القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام الفصل الخامس والخمسون 55الاخير بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات

 


رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام  الفصل الخامس والخمسون 55الاخير بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات





رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام  الفصل الخامس والخمسون 55الاخير بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات




#حكايات_mevo

#عودة_الذئاب


كان الجمع كله واقفا، تتعلق العيون بنديم، كأنها لا ترى في الدنيا غيره، رهبة تسري في القلوب، وصمت يهبط على المكان هبوط الليل على السهول. كانت هي تقف هناك، خفقات قلبها تعلو حتى عنان السماء، تعرف أن ما يطلبه أبوها عسير، وتقدر نديمًا؛ لذا رفضت، لا تنتظر منه أكثر من ذلك، ولكنه هو النديم… النبيل، ابن عائلة أبو الدهب.


وفجأة، حدث ما لم يكن في الحسبان: ابتسم نديم ابتسامة كسرت السكون، ثم اندفع في حضن جابر، ليتلقفه جابر بين ذراعيه ويجهش بالبكاء، كأنما تحرر من أسر عمر طويل. كان يشعر بروح أخيه تسري في ابنه. ظل يبكي ويبكي… ونديم يربت عليه برفق وعطف.


هتف جابر بلوعة ممزوجة بالأنين:

– آه يا عامر… اتوحشتك يا أخوي… آه يمين الله جلبي مخلوع… ربنا شال السوء اللي كان معشش خراب جوايا، وفضل فطرة ربنا عشان أحس حضنك يا نديم… حضنك كيف حضن أخوي، طيب وحنين، حضن الدفا اللي اتشال من جلبي… أهوه بحسه وبيعاود جلبي… ربنا رده عشان أنتو ما تستاهلوش غير أكده… مش عشاني، عشانكو… عشان ما أعرفش عيالك… وإنت الشريف، ابن أشرف خلق الله…


كان يبكي بحرقة ونديم يملس عليه في حنان وهمس عميق:

– عامر روحه معانا يا عمي… وزمانه فرحان إن عمي رجع عم الكل، وإن ولاد العم بقوا عزوة ونسب…


اقترب عمران، وعيناه تبرقان بدموع الفرح، وهتف بصوت أجش:

– الحمد لله إني شفتها قبل ما أموت… شفت رضا ربنا عليا في ولادي… افرحوا يا عيلة أبو الدهب بولاد العم… ولاد جابر، وولاد سلطان، وولاد عامر… ولاد أبو الدهب…


هنا علا التصفيق، وارتفعت الهتافات، والفرح يغمر القلوب غمر المطر للأرض العطشى. بدأ كل عريس يأخذ عروسه في سعادة يحسدون عليها، وعمران واقف ينظر إليهم، يحس أن حياته لو توقفت عند تلك اللحظة سيكون راضيًا سعيدًا. كان الفرح يمر على القلوب مر النسيم، والهواء معطر بحب وعشق سام.


انتهى الفرح، وذهب كل حبيب بحبيبته إلى جدهم، ليبدأ براء وشجن بتقبيل يد الجد، ووراءهم أسمر ومهرة، ثم نديم ووجد. انقضى الفرح فرح عائلة أبو الدهب، وبدأ فرح العزوة والنسب.


أخذ براء حبيبته إلى حجرتهم في الفندق، ودخل بها وهو يحمل بين عينيه كل شوق الدنيا. انحنى وحملها، فحاوطته بيديها، ودخلا والسعادة تشع منهما. أنزلها برفق، ووقف سعيدًا:

– أخيرًا… مش مصدق حالي إن حبيبي معايا وفي حضني… يااه، تعبت جوي على ما نولت اللحظة دي…


همست هي بحب، كنسيم الليل:

– صحيح يا بروئتي… يعني ما فيش في قلبك غيري أنا وبس؟


اقترب منها، داعب وجهها وهو يبتسم:

– هو أصلًا جلبي انت… كلك على بعضك متملكاه يا جلب براء…


اقترب وقبلها وتلمسها بحب، لتخجل وتبتعد، فيشدها إليه ضاحكًا:

– راحة فين في يومك ده؟ استني…


هتفت مرتبكة:

– هاه استني… أنا هغير أوعي.


ابتسم براء وهو يقترب منها يداعبها:

– طب استني، هساعدك…


دارها برفق، وأخذ يفك فستانها، ثم مرر يده على ظهرها بحنان، فتشنجت فجأة وصرخت بخوف:

– خلاص خلاص… أنا هكمل…


اندفعت مسرعة نحو الحمام، بينما وقف هو يتنهد بحرارة:

– جلبي يا ناس… جمر ع الآخر…


تنفس بعمق، يحاول أن يهدئ نفسه:

– اهدي يا براء… ما تسرعهاش… حبيبك جَط صغير، خلي بالك منه…


غير ملابسه وجلس ينتظرها. أمّا هي، فكانت بالداخل ترتجف من التوتر، تدور في نفسها كالعصفور الحائر:

– طب أنا خايفة… وهو شكله عايز قلة أدب… وصعيدي… طب أعمل إيه؟ أنا عايزة مهره… أنا خايفة…


ظلت جالسة، حتى سمعت طرقًا على الباب، فقفز قلبها وانتفضت:

– إيه يا جلبي… خلاص؟


ارتبكت، ترددت قليلًا:

– هاه… آه… شوية… حاضر…


ثم أخذت تهمس لنفسها:

– طب أروح لمهرة أقلها أعمل إيه… يا سلام، مهرة لسه عروسة، سيبيها يا بنتي، إيه القَراضة دي!… اتلمي…


وضغطت على نفسها أكثر:

– طب وأنا خايفة… بيقولوا حاجات تخوف… طب أعمل إيه؟ آه… هعمل نفسي عيانة… يومين تلاتة لحد ما أشوف…


استدارت نحو حقيبتها، لبست قميص نوم وارتدت فوقه الروب، ثم نظرت في المرآة بارتباك:

– إيه الحاجات دي… برضه هيشوفني… هيهجم عليا… طب ألبس إيه؟ هما كان لازم يحطولي حاجات كده قلة أدب!


اقتربت من شنطتها الخاصة، وأمسكت أدوات الزينة:

– آه… أهو… هعمل نفسي عيانة…


بدأت تضع بعض الحمرة على وجهها، حتى بدا محمرًا كالمحموم:

– أهو شكلي عيان… هقوله سخونة…


وضعت يدها على رأسها، تكلمت مع نفسها بخبث الطفلة:

– هقوله سخونة مكتومة… آه، هيصدق… هو طيب… وإن شاء الله هينام مؤدب…


خرجت وهي تفرك عينيها، فاقترب منها براء، يلمح وجهها الأحمر، يهتف بقلق:

– مالك يا جلبي؟


ابتلعت ريقها بصعوبة، وتمتمت:

– هاه… مفيش… أنا تعبانة قوي… وحاسة إني سخنة…


قطب جبينه بقلق صادق:

– إيه ده… ليه ما كنتيش كويسة؟


أسرعت ترد عليه:

– لا… الدنيا كانت حر… والفندق مكيّف… تقريبا خدت برد… ننام بقه، أنا تعبانة قوي… تصبح على خير…


هرولت نحو الفراش، غطّت جسدها بالكامل، واستدار براء بدهشة:

– هو فيه إيه؟


اقترب منها ببطء، جلس بجوارها، ووضع يده على رأسها بحنان، ثم قال:

– طب مانتيش سخنة… أمال حاسة بإيه؟ أجيبلك دكتور؟


قفزت فجأة، تهتف في خوف:

– لا لا… مش عايزة!


قطب براء جبينه واقترب منها، فهتفت مسرعة وهي تتدثر بالغطاء:

– أنا هتغطي بس… وأنا أربع خمس أيام كده وأبقى كويسة… ماشي يا بروئتي… هنام أربع أيام… تصبح على خير…


غطت نفسها بالكامل، وظل براء ينظر إليها مذهولًا، حاجباه مقطبان، يحدث نفسه:

– هتنام أربع أيام إزاي؟ أمال أنا هتجوز مين؟ هي عبيطة ولا إيه؟


اقترب منها ومد يده يكشف الغطاء، فصرخت فجأة:

– عيانه بقلك الله… أوعي!


ابتسم وضحك بخفة، فنظرت إليه بغضب وعيونها تلمع:

– إيه… بقلك عيانه!


رفع حاجبيه مازحًا:

– طب جومي نروح الحكيم…


قام ليأخذها معه، فشدته من يده وهي متلحفة بالغطاء:

– لا… نام… نام… أنا لما بعيى بنام أربع أيام…


نظر إليها بخبث طفولي:

– لا والله… كنك بتنامي أربع أيام؟


همست بخوف مصطنع وهي تشير إلى وجهها:

– آه… شوف وشي أحمر إزاي…


اقترب منها ومسح وجهها بيده، فاحمرت يده فجأة، فنظرت إلى يديه واتسعت عيناها:

– إيه ده… جلدي بيطلع حمار… سبحان الله!


ضحك براء بصوت مرتفع:

– لا والله بيطلع حمار بجد!


اقترب منها أكثر فانتفضت هي من الفراش كالطفلة:

– براء… إيه… بتبصلي كده ليه… بقلك عيانه!


ابتسم ونظر إليها بعينين يملؤهما الشوق، فهتفت بتوتر:

– لا لا… ما تبصش كده… العينين بيناموا… ماشي!


قام واتجه نحوها، وهي تبتعد متراجعة:

– بروئتي بطل… بقلك عيانه!


اندفعت هاربة منه، فانطلق ورائها وهما يضحكان، لتجري وتصرخ وتدور حول المنضدة:

– إيه… عايز إيه؟ انت روح نام… أنا عيانه!


هتف بمرح، ابتسامته تتسع:

– لاه… مانا هتجوز يعني هتجوز!


هتفت هي بصوت عالٍ، تحاول أن تبدو حازمة:

– براء… عيب بقه… احترم نفسك… أنا… أنا… عيانه… وبطني وظهري وكلّي بيوجعني!


استدار براء نحوها وهي تصرخ، فهتف بصوتٍ مبحوح من الشوق والغضب الجميل:

– إنتِ فاكراني أهبل يا جلبي؟ تعالي بالذوق… أنا مستني اليوم ده لما طلع روحي…


هتفت برجاءٍ طفولي وهي تتراجع للخلف:

– طب… طب بص… أنا هنام النهارده وبكره… ونتجوز بعد بعد بكره… نكون نمنا براحتنا واستريحنا…


دار حول المنضدة بعينين تقدحان عشقًا، فصرخت:

– طب بس… النهارده… النهارده بس ما تبقاش غلس…


ابتسم بخبث عاشق وصعد على المنضدة، فشهقت وهرولت نحو الفراش، تقفز عليه وتغطي نفسها، لكنه مد يده يمسك قدمها ويشدها إليه، فضحكت تصرخ بخوفٍ شقيّ:

– حبيبي بطل… أنا خايفة…


تنهد براء وهو يقترب منها بحب، عينيه تلمعان بنور الشوق، أركن عليها وابتسم:

– خايفة من إيه؟ دانا هاخد حبيبي برواقة… يسيبلي بس نفسه وهيلين لوحده…


همست بارتباك، أنفاسها تتلاحق:

– بطل بقه… أنا… أنا…


كان يداعبها بيدين ترتجفان من العشق، يهمس كأنه يغني:

– إنتِ إيه يا جلبي… بطّلي… دانتِ بتسيحي في ثانية…


تلمسها برقةٍ لم تعرفها من قبل، وهمس بالقرب من أذنها:

– جلبي… خليكي معايا شوية… إنتِ بتروحي في ثانية… أنا عايز أحب في حبيبي وبس…


همست هيامًا، وصوتها يذوب كالندى:

– هاه… تحب مين؟


هتف براء وقلبه يدق بعشقٍ لم يعشه من قبل:

– أحب الجمر اللي ساح لوحده… أنا لسه ما عملتش حاجة… بس حالًا هعمل… وحبيبي هيمان وجمر أكده هنا…


صمتت هي، واستسلمت لأنفاسه، فحاوطها بحبٍ وكأنه يغزل حولها ثوبًا من الأمان. كان قد أصبح في عالمٍ بمفرده، عالم يصبّ فيه عشقه عليها، يجعلها ملكًا له وروحه له. وفي تلك اللحظة تحولت شجن البراء إلى قلبه وقالبها وروحها… له وحده.

احتضنها بقوة، يسكب دفء قلبه عليها، وكأنه يحاول أن يذيب كل مسافة بينهما، لا يبقى سوى همس العشق وأنفاس العاشقين.


وفي تلك الليلة، لم يكن هناك فراش ولا جدران… كان عالمهما وحده، مرسومًا من شوقٍ صادق، وتسابيح عشقٍ لا يعرف حدود. أصبحت شجن بين يديه ليست مجرد حبيبة، بل قدرًا مكتوبًا، وملاذًا يسكن فيه قلبه للأبد.


دخلت مهره إلى حجرتها تتنفس في هدوء، تغيّر ملابسها بطمأنينة العروس، بينما كان أسمر في الركن الآخر يستبدل ثيابه أيضًا. ارتدت أسدالها الأبيض، واقترب هو منها بوقار، وقبّل يدها قبل أن يشبكا أصابعهما ويشرعا في الصلاة، كأنهما يكتبان عقدًا بينهما أمام الله.


وما إن انتهيا حتى وضع أسمر يده العريضة على رأسها، صوته ينخفض في دعاء حميمي، يشبه المطر، يسقي قلبها ويغسل ما بقي من خوف. ولما أنهى دعاءه، جذبها إليه في حضن طويل، حضن رجل وجد وطنه، وهمس في أذنها بنبرة مليئة بالامتنان:

– حاسس إنّي ملكت الدنيا كلها دلوقتِ يا مهره.


كانت تنظر إليه بعشق يفيض من عينيها، فخورة بأن لها زوجًا كهذا الرجل. اقترب منها أكثر وأزاح أسدالها برفق، فخجلت وأطرقت برأسها. أمسك يدها وقبّلها، ثم مرر أصابعه على أثر الحرق في جسدها، وقال وهو يشد على يدها:

– ده ماعايزهوش يظهر تاني في حياتنا.


ابتسمت بحب وهمست:

– ماعتش فاكراه أصلا.


ضحك هو بهدوء:

– بس أني فاكر.


قطبت جبينها بدهشة، فأمسك يدها ووضع إصبعها على رقبته، يمررها ببطء، فتذكرت ذلك اليوم الذي توعدته فيه، فضحكت من قلبها. قال بأسلوبه الساخر:

– يا دهوتي يا أنا… كان وحش بس على مين، جبته من جلبه جلب جطه.


ابتسمت بحب، واقتربت منه أكثر وهمست:

– وعايزه أبقى قطتك على طول يا اسمري.


تنهد ونظر في عينيها نظرة رجل يرى في المرأة مرآة نفسه:

– عارفة يا مهره… إحنا ماكانش ينفع غير نبقى لبعض. إحنا اللي اتنين زي بعض… قوه وتحمل وشخصية وهيبة.


قالت مبتسمة:

– بس انت صعب يا اسمري… لما بتقوم بتبقى بوتجاز.


ضحك من قلبه:

– صوح والله… سنين وأنا شارد وطايح. كان لازم أجوي بعد ما مات أبويه. عمي كان صعب وكنت بخاف منه على جدي. كان لازمن أبقى جوي عشان يخاف ويرتدع، لو كنت سيبته كان خلص علينا نفر نفر. بس تعبت… كنت بخاف يغدر بينا فكان لازمن أبقى جوي. وآهه جيت لحدك وجلبت… ما بقدر أجف جدامك. كل أمنيتي إنّي أراضيك وبس. أكسبك وبس. أنتِ اللي يكسبك نعمة تعلي منه وتكبري.


اقتربت منه مهره، حاوطته بذراعيها في حنان وهمست بصدق:

– يعني مش هيجي يوم وتتكبر عليّ وتقلب عليّ لو زعلتك؟ ما تقولها ليش في يوم “هحطّك تحت”؟

رفع أسمر يده ووضعها على شفتيها، صوته منخفض لكنه يفيض قوة وحنان:

– اصحك تجوليها يا مهره… مين دي؟ ده إنتِ تتحطي جوّا نن عيوني. إنتِ مهره… اللي كل اللي يديها تجيب له خير وترمح بيه بعيد.


ثم رفع يده ووضعها على خدها بحنان، وعينيه يلمع فيهما الصدق:

– لا يا مهره… إنتِ فوق على راسي… ما أظلمش اللي ربنا رزقني بيه.


نظر إليها مليًا ثم تمتم وهو مشدود لعينيها:

– أنا أجدر بس أنطج أبص لعينيك دي… وإنتِ بتبصّيلي والله ما أتحمل… هيبتي راحت في الأرض منك.


تنهدت مهره واستدارت وهمست:

– بلاش يا أسمر…


شدها أسمر إليه، صوته يختلط بالشوق:

– راحة فين إنتِ؟ وإيه اللي بلاش؟ ده أنا أرمي هيبتي تحت رجلك. الهيبة بالحب والجلب العاشق. لما يبقى جلبي بيدج وفرحان… عندي بالدنيا.


دمعت عيناها من الكلمة، وقالت وهي تلتصق به:

– وأنا ولا يوم والله… ولا يوم أقل منك ولا من هيبتك… أسمر أبو الدهب… أسمر حبيبي وبس… روحي أنا… بس بتاع مهره وبس.


ضمّها بقوة وكأنه يحتضن حلم عمره، وهمس:

– نفسي أعمل عزوة كبيرة… أدجب عيال كتير… بس خابر مش هترضي… نفسي أعمل نسب منك كتير.


رفعت وجهها إليه بنظرة حب صافية:

– مين قالك إني مش هرضى؟ ده أنا عايزة عيلة كبيرة تحب بعضها… إخوات يحسوا ببعض… وأنا وإنتِ نعشش عليهم. عايزة ولادي وولاد إخواتي قلب واحد. اللي يقول آه… التاني يحس بيه. نفسي في عيلة يا أسمر بتحب… نفسي أشوف الحب في عيون الكل. أنا محرومة حب… نفسي وما يبقاش بينا ديب يموت قلب الكل.


أمسك وجهها بيديه، عيونه تلتمع كأنه يشوف العالم فيها، وقال هامسًا:

– مهرتي…


تنهدت وقالت وهي تنظر إليه:

– إيه؟


اقترب منها أكثر وهمس برقة:

– غمّضي عيونك.


أغمضت عينيها بلا تردد، فاقترب ووضع شفتيه على عينيها، همسه أصبح يشبه أغنية:

– حاسس بيهم بيطلع نار… يلهب الجلب. عيونك دي تنعشج من العشق اللي بيطلع منها. عيونك دي تاخد جلبي… وخدته. خضار الزرع اللي مالوش زي… خضار خير خطف جلبي يا جلب أسمر.


كانت مغمضة، لا تريد أن تفتح عيونها، تحس به وبأنفاسه ولمساته تصب عليها مشاعر الهبتها. همس لها:

– فتحي عيونك.


هزّت رأسها بخجل وعشق:

– أنا عايشة في حلم… حلمته من سنين. حلمت بيك. على فكرة كنت شايفه عيونك في المنام… عيون الأسمر كانت بتدوبني… كنت بحارب روحي. بس دلوقتي لا… دلوقتي عايشة أحلى حلم.


فتح أسمر كفّه ووضعه على قلبها، وكأنهما في نفس اللحظة أقسما أن هذا الحلم هيبقى بيت وعمر ودفء.


قبّل الأسمر عيون مهره وهمس، صوته عميق كأنه بيكتب سطر جديد في القدر:

– مش حلم يا عمر الأسمر… عيون الأسمر كلها عشق ليكي. عيون الأسمر هتعيّشك الدنيا اللي اتمنتيها.


فتحت مهره عينيها ببطء، شدّها إليه حتى التصقت بصدره، همس وهو ينظر إليها وكأنه يشوفها للمرة الأولى:

– شايفة إيه؟


رفعت يدها تتلمّس جانب وجهه، قبّل يدها بسرعة قبل ما تنزل دمعتها، فهمست بصوت بيرتعش من الفرح:

– شايفة اللي حلمت بيه… مش مصدقة أنا هعيش كل ده. هفرح أخيرًا. شايفة في عيونك حب بيدخل قلبي…


مسكت يده، وضعتها على قلبها وقالت وهي بتبتسم بين دموعها:

– شوف… بيدق إزاي.


اقترب أسمر مسرعًا، مسح دمعتها وقبّلها برقة، وهمس:

– عيونك دي ما تنزليش منها دمع طول ما أنا عايش. عيونك دي جلب الأسمر. فرحها يفرح جلبه، وزعلها ياخد جلبه. سامحيني وجعتك كتير بس ماكتش استاهل إنت إللي يستاهلك لازمن يطول النجوم. 

عارفه شوفتك ع النيل خطفت جلبي ولما عرفت الحجيج كنت بموت جوايا هموت عليكي بس كنت متكبر إزاي ترضيني إزاي مش عايزاني وأنا هتجنن عليكي. كنت غبي ومش فاهم.. كل تصرف منك كان بيقول افهم افهم إني عايزاك راجل بس للأسف ماكنتش. 

حاوطته بيدها.. انت احلي راجل شفته بحياتي مالي عيني وقلبي. 

حاوط خصرها ورفعها قليلا.. وانت النفس والله النفس نفسي ادخلك جوات جلبي ماحد يوعالك عايزك ملكه جوات جلبي. 


همست مهره بعشق وخجل:

– أنا مش قد الدلع ده… هتمرع كده وانت حر.


ضحك هو بخفة وقال مشاكسًا:

– لا… دلع إيه؟ ده أنا لسه يسخن.


ضحكت وحاوطته بذراعيها:

– إيه… لا يا أخويا أنا عايزة أدلع.


ثم بدأت تغني بصوتها الناعم:

– عاملني بطيبة وإحساس… تدلعني قدام الناس.


فحملها الأسمر فجأة فشهقت هي، فضحك وقال وهو بيقترب منها:

– لا… ناس إيه؟ أنا دلوك هدلع جوا لما هفطس حبيبي وبعدين نشوف حكاية الناس دي.


لتضحك هي تحاوطه وأنا كلي ليك يا مالك قلبي.. ظل ينظر اليها بعشق واتجه بها لفراشهم ووضعها بلين وركن جنبها وظل يداعب وجهها بلمساته الحانيه اقترب وهمس لها.. عهد عليا لتكوني ليا حبيبه العمر كله لا يوم اتجبر ولا أكبر.. اقتربت وقبلت خده وهمست.. انت بقيت قمر والله أنا كده هتجنن عليك. 

اشتعل داخله وتحولت نظراته لرغبه عارمه وهمس بصوت احش مبحوح.. لاه اني اكده هبهدلك ربنا معاكي وانحني عليها يأخذها إلى عالمه ويصب عليها عشقه الذي وعد به. وعد الأسمر ليسعد المهره ويكتب معها بداية جديدة.


وفي أرض ابو الدهب … كان نديم قد رفض أن يحجز في الفندق وذهب بوجد إلى بيت أبو الدهب. حملها بين ذراعيه، ودخل بها سعيدًا وهي تشعر أنها ملكت الدنيا. أنزلها بهدوء، نظرت إليه بعشق وهمست:

– إيه يا دومي؟ ليه ما قعدناش معاهم؟


تنهد هو، وعينيه فيها غيم من الماضي وهمس:

– عشان عايز أبتدي حكايتنا هنا… في أرض أبو الدهب. بداية وجعي كانت هنا… بداية موتي كانت هنا… بس ربنا حنين ونفخ فيَّ الروح من تاني. عايز أبتدي حياتي هنا. عشقي ليكي بيحييني هنا ويمسح أي وجع.


اقترب منها أكثر، كأنه يسند نفسه على حبها وقال:

– أنا وإنت مش أي حد. أنا وإنتِ قصة وجع وعشق. أنا اتوجعت من هنا وشردت… وإنتِ اتوجعتي برضه بس من هنا… ومني أنا. بس اللي رجعني حبك. اللي رجعني إنتِ يا وجد… وجد بنت جابر.


رفعت هي يدها على صدره وقالت بصوتها الرقيق، لكن مليان قوة:

– وأنا مش هسيبك تاني. هنا وجعك وهنا ميلادك… وهنا هيكون بيتنا.


أغمض نديم عينيه للحظة، وكأنه بيلمس الحلم اللي عاش سنين يدور عليه، ثم فتحهم وقال بصوت فيه رجفة وعد:

– وهنا هنعمل من الوجع بيت، ومن الدموع فرح، ومن الغربة وطن. إنتِ حياتي يا وجد.


تنهدت وجد وهي تحس بدقات قلبها تسبق الكلام، وهمست في أذنه بصوتٍ يرتعش من الامتنان:

– انت حاجة تانية يا نديم… انت جواك قلب كبير. أنا فخورة إني حبيبتك. ماحدش كان ممكن يتخيل إنك تعمل كل ده… وتسامح أبويا… وكمان تحضنه.


ابتسم نديم بعينين يلمع فيهما الصدق، ومد يده على شعرها بحنان وهمس:

– عشان البيت… واللي الحب بيدخل قلبه بيدوب أي غل. مافيش حد بيحب وفي قلبه شر حقيقي. أنا لحظة فراقك عني… سحبتلي روحي من جوا. عرفت إنّي ماقدرش أتنفس من غيرك. حتى وأنا عايز أطيح في الكل… حبك حجّمني ورجعني.


التفت نحوها، وصوته ينخفض كأنه يكتب عهدًا جديدًا:

– وهاه زي مانت شايفة… الكل راضي وفرحان. عيلة أبو الدهب اتحاكي عنهم. ولاد العم بقوا سند لبعض دايما. لا عاد فيه ديب ولا شر. يا وجد… هفضل أقول إنك بنت عمي قبل ما أقول إنك مراتي وحبيبتي. عشان يعرف الكل إن نديم حب بنت عمه… بنت جابر. لو كانو قالولي ده هيحصل كنت هقول العالم دي مخبولة. بس الحب لما بيسكن القلوب بيغير… وانتِ حبك سكن قلبي يا وجد.


انهمرت دموعها من غير ما تحس، فاحتضنته وقالت بصوتٍ مبحوح:

– نديم… أنا بحبك قوي. فرحانة قوي إن أخيرًا هحب وأفرح. أميري جالي… قرب مني… وباسني ورجع فيَّ الروح.


نظر إليها بعشقٍ دافئ وضحك بخفة:

– بس أنا لسه ما بوستش.


ضحكت هي أيضًا ودفنت وجهها في صدره:

– يا واد… أنا بقول إيه وأنت بتقول إيه.


بدأ يلمسها بحنانٍ كأنه يكتب حبّه بأنامله، وهمس بصوتٍ متقطع:

– بحبك… وعايزك… أعمل إيه؟


تنهدت وطرقت رأسها في خجل، لمحت نظرة الحزن في عينيه فرفع وجهها براحتيه وقال بصوتٍ حقيقي:

– لا يا وجد… أول مرة دي كانت عشق برضه. أوعي تفتكري إن اللي حصل بينّا كان غدر وبس… أو كان قرب والسلام. يمين الله أبداً. كنت ساعتها نديم ووجد… نسيت الدنيا. ماقربتش منك يومها عشان أكسرك أو أعلم على أبوكِ. أنا قربت لأني كنت هموت لو ما بقيتيش ليا.


توقّف للحظة، وابتلع ريقه ثم أكمل:

– كنت عارف إنّي بإعلاني مين أنا… انتِ هتبعدي. بس قلت لا… حبيبي بتاعي وهيفضل بتاعي. لما راسلتيني كنت بنهار وبموت. كنت ناوي أروح لأبوكِ بس ماقدرت. بعِتلك إنك مراتي… ماقدرتش أسكت. حبك كان بيمزّع قلبي. أوعي تفكري إن اليوم ده كان يوم الغدر… لا والله. أنا يوميها أول مرة أبكي من بعد ضرب أبوكِ ليا… بكيت وجعك. كنت موجوع قوي… كنت بتقطع. أنا ما بكيت على أبويا وأمي يا وجد… من غِل قلبي…


مسك وجهها بحنان، ودمعة لامعة في عينه، وهمس:

– حقك عليا يا عمري… عملت كتير فيكِ وانتِ بريئة. بس عمري ما نسيتك. تعالي تاني… عشان أحبك كتير. فاكرة؟ فاكرة لما بوستِ خدّي وقلتيلي: ارجع خدني… هما وحشين. في عز أزمتي وقهري كنت أفتكرك. أفتكر براءتك وأسأل: يا ترى هي شكلها إيه؟ يا ترى لسه بريئة… ولا بقت زيهم؟ وردتك البيضا عمرها ما فارقتني يا وجد…


رفعت وجد يدها ومسحت على جبينه، وقالت بصوتٍ دافئ يرد عليه:

– وردتي البيضا كانت مستنياك يا نديم… كنت بقاوم عشان اليوم ده.


ابتسم وهو يقرّبها منه، وكأنه أخيرًا بيضع ماضيه كله بين يديها، ثم همس لها في أذنها:

– خلاص… الليلة دي بداية جديدة لينا.


همست بحب وهي تكاد لا تصدّق اللحظة:

– بجد يا نديم…


نظر إليها وهمس بصوتٍ هادئٍ مليءٍ بالعشق:

– تعالي…


أخرج علبة صغيرة من القطيفة وفتحها، فشهقت وجد دهشة. بداخل العلبة قلب زجاجي شفاف، بداخله وردة بيضاء صغيرة، ناصعة، كأنها تسكن النور. وأسفلها كلمات محفورة بماء الذهب: “حكاية عشق”.


ارتجفت أصابعها وهي تلمس الزجاج، وقالت بصوتٍ مخنوق بالدموع:

– نديم… إيه ده؟


اقترب منها أكثر، وصوته يتحول إلى حكاية:

– حكايتنا يا قلبي… حكاية وردة بيضا دخلت القلوب. حكاية عشق وجد ونديم. حكاية الأميرة اللي اتوجعت بالسم والغدر… وجاها الحبيب واداها قلبه ورماه تحت رجليها. حكاية وجد… أميرة القلوب اللي ملمستش على قلب نديم بس، دي طفت نار الغل جواه. حكاية عشق ولاد العم… من ديب مالوش قلب لعاشق ولهان.


ظلّت تنظر إليه والدموع تنساب على وجنتيها، فاقترب منها، أدارها برفق، وعلّق السلسلة في عنقها. بقى واقفًا أمامها ينظر إليها بعشقٍ حقيقي. اندفعت وجد نحو حضنه، فحملها واحتواها بين ذراعيه، حتى شعرت أنّ العالم كله انكمش في صدره. همست في أذنه:

– بعشقك… وهفضل أعشقك. نديم ابن عمي… نديم روحي وقلبي.


ابتسم وهو يشدها إليه أكثر وقال بحنان:

– وفوق العشق ده… يمين اتحاسب عليه… إنّي عمري ما هجيب سيرة أبوكي بسوء. وفوق ده كلّه بدعي ربنا يحط حبه جوا قلبي عشانك وعشان ولادنا. بدعي يبقى مكان أبويا وكبيري عشانك وعشان ولادنا. بدعي لما اسم جابر يتقال قدامي، قلبي ينساب، عشان هو أبو حبيبي… والله يا حبيبي.


رفعت رأسها إليه والدموع لا تزال في عينيها، ثم اقتربت دون وعي، وقبّلته قبلة مرتجفة كأنها أوّل اعتراف حقيقي بالحب. ابتعدت بخجل وأطرقت رأسها، فابتسم نديم وهمس برقةٍ مشاغبة:

– إيه يا حبيبي… خجلان مني؟


همست وهي تخفي وجهها:

– بطل بقى… ما تكسفنيش… ماحسيتش بنفسي. عيب بقى.


ضحك نديم عاليًا، ضحكة دافئة كسرت كل الحواجز:

– هو كده عيب؟ لا يا قلب نديم… العيب مش كده. تعالي… وانا هوريكي العيب شكله إيه.


اندفع يلاعبها بيديه ويدغدغها حتى غلبتها الضحكة، وضحك هو معها. ثم اقترب حتى ذابت المسافات بينهما، وابتلعها بين ذراعيه. تلاشت الكلمات بين شفتيهما، وانتهى كل شيء إلى دفء عناقٍ طويل، لا صوت فيه إلا أنفاسهما المتشابكة، ولا شيء في الكون إلا قلبين أصبحا حكاية واحدة.

"لم  يمهلها، ابتلع حضورها كله في حضنٍ ضاع فيه الصمت والأنفاس." وركن الحبيب لقلب حبيبه وتاه نديم مع وجد.. نديم عامر ووجد جابر ولاد العم. هام نديم بحبيبه لفتره من الوقت لتنام هيا هانئه بين يديه ظل هو شاعرا براحه كبيره احس انه فرس انقطع نفسه من الجري  وارتاح اخيرا بعد ان اعطوه قطعه السكر ظل يراقب حبيبته ثم قبلها وقف نديم عند الشرفة، 

والريح تعانق وجهه، والسماء تمتد أمامه كبحرٍ لا نهاية له، والنجوم تتلألأ كأنها شهود على رحلته. هناك، في الأفق، انبسطت أرض أبو الدهب، علي مرمي البصر أرض الحكايات القديمة، أرض الدم والدموع، أرض العهد والخذلان.

هنا، أحس نديم أنّ الله أنعم عليه بأثمن ما يُعطى لإنسان: نعمة العفو، نعمة الغفران، نعمة أن يُغسل القلب من غله ويُبعث من جديد.


تذكر أول مرة دخل فيها من باب عائلة أبو الدهب، يومها لم يكن إلا ذئبا جريحا، قلبه مشبع بالحقد، يحمل في عينيه بريق الثأر، وفي صدره جمرة تلتهم كل ما حولها. يومها رفع رأسه عاليا، وأشار إلى القصر الطويل وقال بصوتٍ أرعد السكون:

"هنا... هتكون وجفتي... هنا هآخد حجي... حج دم الغالي... جاي من دم الرخيص... جاااي كله... استنّوني يا عيلة أبو الدهب... استنّوا عودة الذئب... استنوا يوم الثأر... ثأر الذئاب. 


ضحك نديم الآن، ضحكة مرة ممتزجة بالدمع. كيف تبدل الحال؟ كيف كان قلبه حينها؟ وكيف صار اليوم؟ لقد أراد أن يكون ذئبًا، وأن يقيم عرشه على أنقاض الدماء، لكنه اكتشف أن الذئب الحقيقي لا يثأر لجوع النفس بل يحمي القطيع، لا ينهش بلا سبب بل يقاتل بشرف.


تذكر لحظة وقوفه أسفل القصر، عينيه يومها تحولت إلى عيون ذئب، لكن عيون الذئب يومها لم تكن تعرف الرحمة. اليوم؟ اليوم صارت تلك العيون مرايا للحب، مرايا لوجدٍ لم يعرفه من قبل.وقف نديم عند الشرفة، والليل يلف الأفق بردائه، والقمر يتسلل بين الغيوم كأنه شاهد على سرّ مكتوم. الريح تمرّ على وجهه تحمل عطر الأرض، عطر الذكريات، عطر الحكاية التي سالت دماؤها عبر أجيال. هناك، أرض أبو الدهب، تترامى أمام عينيه كمرآةٍ تعكس وجوه الماضي كلها: الغدر والخذلان، الوعد والدم، الحقد والثأر.


أغمض عينيه لحظة، فانساب داخله صوت خفي، كأنه صدى نفسه يكلّمه:


ــ "أتذكر يوم وقفت تحت هذا القصر؟ كنت ذئبًا عطِشًا للانتقام... وعدت نفسك أنك ستصعد، ستجلس هنا، لتأخذ ثأرك من دم الرخيص، وتُروى نيرانك بدماء الغالي. أين ذاك النديم؟"


فتح عينيه، نظر إلى النجوم، ثم همس وكأنه يرد على صوته:


ــ "ذاك النديم مات... مات يوم دخل الحب قلبي. لم يمت ذئبًا، لكنّه تغيّر... صار ذئبًا يعرف النُبل. الثأر أعمى، أما الحب فهو عينان جديدتان ترى بهما الدنيا."ولكن السؤال داخله لماذا كل هذا التسامح. 


ابتسم نديم ابتسامة باهتة، وألقى نظره إلى الداخل حيث وجد تنام مطمئنة، وغطاها الحلم برداء الأمان، وقال بصوتٍ مبحوح:


ــ "لأن من أحبّتني لا تستحق قلبًا ملوثًا بالحقد. لأن وجد هي النهر الذي غسلني من دموعي، هي اليد التي نزعت شوك العم من صدري. لأن الله علّمني أن القوة ليست أن تنهش، بل أن تحمي. ولأن الذئب الحق... ذئب شريف، لا ذئب غادر."


تأمل السماء ثانية، واستعاد صورًا متكسرة من ذاكرته: وقوفه أسفل القصر، عيناه يومها تحولت لعيون ذئب، شرسة، متحفزة، مليئة بالنار. والآن؟ صارت عيناه نفس العيون لكن يعلوها نور، مزيج بين شراسة الحامي ودفء العاشق.


لقد دخلت إلى قلبه نفس طاهرة، فأطفأت نيران البغضاء، وزرعت في داخله بستانا من الصفاء. 

وجد... تلك الجميلة، لم تكن مجرد امرأة أحبها، بل كانت هي اليد التي نزعت السهم المسموم من قلبه، هي النور الذي دلّه على أن الذئب يمكن أن يعشق، ويمكن أن يلين، ويمكن أن يحيا بكرامة دون أن يغرق في دماء الآخرين.


وقف وهو يستحضر كل تلك الحكايات... قصص أولاد العم، قصص العهد المكسور، قصص الغل الذي سار على رتم شيطان النفس. كل ذلك بدا له الآن كأنه غبار عابر في مهب الريح. لقد شاء الرحمن أن يقلب قلب الذئب، وأن يصبغ روحه بصبغة جديدة... صبغة العشق.


كان واقفًا كأنه على رأس قطيع، جسده يعلوه الوقار، وروحه تحيطها مهابة لا تُخطئها عين، وخلفه في الداخل حبيبته نائمة بسلام، كأنها أميرته المطمئنة في حصنٍ من الأمان. شعر أنه حارسها، أنه ذئب العشق الذي يحمي ولا ينهش، الذي يعِد بالخير لا بالدم.


قال في نفسه:

"انتهت عودة الذئاب القديمة... لم تعد ذئاب الثأر، بل ذئاب العشق. ذئاب خرجت من رحم الألم لتستقر على ضفاف الحب، تروي عطشها من نهر الأمان، وترتشف من معين الطمأنينة بعد طول صراع. ذئابٌ نُبلها فاق قسوتها، وكرامتها علت على شهوة الانتقام. وهنا... تكتمل الحكاية."


، وابتسم ابتسامة رجلٍ انتصر على نفسه قبل أن ينتصر على غيره. لم تعد "عودة الذئاب" كما وعد ذات يوم، بل أصبحت "راحة الذئاب"... عودة إلى القلب، إلى الطهر، إلى السكينة


 

رفع رأسه شامخًا وقال كأنه يعلن ميلادًا جديدًا:


" اليوم وُلدت ذئاب العشق... ذئاب تعرف معنى الأمان، معنى النُبل، ذئابٌ تحرس لا تفتك، تعطي لا تسلب. لم يعد الانتقام لغتي... لغتي اليوم هي الحب."


ضحك وهو يمسح دمعة علقت على خده، وقال يخاطب نفسه كأنه يخاطب الماضي كله:


 التفت إلى الداخل، نظر إلى محبوبته النائمة، كأنها قمرة صغيرة ترقد في مملكة أحلامها، فقال في سره:


"هي مملكتي، ... هنا وجدت حقي. لا بدم الرخيص، بل بدمعة فرح في عينيها. هنا بدأت عودة الذئاب الحقيقية، لا عودة للثأر... بل عودة للإنسان."

لقد نُقش اسمه في القصة لا كقاتل ولا كغاضب، بل كذئبٍ عاشق، ذئب عرف كيف ينزع الغِلّ من صدره ويُبقي النبل والشرف، ذئب ختم رحلته بالعشق.


وهكذا،، انتهت عودة الذئاب... لتبدأ عودة الإنسان. وقف نديم على الشرفة كأنه ملك على عرش غير مرئي، ملك ليس بالسيف، بل بالحب. كان ذئبًا... لكنه ذئب نبيل. ذئب ختم أسطورته لا بدماء، بل بعشق خالد وشهامه فارس .


دمتم سعداء.. ❤️❤️❤️ونودع الذئاب وقلبي فيه غصه لأنها ليها مكانه عندي كبيره.. 

تحياتي... ميفو السلطان



لمتابعة  الروايه  الجديده زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا



تعليقات

التنقل السريع