القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لإجلها الفصل الحادي والثلاثون 31( الجزء الثاني)بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات


رواية لإجلها الفصل الحادي والثلاثون 31( الجزء الثاني)بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات




رواية لإجلها الفصل الحادي والثلاثون 31( الجزء الثاني)بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات


الفصل الواحد والثلاثون – ج٢


ما هذا الذي يسري في دمي كتيارٍ دافئٍ لا أُحسن مقاومته؟

كلُّ شيءٍ بداخلي يُعاد تشكيله...

أنفاسي تتلعثم، نبضي يختلّ، وقلبي...

قلبي كأنّه يُجرّب الخفقَ لأول مرة.


أنظر حولي، فأُبصر العالم بعينٍ غير عيني،

كأنني خرجت من نفسي إلى نسخةٍ أكثر دهشةً وارتباكًا.

اللمسةُ صارت دافئةً على غير العادة،

والصوتُ الذي كان يمرّ عابرًا، بات موطنًا دافئًا لروحي.


أهذا هو الاكتمال؟

أن ينتمي أحدهم إليك دون أن يُقيّدك؟

أن يقتحم حصونك المُحكمة،

يزيل عن جدرانك ندبات الأمس،

ويُريك نفسك كما لم تعرفها من قبل؟

ويُربكك، لا بالخوف، بل بحنانٍ تجهله؟


كلُّ شيءٍ غريب،

لكنّ الغرابة فيه لذيذة، شهية، مغرية حدّ الاستسلام.

أنا التي ظننتُ قلبي صلبًا...

ها هو يذوب بين كفَّي قدرٍ ناعم.

أهذا جزاءُ صبري؟

أهذه هديةُ السماء المؤجّلة؟

أم أنّني كنتُ طيّبة بما يكفي ليستجيب الله لقلبي المنكسر بهذا العوض؟


ربّاه... ما أحلى أن تجهل الشعور، ثمّ يأتيك طاغيًا دون استئذان،

ليُعلن أن عهد التيه قد انقضى،

وأنك، أخيرًا... اكتملت.


روووووعة الخاطرة والمراجعة مع الجميلة/ سنا الفردوس 


الفصل الواحد والثلاثون – ج٢


ـ مشيوا خلاص يا معاذ؟

بادرته ليلة بسؤالها فور أن دلف إليها إلى داخل الغرفة التي صعدت إليها بعد نصف ساعة فقط من حضور الحفل المتواضع لزواج والدتها، ليجيبها معاذ الآن بفرح أشرق بوجهه:


ـ مشيوا أخيرًا يا قلبي! يا سلام، يا أما أنا فرحان جوي يا ناس، كده مبقاش زيتنا في دقيقنا وبس، دي بقت رابطة جوية مننهاش منفذ.


أومأت باستجابة إليه بابتسامة ضعيفة، فجلس هو على طرف الفراش يخلع الحذاء من قدميه، ثم خلع سترته العلوية وهمّ بخلع البقية، لكنه انتبه فجأة لشرودها فتوقف سائلاً:


ـ مالك يا ليلى؟ في حاجة شغلاكي؟


تطلعت إليه بعجز وصل إليه، وكأنها تخشى البوح، الأمر الذي أثار قلقه، فسقط جالسًا مقابلها يحثها برجاء:


ـ لا يكون في حاجة تعباكي؟ ردي يا ليلى الله يرضى عنك، أنا على شعرة والله!


سارعت بالنفي تطمئنه:

ـ مفيش يا معاذ، أنا بخير وعال العال جدامك، أهو.

ـ أمال إيه بس؟


عادت للصمت مرة أخرى، حتى فاض به فصاح بها:

ـ ما هو سكوتك ده بيخليني أتأكد أكتر إن في حاجة، اتكلمي بجى وريحي قلبي!


وكأنها كانت في انتظار انفجاره، لتنطلق في نوبة مفاجئة من بكاء حارق، ضاعف من جزعه:

ـ هي وصلت كمان للبكا! يا مرك يا معاذ، العيل اتضرّ صح؟


ردت بانفعال صارخة به:

ـ جولتلك لاه، جولتلك لاه! أنا بس...

ـ انتي إيه؟... معقول تكوني زعلانة عشان أمك اتجوزت؟


صدر ترجيحه الأخير بتخمين ضعيف، لكنه سرعان ما تأكد من ظنه حين وجدها صمتت فجأة تطأطئ رأسها، حتى استجمعت شجاعتها لتتكلم أخيرًا:


ـ مش غيرة والله يا معاذ، ولا أنانية، بس...


لم يقاطعها، بل فضّل الانتظار لتُخرج كل ما يؤرقها:

ـ أمي اتظلمت كتير، كتير جوي. أنا أصلًا من يوم درِيت بنفسي والدنيا، وأنا شايفاها لابسة أسود. الأول كان حزن على سِتي، وبعدها حزن على سيدي، لكن تلبس ملوّن ولا تتنزّه زي باقي الستات؟ لأ. ياما الزفتة صفا كانت تكيدها بكل شغل الستات المعروف، وهي كانت تبلع وهي ساكتة. أبوي تاركها زي البيت المهجور تحت عينه، وبرضه ساكتة. ودلوك بعد السنين دي كلها، إن ربنا يعوضها بعمي حمزةعشان يفكرها بعمرها، ويرجعها لسنين صباها اللي انسرقت منها، دي حاجة فوق الخيال بالنسبالي، بس... معرفش ليه حاسة بحاجة وجعاني مش قادرة أحدد هي إيه.


تبسم معاذ بحنو، ليميل على رأسها يقبّلها، يربّت على خدها بكفه:

ـ طب بس بس، هوني على نفسك، يا شيخة خلعتيني. الحيرة واللخبطة دي أكيد يعني شعور طبيعي عشان الوضع الجديد. فوقي فوقي، دا أكيد بس عشان سيبتك لوحدك الشوية دول، اصحي كده واستعيذى من الشيطان.


تنهد مستقيمًا في وقفته:

ـ هغير هدومي واروح أصلي ركعتين، أخلصهم، وأجي أقرالك شوية قرآن، أكيد دي عين، على رأي أمي.


تركته يذهب ليدور ذهنها مرة أخرى في تلك الحيرة. فسبب الوجع الذي أخبرته عنه تعلمه جيدًا، ولا تستطيع النطق به، فوالدها الذي تذكّر فقط الآن أن له ابنة، لا يرحمها باتصالاته ورسائله.


.......................


شجار آخر يصلها من خارج الغرفة التي تلتزم بها. والدها، الذي لو يطال أن يخنقها بين يديه أو يطردها لسوف يفعل، لكن يمنعه العار كما يقول دائمًا في التخلي عنها، رغم أنها لا تستحق. كم من مرة توقعت أن يسحبها من يدها ويلقيها تحت أقدام حسنية، كما كان يهددها سابقًا. لكن يبدو أن الرسائل القادمة من الجهة الأخرى تخبره ألا يفعلها، حتى لا يقلّ بقيمته إن رفضها ابن شقيقه خليفة.


خمد الصوت فجأة بخروج والدها كما خمّنت، ليأتي دور والدتها الآن في لومها. وكما توقعت، لم تنتظر المرأة لتلج إليها موبخة:


ـ طبعًا جاعدة هنا ورا الشباك وبتتفرجي على زينة الفرح وأنتي ولا هامك! طب يهمك كيف وانتي مدسية هنا واحنا اللي الناس واكلين وشّنا؟ كل اللي رايح واللي جاي يسألنا أنا وأبوكي: كيف هالة مجعداش في الفرح؟ كيف جوزها سيبها لحد دلوك؟ خليتي اللي رايح واللي جاي بيجيب في سيرتنا! هموت وأعرف، هببتي إيه يخليهم يرموكي كده؟ دي خالتك احرجت نفسها وراحت لحسنية وكلمتها، وكان رد الست السكوت وبس!


عند الأخيرة، لم تتحمّل أن تصمت، لتعقب ردًا:

ـ أحسن! تستاهل، كان حد طلب منها تتقدم؟ ما تخليها في نفسها وبناتها! ده إيه الهم ده!


شهقت المرأة ضاربة بكفها على صدرها:

ـ يعني دي جزاتها يا هالة؟ الولية اللي باصة على عمارك تفرحي فيها كده؟ تصدقي بالله، انتي ما حد جايبهالك غير طولة لسانك دي! خلي جلة أدبك دي تنفعك لما تخسري من كله.


وخرجت سريعًا تصفق الباب بحدّة، تتركها في غيظها تحدث نفسها بتوعّد:

ـ ماشي يا خليفة، خليت اللي يسوى واللي ما يسواش يفرح فيّا عشان أخوك والمحروسة! طب أهو الكلام ثبت والناس كلها اتأكدت، بس هقول إيه فيك يا حمزة، فاجر وما حد يقدر يدوسلك على طرف، حتى وكل الناس عارفة اللي فيها ومحدش برضه يقدر يتكلم! فوضت أمري لربنا فيك يا حمزة، فوضت أمري لربنا...


.......................


لقد كان حلمًا، والآن صار حقيقة.


ذلك المنزل الذي أُسِّس من أجلها، وتمّ بناؤه بالصبر والأمل، ليكون سكنًا له ولها، يجمعهما سقفٌ واحد بداخله.

لقد كان حلمًا، والآن صار حقيقة.


أمام مدخله الآن، كانت تتلقى الدعم والتهنئة والمباركة من شقيقها، الذي لم يتخلَّ عنها يومًا، على قدر ما يستطيع، ورغم قلة إمكانياته.

ضمّها إليه بفرحة الوصول بها أخيرًا إلى بر الأمان، ومحل الثقة، بعد سنوات من العذاب والألم الذي كانت تكابده.

بماذا يُعبّر؟ لا تُسعفه الكلمات حقًا.


تركها باطمئنانٍ تام، أنها الآن في حوزة حمزة؛

سوف يعوّضها عمّا فات، ويعيد إليها ذاتها التي طُمست في سنوات الجهد والعذاب، في زيجتها البائسة الأولى.

كان عمره حينها أصغر من أن يعي خطورة الوضع ليملك حق تقرير مصيرها برفض عرفان، حتى كبر ورأى وفهم، فخُلِقت في قلبه غصّة، لم يشعر بزوالها سوى اليوم.


وبعد ذهاب الجميع وعودتهم إلى منازلهم، لم يتبقَّ سواه معها.

أغلق الباب عليهما سويًّا، لتبدأ معه حياة جديدة، لم تكن في خطتها من الأساس.


بصمت وتفهُّم، جعلها تسبقه في الدخول، وهو بخطواته المتمهّلة يتبعها، حتى توقفت في وسط الرُّدهة والتفتت إليه بحدّة، قائلة:


ـ هنام فين بَجى؟


تابع تقدمه نحوها، ملوّحًا بكفّيه أمامها:


ـ ودي عايزة كلام؟ أكيد في أوضتنا أنا وانتي، اللي على الناحية الشمال جدّامك.


اتجهت أبصارها نحو الجهة التي أشار إليها، فتذكّرت تلك الغرفة التي استفاقت داخلها يوم أن فقدت وعيها، وما سبقها من أحداث مؤسفة تودّ طمسها من عقلها، ولكنها كانت سببًا فيما تمّ.


لم تعِ بوقفتها وحيرتها تلك أنه قد اقترب، حتى شعرت بذراعه التي التفّت حول خصرها تسحبها إليه وتصطدم بصدره، فخرجت منها شهقة إجفال، نابعة من خوفها، لتصله رجفتها بين يديه، حتى سارع بطمأنتها:


ـ هششش، اهدَي... اهدَي يا مزيونة.


بتروٍ شديد، صارت يده تمسح على ظهرها، يضمّها بلطف لا يخلو من حزم، كي لا يترك لها فرصة للهروب منه، موجّهًا كلماته إليها بصوتٍ عميق... عميق جدًا، وقد تخلّى عن عبثه، واضعًا تهدئتها نُصب عينيه... وأن يرتخي تشنجها أولًا، ثم يأتي كل شيء بعد ذلك.


ـ مالك بتترعشي ليه؟

ارفعي عينِك الحلوة دي وحطيها في عيني، ليه تتوتّري أصلاً؟

أنا حمزة... حمزة اللي جابل منك حتى الفُتات، زي ما قولتلك قبل سابق، يبجى متبخليش عليّا حتى بالنظرة.


تغلغلت كلماته الرقيقة إلى مسامعها، لترفع رأسها إليه، وتلتقي عينيه بخاصّتيها الحائرتين، التائهتين، وكأن داخلها غريقٌ يبحث عن طوق نجاة.

فتحدثت أخيرًا:


ـ أنا عارفة إنك حمزة... عارفة إنك غير اللي فات، غير كل الرجالة كمان، بس...


وقطعت كلامها، تخفض أبصارها مرةً أخرى، ولكنه أبى أن يتركها تتوقف، فرفع ذقنها بطرفي إصبعيه مشددًا:


ـ كمّلي... متوَجفيش.


ابتلعت رمقها لتجسر على المواصلة، وتتحلى ببعض الجرأة في مصارحته:


ـ أنا عايزاك تقدّر خوفي يا حمزة.


ـ مقدّر.


ـ الكلام غير الفعل، وانت بتتكلم بثقة عشان لِسّاك على البر، مجرّبتش...

أنا قعدت في ذمّة عرفان أكتر من عشر سنين من غير ما يجرّبلي، وعِشرتي قبلها معاه كانت كلها مشاكل بسبب الموضوع دِه...

يعني لما جُلتلك إني منفعش، كان بسبب كده.


تعقّد حاجباه فجأة، يُعقّب بتفكه على تصريحها:


ـ آه! وانتي فاكراني كده هزعل يعني؟

ولا حاطّة في بالك إنك بتدّيني حذري عشان ما انصدمش لما يحصل المُراد؟

ده برضو كلام يا صاحبي؟


قصد بالأخيرة التخفيف عنها، فبزغت ابتسامة رقيقة بزاوية ثغرها، وشفاها المطلية بالأحمر القاني.

نظرة واحدة منها كادت أن تُطيح بثباته، وهو في أمسّ الحاجة للصبر والتمهُّل معها.


صدرَت منه حمحمة خشنة، وصوت بالكاد يستجمعه:


ـ بَجولك إيه... ما تسيبك من كل الأفكار والهواجس اللي في مخّك دلوك، ونشوف الأهم.


ـ هو إيه الأهم؟


وما كادت أن تنهي سؤالها، حتى وجدته يرفعها بغتة بين يديه ويحملها قائلًا:


ـ هنروح نصلّي الأول.


هتفت بتوتّر:


ـ طب وشايلني ليه مدام هنصلّي؟


رد وخطواته السريعة تعرف طريق وجهتها:


ـ عشان أنا حالف إنك ما تدخلي الأوضة الليلة دي غير وأنا شايلك.

احمدي ربنا ما عملتها على عتبة البيت جدام أخوكي وعياله!


ـ وه...


ـ واهين! حتى عندِك اعتراض


................................  


دخلت منى خلف زوجها إلى داخل منزلهما بشعور من الارتياح يغمرها، وابتسامة لا تفارق محياها، عائدَين من حفل الزفاف الذي تم كالسحر اليوم.


ـ حمزة الفرحة مش سايْعاه يا منص، وكأنه مش مصدق إنه أخيرًا حقق حلمه بجوازه منها!


عقّب منصور وهو ينزل ابنته التي كانت نائمة على كتف ذراعه، ليضعها على الأريكة التي تتوسط المدخل:


ـ عشان حبها بجد. أخوكي على قد ماهو ناصح ولف ودار، لكنه ما طالش الإحساس الحلو ده غير معاها. واخدة بالك يا حب عمري إنتِ؟


جلس أخيرًا ليسحبها من يدها كي تجلس هي أيضًا، ثم التفت بذراعه حولها يضمها إليه، يقبّل رأسها مردفًا:


ـ اللي جرب بس هو اللي يعرفه، كد حلاوته، كد عذابه برضه، لكنه الحياة نفسها. ربنا ما يحرم حد من حبيبه.


مالت هي برأسها على صدره تريحه، كي تتمتع بلطف مودته وعشقه:

ـ آمين يارب، أنا بجى جربته وعرفته على يدك. كتير جوي أسمع عن فلان بيحب فلانة وفلانة عادي، لكن إن يخليها برضه تبادله نفس الشعور، ده التحدي نفسه، وانت فوزت ونجحت وخلتني أحبك أكتر كمان.


شدّد منصور من ضمّته، يريح ذقنه أعلى رأسها، يتنهّد براحة قائلًا:

ـ متهيألك يا منى، أنا حبي زي المرض! الناس اللي في حالاتي عقلهم بيطير منهم لو ما طالش الوصال مع محبوبه. الحمد لله أنا كنت دايمًا ماشي بدعواتي إن ربنا يوضَع اللي في قلبي في قلبك، وربنا كان رحيم بيا وحقق لي أمنيتي.


ـ ونعم بالله.

تمتمت بها ثم استدركت تسأله بتذكّر:

ـ إلا صحيح يا منصور، ما قولتيش عملت إيه مع خليفة؟ وافق بقى يرجّع هالة؟


زفر الأخير وارتخت ذراعه عنها، ليجيبها بقنوط:

ـ للأسف يا مني، شكل الموضوع كبير جوي مع أخوكي. أنا ما رضيتش أرد عليكي ساعة ما سألتيني جدّام أمك عشان مزيدش عليها، بس خليفة زعلان جوي، وساكت، مابيطلّعش اللي في قلبه حتى عشان الواحد ياخد ويعطي معاه في الحديت.


عقّبت على الأخيرة تؤيده:

ـ دي حقيقة فعلًا، خليفة كتوم طول عمره، لا هو بجرأة حمزة ولا بجنان الصغير. يعني هالة دي أصلًا ولا كانت على باله ولا من نصيبه، ومع ذلك لما عرض أبوي عليه جوازها بعد عملة حمزة، برفض إنه يتجدملها وافق عشان يرضيه، رغم علمه بعيوبها اللي كنا كلنا نعرفها من واحنا عيال صغيرين. الله يهديها، البت دي تعبتنا كلنا معاها.

...


بعد أن انتهيا من الصلاة سويًا، وقرأ على رأسها دعاء الليلة حتى يُحفّ زواجهما بالبركة والمودّة، نهض عن سجادته بظنٍّ منه أنها ستقوم معه، لكنها تحججت برغبتها في ركعتين إضافيتين.

فتركها لرغبتها، لكنها طالت وأطالت، وهو في انتظارها قرابة النصف ساعة الآن، حتى تربع بقدميه بصبر يتعلمه على يديها.


وظل على سكونه، حتى إذا انتهت أخيرًا، والتفتت برأسها إليه، وجدته جالسًا على الفراش بابتسامة ارتياح يطالعها.

التفتت مرة أخرى إلى الأمام، لتظلّ في مكانها، وكأنها التصقت بسجادتها.


وبدون انتظارٍ آخر، قفز سريعًا ليلحق بها قبل أن تعود للصلاة مرة أخرى.

فجذبها من يدها على حين غرّة، كي تقوم معه من مكانها.

استجابت، تتركه يسحبها، ويسير بها حتى جلس، وأجلسها مقابله على طرف الفراش، يخلع الطرحة من رأسها، لينثر الشعر الحريري حول وجهها، ويتأملها بعدما مسحت عن وجهها كل المساحيق.

وعلى الرغم من جمالها بتلك الزينة، إلا أن بهذه النضارة وملامح الوجه التي وضع الخالق بصمته عليها، تجعل الطبيعي أجمل بألف مرة.

حتى والحيرة ترتسم على ملامحها بوضوح، فوجد صوته أخيرًا يمازحها:


ـ مش هناخد اليوم كله في الصلاة... ولا إيه يا صاحبي؟


أهدته ابتسامة ضعيفة أخرى، فيما يجتاحها من الداخل مشاعر متصارعة، جعلتها تفقد تلك الميزة في تحدّيه...

طريقه طويل، وعليه أن يبدأ الآن.


تناول كفها بين يديه، يرفعه إليه، معلّقًا:


ـ ـ تصدّجي إن دي أول مرة أمسك فيها يدك؟

ده أنتي حتى الدهب ما خلتينيش ألبسهولِك، ولا حتى أشوفه عليها...

بس بيقولوا: "إن اللي يدها حلوة، هي كمان حلوة."

أرفق الأخيرة بنظرة إليها ذات مغزى زادت من توتّرها، ليفاجئها بسؤاله:


ـ ليه مارسَمتيهاش بالحنّة يا مزيونة؟


ردّت بحرج، وهي تجاهد أن تنزع يدها منه:


ـ عادي... ما بحبهاش، وحسّيتها مش لازمة يعني بصراحة.


تلقّت ردّه بابتسامة، وهو يمسح بإبهامه على ظهر كفها:


ـ شوفي... رغم إني بحبها، بس بصراحة كده أحسن.

عشان اليد الحلوة دي أشوفها وهي على طبيعتها أحلي...

ناعمة جوي، ولا كأنها حتة مارشميلو!

أمال دي لو لقت الراحة والدلع، هتبقى كيف؟


وهنا، وقد بدأت تستشعر الخطر، حاولت بقوة أن تُفلت يدها منه، لكنه شدّ عليها، بل زاد أكثر هذه المرّة، بأن رفعها إلى فمه، يُقبّل كل إصبع وحده.

فسرَت داخلها قشعريرة، وعاد الخوف يزحف إليها، لتطالبه دون انتظار:


ـ حمزة... أنا عايزة أنام وحدي، تطلع انت من الأوضة؟ ولا أطلع أنا؟


توقّف لحظات يطالعها بجمود، وهي تبادله بانفعال جعل صدرها يصعد ويهبط بتسارع.


وبدون أن يتفوّه بكلمة، حسم وجذَبها من ظهرها إليه، يضمّها بين ذراعيه، ويُجفلها للمرة الثانية، قائلًا:


ـ عايزة تبعدي؟ وأنا ما صدّجت أقرّب!

أي نوم ده اللي هييجيلي لو نمتي بعيد عني؟ ومن غير ما آخدك في حضني؟

حُطيها في علمك من دلوك، من النهاردة حضني بجى بيتك...

ومافيش مرة تبعد عن بيتها، حتى لو حصل خلاف بينها وبين راجلها.


هل أصابها الخرس؟

أم أن كلماته أصابت شيئًا ما داخلها أفقدها النطق وعزيمة الرفض؟

حتى باغتها، مستغلًّا لحظة التشتّت، ليهبط برأسه نحو ثغرها الشهي، يُشبِعها ويُشبِع شوقه منها، لم يترك لها فرصة للاعتراض أو الصد، فكانت كلما تحاول — حتى مجرد محاولة — يُحبطها بطريقته. فقد نفد صبره منها تمامًا، ويجب عليها الآن أن تدرك الفرق جيدًا... بين الرجال وأشباه الرجال،

وأن تعي أنها امرأة كاملة الأنوثة، لا ينقصها شيء... سوى رجل يُدرك قيمتها الحقيقية.


فتنوّعت لمساته بين حزمٍ ولطف، ومداعباتٍ وتدليل، ومهادنة، وكأنها بِكر في أول زواج لها،

حتى يصل بها إلى النقطة التي تجد بها ذاتها؛

تلك المرأة التي وهبها الخالق أنوثةً مهلكة، لكنها لا تراها، ولم تكن تشعر بها.

أنانيٌّ هو، إن اكتفي بما يريده منها، دون أن ينظر لما تحتاجه.

ففي تلك اللحظات، لا يصحّ الأخذ فقط دون العطاء… والعطاء ببذخ، كما يفعل هو الآن.


وبعد وقتٍ طويل، حين سمح لها أن تلتقط أنفاسها أخيرًا، نظر إليها بابتسامة متخمة بالسعادة، يمطر جبهتها بعدة قبلات، قائلًا:


ـ ده انت طلعت جامد جوي يا صاحبي!


...........................


في بقعةٍ قريبة من النيل الذي يجري على حدّ بلدتهم،

ألقى من يده السجادة التي أتى بها من حقيبة السيارة، فرشها على الأرض، ثم وضع عليها الوسادة واستلقى، واضعًا ذراعه تحت رأسه، وعيناه نحو السماء ونجومها التي تتلألأ أمامه.


لقد حان وقت الخلوة مع نفسه، حيث السكون والهدوء بعد انتهاء "الليلة الكبيرة" التي أدّى فيها واجبه على أكمل وجه كعادته، دون أن يتحدث أو يفضي لأحد بما يعتمل في قلبه من حزن وقهر.


رغم كل المحاولات التي قام بها زوج شقيقته، وشقيقه معاذ، وحتى حمزة، الذي لا يليق به الانشغال بغير نفسه في هذا اليوم، إلا أنه جاهد لاستدراجه ولو بكلمة، لكنه أفلت منه كما أفلت من البقية.

هذه طبيعته؛ لا يجد راحته إلا في العزلة، ولن يُشفى إلا بذاته، مهما بلغ عمق الجرح. حتى وإن كان هذه المرة يمس كرامته: بين امرأة تعلّق قلبه بها واكتوى بنيران قربها بزواجها من شقيقه، لتأتي الآن وتظهر وجهها الحقيقي الذي خُدع فيه،

وأخرى، ابنة عمه، التي تزوّجها وعاشت في كنفه عددًا لا بأس به من السنوات، حتى أنجب منها طفلين، يفترض أن يقويا رابطة الزواج، لكنها أبدًا لم تعتدل أو تتغيّر.

يعلم الله أنه حاول كثيرًا، أن يجعلها تكتفي به ويكتفي بها، قدّم لها الحب والمودة، لكن عقلها اليابس وقلبها الأسود لم يتأثرا أبدًا بتلك المحاولات.


حظّه البائس أوقعه بين زوجين من النساء، ما أبشعهما:

إحداهن تدفعها الكراهية لأذية الجميع دون استثناء،

والأخرى ناعمة بنعومة الأفاعي، جميلة من الخارج، وبشعة من الداخل.


مرّ بذهنه فجأة وجه مختلف... ليست واحدة من الاثنتين.

ذات لسان طويل وطبع حاد، تتشاجر حتى مع الذباب إن أزعجها، والجميع تقريبًا يخشاها لشراستها.

لكن لا أحد يعلم أن خلف تلك الشراسة امرأة عادية... لمس ضعفها بنفسه في لحظات نادرة.


.....................


الاسم "مقهى شعبي"، ولكنه في الحقيقة شيء آخر، لا يفرّق عن المصرف سوى أمتار قليلة.

مساحته مفتوحة لكل روّاده من السكارى ومتجرّعي المواد المخدّرة، غافلين عن أن الله حرّم كل ما يذهب العقل، والخمر على رأسها، فقال: 'إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.'"


وقد اتخذ هو طاولة له وحده، بعيدة عن المتسوّلين والمدمنين، يتجرّع زجاجة تلو الأخرى من الخمر،

وكلما فرغت واحدة، ألقاها نحو مياه المصرف فتبتلعها.

ومع ذلك... لا شيء حتى الآن أذهب بعقله.


ـ عرفان يا صاحبي.

دوى الصوت المألوف في أذنيه، فالتفت إليه يطالعه بصمت. لم يأبه به الآخر، بل تقدّم ساحبًا أحد المقاعد البلاستيكية القريبة، وجلس عليه مقابله:


ـ بسلم، ما بتردّش ليه يا عم؟ كنت بايت في حضنك أنا؟ طب حتى باركلي، طلعت من السجن.


ناظره عرفان بنظرة يعرفها جيدًا... ما زال يشكّ به.

وما يمنعه عن الفتك به، أنه لا يملك دليلًا.


خرج صوته أخيرًا بعد فترة من الصمت:


ـ مبروك يا سيدي. بس انت جاي هنا؟ مش خايف لولاد الحرام اللي كانوا عايزين يخلّصوا عليك قبل سابق يظهروا من تاني؟ المرة دي هيرموك في المصرف على طول.


نظر عطوة نحو ما أشار إليه... وتلك المياه السوداء في الظلام.

انقبض صدره خوفًا، لكنه لم يُظهره أمامه:


ـ لا، ما أنا سَوّيت أموري معاهم.


عقّب عرفان بتشكيك:


ـ يعني وصلتلهم وجعدت معاهم كمان؟! غريبة يا أخي،

مع إن أنا دورت عليهم وسألت الدنيا كلها، وما عترتش عليهم.


برر عطوة على الفور:


ـ لا، ما هما سابوا البلد واصل،

ولما ياجو هعرفك مكانهم...

المهم، جولّي: كيف سمحت لواض الفرطوس ده يعملها؟ ويضحك الناس عليك؟!

الحكاوي مالية البلد، وأنا زعلت جوي لما عرفت باللي حصل.


حدجه عرفان بناريّته، ودخان حريقه الداخلي يخرج من فتحتي أنفه وفمه في هذا الظلام.

ألقى الزجاجة الفارغة نحو المصرف، يردّ عليه بكلمات مقصودة:


ـ كل كلب هياخد حسابه... كامل ومكمّل، خليك فاكرها دي.

عرفان ما يسيبش حقه... ولا يخلي حد يعلّم عليه واصل.


................


ما هذا الخمول والثقل الذي تشعر به يحيط بجسدها وكأنها مقيدة؟

ما هذا التعب الجسدي الذي...

توقفت فجأة عن التساؤلات التي كانت تدور في رأسها، وهي تستعيد وعيها بعد فترة طويلة من النوم، لتفتح أجفانها إلى النور أخيرًا، فتعِي على وضعها الجديد.


نائمة في غرفة ليست غرفتها، وعلى سريرٍ ناعم بشدة، وغطاء كأنّه من حرير، وو...

يا إلهي... لقد تذكرت الآن! وعاد إليها وعيها بالكامل.

تُطالع الوجه القريب منها، وتلك الذراع التي تُقيدها وتمنعها من النهوض إلا بإيقاظه – كما يبدو لها.


إذاً، ماذا تفعل؟ وهذه أول مرة تتأخر إلى هذا الوقت، كما ترى الآن على ساعة الحائط المعلقة أمام عينيها، تشير إلى تجاوز الحادية عشرة صباحًا...


تنهدت، تترك حيرتها الآن لتُركّز بصرها عليه، وتتذكر ليلتها معه.

اكتنفها شيء من الخجل، وذهنها يعيد صورًا كثيرة لا تستوعب حتى الآن كيف حدثت؟


وهي التي هيأت نفسها لسيناريو مأساوي كما حدث معها في زواجها الأول، أو أقل قليلًا...

لقد اختبرت بين يديه مشاهد لم تكن تعي بوجودها أصلًا.


من يراها في بداية الليلة، وهي في حالة يُرثى لها، لا يُصدّق أنها ذات المرأة التي تحوّلت بعد ذلك معه.

تذكُر جيدًا أنها حاولت صده ومقاومته، ولكنه استطاع أن يجعلها تستجيب له...

إلا أن عقلها اليقِظ بعُقد الماضي توقف بها عند مرحلة ما، لتدفعه عنها وتبكي... يا لها من بائسة!


ومع ذلك، لم ينهَرها، لم يصرخ في وجهها، ولم... يصمّ أذنيه ويكمل دون اكتراث، كما كان يحدث قديمًا.

هادنها كطفلة، راعى أمرها وكأنها عذراء في مرتها الأولى...

هل يُعقل بعد كل ذلك أن يُعاملها بهذه الطريقة؟


تمتنّ له بشدة... كما أنها لا تُنكر إعجابها به.

هل ابتسم لها الحظ أخيرًا، حتى تستيقظ بهذه الراحة، وبرؤية صاحب الوجه الوسيم بهذا القرب؟


توقفت فجأة عن شرودها حين انتبهت إلى تحرّك عضلة في وجهه، تبِعتها أخرى في أماكن مختلفة، علامة على قرب استيقاظه.

فسقطت بجسدها تحت الغطاء، تدّعي النوم، تُغمض عينيها لحظة... لحظتين...

لا يصلها أي صوت أو حركة... هل تظن أنه لم يستيقظ بعد؟


همّت أن تستكشف الأمر، وما إن همّت بفتح عينيها ورفع الغطاء، حتى خرجت منها صرخة خافتة، قُطعت فورًا كردّ فعل طبيعي حين تفاجأت به، فجلجل ضاحكًا حتى أغاظها فعله، لتلكزه بقبضتها:


ـ عجبتك جوي يعني؟ ولا هي تضحك للدرجادي؟!


قبض على يدها يمنعها مشاكساً:


ـ وه يا مزيونة، دا انتي خدتي عليا جوي، كده في يوم صباحيتنا بتضربيني!


هتفت بغيظ، وهي تحاول تحرير يدها من قبضته:


ـ ما أنت السبب بعمايل الصغار بتاعتك، خضيتني يا حمزة... باه عليك!


زاد في تسليته، مرددًا بتحدٍّ:


ـ باهين تلاتة أربعة حتى... جولتلك قبل سابق، أنا راجل عقلي صغير، وهفضل طول عمري صغير!

هاوديني بجى مدامتي الكبيرة العاقلة!


اللعنة... إنها لا تعرف حتى كيف تُجاري خفة دمه، فتتوقف لحظات مدهوشة بأفعاله، قبل أن يخرج منها:


ـ طب بعد عني يا حمزة، وخليني أَجُوم. جايم رايق وأنا لسه بستوعب إني صحيت أصلاً... بعد يا حمزة، وزنك تقيل!


ضحك معقّبًا على "دبش" كلماتها، حتى وصل به المرح لأن يُكبّل ذراعيها:


ـ تقيل؟ تقيل برضو؟ دي كلمة تتقال من عروسة لعريسها يوم صباحيته؟

ثم تعالي هنا، هتنبري عليا عشان جايم مبسوط؟ ما هو ده الطبيعي يا ست يا نكدية!


ارتخت يداها عن مقاومته فجأة، لتتساءل بأعين لاح فيها الاستجداء، وكأنها لا تُصدق بعد:


ـ يعني انت فعلاً جايم مبسوط يا حمزة؟ ولا بتحاول تبسط نفسك جدامي... زي ما كنت كده بتعمل ليلة امبارح؟


اللعنة... بماذا تهذي هذه المرأة؟

انتفض فجأة ليعتدل جالسًا، ثم سحبها لتجلس مقابله، يحدثها بجدية، مستفهمًا:


ـ ليه بتجولي كده؟...


توقف، لا يعرف بما يواصل... وكأن جهاز النطق أصابه العجز والشلل.

ألهذه الدرجة مدمّرة داخليًا؟ حتى ذلك الشيء الجميل الذي تمّ بينه وبينها لا تُصدّقه؟

وتحسب سعادته معها تصنّعًا؟...


لعنة الله عليك يا عرفان.


ضمّها إلى صدره فجأة بقوة، يحثها:


ـ اسمعي لما أقولك...

إياكي تكرريها تاني، ولا تسألي.

انتي تدوري على نفسك الأول.

لو مش مبسوطة، تقوليها... ومتخافيش.

متدوريش على سعادتي أنا على حسابك إنتي.

إياكي تعمليها، ولا تيجي على نفسك عشاني.

قسماً بالله... ما هسامحك.


رفع رأسها إليه مشددًا:


ـ سمعاني؟


أومأت، تهزّ رأسها بطاعة ووداعة...

جعلته يفقد السيطرة على ما تبقى من ثباته، يباغتها على حين غرة، يُجفِلها بهجومه عليها، يُطفئ نار غضبه، ويُسكتها عن الجدال والتفكير الأحمق.

يبدو أن مشواره معها طويل... وهو مرحّب جدًا بخوضه.


............................


مساءا


من خارج الغرفة كان يغمغم ساخطًا:

ـ راجل بارد، ما عندوش دم ولا بيشم ريحته حتى! أبو شكله... أنا كان لازم ما أطلّعلهوش أصلاً.


التفتت إليه من أمام المرآة، حيث كانت تمشط شعرها، وسألته:


ـ مين اللي بارد وما عندوش دم؟


توقف يطالعها بتقييم، وقد بدّلت ملابسها وتحمّمت بعد خروجه. شعرها الندي يعزف سيمفونية مع تفاح وجنتيها، والكحل المسحوب على رسم عينيها الساحرتين. كانت ترتدي  عباءة! بالوانٍ زاهية أَضفت مزيدًا على حسنها، ولكنها عباءة، تُغطيها من أعلى رقبتها حتى أقدامها في الأسفل.


ارتفعت أبصاره نحوها فجأة، بعينين متسعتين، وكأنه رأى شيئًا يخالف الطبيعة:


ـ لابسة عباية يا مزيونة؟! عباية في ليلة صباحيتنا؟!


فغرت فمها لحظة، نزلت بعينيها نحو ما ترتديه، وردّت باستغراب:


ـ ومالها العباية؟ وإيه دخل الصباحية أصلاً بعباية لبستها عشان بلاقي راحتي فيها؟


ضاقت حدقتاه، وعلت ملامحه جدّية واضحة، خطا بقدميه حتى وصل إليها:


ـ "راحتك" يا مزيونة! أنا عمال أسب وألعن في العمدة بوز الأخص اللي عامل فيها صاحب واجب وجاي يبارك لي النهارده من دون باقي الأيام... عشان أخش دلوك ألاقيكي صدماني ولابسة عباية؟! عباية يا مزيونة؟!


أردف كلماته الأخيرة بأداء درامي جعلها، دون أن تشعر، تقلّده:


ـ سلاااامتك من الصدمة! بس برضو فيها إيه؟ هي العباية بقت "كُخ" وعيب مثلًا؟


ـ حبيبتي... يا عسل.

قالها ضاحكًا، وقد أثارت عفويتها تسليته، ليضيف:


ـ بتعيبي عليا يا مزيونة؟ ماشي... أوضحلك عملي، مدام مش فاهمة يا غالية، عشان تفهمي أكتر.


تحرك خطوتين بجانبها نحو خزانة الملابس، فتح ضرفتيها، ولوّح أمامها بيده نحو عدد من قطع الملابس... بألوان وقصات مختلفة، وأشياء أخرى تخجل حتى من النظر إليها.

كانت تعرف بوجودها من البداية، لكنها أغلقتها ولم تجرؤ على ارتداء شيء منها.


ـ اتفضلي يا ست مزيونة، ده كله مش عاجبك؟! ده أنا طلع عيني وخصصت يوم كامل عشان أنقيهم.


ـ يوم كامل عشان تنقيهم فيه؟! وليه التعب والمصاريف؟ الحاجات دي غالية، أنا تقريبا عارفة تمن كتير منهم لأني جهّزت ليلى. بس مالي بيهم؟ دي... دي حاجات... تتلبس إزاي أصلًا؟!

نفسي أفهم... انت اتعاملت إزاي وانت بتشتريهم؟


تبسم بمكر وقد فهم مقصدها:


ـ تقصدي البنات اللي كنت بشتري منهم؟ وّه دا، كلّهم كانوا فرحانين جوي، وبيتسابقوا مع بعض، وهما بيختارولي... بعد ما وصفتلهم شكل العود الفرنساوي اللي يهبّل...


ـ بس يا حمزة!

صاحت بها تقاطعه قبل أن يتمادى بوقاحته التي شهدت عليها منذ الأمس، ليؤكدها الآن، مخرجًا واحدة من تلك القطع، التي لا تعرف حتى من أي اتجاه يتم إرتدائها.


ـ إيه ده؟

سألت إستفسار طبيعى بالنسبة إليه، وهي تنظر إلى القطعة التي رفعها أمام عينيها، فطالعها بانبهار قائلاً:


ـ شوفي... هو أنا مش فاكر اسمه إيه بالظبط، بس بصراحة عاجبني. لونه كده نبيتي وناري، دا غير إنه يشبه المايوه...


قال الأخيرة بمرح ضاعف من استفزازها، لتنتفض فجأة عن كرسي المرآة صائحة:


ـ والنعمة ما هيحصل! بقى أنا ألبس ده؟ ليه؟ اتجننت؟!


مطّ شفتيه بثقة وهو يخبرها:


ـ والله، ولو حلفتي بأيمان المسلمين كلها، برضه هتلبسيه.

ده إحنا لسه معانا سنة كاملة في الحاجات اللي مالية الدولاب دي... لازم نبتدي فيها من النهاردة!


ـ وأنا بقولك: "لاه" يعني لاه يا حمزة!


هتفت بإصرار وتصميم، فواصل هو من جهته تحدّيها:


ـ وأنا بقولك: هتلبسيه يعني هتلبسيه، يا مزيونة!

وهي كلمة... ومش هتتنيها!


تجمّدت في مكانها بعدم استيعاب. لا تصدّق مدى الجدية التي يتحدث بها، وتلك الابتسامة المرتسمة على شفتيه تزيد من غيظها وقهرها أيضًا.

دبّت الأرض بقدمها مغمغمة:


ـ وه...


علّق بمكر وخبث:


ـ واهين تلاتة أربعة!

هطلع برا الأوضة دلوك عشان تعمليهولي مفاجأة...


#لأجلها


.......يتبع

 تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع