رواية لإجلها الفصل الخمسون 50الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية لإجلها الفصل الخمسون 50الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات
الفصل الخمسون
هناك قوة أعمق من كل سيف أو سلطان،
قوة تسكن قلب من صبر ولم يساوم على روحه،
من رفع عينيه إلى السماء حين خيّبت الدنيا أمله،
ومن جعل الليل مدرسة للصبر، والدموع مصدر للنقاء.
كل ألم، كل جرح، كل خيبة،
ليست عقابًا بل حافزًا،
لتعرف الروح طريقها نحو النور،
لتستعيد ما سُلب منها من فرح وسكينة،
لتفهم أن الانتصار ليس بأيدي الناس، بل في صفاء القلب،
وفي ثبات الروح حين تهتز الأرض تحتك.
اذهبي حيث يناديك قلبك،
خذِي حقك من الزمن والظروف والذين ظنوا أنهم أقوى،
لكن أعظم انتصار هو أن تظل روحك نقية،
تضيء داخلك، حتى لو أظلم الخارج كله،
فتصبح الحياة كلها لك، والفجر يركع أمام إرادتك.
المراجعة والخاطروة الروعة من المبدعة القمر/ سنا الفردوس بطوط
الفصل الخمسون
داخل شرفتها، كانت مستندة بمرفقيها على حافة السور الرخامي، تراقب من الأعلى الضجيج والصخب الدائر في الأسفل.
أعداد البشر التي تأتي وتذهب لتقديم التهنئة والمباركة بحمل والدتها من عمِّها حمزة، كما كانت تناديه دائماً، الرجل الذي زرع البسمة على ثغر المرأة الحزينة بعد سنوات طويلة، كان ملازماً لها كالعباءة السوداء التي لم تكن تستبدلها بغيرها.
والدتها تبدّلت؛ حتى ملامحها أصبحت أكثر توهجًا ونضارة. شخصيتها التي اتسمت دومًا بالعقلانية المبالغ فيها صارت خفيفة الظل، كأنها امرأة عشرينية لا يليق بها أن تكون جدة عمّا قريب.
وقد ارتدّ كل ذلك عليها هي بالراحة؛ فوالدتها وجدت العوض أخيراً بعد التضحية… وهذا بالفعل كرم من الله عليهما معاً.
دوّى فجأة صوت هاتفها من داخل الغرفة، فتحركت تاركة الشرفة لتلتقطه من فوق الكومودينو. وما إن وقعت عيناها على شاشة الهاتف ورأت اسم المتصل، حتى أختفت سريعًا فرحتها، وتسَلّل إليها التوتر، لتسقط جالسةً على طرف سريرها في حيرة:
هل تجيب أم لا؟
إلا أنها حسمت الأمر سريعًا، وقررت الرد:
ـ الو يا أبوي.
ـ أيوه يا ليلى، عاملة إيه يا بنيّتي؟ إن ما كانش أبوكي يسأل عليكي، إنتِ ما تسأليش؟
ـ معلش يا أبوي، اعذرني… الدنيا شغلاني شوية. لكن أنا زينة والحمد لله. إنت عامل إيه؟
ـ أنا كمان زين والحمد لله، لكن أنا سامع ضرب نار جاي من عندكم! إيه الحكاية؟ لتكوني نجحتي يا بت وجوزِك عايز يبين الكرامة؟ ما أنا عارفه يحب يبين نفسه إنه الزين... هو وباقي عيلته.
ـ ……
ـ مالِك سكتي ليه؟
ـ آه… لا يعني… أصل مش جوزي اللي كان بيضرب نار. أنا أصلًا نتيجتي يومين وتظهر إن شاء الله… بس اللي كان بيضرب نار هو عمي حمزة…
ـ وه! حمزة كمان! وماله المغندر كان بيضرب نار ليه بجى؟ لا يكون عشان نتيجة أمك!
ثم ضحك باستخفاف، حتى استفزّها، لتصعقه بردّها:
ـ لاه يا أبوي. أمي نتيجتها أصلاً ظهرت من الشهر اللي فات ونجحت والحمد لله، وكلنا فرحنالها. بس هو النهارده كان بيضرب نار عشان فرحان… إن ربنا كرّمه بحمل أمي…
قالتها بدون تردد، بعدما شعرت بالسخرية في نبرته تجاه محبة حمزة لوالدتها.
فردد خلفها بدهشة:
ـ حمل مين يا بت؟ هي أمك دي مش قاطعة الخلف من زمان؟
ـ لاه يا أبوي، ما كانتش قاطعة الخلف ولا حاجة. أمي كان عندها مشاكل صحية بسبب صغر سنها، واتطورت معاها. لكن مع الوقت اتحسّنت… ودلوك جه عطا ربنا، ودا بييجي من غير حساب… بييجي بإرادته.
لم ينتظر المزيد، وأنهى المكالمة دون حتى وداع. ظل يطالع الفراغ بشرود؛ ها هو يُهزَم من جديد، وتكتسح الحسرة قلبه. لماذا كل هذا يحدث معه؟
ما يريده يفقده، وما لا يريده يظل ملتصقًا به.
ذهبت عيناه بغضب نحو زوجته صفا التي كانت تتبادل الحديث مع أطفالها، وقد تركته ولم تعد تتقرب منه، كأنها استغنت بهم عنه.
أإلى هذا الحد أصبح بلا قيمة، حتى عند من كانت ترتمي عند قدميه من أجل نظرة رضا واحدة؟
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
داخل طُرُقات البلدة التي لا يعرفها إلا قليلون، يسير فيها وعيناه تجولان في جميع الأنحاء من حوله. يسأل كل من يقابله، والقلق ينهش قلبه. فحين خرجت من أمامه، ظنّها لا تأخذ الأمر بجدية، حتى تملّكه العند والسخط من فعلتها، وقرّر أن ينتظرها حتى تعود إليه صاغرة، على الأقل حتى تأخذ أشياءها أو تحاول معه مرة أخرى كما اعتاد منها. ولكن هذا لم يحدث.
ليتسرّب إلى داخله إحساس الخوف، ذلك الشيء الذي لم يعرفه إلا على نفسه...
توقف فجأة وقد وقعت أبصاره على طيف جلبابها في الظلام الحالك أسفل الشجرة القديمة، جالسة على أحد فروعها الساقطة على الأرض، وفي تلك المنطقة المقطوعة التي دخلها هو بصعوبة... اللعنة!
زفر نافثًا الدخان من فتحتي أنفه وأذنيه بغضبٍ اشتعل في داخله، فتحرك حتى وصل إليها، ليجدها منكمشة على نفسها ورأسها متدلٍ، وكأنها لم تنتبه إلى حضوره إلا بعد لحظات، لترفع عينيها إليه ببشرة شاحبة، ترفرف أهدابها بعدم استقرار، وجسدها يرتجف كليًّا أمامه.
فضرب كفًا بالآخر يُعبّر عمّا يعتريه من حنقٍ منها صائحًا بها:
ـ أنا مش عارف والله! طب إيه اللي جابِرِك يا بت الناس؟ أنا كنت طردتك يعني؟ قاعدة في الدُّنيا الضلمة وفي الحِتّة المقطوعة اللي بيخاف منها رجّالة بشنبات! طب مش خايفة لا يطلعلك بسم الله الرحمن الرحيم عفريت؟
جاء ردها إليه بصوت بالكاد يستطيع تفسير كلماته:
ـ عفريت الجن أهون ميت مرة من شيطان الإنس اللي عايز بس يعيش في الحرام.
لم يسمع حرفًا واحدًا، وقد سقط قلبه بين قدميه، حين انتبه جيدًا لحالتها التي لم تكن طبيعية على الإطلاق. ليتجاهل كل ما قالت، ويدنو نحوها متفحصًا لها:
ـ نورا، إنتِ مالك؟ بردانة ولا... وِه!
صدرت الأخيرة منه بجزع حين لامست يده بشرتها التي كانت كالجمر المشتعل:
ـ الله يخرب مطْنِك! إنتِ سِخنة نار، وقاعدة بالهدوم الخفيفة دي! عايزة تموتي؟
دفعت يده عنها تتحرك بعدم اتزان، رافضةً لمسته:
ـ أموت ولا أعيش… غور شوف حالك بعيد عني...
ليرد خلفها بغيظ شديد:
ـ أغور وأسيبك فين بس وإنتِ بالحالة دي؟ عايزة تموتي وتجيبيلي نصيبة! تعالي يا بت… تعالي!
امتدت ذراعاه أسفل ركبتيها التي كانت تقريبًا متخشبة، والأخرى خلف ظهرها ليحملها مضطرًا وعلى غير إرادتها. همّت أن تقاومه، ولكن فور ما اتكأت رأسها للخلف فقدت الوعي تمامًا، لتزيد من جزعه.
فغمغم ضجرًا من عنادها الأحمق، وقدماه تُهروِلان بها:
ـ كنت ناجصك أنا عشان تشيليني همّك؟ ولا أنا أصلًا حِمل مسؤوليات؟ دا إيه الغُلب دا بس يا ربّي...
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
لملم منصور سجادة الصلاة بعد أن انتهى من صلاته، وفمه يردد ذكر الرحمن حتى وصل إلى تخته لينضمّ جوار زوجته في الفِراش، والتي كانت مندمجة في مشاهدة برنامج علي التلفاز. فكانت تضحك وطبق الفاكهة في حجرها يهتز معها، حتى استفزّه، فنبّهها:
ـ خِفّي الضحك شوية يا ست! الطبق بيتهز وبطنِك معاه بِتِترج… دا تلاقيه يا عين أبوه متزلزل معاكي.
ضحكت تناكفه وتجادله كعادتها، ويدها حطّت على موضع الجنين في بطنها:
ـ لا يا خويا، متشلّش هم اللي في بطني… دا تلاقيه أصلاً بيضحك معايا.
ألقى نظرة نحو الشاشة ويده تناولت منها قطعة فاكهة، يعود إليها بإلحاح:
ـ "بوجي وطمطم"؟ وِه! دا برنامج قديم قوي، بس حتى لو كان عسل… خلي بالك، وخِفّي الضحك شوية، حتى عشان نفسك يعني.
تطلعت إليه بغيظ تقلب بالـمُتحكم إلى قناة أخرى:
ـ وادي القناة غيرناها خالص… ما أنا عارفاك لما تزنّ على حاجة يا منصور مش هخلّص منك.
تبسّم براحة لا يُخفيها:
ـ شاطرة يا منى وجدعة. بس متنكريش إن معايا حق… هو أصلاً برنامج قديم، وإنتِ طالبة معاكي ضحك زيادة عن اللزوم، وأنا بصراحة أخاف على آخر البرنامج تتعبي إنتِ ولا العيل، وعلى إيه؟ الطيب أحسن.
رمقته بحنق وهو يتناول التفاحة بتلذذ غير مكترث بتبدّل مزاجها، فهتفت به غيظًا:
ـ مبسوط أنت قوي دلوك؟ على أساس إن البرنامج حاجة تافهة ومِتستاهلش؟ مش واخد بالك إني ما صدّقت لقيت حاجة تضحكني بعد يومين النكد اللي مرّوا عليّا...
قاطعتْه مُولّية ظهرها له، ليشعره بوخز الضمير.
فتوقف عن تناول التفاحة ووضعها على الطبق الذي رفعه عنها ليسترضيها:
ـ وِه وِه… بسرعة قلبتي كده على سبب مِتستاهلش؟ دي هرمونات الحمل دي ولا إيه؟
ـ لاه! مش هرمونات حمل… وابعد عني عشان أنا متعصّبة.
كانت تدفع يده عنها، إلا أنه أحكم ذراعيه عليها، يضمّها إليه بحزم:
ـ اهدي كده وبطّلي عبط. إن كان على البرنامج هنقلّب عليه تاني، واضحكي عليه للصبح… من غير تنشّنة ولا عصبية.
أنا عارف إن الضحك الأوفر ثم القَلْبة المفاجِئة وراها سر.
قولي يا أخرى صبري… إيه اللي موترك؟
ظلت تتنفس باضطراب، بلفتة أنبأته بصدق ظنه. ليضمّ رأسها إلى صدره، يتركها حتى تهدأ، ثم تخرج ما في قلبها:
ـ منة بنت أخويا خليفة… النهارده لما كنت في البيت الكبير، في عزّ ما الفَرْحة مقَلْقِلَة البيت، لقيتها جت جاري وسألتني عن أمها… معرفتش أرد عليها بإيه؟ إيش حال خليفة أخويا؟ هيعمل إيه معاهم في اللي جاي؟ وبراءتها حاجة في عِلم الغيب...
قدّر منصور السبب خلف تخبطها، فردّ عليها:
ـ يا رب تطلع في أقرب وقت… إن ما كانش عشانها يبقى عشان بناتها.
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
في صباح اليوم التالي، وداخل المنزل الكبير الذي باتت ليلتها فيه بالأمس، وسوف تقضي به بعض الأيام حتى تشفى قدمها وظهرها، استيقظت متأخرة وعلى غير عادتها.
رفعت رأسها تتطلع بالغرفة حولها بحثًا عنه ولم تجده.
فسحبت نفسها للأعلى حتى اعتدل جذعها، تتساءل: خرج فين؟
إلا أن هاتفه على الطاولة الزجاجية التي تتوسط الغرفة لفت نظرها، فخمنت في داخلها أنه لم يغادر المنزل بعد.
همّت أن تقوم لترى ماذا تفعل، فأنزلت قدمها السليمة أولًا ثم المصابة ببطء شديد حتى هبطت بها على الأرض بخفة.
تمسّكت بالقائم، تستند عليه حتى وقفت تتحامل على قدم واحدة، تشرع في السير… أو بالأصح: "القفز بها" لتتجنب الضرر بالقدم المصابة.
لكن ما إن خطت خطوة واحدة حتى أفزعتها صيحته الجهورية:
ـ واقفة عندِك بتهبّبي إيه؟
وكانت النتيجة أن وقعت على الفراش، ناظرةً له عند المدخل وهو يطلّ برأسه فقالت معاتبة:
ـ اخص عليك يا حمزة! كده خلّعتني.
ردّ بتصميم وهو يدفع ضلفة الباب ليدلف حاملًا ما بيديه:
ـ وأعملك إيه؟ ما إنتِ اللي عايزة تأذي نفسك! مش قادرة تتصبّري لما أجيلِك؟
صفنت بدهشة تطالعه وهو يدخل إليها بصينية ممتلئة بأصناف الطعام، فسألته بدهشة:
ـ وأنت جايب الوَكْل هنا ليه؟ ما كنت فطرت تحت مع الجماعة!
وضع الصينية على الطاولة التي تحرك بها يقربها من المقعدين داخل الغرفة قائلاً:
ـ وأنا هيجيني نَفْس أفطر برضك من غيرك يا مزيونة قلبي؟
ثمّ هما فطروا بدري… والساعة دلوك داخلة على عشرة. ناموسيتك كُحلي يا جميل.
قال الأخيرة غامزًا بطرف عينه حتى أخجلها. لتعيد عليه إستفسارها:
ـ طب ولما هي عشرة… ليه جاعد لحد دلوك من غير فطار يا حمزة؟ ليه تجوّع نفسك؟
اقترب وجلس بجوارها يلملم شعرها المبعثر حول وجهها، يشغل نفسه به وهو يجيبها:
ـ وأجوع اليوم كله كمان… عشان آكل لقْمتي مع مرتي أم الباشا اللي جاي في الطريق.
دا غير إني حضرتّه بنفسي وبمزاج… بالذات الفول دا لوحده حكايه!
هتاكلي صوابعك وراه.
ـ استنى…
قاطعته بها تبعد يده عنها تكمل مستفسره بذعر:
ـ عايز تقول إنك دخلت المطبخ بنفسك وعملت الفول والبيض؟
أضاف عليها بتسلية:
ـ وحطّيت الجبنة في الطبق… والعسل الأسود دوبت فيه الطحينة كيف ما بتحبيه… دا غير اللبن اللي سخنته.
ـ استنى يا حمزة!
قاطعته مرة أخرى، لتردف بهلع:
ـ يا مري… كل دا عملته وعمتي حسنية جاعدة وشايفاااك!
تقول عليا إيه الولية دلوك؟ ولدها كبير ناسه بيخدم مرته!
ـ وِه! وما أخدم مرتي يا ست إنتِ؟
هو أنا بخدم حد غريب؟
تمتم بجدية زادت من توترها، ثم ما لبث أن أردف مطمئنًا:
ـ أولًا… أمي مرا مخّها مفتّح، وملهاش في نِغَج الحريم العَكَّاكة عشان تعيب عليا لو خدمت مرتي التعبانة.
وثانيًا… حتى لو كانت منهم… أنا شخصيتي هتسيبها تقول وتعيد؟
سيدنا الرسول قال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
يعني أنا أحسن من الحبيب المصطفى؟
ـ لا طبعًا… صلى الله عليه وسلم.
تمتم هو الآخر بالصلاة علي الرسول، وواصل إقناعها:
ـ وبعدين تعالي هنا… اشمعنى يعني لو الواحد خدم أخته مثلا وهي في نفس الظروف يقولوا فيه شعر؟
لكن عند مرته تبقى كُخّة؟
سيبك منهم… دي حريم فاضية… ويمكن غَيرانة.
قال الأخيرة بأسلوب جعلها تقهقه ضاحكة حتى برزت أسنانها البيضاء.
فهَلّل بانتشاء، يقبّل وجنتيها:
ـ أيوة كده يا ست… خلي السنان الحلوة تبان!
هي دي صباح الخير اللي مستنيها منك… مش الكلام الفاضي اللي بتخربَطي بيه.
بامتنان شديد، وبعد أن وضع الراحة بقلبها، اقتربت تقبّل وجنته:
ـ صباح الفل.
تفاجأ نتيجة فعلتها وبرقت عيناه ليزمجر بخشونة بكلمات ذات مغزي:
ـ وِه عاد! أنا كان كل غرضي "صباح الخير".
عايزاها تتطور يبجى مترجعيش بعد كده تشتكي وتقولي رجلي ولا ضهري!
رفعت كفيها أمامه كحاجز:
ـ لا يا عم… هي زينة جوي "صباح الخير".
أنا أصلًا ميتة من الجوع مش تعب وبس.
عايزة آكل يا حمزة… مش إنت عامل الفطار عشاني برضك؟ ولا أقوم لوحدي؟
زمجر مرة أخرى ونهض ينفض جلبابه بحنق مرددًا:
ـ خليكي مكانك… أنا قايم أجيبلك الصينية لحد عندك.
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
داخل قسم الشرطة كان اللقاء الذي يتم بينها وبين والد بناتها، أو من كان زوجها فيما سبق. بادَرته بسؤالها فور أن تفاجأت بحضوره:
ـ أخيرًا افتكرت أم بناتك عشان تزورها يا خليفة؟ طب راعي حتى إني بت عمّك، ومن واجبك تطمن عليا. برضك في الآخر اسمي عارك.
تنهد بثقل، وقد باغتته بهجومها وتحفّزها ضده، رغم وضعها، ورغم أن الجريمة التي تُتَّهم بها... تخصّه. أخذ وقته حتى تمكّن من الرد عليها بطبيعته الهادئة:
ـ عاري يخصّك قبل ما يخصّني، يعني الأولى كان لازم تحافظي على سمعتك وسمعة بناتك قبل ما تيجي تلومي عليا إني رميتك ولا ما سألتش. كان لازم أهدى قبل ما أجيلِك يا هالة. أنا مش في وضع المتفرّج ولا اللي ما يعرفش حاجة... وافتكري أنا طلّقتِك ليه؟
ـ آه… أيوة، صح افتكرت.
رددت ضاحكة بسخرية، ثم غطّت بكفّها جانب فمها لتضيف بصوت خافت وغمزة بطرف عينيها:
ـ عشان أنت اللي مسكت عليا الدليل...
وكأنها تقصد أن تحيره، ليطالعها بتشتّت، شاعرًا بالغرابة من فعلها وطريقة حديثها، التي تبدّلت فجأة لتصدمه بقولها:
ـ طول عمرك بتحاول معايا بكل جهدك يا خليفة، لدرجة أن أحيانًا كتير كانت بتوصل معايا للرضا، وأنا كمان عمري ما كرهتك. بس إحنا الاتنين علاقتنا معدّتْش خطّ المودّة والرحمة، ودا اللي كان تاعبني...
سألها باستهجان:
ـ وهي المودّة والرحمة عفشة؟
أجابته بصراحة دون تردد:
ـ في حالة الناس العادية أكيد مفيش أحسن منها… لكن في حالتي أنا؟ لاه يا خليفة. اعتبرني طمّاعة ولا مغرورة، عشان في كل الحالات أنا شايفة إن معايا الحق. زي ما أنت خدت بالك إني ما شِلتش حمزة من دماغي، أنا كمان كنت واخدة بالي إن كل اللي بتعمله معايا محاولات… لكن اللهفة؟ ولا الحب الحقيقي؟ لاه يا خليفة، عمر قلبك ما كان معايا، ولا أنا شفت نفسي في عنيك.
لم يُنكر ارتباكه من صراحتها، ولم يستطع أن يُكذّب تحليلها رغم قسوة وقع كلماتها عليه. فمن الواضح أنه لم يكن وحده من يعاني. لكن هذا لا ينفي جريمتها. اشتدّت لهجته وهو يوجّه خطابه لها:
ـ ماشي يا هالة، اعتبرينا إحنا الاتنين ظلمنا بعض، أو أهلينا هما اللي جنّوا علينا. لكن برضك دا ما يديكيش الحق تعملي جريمتك.
ـ شوفتني بعينك؟
همّ أن يرد، لكنها سبقته قائلة في إشارة إلى الدليل الذي يدينها:
ـ حتى برغم اللي مسكته في يدك… برضك ما يأكّدش إني جانية.
ضيّق عينيه يحدّق بها بتفكير، قبل أن يخرج رده في سؤال لها:
ـ هالة… إنتِ في حاجة مخبّياها؟
صمتت دون أن تحيد ببصرها عنه. انتظر ردّها فلم يجد ما يُخمد حيرته. بها شيء غير مفهوم؛ لو لم يكن قد أمسك بالدليل بيده لصدقها… ولكنها…! لماذا لا تتكلم؟
ـ هالة، لو عندِك حاجة قوليها. السكوت دا غريب منك، وفي نفس الوقت يبرجل العقل.
تجاهلت إلحاحه وسألته بدلًا منه:
ـ البنات عاملين إيه صحيح؟ جنى رجعلها الدور تاني؟
تنهد بيأس من مراوغتها، لكنه لا يملك إلا أن يجيب:
ـ لاه، الحمد لله. جنى خفّت وما تعبتش تاني. اطمني عليهم، وما تقلقيش. أنا مراعيهم لحد ما تطلعي لهم بالسلامة إن شاء الله.
ـ اعتماد بترعاهم معاك، صح؟
قالتها بابتسامة أثارت استفزازه، قبل أن تتابع:
ـ على العموم… الله يهنّي سعيد بسعيدة. هي كانت بيعة خسرانة من الأول.
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
دخلت زنزانتها الموحشة التي تضم عددًا من النساء التي لا تطيق النظر إليهن، لكنها مُجبرة على معاشرتهن بفضل هذا الوضع المفروض عليها.
ولسوء حظّها وجدت تلك المرأة تجلس بين مجموعة منهن بعد قضاء ليلتها في الحبس الانفرادي. توقفت المرأة عن الحديث، وطالعتها بحقد شديد نتيجة ما أصابها بسببها. فردّت لها نظرتها بتعالٍ، رغم الخوف الذي تسلّل إليها من ناحيتها؛ فما تراه من غضب لا يُبشّر بالخير.
— تعالي هنا يا هالة.
كان هذا صوت "الريّسة" كما تناديها؛ المرأة التي تجد عندها الحماية منذ دخولها هنا. أشارت لها إلى الجزء الفارغ على المصطبة الأسمنتية بجوارها، فاتّجهت هالة نحوها تُهرول لتجلس في منطقة الأمان بقربها. فقالت لها:
— هي البت دي طلعت من الانفرادي ليه؟ حقّهم كانوا يقعدوها أسبوعين.
ألقت المرأة نظرة بطرف عينها نحو "نوسة" المتحفّزة، الجالسة وسط الفتيات، ثم عادت تحدّث هالة بحذر:
— خدي بالك… وطّي صوتك وإنتِ بتتكلمي. نوسة بتبُصّ عليكي وعينيها بتطق شرار. يعني تلاقيها مستنيّة الفرصة عشان تفشّ غليلها فيكي.
ـ طب تقدر تعملها بس؟ دا أنا كنت أودّيها ورا الشمس وما أخليهاش تشوف الضي تاني.
ردت الريّسة بنبرة تحذيرية شديدة:
ـ ما تهدي يا بت… وبطّلي عنجهيتك الفارغة دي.
تفاجأت هالة من حدّتها ثم فهمت مقصدها حين تابعت:
ـ افهمي بقى… مش كل الناس هتتقبّل أسلوبك دا ولا هتكبّر دماغها منه. اللي زي نوسة، تقريبًا ربنا حارمها من كل حاجة إلا الصحة اللي تهِدّ بيها جبال. دي اتربّت في ملجأ، ونص حياتها الباقية في الشارع. أكل عيشها ييجي من أي حاجة… برضاها أو من غير رضاها.
يعني لا عيلة زي اللي بتشوفي نفسك على حِسّهم، ولا أصل ولا فصل، ولا حتى جمال ييجي ربع اللي عندك. اللي زي دي يتخاف منها… عشان مش بَاكية على حاجة تخاف عليها.
تطلعت هالة نحو نوسة التي انشغلت عنها للحظات. تفحّصتها من الخف البلاستيكي المتّسخ الذي انحشرت به قدميها من فرط القذارة التي التصقت به، ثم إلى الملابس الباهتة التي ترتديها من أول يوم رأتها فيه، إلى وجهها المليء بالحفر وآثار المعارك القديمة، وشعرها الواقف وكأنه لم يُغسل منذ أسابيع. تخيّلت رائحته، فانكمشت ملامحها باشمئزاز.
انتبهت نوسة لنظراتها وحدجتها بنظرة نارية جعلتها تلتفّ سريعًا، عائدة إلى المرآة. برّرت وهي تبتلع ريقها الذي جف من الخوف:
ـ وأنا أعملها إيه؟ هي اللي بترازيني وتجرّ شكلي على الفاضي والمليان. خليها تقعد في حالها وأنا في حالي… وتخلَص على كده!
ردت خلفها المرأة:
ـ لأ… مش هتخلَص يا هالة. عشان نوسة حطّتك في دماغها. خلي بالك من نفسك، أنا مش طول الوقت هتلاقيني معاكي.
سألتها هالة بريبة، وقد أصاب البرد أطرافها من الزعر:
ـ ليه؟ هي ممكن تعمل فيّا إيه؟
أجابت المرأة بحكمة لا تملّ من تكرارها:
ـ الله أعلم… بس أنا مش عايزاكي تديها الأمان. اتجنّبيها على كد ما تقدري. حتى لو جرّت شكلك… ما تردّيش. على ما ربنا يفكّها عليكي وتخرجي. سايسي أمورِك، واتعاملِي بالحسنى مع باقي البنات. أكيد هتلاقي فيهم الزينة اللي ترتاحي معاها، يمكن تبقى صاحبتك أو رفيقتك علي الأقل… وتنفعك أكتر مني. متعتمديش عليّا… أنا في أي وقت ممكن أطلع وأسيبك.
وانتي بنت ناس يا بتي… يعني ملكيش في البهدلة. إيه اللي جابك هنا بس؟
تمتمت هالة ردا عليها وقد وصلها جيدًا ما ترمي إليه المرأة:
ـ حظي الأسود… أو يمكن غضب من ربنا عليّا.
قالت الأخيرة وهي تشيح بوجهها إلى الناحية الأخرى، بصوت بالكاد يُسمع، وكأنها تحدث نفسها:
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
عودة إلى المنزل الكبير
جلست مزيونة مع اعتماد، التي جاءت اليوم لتهنئتها على الحمل والاطمئنان على صحتها. كان في داخل اعتماد شيء من الحرج، تتخطّاه بصعوبة لدخولها هذا البيت، والأخرى تفهمها، فتشاكسها على هذا الأساس:
ـ ارسي على حيلك يا اعتماد، اللي انتِ مكسوفة منه مش قاعد خالص. اهدي بجى.
ـ شوفي الولية اللي اتعلمت المكر دي كمان!
غمغمت بها اعتماد، متابعة:
ـ يا ست يا لئيمة، يعني ده جزاتي إني ما أقدرش أتأخر عنك؟ طب ما أقصدش خالص اللي بالك راح فيه عاد! دخلة البيت نفسها تقيلة.
ردّت مزيونة متظاهرة بعدم الفهم:
ـ واه تقيلة ليه عاد؟ ده حتى الرجالة كلهم مش قاعدين. حمزة راح يشوف صاحبه في قنا، ومعاذ راح مع المزغودة بتي يجيبوا حاجة النونو قبل ما ينشغلوا في النتيجة والتقديم. فاضل مين؟... آه… خليفة… هو كمان راح قنا...
دفعتها اعتماد بالوسادة ردًا على تلاعبها:
ـ ده انتِ مرا! اتعلمتي المكر واللعب على كِبَر يا مزيونة بعد ما كنتِ قطة مغمّضة.
ردت مزيونة ضاحكة:
ـ يا أختي، بكرة تتعلمي زيّي. هي اللي تتجوز من عيلة القناوي تفضّل خالص على حالها! ده قليل إن ما طيّر برج من عقلك سيّ خلفاوي.
غلبت الابتسامة على اعتماد رغم اضطرابها، ثم ما لبثت أن أوضحت بجدية:
ـ أهو الكلام ده هو اللي بيخوّفني أكتر. ما أكدبش، أنا دخلت البيت وأنا في نص هدومي من حسنية؛ الست الله يباركلها استقبلتني بالأحضان و...
ـ و… إيه؟ كمّلي.
حثّتها مزيونة علي الأستكمال بفضول.
تابعت اعتماد بتوتر:
ـ وقالتلي إنهم مستنيين الدنيا تهدى شوية وييجوا عندنا بربطة المعلم، نتفق على كل حاجة في جوازي أنا وخليفة…
صاحت مزيونة بلهفة معقبة علي قولها:
ـ يا أختي يا ألف نهار مبروك! لو…
قاطعتها اعتماد سريعًا، واضعة كفها على فمها:
ـ بس اقفلي خشمك الله يرضى عنك! مش ناقصة فضايح.
تراجعت مزيونة عن الزغروطة، ثم احتضنتها بفرح الشقيقة لشقيقتها:
ـ والله فرحتلك يا اعتماد من قلبي. خليفة راجل وهيعرف زين يهنيكي؛ عشان بيحبك. انتوا الاتنين تستاهلوا بعض يا حبيبتي.
تأثرت اعتماد بفرحتها، فغازلت دمعة عزيزة مقلتيها، وسارعت في مسحها بإبهامها قائلة:
― حبيبتي يا مزيونة، ربنا يباركلي فيكي يا رب. ده انتِ أختي، وأكتر من أختي كمان. بس بصراحة، ومتقوليش عليّا هبلة… أنا بتمنى هالة تطلع من حبسها. ساعتها بس هحس بالراحة.
ـ ليه؟
سألتها مزيونة، ثم تابعت:
ـ هو انتِ حاسة إنها بريئة؟
مطّت اعتماد شفتيها ورفعت كتفيها للأعلى ثم أسقطتهما، تجيب بعدم معرفة:
ـ بصراحة ما أعرفش… وما يهمّنيش أعرف. بس في حاجة جوايا مخلّيانِي أدعيلها في كل وقت. هتقولي ليه تاني؟ هقولك برضك ما أعرفش.
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
داخل المنطقة المعمّرة حديثًا في المحافظة، حيث الشقق الفاخرة لأصحاب المراكز المرموقة، اتخذ هو مسكنه. وكانت هذه أول مرة يزوره حمزة داخل منزله، فاستقرّا بجلستهما داخل الشرفة.
اختار حمزة الشرفة عندما جذبه المشهد الخارجي، معبّرًا عن إعجابه:
ـ والله حاجة تفرّح فعلًا! منظر الخضرة وتنظيم الڤلل والعمارات… حاجة آخر عظمة. بفكّر آخد لي فيها شقة ولا عمارة… أهي حاجة تنفع للزمن، للواد ريان وإخواته…
عقّب كمال علي الأخيرة بدهشة:
ـ خلاص خليتهم إخواته؟! ده أنت لسه سامع بالخبر إمبارح؟
شدّد حمزة متخذًا الأمر بجدية:
ـ إمبارح ولا أول، إن شاء الله هيبقوا قُرطة كمان! هو في حاجة بعيدة على ربنا؟
رد كمال ضاحكًا:
ـ لا يا سيدي، مفيش طبعًا. ونعم بالله. ربنا يكرمك بالعدد اللي تتمناه.
ـ وأنت كمان يا رب. الّا صحيح… ما قولتليش: أنت خلّفت؟ من جوازاتك؟
نفى بتحريك رأسه، ثم تناول عبوة المياه الغازية من أمامه ليرتشف قليلًا، قبل أن يرد باستفاضة:
ـ شوف بقى… أنا خطبت تلت مرات، واتجوزت مرتين. عشان أعمّر مع واحدة فيهم؟ ما حصلش. إني أوصل مع واحدة منهم لمرحلة الخلفة؟… مفيش. مش فاهم ليه بيقولوا عليّا عصبي؟
قال الأخيرة بمزاح، فضحك حمزة، وعلّق:
ـ ده عشان بس كلهم كانوا من بحري وفرافير! أنت عايز واحدة شديدة ياصاحبي تتحمّلك… وتتحمّل عصبيتك.
أومأ كمال بيأس:
ـ بحري بقى ولا قبلي… كل حاجة نصيب. وأنا سلّمت أمري لله. صحيح… كنت عايز أسألك…
قُطع استرساله فجأة حين دوّى هاتفه برقم يعرفه جيدًا. ليستأذن حمزة بإنتظاره دقيقة، وما إن أجاب حتى انتفض لأهمية الأمر:
ـ تمام أوي… ما تشلّش عينك من عليه لحد ما أجيلك. إياك يغيب عنك.
ـ في حاجة يا كمال؟
سأله حمزة ما إن أنهى المكالمة.
أجاب كمال سريعًا، وهو يتصل برقم آخر:
ـ عرفنا مكان الواد… ابن أخت هالة بنت عمّك. ونزلين نجيبُه دلوقتي…
ثم قال في الهاتف:
ـ أيوة يا بني… جهّز القوة، أنا جايلك حالًا.
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
هبطت اعتماد الدرج وكانت في طريقها إلى المغادرة بعد أن انتهت من جلستها مع مزيونة وأفراد عائلة القناوي التي كانت ترحّب بها اليوم بحفاوة، أدخلت في قلبها السرور والبهجة، فلم ينقصها إلا حضوره وقد غاب اليوم.
ليظهر فجأة أمامها الآن وهي في الجزء الفاصل بين الطابقين، حتى كادت أن تصطدم به، وكأن المشهد القديم يُعاد معها ثانية، إلا أنها هذه المرة تداركت سريعًا لتعود إلى الخلف مرتدّة عنه بحرج، فعلّق هو ضاحكًا:
ـ المرة اللي فاتت راح فيها التلفون بتاعك، المرة دي قلبي اللي كان هيروح فيها.
ـ بعد الشر على قلبك.
صدرت منها بتلقائية جعلته يتوقف عن الضحك مستمتعًا بخجلها، يـُشاكسها:
ـ الأبلة اعتماد بحالها النهاردة مشرّفانا بحضورها بعد غياب! ده باينه يوم سعدي.
ردّت بامتنان على مجاملته، تتصنّع الاتزان رغم الصخب الدائر داخلها كأجواء المهرجان ابتهاجًا بكلماته:
ـ تشكر يا سيدي على ذوقك، بس أنا جيت النهاردة أزور مزيونة وبالمَرّة أباركلها على الحمل.
ذهبت عيناه نحو الطابق المذكور ليعود إليها قائلًا:
ـ عقبالنا.
نظرت إليه باستفسار، فتابع يوضح بالمزيد:
ـ أنا كمان متلهّف قوي على أي عيل منك، وأتمنى اليوم ده يبقى النهاردة مش بكرة.
برقت عيناها بذهول أمام جرأة الحديث الذي تسمعه لأول مرة منه، تستوعب فحواه، فانتفضت تهرول من أمامه بارتباك:
ـ طب… طب أنا ماشية بقى عن إذنك.
تصدّر أمامها يوقفها:
ـ استني يا اعتماد.
ـ نعم؟
تأمل بها يُشبع عينيه من رقّتها التي كانت متخفية خلف قناع الشراسة وسلاطة اللسان، ليراها الآن على حقيقتها؛ كالزهرة التي تفتحت حديثًا، تأسر عينيه للنظر إليها، والراحة تتغلغل داخله، لا يريد أن يتركها أبدًا.
إلا أنها تذمّرت تطالعه بتساؤل، جعله يعود لمشاكستها:
― ياريت لما أتصل النهاردة المسا تردّي عليّا. حاولي تتخلي عن عادة المدرسين في النوم بدري، ممكن؟ اتعلمي السهر شوية يا اعتماد.
لم تجد صوتها، وقد لفّها الخجل بشدة، لتومئ إليه بارتباك، ثم تكمل طريقها سريعًا في النزول مهرولة حتى خشي عليها من الوقوع:
ـ بالراحة لا توقعي.
لتغمغم هي داخلها:
ـ على أساس إني لسه ما وقعتش؟ يخرب مطنك يا خليفة، كنك مش ساهل واصل.
✯✯✯ ـــــــــــــ بنت الجنوب ـــــــــــــــ✯✯✯
مساءً
وقد غفت كل السجينات في ذلك الوقت المتأخر من الليل، خرجت هي من زنزانتها متجهة إلى المرحاض العام في المبنى، بصحبة زكية التي تنفّذ كل رغباتها مقابل المال، بعيدًا عن ذلك المرحاض "القذر" كما تسميه، الخاص بغرفة الحجز، والذي تَقرف حتى أن تمر بجواره.
دلفت داخل إحدى الكبائن النظيفة لتقضي حاجتها، وما إن انتهت حتى خرجت كي تعود، لتتفاجأ بآخر شخص تودّ لقاءه في تلك اللحظة، وكأنها كانت في انتظارها؛ واقفة أمام صف المرايا، تستند إلى أحد أحواض الغسيل، تطالعها بتحفّز جمّد الدماء في عروقها.
فذهبت عيناها تلقائيًا نحو باب الخروج وزكية التي تنتظرها في الخارج، لتتخذ طريقها مهرولة نحوه، إلا أن الأخرى تصدّرت أمامها، تقطع الطريق عليها:
ـ على فين يا حلوة؟
حاولت هالة استجماع شجاعتها، تجيب بنبرة جاهدت أن تجعلها عادية دون اهتزاز:
ـ شوفي يا نوسة، أنا بتجنبك على كد ما أقدر. خليكي في حالك يا بت الناس وأنا في حالي. ابعدي كده عن طريقي.
ضحكة سمجة لاحت بفم المذكورة، إلا أنها ذهبت سريعًا لِتتبدل ملامحها لأخرى مخيفة تخالفها:
ـ وإن قولتلك إني ماليش مزاج أعدّيكي… هتعملي إيه؟
.. يتبع
جماعة انا بحاول والله على قد ما اقدر مقصرش، بس طبعا مينفعش احكي ظروفي ع القاضي والمليان
وبرضة هطلب تفاعل وتشجيع عشان دا اللى بيجعلني استمر.....
ودعواتكم.....
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا

تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا