القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية بعينيك أسير الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم شهد الشورى حصريه وكاملة

 


رواية بعينيك أسير الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم شهد الشورى حصريه وكاملة 





رواية بعينيك أسير الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم شهد الشورى حصريه وكاملة 





بين جنبات الصمت، تتردد أصداء الندم تنفث الروح زفراتٍ ثقيلة وكأنها تُحاول دفع جبل من الأحمال عبءُ أخطاءٍ قديمة، وذكرياتٍ لا تمحوها السنين هناك على حافة سريرٍ بسيط جلست سيلين كمن يستجدي الزمن فرصة أخرى بينما قلبها يئن تحت وطأة الحنين لما كان والخوف مما سيكون كل تنهيدة تحمل في طياتها صرخة مكتومة وكل دمعة تنسكب كأنها ترجمة لعجزٍ متراكم وكأن الحياة باتت مرآةً مشروخة تعكس آمالًا مبتورة وأحلامًا مهشمة


قطع هذا الشرود الممزوج بالوجع صوت الباب وهو يفتح بعنف لتظهر والدتها سميحة والغضب متقد في عينيها قائلة بصوتٍ قاسي :

انتي قاعدة كده ليه، لا شغلة ولا مشغلة مش كفاية الكلام اللي بنسمعه من اللي يسوى واللي ما يسواش بسبب يا ست هانم


رفعت سيلين رأسها ببطء، وكأن كلمات أمها تطعنها في الصميم وقالت بصوتٍ مكسور وهي تحاول الدفاع عن نفسها:

محدش لبه عندنا حاجة يا ماما...أنا مش أول ولا آخر واحدة تتطلق!!!


لكن ردها لم يُطفئ غضبوالدتها، بل زاده اشتعالًا :

بسببك عمتك كل شوية ترمي بالكلام علينا وتقول اتجوزت سنة واتطلقت وزمان خالتك شمتانة من يوم ما رفضتي ابنها اللي مفيش بنت ترفضه كان شاريكي لكن إنتي روحتي مسكتي في واحد ضايع وصايع والنتيجة ايه طلقك وبهدلك معاه وابقى قابليني لو حد فكر يعبرك أو يجي يتقدملك تاني!


استدارت بعدها مغادرة، وأغلقت الباب بعنف كأنها تُحكم إغلاق قفصٍ يضم جراح ابنتها


أما سيلين فانهارت على نفسها كمن تلقى آخر سهم في معركة خاسرة دفنت وجهها بين كفيها خرج نحيبها كأنين موجٍ متلاطم ودموعها الساخنة تسللت كوشاحٍ ثقيل يغمر قلبها في تلك اللحظة، شعرت أن الغرفة برغم هدوئها تضيق عليها كأن الحوائط تنحني لتعكس مرارة كلمات والدتها


إذا كانت يد الأم تحمل السكين بدلًا من الحنان فمن سيلتقط شظايا الروح المنكسرة ؟

.........

في أحد الأحياء الراقية، كان منزل اللواء "عاصم الشريف" يتلألأ بأناقته، يعكس حياة من النظام والرفاهية في إحدى الغرف التي تتميز بجمالها وأناقتها الفائقة خرجت "همس" فتاة في مقتبل العمر من غرفة الملابس بعد أن ارتدت زيها بعناية التقطت حقيبتها ثم شرعت في النزول على درجات السلم بخفة، تدندن بصوت عذب جميل.


في الطابق السفلي، كان والدها اللواء "عاصم" يجلس على رأس المائدة، بملامح صارمة تخفي خلفها دفء الأبوة على يمينه جلست والدتها "هبة" وهي تتابع إعداد الإفطار اقتربت "همس" منهما قائلة بمرح :

صباح الورد والفل والياسمين على عيونك يا عصوم واحشني والله


ابتسم عاصم بحنان ورد بنبرة تجمع بين الجدية والدعابة :

بطلي بكش، واقعدي افطري


تدخلت والدتها وقد رفعت حاجبيها بغيظ زائف:

أيوة، طبعًا، الصباح كله لأبوكي وأنا ماليش نصيب من يومك دلوعة أبوكي


التفتت "همس" إلى والدتها بنظرة ماكرة، وقالت بمشاكسة  :

الحق يا عصوم الحاجة بتغير عليك مني بس عندها حق والله


انفجر عاصم ضاحكًا على جرأة ابنته ومرحها، بينما نظرت هبة إليها بنظرة تحمل مزيجًا من الغيظ والحب


تناولوا الإفطار وسط أجواء مفعمة بالمرح حتى حان وقت المغادرة ودع عاصم ابنته وزوجته، متجهًا إلى عمله مع حراسه،ط بينما استقلت همس سيارتها متوجهة إلى جامعتها حيث يبدأ اليوم الأول من عام دراسي جديد

.......

على الجانب الآخر في منزل لا يقل جمالًا عن سابقه كانت "ميان رأفت القاضي" فتاة في مقتبل العشرينيات تخرج من غرفتها بسرعة وهي تنظر إلى ساعة يدها وفي طريقها للخروج رأت والديها يتناولان الإفطار معًا


اقتربت سريعًا وقبلت وجنتيهما، قائلة وهي تهم بالمغادرة :

آسفة....آسفة لازم أروح الجامعة اتأخرت والنهارده أول يوم


نادتها والدتها "عليا" بحنان :

يا بنتي، افطري الأول


ردت ميان بصوت عالٍ نسبيًا وهي تغادر :

هفطر في الجامعة مع همس ولينا...سلام!!


قبل أن تخرج توقفت للحظة أمام صورة كبيرة لشقيقها الراحل "مروان" كانت تحتل الجدار المقابل لباب المنزل نظرت إليها بحزن دفين وتمتمت بدعاءٍ صادق بالرحمة ثم غادرت منزلها واتجهت إلى الشقة المقابلة، حيث تسكن صديقتها جارتها وشقيقتها بالروح "لينا" منذ وفاة والد لينا قبل عامين، تولى والد ميان "رأفت القاضي" مسؤولية الاهتمام بها وبوالدتها فقد كان شريك والد لينا في إدارة سلسلة صيدليات 


خرجت لينا مسرعة وركضت هي وميان معًا إلى السيارة، تتبادلان المزاح، متلهفتين للحاق بأولى المحاضرات في عام دراسي جديد

........

في صباح ألمانيا البارد حيث كان هواء الصباح القارس يتسلل عبر النوافذ


يتنفس قصي على مهل كما لو أن هذا الهواء المثلج يمكن أن يطفئ نارًا لا تنطفئ في قلبه الشوارع خالية والوقت يمضي بلا رحمة مثلما يمر الألم الذي لا يغادره منذ عامين!!


كان يركض وكأن كل خطوة تقربه من مكان آخر بعيدًا عن الذكريات لكن الحقيقة أنه كان يركض هاربًا من نفسه


وصل إلى منزله أخيرًا جسده غارق في العرق كأن كل قطرة تمثل جزءًا من الألم الذي لا يفارقه أغلق الباب خلفه بعنف كمن يحاول أن يغلق كل شيء خلفه لكن هل يمكن للباب أن يغلق جروحًا داخلية لا تُرى؟


خلع ملابسه المبللة وعيناه تائهتان تبحثان عن شيء غاب منذ زمن كما لو أن جزءًا من روحه ضاع في مكان ما في وقت ما وأصبح لا يستطيع استعادته وقف أمام المرآة يتأمل نفسه في صمت يحاول أن يلم شتات نفسه المبعثر


المياه الباردة تتدفق عليه وكأنها تحاول تهدئة الجروح التي لا تُرى لكن الألم كان أكبر من أن تخففه قطرة ماء أخذ يهمس لنفسه :

انساها...انساها يا قصي!!


لكن الكلمات كانت ثقيلة تتعثر في قلبه قبل أن تصل إلى شفتيه حاول أن يقنع نفسه ولكن ماذا يفعل عندما يكون القلب أسرع من العقل؟ ماذا يفعل عندما تكون الذكريات أكثر تمسكًا به من أي شيء آخر؟


خرج من الحمام وعينيه شاحبتان جسده مرهق من الصراع الداخلي الذي لا ينتهي


في تلك اللحظة تعالى رنين هاتفه نظر إلى الشاشة كان اسم "سفيان" ابن عمه يضيء الواجهة أجاب بصوت منخفض مليء بالاشتياق والحنين :

واحشني يا ابن عمي


سأله سفيان بعتاب :

ايه يا قصي مش مكفيك كل الغربة دي واحشتنا كلنا


ضحك قصي ضحكة مريرة لكن حتى الضحكة كانت خالية من أي سعادة :

قريب إن شاء الله هرجع


سأله سفيان بلهفة :

بجد ولا بتضحك عليا


تنهد قصي قائلاً باشتياق :

بجد يا سفيان كلكم وحشتوني اوي


ضحك الآخر بسعادة قائلاً بمرح :

فريدة لو شافتك هتستلمك بهدلة بسبب الغيبة دي كلها 


ضحك قصي بخفوت لكن ضحكته كانت تشبه خيوط دخان تتلاشى بسرعة في الهواء وكأنها لم تكن موجودة


أغلق قصي الهاتف وأخذ نفسًا عميقًا محاولًا طرد الذكريات التي اجتاحت ذهنه ولكنها كانت تلاحقه كظل لا يستطيع التخلص منه تلاحقه كألمٍ لا يرحم

........

بعد انتهاء المحاضرة الأولى جلست الفتيات الثلاثة همس، ميان، ولينا على أحد المقاعد يتبادلن الحديث والضحك


كانت لينا تقضم شطيرتها بينما تضحك على تعليق ميان :

بجد حاجة تقرف ايه الدكتور ده نفسي أعرف مين اللي سماه جميل مش لايق على اسمه خالص


ابتلعت لينا ما في فمها وقالت بمرح :

عيونه طول المحاضرة عليكي شوفتي بيبصلك بهيام ازاي


ضحكت همس وهي ترتشف المياه قائلة:

ولا يهمك شاوري بس، وأنا أخليلك وشه زي عجينة البيتزا اختك سداده


ضحكت ميان بخفوت بينما لينا علقت قائلة لهمس بمرح وسخرية :

طول عمرك راجلنا اللي بيجيب حقنا


ضحكت ميان أكثر هذه المرة بينما همس نظرت إلى لينا بعينين مليئتين بالغيظ وقالت :

اخرسي يا سحليه


كاد الاثنان أن يتشاجرا لكن ميان أوقفتهما بحزم قائلة :

اهدوا إنتوا الاتنين عندنا محاضرة دلوقتي يلا عشان منتأخرش


ذهبوا جميعًا إلى القاعة ولكن ميان توقفت للحظة وهي تخرج هاتفها الذي اهتز بيدها ليعلن عن إشعار جديد وصل من أحد الحسابات التي تتابعها على مواقع التواصل الاجتماعي


كانت الصورة تخص معذب قلبها الوحيد "سفيان" الذي طالما حلمت به وأحبته فتحتها بسرعة وبتلهف لكن سرعان تحولت لهفتها إلى ألم مرير ينهش قلبها عندما اكتشفت أنه يظهر فيها مع زوجته وهما يبتسمان والسعادة تضيء وجهيهما !!


غمرها الحزن وهي تتساءل في أعماقها لماذا نساها؟ لماذا استبدلها بتلك الأخرى؟ أليست هي من كانت جزءًا من عالمه؟ كيف استطاع أن يبتعد عنها بكل هذه السهولة وكأنها لم تكن جزءًا من قلبه يومًا؟

لكن يبدو وكأنه كان ينتظر أي سبب ليبتعد فابتعد !!


في نفس الوقت توقفت سيارة سوداء فخمة بالقرب مبنى كلية الطب وترجل منها شاب وسيم دخل المبنى بخطوات واثقة وبهيبة واضحة متجهًا إلى القاعة التي ستعقد فيها محاضرته الآن


ما إن دخل حتى انخفضت الأصوات تدريجيًا حتى عم الصمت فمالت همس على ميان وقالت بمرح وصوت خافت :

والله بعد الداخل اللي ترعب والأناقة دي كلها شكله هيطلع شاحت البدلة


كتمت ميان ضحكتها هي ولينا بينما صعد يزن المنصة معرفًا عن نفسه بهدوء وجدية :

أنا الدكتور "يزن مهران" أظن معظمكم يعرفني إن شاء الله هدرس لكم السنة دي مادة الجراحة العامة 


ثم ارتدى نظارته الطبية وقال بجدية :

قبل ما نبدأ خلينا نتفق على شوية نقط عشان السنة تمشي بدون مشاكل أولاً مفيش استهتار أو تأخير المحاضرة هتبدأ في المعاد بالضبط مش هقبل أي حد يدخل بعدي مش مسموح بعدم الالتزام بالمواعيد لأن ده معناه قلة احترام وتقدير ليا....لو مفيش أي أسئلة نبدأ المحاضرة


كان الرد على كلامه الصمت فبدأ في الشرح لينال إعجاب الجميع وبعد حوالي ساعتين خرج من القاعة والجميع خلفه وكان أولهم ميان ولينا وهمس التي قالت بمرح وسخرية بعد أن خرجت من المدرج :

شكله كده شاحت البدلة والله وقال إيه يزن مهران شكله هيطلع سباك ومنتحل شخصية


نظرت إلى لينا وميان اللتين كانتا تنظران إلى شيء خلفها بحرج شديد وخوف نظرت همس للخلف فوجدت المدعو "يزن" يقف خلفها اقترب منها بخطواته الهادئة قائلاً بغضب :

واضح إنك مش محترمة ومتعرفيش يعني إيه احترام عشان تتكلمي كده مع الدكتور اللي بيدرس ليكي، لو مش عاجبك أسلوبي تقدري تقولي رأيك بكل هدوء بس مش بالطريقة دي


ابتلعت همس ريقها بتوتر وأخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بصوت خافت ولسوء حظها سمعها يزن :

والله شكلي لبست سنة زيادة في الكلية دي


رفعت همس صوتها وقالت بتحدي رافضة الاعتراف بخطئها :

بلاش غلط يا دكتور أنا محترمة


رد يزن بسخرية وحدة قائلاً :

آه واضح جدًا الاحترام على أي حال جهزي نفسك لأنك هتلبسي سنة زيادة في الكلية زي ما قولتي ومش بعيد أزودها ليكي كمان سنتين إلا إذا اعتذرتي مني دلوقتي


ردت عليه همس بغضب :

انت بتهددني ولا إيه في قانون وأنا ممكن أشتكيك كمان انا همس عاصم الشريف بنت اللواء عاصم الشريف يعني القانون كله في صفي شكلك لسه مش عارف أنا مين يا دكتور انزل واسأل أي حد في الكلية هيقولك مين همس خصوصًا الشباب


يزن بسخرية وعيناه تشتعلان غضبًا:

ليه شكلك مقضياها معاهم بقى!!


جزت على أسنانها بغضب ثم قالت بتحدي :

لا بس عشان معظم الشباب اللي تحت إيدي علمت عليهم و ضربتهم في منهم اللي اتطاول وفي اللي قل أدبه....وفي اللي اتجرأ وهددني!!!


اشتعلت عيناه بغضب شديد وقال بحدة :

إنتي مش متربية وقسمًا بالله لو ماكنتيش بنت صدقيني كنت علمتك معنى الكلام اللي بتقوليه وربيتك على لسانك السليط ده


ثم تركها وغادر وهو يشعر بالغضب العارم كان يريد أن يلكمها في وجهها ويقطع لسانها لكنه تمالك نفسه فهو لم ولن يرفع يده على امرأة أبدًا


أما همس بعد مغادرته ركلت الأرض بقدمها بغيظ شديد قائلة بغضب :

مين دي اللي مش متربية....بارد ومستفز


قاطعتها ميان قائلة بغيظ :

طول عمرك بتحبي المشاكل وفي يوم هتودينا وتودي نفسك في داهية


ردت لينا هي الأخرى بغضب :

قال إيه هو اللي بارد ده إنتي اللي مستفزة و باردة الراجل محترم انتي اللي لسانك مسحوب منك


رددت همس بضيق :

ما خلاص بقى انتوا الاتنين اللي حصل حصل


رددتا الاثنتان في وقت واحد :

أحسن عشان تحترمي نفسك بعد كده وتلمي لسانك الطويل ده


نظرت لهم بغيظ ثم غادروا المكان متجهين لتناول الغداء في مطعم قريب كانت همس تفكر في كيفية الانتقام من ذلك الطبيب الذي أهانها رافضة الاعتراف بأنها هي من بدأت بالإهانة !!!

.......

بعد يوم طويل ومرهق في العمل توقف سفيان العزايزي بسيارته أمام فيلا العزايزي الكبيرة لم يكن في مزاج يسمح له بالدخول لأنه يعلم أن جدته فريدة ستستمر في إصرارها عليه بالزواج من أخرى بسبب عدم قدرة زوجته نرمين على الإنجاب لكنه قرر التمسك بحبه لها رغم محاولات جدته المستمرة


تنهد بعمق ثم دخل للمنزل وابتسم بهدوء موجهًا حديثه لجدته التي كانت تجلس أمام شاشة التلفاز الكبيرة في غرفة المعيشة :

مساء الخير أخبارك ايه يا فريدة


ردت عليه بحنان:

كويسه يا حبيبي انت أخبارك إيه


تنهد سفيان بتعب وقال بصوت مرهق :

بخير يا حبيبتي النهارده كان الشغل كتير يوم متعب...مش قادر خالص


رددت فريدة بحنان شديد :

ربنا يقويك يا حبيبي


سألها سفيان وهو يهم بالمغادرة :

فين نرمين


اجابته بنبرة تحمل تهكمًا واضحاً :

هتكون فين يعني خرجت مع صاحباتها زي كل يوم


زفر سفيان بضيق ونبرته يغلب عليها الحيرة :

يا فريدة نفسي أفهم مابتحبيهاش ليه، انا وهي بنحب بعض ومبسوطين مع بعض ده مزعلك في ايه !!


ردت عليه فريدة بغضب :

لأنها مستهترة مش عارفة يعني إيه مسؤولية وبيت كل همها صاحباتها وما بتاخدش بالها منك وكمان مش قادرة تجيب لك ابن تفرحك بيه


تنهد سفيان قائلاً بحزن :

أنا شغال طول اليوم يا فريدة، خليها تخرج مع صحابها وتنبسط أكيد نفسيتها تعبانة عشان مش هتبقى أم وأنا مش عايز أضغط عليها بصراحة، بس أنا مبسوط معاها وبحبها ده مش كفاية عشان تحبيها


رددت فريدة بصوت خافت لم يسمعه سفيان :

زعلانة


ثم تابعت بصوت أعلى :

اللي يريحك اعمله انا خلاص فقدت الأمل منك وبعدين، خالتك عاوزة تشوفك وتطمن عليك بقالها سنين بعد ما كاميليا والدتك سافرت......


اشتعلت نيران الغضب في صدر سفيان فصاح بصوت هادئ لكنه حاسم :

فريدة أنا مش عايز أعرف أي حاجة عن كامليا أو أي حد يقربها الست دي مليش أي علاقة بيها ولو اختها سألتك عني تاني قوليلها اني اعتبرتهم كلهم اموات!!


صرخت عليه بغضب :

سفيان ما تخدش حد بذنب حد الظلم وحش...وحش اوي


رد عليها بحسم وغضب :

محدش منهم يهمني ولا عاوز أعرف حاجة عنهم مش هفضل طول عمري أغنيها اقفلوا الموضوع ده بقى خلصنا


ثم هم بالمغادرة لكنه توقف حينما نطقت فريدة بخبث :

طب وميان!!!


ارتعش قلب سفيان للحظة حين سمع الاسم الذي حمل ذكريات لم يستطع طمسها رغم السنين "ميان" أول من دق لها قلبه وأول حب عاشه لكنه سرعان ما استعاد قساوته، يُخرس أي أثر لتلك المشاعر التي ظنها زالت منذ زمن تاركًا وراءها فراغًا بلا ملامح


استدار نحو جدته بملامح جامدة ونبرة خاوية من المشاعر يسألها :

مالها؟


ردت فريدة عليه بهدوء :

مش عاوز تشوفها هي كمان


تنهد سفيان بعمق وقال بصرامة:

سبق وقولتلك أي حاجة تخص كاميليا أو أي حد من عيلتها ماتهمنيش ياريت نقفل سيرتهم خالص من فضلك


ثم أدار ظهره لها وغادر الغرفة دون أن يضيف كلمة اخرى توجه إلى غرفته وبخطوات مثقلة دخل إلى الحمام و وقف تحت المياه الباردة مغمضًا عينيه وكأنها الوسيلة الوحيدة لتهدئة العاصفة التي أثارتها ذكريات الماضي الأليمة بداخله!!!


بعد أن انتهى خرج بخطوات ثقيلة وكأن أفكاره تسبق جسده نظراته شاردة ومثقلة بتعب الأيام وكلمات لم تُقال وكأنما كان يهرب من ثقل شيء لا يستطيع تحمله


وصلت نرمين في تلك اللحظة، تقدمت نحوه بخفة، وأحاطت عنقه بذراعيها قائلة برقة :

حبيبي انا اسفة اتأخرت عليك


رفع عينيه نحوها وابتسم بهدوء محاولة منه لطمأنتها أو ربما لإخفاء ما يدور بداخله قائلاً :

أنا لسه واصل


لكن صمتًا ثقيلًا مر بينهما فتنهد قليلاً قبل ان يقول برفق وكأنه يحاول اختيار كلماته بعناية :

بس ياريت تخفي خروجك شوية....مش كل يوم تخرجي مع صحابك


انعقد حاجبا نرمين وبدت نبرة الحزن واضحة في صوتها وهي تخفض عينيها وتتحدث بصعوبة :

يعني أعيش محبوسة في البيت أنا مش بلاقي حاجة أعملها فبخرج الهي نفسي مع صحابي مش كفاية إني مش قادرة أكون أم وأحققلك حلمك....حلمك اللي جدتك مش بتبطل تفكرني بيه كل لحظة وكأنه بأيدي مخلفش


اقترب منها خطوة محاولًا التخفيف عنها قائلاً برفق :

أنا مقولتلكيش تتحبسي في البيت انا بس بقولك نخليها بالمعقول شوية ولو عاوزة ممكن تقابليهم هنا بدل ما تخرجي....ومتزعليش من فريدة أنا هتكلم معاها إحنا عملنا اللي علينا وكله بإيد ربنا سبحانه وتعالى


أومأت برأسها بصمت ثم ذهبت دون أن تنطق بكلمة متجهة إلى الحمام حيث أغلقت الباب خلفها بهدوء أما هو فبدل ملابسه قبل أن يتوجه إلى غرفة شقيقه الأصغر "عمار" ليجلس معه قليلاً لعله يهرب من أفكاره ومن ذكريات الماضي التي اجتاحت ذهنه اليوم محاولًا طردها بكل ما أوتي من قوة لكن شبحها ظل يلاحقه في كل لحظة

.......

في غرفة مجاورة لغرفة سفيان كان عمار العزايزي شقيقه الأصغر جالسًا على سريره عينيه معلقتين بشاشة هاتفه حين دق فجأة سرعان ما أجاب وهو يتعرف على هوية المتصل قائلاً بمرح :

ميمونة عاش من سمع صوتك


على الطرف الآخر من المكالمة جاءه صوتها الغاضب المملوء بالغيظ :

اخرس وبطل تقولي ميمونة 


ضحك عمار قائلاً بسخرية :

بهزر معاكي يا ميمونة


ردت عليه ميان بغيظ :

تصدق أنا غلطانة اني عبرتك واتصلت بيك


اجابها بمرح :

خلاص....خلاص اهدي شوية قوليلي إيه سر المكالمة دي


أجابته برقة وبراءة زائفة :

أنا كيوت وبريئة خالص وملاك بجناحات كمان


ضحك عمار بسخرية قائلاً:

آه انتي هتقوليلي ده انا حافظك، المهم يلا قوليلي بقى عاوزة إيه


ردت عليه بمرح :

مش أنا بنت خالتك الوحيدة وملناش غير بعض


ضحك بسخرية قائلاً بفضول :

طبعًا هو أنا عندي كام ميان دي روحي وقلبي يلا ها بقى عاوزة إيه؟ الفضول هياكلني


ضحكت بدورها قائلة بجدية:

بصرف النظر عن الكدب اللي قولته ده بس أنا عاوزة أطلب منك طلب


سألها على الفور :

عنيا الاتنين


ابتسمت قبل ان تقول بمرح:

عاوزة اشوفك واطمن عليك وبصراحة كده بقى بفكر اعمل مهمة خطيرة


سألها بشقاوة :

خير ولا شر؟


ضحكت قائلة بمرح مماثل :

شر هستناك بكره في الجامعة الساعة تسعة الصبح


ردد عمار بحماس:

هترجعونا لأيام الشقاوة تاني


ابتسمت ميان بحب أخوي لطالما تعامل معها عمار بلطف واحترام على عكس سفيان شقيقه الأكبر :

سلام يا عمار


أغلقت الخط غافلة عن الشخص الذي كان يقف بالقرب يسمع كل كلمة تدور بينهما ولم يكن سوى سفيان الذي قد جاء ليطمئن على شقيقه لكن ما سمعه أشعل نار الغضب في عروقه خاصة عندما قال عمار "طبعًا هو أنا عندي كام ميان دي روحي وقلبي يلا ها بقى عاوزة إيه؟ الفضول هياكلني"


كانت الكلمات التي سمعها كالصدمات العنيفة التي تهز كيانه تملأه بالغضب خاصة حين علم أن شقيقه سيذهب للقائها في الغد


قبض يده بشدة عازمًا ألا يهدأ له بال حتى يبعد شقيقه عن شباكها وخداعها

..........


#الفصل_الثاني

#رواية_بعينيكِ_أسير

#بقلم_شهد_الشورى

بعد أن أنهى يزن عمله بالجامعة، توجه إلى المستشفى الكبيرة الخاصة بعائلته "آل مهران" ليُمارس مهنته التي يعشقها و ها هو قد انتهى وعاد إلى الفيلا، منهكًا يشعر بتعب شديد


التقى بوالدته التي كانت تنتظره، فقبل جبينها ثم استأذن منها ليصعد إلى غرفته لشعوره بالإرهاق الشديد، لكنه لم يكن قد قطع خطواته بعد حتى أوقفته قائلة بحدة :

يا بني، حرام عليك اللي بتعمله في نفسك ده لا أنت أول ولا آخر واحد خطيبته تموت..


قاطعها قائلاً بصرامة:

ماما، لو سمحتي، نقفل الموضوع ده، أنا تعبان وعايز أطلع أرتاح، عندي شغل بكرة الصبح


كاد أن يغادر، لكنها صرخت عليه بغضب :

اوقف مكانك! وأنا بكلمك من الاحترام والتربية يا دكتور، تقف وتسمع أمك لحد ما تخلص كلامها


التفت إليها بصمت، فتابعت حديثها بلهجة غاضبة :

بتموت نفسك بالبطيء ليه....مش قادر تستوعب إن الحياة مش بتقف على حد، بسمة ماتت، وانت لازم تتقبل ده حياتك دفنت نفسك في الشغل لدرجة ان احنا اهلك بقينا نشوف صدفة


رد عليها بحزن والالم يعصف بقلبه دون رحمه :

بالنسبة ليكي الحياة مش بتقف على حد، بس بالنسبة ليا وقفت....لأنها كانت حياتي كلها


قالها ثم صعد لغرفته، ملقيًا أغراضه بإهمال على الأريكة، متجهًا إلى تلك الصورة الكبيرة المعلقة على الحائط الذي يواجه فراشه، والتي تخص حبيبته الراحلة "بسمة" مرددًا بحزن والندم ينهش قلبه :

فراقك صعب أوي، والأصعب إني مش قادر أعيش وأنا عارف إني سبب....سبب موتك!!!


ثم تنهد وتابع حديثه بألم :

"محدش كان بيفهمني غيرك. بالنسبة ليهم الحياة مش بتقف على حد، لكن انتي كنتِ حياتي اللي خسرتها بموتك وبعدك عني


ألقى بجسده على الفراش وأغمض عينيه، متمنيًا أن يراها في أحلامه....لكنها لت تأتي، وكأنها تعاقبه لأنه كان السبب في رحيلها، وكأن ذنبه يلاحقه حتى في نومه

..........

في صباح اليوم التالي داخل قاعة المحاضرات بكلية الطب كان الجميع يجلس في انتظار وصول الدكتور يزن الذي ما إن دخل حتى عم الصمت المفاجئ في المكان كانت نظراته تتنقل بين الوجوه يبحث عن هدفه بين الحضور حتى وجده كان في نيته أن يعاقبها وأن يُلقنها درسًا لن تنساه


اقترب منها قائلاً بصوت مليء بالخبث والصرامة وهو يضرب بيده على سطح المدرج أمامها بينما كانت همس تُحدق في الجهة الأخرى باتجاه لينا :

انتي يا آنسة !!


انتفضت همس في مكانها قائلة بفزع :

بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حصل ايه؟


تعالت ضحكات الجميع في البداية لكن سرعان ما عم الصمت مرة أخرى بعدما ألقى عليهم يزن نظراته الحادة ثم التفت إلى همس قائلاً بصرامة :

دي محاضرة يا آنسة إنتي وهي مش كافية تتدردشوا فيه ، أنا نبهت عليكم من قبل أن الفوضى وقلة الاحترام ممنوع في محاضرتي


تراجع خطوة للخلف، ثم أشار بيده إلى الباب:

اتفضلوا بره ولما تتعلموا ازاي تحترموا الدكتور والمكان اللي انتوا قاعدين فيه ابقوا احضروا !!


نظرت له همس بسخرية رغم الغضب الشديد الذي كان يعتمل في قلبها بينما كانت لينا وميان تنظران إليها بنظرات مليئة بالغضب لأنها السبب في كل هذه الإهانة التي تعرضتا لها أمام الجميع لم تكترث همس وجمعت أشيائها قائلة ببرود استفزازي :

تمام يا دكتور على العموم كويس إنها جت منك أصل إحنا جعانين أوي وعايزين نفطر

غادرت المكان هي وميان بينما كانت لينا تسير خلفهما غاضبة


بعد لحظات، كانت الفتيات الثلاث يقفن أمام باب الجامعة تنتظرن وصول عمار


كانت همس تحتسي العصير بهدوء تستمع لتوبيخ ميان الحاد لها :

انتي غلطانة وطولة لسانك هي السبب في اللي حصلك النهاردة هيفضل حاططنا في دماغه طول الوقت


رددت لينا هي الأخرى :

طالما غلطانة بتكابري ليها اعتذري من وخلاص 


تمتمت همس بتحدي:

يستاهل اللي هيحصل فيه انهاردة


ضربت ميان كفها بالآخر بيأس بينما لينا سألتها بملل وتعب :

فين ابن خالتك ده اتأخر كده ليه!!


في تلك اللحظة توقفت سيارة أمامهم ونزل منها عمار يلقي عليهم السلام بابتسامة مرحة قائلاً :

صباح الخير يا قمرات


ثم نظر لميان قائلاً بمشاكسة :

صباح الفل يا ميمونة


ردت عليه بغضب :

متضايقنيش أنا أصلاً متضايقة ومش ناقصة


سألها عن السبب وحين أخبرته بما حدث ظهرت على ملامحه ابتسامة عفوية قائلاً بنبرة مرحة تظهر طبيعته العفوية وشخصيته الجميلة :

يا بنتي عادي ده انا متعود على كده لدرجة لو فات يوم من غير ما اتطرد احس ان فيه حاجة ناقصة واعمل اي حاجة قصد عشان اسمع كلمة اطلع بره


ضحكت لينا بخفوت تلك الضحكة الرقيقة التي تسللت إلى أذن عمار كنسمة دافئة في صباح شتوي للحظة توقف الزمن من حوله وحين التفت ينظر إليها شعر بشيء ما يهز قلبه بقوة لم يكن هذا الإحساس مألوفًا لديه لكنه كان جارفًا بما يكفي ليجذبه إليها


بقى يتأملها بصمت كأنها لوحة أبدعتها يد فنان شعرها الأشقر الكيرلي انسدل بخفة على كتفيها يحيط بوجه طفولي بريء كأنما الشمس قد تركت بصمتها على ملامحه بشرتها البيضاء الناعمة كانت تشبه الحليب في نقائها تزيدها براءة وجمالًا ملامحها الرقيقة ، تلك العينين العسليتين البريئتين، بدت كأنها ترسم سحرًا خاصًا رغم عدم ارتدائها الحجاب لكن ملابسها المحتشمة تضفي عليها رقيًا وأناقة لا تخطئها العين


شعرت لينا بالخجل من نظراته بينما لاحظت ميان تأمله فيها في الوقت ذاته كانت همس تفكر في كيفية الانتقام من ذلك الطبيب المدعو "يزن" وما ان خطرت لها فكرة رفعت يدها امام وجه عمار الذي كان غارقًا في تأمل لينا للآن قائلة :

انت يا استاذ...طب انت يا شبح !!!


التفت إليها عمار بذهول ولم ينتبه سوى لكلمة "شبح" التي استنكر خروجها من فم فتاة !!!!


ضحكت ميان ولينا لتلمع عيون عمار مجددًا بإعجاب عندما رأى ضحكتها الجميلة مردداً بداخله :

يالهوي هو في جمال كده


ابتسم وسأل ميان دون ان يرفع عيناه عن لينا :

مش تعرفينا على بعض يا ميان


رددت ميان وهي تشير لهمس ولينا:

همس ولينا صحابي من وأنا صغيرة


ثم تابعت وهي تشير لعمار :

عمار ابن خالتي يا بنات، حكيتلكم عنه قبل كده


التفت همس الى عمار وقالت بسرعة :

اه عارفينه المهم سيبكم من كل ده، بص يا برنس، الدكتور اللي بيدرس لينا السنة دي حاططنا في دماغه مش هيخلينا نحضر ليه طول السنة اي محاضرة، وطردنا كمان من المحاضرة وهزقنا قدام كل الطلاب، فاحنا عاوزين نعلم عليه، هتساعدني معاهم اكسرله العربية بتاعته....عايزاه يتقهر عليها 


ضحك عمار وقال بحماس:

بغض النظر عن شبح وبرنس والحاجات دي، أنا موافق، اهو نرجع للشقاوة من تاني 


توقفت ميان فجأة....قلبها ينبض بشدة حين لمحت سفيان من بعيد، وكأن الزمن توقف لحظة أمام عينيها، كانت نظراتها مليئة بالصدمة والاشتياق، كأنها تسترجع لحظات ضاعت في الزمن : سفيان!!!


سأله عمار بزهول :

بتعمل إيه هنا يا سفيان؟


رد عليه سفيان بغضب وحدة :

انت اللي بتعمل إيه هنا ؟


تمتم عمار بهدوء :

كنت بشوف ميان وبطمن عليها


صرخ عليه سفيان بغضب:

تطمن عليها ولا بتوقع نفسك في مشاكل عشانها، ايه لحقت لفت حبالها حواليك، مش كفاية عليها الغرب قالت الأقربون أولى


جز عمار على اسنانه وقال بتحذير حاد  :

سفيان، حاسب على كلامك، دي بنت خالتك


صرخ عليه سفيان بغضب، بينما سفيان تستمع له بقلب مقهور :

قولتلك ألف مرة ملناش دعوة العيلة دي كلها، نسيت اللي حصلنا احنا وابوك منهم


رد عليه عمار بحدة :

اللي حصل زمان غلطة شخص واحد بس، وأنا عمري ما هاخد حد بذنب التاني، ميان بنت خالتي، أشوفها في أي وقت هي وخالتي، والله إنت رافض يبقى ده يرجعلك ويخصك أنت مش أنا


ضرخ عليه سفيان بغضب :

بتعصى كلامي يا عمار، ايه مثلت عليك بكلمتين ودموع تماسيح عشان تخليك تعصي أخوك وتعارض كلامه


تنهد عمار ثم قال بغضب :

أعصي أخويا وأعارضه لما يكون بيفكر ويتصرف غلط، وعايز يسحبني معاه في نفس الغلط


إلى هنا وكفى، لم تعد قادرة على الصمت أكثر من ذلك، نظرت إلى عمار والفتيات، وقالت بهدوء زائف:

سيبوني معاه خمس دقايق


نفذوا ما قالت، ليبادر سفيان بالحديث قائلاً بسخرية:

إيه ناوية تعملي نفس اللي عملتيها على عمار عشان تصعبي عليا..؟.


قاطعته قائلة بقهر :

إنت ظالم وقاسي.... اللي قدامي ده مش سفيان اللي كنت بجري على حضنه أستخبى فيه، مش سفيان اللي عمره ما جرحني بكلمة


أشاح بوجهه بعيدًا عنها باستهزاء لتتابع ميان بحزن:

نسيت وعودك ليا زمان، بتقول إني بمثل، طب إنت تبقى إيه، ما إنت كمان كنت بتمثل وبتقول كلام معملتش بيه، أول ما حصل اللي حصل، كأنك كنت مستني حجة عشان تبعد، وبعدت... أنا مش بمثل يا سفيان، لأني لحد النهارده بعمل بكل وعودي ليك، الدور والباقي على اللي خلف بيها، وراح اتجوز و عاش حياته ولا كأن فيه واحدة خلاها تحبه، وفي نص الطريق سابها ومشي!!


تظاهر بالبرود على الرغم من تأثره مما تقول، لكن سرعان ما عاد لقسوته متذكرًا ما حدث بالماضي، وسخر منها قائلاً:

أداء حلو وعشرة على عشرة، بس بردو ماصعبتيش علي، وش البراءة ده مش هيأثر فيا لأني أكتر واحد عارف اللي من صنفك


نفت برأسها وقالت بقهر ودموع:

مش بقولك كده عشان أصعب عليك، أنا بقولك كده عشان تعرف مين اللي بيمثل ومين اللي ظالم


ثم غادرت الجامعة وصعدت إلى سيارتها دون أن تنطق بكلمة أخرى، والدموع تنهمر على وجنتيها بقهر، تتساءل في نفسها لماذا لا تستطيع أن تخلص قلبها من هذا الحب، تتمنى لو بإمكانها أن تتجاوز هذه المشاعر وتعيش بسلام مثلما فعل هو وتركها وراءه وواصل حياته


غادر سفيان خلفها وكلما شعر بشفقة تجاهها، يعود بذاكرته إلى الماضي، ويذكر نفسه بما فعلته به، ليغلق قلبه عليها مجددًا بمرارة !!!

........

منذ الصباح، كانت سيلين تتنقل بين الأماكن، كأنها تبحث عن شيء ضائع داخلها، لا تجد له أثرًا. كانت تبحث عن عمل يشغل وقتها، يملأ الفراغ الذي أصبح يسكن قلبها، ويبعدها عن جدران المنزل التي صارت سجناً. كان أفضل لها أن تكون في الشوارع، في أي مكان، بعيدًا عن كلمات والدتها القاسية التي أصبحت تقطع قلبها أكثر من أي إهانة من الغرباء. تلك الكلمات التي لا تنتهي، التي تُذكرها بأخطائها الماضية، وكأنها سجينة في لحظة طفولية ارتكبت فيها خطأ عابرًا لا تراه سوى والدتها كالذنب الأبدي.


منذ الطلاق، كانت تتمنى ان تشعرها والدتها بالأمان، تساندها، تحتضنها، لكنها بدلًا من ذلك كانت تُثقل عليها باللوم والعتاب، وكأنها هي السبب في كل شيء، كانت تتمنى لو حصلت على الدعم الذي تستحقه كل فتاة في سنها، بدلاً من أن تصبح ضحية لذكرياتها المؤلمة.....تعيش في ذلك الخطأ الذي لا يغفره الزمن


أغمضت عينيها وهي تجلس على أحد المقاعد الجانبية في الشارع، تتذكر كلمات والدتها القاسية حين علمت بأنها قررت البحث عن عمل:

إنتي ناوية تخلصي عليا بعمايلك دي، مش كفاية اللي راح زمان، عايزة تخليني أحصله، الناس تقول إيه، اتطلقت وراحت تلف على حل شعرها، شغل إيه وهبل إيه....اترزعي في البيت وبلاش بسببك نسمع كلام زيادة عن اللي بنسمعه 


توقف الزمن للحظة، وكأن كلماتها تصرخ في أذنيها، تنغرس في قلبها ومع ذلك، كانت هناك لحظة واحدة تملأ قلبها بالألم العميق، تلك اللحظة التي نظرت فيها لوالدتها وقالت بحزن:

ياريت ما جبتيني على الدنيا دي، وياريتك ما كنتي أمي، ولا أنا كنت بنتك....ياريتني كان بأيدي أختار أم ليا، ياريت!!!


قالتها، ثم خرجت من المنزل، لم تعد تطيق أن تكون جزءًا من هذا الجحيم الذي صنعته كلمات والدتها، أخذت موافقة والدها الحنون، الذي كان يراها أكثر من مجرد ابنة، هو الشخص الوحيد الذي يشعر بوجع قلبها


وجدت سيلين أخيرًا عملًا كنادلة في مطعم كبير، وعادت إلى منزلها متعبة....متجاهلة توبيخ والدتها !!!!!

.........

في مكتب سفيان بشركة العزايزي، كان يقف أمام الزجاج الشفاف الذي يفصل بينه وبين العالم، يشاهد حركة السير في الشوارع، لكن عقله كان بعيدًا، غارقًا في أصداء كلمات والدته "كاميليا"، تلك الكلمات التي كانت تلاحقه كالكابوس، كأنها قيلت بالأمس.


تذكر آخر مرة رآها فيها، مع والده، تلك اللحظة التي تحولت فيها الحياة إلى كابوس لم ينتهي بعد....كان المشهد محفورًا في ذاكرته، بكل ما فيه من صدمات ومرارة


حين وقفت أمام والده، وقالت بكل برود، وكأنها تقطع آخر خيوط الأمل بينهما:

زي ما سمعت يا شريف، أنا عايزة أطلق


سقطت كلماتها عليه كالصاعقة، فلم يجد ما يقوله، سوى السؤال الذي لم يجد له جوابًا:

تطلقي ليه،انا عملتك حاجة، ده أنا عمري ما ضايقتك بكلمة، طب وولادنا ؟


أجابته بنبرة قاسية صدمته:

ربيهم انت، اللي انا كنت مستحملة العيشة معاك عشانه راح خلاص


ردد شريف بذهول، وعدم استيعاب :

سبب؟!!


أومأت برأسها برودًا، ثم قالت:

تقدر تقولي هتصرف عليا منين، هنعيش إزاي، اللي نفسي فيه هتقدر تشتريه ليا، أنا مقدرش أعيش في مستوى أقل من اللي اتعودت عليه


سألها بحزن ينهش قلبه بلا رحمة:

هتسيبي ولادك عشان خاطر الفلوس... طب وإحنا وحبنا، كل دول مش مهمين عندك


ردت عليه بتأفف، كأنها تزيل عن نفسها عبء لا تحتمله : الحب والعواطف مش هيصرفوا عليا ويخلوني أعيش مرتاحة ومبسوطة


توسلها قائلاً بحزن وهو يحل رابطة عنقه قليلاً:

هقف على رجلي من تاني وهقدر أرجع زي ما كنت، بس خليكي جنبي....أنا بحبك يا كاميليا !!


ردت عليه كاميليا بنفاذ صبر :

كل ده كلام مش مضمون، وبعدين ما تتعبش نفسك معايا، أنا مصممة على كلامي، وياريت ننفصل بهدوء ومن غير شوشرة، وبلاش كلام مالوش لازمة، لأني خلاص مقررة وهتجوز بعد العدة ان شاء الله 


ثم تابعت بسخرية وقسوة :

وعشان بس تعرف، إني طيبة، مش هطالبك بحقوقي عشان عارفة انك ماحلتكش حاجة، وبلاش تدخل السجن، على الأقل الولاد يكون معاهم واحد مننا


نظر لها مطولًا بخيبة أمل وصدمة من قسوة قلبها التي يراها لأول مرة....يبدو أن عشقه لها قد اعماه عن رؤية حقيقتها طوال تلك السنوات، ردد بصوت خفيض متألم :

إنتي طالق...طالق بالتلاتة


زفرت بارتياح وغادرت القصر على الفور، غير عابئة بابنائها اللذان استمعا لكل شيء، والصدمة مرتسمة على وجوههما، كان سفيان حينها شابًا في بداية المرحلة الجامعية، وعمار في الإعدادية برفقة ميان، كانا الاثنان حينها مستوعبين لما يقال


كان عمار يبكي بصمت، بينما سفيان كان يناظرها وهي تغادر بجمود، لكنه ينهار من الداخل حرفيًا، فليس من السهل أبدًا أن يستمع لتلك الكلمات من....والدته


لقد كانت تلك الليلة هي نهاية علاقته بوالدته، وبأي شخص يخصها أو يقربها، قاطع خالته وعائلتها بأكملها، حتى أنه نقل شقيقه إلى مدرسة أخرى ليكون بعيدًا عنهم، كل ذلك الكره تمكن منه تجاههم، وبالأخص تجاه والدته، عندما تعرض والده لنوبة قلبية حادة في نفس اليوم الذي تخلت عنهم فيه....وتوفى مقهورًا !!


انتشله من ذكريات ذلك الماضي الأليم صوت باب مكتبه الذي فُتح، ودخل شخص للداخل بدون إذن، التفت ليرى من، سرعان ما توسعت عيناه بصدمة........

.......


#الفصل_الثالث

#رواية_بعينيكِ_أسير

#بقلم_شهد_الشورى

انتشله من غياهب ذكريات الماضي الأليم صوت باب مكتبه الذي فُتح فجأة ليدخل منه شخص دون أن يستأذن التفت سريعًا وكان على وشك أن يوبخه لكن الكلمات توقفت في حلقه عندما رأى أمامه ابن عمه "قصي" الذي ما إن دخل من باب المكتب حتى قال بصوتٍ مليء بالاشتياق :

واحشني يا بن عمي


تحولت الصدمة في قلب سفيان إلى فرحة عارمة لم يدرك كيف تحركت قدماه نحو ابن عمه وعانقه بقوة وكأنهما يعودان إلى أيام كان فيهما كل شيء سهلًا ومطمئنًا همس بفرحة غامرة :

واحشني يا أخويا


تبادل الاثنان العناق وكان بينهما اشتياقٌ يكاد يفيض من قلبيهما بعد لحظات ابتعد سفيان قليلاً لكنه لم يتمالك نفسه من أن يقول بحماس :

فريدة هتفرح أوي لما تشوفك وعمار كمان


ابتسم قصي قائلاً بحنين :

وحشتوني أوي وأمي كمان وحشتني اوي


تنهد سفيان قائلاً بضيق وحزن :

حاولت معاها كتير تسيب بيتها وتيجي تعيش معانا لكنها رافضة مش قادرة تسيب بيت عمي الله يرحمه


تبدلت ملامح قصي وابتسامة حزينة تكسو وجهه وهو يردد بدعاء :

الله يرحمه


سأله سفيان بعتاب :

مقولتش ليه إنك جاي النهاردة عشان استقبلك أنا وعمار في المطار


رد عليه بهدوء :

حبيت أعملها مفاجأة للكل


ردد سفيان بسعادة وهو يربت على كتفه بحنان :

أحلى مفاجأة يلا بينا نروح الفيلا تسلم على فريدة وعمار ونتغدى مع بعض كلنا زي زمان


ابتسم قصي بخفوت قائلاً : ملامحه :

تمام بس هسلم عليهم وأمشي أمي وحشتني أوي وكمان عاوز أرتاح شوية من تعب السفر تتعوض مرة تانية والأيام جاية كتير


على مضض وافق سفيان بعدما وعده قصي أن يجتمعوا في يوم آخر

........

بعد أن انتهى يزن من محاضراته المقررة لهذا اليوم توجه إلى جراج الجامعة وما إن دخل حتى توقف في مكانه وتوسعت عيناه من الصدمة عندما رأي سيارته في تلك الحالة الإطارات فارغة والخدوش تغطي كل جانب من جوانبها والزجاج الأمامي محطم تمامًا السيارة تحولت إلى حطام !!


أغمض عينيه بغضب موجة من الغيظ تملأ قلبه وهو يتوعد لمن فعل ذلك بالهلاك ألقي نظرة أخيرة على السيارة قبل أن يستدير ليغادر لكن شيئًا لامعًا على الأرض جذب انتباهه التقطه بيديه كان طوقًا معدنيًا لامعًا متدليًا منه قلب منقوش بداخله اسم "همس"


جز على أسنانه بعنف وهو يردد بغضب :

انتي اللي جبتيه لنفس قسمًا بالله ما هرحمك


اتصل فورًا بسائق والده وطلب منه الحضور إلى الجامعة والتعامل مع السيارة بينما هو خرج من الجراج بكل غضب.يلعن تلك "سليطة اللسان الوقحة" التي لم يكن يعرف عنها شيئًا سوى اسمها يتوعد لها بالويلات عندما يراها !!

........

في أحد البنايات الكبيرة التي لا يسكنها سوى أصحاب الطبقات المخملية كان قصي يضع رأسه على قدم والدته بعد عناق طويل ودموعها تختلط بكلمات معاتبة على كل تلك الأعوام من الغياب :

انت مش هتسافر تاني، ولا هتبعد عني أنا كبرتك وربيتك عشان تفضل جنبي مش عشان تسافر وتسيبني


تنهد قصي قائلاً بحنان :

مش هسافر تاني على عيني والله بعدي عنك يا أمي


مررت والدته يدها بحنان على خصلات شعره قائلة :

ادخل ارتاح شوية من السفر ولما تصحى هتلاقي الأكل اللي بتحبه كله جاهز


ابتسم قصي قائلاً وهو يقبل يدها :

متتعبيش نفسك يا حبيبتي أنا هنام باقي اليوم بكرة إن شاء الله


أومأت له قائلة بحنان :

أوضتك جاهزة كنت بخليهم ينضفوها كل يوم كمان عشان لو رجعت في أي وقت


أومأ لها بابتسامة وقبل جبينها قبل أن يدخل غرفته ويغلق الباب خلفه


نظر إلى كل زاوية في الغرفة باشتياق كبير كل ركن فيها يحمل له ذكرى هنا قضى مراهقته وشبابه هنا بدأ حبها ينمو في قلبه هنا كانت لياليه تمر هائمًا بها طوال الليل يحلم ويشتاق لها وهنا أيضًا ركض باكيًا حينما رفضته بكل قسوة لأن قلبها ليس له !!


ما زالت كلماتها تتردد في أذنه وحتى الآن لم يستطع أن ينساها فتح درج مكتبه في الزاوية البعيدة من الغرفة وأخرج دفتر كبير ذلك الدفتر الذي كان شاهداً على كل لحظة من مشاعره تجاهها قلب بين صفحاته بحركات بطيئة عيناه تتنقل بين الرسومات التي سكب فيها كل حب وألم رسم لها بحرفية العديد من الوضعيات تارة تضحك، وتارة أخرى حزينة وأخرى وهو يضع يده حول عنقها بينما كانت هي تنظر إليه لم تحدث تلك اللحظات أبدًا في الواقع لكنها كانت حلمه الوحيد كان يراها في خياله وكم تمنى ان تكون حقيقة


ألقى جسده على فراشه شاردًا، وعيناه ثابتتان على سقف الغرفة، يتساءل في صمت

كيف هي الآن؟

هل هي سعيدة مع الشخص الذي اختارته؟

هل وجدت في قلبه الحب الذي كان يحمله لها طوال سنوات؟

هل يعاملها برفق؟

هل يعيش معها اللحظات التي كان هو يحلم أن يعيشها بجانبها؟


لكن فجأة في ارتفع صوت داخلي يعنفه بشدة

لماذا يفكر فيها الآن؟

لماذا يعذب نفسه هكذا؟

لماذا لا يستطيع نسيانها؟

لماذا عشقها لعنة لا يمكنه التخلص منها؟


تتوالى الأسئلة في عقله تعصف به بلا هوادة لا يستطيع نسيانها أو التوقف عن التفكير فيها الألم في قلبه يتزايد يومًا بعد يوم خاصة عندما يسترجع آخر موقف جمعهما وكيف كانت قسوتها عليه

.........

داخل منزل اللواء عاصم الشريف وبالأدق داخل غرفة همس التي بعد وقت طويل من مراجعة دروسها أخذت تعبث بهاتفها بعدما فشلت في التواصل مع ميان التي منذ أن تحدثت مع سفيان صباحًا اختفت إلى منزلها رافضة الحديث مع أي شخص


بفضول لا تعرف سببه بدأت تبحث عن صفحة ذلك الطبيب دقائق قليلة كانت كافية للعثور على صفحته التي لم ينشر فيها أي شيء منذ سنوات آخر منشور كان صورة له برفقة فتاة محجبة يبتسمان معًا وعلق عليها بكلمات عاشقة :

إنِ لها وكل شيء بي يخصها ♡


تحققت من حالته الاجتماعية لتجد أنه "خاطب" فتملكها الفضول وتساءلت لماذا لم ينشر شيئًا منذ عامين ونصف رغم أن الصور بينهما كانت مليئة بالحب إلا أنها ظنت أنه ربما انفصلا لكنه لم يغير حالته الاجتماعية للآن


قطبت جبينها ونهرت نفسها قائلة :

طب وأنا مالي بيه يهمني في ايه خاطب ولا متجوز حتى !!


في صباح اليوم التالي حضرت همس المحاضرة الأولى بمفردها تشعر بالملل بسبب تأخر ميان ولينا


بعد قليل خرجت من المبنى وهي تشعر بالضيق والوحدة كم تكره أن تكون بمفردها في الجامعة لكن فجأة اعترض طريقها "هاني" أسوأ شاب في الجامعة الكل هنا يعلم انه دخل كلية الطب بمال والده اقترب منها قائلاً بغزل :

صباح الفل يا قمر مش ناوية تحني عليا ده أنا....


قطعت حديثه بنظرة مشمئزة ثم دفعته بعيدًا عنها قائلة بضيق وازدراء :

ابعد عني مش فايقة ليك


شعر بالإهانة من تصرفها فصرخ عليها غاضبًا :

انتي ازاي تتصرفي معايا كده شايفة نفسك على إيه عشان أبوكي لوا في الداخلية ايه يعني ما أنا أبويا اسمه كبير في السوق و إشارة منه بس يقعد أبوكي في بيته فخلي بالك من تصرفاتك معايا وتعالي ننبسط سوا ليلتين.....


لكن قبل أن يكمل كلامه هوت همس بيدها على وجهه بصفعة تردد صداها في أرجاء الجامعة ثم صرخت عليه بغضب :

إزاي تتجرأ وتتكلم معايا كده فاكر نفسك مين انت ولا حاجة انا هنا بمجهودي وانت هنا بفلوس أبوك بس عارف العيب مش عليك العيب في اللي ما عرفش يربي


رفع هاني يده ليصفعها لكن همس كانت أسرع منه في لحظة خاطفة استخدمت حركة متقنة من فنون القتال التي كانت متمرسة فيها وأسقطته على الأرض بسهولة.واصلت ضربه بكل قوتها وعينيها مليئة بالغضب لم يتوقف لسانها عن توجيه كلمات قاسية له

" بقى بترفع إيدك عليا انا يا..... "


استمرت في ضربه بقوة وكان هاني غير قادر على صد ضرباتها مستغربًا من السرعة في حركاتها ولا يصدق أن هذه الحركات تأتي من فتاة !!

كان الطلاب يراقبون المشهد بدهشة ينتظرون بفضول كيف سينتهي هذا الصراع؟


من بعيد كان يزن يراقب الموقف وعيناه تتسعان من الصدمة وهو يشاهد همس تدافع عن نفسها وتبرح ذلك الشاب ضربًا قرر التدخل ومنع الأمن من التدخل معللاً لهم إنه سيتعامل مع الأمر بنفسه


اقترب منها وأمسك بيدها برفق ليبعدها عن الشاب الذي كان يئن من الألم قائلاً لها بحدة :

ايه اللي بتعمليه ده وايه الهمجية دي !!


كانت همس غاضبة واخذت تقاومه قائلة بغضب :

سيبني عليه الحيوان ده 


ردد يزن وقد بدأ غضبه يتصاعد :

كفاية خدتي حقك خلاص لو الأمن اتدخل هتاخدي فصل


ابتعدت عنه صدرها يعلو ويهبط من شدة انفعالها قائلة بحدة :

أخد فصل ليه هو اللي بدأ ؟


رد عليها بحدة :

هتاخدي فصل لأننا مش في الشارع هنا دي جامعة مش غابة لازم تحترمي المكان اللي إنتِ فيه لو زميلك ضايقك تشتكي للأمن وهما هيتصرفوا....طولة اللسان مش شطارة دي قلة أدب


كانت على وشك الرد عليه لكنه سبقها قائلاً بحدة :

بلاش بجاحة مترديش الكلمة بكلمة انا عارف إنك انتي اللي عملتي في عربيتي كده إمبارح


سألته بمراوغة :

عربية إيه؟


ضحك بسخرية قائلاً بحدة :

العربية اللي خلتيها خردة وعشان غلطة الشاطر بألف السلسلة بتاعتك كانت واقعة جنب العربية 


ردت عليه همس بغضب :

أيوه عملت كده عش...


قاطعها قائلاً بحدة ونبرة صارمة أخافتها لكنها لم تظهر ذلك :

اتكلمي بأدب أنا الدكتور وانتي هنا طالبة يعني تلزمي حدودك معايا


صرخت عليه بمكابرة :

انت اللي حطتني في دماغك وعايز تسقطني السنة دي !!


رد عليها يزن بجدية :

مستحيل أعمل كده لأنه يخالف مبادئي كان ممكن تنهي كل ده من البداية وتعتذري لأنك انتي اللي غلطتي من الأول


صمتت همس للحظات ثم تنهدت قائلة :

أنا آسفة


رد عليها بهدوء :

قبلت اعتذارك وياريت مرة تانية ما يحصلش تجاوز في كلامك معايا


أومأت له قائلة :

تمام يا دكتور بعد إذنك


أفسح لها المجال لتغادر وعندما ابتعدت.ابتسم بهدوء قبل أن يغادر الجامعة هو الآخر

........

بعد انتهاء أحد الاجتماعات الهامة في شركة العزايزي التي حضرها سفيان وقصي وعمار


عاتب سفيان قصي قائلاً :

انت لحقت ترتاح من السفر عشان تنزل شغل


أجاب قصي بهدوء وهو يعيد ترتيب أوراقه على الطاولة :

ما انت عارف مش بحب قعدة البيت وبحب الشغل


أومأ سفيان برأسه قائلاً :

طب اعمل حسابك هتتغدى معانا النهاردة


اعتذر منه قصي بلطف :

معلش، خليها مرة تانية عندي كام مشوار لازم اخلصوا


بعد إلحاح كبير من سفيان رفض قصي واعتذر بأدب ثم غادر متجهاً إلى مكتبه الذي لم يطأه منذ سنوات باشر العمل لفترة قصيرة ثم غادر ليزور بعض أصدقائه قبل أن يتوجه لتناول الغداء في أحد المطاعم القريبة


رفض قصي الذهاب مع سفيان بسبب زوجته "نرمين" التي يكره رؤيتها ضحك في سره متسائلًا كيف لا يرى سفيان ما تفعله فالجميع يعرف أنها تستغله بشكل واضح لكنها استطاعت أن تضلله وكأنها ألقت عليه تعويذة أو سحرًا جعله يغفل عن حقيقتها !!


كان يستند بيده على الطاولة، واضعًا رأسه بين يديه في حالة من التفكير العميق حتى شعر بشخص يقف بجانبه رفع رأسه ببطء ملتقطًا من النادل قائمة الطعام دون أن ينظر إليه لكن في لحظة توقف قلبه عن الخفقان عندما استمع لصوت يعرفه جيدًا صوت طالما أثار في نفسه مشاعر عميقة :

قصي!!!


رفع رأسه قائلاً بصوت يحمل الصدمة والدهشة في آن واحد :

سيلين!!!


نظر إليها بصدمة...تأمل ملامح وجهها الجميل وعيناها التي لم يمل يومًا من النظر إليها لكنها الآن كانت تحمل حزنًا عميقًا !!!

فجأة استفاق على نفسه حين تذكر جملتها القاسية في الماضي كأنه يسمعها منها الآن "أنا آسفة يا قصي أنا وراغب بنحب بعض وهنتجوز قريب أوي...عقبالك"


نظرت له سيلين والاشتياق في عينيها واضحًا لكن الخزي كان يملأ قلبها سألته بصوت مختنق محاولة كبح دموعها :

رجعت من السفر إمتى؟


تجاهل سؤالها وكأن السؤال نفسه أصبح تافهًا مقارنة بما يدور في قلبه قائلاً بجمود :

بتعملي إيه هنا يا.....يا بنت خالتي


ارتبكت سيلين وبدا عليها الحرج الشديد وأخذا تعبث بأصابعها بتوتر :

بشتغل هنا


اشتعل الغضب بداخله كيف لذلك الرجل سمح لها بالعمل كنادلة !!


سألها ببرود محاولة منه لعدم إظهار مشاعره المتأججة :

أظن أن عندك شهادة كنتي اشتغلتي بيها


ردت عليه بتردد وحرج :

طالبين خبرة


لم يستطع قصي إخفاء ضيقه فسألها '

وانتي تشتغلي ليه أصلاً، إزاي جوزك يقبل بكده ؟


أجابته بصوت ضعيف وهي تبتلع غصة مريرة بحلقها :

أنا وراغب انفصلنا!!


حلّت عليه صدمة شديدة لم يعرف إن كان عليه أن يفرح لاحتمال وجود فرصة جديدة تجمعه بها أم يحزن على ما وصلت إليه وما فعلته به....جرحه منها عميقًا يصعب التئامه أو غفرانه بسهولة


أومأ لها ببرود ظاهري يخفي وراءه عاصفة من المشاعر :

ماكنتش اعرف عموماً ربنا يوفقك ويعوضك بالأحسن منه


ردت عليه سيلين بصوت مختنق بالدموع :

شكراً....تحب تطلب إيه؟


نظر إليها للحظات قبل أن يشيح بوجهه قائلاً باقتضاب :

قهوة سادة


غادرت لتنفذ طلبه فظل هو غارقاً في دوامة أفكاره كان الألم والندم والتساؤلات تتصارع في داخله هل ما زالت تحب ذلك الرجل الذي تخلى عنها لذلك تحزن عليه بهذا الشكل؟


عادت بعد دقائق تحمل كوب القهوة وضعته أمامه بصمت دون أن ترفع عينيها إليه أخذ الكوب منها دون أن يوجه لها كلمة فاستدارت وغادرت سريعاً تهرب من مواجهته لا تريده أن يرى ضعفها وكسرتها أكثر من ذلك


ظل يتأمل القهوة أمامه وكأنها مرآة تعكس داخله المُضطرب كان يتساءل هل هناك سبيل لإصلاح ما انكسر بينهما أم أن الأوان قد فات؟


لكن فجأة قطع أفكاره صوت عالٍ يصرخ بغضب :

انتي عامية...مش تفتحي


انتفض قصي في مكانه ونظر نحو مصدر الصوت ليرى سيلين تقف مرتجفة أمام رجل غاضب يصرخ عليها بعد أن سكبت بعض العصير على ملابسه


صرخ الرجل مرة أخرى على سيلين بنبرة حادة :

إيه الإهمال ده فين مدير المكان؟


هرع قصي بخطوات سريعة ودون تفكير وقف بين الرجل وسيلين ناظرًا إليه بحدة لم تترك مجالًا للجدال :

اعتذر لها فوراً وامشي....اشتري حياتك!!


تدخل صاحب المطعم بسرعة محاولًا احتواء الموقف قائلاً :

قصي باشا نورت المطعم إحنا آسفين جدًا لو حصل أي إزعاج لحضرتك


ردد قصي بصرامة وعينيه لا تزال مشتعلة بالغضب :

اللي قولته يتنفذ فورًا


توجه صاحب المطعم للشاب الغاضب وهمس له ببعض الكلمات مما دفع الأخير للاعتذار على عجل قبل أن يغادر المكان هاربًا


بعدها جذب قصي صاحب المطعم جانبًا قائلاً له بلهجة صارمة لا تقبل النقاش :

البنت دي تخصني لو سمعت إن حد ضايقها ولو بكلمة واحدة ههد المطعم عليك وعلى اللي فيه....مفهوم


أومأ صاحب المطعم برعب، وهو يردد بسرعة :

اللي تأمر بيه يا باشا


غادر قصي المكان بخطوات هادئة لكن قلبه كان يشتعل بالغضب لحقت به سيلين قائلة بامتنان :

شكرًا يا قصي....على اللي عملته


رد عليها بهدوء ظاهري :

ده واجبي يا سيلين انتي بنت خالتي وزي اختي الصغيرة وأي حد مكانك كنت هتصرف بنفس الطريقة


أنهى حديثه دون أن يمنحها فرصة للرد قائلاً بجدية :

سلميلي على خالتي والدك لحد ما اشوفهم


تركها وسط مشاعر متناقضة بينما هي لم تستطع الصمود أكثر فاستأذنت صاحب العمل لتغادر مبكرًا ورغم دهشته وافق دون تردد خشية أن يثير غضب قصي مجددًا


عادت سيلين إلى منزلها وأغلقت باب غرفتها خلفها قبل أن تنهار في نوبة بكاء مريرة شعور الندم كان يمزقها كل لحظة تمر عليها تحمل عبئًا أثقل

........

في أحد المناطق الشعبية، وتحديدًا في تلك الشقة الواقعة في الطابق الأخير لبناية متهالكة مهددة بالسقوط، جلس ثلاثة شباب على الأرض أمامهم العديد من زجاجات الخمر والأرجيلة، فيما كانت فتاة تتمايل بدلال أمامهم  بينما هم يصفقون لها وعيناهم تكاد تلتهمها


بعد فترة من الرقص، ارتمى أحدهم بجانب الآخر قائلاً بضيق : 

إيه يا عم راغب، هتفضل متنكد كده ومش طايق نفسك لحد إمتى، من ساعة ما طلقت البت أياها وأنت مش مظبوط، انساها بقى 


رد راغب بغضب وغل :

انسى مين؟ ده أنا ورحمة أمي ما هسيبها، أما خليتها تفضل تلف حوالين نفسها من الرعب، ما أبقاش أنا راغب، بلغت عني وجبرتني أطلقها، وحياة أمي لوريها بس تصبر عليا


أجاب الآخر ببرود وهو يرتشف من احد الزجاجات امامه :

يا عم فكك منها، مجاش من وراها غير الهم، دي مسنودة من ناس كبار، إنما إنت لامؤخذة كحيان، مش هيسموا عليك، وأنت جربت لما عرفوا باللي عملته فيها سجنوك، وكنت هتروح في داهية


رد عليه راغب بغضب وتوعد:

مش هيحصل قبل ما أندمها على اللي عملته فيا هي وأهلها


زفر ثالثهم بضيق وقال :

ما تقفلوا أم السيرة دي بقى، وبصراحة بقى راغب عنده حق، خليه يشفي غليله منها، مش كفاية لا طال منها فلوس ولا حتى قربلها، واتسجن وطلع من الجوازة دي خسران


ردد راغب بغل :

حقي هاخده منهم، بس الصبر....أنا وراها، والزمن طويل


ثم تحدث إلى نفسه بغضب :

اللي بينا ماخلصش لسه يا سيلين، مش هتخلصي مني بسهولة كده !!!!

.......

داخل فيلا العزايزي

كانت نرمين تجلس على فراشها، تضع طلاء الأظافر بينما يغمرها شعور بالغضب والغيظ الشديد من فريدة، فلولا تدخلها في حياتها لكانت الآن خارج المنزل، تقضي وقتها مع صديقاتها، وبالأخص....فجأة، رن هاتفها، فالتقطته بيدها لتُبصر الرقم المسجل باسم "جيجي" اتسعت ابتسامتها على الفور، وأجابته بدلال :

حبيبي وحشتني موت !!!!!

..........


#الفصل_الرابع

#رواية_بعينيكِ_أسير

#بقلم_شهد_الشورى

كعادتها بهذا اليوم كل أسبوع ان تنزل في الصباح الباكر تركض على الشاطئ و تضع سماعات الأذ


بعد مرور اكثر من ساعة توقفت تلتقط انفاسها بصعوبة ثم جلست على رمال الشاطئ تنظر للسماء شاردة، الحزن يخيم على قلبها منذ سنواتؤ لقد ذاقت مرارة فقدان حبيبها اولاََ ثم شقيقها اقرب ما لها بتلك الحياة.....لكنه تركها و رحل


تعالى رنين هاتفها بأسم "فريدة" اجابت على الفور بحب :

فريدة وحشاني اوي


عاتبتها فريدة قائلة  :

كدابة ومش مصدقاكي، امتى اخر مرة شوفتك فيها يا بت انتي، ده حتى مكالمة التلفون فين و فين


ردت عليها ميان بحزن :

هشوفك ازاي بس يا فريدة ما انتي عارفه ان مش هقدر ادخل الفيلا عندكم عشان سفيان مايضايقش، حتى مش بحب اتصل عشان ما اعملش ليكي مشاكل معاه


فريدة بحدة :

أنا حرة أعمل اللي أنا عاوزة، وهو لو مش عاجبه، يخبط دماغه في أي حيطة، ده أنا فريدة العزايزي كلامي يمشي عليه وعلى أي حد في العيلة دي


ردت عليه ميان بهدوء:

طبعا يا ديدا، بس برده بلاش نعمل مشاكل


فريدة بصرامة :

اسمعي يا بت انتي تقومي دلوقتي تلبسي و تجيلي ولو اتكلمتي نص كلمة حسابك معايا 


تمتمت ميان باعتراض :

يا فريدة مش.......


قاطعتها فريدة بحزم :

سمعتي انا قولت ايه


ثم أغلقت الهاتف، تاركة الأخرى في حيرةٍ من أمرها !!

لم تكن ترغب في الذهاب، ولا أن ترى غريمتها التي حصلت على ما حلمت طوال حياتها أن تحققه

لن تحتمل أن تشاهد من فازت بقلب حبيبها، ومن حملت اسمه، ومن عاشت لحظات السعادة والحب التي كانت تحلم أن تعيشها هي....

لم تكن مستعدة لرؤية سارقة أحلامها....لم ترد ذلك!!

........

كان قصي يتناول الإفطار برفقة والدته، التي كانت بين الحين والآخر تنظر إليه بتوتر ويبدو أن هناك شيئًا على وشك أن تقوله، لكنها كانت تعود للصمت وكأن الكلمات تتعثر في حلقها


فسألها بهدوء :

قولي اللي عاوزه تقوليه يا امي


ردت عليه بتوتر :

مش هتتضايق ولا تكسفني في اللي هطلبه منك


قبل يدها بحب قائلاََ :

انتِ تؤمري يا ست الكل و اللي عايزاه هيحصل


ابتسمت له قائلة بتوتر :

كنت بكلم خالتك انهاردة و عرفت انك رجعت فطلبت مني واصرت ان احنا نروح نتغدا معاهم بكره وحلفتني وانا معرفتش ارفض


صمت للحظات ثم قال بكل بهدوء :

طب و فيها ايه يا امي بكره هخلص شغل بدري ونروح سوا


ابتسمت وقالت بحنان :

تسلملي يا حبيبي


صمتت للحظات ثم سألته بتردد :

سيلين اتطلقت دلوقتي يا بني يعني  الطريق قدامك مفتوح لو جوازك منها، هيسعدك اتجوزها انت بتحبها و......


قاطعها قائلاََ بهدوء بحزم :

سيلين ماضي يا امي وانتهى و بعدين لو لسه بحبها زي ما بتقولي هي مابقتش تلزمني خلاص، عيشت من غيرها السنين دي كلها و هعرف اعيش الباقي من غيرها....الحياة مش بتقف على حد مش انتي اللي قولتيلي كده يوم جوازها


سألته بحزن :

ما بقتش تلزمك عشان مطلقة


نفى قصي برأسه وقال :

مطلقة او ارملة ده مايفرقش معايا ، وبعد رفضها ليا واللي حصل منها زمان.....بقى صعب ترجع علاقتي بيها كاخ وابن خالة مش بس افكر فيها كزوجة


تنهدت والدته بحزن وقالت:

البنت حالتها تصعب على الكافر امها مش رحماها خالص علطول بتسممها بالكلام و محبوسة علطول في البيت، دي نزلت تشتغل من يومين بس عشان تهرب من كلام امها اللي قومت الدنيا و قعدتها لما عرفت انها ناوية تشتغل


ردد قصي ببرود رغم قلبه الذي يتمزق من الألم حزناً عليها :

هي اللي اختارت زمان وعملت في نفسها كده


سألته بضيق :

انت شمتان فيها


عاتبها قصي وقال :

ايه اللي بتقوليه ده يا امي دي بنت خالتي مهما حصل، انا اقصد ان كل واحد بيحصد نتيجة اختياره، هل ده معناه اني شمتان فيها


تنهدت والدته واكتفت بالصمت، بينما قصي غرق في دوامة أفكاره كان قلبه يقاوم لكنه لم يستطع الفرار تمامًا من طيف سيلين الذي يطارده، فهمس بداخله وهو يحدق في اللاشيء

ليس كل ما نتركه وراءنا يُنسى، أحيانًا نبتعد لنشفى، لكن ما كُتب في القلب يظل حاضرًا، ينتظر لحظة يتغير فيها القدر، أو ربما....نتغير فيها نحن!!!!!

........

في منتصف اليوم، شعر سفيان بالإرهاق، فقرر العودة إلى المنزل ليأخذ قسطًا من الراحة ويتناول الغداء برفقة زوجته وجدته. عندما توقف بسيارته أمام الفيلا، لفت انتباهه دخول سيارة نرمين من البوابة.....انتظر حتى ترجلت منها، فاقتربت منه وسألته برقة بعيدة كل البعد عن صفاتها :

حبيبي، انت رجعت من الشغل بدري ليه، أنت كويس؟


أومأ لها وقال بخفوت :

مفيش شوية إرهاق بس، مش أكتر


سألته بنبرة متقنة ظهر فيها القلق بوضوح :

تحب أطلبلك الدكتور


نفى برأسه بصمت، ثم أحاط خصرها بذراعه واتجها معًا للداخل، وبمجرد دخولهما، لاحظت نرمين وجود فتاة تجلس مع فريدة، جدته، وتعطيهما ظهرها، فسألت باندهاش :

عندنا ضيوف


أجابتها فريدة بابتسامة صفراء لم تصل لعينيها :

دي ميان....بنت خالة سفيان وعمار !!


في تلك اللحظة، اشتعل الغضب في عيني سفيان، بينما التفتت ميان برأسها للخلف لترى سفيان يحيط خصر زوجته، أما نرمين فنظرت إليها بنظرة متعالية


رفعت ميان عينيها المليئتين باللوم والعتاب إلى سفيان، وكأنها تقول له بصمت كيف جعلتني أغرق في حبك، ثم تركتني غارقة بلا رحمة، علمتني كيف أحبك، لكنك لم تعلمني كيف أعيش من بعدك !!


شعر سفيان برغبة في الصراخ وإعلان رفضه لوجودها في المنزل، لكن نرمين سبقته وقالت بلهجة متعالية :

آه، بنت خالته....لكن الصراحة يا فريدة هانم، أنا مستغربة، إزاي تدخليها هنا وأنتي عارفة إن سفيان مش بيقبلها ولا أي حد من عيلتها


قبضت ميان يدها بغضب وردت بحدة:

أياً كان اللي بيني وبين ولاد خالتي، مش مسموح لأي حد يتدخل فيه.....يا اسمك ايه انتي!!


ردت عليها نرمين بسخرية :

أنا نرمين....وما أظنش انك ممكن تنسي اسم طول عمرك، خصوصًا وأنا اللي فزت بقلب حبيبك الأول سفياناللي انتي فشلتي توصلي لقلبه


ابتلعت ميان كلماتها الموجعة، وهي تشعر بمرارة عميقة، ونظرت إلى سفيان مجددًا بعتاب مؤلم، لكنه لم يبالي، بل أحاط خصر نرمين بنظرة تحدي واضحة !!!!


تدخلت فريدة وقالت بحدة :

أنا اللي اتصلت بميان وعزمتها على الغدا


رد عليها سفيان بغضب :

لكن أنا مش عايزها في بيتي، يا فريدة لا هي ولا أي حد من عيلتها....وجودها هنا بيلوث البيت 


كانت كلمات سفيان كالصفعة على وجه ميان...شعرت بالإهانة، وأرادت أن تغادر على الفور، لكن فريدة أوقفتها وهي تمسك بيدها قائلة بغضب :

سفيان، إنت بتطرد ضيفتي من بيتي


رد عليها سفيان بانفعال:

البيت ده بيتي وبيت مراتي، وهي وجودها هنا غير مرغوب فيه


نظرت فريدة إليه بصدمة وعتاب، بينما خرجت ميان بخطوات متعثرة، تكتم دموعها بصعوبة. وقفت بجوار سيارتها، وهي تحاول استجماع شتات نفسها


خرج سفيان بعدها، لكنه تفاجأ بها أمامه، ودموعها تنهمر بصمت.....توقفت أمامه وقالت بألم :

أنا مش غبية، يا سفيان...مش غبية، عشان أصدق إنك قطعت علاقتك بيا وبعيلتي بسبب شوية تخاريف مالهاش معنى


تمسكت بسترته بقوة وتوسلت إليه :

كرهتني ليه....ليه بعدت عني، انا من حقي أعرف السبب، ريح قلبي وقولي!!!


لكنه أمسك بيديها وأبعدهما عنه وقال بجمود:

صدقيني، آخر همي إني أريحك يا ميان


ثم دفعها بعيدًا عنه وغادر، تاركًا إياها وحيدة تنهشها آلام الخيبة، بينما  نرمين كانت تشاهد الموقف من خلف الزجاج، وعلى وجهها ابتسامة ماكرة 


في تلك الأثناء، صعدت فريدة إلى غرفتها برفقة الخادمة، ثم أغلقت الباب خلفها وقالت لها بصرامة :

جهزي الشنط بتاعتي يلا، هنمشي من البيت ده


بدأت فريدة في تبديل ملابسها، عازمة على مغادرة الفيلا إلى الأبد والعودة لمنزل زوجها الراحل، حيث كانت تعيش قبل أن تتحسن حالتهم المادية !!!

.........

عاد قصي قبل موعد الغداء بوقت ليس بقصير ليبدل ملابسه ثم يصطحب والدته لمنزل خالته، تخلص من ملابسه الرسمية الخاصة بالعمل، وأخرج من الخزانة قميصًا دون أن ينظر إليه، لكنه توقف للحظة عندما رأى لون القميص البترولي تذكر كلماتها جيدًا حينما رآته يرتدي ذلك اللون الذي يحبه، بينما هي تكرهه بشدة :

قصي، إيه اللون ده، من قلة الألوان يعني، ده لون مش حلو خالص، ومش حلو عليك


أجابها حينها بغرور زائف، وهو ينظر لهيئته بالمرآة:

بس يا بت، هو أنتي بتفهمي حاجة، ده لون شيك ، كل البنات في الشركة عيونهم طلعت قلوب أول ما شافوني لابسه


نكزته بذراعه قائلة بغضب:

بنات مين يا بتاع البنات، ويا ترى بقى خالتي عندها علم إن ابنها بيفرح بلمة البنات حواليه، وتلاقيك طبعا مقضيها من ورانا ولا حد حاسس بيك


ضحك بقوة ثم قال بغرور :

ابن خالتك ولا بخر بيتعاكس ما يعاكسش !!!!!


تمتمت بغيظ:

ليه توم كروز وأنا معرفش


نفى برأسه وقال بغرور وثقة :

احلى منه


تزمرت وقالت بغيظ :

نص الغرور اللي عندك ده


ضحك بخفوت، ثم تابعت هي بضيق :

ماتلبسش اللون ده تاني، أنا مش بحبه ومش بحب أي حد يلبسه


ثم تابعت بإعجاب:

عارف اللون الأسود، والأبيض، والأزرق، تحفة عليك اوي وبتطلع فيهم قمر وابن ناس


ضحك وقال بمرح :

يعني لو لبست اللون ده مش هبقى ابن ناس


أومأت له بابتسامة، ظنًا منها أنه اقتنع بكلامها، ليقو ضاحكًا :

هخلعه ومش هلبسه تاني.....قفلتيني منه يا بومة


نظرت له قائلة بغيظ:

أنا مش بومة، الحق عليا بنصحك باللي يليق عليك


رد عليها بمشاكسة وحب، ليجعلها تبتسم :

طب خلاص، فكي التكشيرة دي، مش هلبس اللون ده تاني عشان ما شوفش قمري زعلان


عاد للواقع وهو ينظر للقميص الذي بيده، كانت ذكرياته معها جميلة لا تشوبها شائبة لولا ما فعلته!!!


بعد وقت، كان يقف أمام منزل خالته يحمل بيده باقة ورد ووالدته تحمل بيدها علبة شوكولاتة فاخرة، ضغط بأصبعه على زر الجرس، وهو يرسم الثبات على ملامح وجهه


فتح كمال زوج خالته الباب قائلا بابتسامة بشوشة:

أهلا بالغالين


أخذت خالته سميحة الباقة من يده ليتمكن من احتضان زوج خالته الذي قال بحنان:

نورت بلدك يا غالي.يا بن الغالي


رد عليه قصي بحب :

بنورك يا عمي، ليك واحشة والله


رحبت به خالته بحفاوة، ودخلوا جميعًا للداخل، ولكن سيلين لم تخرج بعد !!


مر وقت قصير حتى خرجت بحجابها وثوبها البسيط جداً،.لم ينظر لها، وتظاهر بالانشغال بالحديث مع زوج خالته


بينما هي توقفت مكانها للحظات عندما رأته يرتدي ذلك اللون، عادت بذاكرتها لتتذكر نفس الموقف، لمعت عيناها بالدموع لقد خسرت قصي الصديق والأخ قبل الحبيب!!


هل لتلك الدرجة أصبح لا يهمه ما تحب وما تكره، كم هي حمقاء، فماذا كانت تنتظر بعدما فعلت....أن يركض إليها ؟


اقتربت وصافحته قائلة بحزن:

اايك يا قصي؟


رد عليها  بهدوء:

الحمد لله، يا سيلين.... إنتي أخبارك إيه


ردت عليه باقتضاب:

الحمد لله


جلسوا جميعًا يتحدثون سويا بمواضيع مختلفة، وكان قصي متجاهلًا سيلين تمامًا. مهما حاولت والدتها جذب انتباهه لها، كان ينهي الحديث بكلمات مقتضبة


لتردد سيلين في داخلها بحزن وندم:

ياريت لو تقدر تسامحني، صحيح الواحد مش بيعرف قيمة الحاجة إلا لما تروح من إيده!!!!


انتبهت لوالدتها، وهي تقول باستنكار وحزن:

شوفت اللي حصل لبنت خالتك يا قصي؟ بعد سنة جواز من المخفي اللي اسمه راغب، والويل اللي شافته معاه...طلقها !!


نظرت لوالدتها بغضب، فماذا سيظن هو وخالته بها؟


رد عليها قصي باقتضاب، رغم أن فضوله يكاد يقتله ليعرف ماذا فعل ذلك الحقير بها:

ربنا يعوضها بالأحسن منه إن شاء الله


نظر كمال لزوجته بغضب وتوعد لها بداخله، خاصة حين أكملت بمكر وكذب:

يارب يا بني، سيلين لما عرفت إنك جاي، عملتلك الأكل اللي بتحبه كله


ابتسم قصي بزاوية شفتيه، فهو يعلم تمام العلم أن خالته تكذب، ويعلم بما تفكر


ردد كمال بابتسامة لم تصل لعيناه وبنظرات حادة:

جهزي الغدا يلا يا سميحة


تمتمت على الفور :

حاضر، ثواني ويكون جاهز


بعد وقت تناول الجميع الغداء، وبعدها جلسوا يتناولون الحلوى التي أعدتها سميحة، لكنها نسبت العمل لابنتها، والجميع يعلم ما تحاول فعله، اخذ كمال يتوعد لها فقط ليغادر الجميع


تعالى رنين جرس المنزل، ذهبت سيلين لتفتح الباب، فتفاجأت بوجود عمتها و وابنتها الاثنتين ابتسمت لهم بتصنع قائلة:

اهلا يا عمتي، اتفضلي، تعالي يا أمل إنتي ونهى


ردت عليها فتحية بابتسامة صفراء وهي تدخل:

طبعًا يا حبيبتي، اتفضل، ده بيت أخويا الغالي


بادلتها سيلين نفس الابتسامة ودخلت خلفهم، تأفأف قصي بداخله، فهو لا يطيق تلك المرأة وبناتها أبدًا، كذلك الجميع ومن بينهم شقيقها، بسبب أفعالهم لكنه مجبور لتحملها، فهي أولًا وآخرًا شقيقته الصغرى!!


تمتمت فتحية بابتسامة واسعة:

قصي، ليك وحشة يا بني، كل دي غيبة، القاعده في بلاد الغرب عجبتك ولا إيه؟ بس العيب مش عليك، العيب على اللي كان السبب في سفرك من البدايه....منه لله بقى


رددت والدة قصي بحدة:

ماتدعيش على حد يا فتحية ابني مكنش مهاجر، دول هما سنتين كان بيتابع فيهم شغله، ورجع، مش حكاية هي


اغتاظت فتحية، وابتسمت لها اصفرار، لتسألها سميحة والدة سيلين بابتسامة صفراء:

صحيح يا فتحية، إيه سبب الزيارة دي؟ بقالنا شهرين مش بنشوفك


رددت فتحية برفعة حاجب: 

ده بيت أخويا يا حبيبتي، أزوره في الوقت اللي أنا عايزاه، مش كده أخويا !!!


كمال بضيق:

تنوري في أي وقت يا فتحية


ابتسمت فتحية وقالت وهي تنظر بشماتة لسيلين:

المهم كنت جاية أبشركم نهى، بنتي، جالها عريس، ما شاء الله عليه، لا سجارة ولا كاس، ولا ليه في الحاجات إياها ويعرف ربنا، دكتور، وعنده عيادة، وشقة كاملة من كله إن شاء الله الخطوبة بعد أسبوع، مستنياكم


ردد كمال بابتسامة لم تصل لعينيه، لأنه يعلم تمام العلم أنها شامتة بابنته:

مبروك يا فتحية، عقبال أمل إن شاء الله


تمتمت فتحية بابتسامة: 

تسلم يا خويا، عقبال سيلين، مع إني أشك.


صمتت سميحة بكمد وغيظ، لتدافع والدة قصي عن سيلين التي كانت تكورت قبضة يدها بغضب، تحارب حتى لا تنهمر دموعها وتخذلها أمام الجميع. بينما قصي يراقبها بحزن أخفاه تحت قناع وجهه اللامبالي:

ليه يا فتحية، مالها سيلين؟ ناقصة إيد ولا رجل؟ عشان متشوفش نصيبها مع حد تاني.... ده ألف واحد يتمناها ، والدليل على كده كل العرسان اللي اتقدموا ليها ولسه بيتقدموا، بس سيلين هي اللي مش بتفكر في موضوع الجواز دلوقتي، وماتنسيش إنك زمان كنتي مطلقة واتجوزتي تاني وخلفتي ومعاكي بنتين..... الحياة مش بتقف يا حبيبتي!!


ثم تابعت بحدة:

عندك بنتين يا فتحية على وشك جواز، فبلاش تشمتي


رددت فتحية بحدة زائفة :

"كلام إيه اللي بتقوليه ده؟ معقول هشمت في بنت أخويا؟ ربنا ما يجعلنا من أهل الشماتة يا حبيبتي


نظرت لها الأخرى بضيق وكذلك سميحة وصمتوا، بينما تدخل كمال مهدئاً الوضع...كان قصي شارد، فضوله يأكله من الداخل، يريد معرفة ما فعله ذلك الحقير ليصل بها إلى تلك الحالة


استفاق من شروده على أمل قائلة برقة مبالغ فيها :

صحيح يا قصي، انت هتستقر ولا هتسافر تاني؟


قصي ببرود، دون النظر لها:

هستقر


أمل بسعادة:

أحسن حاجة والله، مفيش حاجة تستاهل إنك تسيب بلدك عشانها


قالت الأخيرة وهي تنظر لسيلين، فرد عليها قصي ببرود وهو ينظر للساعة :

أنا بس اللي من حقي أحدد الحاجة دي تستاهل أو لا، مش انتي


شعرت بالحرج أمل من رده فصمتت، ولم تتحدث، حتى مر وقت قصير، وغادرت فتحية وبناتها وما إن أغلق الباب حتى هبت سميحة من مكانها صارخة بغضب :

شايف يا كمال، شايف بنتك و اللي عملته فينا؟ خلتنا نسمع الإهانة من اللي رايح واللي جاي، وتلقيح الكلام، أدي آخر اللي خدناه من خلفه البنات!!!


كمال بغضب وحدة:

سميحة انتي تخرسي خالص، سامعة


لم تصمت وتابعت معنفة ابنتها التي دخلت في نوبة بكاء مرير:

راحت اتجوزت واد صايع وزبالة، وخلتنا ندخل الأقسام على آخر الزمن... طلقها ورماها ده أنا كان عندي تموت أهون من أني أسمع كلام من الرايح واللي جاي بسببها


ردت عليها والدة قصي بحدة:

بس يا سميحة، ما يصحش كده


صرخت سيلين بكل ألم ودموع، مخرجة تلك الكلمات التي تحملها بداخلها:

حرام عليكي، بقى ارحميني أنا بنتك مش واحدة لقيتيها في الشارع...كل شوية كلام الناس، كلام الناس يولع الناس....الناس اللي عاملة حسابهم دول مش بيعملوا حاجة غير إنهم يتكلموا وبس ارحميني بقى.....مستنية الناس تعرف وتسكت  إذا كنتي إنتي مش رحماني وجاية عليا زيهم؟ إنتي اللي المفروض تكوني أمي، بترمي عليا بالكلام، وعمرك ما دافعتق عني زي ما حصل من شوية وخالتي اللي قالت اللي المفروض إنتي تقوليه....مستنية إيه منهم، مستنية منهم يعملوا اللي إنتي نفسك مش بتعمليه....أنا بكرهك وبكره نفسي لأن عندي أم زيك.... كل اللي بتعمليه فيا ده عشان محمد مات، ياريتني أنا اللي مت وهو اللي فضلك مع اني متأكدة إنه بموته ارتاح منك هو كمان!!!!


قالت ما قالت ثم ركضت خارج المنزل سرعان ما التفتت ركض قضي خلفها عندما قالت والدته بلهفة وخوف 

اجري وراها يا قصي، أحسن  تعمل في نفسها حاجة


ركض قصي خلفها بقلق، والحزن ينهش قلبه عليها، بينما كمال، ولأول مرة، رفع يده على زوجته وصفعها قائلاً بغضب :

القلم ده يمكن يفوقك ويخليك تعقلي بقى يا سميحة، إنتي إيه؟ مش بتحسي ولا عندك قلب؟ لحد إمتى هتفضلي تحاسبي بنتك على ذنب مش ذنبها؟ لحد إمتى هتفضلي معيشانا في النكد ده؟ خسرتي محمد زمان، ولو فضلتي على كده هتخسريني أنا وبنتك، وهتفضلي لوحدك


تركها وذهب لغرفته، جسده بأكمله ينتفض من الغضب والحزن على ابنته بينما سميحة انهارت تبكي بقوة بين أحضان شقيقتها


اخذ قصي يبحث عنها بعينيه يميناً ويساراً إلى أن وجدها أخيراً تمشي بنهاية الشارع، فركض خلفها حتى يلحق بها قبل أن تعبر الطريق السريع بحالتها تلك، لكنه تأخر، فقد لمح تلك السيارة القادمة مسرعة، بينما هي قد خطت بقدمها للأمام !!!!!!!

...........


#الفصل_الخامس

#رواية_بعينيكِ_أسير

#بقلم_شهد_الشورى

ركض قصي مسرعًا بكل ما يملك من قوة، وكأن الريح تدفعه للأمام، يلهث بشدة بينما عيناه لا تفارقان جسدها المترنح وسط الطريق. مد يده بتلقائية، جذبها بقوة، وشدها إلى صدره قبل أن يتوقف الزمن لجزء من الثانية، وصوت السيارة المزمجر يمر بجانبهم مثل إعصار كاد أن يبتلعها


احتضنها بقوة وكأنها أمانه الأخير، ودفنت رأسها في حضنه، جسدها يرتجف كعصفور مبتل، دموعها تنساب بحرارة، تمزج الحزن بالخوف، كان صوت شهقاتها يملأ المكان، لكنه لم يطغى على أنفاسه اللاهثة، أنفاس حملت كل الذعر الذي عاشه للحظات


همست بصوت مخنوق، بالكاد يخرج من بين شهقاتها:

سيبتني ليه


كلماتها كانت كطعنة، اختلطت فيها المرارة بالعجز، لكنها كانت كافية لتجعل قلبه يغرق أكثر في صمت ثقيل، افيق على حاله فأبعدها عنه برفق قائلاََ :

يلا خليني اروحك


نفت برأسها عدة مرات وقالت ببكاء :

مش راجعة البيت ده تاني


تنهد بحزن ثم قال :

سيلين يلا ارجوكي كفاية دموع و امشي معايا على البيت اهلك زمانهم قلقانين عليكي


صرخت عليه بدموع و غضب :

قول بابا عشان اصدقك انما هي كل اللي بتعمله فيا ده و تقولي قلقانة عليكي دي كانت بتقتلني كل يوم بالبطئ بكلامها


تمسك بمقدمة قميصه وتابعت بحزن :

سيبتني ليه و سافرت ، بعدت عني ليه و انت عارف اني ماكنش ليا غيرك ، بعدت ليه و انت عارف انك الوحيد اللي بحس مع بالامان في حياتي....ليه!!!


قالتها و هي تنظر لوجهه الذي مهما حاول ان يبدو جامداََ إلا انه فشل و ظهر الحزن بوضوح عليه :

مش انتي اللي كنتي عايزة كده، كنتي عايزاني ابعد....وبعدت 


صرخت عليه بقهر :

عمري ما كنت عايزاك تبعد و عمري ما حبيته


ثم تابعت ببكاء يفطر القلوب :

انا كنت مغيبة كنت مصدومة لما جيت و قولتلي انك بتحبني و عايز تتجورني


سألها بسخرية :

ايه اللي يصدم في كده


صرخت عليه بغضب و دموع :

اللي يصدم اني كنت متخيلة ان اللي بتعمله معايا ده كله بدافع الأخوة و الصداقة و بس عمري ما تخيلت ان ممكن ده يكون حب ، انا لحد يوم الفرح مكنتش مستوعبة اللي بيحصل مكنتش مستوعبة انا فين و مين ده و انك سافرت خلاص و مش هشوفك تاني


صرخ عليها قصي بغضب :

كفاية كدب


نفت برأسها وقالت بدموع :

مش بكدب يا قصي انا مش بكدب


قبض بيده على كتفيها و اخذ يحركها بغضب :

اومال مين اللي قالتلي ابعد عني و عن حياتي مين اللي جات في نص شغلي تصرخ عليا ابعد عنها و عن خطيبها و اسيبكم في حالهم


بكت و لم تجيب أكمل هو بغضب :

مين اللي جات و عملتلي فضيحة بين الموظفين تتهمني فيها بصفات عمرها ما شافتها مني ، مين اللي رفعت ايدها و كانت عايزة تضربني ، مين اللي بكل برود بعتتلي دعوة فرحها كغريب.....قاصدة توجعني بيها ، مين اللي اتهمتني و قدمت بلاغ فيا ان اعتديت بالضرب على خطيبها


دفعها للخلف قائلاََ بغضب و سخرية :

ما تردي مين اللي عمل كده انتي و لا خيالك  !!!


لم ترد، بل اكتفت بغرق عينيها في دموعها، ووجهها شاحب كأن الكلمات تخنقها قبل أن تصل إلى شفتيها. نظر إليها للحظة، عجز عن قول شيء، ثم أمسك بيدها برفق وسحبها نحو سيارته التي كانت مصفوفة أسفل منزل خالته....لم ينبس بكلمة طوال الطريق، عيناه مزيج من الحيرة والغضب المكبوت، كأن الصمت صار لغته الوحيدة للتعبير


صعد سريعًا ليأخذ والدته بعد أن استأذن والد سيلين الذي وافق بتردد بعد إلحاح من والدته، إذ أرادت أن تبقى الفتاة معهم لبضعة أيام لتستعيد هدوءها.....وافق الأب أخيرًا، مطمئنًا أن قصي سيظل في منزله المقابل لشقتها


ما إن نزل قصي مجددًا إلى مدخل البناية مع والدته، حتى ربتت على كتفه بابتسامة مفعمة بالفخر، وقالت بصوت حنون :

خير ما عملت يا بني، تقعد عندنا أحسن ما تقعد عند حد غريب


أومأ لها بصمت، لا يرغب في الحديث عيناه كانتا معلقتين بشيء بعيد، كأنه يبحث عن جواب لا يجده اصطحبهم للمنزل دون أن يلتفت إلى سيلين، متجاهلًا وجودها تمامًا، وكأن المسافة بينهما صارت فجوة لا يمكن عبورها !!!!!


بعد قليل كان قصي بغرفته يلملم أغراضه استعدادًا للانتقال إلى الشقة المقابلة، بينما في الجهة الأخرى، انتفضت سيلين فجأة من نومها، جسدها يرتعد عندما شعرت بيد تلمسها بجرأة غير مسبوقة. فتحت عينيها بصدمة، لتجد أمامها ذلك الوجه المقيت فشهقت برعب، وصاحت بصوت متحشرج:

راغب؟!


سحبت الغطاء بسرعة لتحمي نفسها من نظراته الوقحة، بينما كان الآخر يرمقها بجرأة مقززة.....ارتجفت وقالت بصوت متقطع :

انت بتعمل إيه هنا؟!


اقترب منها بخطوات ثقيلة وهمس بنبرة تنضح بالشر:

جاي أخد روحك يا حلوة


تراجعت إلى الخلف، تبحث بعينيها عن أي سبيل للهرب، وصاحت بخوف:

مش هتقدر! بابا مش هيسيبك، وكمان.....


قاطعها بابتسامة ماكرة ونبرة مغموسة بالخبث :

قصي، حبيب القلب، مش كده!!!


ابتلعت ريقها بصعوبة، والخوف يتصاعد في عينيها عندما أكمل بصوت يحمل توعدًا قاسيًا:

والله لهحرق قلبك عليه


انسابت الدموع منها وهي ترتجف كليًا، شهقت قائلة بفزع :

لو قربت منه.....انا هقتلك يا راغب!!


ضحك بخبث أشد، ثم قال ببرود :

الأيام بينا، يا حلوة و بكرة تشوفي


اقترب منها مجددًا، متحدثًا بنبرة زرعت الرعب في قلبها، وهو يلعق شفتيه بطريقة مقززة :

بس دلوقتي خلينا في موضوعنا.... أنا جايلك مخصوص، ومش همشي إلا لما أخد اللي عاوزه منك


صرخت بكل قوتها، صوتها يخترق سكون المكان :

قصي!!!!


ركض قصي فور سماعه صراخها، وقلبه يخفق بجنون، ودون تفكير فتح باب غرفتها لكنه تجمد في مكانه عندما وجدها مستلقية على الفراش، تتحرك يمينًا ويسارًا، وجهها يتصبب عرقًا، تهذي بكلمات غير مفهومة. أدرك أنها كانت عالقة في كابوس مرعب


أغلق الباب بهدوء عندما لاحظ حالتها، ثم توجه إلى والدته التي خرجت من غرفتها هي الأخرى بسبب الصراخ وقال لها بقلق:

ادخلي، خليها تلبس حاجة، وأنا هدخل أطمن عليها


توجهت والدته إلى غرفة سيلين، وجذبتها إلى حضنها بحنان، تمسح على رأسها برفق، تقرأ عليها آيات من القرآن حتى هدأت أنفاسها المتلاحقة، بدأت سيلين تتوقف عن الارتعاش شيئًا فشيئًا، فقدمت لها خالتها كوب ماء وهي تقول بلطف :

اشربي يا بنتي


ارتشفت سيلين الماء ببطء، جسدها منهك وعقلها لا يزال عالقًا في مشاهد الكابوس.... حمدت الله في داخلها ألف مرة أنه لم يكن سوى وهم!!!!


ناولتها خالتها إسدالًا خاصًا بالصلاة قائلة :

البسي ده، قصي عايز يدخل يطمن عليكي


أومأت لها بخجل، وارتدت الإسدال بسرعة، بعدها طلبت من قصي الذي كان يقف قلقًا خلف الباب أن يدخل


دخل قصي محاولًا إخفاء قلقه، متصنعًا الهدوء، وقال بصوت منخفض :

عاملة إيه دلوقتي؟


أخفضت وجهها بحرج، وأجابت بصوت خافت:

كويسة... آسفة إني سببتلكم إزعاج من أول يوم، أنا بكرة هرجع البيت.....


قاطعتها خالتها بنبرة عتاب دافئة :

إيه الكلام ده يا بنتي؟ ده بيت خالتك، يعني بيتك، ومفتوح ليكي في أي وقت...انتي هتقعدي معايا لحد ما تزهقي مني، و الواد قصي بيروح شغله، وأنا وإنتي هنقعد نونس بعض


أومأت سيلين بخجل ممتن، بينما قصي أضاف ببرود بدا واضحًا :

أنا كده اطمنت عليكي، بعد إذنكم، ماما خلي نرجس تنقل باقي الحاجات بكرة لشقتي


نظرت إليه سيلين بحرج وقالت :

آسفة، أنا..


قاطعها بجدية:

زي ما سمعتي يا سيلين، ده بيت خالتك، يعني بيتك يعني مش مضطرة تعتذري


ثم أدار ظهره قائلاً بهدوء:

تصبحوا على خير


غادر المنزل بخطوات مثقلة، وكأن الأرض تجره نحو هاوية من الوجع عبر الباب المقابل وأغلقه خلفه بهدوء، لكنه لم يغلق صخب الأفكار داخله. ألقى بجسده على الفراش، عينيه معلقتان بالسقف كأنهما تبحثان عن إجابة في فراغه.


تنهد بعمق، صوت أنفاسه كان أشبه باعتراف صامت، اعتراف بحجم الألم الذي يسكنه قلبه المثقل لا يجد سبيلًا للراحة، والذكريات تتسلل إليه كأشواك تغرس في صدره كانت خيانتها جرحًا مفتوحًا، نزفه لم يتوقف يومًا، لكنه الآن يكتشف أن هناك ألمًا أشد من الغدر، ألم يتجاوز حدود القلب ليُثقل الروح ذاتها.ط


كيف للغفران أن يجد طريقه لقلب حُطم مرتين؟ وكيف للنسيان أن يمحو ما كان عندما لا يزال أثره محفورًا في الأعماق؟


أغمض عينيه، لكنه لم يجد في الظلام إلا صورتها. لم تكن مجرد امرأة أحبها، بل كانت وطنًا خانه، وكان من الصعب عليه أن يغفر للوطن خيانته

........

عاد عمار إلى الفيلا،  ليُفاجأ بأن فريدة ليست موجودة رغم محاولاته لفهم السبب، واجه صمتًا منها ومن شقيقه سفيان، الذي بدا عليه الخجل من مواجهة الحقيقة.... كلاهما رفض الإفصاح، مما ترك عمار غارقًا في حيرة لا يملك أمامها سوى الانتظار!!!!

........

في اليوم التالي

داخل مكتب سفيان، كان الإخوة الثلاثة عمار، سفيان، وقصي منشغلين في العمل، عندما انفتح الباب فجأة، ودخل شاب بابتسامة مشرقة رفع الجميع رؤوسهم في آنٍ واحد، وما لبثوا أن هتفوا بسعادة '

يزن!!!!


ردد يزن بابتسامة عريضة :

واحشيني يا شوية أندال، ما بتسألوش!!!!!


ضحك سفيان وهو يرد بمزاح :

ده هو يا دوب أسبوع اللي مشفناش بعض فيه


رفع يزن حاجبه ممازحًا قصي :

والبيه، لما رجع مصر ما فكرش يرفع السماعة، كنت رن بس بس وانا هتصل لو مش معاك رصيد


ضحك قصي وهو يحتضنه بحرارة :

ليك وحشة يا يويو


زم يزن شفتيه وقال بغيظ:

احترم نفسك، وبطل الاسم الزفت ده، عشان ايدي هتسلم عليك ببوكس يرجعك ألمانيا تاني!!!!


رد قصي بصوت نسائي ساخر:

آه يا وحش، يا قاسي!!!!


تعالت ضحكاتهم جميعًا، ثم اقترح عمار بحماس :

بالمناسبة دي، يلا نروح نتغدى مع بعض


أيد يزن الفكرة بابتسامة.:

يلا نروح المطعم اللي كنا بنروحه أيام زمان


رحب الجميع بالفكرة، وانطلقوا معًا لقضاء بعض الوقت الممتع.....


على الجانب الآخر


خرجت همس، ميان، ولينا من المحاضرة، وكان الحديث يدور حول انتهاء خلاف همس مع يزن، لكن ميان كانت شاردة، وعيناها تعكس قلقًا دفينًا، لاحظت لينا ذلك وسألتها بقلق :

مالك يا ميان....سرحانة في إيه؟


نفت ميان برأسها وقالت:

مفيش


ثم غيّطرت مجرى الحديث وسألتهما :

عندنا محاضرات تاني النهاردة


أجابت همس بحماس:

لأ، هي محاضرة واحدة بس، يلا نستغل اليوم ونخرج، نروح السينما، وبعدها نتغدى في مطعم السمك اللي على البحر ونشتري شوية حاجات


وافقت لينا بحماسة، بينما اعترضت ميانز:

أنا ماليش مزاج أعمل حاجة


لكن همس أصرت بسخرية لطيفة :

الكلام ده عند طنط عليا يا حبيبتي، إحنا خارجين وانتي هتيجي معانا بمزاجك أو غصب عنك، بلاش كآبة يا بت


أمسكت همس من يدها عنوة وسحبتها نحو السيارة برفقة لينا !!!!!!


في المطعم بعد وقت طويل من التسوق، جلس الثلاثة على طاولة بجانب سور خشبي يطل مباشرة على الشاطئ، كان المشهد خلابًا، لكن الإرهاق أخذ منهم مأخذه

قالت ميان بتعب :

انا مش قادرة أمشي خطوة زيادة


ردت همس بتعب مماثل:

وأنا كمان


رددت لينا بابتسامة مُتعبة :

هموت من الجوع، مش عارفة اتأخروا علينا في الأكل ليه!!


همس، وهي تشير برأسها ناحية الباب، قالت بلهجة مريبة :

بصوا كده مين دخل المطعم!!!!


نظرت ميان حيث أشارت، وإذا بصدمة ترتسم على ملامحها عندما رأت سفيان برفقة عمار، قصي.....ويزن!!!!!


ابتسم قصي ما أن رآها، بينما تجهم وجه سفيان بوضوح و لم يكن هناك وقت للتراجع، فقد اقترب عمار وقصي منهن


ابتسم عمار وقال بمرح:

ميمونة! وحشاني!!!!


نظرت إليه ميان بغيظ، متجاهلة وجود سفيان تمامًا :

مش هرد عليك


قال قصي بابتسامة ودية :

إيه الأخبار يا ميان


ردت عليه بابتسامة أخوية :

الحمد لله، وانت أخبارك إيه يا قصي، عاش من شافك، غايب بقالك كتير بره مصر


تدخل يزن فجأة، وسأل بنبرة فضولية :

انتوا تعرفوا بعض؟


أومأت ميان برأسها، وقالت بهدوء :

أيوة، عمار ابن خالتي، وقصي زي أخويا


تعمدت عدم ذكر اسم سفيان، مما أثار غضبه، لكنه كتم غيظه بصمت، استمرت المحادثة بخفة، حتى قرر الجميع تناول الطعام معًا، لكن ما إن دخل إياد برفقة والديه إلى المطعم، حتى تغيرت الأجواء تمامًا، خاصة عندما أشارت همس إلى  إياد فهو كان يخطط لطلب يد ميان


سألها قصي بعدم فهم :

تعرفي يزن منين؟


ردت عليه ميان بهدوء :

دكتور يزن بيدرس لنا أنا وهمس ولينا في الجامعة


قالتها وهي تشير لهمس ولينا، اللتين التزمتا الصمت، تتابعان ما يجري بهدوء، فردد عمار بمرح :

أوعى تكون أنت الدكتور اللي دمرت عربيته مع التلت مصايب دول


شعرت لينا بالخجل وكذلك همس وميان، تهربوا بنظرهم بعيداً ، فضحك يزن بخفوت قائلاً :

آه يا أخويا، وانت اللي هتحاسب على المشاريب 


ردد عمار بخوف زائف :

انا مالي يا عم، هما اللي قالولي أعمل كده


يزن بسخرية :

وإنتِي يا بطة، أي حد يقولك حاجة تعمليها؟


عمار متصنعًا الأسى وبنبرة مضحكة:

آه ياخويا، ما أنا غلبان وعلى نياتي!!


ضحكت لينا بخفوت، وسرقت هذه الضحكة نظرة إعجاب من عمار، الذي بدأ يشعر بأنها قد تكون الفتاة التي يبحث عنها لتكون شريكة حياته.... يعلم أن تفكيره ضرب من الجنون فهي المرة الثانية فقط التي يراها، لكن شيئًا ما بداخله يرفض تجاهل هذا الإحساس


فسألهم عمار بهدوء :

بتعملوا إيه هنا، صح؟


همس بسخرية :

بنلعب. تلعب معانا


ثم تابعت بتهكم:

قاعدين في مطعم، يبقى بنعمل إيه؟ أكيد بنطفح!!!


رد عليها عمار بغيظ :

بت انتي، لمي لسانك الطويل ده وخليه جوه بوقك، يخربيت كده....بلاعة واتفتحت، ماكنش سؤال ده


رددت عليه همس بنفس النبرة :

سؤال غبي زي...


قاطعتها بنبرة حادة :

زي إيه؟


ابتسمت بتصنع، ولم تجب.....ليقول قصي بابتسامة:

ممكن نتغدى سوا كلنا، ولا هنضايقكم؟


نفى الثلاث فتيات باحراج....كاد سفيان أن يعترض، لكن سبقه الثلاثة.....فجلس في النهاية!!!


جاء النادل بالطعام للجميع وبينما انشغل الآخرون بالأحاديث، لاحظ عمار لينا ترتدي قفازًا شفافًا وتحاول تقشير السمكة بيدها دون جدوى.....فسألها بمرح :

مش بتعرفي تعمليها؟


نفت برأسها بحرج، وقالت بصوت حزين:

بابا الله يرحمه كان هو اللي بيعملها ليا


لم ينتبه أحد لما قالت، فأخذ السمكة منها بصمت وبدأ في تقشيرها، واضعًا القطع في صحنها....ابتسمت له بخجل وقالت:

شكرًا، تسلم إيدك


ابتسم بخفوت وقال بحب :

بالهنا والشفا


لاحظ الجميع ما فعله عمار، بينما كتم سفيان بداخله ضيقه مما يراه، لكنه التزم الصمت مؤقتًا


رفعت ميان رأسها صدفة، فرأت شابًا يدخل برفقة رجل وامرأة أكبر سنًا.... عرفت على الفور أنهم والديه وقالت بسرعة :

يا بنات، شوفوا مين هنا....إياد ووالده ووالدته!!!


التفتت لينا وهمس نحو المكان الذي أشارت إليه..... فابتسم إياد، واقترب منهم برفقة والديه، وصافحهم بحرارة، وخص ميان بنظرة لم تخفي إعجابه الواضح


إياد بابتسامة :

أخباركم إيه....وعاملين إيه في الدراسة؟


ردت عليه همس بابتسامة :

بخير.... إنت عامل إيه يا إياد؟


رد عليها بابتسامة، ثم أشار لوالديه قائلاً :

أعرفكم والدي ووالدتي


والدته بابتسامة ودودة.:

أهلًا يا بنات....مين فيكم ميان؟


ردت عليها ميان بابتسامة بسيطة:

أنا ميان، ودي همس، ودي لينا


ابتسمت الأم وقالت :

أهلًا يا حبايبي.... ده إياد مالوش سيرة غيركم، وخصوصًا إنتي يا ميان


تحرجت ميان، ولم تجب، بينما اشتعلت عينا سفيان غيرة، وكتم غضبه بصعوبة


عمار بابتسامة زائفة:

مش تعرفونا؟


ردت عليه ميان بهدوء:

إياد كان زميلنا في الجامعة واتخرج وحضراتهم والده ووالدته


ثم أشارت نحو الجالسين قائلة :

عمار ابن خالتي، قصي ابن عمه، ودكتور يزن بيدرس لنا في الجامعة وصاحبهم


صافح الجميع والديه، بينما تجاهلت ميان سفيان تمامًا، ما زاد التوتر، وبعد أن غادر إياد مع عائلته، قالت همس بمكر وهي ترتشف عصيرها، محاولة إثارة سفيان :

إياد كلمني من كام يوم، وطلب رقم والدك يا ميان.....بيقول عايز يتقدملك!!!!


ردت عليها ميان بحرج:

بعدين نتكلم في الموضوع ده


ردد عمار بابتسامة ماكرة:

إيه ده؟ هو معجب بميان؟


رددت ميان بمكر :

قول بيموت فيها ده كان يحضر المحاضرات عشان يشوفها بس


تمتم سفيان بغضب:

نسيب الأكل ونفضل بقى نتكلم في سيرة الأستاذ


ردت عليه همس بتحدي ومكر :

طب وده مضايقك في حاجة


ضغط على أسنانه بغيظ، بينما علت ابتسامة قصي وعمار


رن هاتف لينا فجأة فأجابت وهي تشغل مكبر الصوت حتى جاء صوت الخادمة مضطربًا :

ست لينا، والدتك تعبت واغمى عليها...كلمت الدكتور وجاي


ركضت لينا خارج المطعم مذعورة، وتبعها الجميع بقلق عدا يزن الذي انهى الحساب ولم يلحق بهم


بعد قليل في منزل لينا، اصطحب رأفت الطبيب للخارج ثم عاد وقال لميان بجدية :

ميان انتي هتفضلي الليلة دي مع لينا


ردت عليه ميان بهدوء:

حاضر يا بابا....انا كنت ناوية على كده أصلاً


تمتمت همس بقلق :

وأنا كمان هستنى معاكم، بس هتصل استأذن بابا


اومأ لهم رأفت بصمت، بينما اقترب قصي وعمار مصافحين إياه، متجاهلاً سفيان تمامًا كما فعل هو معهم، حتى عليا، التي حاولت الحديث معه، تجاهلها هو الآخر، مما جعل غضب رأفت يزداد تجاهه.... فقد كان يعتبره يومًا ما ابنًا له، ولكن تصرفاته الحالية جعلته يشعر بمرارة شديدة


بعد أقل من ربع ساعة، غادر الشباب، ومن بينهم عمار الذي كان يشعر بالضيق والحزن من أجل لينا، والغضب من شقيقه سفيان....فهو منذ سنوات، يتصرف بشكل خاطئ ويخسر كل من حوله !!!!

........

في منزل عاصم الشريف


زفر وهو يضع هاتفه على الطاولة بعد إنهاء المكالمة مع ابنته همس، التي طلبت منه الإذن للبقاء مع لينا الليلة، وصله إشعار برسالة جديدة....التقط الهاتف بتلقائية ليقرأ النص، لكنه تجمد في مكانه حيث كانت الرسالة تحتوي على صورة لابنته همس وهي تجلس في أحد المطاعم مع أصدقائها، وأسفلها كُتبت كلمات قليلة لكنها كفيلة بأن تجعله يشعر بالخوف والقلق :

عندك اللي تخاف عليه يا سيادة اللوا....روحها قصاد اللي عندك !!!!!

........

كانت سيلين تجلس بجوار خالتها كوثر أمام التلفاز، لكن عقلها كان شاردًا تمامًا. الأحداث التي مرت بها قبل سنوات، الخطأ الذي ارتكبته، والقرارات التي اتخذتها تحت ضغط، كانت جميعها تعيد نفسها أمام عينيها، تاركة بداخلها ألمًا لا ينتهي


أفاقت من شرودها على صوت كوثر، وهي تقول:

سيلين يا بنتي، معلش خدي الأكل ده لقصي، هو هيرجع متأخر واحنا هنكون نمنا...حطي الأكل في المطبخ عنده وهو يسخنه لما ييجي


أومأت سيلين بصمت، تحمل الطعام بيدها، والمفتاح الآخر بيدها الأخرى. وصلت إلى منزل قصي ودخلت لتضع الطعام في المطبخؤ كانت على وشك المغادرة، لكن الباب فتح فجأة، وظهر قصي أمامها يسألها بتعجب :

بتعملي إيه هنا؟


ردت عليه سيلين بحرج:

خالتو قالتلي أجيبلك العشا وأحطه في المطبخ


أومأ برأسه بصمت دون أن يعلق، واتجه مباشرة نحو غرفته لكنه توقف عندما سمع صوتها الحزين تقول :

مفيش أمل نرجع زي زمان يا قصي


استدار إليها ببطء، وملامحه مليئة بالسخرية، وقال:

مفيش حاجة بترجع زي الأول يا سيلين....اللي اتكسر عمره ما بيتصلح


اقتربت منه خطوة، عيناها مليئتان بالدموع، وقالت بصدق وهي ترتجف :

بس أنا... أنا بحبك، والله بحبك ومش من دلوقتي...من زمان، انا كنت فاكرة إن اللي بحسه ناحيتك أخوة، مكنتش عارفة إنه.....انه حب


قاطعها قائلاً بصوت جامد :

تمام، وبعد ما عرفتي وبعد اللي قولتيه....مستنية مني إيه، مستنيةظ.... أقولك إيه يا سيلين


صمتت للحظات، وبدأت دموعها تنهمر بصمت، فتابع هو بسخرية مريرة :

مشاعر الأخوة اللي كنتي حساها خلتك تقدري اللي بينا، خليتك تحترمي العِشرة قبل ما تعملي اللي عملتيه زمان، إنتي ما اهتمتيش بأي حاجة يا سيلين....دوستي على كل حاجة وكملتي


اقترب منها، ونبرته حملت ألمًا وسخرية حادة :

إنتي باللي عملتيه زمان خسرتيني كأخ، وكصديق، وحتى كحبيب..... الشيء الوحيد اللي جابرني أتعامل معاكي هو للأسف إنك بنت خالتي


استدار ليغادر، لكنه توقف عندما سمعها تتمتم بصوت خافت:

غصب عني...كنت مجبورة


التفت نحوها بسرعة، ملامحه تفيض بالغضب:

"كفاية كدب بقى....إيه اللي يجبرك تعملي كده، مفيش سبب يخليني أصدقك أو أرجع أتعامل معاكي زي الأول


صرخت فجأة، وكأنها تريد أن تطلق كل الألم والضغط الذي حملته لسنوات:

سفيان... سفيان هو اللي قالي أعمل كده!!!!!


اتسعت عيناه بالصدمة، لكنه لم يقاطعها، بينما تابعت هي بصوت متقطع :

سفيان هو اللي بعت ناس ضربوا راغب، وبعدها طلب منه يقدم بلاغ فيك......قالي أجيلك الشركة وأبهدلك وسط الموظفين....قالي أقولك كلام يجرحك. وهو اللي قالي أبعتلك دعوة فرحي


أخذت شهيقًا عميقًا، وتابعت وهي تمسك رأسها وكأنها تسترجع كل لحظة مؤلمة:

كل اللي حصل كان تخطيطه....كل حاجة كانت بعلم سفيان هو اللي قالي أعمل ده كله !!!!!!

.........

البارت خلص 🔥 

مستنية رأيكم وتوقعاتكم للقادم......؟؟؟

متنسوش الفوت يا قمرااااتي ❤️

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا





تعليقات

التنقل السريع