رواية لإجلها الفصل الثاني والاربعون 42الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية لإجلها الفصل الثاني والاربعون 42الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات
لأجلها
الفصل الثاني والأربعون
دوار يلف رأسها منذ ايام ولا يتوقف إلا قليلا، بالإصافة للوهن المستمر وكأنها لا تتغذى ولا تاكل اصلا، وربما هو كذلك فالشهية عندها تقارب المعدومة، وان جبرت على نفسها لا يظل الطعام بمعدتها
خرجت من المرحاض بعد ان أفرغت ما بطنها تستند بضعف على الجدران حتى اذا وصلت إلى التخت ارتمت عليه تسحب الغطاء لتريح رأسها وجسدها ، ثم غاصت فى نوم عميق، فلم تشعر بنفسها إلا بعد وقت لا تعلمه، حين عاد زوجها من الخارج بإزعاجه وندائه :
ـ دا وقت نوم يا منى؟ ارجع الاقي البيت فاضي من العيال وانتي غطسانة في اوضتك, مصيبة لا تكوني نايمة من الصبح كمان؟
بصعوبة شديدة اعتدلت بجذعها لتجلس بنصف نوم وقد عدلت من وضع الوسادة خلفها، تطالعه فقط بوجه عابس،. ليواصل زوجها حانقا وهو يخلع عنه ملابس العمل ليبدلها بأخرى مريحة:
- ساكتة يعني مبتروديش، يبقى زي ما توقعت، حكم الوضع دا بقالوا ايام يا ست منى.
زفرت تقلب عينيها بسأم قائلة:
ـ ما تقول عايز ايه يا منصور بدل الغاغة اللي انت عاملها؟ انا صاحية وراسي تقيلة.
التقط الاخيرة ليضيف عليها:
ـ تقيلة من كتر النوم يا حبيبتي، مش غاطسة في فرشتك من الصبح، حقك يا ستي، لا وراكي مدارس ولا امتحانات ولا قرف، انا بقى اللي طالع عين امي من الصبح, ولما اجي دلوك عشان اريح ولا اكلي لقمة تسد جوعي اكيد مهلاقيش، ما هي المدام من الصبح نايمة .
جلس في الاخيرة بعد أن ارتدى الجلباب على المقعد الوحيد داخل الغرفة، يصب غضبه في خلع الحذاء عن قدميه، يلقيه على الارض بعنف وضجر،
فتمتمت هي داخلها الاستغفار لتجبر نفسها على النهوض واعداد الغذاء له، بدلا من الجدال الذي لا طائل منه، بالإضافة ايضا أنها لا تملك القدرة على الحديث من الأساس.
ولكن وما ان حطت قدميها على الارض حتى اهتزت في وقفتها فكادت أن تقع لولا أن استندت بيدها الضعيفة على قائم السرير ، حتى اثارت هلع زوجها فنهض يضمها بين ذراعيه كي يعيدها إلى الفراش برفق مغمغما بندم وتساؤل؛
ـ لا اله الا الله، ايه الحكاية؟ ايه اللي جومك مدام تعبانة جوي كدة؟
رمقته من جانب عينيها بغيظ، وانتظرت حتى أراحها على التخت بحرص ثم انضم جوارها، يضمها اليه برعب يجتاحه، فخرج صوتها رغم التعب بنبرة لائمة:
ـ النوم والتعب غصب عني يا منصور، يا عني مش بتدلع ولا اتزفت، راسي تقيلة ومش فيا حيل للخدمة، ما صدقت البيت فضي بعد طلوعك على الشغل والعيال على بيت جدهم عشان انام، بس خلاص انا حاسة نفسي رايقة، هقوم اها....
ـ لا استني رايحة فين؟ مش عايز حاجة.
تفوه يضغط على كتفيها يمنعها من المحاولة، وبشيء من الندم صار يراضيها:
ـ دي هي لقمة مش مستاهلة يعني، اسخنها على البوتجاز ولا اكلها من الثلاجه, المهم انتي اطمن عليكي، مالك يا منى دي مش حالتك دي واصل، هو ايه تاعبك بالظبط في جسمك؟ عشان نشوف دكتور متخصص
تأوهت بين ذراعيه تصف له عما بها:
ـ دايخة على طول يا منصور مش عارفة ليه وجسمي همدان دايما
ـ عادي نشوف دكتور الباطنة يمكن ضغط ولا أنيميا سبب الهبوط.
خمن بها على ضوء ما وصفت له، لكن سرعان ما غير رأيه حين تابعت:
ـ كمان مفيش حاجة بتقعد في معدتي، وكل الوكل معايا ماسخ، طول الوقت عايز ارجع
تبسم رافعا حاجبه وكأنه وقع على اكتشاف مذهل:
ـ حلاوته ، لا احنا كدة نحول من باطنة لدكتورة النسا،.حكم الاعراض دي معروفة، اكيد.....
ـ اياك تقولها....
صاحت بها مقاطعة له, لتدفع ذراعيه عنها، وقد غرق في نوبة من الضحك يستفزها، لتردف بغضب:
ـ بطل ضحكك الماسخ ده يا منصور، والتلميح اللي انا فاهماه, عشان انت عارف زين جوي ان مركبة وسيلة، يعني يستحيل يحصل اللي في بالك
ـ وما يحصلش ليه اللي في بالي؟ بعيد عن ربنا مثلا؟
ـ لا مش بعيد عن ربنا، بس انا واخدة احتياطاتي عشان تعبت ما عادش فيا حيل لا للخلفة ولا لمرار العيال.
قالتها بما يشبه الرجاء، وكان الامر بيده، فاهتز كتفيه يخبرها ببساطه:
ـ براحتك، عايزة تصدقي ولا متصدقيش دا مش هيغير من الوافع لو فعلا حصل....
ـ بسسس
قاطعته بها للمرة الثانية، لتدفعه عائدا للضحك، حتى اشفق وحاول التوقف حين راى البؤس الذي ارتسم جليا على ملامحها، فسحبها يضمها على صدره يهدهدها، معبرا عن دهشته:
ـ وه وه، اهدي كده انت هتبكي ولا ايه؟ هو احنا لسه اتاكدنا اصلا؟ وحتى لو حصل برضو ما يستدعيش البكا
ـ'لاه يستدعي، ويستدعي قوي كمان، عشان انا من الاساس عمالة أكدب نفسي رغم الشك اللي جوايا، فتاجي إنت تاكدها في وشي!
تفوهت ببؤس وهو يكتم بصعوبه الأ يعود للضحك ثانية ، حتى لا يزيد عليها، فيراضيها كذبا:
ـ معلش يا حبيبتي ما تاخديش عليا، انا إش فهمني اصلا في امور الحريم، سيبك سيبك، بكره نكشف ونطمن ، واكيد هيكون تخميني كدب.
ـ والله انت اللي كداب يا منصور، بتقول كدة على اساس تاخذني على قد عقلي، انما جواك بتتمنى، انا عارفاك عشقك في الخلفة الكثيرة.
لم يملك القدرة على النكران هذه المرة، وقد زاد اتساع ابتسامته, لأنه بالفعل يعشق انجاب الاطفال الكثير منها، ولكن نزولا إلى رغبتها يضطر اسفا الى تقبل الواقع في رفضها وأخذ وسائل المنع، لكن ان صح الأمر وإصاب تخمينه، ما الذي يمنعه من الفرح لأراداة الله التي تغلب كل معوقات .
ـ يارب يكون مجرد برد في المعدة، وما يكون حمل ، ادعي معايا منصور
لكزته بخفة وراسها مازالت على صدره ، ليسمع منها ويردد بحماس:
ـ يارب يارب
ليكمل بتحريك الشفاه مستغلا أنها لا ترى وجهه:
ـ يارب حمل ، يارب توأم
...................
ـ في أعلى منزل والديها، امام برج الحمام العتيق، كانت تدور على اعشاش الطيور في ذلك الوقت بعد أن القت إليهم بالحبوب أرضا ليتجمعوا في تناولها
وتهتم هي بتنظيفها من الفضلات
وابنتها ليلى التي فك أسرها اخيرا كما تصف، بعد ان طمأنتتها الطبيبة لتسمح لها بالتنقل والخروج وبعض الحركة ولكن بحرص، فكانت أول زيارة لها اليوم الى منزل والدتها الجديد بعد الزواج، بدعوة من حمزة لها هي وزوجها معاذ لحضور مأدبة طعام الغداء .
كانت تضع الفرخ الصغير بحجرها تطعمه بفمها وتسقيه ايضا، وفي نفس الوقت لا تكف عن الحديث مع والدتها:
ـ رئيس الشركة اللي شغال فيها معاذ، اتصل بيه امبارح وقالوا مستنيك ترجع لشغلك معانا من تاني.
التفت اليها بتساؤل:
ـ وقالوا ايه؟
تبسمت ليلى تجيبها:
ـ قبل طبعا، بس اتفق معاه يستنى على ما يخلص حملي أن شاء الله ، والمدير وافق لاجل معزة عم حمزة عنده، يعتبرها إجازة من غير مرتب،
اومات مزيونة بشئ من الفخر:
ـ زين جوي، ان علاقات عمك حمزة نفعت وجابت فايدة.
ـ عمي حمزة كله فايدة يا امه، مش بس علاقاته
تبسمت مزيونة باتساع ثم التفت عنها تكمل ما تعمل به لتعقب على كلماتها:
ـ هو فعلا كله فوائد وزي العسل كمان، بس خسارة، جايمة عليه الجنونة اليومين دول، وقالب عليا من غير سبب، قال ايه؟ بيتهمني ان سبب تأخير الخلفة مني عشان مالياش رغبة، هي الخلقة كانت بالرغبة؟!
سمعت منها ليلى بلهجة عاتبة ردت:
ـ مزيونة يا حرة، انتي عارفة قصده زين جوي، لأن لو فعلا عندك رغبة، هتسعي وتحاولي عشان لو في سبب يتعالج من بدايتها، عمي حمزة عايز يحس انك مشتاقة للخلفة منه يا امه.
في الأخيرة كانت قد ارتخت ذراعي مزيونة عن فعل أي شيء لتتوقف، وتتنهد بثقل، وهي ومازالت تعطي ظهرها لابنتها التي تشعر معاناتها، كما تعلم جيدا عن حالتها القديمة والتي ربما مازالت تترك أثرا بها يسبب معوقات في الإنجاب، وهذا ما يجعلها ترفض الغوص فيه، حتى لا تعود إلى تلك الدائرة التي كانت تعاني فيها الأمرين، رغم أن الوقت قد تغير والزوج ايضا قد تغير، إلا أن اصعب عقدها القديمة لم تتمكن حتى الآن من تجاوزها.
ـ امه، هتفضلي كتير كدة مدياني ضهرك؟ طب ردي ع الكلام اللي بقوله.
خاطبتها بمرح لتجبرها على الالتفاف نحوها تجيب بمراوغة:
ـ هأقولك ايه يا بت؟ وانتي بتعملي زيه وبتجيبي اللوم عليا وبتمشي ورا كلام الجنان بتاعه، دا احنا لسة مكاملناش غير كام شهر وانا اصلا مباخدتش وسيلة تمنع، يعني لو ربنا رايد، هيحصل في يوم وليلة، اديكي انتي اها، خدتي كل الحرص انتي وجوزك، ومع ذلك برضك حصل وحبلتي...
ـ ومين قالك ان حبلي مكانش فيه إهمال ولا هو جه عن طريق غلطة هبلة مني؟
ـ قصدك ايه يا بت وضحي؟
سألتها مزيونة بتوجس، لتتوقف هي لحظات قبل ان تصارحها بما ظلت تكتمه لأشهر:
ـ انا عندي ظن أن هالة هي السبب
ـ يعني ايه يا بت؟ فسري
هدرت بها مزيونة بانفعال، لتجبرها على التحدث دون مماطلة .
................................
هبطت صفا من شقتها في الطابق الثاني، بناء على طلب ابنها الذي أخبرها بوجود سيدة غريبة داخل المنزل تطلب رؤيتها.
توقفت في منتصف طريقها إلى المدخل، تتأمل تلك المرأة التي تعرفت عليها من خلال ملابسها المتباينة إلى حد ما، رغم شيوعها تقريبًا بين نساء البلدة وما يجاورها من قرى. ومع ذلك، فإن الهوية المعروفة تتجلى في تلك اللمسات التي لا تصدر إلا من فئة واحدة!
إذن، تلك المرأة من نساء الغجر، بجمالها الفاتن، تتقارب مع تلك المواصفات التي سمعت عنها سابقًا... تسلل إلى قلبها شعور من التوجس، هل من الممكن أن تكون هي! تلك التي تشغل بالها منذ أيام، وتمنع عنها النوم لكثرة انشغال خاطرها بها."""
تحفزت في داخلها، فتقدمت حتى وصلت إليها، مرحبة بها بارتياب وتساؤل:ـ يا أهلاً ياااا... مين حضرتك؟
ابتسمت المرأة الجذابة التي كانت تقف مقابلها، تتفحصها من أعلى إلى أسفل بجرأة ووقاحة لا تتناسب مع وضعها كضيفة غير مرحب بها، لترد بعد لحظات زادت من استفزاز صفا، بابتسامة ناعمة واثقة، تفوح منها رائحة المكر:
ـ أنا نورا الغجرية يا ست صفا، سمعتي عني؟
ـ ووه، يخرب بيت أبوكي، وجيالي برجليكي لحد عندي؟
كان هذا الرد الفوري من صفا التي انتابها شعور من الذهول امتزج بالدهشة، ثم غضب اعتلى ملامحها تردف هادرة بها:
ـ انتي ايه اللي جايبك بيتي يا بت انتي؟ فاكراني نايمة على وداني، ولا مش عارفة بعمايلك ولفك على الرجالة المتجوزة عشان تخطفيهم من حريمهم.
شهقت نورة تدعي الإجفال تقول مشيرة بسبابتها على نفسها:
ـ انااااا؟ دا مين اللي بلغك الكلام ده وافترى عليا؟ لا يا ست صفا، انا قاعدة في مكاني مأدبة وربنا العالم بحالي، الرجالة اللي بيرمو بلاهم عليا، ايه ذنبي بقى؟
ـ يعني قصدك ان جوزي انا هو اللي رامي بلاه عليكي؟
سألتها بنبرة خطرة، فردت نورة ببساطة:
ـ لأ طبعا، سي عرفان دا مفيش ارجل منه، اتقدم لابويا رسمي وطلبني ابقى ضرتك في البيت الكبير ده، ما شاء الله، دي حاجة تشرح القلب
قالت الاخيرة وعيناها تدور في أرجاء المنزل، مستمتعة بالذهول الذي لون ملامح صفا وقد امتقعت بشرتها بحمرة قانية وتدلى فكها بشدة ، حتى خرج صوتها اخيرا لتصرخ بها:
ـ يا حلاكي يا جمالك وانتي جاية بقى تعايني البيت اللي هتسكني فيه، وضرتك الهبلة هتفرجك عليه، دا انا اخد روحك قبل ما يحصل
وكانت الأخيرة هي إشارة البدء، لتهجم قاصدة القضاء عليها، والعجيب كان تصرف نورا، التي لم تقاومها، بل اكتفت بحماية وجهها، بين ذراعيها وتركتها تضرب وهي تصرخ بصوت عالي قادر أن يصل لآخر البلدة ، حتى تجمع سريعا الجيران ليفكوا الاشتباك، ويخلصوها من بين يديها،
تشهق نورا من البكاء المفتعل، والحمقاء التي ابتلعت الطعم، تواصل صراخها ومقاومة البشر التي تحكم تقيدها:
ـ سيبوني عليها ، اقطع من جتتها نساير نساير, الملعونة بت الغجر اللي ماليها اصل.
ـ الله يسامحك بتغلطي فيا من غير ما امسك ولا اغلط فيكي، اشهدوا يا ناس عايزة تخلص عليا من غير سبب، اكمني غلبانة و مليش ضهر، ولا عشان غجرية وشغلتي اللف على البيوت، انا لو برقص أو بعمل الحرام كنت هحتاج ولا اللف من أساسه؟
ـ ليه اللمة دي؟ ايه اللي حاصل؟
قصف الصوت الجهوري يقتحم الجمع، يلفت الأبصار اليه حتى وصل إليهم يردف حين تفاجأ بتلك المحتجزة بين سيدتين, يسنداها حتى لا تقع، بهيئة مزرية تثير الشفقة وهي لا تكف عن البكاء ؛
ـ نورة! ايه جايبك هنا؟ وإيه اللي مشندلك كدة؟
لم ترد فانتقل بشرار عينيه نحو صفا التي أصابها الرعب وقد شعرت اخيرا بحجم خطأها وتلك الفضيحة اللمت بها حين أساءت التصرف مع تلك الحرباء التي تثير تعاطف جميع الحاضرين ، فما بالها بزوجها الذي كان يفوح منه الخطر، وفي الاصل لم يصفى لها بعد
ترى ماذا سيفعل بها الآن؟
.................................
ـ انتي متأكدة من كلامك دا يا بت؟
سألت مزيونة ابنتها بحالة من الغضب بعد أن قصت عليها شكوكها وظنونها، لتجيبها الآخرى:
ـ والله زي ما بقولك كدة يا امي، انا كنت في بداية جوازي ولسة معرفتهاش على حقيقتها، بقت تتقرب مني بالظبط بعد سفر معاذ، يوماتي تيجي تقعد معايا ساعة أو نص ساعة على الاقل، وانا كنت بفرح بلعب البنات الصغيرين ، وبعتبره وقت مستقطع من المذاكرة، بما اني لوحدي في الشقة، عرفت عني كل حاجة حتى ميعاد الحباية الساعة تسعة المسا، واتصال معاذ بعدها عشان يتأكد اني اخدتها
دي حاجة تعدي على اي واحدة زيي وشيء طبيعي اني أديها الامان لما اخد منها الحلو بعد ميعاد الحباية اللي كانت تتطلعلي فيه مخصوص وتجيبلي منه طبق عشان تدوقني.
فلما يحصل معايا اسهال أو ترجيع أصدق نصيحتها، انه اكيد برد ولا شيء اخر، واني لازم اشرب حاجة سخنة تدفي معدتي، وانا غافلانة اني مفعول الحبابة اللي اخذتها خلاص راح
للمرة الثانية تسألها والدتها وعقلها لا يستوعب التفكير الشيطاني:
ـ برضو مش قادرة استوعب يا ليلى، عشان الشيء دا لازم يحصل وفي أيام معينة على حسب خبرتي ، ويكون جوزك معاكي، مش مسافر زي ما احنا عارفين كان بيجي يومين بس في الاسبوع .
ـ بقولك كانت عارفة كل حاجة عني يا امي, يعني عارف الايام اللي كان يجي فيها والايام التانية اللي تقصديها, انا لولا أن حصل معايا الموضوع مرتين وفي حضورها والله ما كنت هشك فيها ابدا, يوم في الهوت شوكليت ويوم الميلك تشيك، تجيب كبايتين وتيجي بحجة انها تقعد معايا شويه نشرب الحاجة دي مع بعض وندردش
تخلق مشاكل وهمية بينها وبين اللي حواليها وتطلب مني حل ليها وانا المغفله كنت بصدق واقعد بالساعات افكر معاها فحلول لحاجة ملهاش وجود
انا متأكدة انها كانت بتحط فيهم ملين، وانا بغبائي وعقلي الصغير كنت ببلع الطعم
الست دي مش هينة يا امي، يعني حتى لو اتكلمت القصة محدش هيصدقها، بس انا سيبت حقي عند ربنا وسلمت ان الطفل اللي في بطني دا ممكن تكون هي السبب فيه لكنه في الاخر رزقي ونصيبي الحلو مع راجل ساب شغله وبقى متفرغ ليا ولرعايتي.
اومأت مزيونة تحرك رأسها باستيعاب، ثم رضا بمنطق ابنتها في شكر الخالق على عطيته مهما كانت الأسباب , لكن هذا لا ينفي خطورة تلك المرأة على من حولها، لقد فعلت ذلك بابنتها لمجرد الحقد منها فما بالها باعتماد التي ربما قد تصبح ضرتها في يوم من الايام، الله فقط المنجي من غدرها
............................
داخل غرفتها في تلك الشقة التي اصبحت مسكنها في منزل والديها، بأمر مباشر من والدها الذي أصبح يتجنبها ولا يطيق الحديث معها، حتى بعد أن علم بموقف خليفة في الارتباط بامرأة أخرى وهي على زمته لم يحرك ساكنا أو يتخذ موقفا ينصفها، بل العكس
وكأنه اتفق مع الاخر ان العيب منها وأنها هي السبب فيما الت إليها الأمور، اللعنة عليهم جميعا، لا احد يفهما او ينصفها، ليست سيئة بل قليلة الحظ، وهذا ليس من اليوم وفقط، بل منذ طفولتها، تذكر حين كانت تلميذة في الصف الثاني الاعدادي، كان يعجبها رائد الفصل، ذلك الولد المهذب المجتهد الذي يحصد اعجاب الجميع، دائما ما كان يعرض مساعدته عليها وعلى زميلتها المجاورة لها في المقعد ، وكأنت تظنه يميزها عن الجميع بفضل جمالها اللافت ، لكن صدمتها أتت بعد ذلك حين اكتشفت انه معجب بتلك الفتاة التي تجاورها والاقل منها في كل شئ جمالا ومالا واصلا
ومع ذلك فضلها عليها بل وانتظر حتى انتهت من الثانوية وتقدم لها رسمي ثم تزوجا الاثنان في عمر صغير دون التاسعة عشر ، تماما مثل ما فعل منصور مع منى الذي كان معلمها وانتظرها حتى انهت تعليمها المتوسط، ما الذي يميزهم عنها حتى لا تنال العشق مثلهم وهم اقل منها في كل شيء؟
لماذا حمزة فضل روان عليها؟
ثم تلك الجاهلة مزيونة
حتى زوجها الذي كان دائما يبادر في علاقته معها.، رغم الروتينية وقلة اللهفة إلا أنه كان جيد معها حتى ظهرت تلك الخبيثة لتقلبه عليها ثم ينبذها هي في الأخير ويتهمها أنها عينيها من حمزة،...... ، كذاب فهي تكرهه اشد الكره..... نعم تكرهه وتبغضه..... ومع ذلك كانت لا تشبع من النظر إليه.
ـ هاااالة
انتفضت تستفيق من شرودها على صرخة والدتها التي اقتحمت عليها غرفة النوم، تمسك إحدى بناتها الصغار تدفعها نحوها:
ـ بقالي ساعة عمالة انده عليكي من تحت، وانتي ولا سامعة، خدي البت دي وراعيلها، انا ولية صحتي على كدي مش حمل الفرهدة.
اعتدلت هالة جالسة عن التخت الذي كانت متسطحة عليه عليه ترد على قولها:
ـ وه وه, وليه التعب ولا الصراخ عليا، هي صغيرة ولا عمر ستين، دي سبع سنين ، يعني كله خمس ست سنين وتبقى بغلة كبيرة وعلى وش جواز
ـ اعوذ بالله من الفاظك
صاحت والدتها بضجر تنهاها، ثم اردفت بصوت بح من فرط الانفعال:
ـ اسمعي يا بت كبيرة ولا صغيرة تراعليها، بتك شقيه وبتقلد الولد في الزحلقة على ضربزين السلم، ناقصة يدها تفلت, تقع وتجيبلنا مصيبة، جاتكم الهم هتموتوني ناقصة عمر
بصقت كلماتها المرأة ثم ذهبت لتلتف هالة إلى ابنتها بوعيد تمسكها من رسغها
ـ بت يا منة، صح اللي بتقوله جدتك ده، والنعمة ادبحك لو كررتيها انا فيا اللي مكافيا مش ناقصاكي
على الفور هادنتها الصغيرة:
ـ مش هكررها تاني يا امه، عمري ما هكررها
.....................
حين خرجتا من المنزل القديم، كانت تصلهم أصوات الضحكات والمزاح من الثلاثة: معاذ الذي كان يتلاعب بابن شقيقه في لعب الكرة في تلك المنطقة الفاصلة بين المنزلين، وقد نمت فيها العديد من الأشجار التي قام حمزة بزراعتها بنفسه، لتبعث البهجة في قلب كل من يراها.
وفي هذالتيا الوقت، كان حمزة جالساً على المصطبة الطينية يتابع بمرح ولا يكف عن التعليق وتحفيز الصغير:
ـ "أيوة يا ريان، خذ الكرة، سجل هدف واغلبه يا واض."
ـ "من عيني يا أبويا!"
قالها ريان بتركيز متشتت مع عمه الذي لا يترك له فرصة للاستحواذ على اللعب، مستغلاً فرق العمر بينهما، الأمر الذي انتبهت له مزيونة، فتدخلت بحماية:
ـ " لكن انت كدة مش مديه فرصة يا معاذ، خليه ياخد مساحته وراعِ فرق الأجسام."
عارضها معاذ بمرح وقد بدأ ينطط الكرة على ركبتيه، مما زاد من حنقها في متابعة الصغير المتلهف على لمسها:
ـ "مش عارف يلعب مع الكبار يبقى خليه على الدكة أو المصطبة أحسن يتفرج وهو ساكت. بص يا ولد على الحِرفنة! وخلي أبوك يبص والمدام حقي، عشان تعرفي أنك متجوزة لعيب كبير"
ضحكت الأخيرة (ليلى) بفخر له، على عكس والدتها (مزيونة) التي ازدادت حنقاً من أنانيته، لتوجه الخطاب نحو زوجها:
ـ "هتفضل سايبه مُشحْطَط الولد كده كتير؟ قوم يا حمزة الله يخليك، خذ منه الكرة واديها لريان، أو رد له اللي بيعمله."
ناظرها حمزة بدهشة معقباً باعتراض نحو ليلى التي كانت تضحك:
ـ "أمك دي عقلها ضارب، قولي لها تعقل يا ليلى، ما عنديش غير مرارة واحدة يا حبيبتي، ناقص كمان ألعب معاهم."
سمعت منه مزيونة وتحفزت داخلها، لتأخذ الخطوة بنفسها:
ـ "طب أنت حر يا حمزة، أنا بقى عقلي صغير وهعملها."
وتقدمت بخطواتها تقترب من معاذ، ففاجأته بخطف الكرة من بين يديه لتلقيها إلى ريان:
ـ "خذ يا حبيبي، ولا تحتاج لحد منهم."
تطلع الثلاثة نحوها بذهول، ثم إلى الصغير الذي كانت الفرحة لا تسعه في الركض بالكرة، فتخصرت هي ناظرة إلى معاذ بتحدٍ، فضحك هو ضارباً كفاً بكف.
ـ "خلاص يا عم، بطلنا لعب، أنا أقدر اعترض أصلاً ولا أتكلم يا بوي!"
ليتجه بأنظاره نحو زوجته (ليلى) التي انضمت لدعم الاثنين بالتصفيق بكفيها:
ـ "أيوة يا مزيونة يا جامدة، خد راحتك يا ريان أنت في حمى الكبيرة."
حمزة الذي غمره الشعور بالانتشاء بما قامت به، سرعان ما تبخرت ابتسامته، وعادت إليه تلك الوساوس المزعجة، فقد وجدت مزيونة في طفله (ريان) السلوى تغنيها عن التفكير في إنجاب الأطفال منه.
.................... .
اعتادت أن تدير شؤونها بنفسها دون الاعتماد على أحد. وفي ذلك اليوم المشمس، أنهت تسوقها في سوق البلدة المكتظ، تحمل سلة مشتريات ثقيلة بين يديها. كانت تعلم أن المسافة إلى بيتها طويلة، وأن وزن السلة بدأ يؤذي ذراعها الذي بالكاد استعاد مرونته بعد التئام الكسر به، لكنها كانت مُصرة على إتمام مهمتها.
حتى ظهر هو من العدم، يتقدم نحوها بوجه يحمل نوعاً من العبوس، بعد أن رآها من بعيد وهي تتأوه بخفوت من ثقل الحمل، فسار بخطوات واثقة حتى اعترض طريقها بلطف، ماداً يده نحو السلة قائلاً بصوت حازم:
ـ "هاتي دي من يدك اشيلها."
فطالعته هي برهبة، عيناها تجول في الأجواء حولهما، خوفاً من نظرات البشر المتابعة:
ـ "أُعطيها لك إزاي يعني؟ طبعاً ما ينفعش، تفضل أنت شوف إيه اللي وراك، أنا هآخذ تاكسي."
لو تعلم بحجم ما يكتنفه من ضيق، ما كانت تحدثت ولا عارضته من الأساس. فلم يزده رفضها إلا إصراراً. فزفر مُعيداً عليها الطلب بنبرة لا تحتمل الجدال:
ـ "بلا تاكسي بلا بطيخ، هاتي السلة يا اعتماد، ولا عايزاني أُعلي صوتي ويوصل للناس اللي انتي خايفة منهم؟"
وتوقف فجأة يقترب هامساً لها:
ـ "نصف اللي في السوق هنا وصلهم خبر إنك خطيبتي، والباقي هيعرف لما نتعارك أنا وأنتِ لو عطلتيني أكثر من كدة."
ختم كلماته، وعلى حين غرة اختطف السلة منها، فلامست أصابعه الدافئة كفها لتبعث بها قشعريرة سرت كتيار كهربائي، أثارت بها اضطراباً عطلها عن مقاومته، حتى تفاجأت به يبتعد عنها بخطواته السريعة يجبرها على اتباعه إلى المكان الذي يضع به سيارته، والتي فتح حقيبتها الخلفية يضع بها السلة، فتوقفت ناظرة بذهول، حتى هدر بخفوت يحثها:
ـ "هتفضلي واقفة مكانك كتير؟ اخلصي يا اعتماد عشان أوصلك."
دقت قدمها على الأرض تقترب منه بتذمر:
ـ "توصّلني كيف يعني؟ مش ملاحظ إنك زوّدتها قوي، يا أستاذ خليفة!"
ظهرت أسنانه البيضاء أمامها حين تبسم بملء فمه، يردد معارضاً لها:
ـ "تاني برضه أستاذ! يا أبلة اعتماد قلنا ما ينفعش، لازم تاخدي عليا وتُناديني باسمي عشان يبقى الوضع طبيعي ما بينا. أنتِ تقولي يا خليفة وأنا أقولك يا اعتماد، فيها عيبة دي؟"
رمشت بعدم استيعاب، وكأنها امرأة أخرى، ليست تلك شخصيتها، كيف يجبرها بلطفه المبالغ فيه على اتباعه في شيء غير مقتنعة به، ويتجدد رفضها له حتى الآن؟
ـ "مش موضوع عيبة، بس الحكاية أنت عارف اللي فيها، أنا حاسة إن الأمر أكبر من طاقتي، إني أخدع الناس بشيء ما حصلش. دي مش قادرة أتقبلها. من رأيي نشوف أي طريقة ونحل المشكلة دي، يا ريت."
هذه المرة كانت الابتسامة تحمل دفئاً غير عادي، فهو يعلم جيداً بحجم معاناتها وما تعيشه من صراع داخلها. امرأة نقية ولا يجد مثيلاتها إلا قليلاً هذه الأيام.
ـ "حاضر... هنحل المشكلة قريب قوي إن شاء الله. ممكن بقى تدخلي عشان أوصلك، وبعدها نفكر هنعمل إيه يا اعتماد من غير أبلة."
ابتسامة بزغت على طرف فمها رغم ادعائها التحفظ، لتنصاع في الأخير وتنضم إلى جواره في السيارة مغادراً بها. ما دام فرض عليها أمر تمثيل خطبته لها، إذن فلتعِش اللحظة وتلك المشاعر التي تموج داخلها نحوه، فهي لم تختار .
............................
في طريقها نحو مسكنها في نصب الخيام أعلى المصرف، تمر وسط الحد الفاصل بين أفدنة الزراعات والجسر الرئيسي للبلدة، ذلك الشريط الطولي المصطف بأشجار النخيل وبعض الأشجار الأخرى، ثمارها ملك البلدة بأكملها، وإن كانت هي ليست من أفراد البلدة، إنما تأخذ حقها منها أيضاً.
وقد كانت في مزاج رائق بعد مشاجرتها والفوز على المرأة الحمقاء وزوجها الأحمق منها، بعد أن فتنت بينهما وكأنها ضربت عصفورين بحجر واحد. تألمها عظام جسدها قليلاً بعد ضرب تلك المتوحشة لها، ولكن لا ضير، هي اعتادت على ذلك، وقد تأكد لها شيء ما برأسها كان يشغلها منذ الأمس.
وحان الآن موعد نيل مكافأتها الآن، بملء جيوبها وكيسها البلاستيكي، بالعديد من الأنواع التي تعجبها وتنتقيها، حتى لو اضطرت لرشق النخلة التي يقع عليها الاختيار بالحجارة، غافلة عمن أتى من خلفها بشرر نيرانه، يباغتها على حين غرة مستغلاً اختلاء الأجواء من البشر حولهما في وقت الظهيرة، ليدفعها بعنف ويحجزها بين النخلة وبينه:
ـ وكمان عايشة الدور يا روح أمك... وبتاكلي من خيرنا بعد ما تسرقينا.
في البداية أجفلت نورا فزعاً جراء فعلته، لكن سرعان ما استكانت حين رأته أمامها، رغم غضبه العاصف، وأصابع يديه التي قبضت جيدها ككلابتين حديديتين تثبتانها، لتقابل ثورته ببرود متجاهلة ألمها:
ـ خلي بالك، يدك دي في المكان الغلط، أنت اللي هتضر نفسك لو ما شلتهاش حالاً. حضرتك مش حمل مكر بنات الغجر يا سي عطوة.
قالت الأخيرة بنبرة مستخفة ضاعفت من غضبه ليرفع كفه ضاغطاً على عنقها بعنف أكبر:
ـ أنا مش عايز أتعامل معاكي أصلاً، ولا عايز أبص في خلقتك حتى، اديني حاجتي يا بت اللي سرقتيها من المحفظة يا حرامية يا بت ال......
وختم بسبة نابية جعلتها تصدر من فمها صوت طقطقة ساخرة ثم تقول:
ـ ما بلاش شتيمة بالأمهات عشان ما عندش معاك وأخليك تطول السما ولا أرجعلك حاجتك، تبقى مؤدب هبقى مؤدبة، تعند معايا أنت الخسران.
لم يرد على الفور فاستغلت تشتته، لتباغته رافعة ركبتها، بضربة دقيقة بين ساقيه اضطرته لتركها على الفور يمسك على موضع الألم، مغمغماً بالمزيد من الألفاظ النابية والفاحشة أيضاً ويردف:
ـ الله يخرب بيت أبوكي يا بت ال...... وقحة وقليلة حياء من كله
تبسمت بمكر تتحرك من جانبه بثقة:
ـ قلت لك خليك مؤدب هبقى مؤدبة معاك، إنما قلة الأدب أنا أستاذة فيها يا غالي، استرجل كدة شوية واتحمل، منظرك هيبقى زبالة لو حد عدى وشافك.
زمجر بغضب شديد ليستقيم متحاملاً على وجعه، يقابلها في وقفتها صارخاً:
ـ اديني حاجتي يا نورا، بدل ما أبلغ عنكم عمدة البلد يطردكم من عندنا ومن البلاد اللي حوالينا، أنت ما جربتيش جناني لسة.
أعجبتها نبرة التحدي التي يتحدث بها، فتبسمت ترسم البراءة، وهي ترفع يدها إلى فتحة الجلباب في الأعلى عند الصدر لتلفت أبصاره إلى تلك المنطقة وهي تخرج مجموعة من الأوراق المالية، وعدد من بطاقات الصرف والمفتاح الذي سرقته بالأمس تقدمه إليه بسهولة جعلته يتناولها بعدم تصديق، فتقول:
ـ اهي يا سيدي حاجتك كلها، عشان تعرف إني مش حرامية، أنا أخذتهم بس نكاية فيك عشان تبطل تعايرني بأصلي ولا تقولي كلام قبيح، نحن كلنا ولاد تسعة على فكرة.
رمقها رافعاً حاجبه بتوجس، يبتلع ريقه بعد أن شتته للمرة الثانية، ثم وضع تركيزه في إحصاء الأشياء التي استردها منها، ليتدارك متذكراً اختفاء أهمهم، فرفع رأسه إليها قائلاً:
ـ الحاجات دي ناقصة، أنت جبتي الفلوس والبطاقات (الفيزا) اللي لطشتيها بس فاضل الأهم، أنا عايز الصورة اللي كانت فيها، هاتي الصورة يا بت.
ـ صورة إيه؟ صورك الشخصية أنا ما قربتش منها، سبتها في المحفظة.
سألته ببراءة لا تليق بها، لتستفزه يهدر بخشونة:
ـ بطلي لؤم يا نورا، الصورة الشخصية موجودة في المحفظة، أنا قصدي على الصورة اللي كانت في جانب لوحدها، اشمعنى هي اللي لطشتيها من الصور.
تظاهرت بدهشة مفتعلة تدعي التذكر:
ـ اااه... أنت قصدك على صورة البنت الحلوة اللي لابسة فستان فرح أبيض بموضة قديمة، وبجانبها واحد ضخم محاوطها بذراعيه.
أومأ برأسه بلهفة وانفعال:
ـ أيوه هي الصورة، هاتيها بقى.
تخصرت بعبث تطالبه:
ـ طب مش لما تقولي مين هي الحلوة دي؟ ولا عريسها ده إيه اللي يخليك تغتاظ منه لدرجة تمسح رأسه كلها بالحبر، مش بس وشه.
ـ أنتي مالك!
صرخ بها فاقداً الذرة الباقية من تماسكه، ليأمرها بحزم:
ـ طلعي الصورة يا بت ومترطيش معايا كتير، اخلصي.
لم تأبه ولم تهتز حتى، بل قابلت ثورته ببرود متناهي تتحداه:
ـ وإن عاندت وما عطيتكش الصورة هتعمل إيه؟ هتبلغ العمدة زي ما هددت من شوية؟ ولا تبلغ عرفان صاحب الصورة اللي ماسح وشه بالحبر؟
وغمزت بطرف عينيها في الأخيرة تربكه وتزيد من اضطرابه فينكر:
ـ وإيه دخل عرفان بالصورة أصلاً؟ أنت مخك ضارب يا بت أنت ولا عقلك مفوت؟
هزت كتفها بإغراء لا يناسب اللحظة، حتى تغطي على حنقها وغضبها الشديد منه، فتقول:
ـ لا مخي ضارب ولا عقلي مفوت، أنا بس ذكية وبفهمها وهي طايرة. صورة عرفان عرفتها من كف يده الكبيرة المحطوطة على دراع العروسة الحلوة، أصل مميزها الوشم والخاتم الفضي، معنجر من يومه المضروب، أما بقى عن البنية فدي اللي شغلت عقلي صح، لدرجة خلتني أروح لحد بيته مخصوص وأشوف المرة اللي متجوزها، بس يا خسارة، البومة اللي اتعاركت معاها من شوية، ما تجيش في نص حلاوة العروسة اللي في الصورة. يبقى كدة بالفهلوة تبقى مرته الأولى اللي حكى عنها قبل سابق. يا ترى يا بن الأصول، إيه اللي يخليك تشيل صورة مرة صاحبك وتحتفظ بيها في جانب مخصوص من محفظتك حتى بعد طلاقها منه إلا إذا كان......
ـ اخرسي يا بت، دي أشرف منك ومن عيلتك كلها...
قاطعها بحدة أزعجتها، حتى استفزها لتصيح به:
ـ ولما هي أشرف من عيلتي كلها، حاطط صورتها في المحفظة وجنب قلبك ليه؟
في الأخيرة كان عطوة قد فقد السيطرة على غضبه، ليقبض على عنقها مرة أخرى، ويفاجئها سريعاً بمطواة أخرجها من جيب جلبابه، يرفعها أمام عينيها بتهديد مباشر:
ـ هتديني الصورة ولا أغز المطواة في بطنك وأخلص عليكي؟ أنا مجرب السجن قبل سابق، يعني مش هتفرق معايا.
شعرت نورا في تلك اللحظة بالخطر من جانبه، لتقرر سريعاً مهادنته بلطف واستعطاف:
ـ والله ما معايا الصورة، امبارح المسا كنت بتفرج عليها قبل ما أنام وحطيتها تحت مخدتي، اديني فرصة أروح وأجيبها.
ـ ولو طلعتي بتماطلي؟
سألها بوعيد لترد عليه بمسكنة:
ـ وأنا إيه اللي هيخليني أماطل بس؟ دي مجرد صورة قديمة مش هستفيد منها أصلاً.
ـ وإيه اللي يخليني أصدق أنا كلامك، ما يمكن متشالة مع اللي طلعوا؟
قالها بفراسة وعيناه نزلت إلى أسفل جيدها وتلك المنطقة التي أخرجت منها النقود وباقي الأشياء، فتلوت هي بين يديه بإغواء وتمنع:
ـ يا لهوي يا سي عطوة أنت بتبص فين؟ ولا بتفكر تفتش بنفسك كمان ولا إيه؟، لا أنا شريفة وعمري ما أعمل العيب...
ـ يلعن......
مرة أخرى يسب ويلعن، ليحل قبضته ويبتعد عنها، تلك الحرباء التي تجره لارتكاب جريمة، ومن خلالها تستطيع التأثير به.
فبصق على الأرض متصنعاً الازدراء، ثم رفع رأسه إليها بأمر وصرامة:
ـ تروحي دلوقت وتجيبي لي الصورة حالاً....
تبسمت برضا، وقد رأت على ملامحه المشتدة ما أسعدها، رغم نكرانه وتمنعه، ليعيد إليها ثقتها في إمكانياتها، ثم ردت بنعومة:
ـ من عنيا يا سي عطوة، بس استأذنك خليها بكرة في نفس المكان هنا، حكم المشوار طويل، وعلى ما أرجع وأروح تاني هيكون الليل حط على الأرض.... ممكن يا سي عطوة؟
لوح بكفه بقرف دون أن يلتف إليها:
ـ غوري وما تنسيش تجيبيها بكرة.
زاد اتساع ابتسامتها وهي تغادر بطاقة عالية من المرح، أما عنه، فقد ازداد غضباً من نفسه، ليضرب إحدى الأحجار بقدمه، ثم التف يتابع ذهابها، ليغمغم في أثرها:
ـ طلعتي لي من أنهي مصيبة يا مصيبة.
....يتبع
تكملة الرواية بعد قليل
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا