوص أكثر في أفكارها، متناسية كل من حولها
تنهد فارس وقال بحنان محاولاً تهدئتها :
أماليا خلاص....انتي عملتي اللي عليكي وزيادة إحنا كلنا هنا، سفيان قوي...وهيعدي منها ويقوم على رجليه !!!
ساد الصمت، وعاد الكل للتأمل في وجوه بعضهم البعض، مترقبين أن تفتح أبواب غرفة العمليات لتكشف عن مصير سفيان، وهم على قيد خيط رفيع بين الأمل والخوف
وسط هذا الصمت القاتل، وقفت والدة أماليا، وقد لمعت في عينيها مشاعر مختلطة من الغضب والخوف لم تستطع تحمل المزيد من الغموض، ولا رؤية ابنتها في هذه الحالة المزرية بحدة لم تستطع كتمها، توجهت نحو أماليا تسألها :
كنتي بتعملي إيه معاه تاني، شوفتي اللي جرالك من وراه شوفتي حالتك عاملة إزاي مستنية إيه تاني يحصلك بسببه، فهميني، إيه اللي حصل، عملك إيه واللي وصلكم لهنا.....ردي عليا !
نظرت أماليا إلى والدتها للحظة، وكأن كلماتها تخترق الضباب الثقيل الذي يلف عقلها، لكنها بقيت صامتة، شفتيها ترتجفان كأنها على وشك الانهيار
سرعان توقفت أماليا عن الصمت، وامتلأت عيناها بالدموع التي احتبست طويلاً لم تعد تحتمل الضغط ولا نظرات والدتها اللائمة فجأة، انفجرت بنهيار قائلة بصوت مشحون بالألم والغضب كأنها تخرج ما في قلبها من نار مكبوتة :
اللي أنا فيه ده كله بسببه!!!!...... هو اللي هنا بسببي، عشان لحقني، عشان جه ينقذني، لما واحد حقير حاول....حاول يعتدي عليا وياخد مني شرفي، سفيان هو اللي لحقني، ولولا هو كان زماني.....!!!!!
توقفت للحظة، تتنفس بصعوبة، شهيقها ثقيل ونفسها متقطع، ثم أكملت بصوت مختنق، مليء بالألم :
لما جه يلحقني، الحقير دا ضربه بالنار فاهمة، سفيان خاطر بحياته عشاني، أنا مش ندمانة، ولا هسمح لحد يلومه على اللي عمله هو حاول يحميني وأن...أنا مقدرتش أعمل حاجة، شوفته بينزف قدامي حسيت بالعجز ومقدرتش أعمل أي حاجة غير إني أشوفه بيتألم !!!!!
ساد الصمت من جديد، لكنه كان صمتًا مشحونًا بالكلمات التي تركت أثرها على الجميع كل من في المكان شعر بثقل معاناة أماليا، كأن الصدمة انتقلت إليهم جميعاً، تغمر قلوبهم بالقلق والأسى !!
..........
في بيت بسيط بمنطقة هادئة، حيث كانت الحياة تسير ببطء كأنها تمنحها فرصة للتفكير، وقفت بسمة أمام المرآة تتأمل نفسها الحجاب الذي طالما زين مظهرها ظل كما هو، لكنه أصبح الآن ينسدل على ملابس واسعة تخفي تفاصيل جسدها بالكامل لم يكن هذا التغيير مجرد تعديل في مظهرها، بل كان انعكاسًا لتحول أعمق...بداية جديدة لها مع نفسها ومع العالم
نظرت إلى وجهها، ذلك الوجه الذي عانى طويلاً من الخوف والخضوع سنوات من الانكسار تركت بصمتها عليه، لكن مع ذلك، كانت ترى ملامح جديدة بدأت تظهر صلابة لم تعرفها من قبل وهدوءًا يشبه السلام الذي طال انتظاره، هذا الاحتشام الذي اختارته لم يكن هروبًا أو محاولة لإخفاء نفسها، بل كان امتدادًا لاحترامها لذاتها، لإعادة بناء ما هدمه الخوف
الخوف... ذلك الشعور الذي عاش بداخلها كوحش لا يهدأ، كان هو السبب وراء سنوات من الانكسار أمام نادر، الذي أذلها وأطفأ روحها، كان هو السجان الذي منعها من أن ترفع رأسها أو تدافع عن نفسها، وهو ذاته الذي دفعها إلى خداع يزن والتظاهر أمامه بمشاعر لم تكن في البداية سوى كذبة فرضها الخوف
الخوف جعلها تخفي نفسها عن العالم، تعيش وكأنها ميتة في نظر الآخرين، سنوات ضاعت في صمتها، تختبئ خلف قناع من التقبل والخذلان، لم تكن قادرة على مواجهة الحياة فاختارت أن تظل غائبة، تراقب الزمن يمر دون أن تعيشه
لكن اليوم، الأمور تغيرت التحقت مؤخرًا بمستشفى كبيرة وبدأت تعمل وسط بيئة أعادت لها شيئًا من الثقة التي فقدتها شعرت بأن لها دورًا، بأن لحياتها معنى جديدًا بعيدًا عن نادر ويزن وظلال الماضي....العمل لم يكن مجرد وظيفة، بل كان فرصة لبناء ذاتها بعيدًا عن قيود الماضي
أمسكت طرف حجابها تعدل وضعه بخفة ثم نظرت في المرآة مرة أخرى، رأت انعكاسها بثبات لم تعهده
تنهدت بعمق، كأنها تحاول إخراج كل ما يثقل صدرها في زفرة واحدة جمعت أغراضها بخطوات ثابتة، ثم غادرت البيت البسيط الذي أصبحت تشاركه مع ضحى، قريبتها...
في المستشفى. هناك، بدأت تجد جزءًا من ذاتها المفقودة اندمجت في روتينها اليومي، ألقت السلام على كل من صادفته بابتسامة هادئة، تلك الابتسامة التي كانت تخفي وراءها طبقات من الحزن والإصرار، كأنها تعيد ترتيب نفسها مع كل تحية تتلقاها، تُعيد صياغة دورها في هذا العالم بخطوات صغيرة
ارتدت زي المستشفى الأبيض، وشدت معطفها على كتفيها بحركة مألوفة، كانت في طريقها لمباشرة مهامها، عندما توقفت فجأة، كأن العالم بأكمله تجمد من حولها، نظرت إلى الأمام، ووجدت نفسها وجهًا لوجه مع الماضي الذي حاولت الهروب منه انه "يزن"
تلاقى نظرهما كما تتلاقى الأرواح التي أثقلها عبء الماضي، دون صخب أو كلمات.... كان الصمت سيد اللحظة، لكن أعينهما تحدثت بلغة لا تُخطئها القلوب المثقلة، بينهما وقف مدير المستشفى ويدعى "توفيق"، يراقب الاثنان بتعجب قبل أن يقطع الصمت بسؤاله :
انتوا تعرفوا بعض؟
مرت لحظة من التردد كأن الزمن توقف فيها، قبل أن ينطق يزن بصوت مبحوح، كمن يسترجع ذكرى ثقيلة :
أيوه... بسمة تبقى مراتي!!!
لكن بسمة قالت وبصوت قاطع كأنه سيف يمزق أي خيط أمل :
وقريبًا طليقته!!!!
تلك الكلمة ضربت يزن في مقتل، كأنها سهم أصاب قلبه في أضعف نقطة وقف مشدوهًا، يتأملها، يحاول أن يجد تفسيرًا لهذا البرود القاسي في عينيها، نظراتها لم تكن مليئة بالغضب، بل بالألم والخذلان، لكن معهما كان هناك شيء آخر، شيء أشبه بالإصرار، كأنها تقول له بصمت "انتهى كل شيء"
شعر توفيق أنه غريب وسط هذه الحرب العاطفية الصامتة، فانسل من المكان بخطوات بطيئة
قبض يزن على يد بسمة فجأة، وكأنها طوق النجاة الأخير في بحر ذكرياته الغارقة، جذبها بقوة إلى أول غرفة صادفته، غير مكترث إن كانت مغلقة أم لا.....ولحسن حظه، كانت خالية
أغلقت الباب خلفهما، ثم جذبت يدها من قبضته، كانت نظرتها إليه هذه المرة مختلفة، لم تكن نظرة ضعف أو انكسار، بل كانت أشبه بنظرة ناجٍ يرى حطام سفينة خلفه دون أن يرغب في العودة، وقفت أمامه، قوية، ثابتة، عكس كل ذكرياته عنها أما هو، فبدا مكسورًا، هزيلًا، كأن الحياة نزعت منه كل ما كان يجعله صلبًا
تأملها يزن بصمت، وكأن عينيه تبحثان عن تلك المرأة التي عرفها يومًا، لكنه لم يجدها، هي الآن شخص آخر، شخص خلقه الألم والخذلان
كانت هناك رسالة واضحة في تلك النظرات، رسالة قرأها دون أن تحتاج للكلمات، قطع الصمت صوتها، حاسمًا، لا مجال للنقاش فيه :
طلقني!!!!
كانت الكلمة بمثابة إعلان نهائي، جرس يعلن نهاية الرحلة، لم تكن فقط تطلب منه إنهاء علاقتها به، بل كانت تقول له بوضوح إنها انتهت منه، انتهت من هذا الحب الذي صار عبئًا
كانت الكلمة كالسقوط الأخير، لم تكن مجرد طلب، بل كانت نهاية فصل، كانت إعلانًا أن الحب الذي جمعهما يومًا لم يعد له مكان هنا، شعر للحظة أن كل شيء بداخله ينهار، لكنه لم يعرف كيف يعيد ما انتهى كل ما استطاع فعله هو الصمت، صمت رجل يدرك أنه......خسر كل شيء!!!
تلاقت أعينهما وسط صمت عاصف، صمت حمل بين طياته كل الكلمات التي لم تُقال وكل المشاعر التي تراكمت لسنوات طويلة وقف يزن أمام بسمة كأنه يبحث في ملامحها عن شيء يعرفه، شيء يعيد إليه تلك المرأة التي أحبها يومًا، لكنه لم يجد سوى شخص مختلف، شخص أنهكته الأيام وأعاد تشكيله الألم
قطعت بسمة الصمت أخيرًا، بصوت هادئ لكنه كالسيف القاطع، حادٌ في وضوحه :
أنا وانت وصلنا لنقطة النهاية، بعد كل السنين دي، اكتشفت إن حبك بدل ما يريحني كان عبء عليا يا يزن، كنت فاكرة إن الحب أمان، لكنه معاك كان خوف، خوف من المواجهة، خوف من الحقيقة، وخوف من إنك تسيبني وما تصدقنيش وأنا... أكبر غلط ارتكبته كان إني خوفت أواجهك، وخوفت من نادر
توقفت لحظة، تنظر في عينيه وكأنها تريد أن توصل له كل ما عجزت عن قوله في الماضي ثم تابعت بصوت أشبه بالاعتراف الأخير :
أكبر غلط عملته في حياتي إني سمحت للخوف يسيطر عليا، لو كنت صدقت نفسي من الأول، كنت عرفت إن أي علاقة مفيهاش ثقة مصيرها الفشل وأنا وأنت... ما كانش بينا ثقة، عشان كده وصلنا للي احنا فيه
ظل يزن صامتًا، كأن الكلمات التي يسمعها تخترق أعماقه، لكنها تقيده، تمنعه من الرد أما هي، فكانت تتحدث كمن ينفض عن روحه عبئًا ثقيلًا ظل يحمله لسنوات :
الحقيقة يا يزن... إنك محبتنيش، ولا حتى حبيت همس, لو كنت حبيتني بصدق، عمرك ما كنت هتحب غيري، ولو كنت حبيت همس برده بصدق، مكنتش هتفكر فيا من تاني زي ما انا شايفة في عيونك دلوقتي، انت محبتش حد غير نفسك
شعرت بأن كلمتها الأخيرة أصابته، لكنها لم تتراجع بل رفعت رأسها بإصرار لتواجهه بما كانت تخفيه طويلًا :
أيوه، انت أناني، وأتمنى تعترف بده لنفسك، العيب مش إنك غلطت، العيب إنك مكمل زي ما انت، وأنا كمان غلطت، غلطت كتير، خوفي من نادر خلاني أخدعك، ونسيت إن ربنا فوق الكل وقادر على كل شيء.....ده ذنبي، وأنا مش بتهرب منه، بالعكس انا دلوقتي اتعلمت كتير وعمري ما هرجع زي ما كنت، انا عاوزة ارمي الماضي وافتح صفحة جديدة، ببسمة جديدة، بس مش عاوزاك تكون معايا لأنك خلاص....تعبت يا يزن
جلس يزن على أقرب مقعد، كأن قدميه لم تعد تقويان على حمله، لم يتكلم، لكن عيناه كانتا تقولان كل شيء، ألم، وندم
استجمعت بسمة أنفاسها، ثم تابعت بصوت منخفض، لكن كل كلمة كانت كجرس يُعلن النهاية :
أنا مش عارفة إذا كنت أنا السبب في حيرتك أو في اللي وصلتله دلوقتي، لكن انا بعتذر، بعتذر عن كل لحظة وجع اتسببت ليك فيها، وعن خداعي ليك
نظرت إليه للحظة، ثم تابعت، عيناها تحملان مزيجًا من الحزن والإصرار الذي لا يتزحزح :
مهما حاولنا، مستحيل نرجع زي ما كنا، لا أنا هنسى كلامك اللي وجعني، ولا انت هتنسى اللي انا عملته، فأفضل حاجة نقدر نعملها لنفسنا... إننا ننهيها بهدوء، أنا تعبت كتير في حياتي، ومعنديش استعداد أكمل اللي باقي منها في وجع وتعب....
كانت كلماتها ثقيلة كالصخر، لكنها واضحة، كأنها تضع نقطة النهاية في قصة استنزفت كل ما فيها، بقي يزن في مكانه، صامتًا، عاجزًا عن الرد، لكنه أدرك في تلك اللحظة أن ما بينهما انتهى وأن نظراتها الأخيرة كانت تحمل الحقيقة المؤلمة لم يعد في قلبها له مكان...ولن يعود أبدًا
اقترب يزن منها بخطوات ثقيلة، الصمت يلف المكان كأنه شاهد على وداع لن يُنسى نظر في عينيها للحظات، وكأن الكلمات تخونه أمام ما يشعر به، دون أن ينطق، مد ذراعيه واحتضنها بقوة، حضن كان يحمل كل ما لم يستطع قوله، حضن وداع عرف كلاهما أنه الأخير
لم تتردد بسمة، بل احتضنته هي الأخرى، بقوة لا تعبر عن ضعف بل عن وداع مُر، عن لحظة تُسدل فيها الستارة على قصة لم تعد تنتمي لهما
بعد لحظات، ابتعد يزن قليلاً، نظر إلى ملامحها كأنه يحفظها في ذاكرته للأبد، ثم لثم جبينها برقة، كان صوته مبحوحًا، يحمل كل الألم الذي يعجز قلبه عن تحمله، حين قال أخيرًا :
أنا آسف....انتي طالق يا بسمة!!
تراجعت بسمة خطوة إلى الوراء، ثم زفرت بعمق كأنها تطلق سراح سنوات من الألم والوجع، شعرت بثقل ينسحب من على صدرها، وكأنها أخيرًا تنفست بحرية
خرج يزن بخطوات بطيئة، كأن كل خطوة تمزقه أكثر، وما إن أغلق الباب خلفه، حتى خانتها دموعها....تركتها تسيل بلا مقاومة، دموع لم تكن على فراقه فقط، بل على سنوات من الحب والوجع والخوف، انتهت أخيرًا
بكت بسمة بحرقة، لكنها في أعماقها شعرت براحة غريبة، راحة منحتها يقينًا بأن هذا القرار، رغم ألمه، كان خلاصًا لها !!
........
خرج الطبيب أخيرًا من غرفة العمليات بعد ساعات طويلة من الانتظار، وجهه يحمل مزيجًا من الإرهاق والأسف، نظر للحضور بعينين مثقلتين وقال :
الإصابة خطيرة جدًا وقريبة من العمود الفقري، للأسف هو كمان دخل في غيبوبة، احنا عملنا كل اللي نقدر عليه، والباقي على ربنا.....ادعوله
كلماته كانت كالسيف، شقت الصمت لتترك وراءها وجعًا عميقًا لم تتحمل أماليا الصدمة، فانهار جسدها وانهارت معه قدرتها على المقاومة.....سقطت مغشيًا عليها، بينما عمار شعر وكأن الأرض قد سُحبت من تحت قدميه، ترنح جسده وسقط جالسًا على مقعد خلفه، لم يكن يبكي بصوت عالي، لكن دموعه سالت صامتة، ثقيلة، رفع عينيه نحو أماليا الملقاة على الأرض، وإحساس بالمسؤولية نحوها تملك منه.....إنها تخص شقيقه.....سفيان دفع حياته ثمنًا لحمايتها !!
حمل علي شقيقته "أماليا" مسرعًا إلى غرفة الطوارئ، بينما بقي عمار في مكانه، عاجزًا عن استيعاب ما حدث، بدا وكأن الوقت قد توقف من حوله، عقله يتخبط بين مشاعر الصدمة والخوف، لكنه أفاق فجأة على صوت فريدة، التي انفجرت غاضبةً، توجه كلماتها إلى ميان كأنها سهام مسمومة، قائلة :
كله منك...انتي السبب، منك لله، كان فيها إيه لو سامحتيه، فضل يجري وراكي عشان بس ترضي عنه، لكن انتي عملتي ايه، بكل برود اتجوزتي غيره وعيشتي حياتك وسبتيه ضايع عايش غي وجع وهم
لم تستطع ميان أن تتحمل تلك الاتهامات الظالمة، فقاطعتها قائلة بصوتٍ مرتفعٍ مليء الغضب، لتواجهها بحقيقتها :
اسكتي بقى، انتي إيه يا فريدة، مش بتتعلمي، حفيدك اتعلم، وانتي لسه، اللي سفيان فيه ده بسبب عمايله، محسساني إني أنا اللي قتلت ابني بإيدي، وان أنا اللي ضربت نفسي لحد ما كنت بين الحيا والموت، سفيان هو اللي وصل الحال بينا لكده، خليكي حقانية، بدل ما تدعيله إنه يقوم بالسلامة، جاية تفتري وتدوسي عليا أكتر....... اتقي الله !!!
نظرت فريدة إليها بغل، وقالت بحدة :
انتي لعنة....لعنة في حياة حفيدي
اشتعلت عينا ميان بالغضب، وصاحت بصوتٍ حادٍ :
مفيش لعنة غيرك انتي....انتي اللي شيطانة وأنانية، مش شايفة غير نفسك وأحفادك، ولأخر مرة يا فريدة بحذرك انك تتكلمي معايا بالأسلوب ده، ولو كنت سكت زمان فدلوقتي لأ، الزمي حدودك معايا
لم تتحمل فريدة هذا الرد، فتقدمت نحو ميان بغضبٍ عارم، ثم رفعت يدها لتصفعها وهي تصرخ عليها بغل :
اخرسي، محدش هنا أناني غيرك، انتي اللي سبتيه وروحتي لغيره، عمرك ما حبيتيه!!!!
لكن قبل أن ترفع يدها على ميان، تدخل فارس بخطوة سريعة، جذب ميان لتقف خلفه، ثم أمسك يد فريدة بقبضة قوية، وواجهها بنظرةٍ ملأها الغضب والهيبة، قائلاً بصوتٍ حازم، يحمل نبرة صارمة أرعبت فريدة وأجبرتها على التراجع :
أنا ساكتلك لحد دلوقتي وبعدي، لكن تتجرئي وترفعي إيدك على مراتي، لا، هنا بقى مفيش سكوت، مش هعمل اعتبار حتى لابنك اللي جوه ده، الزمي حدودك يا فريدة، وافهمي كويس إن مراتي خط أحمر، وإن كان زمان حفيدك سمحلك تقللي منها، فأنا بقولك دلوقتي لا، وألف لا واللسان مش بس الايد، اللسان اللي يترفع على مراتي ولو بكلمة ما تعجبنيش، أقطعه....فهمتي !!
بعد ساعات طويلة من الصمت، استفاقت أماليا، أنفاسها مضطربة وعيناها تبحثان عن الأمان وسط الفوضى التي اجتاحتها تذكرت كُل شيء فجأة، كسيلٍ اجتاح ذاكرتها دون رحمة لم تنتظر لحظة أخرى، بل دفعت جسدها المثقل بالضعف وركضت خارج الغرفة، قلبها يتخبط بين ضلوعها كطائر جريح، ولكن خطواتها توقفت فجأة عندما وجدت عمار، شقيق سفيان، يقف أمامها بوجه متماسك يخفي خلفه حزنًا جارفًا، تنهد ثم قال لها بصوت متزن يحمل في طياته رجفة خفية :
سفيان هيكون كويس...عدى بأصعب من كده ووقف على رجليه. هو قوي ، بس دلوقتي دورنا إحنا نكون أقوى عشان
توقف للحظة كأن كلماته تخونه، ثم تابع، وصوته يزداد وهنًا :
يمكن سفيان يبان صعب....قاسي حتى، بس من جواه...فيه خير كتير،هو مش وحش زي ما ناس كتير شايفاه، بس هو كان ضحية....ضحية وجع أمي....امي اللي كسرتنا، انا مش عارف انتي تعرفي حاجة عن الموضوع ده ولا لأ، بس الست دي سببت لينا جروح.....جروح ما اداوتش لحد دلوقتي، وعاوز أقولك حاجة كمان الصدمات تأثيرها على الناس مش زي بعض، أنا قدرت أكمل، لكن هو لسه بيحاول.....لسه بيحارب نفسه كل يوم عشان يكون أفضل
رفعت عينيها الممتلئتين بالدموع وسألته بصوت مختنق :
هيبقى كويس...قولي إنه هيبقى كويس!!!!
تنهد بعمق ثم رد عليها :
إن شاء الله هيبقى كويس، بس هو محتاجنا....محتاج نكون معاه، مش ضده، محتاج إحنا اللي نشده، ونصدق إنه بيتغير، مفيش حد بيتغير لوحده
أومأت له مرات عديدة، وكأنها تستمد القوة من كلماته، ثم قالت بلهفة :
والله مش هسيبه تاني مهما حصل.....بس يقوم بالسلامة
ابتسم لها عمار ثم غادر، لكنها بقيت في مكانها، نظرتها متعلقة بالأرض، حيث كانت تشعر أن العالم كله ينهار من تحت قدميهاؤ التفتت إلى والدتها وإخوتها، وقالت بصوت خافت يحمل ثقلًا لا يُحتمل :
سيبوني لوحدي....لو سمحتوا !!!
رغم ترددهم، غادر الجميع، وتركوها تُصارع أفكارها. جلست على السرير للحظات، لكنها سرعان ما دفعت نفسها للنهوض، توضأت ببطء وكأن كل حركة هي جهاد مع ضعف جسدها طلبت من الممرضة ملابس للصلاة، ووقفت في الزاوية، تصلي وتبكي، كأنها تفرغ كل ما في قلبها من رجاء بين يدي الله
بعد ساعات بدت كأنها دهور، خرجت من غرفتها كأنها تحمل على كتفيها ثقل الزمن كله. نظراتها كانت زائغة، وكلماتها المرتبكة تخرج كأنها آخر رجاء، تتوسل للطبيب أن يسمح لها بالدخول، حاول أن يثنيها، ولكن أمام إصرارها....سمح لها
خطواتها داخل الغرفة كانت واهنة، تكاد لا تسمع لها صوتًا، كأنها تخشى أن تعبث بسكون اللحظة. الهواء كان ثقيلًا برائحة المعقمات وصفير الأجهزة، والضوء الخافت يزيد من ألم قلبها، تقدمت نحو السرير ببطء، وعندما وقعت عيناها على ملامحه الشاحبة، وكأن الحياة انسحبت منه ببطء، شعرت بشيء عميق ينهار بداخلها، إحساس حاد، كأنه شظايا زجاج مزقت روحها، جعل دموعها تتفجر بلا توقف!!!!
وقفت هناك، عاجزة عن لمس يده، وكأنها تخشى أن تكون لمستها هي السكين الذي يقطع الخيط الأخير الذي يربطه بالحياة، جلست بجواره، أمسكت بيده الباردة وضغطت عليها برفق، ثم همست بصوت يفيض بالألم :
هو ده وعدك، عاوز تسيبني من غير ما توفي بكل كلامك ليا، قوم.....بالله عليك قوم، بلاش تقهر قلبي كده، والله اي وجع ممكن أعيشه على إيدك أهون بكتير من وجع خسارتك، قوم، لو بتحبني.....متسبنيش لوحدي
تدفقت دموعها على وجنتيها، لكنها لم تتوقف وتابعت بقهر :
أنا ظلمتك لما فكرت إن الفرصة لعلاقتنا كتير عليك، كنت فاكرة إني بحمي نفسي منك، بس الحقيقة أنا كنت بظلمنا إحنا الاتنين، كنت عاوزاك تبعد عني علشان أهرب من ضعفي، بس والله مكنش قصدي تبعد خالص....مكنش قصدي تسيبني لوحدي في الدنيا دي....غيابك كسرني يا سفيان، انا خايفة اوي
شهقت من البكاء، ثم قالت بصوتٍ يتهاوى تحت وطأة ألم لا يُحتمل:
أنا مكنتش اعرف يعني إيه حب، ولا كنت فاكرة إني لما هحب هتوجع كده، ولا كنت متخيلة إني ممكن أعيش كل ده، بس لو رجع بيا الزمن، هختار أحبك برده، أنا مش عاوزة غيرك، يا سفيان.....قوم، عشان خاطري، أنا مش هسيبك تاني، وهفضل جنبك، وهنعدي كل ده سوا.....بس انت قوم
دفنت وجهها في كفه، ودموعها تغمره كأنها سيل جارِف همساتها كانت كالرصاص، تنطق بألم لا يُحتمل، وكأن كل كلمة تخرج منها تقطع قلبها :
ياريتني أنا اللي حصل فيا كده.....ولا اني أشوفك في الحالة دي.....بسببي
لم تكن تتوقع شيئًا، لكن فجأة شعرت بتشنج خفيف في يده. رفعت رأسها بذهول، وعيناها تبحثان بلهفة عن أي إشراقة للحياة...وفي لحظة صمت ثقيلة، سمعته يهمس بصوت خافت، مثقل بالتعب :
بعيد الشر عنك....
كأنما العالم توقف لثوانٍ، ثم عاد ينبض بالحياة من جديد، كما لو أن الوقت نفسه عاد ليتنفس من جديد!!!!!
.......
بعد وقت طويل من الترقب الممزوج بالخوف، خرج الطبيب أخيرًا، ارتفعت الأنظار نحوه بلهفة وقلق ينهش القلوب، لكنه ابتسم بهدوء وطمأنهم قائلاً بصوت ثابت :
الحمد لله، المريض استعاد وعيه وحالته مستقرة دلوقتي، الإصابات كانت خطيرة، بس التدخل الطبي المبكر ساعد في تقليل المضاعفات، هيفضل في المستشفى كام يوم تحت الملاحظة، عشان نتأكد ان مفيش مشاكل تانية، لكن الوضع بشكل عام أحسن من المتوقع
ارتاحت الأنفاس المكبوتة، وزفرت الصدور المتعبة، وعمت القاعة لحظة من الهدوء المشوب بالأمل، لكن أماليا لم تنتظر حتى تكتمل الكلمات، بل ركضت مباشرة إلى الغرفة، متجاوزة الجميع دون أن تلتفت إليهم، كأن شيئًا في داخلها كان يقودها بقوة نحو سفيان
دخلت الغرفة بخطوات متسارعة، وإذا بعينيها تقعان عليه، مستلقيًا على السرير، ووجهه الشاحب يعكس تعب ما خاضه الساعات الماضية
ابتسم لها سفيان، ابتسامة ضعيفة لكنها مليئة بالحب، وكأنها رسالة طمأنة من قلبه رغم وهنه، لم تستطع أماليا كبح دموعها التي انهمرت دون توقف، لكنها ابتسمت بسعادة غامرة، واقتربت منه بخطوات خفيفة، لتسمعه يقول بصوت خافت، متقطع :
انتي كويسة... مش كده؟
حركت رأسها وهي ترد عليه بصوت مختنق :
المهم انت....المهم انت تكون بخير
صمتت للحظة، ثم أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تخفض عينيها إلى الأرض، كأنها تخشى النظر إليه، ثم قالت بصوت منخفض، مليء بالندم :
أنا آسفة...
ابتسم لها سفيان رغم التعب الذي يكسو ملامحه، ورفع يده المرتجفة نحوها بإشارة خافتة يدعوها أن تقترب، لم تتردد بل اقتربت منه أكثر وجلست بجانبه على السرير
أمسكت يده بحزن، أناملها ترتجف بين أنامله الضعيفة، وعيناها تمتلئان بالدموع التي لا تستطع السيطرة عليها ظلت تحدق فيه، تبحث عن أي طمأنينة في ملامحه الشاحبة
ابتسم لها سفيان مرة أخرى، ابتسامة صغيرة لكنها مليئة بالحب، ونطق بصوت متعب لكنه عميق كأنه يسكب قلبه في كلماته :
فداكي عمري كله
تجمدت للحظة، كأن كلماته ضربت أعمق نقطة في روحها، ارتعشت شفتاها وهي تحاول أن ترد، لكن دموعها سبقتها، ضغطت على يده قليلاً وقالت بصوت مختنق :
أنا السبب في اللي أنت فيه، غلطت لما ركبت مع اللي اسمه عصام ده من البداية، كنت خايفة، ومع ذلك ركبت معاه.....سامحني انا غلطت!!!
ظلت تمسك بيده، تشعر بضعفها في مواجهة نظراته، بينما هو ما زال يبتسم بهدوء، وكأنه يريد أن ينزع عنها هذا الحمل الثقيل، فردد بصوت هادئ لكنه مليء بالحب والصدق :
أنا مستعد أفديكي بروحي، ماتفكريش في اي حاجة، الاهم دلوقتي انك هنا وفي امان
ارتجفت شفتاها وهي تحاول أن تنطق، لكن الكلمات أبت أن تخرج بسهولة، وكأنها تخشى مواجهة ثقل الحقيقة، ضغطت على يده برفق، وكأنها تتشبث بها كملاذ أخير، ثم رفعت عينيها إليه، صوتها كان مرتعشًا، مزيجًا من الندم والحيرة :
سامحني....سامحني على بُعدي عنك الفترة اللي فاتت، كنت مجروحة...كنت خايفة ومتلخبطة، كل حاجة جوايا كانت بتقولي إنك ما تستاهلش فرصة تانية، وإن حتى مشاعرك ناحيتي ممكن تكون مجرد وهم او خدعة....كنت شاكة في كل حاجة.....حتى في إحساسي!!!!!
صمتت للحظات، كأنها تحاول أن ترتب الأفكار المتشابكة في عقلها، ثم تابعت بصوت أضعف لكنه مليء بالتردد :
أنا مش عارفة....مش عارفة إذا اللي بعمله ده صح ولا غلط، خايفة أقرب منك وأندم.....وخايفة أبعد وأندم أكتر
تسارعت أنفاسها، وارتعشت يدها بين يده، قبل أن ترفع عينيها إليه مجددًا، كانت نظرتها تحمل كل الاضطراب الذي يعصف بها، لكنها أنهت كلماتها بصدق يمزق جدران الخوف :
بس...وسط كل الحيرة دي، جوايا حاجة بتقولي إني مش عاوزاك تبعد عني، وإن قلبي مش هيتحمل فراقك
ثم تابعت وعينيها مليئة بالرجاء، وقالت بصوت مرتجف :
ماتخلينيش في يوم أندم...ده طلبي الوحيد منك يا سفيان !!!
ابتسم سفيان ابتسامة مليئة بالحزن والحب في ذات الوقت، ورفع يده المرتجفة ليضعها على يدها، عينيه تحملان بحرًا من المشاعر لا يستطيع اللسان التعبير عنه، كأنهما تروي كل ما عجز عن قوله
تنهد بعمق، ثم نطق بصوت متعب، لكنه كان مشبعًا بقوة تنبع من قلبه :
انا مش عاوز الحادثة اللي حصلت دي تأثر على قرارك، اعتبري إن مفيش حاجة حصلت، أنا مش عاوز أضغط عليكي أو أجبرك على أي شيء، أهم حاجة عندي دلوقتي إنك تشوفي إنتي عاوزة إيه، وتاخدي قرار انتي متطمنة ومرتاحة ليه
ثم صمت لحظات، يأخذ نفسه من التعب، قبل أن يتابع بصوت مليء بالصدق :
مهما كانت مشاعرك، مهما كان القرار اللي هتاخديه، أنا هحترمه لو قررتي تقتربي اوعدك انك هتكوني أسعد واحدة في الدنيا، وهعمل كل اللي اقدر عليه عشان تكوني متطمنة معايا، وهعمل كل حاجة عشانك، عشان حياتنا تكون زي ما أنتي عاوزة، ولو لسه مش متأكدة، هفضل جنبك برده، وهحبك أكتر وأكتر، المهم بالنسبة ليا إنك تكوني مبسوطة، وكل خطوة هتخديها في حياتك أنا هكون فيها جنبك وهساعدك مهما كان......
ثم تابع بحب :
المهم انك تكوني سعيدة
صمتت أماليا للحظات، تتأمل كلماته، عيونها مليئة بالتردد والحيرة، لاحظ سفيان توترها، فابتسم بخفة، ورفع يده المرتجفة ليضعها على يدها بلطف، وقال بصوت هادئ، لكنه مليء بالحب :
بلاش دلوقتي، الحادثة ممكن تأثر على قرارك، فكري بهدوء، لما تحسي إنك أخدتي القرار الصح، هتلاقيني دايماً مستنيكي
أومأت له برأسها بامتنان، وعيناها مليئة بالتأمل، لا تصدق أن الشخص الذي أمامها هو ذاته من كان يُتهم بالوحشية، لم تكن قد اكتشفت بعد تفاصيل علاقته بوالدته وما حدث منها، لكنها كانت تشعر بصدق مشاعره، كان قلبها ينبض بطمأنينة تجاهه، ورغم ذلك، كانت لا تزال في حيرة من أمرها، القرار الذي ستتخذه اليوم سيحدد مصيرها، ومصيره، ومصير علاقتهما معًا....من الضروري أن تأخذ وقتها للتفكير، وأن تتأكد تمامًا من اختيارها قبل أن تتخذ خطوة قد تغير كل شيء !!
اطمأن الجميع على حالة سفيان، وكان أول من بادر إلى ذلك عمار، الذي لم يتمالك نفسه أمام مشهد شقيقه الملقى على السرير، فاقترب منه بحنان ممزوج بالندم، وأخذ يلثم جبينه، معاتبًا نفسه على تقصيره الفادح في حقه طوال الفترة الماضية، أما فريدة، فكانت تقف بجانب حفيدها، دموعها تنهمر دون توقف، وهي تراقب ميان وفارس بنظرات ملتهبة، عيونها مشبعة بالغضب والحقد
رغم امتنان والدة أماليا الكبير لتضحيات سفيان، إلا أن قلبها لم يعرف الراحة تجاهه، كيف لرجل يحمل ماضٍ مثقل بالأخطاء أن يكون شريكًا لابنتها، التي لا تزال في بداية حياتها وتستحق الأفضل، ترى ان ابنتها جديرة برجلٍ ناصع السيرة، يمنحها الأمان والاستقرار، أما إخوتها، فقد أبدوا شكرًا شكليًا، لكن عيونهم عكست حقيقة مشاعرهم، اعتقادهم أن ما فعله سفيان، مهما كان، لن يُغير مكانته في نظرهم ولن يجعل منه الخيار المناسب لشقيقتهم
أما سفيان، فاكتفى بتحريك رأسه بصمت، وهو يعتمل بداخله غضب مكتوم تجاه والدة أماليا التي لم يغفر لها بعد كشفها لماضيه بهذه الطريقة المهينة وعلى مضض، غادرت أماليا مع والدتها، التي أصرت بعناد على رفض بقاء ابنتها معه في المستشفى، لكن سفيان، الذي لاحظ التوتر الحاد بينهما، أشار لها بنظرة خفية، مشجعًا إياها على الرحيل ثم قال للجميع بهدوء :
انا كويس وهنام وارتاح، ملوش لزوم تفضلوا هنا
غادرت أماليا مكرهة، لكنها وعدت نفسها بالعودة في الصباح، فيما تبعها الجميع واحدًا تلو الآخر بعدما اطمأنوا عليه، تبقى في الغرفة فقط فريدة، وعمار، وقصي، وفارس، وميان التي قالت بهدوء لسفيان :
ألف سلامة عليك يا سفيان
أومأ لها سفيان برأسه بصمت، ولم يُظهر سوى نظرة ممتنة، مدركًا لمشاعر فارس، الذي اكتفى هو الآخر برد مقتضب :
ألف سلامة عليك
........
بعدما وصل ميان وفارس إلى المنزل، جلست بصمت على الفراش، وكأنها تحاول لملمة شتات يومها، دقائق مرت قبل أن يأتي فارس ويجلس بجانبها، يسألها برفق :
سرحانة في إيه يا حبيبتي؟
رفعت ميان رأسها ونظرت إليه، لم تحتاج إلى التفكير، فقد كان فارس دائمًا توأم روحها، ذلك الشخص الذي تلجأ إليه بكل ثقة لتكشف عن أعمق أفكارها، بدأت تتحدث وكأنها تخاطب نفسها، وهي واثقة أنه سيفهمها دون عناء:
في سفيان... اللي حصل انهارده كان صعب أوي، أماليا صعبانة عليا....وسفيان كمان، يمكن تستغرب كلامي دلوقتي، بس سفيان من جواه فعلاً كويس، بس أقولك على حاجة....
أومأ لها فارس بصمت، مستعدًا لسماع ما تبقى، فتابعت بحزن وهي تشرد بعيدًا :
أنا للحظة حسيت بزعل لما افتكرت إني كنت في موقف مشابه....وهو مكنش معايا زي ما كان معاها، لما زاهر خطفني واتحبست ومكنش واقف جنبي ولا اهتم حتى يسأل عني، زعلي والله مش حب ولا غيرة، بس كشعور......هل أنا ما استاهلش!!!
صمت فارس، وهو يعرف جيدًا أن مهما حدث سيظل الماضي يثقل على قلبها، ويعلم أن الحمل زاد من حساسيتها وتخبطها، لذا وبدون حديث، جذبها إليه يحتضنها بحنان وكأن صدره مكانها الآمن الوحيد، فهمست له ميان بصوت متعب :
أنا تعبت أوي انهارده يا فارس...!!
ثم غفت بين ذراعيه، وغفا هو الآخر، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة لتخرج كل ما يثقل قلبها دفعة واحدة، بعد يومٍ طويل من التوتر والذكريات المؤلمة، وجدت في حضنه ملاذًا أخيرًا، وكأن التعب الذي كبلها قد انساب معها في تلك الراحة الصامتة، تاركًا قلبها أخف، وعقلها أكثر هدوءًا
.......
مرت الأيام واستطاع سفيان مغادرة المستشفى دون أن تترك إصابته أثرًا على حركته، كما اخبرهم الأطباء مسبقا خلال تلك الفترة، لم تتوانَ أماليا عن زيارته باستمرار، متجاهلة اعتراض والدتها وغضبها، وهو الأمر الذي كان مصدرًا لسعادة سفيان الغامرة، لا سيما حين وافقت أخيرًا على منح علاقتهما فرصة
مر شهر تقريبًا، وفي صباح يوم جديد، عقدت أماليا العزم على مواجهة والدها بكل ما حدث اتجهت إلى شركته دون إخبار والدتها، استقبلها والدها "هاشم السباعي" بابتسامته المعتادة التي تشيع طمأنينة في النفس، لكنها هذه المرة لم تستطع أن تشعر بها، إذ أثقل صدرها ما ستقوله !!
أخذت نفسًا عميقًا، ثم سردت كل ما حدث خلال الفترة الماضية وما إن انتهت، حتى نظر إليها والدها بعينين تنطقان بالعتاب، وقال بهدوء :
وأخيرًا قررتوا تعترفوا بوجودي؟ وتقولولي إيه اللي بيحصل في حياة بنتي؟
خفضت أماليا رأسها بخجلٍ واضح، بينما تابع والدها بنبرة يملؤها التأنيب :
انا كنت عارف كل حاجة من الأول، راقبت من بعيد واستنيت حد فيكم يجي يحكيلي.....لكن ده ماحصلش
ردت عليه أماليا بتبرير :
حضرتك كنت مسافر
أجابها بسخرية لاذعة :
ورجعت.....وكمان، في حاجة اسمها تليفون لو تعرفوا عنه
لم تجد ما ترد به، فظلت صامتةً تحت وطأة الحرج، فتابع والدها بنفس النبرة :
وجايالي هنا بدل والدتك، عشان عارفة إنها رافضة الموضوع ده من أساسه، قولتي لنفسك أروح أصارح بابا، يمكن يوقف جنبي
انسابت دموعها خلسةً وهي تتلقى كلماته كطعنات، لكن والدها لم يتراجع، بل قال بحسم :
لكن المرة دي، أنا مش معاكي في اللي عايزاه
رفعت رأسها تنظر إليه بصدمة، ثم قالت برجاء :
ليه يا بابا....سفيان كويس هو بس
قاطعها قائلاً بحدة :
مفيش بس ده سمعته سبقاه، كان متجوز قبلك مرتين، ومراته التانية اتهمته إنه اتهجم عليها ليلة فرحهم، مراته التانية هي نفسها مراة فارس دلوقتي، والأولى خانته، وسيرته كانت على كل لسان.....ده غير ماضي أمه اللي كل الناس بتتكلم عنه
ثم تابع بصرامة :
الأحسن نبعد عن العيلة دي كلها، وبعدين من قلة الرجالة روحتي تختاري ده ؟
ردت عليه أماليا بصدق:
ـحبيته يا بابا، بتلوموني عشان اختارته من كل الناس، و متمسكة بيه، زي ما حضرتك عملت زمان مع ماما واتمسكت بيها
نظر إليها والدها فقالت بحزن :
مش حضرتك حكيت بنفسك إنك اتحديت الكل عشان تتجوز ماما رغم إنها كانت مطلقة، وقولت إنك ما اهتمتش بماضيها وإنك حبيتها وشفت إنها تستاهل فرصة، أنا كمان حبيت سفيان، وقلبي مصدق إنه اتغير ولسه هيتغير كمان للأحسن
رد عليها والدها بحزم :
كل دي احتمالات، ومفيش حاجة أكيدة
تنهدت أماليا ثم أجابته بإصرار :
حتى حضرتك لما ارتبطت بماما، كانت احتمالات، ومفيش شيء أكيد إن حياتكم هتنجح
ثم نظرت إليه برجاء وقالت :
أنا واثقة إنه اتغير، وحتى لو ما اتغيرش بالكامل، يكفي إنه بيحاول، ما ينفعش كلنا نتخلى عنه، سفيان محتاج انه يشوف اننا كلنا مصدقين تغيره ولو ده حصل هنشوف احسن ما فيه مع الوقت
لم يرد والدها، واكتفى بإشاحة وجهه عنهاؤ لكنها تابعت بلهجة رجاء :
أنا كبيرة كفاية يا بابا، واعرف ازاي أفرق بين الصح والغلط ليا، سيبني أقرر لوحدي، ولو غلطت هتعلم....محدش بيتعلم ببلاش.....بس أرجوك، اقعد معاه وشوفه بنفسك واسمعه
صمت والدها طويلًا قبل أن يقول باقتضاب :
خليه يجيلي هنا بكرة الساعة عشرة الصبح
تهللت ملامحها بسعادةٍ غامرة، فاندفعت تعانقه بامتنان، بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة لم تستطع أن تراها !!
........
جلس سفيان مع والد أماليا في اليوم التالي، وكان الجو مشحونًا بالتوتر، نظر سفيان إلى وجه والدها، الذي بدت على ملامحه جدية عميقة، وكأن الكلمات التي سيقولها ستحمل الكثير من الثقل وقبل أن يفتح سفيان فمه ليبدأ الحديث، سبقه والد أماليا، الذي نظر إليه وسأله :
بتحب بنتي؟
رد عليه سفيان فورًا، دون أدنى تردد أو شك :
بحبها طبعًا
نظر والد أماليا إلى عينيه لبرهة، ثم سألخ بصوت عميق، وكأنه يريد أن يتأكد من صدق ما يسمع :
وهل مستعد تعمل أي حاجة هطلبها منك عشان اسلمك بنتي وانا مرتاح
أومأ له سفيان برأسه بجدية، وعيناه مليئتان بالثقة، قائلاً بلا تردد :
مستعد أعمل أي حاجة، المهم تكون اماليا مبسوطة، ده الأهم بالنسبة ليا
تنهد والد أماليا قليلاً، ثم نظر إلى سفيان وقال بضيق :
شوف انا مش عاوز اظلمك واكون قاسي في حكمي عليك، انا عارف ان كل شخص يستحق فرصة تانية في الحياة ويا يستغلها صح يا يستغلها غلط وانا مش عاوز لو دي تكون موجودة، ومش عاوز اسلمك بنتي وانا عندي أحتمال واحد في المية انك هتأذيها
أخذ سفيان نفسًا عميقًا، ثم قال بثبات :
أنا عارف إن الماضي بتاعي ميشجعش حد إنه يثق فيا، وعارف إن أماليا تستحق حد أحسن مني،بس أنا بحبها بجد وهي تستحق إني أحاول أكون الشخص اللي يناسبها، الماضي خلاص انتهى، وميش بإيدي أغيره، بس المستقبل لسه قدامي وكل لحظة جاية هعمل فيها كل اللي أقدر عليه عشان أستحقها، وعشان ميجيش يوم تندم على قرارها
توقّف للحظة، ثم تابع بصوت مليء بالثقة :
كل اللي تطلبه مني وأي حاجة تشوف إنها هتطمنك على بنتك معايا، أنا موافق عليها ومن غير حتى ما أعرفها
صمت المكان للحظات ثقيلة، كان والد أماليا يحدق فيه بصمت، يتأمل ملامحه التي عكست صدقًا وإصرارًا واضحين. لم يكن القرار سهلًا، لكنه شعر بأن هذا الشاب يستحق فرصة
وأخيرًا، قال بعد صمت دام دقائق طويلة :
خطوبة سنتين
نظر سفيان إلى والد أماليا بعيون مليئة بالإصرار وقال رغم ضيقه من طول المدة :
موافق، وأنا هعتبرها فرصة أثبت لحضرتك إنك كنت على حق لما فكرت تديني الثقة، وهثبت ليها كمان إنها اختارت صح
تنهد والد أماليا بعمق وقال :
شوف يا سفيان، الكلام سهل، لكن الفعل هو اللي بيأكد السنتين دول مش مجرد وقت، هما اختبار أنا مش عاوز أشوف حاجة غير إنك فعلاً قادر تتحمل المسؤولية وتديها الحياة اللي تستاهلها لو شوفت حاجة واحدة بس تخوفني، الموضوع اعتبره أنتهى مفهوم
حرك سفيان رأسه بإيجابية، وقال بنبرة واثقة :
حقك تطلب ده، وواجبي أثبت لحضرتك إن أماليا هتكون في أمان معايا، وصدقني انا بجد بحبها من قلبي واي حاجة هعملها عشانها وبس والأهم من ده كله انها تكون مبسوطة
ابتسم والد أماليا بخفة وقال:
طيب يا سفيان، يبقى كده الخطوبة هتكون سنتين ولو كنت فعلاً الشخص اللي أماليا شافت فيك، مش هتلاقي مني أي اعتراض بالعكس هتكون ابني زيها ويمكن اكتر
نهض سفيان واقفًا ومد يده إلى والد أماليا قائلاً :
وعد مني، مش هخيب ظنك ولا ظنها، شكرا إنك اديتني الفرصة دي
صافحه والد أماليا بهدوء، لكنه شعر بشيء عميق يتسلل إلى قلبه كان في عيني سفيان صدق لا يمكن إنكاره، وكأنهما تعاهدتا معه دون كلمات رأى فيه إصرارًا لا يلين، وثقة لا تعرف التردد، وكأن هذا الشاب أمامه مستعد أن يحارب العالم بأسره ليكون جديرًا بأماليا
في تلك اللحظة، لم يرى فيه فقط عاشقًا، بل رجلاً يحمل ثقل المسؤولية على عاتقه شعر بتمسكه الصادق ببنته، ليس طمعًا في الفوز بها، بل إيمانًا بأنه يمكنه أن يكون الشخص الذي تستحقه، كان كمن يقول بصمته "أماليا أمانة لن أخونها، وأمل لن أضيعه" ورغم الحذر الذي ظل يحيط بقلبه كأب، وجد نفسه يضع بداية صغيرة من الثقة، وكأن حرارة يد سفيان تنقل له وعدًا صادقًا، وعدًا لم يُنطق بالكلمات، لكنه كان حاضرًا في كل نظرة وإيماءة
.........
ما إن علمت والدة أماليا بما حدث حتى ثارت ثورة عارمة، رافضةً الأمر بشدة، ومعلنةً معارضتها دون تردد. لكن حينما كُشفت لها تفاصيل فترة الخطوبة الطويلة التي ستسبق الزواج، هدأت ثورتها شيئًا فشيئًا. وبفضل إصرار زوجها وحكمته في شرح أبعاد الموضوع، بدأت تتقبل الأمر على مضض، مستسلمةً في نهاية المطاف لإرادة ابنتها. وكذلك كان الحال مع أشقاء أماليا، الذين قبلوا الوضع بعد جدلٍ طويل، وإن كان قبولهم يحمل ظلالًا من التحفظ.
مرت الأشهر على الجميع بهدوء، حيث استقرت حياتهم بشكل ملحوظ. وجاءت لحظة إعلان خطوبة أماليا وسفيان، مناسبة حضرتها الأسرة كاملة دون استثناء. بدا على الجميع الفرح، حتى أولئك الذين حملوا في قلوبهم ذكريات مريرة عن أفعال سفيان السابقة لم يستطيعوا أن يمنعوا أنفسهم من المشاركة في الاحتفاء ومع ذلك، ظلَّت قلةٌ قليلة منهم تراقب الموقف بحذرٍ وصمت
في الوقت ذاته، أنجبت لينا طفلتها الأولى، التي أسمتها "ميان". كان الخبر بمثابة شعلة أضاءت سماء العائلة، إذ أضفى فرحًا وسعادةً على الجميع، عدا فريدة التي أُشعلت في قلبها نيران الحقد والغضب، وكأن الاسم وحده قد أثار شيئًا دفينًا في صدرها. على النقيض، رحبت ميان بالخبر بحبورٍ كبير، خاصة حينما وجدت في عمار دعمًا صادقًا لا يتزعزع كان عمار أكثر من سعيد بالمولودة الجديدة، بل بدا كأنه يعيش لحظة خاصة تفوق سعادة الأم نفسها
يوم ولادة الطفلة، كان لعمار كلمات عميقة همس بها إلى ميان، تحمل بين طياتها حبًا أخويًا صادقًا :
دي أقل حاجة أقدمها ليكي يا ميان، بفضلك أنا وقفت على رجلي من تاني، ولولاكي كان زماني خسرت كل حاجة، لينا، ونفسي، والناس كلها، فضلك عليا كبير اوي
ومع مرور الوقت، بدأت ميان ولينا تتأقلمان مع حياة الأمومة، وسط دهشة كارم وفارس، اللذين كادا يُجنان من تقلبات الوحم والهرمونات مشاعر متضاربة وأحداث متسارعة، لكن وسط كل ذلك، بقيت السعادة الحقيقية تخترق كل العوائق، معلنةً عن بداية فصل جديد من حياة العائلة
.........
ذات ليلة هادئة، حين ألقى الليل ظلاله الثقيلة على أرجاء المكان، كانت ميان تجلس على الفراش بجانب فارس، بدت مضطربة، لا تكف عن الحركة في مكانها، حاولت أن تتجاهل هذا الإحساس الغريب الذي يعصف بها، لكن شيئًا أقوى منها كان يدفعها نحو فارس
بنظرات مترددة، ألقت عينها عليه، كان يجلس بجانبها يعبث بهاتفه، لم تستطع كبح رغبتها أكثر من ذلك، فاقتربت منه بهدوء، وبدأت تشتم رائحته بنهم !!!
انتفض فارس فجأة من مكانه، ينظر إليها بدهشة علت وجهه، وقال بصوت يحمل بين طياته مزيجًا من الاستغراب والمرح :
بتعملي ايه يا ميان ؟
لم ترفع ميان رأسها، بل واصلت ما تفعل وكأنها مسحورة، تهمهم بارتياح يكاد يكون طفوليًا، فتزايدت دهشة فارس وهو يراقبها غير مصدق، حاول أن يدفعها برفق، لكن ضحكة خافتة أفلتت من شفتيه حين قال بمرح :
اه الحكاية يا ميان هانم ؟
توقفت ميان فجأة، ووجهها اكتسى بحمرة الخجل. نظرت إلى الأرض محاولة أن تتجنب عينيه وهي تتمتم بصوت خافت :
أنا... أنا... أنا بتوحم على ريحتك!!!!!!!
تفاجأ فارس بردها، لكن سرعان ما انفجر ضاحكًا بصوت عالٍ، لم يكن قادرًا على التوقف، فكلما حاول أن يهدأ كانت ضحكاته تعود من جديد
بينما ميان لم تستطع تحمل ضحكاته، فلكَمَته بخفة على صدره وقالت بتذمر وهي تحاول إخفاء ابتسامتها :
بطل تضحك عليا، أنا غلطانة إني قولتلك أصلاً
لكن فارس لم يتوقف عن الضحك، بل جذبها إليه في حضنه بكل عفوية، لا يزال يضحك من قلبه، وهو يشعر بالسعادة البسيطة في تلك اللحظة
سرعان ما ضحك أكثر عندما لاحظ أن ميان بدأت تشم رائحته من جديد بنفس الطريقة، كأنها لا تستطيع مقاومتها !!!!
........
بعد مرور اشهر طويلة في غرفة العمليات، حيث كانت الأضواء ساطعة كأنها مصابيح عملاقة تضيء مسرح عرض، كانت "ميان" تجلس على السرير، مُحاطة بكل أنواع الأجهزة الطبية، وفارس يقف بجانبها، يتأرجح بين القلق والارتباك، يحاول تهدئتها :
اهدي يا حبيبتي، كله هيكون تمام
قالها بلهجة تُشبه من يُهدئ عاصفة في فنجان شاي و
لكن بالنسبة لميان كانت كلماته لا تُعطي نتيجة، بل كانت كالشخص الذي يُحاول إخماد نارٍ مشتعلة بقطعة ثلج
بينما كانت ميان تأخذ نفسًا عميقًا، انطلقت صرختها في أرجاء المستشفى :
منك لله ، كان مالي ومال الحب وسنينه والولادة و كل ده ، منك لله مش مسمحاك يا فارس !!!
حاول تهدئتها لكن صرخاتها كانت تجذب انتباه الجميع في المستشفى، كأنها تعقد حفلة صاخبة بلا دعوة :
بطل تقولي اهدي، تعالى جرب اولد مكاني وشوف هتعمل إيه !!!!
في تلك اللحظة، اندلعت ضحكات من الخارج كان الجميع يتخيل كيف يمكن لفارس أن ينجو من غضب ميان وكأنهم يتابعون عرضًا كوميديًا
في تلك اللحظة، انبعث صوت صراخ مدوٍ في المكان، صوت كان يعرفه الجميع، فقد كان صوت "همس" التي كانت تصرخ من شدة الألم، جاء كارم من خلفهم وهو يحملها بين ذراعيه، وملامح وجهه تعبر عن القلق الشديد
كانت همس تلهث، وألم الولادة يعصر قلبها، لكنها لم تتوقف عن إلقاء كلماتها الغاضبة على كارم :
منك لله... منك لله مش قادرة هموت من الوجع أنا مش عاوزة أولد، ومش عاوزة الحب...وسنينه، رجعني عند بابا.... آه....حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا كارم
ضحك الجميع رغم قلقهم البادي على وجوههم، ولكن لم يلبث الوقت طويلاً حتى خرج فارس من غرفة العمليات، وهو يحمل طفلين صغيرين، وفرحة عارمة تملأ قلبه !!!
كان الجميع في غاية السعادة، وقلبه اكثرهم فرحاً، فقد كانت المفاجأة الكبرى أن الله رزقه بتوأم، صبي وفتاة، فهو وميان لم يكشفوا عن نوع الجنين، واختاروا ان تكون مفاجأة للجميع
أخذ والد ميان الطفلة بين يديه، بينما دموعه تنهمر من شدة الفرح، وهو يردد بتسبيح وحمد :
ما شاء الله تبارك الله
وفي تلك اللحظة، بدأ فارس يُؤذن في أذن الطفلة الصغيرة، وكذلك فعل والد ميان وها هي دموع الفرح تسيل من عينيه، وهو يقف في تلك اللحظة شاكراً الله على نعمته
ثم، بعد قليل، خرج كارم من غرفة العمليات وهو يحمل طفله بين ذراعيه، وجهه متعب ومنهك، لكن عمار لم يستطع إلا أن يطلق ضحكة، قائلاً بمرح '
ده واضح إن همس قامت بالواجب
ضحك الجميع، وتوالت الضحكات في المكان، أخذ عاصم الطفل من يدي كارم بسعادة تغمر قلبه وهو يحمل قطعه من ابنته
كانت لحظة سعيدة، لحظة انتعشت فيها الأرواح وزادت الحياة بهجة وحبّاً، العائلة أصبحت أكبر بثلاثة أفراد، تم تسمية الطفل "سيف" من قبل كارم وهمس، بينما اختار فارس وميان أن يسميا توأمهم "أوركيد" و"مروان" على اسماء اشقائهما الراحلين سعادة كبيرة غمرت أهله وأهلها
كانت لحظة مفعمة بالفرح والدموع، لحظة شهدت على بداية جديدة، على حياة جديدة، وعلى الحب الذي لا يزول
.........
أصبح يزن في عزلة تامة، حبيسًا داخل غرفته لأشهر طويلة، يبتعد عن الجميع، لا يشارك في شيء، ولا يجيب على أحد كانت الأيام تمر ببطء وبصمت مطبق، وكأن الحياة توقفت بالنسبة له....لكن اليوم، وعلى نحو مفاجئ، قرر أخيرًا الخروج، كان يجر قدميه في الشوارع بخطوات ثقيلة، يشعر وكأن العالم نفسه اصبح يرفضه، لكنه كان مضطراً للاستمرار
توقف فجأة أمام بناية قديمة، وقد وقع نظره على لوحة معدنية تعلن عن "عيادة الدكتور أشرف نعمان – استشاري في الطب النفسي" تأمل البناية لبضع لحظات، وكأن تلك اللحظة كانت محورية في حياته، تحمل بين طياتها مشاعر متناقضة من التردد والقرار ورغم الخوف الذي تسلل إلى قلبه، كان يشعر بشيء من الأمل في داخله
وبعد لحظة صمت، حسم يزن أمره ودخل المبنى بخطوات ثابتة، عازمًا على إصلاح نفسه وحالته النفسية، كانت تلك اللحظة بداية جديدة، خطوة أولى نحو التغيير ورغم إدراكه أن الطريق سيكون طويلاً وصعبًا، كان لديه يقين واحد لا بد له من البدء !!!!!
.......
مر الوقت بسرعة، والجميع كان يعيش في استقرار وسعادة، كل واحد منهم وجد طريقه أخيرًا وحقق ما كان يطمح إليه. كانت حياتهم مليئة بالإنجازات الصغيرة والكبيرة، كل منهم يسير نحو هدفه بثقة، بينما كانت روابطهم تتعزز أكثر فأكثر أما سفيان، فقد ظلَّ متمسكًا بوعده خلال هذه الفترة، كان يسعى جاهدًا ليُثبت للجميع أنه قد تغيّر بدأ يشارك بفاعلية في كل ما حوله، يشارك في الأحاديث، ويقدم المساعدة حيثما أمكنه، ويظهر التزامًا في كل شيء يفعله لم يكن التغيير مجرد أفعال سطحية، بل كان يعكس تحولًا حقيقيًا في شخصيته، مما جعل الجميع يلاحظون تطوره ويقدرونه أكثر.
...........
الخاتمه
مرت السنوات، هادئة حينًا، وعاصفة حينًا آخر، لكنها حملت في طياتها دروسًا عصية على النسيان، اكتشفوا خلالها أن الحب ليس كلمة تقال على عجل، ولا وعدًا يُكتب على ورق بل هو شعورٌ يتغلغل في الروح، أمانٌ تسكن إليه النفس، وثقةٌ تمتد كجسر بين قلبين مهما فرقتهما العواصف،الحبُ، في جوهره، صِدقٌ وثقة...صِدقٌ يُعري القلب من الزيف، وثقةٌ تُشيد بين الأرواح حصونًا لا تهدمها يد الزمان
على شاطئ البحر، كانت ميان تسير بمحاذاة فارس، ذاك الرجل الذي صار ملاذها الوحيد بعد سنواتٍ من العتمة، يحمل طفلتهما "أوركيد" بذراعه.....نسخة مصغرة منها، بالشكل والطباع، وفي ذراعه الأخرى احتضن خصرها، كأنما يحاول أن يطوقها بكل ما في العالم من أمان ،في حضنها الصغير كانت تحمل "مروان" توأم أوركيد والذي ورث ملامح والده، بعينين تعكس فيضًا من قوة فارس ودفء حضوره
جلسوا على مقعد خشبي مطل على البحر، وأمامهم ركضت أوركيد ومروان بخطوات طفولية متعثرة، كأنما الأرض كلها ملعبهما، كانت ميان تراقب المشهد بصمت، بقلبها قبل عينيها، ونبضاتها تتباطأ كأنما تعيش لحظة خالدة خارج الزمن
تأملت وجه فارس الذي غلبته ضحكة صافية وهو ينظر إلى أطفالهما، فشعرت بشيء من الطمأنينة يتسلل إلى أعماقها كم تبدو الحياة سخية بعد كل هذا الألم
كانت تظن أن ما عاشته من ألم هو النهاية، وأن كل شيء قد انتهى حين.....حين فقدت كل شيء، لكنها الآن تدرك أن الله أعد لها ما هو أعظم، وأن الألم الذي عاشته لم يكن سوى طريق للسعادة التي تعيشها الآن، فارس لم يكن زوجها فقط، بل كان النور الذي أخرجها من العتمة، اليد التي أمسكت بها حين كادت تغرق، والقلب الذي أعاد إليها معنى الحب
أما فارس، فقد كان يراها بطريقته، تأمل ابتسامتها الصافية، نظرتها الممتنة، وتلك الشرارة الخافتة التي ما زالت تسكن عينيها....يفهم كل ما يدور في رأسها دون أن تنطق بحرف، يعرفها، يفهمها، ويدرك أن وجوده في حياتها يحمل معنى أعمق من كونه شريكًا في الحياة
أمسك بيدها برفقٍ وكأنها شيء ثمين يخشى كسره، ثم رفعها إلى شفتيه، يلثمها برقة لا تليق إلا بها وهمس لها بعشق :
أنا ما عملتش حاجة غريبة يا ميان، أنا كل اللي عملته إني حبيتك... انتي اللي بتكمليني، أنا عمري ما حبيت غيرك، إنتي السعادة اللي كانت تايهة عني سنين.....السعادة اللي عمري ما كنت أحلم بيها، ده كفاية عليا أصلا إني كل يوم بفتح عيني والقيكي جنبي
ابتسمت ميان وانهمرت من قلبها كلمات تحمل كل العشق الذي في قلبها له :
وأنت فارس حياتي، وسندي في كل مرة حسيت فيها إني مكسورة، إنت اللي علمتني معنى الحب.....حبتني وخلتني اعشقك
كانت تلك اللحظة، أمام البحر، وبين براءة الطفلين وضحكاتهما، تأكيدًا جديدًا على أن الحب ليس خاليًا من الألم، ولكنه دومًا ما يستحق العناء، فكل لحظة من الألم تصنع في النهاية سعادة لا تضاهى
.......
على الجانب الآخر، كانت همس تغرق في ضحكاتٍ عفوية وهي تحمل صغيرها "سيف" بين ذراعيها، وكأنها تضم العالم بأسره كانت تلعب معه بمرحٍ نقي، وملامحها تشع ببهجةٍ متجددة تخترق قلب كارم كأشعة الشمس بعد ليلٍ طويل، وقف كارم يتأملهما بصمتٍ، عينيه تسكنها سكينة عميقة، وكأن المشهد بأسره رسم خصيصًا ليحمل معنى السعادة
ذلك الطفل الصغير لم يكن مجرد امتدادٍ لها في الشكل، بل كان مرآةً لروحها....ورث عنها عفويتها الطاغية، لسانها الجريء، وشغفها بالحياة، لكنه ورث أيضًا ما أسر قلب كارم منذ البداية....تلك العينين الزرقاوين المائلتين للرمادي، بلونهما الساحر الذي سلب روحه منذ اللحظة الأولى التي تلاقت فيها نظراتهما
ابتسم بخفوت، غارقًا في ذكرياته التي لم تفارقه يومًا، كيف كانت همس بعيدةً عنه، كحلم مستحيل، وكيف عاش في دوامة الخوف من خسارتها، لكنه، رغم كل ذلك، لم يستسلم قاوم حتى الرمق الأخير، وتمسك بحبه لها بكل ما أوتي من قوة واليوم، أصبحت له....ملكه الذي انتظره طويلًا
حبه لها كان أكبر من أن تصفه الكلمات، شعور أشبه بمحيط بلا حدود، متسعًا بقدر الكون، لا يمكن لكلمات أو عبارات أن تحيط به أو تجسده
اقتربت همس منه، تحمل صغيرهما، وكأنها تقدم له قطعة أخرى من قلبها، أحنته على صدره بحبٍ صادق، لم تتردد لحظة في أن تمنحه كل ما لديها، لثم كارم جبينها بحب، بينما هي أخذت تتأمله، وعيناها تغمرها السعادة كمن وجد ذاته أخيرًا
كانت تظن أن الحياة قد أغلقت أبوابها في وجهها، وأنها لن تعرف السعادة مرة أخرى، بعد أن خُدعت فيمن اختارته شريكًا لحياتها....لكن الحقيقة بدت لها جلية، أن لكل نهاية بداية، وأن الخذلان لم يكن إلا الطريق إلى ما تستحقه حقًا
ضحكت بخفة وهي تستعيد تلك اللحظات التي كانت فيها غارقةً في غبائها، كيف يمكن لإنسانٍ أن يرفض حبًا نقيًا كحب كارم؟ كم من مرة كان بجانبها، وهي غير مدركة أنه كان ملاذها، همست لنفسها بشيء من الامتنان "نحن محاطون بنِعَم لا ندركها حتى يوقظنا القدر"
أما الآن، فقد أصبحت أكثر يقينًا أن الحياة قد منحتها كل شيء....كارم، الرجل الذي لو استطاع أن يقتلع نجمةً من السماء ليقدمها لها، لفعلها دون تردد، وطفلًا يُكمل تلك الصورة ليصير عالمها متكاملاً
نظرت إلى كارم بعشقٍ صادق، ثم همست له بصوتٍ لم يحمل سوى الحقيقة المطلقة والعشق الصادق :
انا بحبك اوي
ابتسم لها كارم ابتسامةً تحمل كل سنوات عشقه وصبره، واقترب منها ليهمس لها، كمن يقطع وعدًا لن يُنقض أبدًا :
وانا بعشقك يا همس....انتي كل حياتي
.......
كانت لينا تجلس في مطعمٍ فاخر يطل على الشاطئ، محاطةً بعمار وابنتهما الصغيرة "ميان" التي كانت خليطًا رائعًا من ملامح والديها، تحمل في عيونها روحًا من الهدوء والبراءة، وفي قلبها ضحكاتٍ مرحة لم تفارقها أبدًا
كان عمار يضع يده برفق على بطن لينا المنتفخة، وهو يشعر بكل نبضة في بطنها، وكأنها تقترب أكثر من لحظة ولادة طفلتهما الثانية، التي قررا تسميتها "كارما"
كانت لحظاتهم مليئة بالسلام الداخلي، حياة لا تعكر صفوها إلا القليل، لكن في جوهرها، كانت تحيا على أسس من التفاهم العميق والوئام الكامل
رغم أن بداية حبهما شهدت أزمة قاسية، إلا ان تلك الفترة كانت بمثابة اختبار حقيقي لعلاقتهما، ومع ذلك، خرجوا منها أكثر تمسكًا ببعضهما البعض، وعرفوا أن كل شيء يمكن أن يمر طالما هما معًا، في السراء والضراء، تعلموا أن الحياة مليئة بالتحديات، لكن ما يهم هو أن يكونوا دائمًا سندًا لبعضهم، مهما كانت الظروف
نظر عمار إلى ابنته بنظرة مليئة بالحب والتفكير العميق، وهو يشعر في أعماقه أن الحياة لا تمنح المرء دائمًا ما يشتهي، لكنه تعلم مع الزمن أن فاقد الشيء يعطيه بقوة، فبعد تجارب مريرة، أصبح يدرك أن الحنان هو أعظم ما يمكن أن يقدمه، فقرر أن يغمر ابنته به، و ويحبها حبًا غير مشروط، لا يتأثر بالظروف أو الوقت.....كما حدث معه
هو ولينا، قد تعلما أن جوهر الحياة يكمن في أن يعيشوا معًا في انسجام تام، بعيدًا عن أي نزاع قد يلوث نقاء قلب طفلتهما "ميان" ورغم أن الخلافات كانت نادرة، إلا أنهما أدركا أن التفاهم الحقيقي لا يتطلب الكلمات، بل يتطلب نوعًا من الصمت المليء بالاحترام، وهدوءًا عميقًا يعكس قوة ارتباطهما وقدرتهما على البقاء معًا، مهما كانت التحديات
ضحك عمار وهو يضرب كفه بكف ميان بمرحٍ طفيف على لينا التي تتناول طعامها بسرعة، بعد دقائق احتضن ابنته بحبٍ عميق، ثم أمسك بيد لينا، وهو يعبر عن امتنانه الخالص لربه على النعمة التي رزقه بها، في تلك اللحظة، شعر أن كل لحظة في حياته تستحق العيش، وأن السعادة التي يعيشها الآن كانت أكبر من أن تُحاط بالكلمات، تمنى من قلبه أن تستمر هذه البركة التي ملأت حياته، وأن يدوم هذا الأمان الذي أصبح ملاذه الوحيد
........
كان قصي وسيلين يمشيان جنبًا إلى جنب، يراقبان طفلهما يامن وهو يقود دراجته بحرص، بينما ضحكاته الصغيرة كانت تملأ الأجواء، تطرب قلوبهم قبل آذانهم
ابتسمت سيلين بحب وهي تتأمل مشهد عائلتها، قلبها يغمره السعادة والطمأنينة، كان طفلهما الثاني "راشد"، البالغ من العمر عامين، في ذراعها، يحمل اسم جده الراحل، والذي اختاره قصي تخليدًا لذكرى والده
تأملت زوجها وطفليها بحب عميق، وحمدت الله في سرها أنها تعلمت أخيرًا كيف تحافظ على بيتها، بعدما مرت بتجربة صعبة تعلمت منها الكثير، ساعدها قصي بعد آخر أزمة بينهما، علمها كيف تثق بنفسها وبحبه لها، وكيف تتعامل مع مشاعرها من خلال العلاج النفسي، حتى تجاوزت المحنة، تلوم نفسها على السنين التي ضيعتها بعيدًا عنه، لكنها الآن تدرك كم كانت ستندم لو خسرت هذا الشخص الذي لن تجد مثله أبدًا
ابتسم قصي وهو يجلس على أحد المقاعد الجانبية في الشارع، نظر إليها نظرة طويلة، مليئة بكل الكلمات التي لم تُقال، نظرة تعكس فرحتهم بأنهم تجاوزوا السبب الحقيقي لمشاكلهم، كان الخلل في البداية هو قلة الثقة، هي كانت فاقدة لها وهو لم يدرك ذلك، لكن مع مرور الوقت، فهما بعضهما البعض بشكل أعمق، وعملا على إصلاح الأمور بينهما
الآن، تعلما كيف يحافظان على حبهما وبيتهما، وألا يسمحا لأي شخص أن يدخل بينهما، مهما كانت الصعوبات، فقد تعلما أن يناقشا الأمور بهدوء، وأن يكونا أكثر عقلانية من قبل، وأن يظهرا أفضل ما لديهما لأنفسهما ولأولادهما
جذبها قصي إلى حضنه، فشاكسته سيلين بمرح :
عارفة إني طول عمري تاعبة قلبك معايا
رد عليها قصي بعشق صادق :
بحبك وبحب كل حاجة منك.... حتى التعب يا سيلين
ابتسمت له سعادة، ثم أكملوا سيرهم مع أولادهم، وقلوبهم مليئة بالسلام الداخلي
......
على الشاطئ حيث يلتقي البحر بالسماء في لحظة صمتٍ ساحرة، وحيث يغرق الليل في أحضان المدى، ينساب الهدوء في كل زاوية وكأن الزمن توقف ليعانق تلك اللحظة اللامتناهية
كانت أماليا تسير بجانب سفيان، ذراعاهما مترابطتان وكأنهما جزء من كيان واحد، كان البحر في تلك اللحظة ليس مجرد موجات تتلاطم، بل كان مرآة لحياتهما التي تطورت من سكونٍ إلى حركة، من شكٍ إلى يقين، ومن ألمٍ إلى سعادةٍ
كانت تسير بجانبه، تحمل في قلبها ألوان تلك السنوات التي مرت، ويدها ترتاح في يده كأنها تجد فيها معنى الثبات بعد العواصف
خمس سنوات مرت، لكنها في جوهرها كانت حياة جديدة، كانت بداية لم تكن لتتوقعها يومًا.....وعدها أن يكون لها، أن يمنحها قلبه وروحه دون قيد أو شرط، وأن يكون الشخص الذي يتعلم من أخطائه ليمنحها أفضل ما في نفسه وبينما كان قلبها في البداية لا يصدق، بدأ الواقع يثبت لها أن سفيان كان أكثر من مجرد كلمات، كان فعلًا، كان تحولاً كاملًا في شخصيته، يتجدد كل يوم، ينمو، ويتغير ليصبح الرجل الذي تستحقه، الرجل الذي يحتفظ بحبٍ نقي لا يتسع إلا لها
في البداية، كانت تشك في قلبه، تتساءل إن كان ما زال يحمل لميان مكانًا كما كان من قبل، وهل ستتمكن هي من أن تملأ هذا القلب بالكامل؟ لكن مع مرور الوقت، تلاشت شكوكها شيئًا فشيئًا، وبدأت تدرك الحقيقة سفيان يحبها هي وحدها، كان حبّه واضحًا في أفعاله قبل كلماته، في تضحياته التي لا تحصى، وفي إخلاصه الذي لم يهتز، ومع كل يوم يمر، كانت تزداد يقينًا أنه لم يعد في قلبه مكان سوى لها، وأنها أصبحت نبضه الوحيد
لم يكن الخطأ الذي ارتكبه سفيان في الماضي هو ما كان يشغل بالها، بل ما تعلمه بعده، تعلم أن الحب ليس ما يُعطى فقط، بل ما يُبنى ويُحفظ، تعلم أن الحياة ليست معركة للسيطرة، بل هي فرصة للتجديد، لإعادة بناء ما تهدم، واستعادة ما ضاع، تعلم أن الثقة ليست مجرد كلمات، بل هي قرار....قرار يتحقق بالحب والصدق.....وهذا هو الأهم، أن سفيان تعلم، وبدأ من جديد، وأصبح رجلًا أفضل، رجلًا يستحق أن يكون في حياتها
تذكرت كيف كانت تشعر بالضياع في بداية الطريق، وكيف كان الشك يعصف بها كلما مرت لحظة سكون، لكن اليوم، وهي تمسك بيده، تعود بالذاكرة إلى تلك اللحظات، وتبتسم ابتسامة لم تكن لتكتمل إلا إذا كانت بجانبه، إذ كانت تعيش لحظة الحقيقة.....تلك الحقيقة التي عرفتها أخيرًا فالحياة لا تأخذ منا إلا لتعطينا أكثر، ومن يعي كيف يستحق أن يحب، يمكنه أن يعيد بناء نفسه
تذكرت بفخر كيف استطاع سفيان أن يعيد بناء جسور علاقاته مع من حوله، وكيف تمكن من تهدئة النفوس التي كانت تشكك في صدقه. فقد بدأ بتجاوز المراحل الصعبة، وأثبت نفسه ليس فقط بالقول، بل بالفعل كانت علاقته بفارس قد بدأت تتحسن تدريجيًا، حتى أصبح يقبله أكثر من قبل. أما مع والد ميان، فقد مرت الأيام ليكتشف الأخير أن قلبه قد بدأ يصفو تدريجيًا تجاهه، وأنه لم يعد ذلك الشخص الذي كان يعارضه......ومع والدتها، التي كانت قد شكت في جدية مشاعره في البداية، تغيرت نظرتها بعد أن رأت السعادة التي منحها لابنتها وهي الآن لا ترى فيه إلا شخصًا يستحق الحب والاحترام، بل وتقبلته كزوجٍ لابنتها بكل قناعة
لكن كانت فريدة هي الغيمة الوحيدة التي تُعكر صفو سعادتهما، تلك المرأة التي لم تستطع أن ترى أبعد من حقدها القديم، وكأن ميان كانت عدوًا يتربص لها، رغم أن الحياة أوسع من أن تُختزل في صراعات وهمية، ظنت فريدة أن الكراهية تمنحها قوة، ولم تفهم أن التسامح وحده هو الذي يحرر الروح ويمنح القلب السلام، أما أماليا، فلم تعد تُعيرها اهتمامًا، لم تعد تُرهق نفسها بتفسير أفعال مغلفة بالغرور، لأن فريدة لم تعد في عينيها سوى انعكاسٍ باهتٍ لفكرة مُشوهة لم تعرف النضج يومًا
لكن الأهم من كل هذا، أنها كانت في قمة السعادة والفخر. فخورة بكل لحظة قضتها معه، بكل خطوة عبروا فيها معًا، بكل صراعٍ تاقوا لتجاوزه، وبكل حلم بنوه سويًا أكثر ما كان يملأ قلبها بالسلام الداخلي هو أنهم قد نجحوا في بناء عالمهم الخاص، عالم يسوده الحب والتفاهم. وكل لحظة كانت أكثر من مجرد لحظة، كانت دليلاً على قوتهم معًا
وإذا كان هناك شيء أكمل سعادتهم، فهو "عمر"، طفلهم الذي بلغ الآن ثلاث سنوات كان عمر أكثر من مجرد طفل صغير في سنه، كان رمزًا لبداية جديدة في حياتهم، لحلم تحقق، ولحياة أخذت شكلها الكامل رؤية ابتسامته الصغيرة في كل يوم، كانت تعني لهم كل شيء، تأكيدًا على أن الحياة، على الرغم من تعقيداتها، قد تكون جميلة عندما يكون لديك شخص يحبك بصدق، وحياة تملؤها اللحظات الصغيرة التي لا تقدر بثمن
سألها سفيان بحب بعد صمت طويل منها، وعينيه مليئة بالترقب، وكأن السؤال يحمل في طياته أكثر من مجرد كلمات :
مبسوطة معايا يا أماليا؟
ابتسمت أماليا، ثم ردت عليه بعد لحظات من الصمت العميق، والنظرات التي عبرت عن كل شيء دون الحاجة لكلمات أكثر:
أنا أسعد واحدة في الدنيا عشان معاك يا سفيان
فجأة، ارتفع صوت موسيقى عذبة تنساب من عازف على جانب الطريق، وكأن نغماته تتسلل إلى الأعماق، تعبر عن كل ما لا يستطيع القلب قوله، كان الصوت يحمل بين طياته مشاعر من الحب الصادق
راقص سفيان وأماليا في الشارع، يتناغمان مع أنغام الموسيقى، وحركاتهما تعكس بساطة اللحظة وجمالها، ضحكاتهما كانت مرحة، خالية من التكلف، تنبع من شعور عفوي بالسعادة....كانت لحظة مميزة، تنضح بالحيوية والبهجة
فجأة اجتمع الجميع في نفس المكان، دون أن يعرفوا كيف أو لماذا، وكأن الزمان والمكان قد اختارا لهم هذه البقعة ليكونوا فيها معًا، كان فارس وميان وأولادهما، وكذلك قصي وسيلين وعمار ولينا وهمس وكارم، يضحكون معًا بتنسيق طبيعي، وكأن ضحكاتهم كانت لغة واحدة، كانت تلك اللحظة تحمل في طياتها سكينة غريبة، شعور بالفرح الهادئ الذي لا يحتاج تفسيرًا، كأنهم جميعًا وجدوا راحتهم في تلك اللحظة العابرة، وكأن الزمن نفسه قرر أن يتوقف، ليحفظ لهم تلك الذكرى التي لا تفنى
في اللحظة التي انهارت فيها الأقنعة، أدركوا أن الحب لا ينبثق من الأوهام ولا من الوعود الهشة، بل من القدرة على التصالح مع أنفسهم، ومن الشجاعة لمواجهة أعمق جراحهم لقد اجتازوا مساراتٍ من الألم، واكتشفوا أن الحب الحقيقي لا يرتكز على الخداع أو الوعود المكسورة، بل على الأمان الداخلي الذي يمنحهم القوة لتخطي الصعاب، وفي صمت قلوبهم المتجددة، أضاءت السعادة كثمرة لتلك الرحلة الوعرة نحو السلام الداخلي، ومن تلك اللحظة، بدأت الأرواح تنبض بنبضٍ جديد، ينبع من حبٍ صادق وأمانٍ عميق، لا يُشترى ولا يُبنى على الأكاذيب....هو الحب الذي ينبثق من القدرة على تقبل الماضي بكل تفاصيله، ومواجهة الحاضر بكل صعوباته، وبناء علاقة متينة تقوم على الثقة والتفاهم، تمضي في درب الأمل الذي لا يعرف النهاية.
..........
تمت بحمد الله 🥹🥹
لمتابعة الروايه الجديده زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا