رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل السابع عشر بقلم شروق مصطفى حصريه
رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل السابع عشر بقلم شروق مصطفى حصريه
17جمر الجليد الجزء الثالث حصري بقلم شروق مصطفى
الفصل السابع عشر
جمر الجليد الجزء الثالث حصري بقلم شروق مصطفى
كان عاصم حاضرًا بينهم بجسده فقط، أما روحه فكانت تائهة في عالم آخر، حتى وكزه وليد لينتبه إليهم قائلاً بلهجة حازمة:
ـ عاصم فوق، وشد نفسك كده… هنجيبوه دلوقتي، ولو شافك بالحالة دي ها يضعف أكتر. إنتَ قوي، ومفيش غيرك له، وإحنا كمان معاه… ماشي؟
أومأ عاصم برأسه موافقًا، ثم نهض وغادر معهم، بينما جلست سيلا إلى جواره، تواسيه وتربت على كتفه بلطف:
ـ كله هيعدي إن شاء الله… قول يا رب.
ـ يا رب، يا رب… ـ هتف بها عاصم مرارًا، كمن يصرخ بألمه إلى السماء.
توجهوا إلى الملهى الليلي، وهناك وجدوا معتز وسط الفتيات يصفق على صوت الموسيقى، غارقًا في حالة من السكر والهروب.
أمسك عامر بإحدى الفتيات من ذراعها، جذبها بقوة لتنهض من جواره، وجلس هو مكانها. فعل وليد الشيء ذاته مع الفتاة الأخرى، ثم أمسكا بذراعي معتز ورفعه كلاهما وهو يتمايل بينهما متطلعًا إليهما في صدمة، محاولًا التخلص منهما وهو يهتف ساخرًا:
ـ إيه؟ هو أنا مقبوض عليا ولا إيه؟ وسّع يا عم إنت وهو كده!
غادروا الفندق دون أن يلقوا بالًا لاعتراضاته، وانطلقوا به إلى فندقهم القريب. صعدوا إلى الطابق العلوي وأدخلوه إلى الغرفة، بينما لا يزال يترنح ويهذي بكلمات غير مفهومة، محاولًا الخروج مرة أخرى:
ـ مالكم؟ فيه إيه؟ يا جدعان خطفني ولا إيه؟ إيدك يا عم!
حين رأته سيلا على هذه الحال، نهضت سريعًا، أعدّت فنجانًا من القهوة المُرّة، بينما تولى وليد وعامر إدخاله إلى الحمام، سكبوا عليه الماء لإفاقته، ثم ناولوه القهوة ليرتشفها بالكامل. وبعد دقائق، مسح معتز وجهه بيده، ونظر حوله، فرأى الجميع واقفين أمامه، وعيناه تستقران أخيرًا على عاصم، الذي كان يتطلع إليه بصمت عميق.
حمحم معتز وسأل بدهشة:
ـ في إيه؟ مالكم متجمعين عليا كده ليه كلكم؟ فيه إيه؟… عاصم، في إيه؟ مالهم جابوني كأني عيل صغير كده!
ثم التفت إلى سيلا وابتسم:
ـ إزيك؟ عاملة إيه دلوقتي؟
أجابته بابتسامة حزينة تخفي وراءها الكثير من الألم:
ـ الحمد لله بخير… إنت عامل إيه؟ كويس؟
تطلع إليها وإلى الآخرين، ثم قال:
ـ الحمد لله… بس قوليلي، مالهم قابضين عليا ليه؟
قالت سيلا بهدوء ممزوج بالألم:
ـ خير… بس عاصم عاوزك في موضوع كده مهم، هيقولهولك دلوقتي. بس اتأكد يا معتز إننا كلنا بنحبك، وعايزين مصلحتك بجد… ماشي؟
غمز لها معتز مبتسمًا بمزاحه المعتاد:
ـ والله إنتِ اللي عسل فيهم كلهم… بس ماشي، مستنيهم يحنّوا عليا وينطقوا.
أشارت له بعينيها إلى عاصم، ثم أشارت بإصبعها إلى عنقها مبتسمة وهمست:
ـ هش… عاصم هيقتلك! اسكت.
نهض عاصم واقترب منه، ثم أمسكه لينهض، واحتضنه بشدة، يشد على ظهره بيدٍ مرتعشة بالحزن والرجاء، يربّت عليه كأبٍ لا كأخ، ثم همس بنبرة يملؤها الوجع:
ـ ابن أمي وأبويا… اللي طلعت بيه من الدنيا… عايز تسيبني لوحدي ليه؟… وتكسرني؟ إحنا سند بعض… ليه عاوز تقهرني كده؟ قولي ليه؟
فهم معتز مغزى الكلمات، فسأله بذهول:
ـ مين قالك؟… الدكتور؟… صح؟
ابتعد عاصم عنه فجأة، هاتفًا بغضب مكتوم:
ـ ده بس اللي همك؟ مين قالي؟ مش همّك وجعي ولا أي حاجة تانية؟ من إمتى وإنت أناني كده؟! مش قولتلي هتتغير وتبدأ صفحة جديدة في الحياة؟ اتغيرت ليه؟! رجعت في كلامك ليه؟! دمرت حياتك تاني، وضيعت اللي حبوك… ليه؟ قولي ليه؟
تدخل وليد سريعًا في محاولة لتهدئة الموقف قبل أن ينفلت:
ـ اهدى يا عاصم، مش عاوزين انفعال، احنا بنتكلم مش بنتعارك.
ثم وجه حديثه لمعتز، ونبرة الجدية تملأ صوته:
ـ بص يا معتز، ركز معايا… إنت خسرت قد إيه في حياتك قبل كده؟ وندمت عليه؟ ليه عاوز تكمل في الخساير؟!
إحنا كلنا جنبك… دعم وسند ليك، إنت مش لوحدك. في ناس بتحبك، وإنت بإيدك ضيّعتهم. بس لسه في فرصة، كل حاجة ممكن ترجع تاني… ماشي؟
هتف معتز، وهو يلوي فمه بتهكم، يخرج كلماته وكأنها من إنسان فقد الحياة داخله:
ـ مين قال إني عاوزكم جنبي؟ أنا حابب حياتي كده جدًا!
تتعبوا نفسكم والله على الفاضي… وخطفتوني، وجيتوا كلكم هنا كمان، عشان ترتاحوا؟!
أنا مش هعمل عمليات… لا عاوز سند، ولا عزوة جنبي… شوفوا أشغالكم إنتوا، أنا كده كده… مرتاح.
لم يحتمل عاصم حديثه، فتقدم نحوه بانفعال، يدفع رأسه بيده عدة مرات متتالية، وهو يهتف بصوت غاضب:
ـ إنت شكلك لسه سكران… فوق!
أنا مش هسيبك كده تضيع بين إيديا وأنا بتفرّج عليك… سامع؟ فوق بقى!
ثم صفعه على وجهه صفعة قوية، جعلت الجميع يتجمد في أماكنهم من المفاجأة. ثبت معتز نظره فيه، واضعًا يديه على وجنتيه، دون أن ينطق بكلمة واحدة.
تدخل وليد وعامر سريعًا، يفصلان بينهما، بينما أمسكت سيلا بيدي عاصم تحاول تهدئته:
ـ أهدى يا عاصم… مش كده.
لكن عاصم دفع يدها بعيدًا، غارقًا في غضبه، صرخ فيهم جميعًا:
ـ إنت لازم تفوق! إنت مش صغير… إنت كنت فاتح بيت! أعقِل!
اصطحب عامر ووليد معتز إلى غرفة جانبية في محاولة للحديث معه بهدوء. وبعد لحظات، لحقتهم سيلا إلى الداخل، وقالت برجاء:
ـ سيبوني أتكلم معاه من فضلكم… ممكن؟ وخليكم مع عاصم، هدّوا شوية.
أومأ الاثنان برأسهما بقلة حيلة، وخرجا من الغرفة تاركين الباب مفتوحًا، بينما وقفت سيلا تتابع معتز، الذي كان متوقفًا، يضع يده على جبينه، يزفر بضيقةٍ ممزوجة بتيه.
تقدمت نحوه، ووقفت أمامه، تحدثه بصوت خفيض ونبرة دافئة:
ـ ما تزعلش من عاصم… بيحبك وخايف عليك.
تحرك مبتعدًا عنها، وجلس بإهمالٍ على المقعد، يخفي وجهه براحة كفه، وعيناه شاخصتان إلى الأرض. تقدّمت نحوه، وجلست على المقعد المجاور، ثم مدّت يدها تمسك بكفه وتُنزله عن وجهه بلين:
ـ عارف… بتفكرني بيا قوي، حاسة إن الزمن بيتعاد تاني قدّامي…
وقت ما هربت من الكل، ورفضت العلاج… برضه.
ياه… السنين بتتكرر قدامي دلوقتي.
تأملت ملامحه المرهقة، ثم واصلت بصوتٍ يشوبه الحنين والألم:
ـ معتز، إنت زي الغريق دلوقتي… مش شايف حد حواليك، شايف نفسك وبس.
أنانيتك غطّت على كل حاجة حلوة حواليك.
فكّر تاني، بجد… إنت مش لوحدك.
مافيش حاجة بتتصلّح من غير إرادة، ومافيش يأس مع قدرة ربنا… ربنا قادر يغيّر كل حاجة في لحظة.
ما تخسرش حبايبك، كلنا جنبك… وبنحبك.
بس إنت مش شايف كده دلوقتي.
إنت شايف الموت… بس، اللي قريب منك، زيي ما كان قريب مني قبل كده.
بس أنا كنت غبية… مفكرتش غير في نفسي، وندمت إني مسمعتش كلام عاصم.
صمتت لثوانٍ، تبتلع ريقها، تحبس دمعة، ثم تابعت:
ـ معتز، إسمعني… أنا أكتر واحدة عدّت بنفس حالتك.
واكتشفت بعدين قد إيه كانوا بيموتوا من الخوف عليّا، خصوصًا عاصم.
وأنا؟ مفكرتش فيهم بالشكل ده، فكرت في نفسي… وبس.
تنهدت وهي تواصل حديثها، بنبرة أقرب للرجاء:
ـ معتز، أنا انكتبلي عمر جديد.
قلبي وقف… والكل قال إني مت.
بس إرادة ربنا عدّت كل التوقّعات…
وقدامك لسه، أهو، بعافر وبقع… بس كلهم حواليا، بيدعموني.
أوعى تبقى لوحدك، يا معتز.
أقرب حبايبك حواليك… ما تبعدهمش، ما تخليهمش يكرهوك، لأنهم مش هيكرهوك، حتى لو حاولت.
ما تضيعش اللي فاضل في هروب.
واجه… مهما كان، ومهما هياخد منك.
رفع نظره نحوها، بعينين دامعتين، صوته مبحوح واهن:
ـ أنا ميت يا سيلا…
إنتي بتكلمي واحد ميت خلاص.
الكلام ده معدش ينفع دلوقتي…
سيبوني أعيش اللي فاضلي من عمري.
حالتي ميئوس منها، ونسبة نجاحها 30 في المية.
صاحت به فجأة، بقوة صدقٍ وفزع:
ـ غلط! أكبر غلط!
محدّش عارف قضاءه إمتى، ولا فاضله قد إيه!
الحق اللي باقي لك… واجهه، واعمل اللي عليك.
ما تيأسش! رحمة ربنا واسعة أوي… وإنت، باللي بتعمله دلوقتي، بتخسرها…
آه، بتخسرها.
إنت مش توبت زمان؟ ليه ترجع تاني تعصيه؟!
يا معتز، حرام عليك!
بجد الحالة اللي إنت وصلت ليها دي… ضياع.
ازدردت ريقها، تمسك بآخر خيط من أمله، ثم اقتربت أكثر، تحدثه برجاء ناعم:
ـ نسيت حبك يا معتز؟! عافر عشانه!
مش عافرت عشانها؟ ووصلت لها بعد كتير؟
عافر تاني… لحد ما تكسبها، وتكسب نفسك من تاني.
وما تقنعنيش إن مي سلوكها وحش… هزعل!
أنا أعرفها قبلك…
مي، آه، اتغيرت في الفترة الأخيرة، لأنها موجوعة منك أوي… بس بإيدك ترجعها تاني.
ولسه بتحبوا بعض… فوق كده!
وما تزعلش من أخوك، ده بيعتبرك ابنه بجد.
أوعى تخاف من أي حاجة قبل ما تحصل.
تمسّك بمشيئة ربنا… وحاول.
وحاول مع مي… ملكوش غير بعض.
صدقني… هي بتحبك.
ـ مي؟ لا، أوعي تبلّغيها حاجة عني.
سيبيها واخدة فكرة إني ظلمتها… خليها تفضل كرهاني، مش عاوزها تعرف عني حاجة، مش عاوز أشوف الشفقة والحزن في عينيها.
بس اللي أقدر أقولهولِك… إنها أشرف بنت عرفتها، وأول وآخر بنت حبيتها.
بس أوعي تقوليلها حاجة… أنا وهي خلاص، حكايتنا انتهت، خليها تعيش حياتها وتبدأ من جديد… مع حدّ غيري.
“قالها بصوتٍ متهدج، شاحب الملامح، ناظرًا إلى الفراغ أمامه وكأنه يتحدث إلى الفرصة التي ضاعت”
تطلعت إليه بعينين زائغتين، لا تجد ما يُقال بعد كلماته التي مزّقت ما تبقّى من أمل.
لم يتمسّك بحبيبته، لم يطلب حتى فرصة.
نهضت ببطء، كأنّ الهزيمة تسحب قدميها، وتركته وحده هناك.
فشلت محاولتها الأخيرة… ولم تكن تتوقّع أكثر من هذا الانكسار.
لكن ما لم تتوقّعه حقًا… كان في الخارج.
صُدمت برؤية عاصم واقفًا عند الباب، يبكي في صمت، واضعا كفه على قلبه، وملامحه تتلوى من الألم.
هرولت إليه بفزع:
ـ عاصم! مالك؟ في إيه؟ ماسك قلبك كده ليه؟
لكنه لم يتحرك، كانت يداه تمسكان بذراعه اليسرى، وتنهّداته تنبئ بشيء خطير.
احتضنته بخوفٍ وهلع، وصوتها يرتفع صارخًا تنادي:
ـ إلحقني يا وليد بسرعة!
عاصم تعبان شكله! مش بينطق!
عاصم!
بدأ جسده يترنّح في مكانه، إلى أن لحق به كلٌ من وليد وعامر، وأمسكاه حتى أجلساه بهدوء،
أرجع رأسه إلى الخلف، يتنفس بصعوبة، يلتقط نظرات متقطعة نحوهم، حتى وقعت عيناه على معتز،
ثم… أغمضهما بهدوء كأنها لحظة استسلام.
انحنى وليد بجانبه، يفتح أزرار قميصه على وسعها، يهتف بفزع:
ـ عاصم! مالك؟ فيك إيه يا حبيبي؟
يا عامر كلم الإسعاف بسرعة، بسرعة!
وفي تلك اللحظة، كان معتز قد جثا على ركبتيه أمام أخيه،
يبكي بصمت… دموع ترتجف على وجنتيه خوفًا من فقدانه.
لم يتخيّل يومًا أن يكون الرحيل من نصيب غيره،
كل ما أراده أن يبتعد بهدوء، لكن لم يتوقّع أن يرحل أحدهم قبله.
أبدا.
أمسك بكتفيه يهزّه بقوة، صوته منكسر، متهدج الرجاء:
ـ عاصم! مالك! اصحى!
والله هسمع كلامك! بس ما تمشيش…
ما تسبنيش!
والله هسمع كلامك… بس افتح عينيك، بالله عليك…
يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول 1من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني 2من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثالث 3من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا