رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام الفصل السادس والأربعون 46بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام الفصل السادس والأربعون 46بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات
#حكايات_mevo
#عودة_الذئاب... كانت مهره تجلسُ ساهمة، لا تحسُّ بشيء، وأسمر يكلمها... أحيانًا كانت تشعر به وبلمساته، فهو لا يُفارقها، لكنها رغم ذلك تُحسُّ أنه في الضباب، بعيد وقريب في آنٍ واحد. وبينما هو يُحادثها، شعرت فجأةً بقبضةٍ رهيبةٍ في قلبها، كأن يدًا خفيّة تعصر روحها، لترفع يدها وتمسك قلبها بقوّة، وتهمس بألمٍ متقطّع:
– شجن...
تجمّد أسمر في مكانه، كان يتحدث إليها فإذا بها تُنادي، فإذا بصوته يختنق ووجهه يتلوّن بالذهول... وما إن سمعها حتى انتفض كمن صُعق، وقام مسرعًا إليها، شدّها بذراعين مرتعشتين لتقف، لكنها انهارت بين أحضانه.
قال بلهفةٍ حارقة وعيونه تلمع بالدموع:
– مهره... مهرتي، روحي إنتِ... اتكلمتي! طلبي، إنتِ حاسّة باللي حواليكي يا عمري؟ مهره أنا مش مصدّج..
واندفع يقبّلها قُبُلات متفرقة، كأنّه يخشى أن تفلت منه للحظة، وهي تمسك قلبها المتألم بعجز، لا تفهم شيئًا سوى أن شيئًا موجعًا ينهش صدرها.
ابتعد قليلًا، وصوته متكسّر:
– جلبي... مالِك بيكي؟ إيه اللي حاسّة بيه؟ ماسكة جلبك ليه كده؟...
همست مهره بصوتٍ متقطّع، والدوار يثقل رأسها:
– شجن... موجوعة، أنا حاسّة بيها...
ثم صرخت بألمٍ مفاجئ، وسقطت بين يديه كزهرة انكسرت فجأةً في مهبّ الريح. ارتعب أسمر، فحملها بسرعةٍ جنونية، ووضعها على الفراش، يده ترتجف وهو يمسّد عليها في ذعر:
– حبيبي فوقي... شجن مالها؟! إنتِ بتقولي إيه يا مهره؟ ردّي عليّا...
أسرع على الفور، يلهث بشوقٍ ولهفةٍ، يستدعي الطبيب، حتى دخل مسرعًا وبدأ يفحصها بعناية، فيما أسمر يشرح له الأمر بقلبٍ مذعور، صوته يتقطع من القلق.
رفع الطبيب نظره إليه، صوته حاد كالسهم:
– أختها... حاولت الانتحار.
انخلع قلب أسمر، التفت نحو مهره والدمع يغالب عينيه، يهمس بصوتٍ مبحوح:
– حتى وإنتِ مش في الدنيا، حاسّة بيهم يا قلبي...
هتف الطبيب وهو يلتقط أنفاسه:
– كده... الحمد لله رجعت، بس يا ريت تراعوها، نفسيتها هشّة ولازم تكون جنبها.
غادر الطبيب، وبقي أسمر ملتصقًا بها، اقترب أكثر وأمسك يدها، رفعها إلى صدره كأنه يريد أن يخبّئها من كل العالم، ونظر إليها بعشقٍ غامر:
– نراعيها إيه؟... ده أنا هحطها في جلبي.
قفز أسمر على السرير بجنون، شدّها إلى صدره وكأنّه يستعيد روحه المفقودة، وصوته يتقطّع من الشوق:
– حبيبي... وحشني! أخيرًا هسمع صوتك، يرجع تاني ينور الدنيا...
قبلها بقوّة، ثم همس كطفلٍ مشتاق:
– قوم يا وحش، حبيبك مستنيك... يلبسك فستان وياخدك على حصانه. يمين الله آخدك وأرمح بيكي رمح! جوم يا واخد جلبي، كفاية عذاب كده... وحشني جمالك، وحشني كل حاجة فيكي...
وكان يقبّلها قُبُلات متفرقة، كمن أصابه جنون أو مسّ، حتى فتحت عينيها المثقلتين. هنا، ارتسمت ابتسامة عاشقة على وجهه، وانهمر عليها بقبُلاتٍ قوية، لا يكفّ عن ملامستها، وهو يردد بجنون:
– حبيبي... فتح عيونه! حبيبي فاق... وبيبصّلي!
لكنها تأوّهت بألم، وحاولت أن تبتعد. ارتعب، فكلبش فيها بجنون، شدّها إليه أكثر، صوته يرتعش:
– رايحة فين؟! وسيباني أنا؟ بُعاد؟! أهبعد سنتي يا جلبي؟...
فهمست بضعفٍ متكسّر، وهي تحاول دفعه:
– ابعِد...
هتف أسمر بقوّةٍ ومرحٍ طفولي، صوته يهزّ جدران الغرفة:
– أصوّت يا ولاد ولا أزغرد؟ ما بعرفش...! سمعت صوت حبيبي يا نااااس... يا ناس!
كان قلبها يخفق بعنف، وهي تراه منفعلاً، لا يكفّ عن تقبيلها، لا يترك لها فرصة لتبتعد أو حتى تتكلم. اندهشت من اندفاعه، ومن كلمات العشق التي تنساب من شفتيه، ومن قربه المهلك... فدفعتُه بعيدًا برهبة.
فتنهّد بأسى، وصوته يتهدّج:
– طب بتبعديني ليه؟! ليا شهور موجوع، حبيبي في دنيا تانية...
قطّبت جبينها، نظرت إليه باستغرابٍ حاد:
– شهور؟!
ابتسم وهو يمسك يدها بحبٍ مرتجف، عيونه لا تفارقها:
– مهره... إنتِ بقالك خمس شهور سارحة في ملكوت الله، ومش معانا... كنت هموت والله.
انتفضت برعبٍ، شهقتها تخترق الصمت:
– خمس شهور؟! خمس شهور إزاي؟! أخواتي...! أخواتي فيهم حاجة؟ أنا حسيت بوجع...
تنهد بغلبة، وأطرق برأسه، يهمس كمن يُعاتبها بحزن:
– مش عارف أجولِك إيه... إنتِ برضك ناسيه نفسك... وبتدوري على غيرك...
قامت مهره مسرعة، عيناها تقدحان بالهلع:
– أدور على إيه؟! انطُق! أخواتي فيهم إيه؟! شجن! ونديم! أنا حاسّة بيهم... أخويا موجوع!
اقترب منها، صوته يخفت برجاء، يمد يده ليمسك يدها المرتعشة ويجلسها برفق:
– طب اهدي... اهدي يا مهرتي...
جلس بجانبها، شدّ يدها في كفّيه، ثم شرع يحكي لها ما حدث...
هبت مهره برعبٍ، صرخت صرخةً مبحوحة:
– أختي!.. انتحرت؟! يا لهوي...
اندفعت تجري نحو الباب، لكن جسدها المرهق خانها، فترنّحت وكادت تسقط. أسرع أسمر يمسكها بذراعيه، صوته يتوسّل برجفة:
– اهدي طيب... يا جلبي، هُوّديكي.
رفعت عينيها إليه دامعة، همست باختناق:
– أسمر...
ابتسم بعشقٍ ممزوجٍ بالدمع، كأنّه يسكب قلبه بين يديها:
– جِلب الأسمر...
همست بوجعٍ يقطّع الروح:
– ودّيني والنبي... بسرعة.
أخذ يدها المرتجفة، قبّلها بخشوعٍ وحنان، ثم همس:
– عيوني... يا جلبي.
شدّ على يدها، وسار بها بخطواتٍ متلهفة حتى وصلا إلى غرفة شجن. ما إن دخلت مهره حتى اندفعت إليها، احتضنتها بقوّةٍ هزّت كيانها. كانت شجن متعبة، ساهمة النظرات، لكن ما إن أحسّت بذراعي أختها حتى صرخت كطفلةٍ مكسورة:
– إنت فوقتي! أنا كنت هموّت نفسي... أنا تعبت من غيرك... مُتّ من غيرك! كنت لوحدي... خُفت قوي... خُفت... أنا من غيرك ولا حاجة...
احتضنتها مهره بقوّةٍ أكبر، شدّتها إلى قلبها، همست بصوتٍ دافئٍ يختلط بالدموع:
– أنا أهوه يا حبيبتي... أنا أهوه، اطمني... أنا معاكي ومش هسيبك أبدًا.
بكت شجن بحرقة، صوتها يرتجف كأغصانٍ في ريحٍ عاصفة:
– أنا... بقيت مدمنة يا مهره...
مسدت مهره على شعر شجن بحنانٍ دافق، تهمس بصوتٍ يقطر طمأنينة:
– هيعدّي يا حبيبتي... هيعدّي كله. أنا جنبك، ومش هسيبك... إنتِ قوية وتقدري... إنتِ حبيبتي، أختي، يا قلبي...
ارتخت جفون شجن، لأول مرة منذ زمنٍ بعيد نامت في أحضان مهره، تستشعر دفء السند الحقيقي في حياتها.
ظلت مهره بجوارها حتى غفت بسلام. اقترب براء بخطواتٍ هادئة، جلس بجوارها وربت على كتفها برفقٍ وهمس:
– اطمني يا مهره... أنا مش هسيبها. أنا هحط روحي معاها، ومش هسيبها... عهد عليّا أرجّعها وِردة مفتّحة.
رفعت مهره عينيها إليه، التمست الصدق في صوته ونظراته، فتنهدت بارتياحٍ خافت، ثم قامت ببطءٍ تبحث عن أخيها.
خطت نحو حجرته... فتحت الباب، فوجدت "وجد" غارقة في غيبوبتها، ممدّدة كعصفورةٍ جريحة، فيما كان نديم مفترشًا الأرض بجوار فراشها. رأسه مائل على الحائط، دموعه تتساقط في صمت، ملامحه شاحبة، وشَعره مشعث، كطفلٍ منبوذٍ يشعر بالوحدة والفقد.
تألّمت روحها، أحسّت بوجعٍ حارق وحنينٍ غامر لأخيها الذي ظلّ رغم كل شيء راعيهم وسندهم. اقتربت بخطواتٍ مرتجفة، همست بحبٍّ ودموعها تخنقها:
– نديم...
هنا، ارتجف نديم عند سماعها، رفع رأسه ببطءٍ شديد، عيناه غير مصدّقتين، والدموع ما زالت تسيل كالنهر، فتح عينيه على اتساعهما...
اندفعت مهره إليه، جلست بجواره، فاحتضنها بقوّةٍ مجنونة، وكلبش فيها كأنه غريق وجد خشبة نجاة. أخذته في أحضانها، فانفجر بالبكاء، كان في حالةٍ مريعة، السواد يلف قلبه، والوحدة تنهش روحه. وهي تحتضنه وتمسّد عليه، وهو يهقّ بصوتٍ عالٍ، كأنّه أخيرًا وجد ملاذه... روحه... راعيته التي تحميه.
ظلّ يبكي ويشهق، وكلما ضمّها ازداد بكاؤه، حتى ارتجف جسده بين ذراعيها. تنهدت هي بوجعٍ، مسدت على كتفه، وهمست بحنانٍ دامع:
– حبيبي، اهدي... أنا جنبك، هتبقى كويسة...
بكى كطفلٍ صغير عاد إلى حضن أمّه، فيما كان أسمر يقف بعيدًا يتأمل المشهد. ابتسم بحب، وقد أيقن أن مهره هي العمود الحقيقي لهذه العائلة، وليست نديم... ربّ العباد خلقها لتكون المنارة التي تساند وتحنّ، من البشر من جعلهم الله ملاذًا وسندًا، ومهره تستحق ذلك.
كان المنظر يخلع القلب. رفع نديم رأسه بين دموعه، صوته مختنق وهو يهمس:
– آسف... يا حبيبتي آسف... أنا متّ من بعدك.
مسدت على وجهه برفقٍ، وهمست لتسكته:
– هششش... بس، آسف إيه؟! إنت أخويا وسندي.
هتف بحرقةٍ ممزوجة بالقوّة:
– سندك؟! إنت اللي سندي... إنت اللي كل حاجة! إنت ضهر العيلة دي. أنا عايش في سواد من ساعة ما رُحتي عن الدنيا... قضيت عليكي بكبري وغروري وتحكّمي... عملتك راجل وإنت ستّ الستات! أنا موجوع قوي من اللي عملته فيكي...
أمسكت وجهه بكلتا يديها، نظراتها حانية، وهمست بحزم:
– بَطّل بقى... إنت نديم! ما تقعدش كده... إنت نديم... نديم الأسطورة.
نظر إليها بعينين محمرّتين، امتلأتا بالقهر والخذلان، همس بمرارة:
– أسطورة؟! أسطورة فشلة... قضى على إخواته، وحبيبتي نايمة... ضحّت بروحها عشان أسيب انتقامي وأقعد أتحسّر عليكم إنتو التلاتة! مراتي موّتت روحها وسابتني... وإنتِ غِبتي وسيبتيني... وأختك الغلبانة ضاعت... لأني أستحق إني أُتساب! أنا حاسس إني قليل قوي... يا مهره.
هنا أبعدته عنها بقوة، أمسكت كتفيه وهزّته بعنف، وهتفت بصوتٍ جريح لكنه مزلزل:
– بَطّل تقول كده! إنت نديم... فاهم؟! نديم اللي عاش عشان يردّ حق أبوه وأمّه... نديم اللي كبّر شركات وعمل نفسه من لا شيء... نديم اللي كافح وكتم وجعُه وكمل، وما طاطاش لحد!
واصلت بصوتٍ يقطر تحدّيًا:
– إنت نديم... أخو مهره وشجن... وحبيب وُجد! إنت نديم اللي عاش عيشة تشرّف أي حد... إنت نديم اللي ما غدرتش بعيلتك، ولا سرقتهم ولا خنتهم... إنت نديم اللي مع كل ده لسه بتحبهم!
خبطت على كتفه بقوة، كأنها توقظه من موتٍ بارد، وهتفت:
– فوق! لروحك... مفيش حاجة تهزّك، فاهم؟! ومراتك هترجع... أيوه، هترجع! عشان بتحبك... وهتسامحك، وأنا متأكدة. وُجد هتسامح لأنها بتحب قوي... اللي يعمل كده تبقى روحه فيك. وإنت بتحبها قوي، والحب باين في عينيك... نظرة لو هي شافتها هتِحنّ، وهتسامح.
رفع عيونه المرتبكة إليها، يلمع فيهما الأمل لأول مرة، همس بصوتٍ مبحوح:
– صحيح... يا مهره؟ هترجع... تسامحني؟
ابتسمت له بحبٍ غامر، عيناها تلمعان باليقين:
– صحيح... يا روح مهره. هسامحك! أنا عمري ما قلتلك حاجة وما تحققتش... قوم بقى، بلاش القعدة دي. ارجع لنفسك، وشدّ حيلك... عشان لما هي تفوق، تلاقيك واقف، مش ميت كده! أمال هتكافح عشان ترجّعها إزاي؟
ضحكت بخفّة وسط دموعها، وقالت:
– إحنا الستات بنحب الغلاسة والنفس الطويل... وانت كده هتفطس من أول دقيقة!
مالت تقبّل رأسه بحبٍ صادق، وهمست في أذنه:
– نديم... ما ينحنيش! نديم راسه مرفوعة طول عمره... ويستحق الشرف... وفوق الشرف كمان.
قامت لتنهض، فمسك يدها يقبّلها بحرارة، كأنه يبتلع منها القوة. عادت واحتضنته بحنانٍ عابر للدموع، ثم نهضت لتعود إلى حجرتها، وأسمر يسير خلفها، ينظر إليها بدهشة وإعجاب، وقد أيقن أنها القلب الذي ينعش هذه العائلة كلّها.
عند براء... كان يشعر بالقهر، قهر قاتل لتقصيره في حق حبيبته. حسم أمره أن يكون لها نعم السند، لا يتركها لحظة. أمر الأطباء أن يلازمها في رحلة العلاج، وأعطوه كل التعليمات بالاتفاق مع نديم ومهره، التي تغاضت عن أي شيء مقابل شفاء أختها.
أُعدّت غرفة خاصة لبراء وشجن... بلا أثاث سوى مرتبة كبيرة، حتى لا تؤذي نفسها. باب مقفول من الخارج، تحت مراقبة الأطباء... وهنا بدأت مرحلة العلاج القاسية لتلك الجميلة التي تاهت بعيدًا عن سندها.
بدأت شجن تتألم، تصرخ بألمٍ يخلع القلب:
– خرجني! خرجني من هنا... مش متحملة!
اقترب منها براء، واحتضنها بقوة:
– ماينفعش يا روحي... مش هنطلع من هنا غير وإنتي زي ما كنتي!
صرخت بجنون، تهز رأسها بعنف:
– لااا! بقولك خرجني... مش قادرة!
واندفعت تمزق شعرها وتخبط جسدها بجنون، فاضطر أن يكبّلها وهي مهتاجة، تصرخ وتصرخ حتى أغشي عليها من شدّة الألم.
حملها براء بين ذراعيه، وضعها على الفراش، يلهث والدموع تغرق وجهه، وهو يهتف بانكسار:
– حقك عليّا يا عمري... أنا آسف! أنا السبب... كان لازم لساني ينقطع قبل ما أوجعك! أنا السبب في الطين السّوَاد ده... بس بحبك، والله بحبك...
بدأت تفيق، أنفاسها متقطعة، كأن روحها تُسحب منها، فهَمست بصوتٍ مبحوح:
– براء...
اندفع يحتضنها كالمجنون:
– إيه يا روح براء؟
قالت بوجعٍ خانق:
– تعبانة قوي... موجوعة.
قبّل وجهها بحنانٍ دامع، يهمس:
– هتعدّي يا قلبي... هنعدّي كل ده. أنا معاكي أهوه! إنتي حبيبتي وفي حضني... ونديم بره، ومهره بره، ووجدك... كلنا مستنيين تخرجي، عشان حبيبي يبقى أحلى الناس... وهو أصلاً أحلى الناس.
انفجرت بالدموع، همست بانكسار:
– أنا خلاص ضعت... أنا خلاص بقيت وحشة.
كلبش فيها بوجعٍ أشد:
– بس بس... مين اللي وحشة؟! ده حبيبي أحلى الناس... ده حبيبي اللي هموت عليه... ده حبيبي اللي بتمنى طرفة عينه والله! والله ما طول ضفرك يا قلب براء... بتمنّيك من الدنيا شهور، وإنتي هادية ومش حاسة بيا... ما شفتش في عيونك نظرة حب ولا شوق... كنت هموت! وصبرت... بس عرفت وجعك... وجع يهز جبال. أنا آسف إني وجعتك... آسف إني كنت سبب أذيتك!
همست وهي تبكي:
– أنا بقيت مدمنة يا براء... بَطّل تقرب... ما تكدبش! إزاي هتقرب من مدمنة؟
شدها لصدره بقوة، وصوته يصرخ من جوف روحه:
– مدمنة؟! طب وأنا... أنا مدمنك! مدمن حبيبي... مدمن روحي... مدمن قلبي اللي وجعته! قلبي اللي جبتله النجوم عشان يفرح بيها وخدتها منه... قلبي اللي اديته قلبي، وانتشيت قلبه... قلبي اللي هموت يبقى ليا ملاكي... سندريلا عمري اللي حلمت بيها، آخدها وأطلع بيها للنجوم! مدمنة إيه؟ ده براء مدمن شَجَن... وهيموت عليها!
ابتسمت شجن بدموعها، ابتسامة حنين ورقّة... كلمات براء تسللت لروحها، ونظراته المشتعلة بالحب اخترقت ظلامها. بدأت تتأقلم مرة أخرى على قربه، فتسلّمت نفسها لحضنه.
شدها إليه أكثر، وهو يهمس بحرارة:
– أهوه... جنبك، ومش هسيبك. حبيبتي... هتعدّي... هتعدّي والله.
نامت أخيرًا من شدّة التعب، بين ذراعيه، لأوّل مرة تشعر بالأمان... الأمان اللي رجع مع أختها، والأمان اللي رجّعه حبيبها.
عادت مهره بعد أن علمت بما خطّطه براء لأختها، فَلان قلبها نحوه وأحست بصدق نيّته، ورأت أن شجن تحتاجه أكثر من أي وقت مضى.
وقفت عند باب الغرفة، تنظر من خلال الزجاج... براء يحتضن شجن، يمسّد عليها بحنان، وهي تندس في صدره باطمئنان.
شعرت مهره بأن قدميها لم تعودا قادرتين على حملها، فترنحت... لتجد يدي أسمر تطوّقها سريعًا. حملها بين ذراعيه، يمسح بوجهه شعرها، وذهب بها إلى حجرتها.
كانت مستكينة على صدره، بلا حيل، بلا مقاومة.
أدخلها، وضعها على الفراش، وما إن تململت لتبتعد، اندس بجوارها سريعًا وكأنه يخشى أن تفلت منه.
همست بضعف وهي تزيحه قليلًا:
– أبعد...
لكن صوته جاء متهدجًا، مندفعًا من أعماق وجعه:
– اسكتي يا مهره... بالله عليكِ اسكتي. أنا تعبت... شهور وأنا بعيد عنك، شهور عشت سواد ما شافوش بشر. عامل نفسي حامد عشان العيلة، وإلا كنت وقعت. أنا موجوع لحد شوشتي... سيبيني أحس بيكي، سيبيني أطمن إنك بخير... إنتي فايقة وبخير، وحياة الغاليين ما هعمل حاجة ولا هطُج، بس خليني أحس إنك في حضني.
صوته دخل قلبها، كان موجع، حقيقي... فتنهدت وصمتت.
شدّها أكثر إليه، حتى استسلمت ونامت على صدره.
ظلّا صامتين... وهو يمسك يدها، يقبّلها من حين لآخر، يمرر كفّه على شعرها وجسدها بحنان غامر.
وفجأة، ومن حيث لا تدري، خرج السؤال من فمها بصوت مرتجف:
– اتجوّزتها؟
بهت هو من سؤالها، نظر إليها بدهشة:
– هي مين يا جلبي؟
ارتبكت، صمتت، نَهرت نفسها داخليًا...
– لا... مفيش... خلاص.
ابتسم ابتسامة باهتة، وهز رأسه بغُلب، ثم لمس يدها بحنان، يهمس وكأنه يقرأ قلبها:
– تجصدي زهرة... صح؟
ارتعش جسدها لا إراديًا...
فشدّ عليها أكثر وهمس:
– يهمّك تعرفي؟
حاولت أن تبتعد من حضنه، فكلبشها بقوة وقال بحرارة:
– والله لو روحي طلعت... ما إنتِ خارجة من حضني.
ارتعشت شفتاها، وهمست بصوت متكسّر:
– يعني... مش خطبت؟ مش المفروض اللي بيحب حد... يتجوّزه؟
رفع وجهها بين كفيه، غاص في عينيها كأنه يغوص في بحرٍ لا قرار له...
ابتسم بحب، وهمس بصدقٍ يزلزل القلب:
– صحيح يا مهره... اللي بيحب حد، بيتجوّزه.
أشاحت مهره بوجهها عنه، قلبها يرتجف من نظراته التي تكاد تحرقها، وهمست بتوتر:
– المفروض إيه يمنعك يعني؟ قريبتك... ومخطوبلها... فيه حاجة تمنع؟
تنهد أسمر بعمق، وصوته خرج مبحوحًا من غُلبه:
– أيوه يا مهره... فيه اللي يمنع. فيه إنتِ.
قطبت جبينها، ارتبكت، وهمست بانفعال:
– أنا؟! أنا مالي بيك؟! إن كان عالورقة... قطعها عادي، مالهاش أي قيمة... أنا ماليش دعوة... اتكلم!
ابتسم ابتسامة موجوعة، وظل يتأملها بعشق يذيب الروح، ثم قبض على يدها يقبّلها بحنان، ورفع وجهها بين كفيه بقوة ونظرة عاشقة لم تحتملها:
– "مالكيش تتكلمي؟" لأ... مهره عامر هي الوحيدة اللي ليها تتكلم في حياتي. الورجة اللي بتجولي مالهاش جيمة... دي نفسي اللي بتنفسه، لأنها باسمك. وزي ما إنتِ جولتي... اللي بيحب لازم يتجوز حبيبه. وأنا مستني حبيبي... يحن عليا ويوافج.
تنهّدت مهره، وصوتها خرج هامسًا مرتبكًا:
– بس... زهره... مش موافقة.
ابتسم أسمر بغُلب، وأمال رأسه قليلًا وهو يتمتم:
– أهو... عرفنا إنك لسه عقلك تعبان من السرحان اللي كنتِ فيه. زهره إيه يا مهره؟! أنا عايز أتجوز اللي خلعت جلبي، اللي شهور وأنا سرحان في ملكوت من غيرها... عايز أتجوز حبيبي. عايز مهره... سيبها لي بالله عليكي.
شعرت براحة غريبة تتسلل إلى قلبها، لكن همست بخفوت:
– طب... وزهره؟
هنا انتفض صوته غاضبًا، هازًّا كيانها:
– يا بنتي بقى! اللي يحرجها؟! أنا فسخت كل حاجة من زمان. كنت أهبل وأنا عامل كده... كنت محروج... ولما طولتيلي إنك مش شايفاني راجل، اتوجعت... بس كنت الأهبل اللي وجّعك معاه.
ترددت مهره، ثم همست بصدق:
– أنا... على فكرة آسفة. ما كانش ينفع أقولك كده.
هتف بسرعة، كأنه يخشى أن تفلت الكلمة من بين أصابعها:
– وأنا مش زعلان! إنتِ كان حجك تطولي وتعملي أي حاجة... إنتِ موجوعة من الكل.
اقترب أكثر، رفع وجهها نحوه برفق، لكنها أشاحت بعينيها، فهتف بحرارة:
– بصّي لي بالله عليكي... أبوس يدك، بصّي لي... عايز أجولك حاجة، وعيونك في عيوني.
ارتجفت، ثم ببطء التقت نظراتها بعينيه... فشعر بنبض قلبها يدق بجنون تحت صدره، فابتسم ابتسامة خافتة وهمس كأنه يبوح بسر وجوده:
– مهره... أنا بحبك. وبعشجك... عشج يهدّ الجبال.
أدمعت عيناها، ظلّت ساهمة لفترة طويلة، كأنها بتستمع لصوت قلبها لأول مرة. أغمضت جفونها تستشعر كلماته، لينحني أسمر عند أذنها، يهمس بحرارة عاشق:
– أسمر بيعشج مهره... وعايزها. أسمر روحه في مهره. أسمر عرف إنه مالوش غير مهره... إنتِ اللي سندي وضهري... إنتِ اللي جلبي دح ليها وعشج... إنتِ اللي عدّلتي فيا كل اللي كان بايظ.
قبّل خلف أذنها برقة، وصوته يرتجف وهو يهمس:
– أسمر عاشج... عاشط المهره وبس... ويتمنى تشوفيه بعين الرضا.
ظلّت ساكنة، هادئة على غير العادة، والهدوء زوّد خوفه، كأنه على حافة هاوية.
اقترب أكثر وهمس برجاء:
– عايزك مراتي وحبيبتي... ما عايزش من الدنيا حاجة تانية. عايز أكون تحت رجلك، أجبلك عنيا... ألبسك سندريلا اللي حلمتي بيها... ألبسك توب الحب يا قلبي.
تنهدت بوجع، وأشاحت بوجهها بعيدًا:
– التوب ده... مش توبي يا أسمر.
أمسك يدها برجفة ولهفة:
– مين جال؟! طب جربي... اديني فرصة. خايفة ليه طيب؟
تمتمت بصوت مبحوح:
– أنا مش خايفة... أنا عارفة.
ابتسم بحنين، يلمس وجعها بعينه:
– وأنا متأكد إني هجدر على خوفك. إنتِ مش خايفة مني... إنتِ خايفة تسندي على حد.
نظرت إليه بدموعها وقالت بوجع:
– عارف لما فكرت أسند على حد في حياتي... اللي عمري ما عملتها... لقيته دخل حد تاني في حياته؟
انكسر قلبه، هتف بيأس نادم:
– كنت حمار... والله العظيم كنت حمار. كنت غضبان... وكنت هموت عليكي وجتها. ولما شفت نظرة الخذلان في عيونك... اتمنيت أموت. والله يا مهره أنا ندمان إني كنت غبي ومتكبّر.
مسح دموعه وواصل بصدق موجع:
– أنا اتربيت غلط... أبويا مات وعملوني كبير وأنا لسه صغير. كبرت وأنا مغرور، شايف نفسي، فاكر الرجولة كِبر وصوت عالي وسلطان. الكِبر كان هيموتني. بس إنتِ... إنتِ اللي غيرتي كل ده. غيابك عني وجّعني لدرجة كسرتني. يمين الله... نفسي تسامحيني. اعملي فيا اللي يعجبك، بس اديني فرصة واحدة أثبتلك إن أسمر هيكون راجلك بحق.
اقترب منها، عيناه تصرخان عشقًا:
– والله العظيم شهور كنت ميت... وجلبي ما خدش نفسه.
بدأ يلمسها بحنان شديد، وكأنّه يترجّى روحها تفتح له بابها، وهي تنساب بين يديه ضعيفة، مُنهكة من المقاومة.
همس بصوت يحترق:
– بعشطك... شايفة إزاي لمساتي نار؟ شايفة إزاي بحبك؟ يمين الله... مش عايز من الدنيا غيرك.
رفعت عينيها إليه، تلمعان كأنها تغرق في بحر صدقه. لينحني، يضمّها إلى صدره بقوة، فتذوب برقة بين ذراعيه... كأنها أخيرًا وجدت الحضن اللي كانت طول عمرها بتفتش عليه.
دقّ خفيف على الباب قطع اللحظة، فانتفضت مهره بسرعة وابتعدت عن أسمر. ارتجف داخله غضبًا، عروقه توترت، كاد يقتل من بالباب... هو بنفسه اللي كان قافل بالمفتاح!
تنهد مرغمًا، قام وفتح الباب... فإذا بالجد يقف أمامه.
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه مهره، اندفعت إلى صدر جدها، ارتمت بين ذراعيه كطفلة وجدت الأمان. وقف أسمر متخشبًا مكانه، قلبه ينهش نفسه:
– البِت كت لانت... الله يسامحك يا جدي، أعمل إيه يا رب... اهديهالي.
احتضن الجد حفيدته بحنان، صوته مبحوح من الشوق:
– غيبتك كت واعره يا بتي... غيبتك وجّعت العيله كلها، يمين الله.
ابتسمت مهره، عينيها دامعت:
– العيله دي بيك يا جدي... ربنا يخليك ويباركلنا في عمرك.
ابتسم الجد وربّت على كتفها:
– حاسه بإيه دلوك؟ كويسه؟
رفعت عينيها بامتنان، ثم التفتت لا إراديًا ناحية أسمر. قهقه الجد، وزغده بعصاه:
– إيه يا طين؟! مانعدلتش وجدمت قربان الطاعه؟!
أسمر عضّ على شفته، يتلوّى من الخجل والغضب.
– أمال ليك شهر هتتجنن وراجد جنبها زي المخبول؟! أجوم أحش وسطك دلوك؟
ضحك الجد، وهو ينغزه مرّة تانية. تداركت مهره الموقف وهمست برجاء:
– خلاص يا جدي... بلاش.
ابتسم الجد بخبث محبّب:
– عارفه يا مهره؟ الواد ده حبيب واعِر جوي. ماكتش أعرف إنه اكده. لاه... عجبني. كان بيموت على طرفك، والله.
أحنت رأسها خجلاً، وقلبها يدق. تنهد الجد وتابع:
– نفسي وجد كمان... تجوم خدت روحي. هيا كمان تستاهل.
ابتسمت مهره برقة:
– هتقوم يا جدي... وجد تستحق كل الحب.
ربت الجد على كتفها بحنان، ثم قام وتركهم.
ظل أسمر واقفًا مكانه، عيونه مثبتة عليها بعشق. خفضت رأسها بتوتر، كلامه وكلام الجد هزّها من الداخل. اقترب بخطوات هادئة وهمس:
– ممكن تنامي شوية وتريحي... أنا هجيبلك الدوا والوكل... تاكلي وتنامي. ماشي؟
نظرت له، مبهورة برفقته اللي اختلفت تمامًا عن نبرة الأوامر والسيطرة اللي اعتادت عليها. هزّت رأسها بالموافقة. ابتسم، أسرع يحضر الطعام، جلس بجوارها يطعمها بنفسه.
همست متحرجة:
– أنا هاكل...
ابتسم بعشق، يده ثابتة:
– ومين يخدم الجمر غيري؟ أنا هنا للخدمة... وبس.
رفعت حاجبها بدهشة:
– أسمر يخدم حد؟
قهقه مشاكسًا:
– حد إيه؟! مش عارفه إن خادم القوم سيدهم؟
قطّبت جبينها، فضحك وهو يهمس:
– لا يا جلبي... أنا خادم سيدتي.. الهانم اللي دخلت حياتي. خادم... وهفضل طول عمري خادم.
رمقته باستغراب:
– يا سلام؟! هتخدم ست؟
تنهد وعينيه مشتعلة:
– ست الستات... يمين الله. إنتِ ست... دانتِ مهره.
غمز لها بمشاكسه:
– بس مهره إيه... إيييه؟
أشاحت بوجهها خجلاً، فاقترب، أبعد الطعام وأعطاها الدواء. همست بخجل:
– شكراً.
قفز بجوارها فجأة.
هتفت برهبه :
– بتعمل إيه؟!
شدّها لحضنه، عينيه بتترجاها:
– بصي... أنا ليا شهور ما نمتش. نفسي أنام، يا مهره. بالله عليكي.
تنهدت مستسلمة، فشدّها إليه أكثر، لتستقر على صدره. ظلّ يمسّد عليها ويهمس:
– نامي يا جلبي... على جلبي. نامي... وأنا حاسس إني اتنحييت من تاني.
همست بكل رقة، محاولة الاحتجاج:
– إحنا مش كده...
ابتسم وهو يضمها أكتر:
– طب نامي... يا غلبانة. ال اللي بينّا... مش "كده". ده أكتر.
تنهدت مهره، وأغمضت عينيها. غلبها النوم في أحضانه، قلبها بيشاور على سعادة غريبة... لكن جواها، لسه فيه رهبة من القرب ده. مهره مش أي بنت...
كان نديم يجلس بجوار حبيبته الغائبة، ملامحها الساكنة تقتله كل لحظة.
مد يده المرتعشة، أمسك كفها الصغير ووضعه على قلبه الذي يخبط بعنف.
همس بصوت متحشرج:
– قلبي بيوجعني يا وِجد... ماعتش قادر. وحشتيني... حسي بيا وارجعيلي. أنا حاسس إن جوايا بيتقطّع... ماعادش قادر أعيش.
اقترب ببطء، قبل شفتيها برقة ودموعه تنساب على خدّيه.
– فاكره لما قولتيلي قبلة الحب الصادق؟... يمين الله يا وجد، لو قالولي أتخلى عن الدنيا عشانك، أعملها. أبوكي... أروح له وأسامحه عن طيب خاطر. أطلبك منه، وأحط إيدي في إيده... وأبوسها لأنه جابلي أحلى ملاك.
ارتجف صوته وهو يتابع:
– هرجع كل حاجه زي الأول... هطلبك من عيلتك كلها... وهعملك ليلة... لا ألف ليلة، سبع ليالٍ يتحاكوا بيهم. هجبلك الحلو كله. أبقى سندك بحق. والله يا وجد... نديم مستني بس يحس إن روحه لسه عايشه.
أطبق على يدها أكثر، عينيه متوسلة:
– والله بحبك... وبحس إني مش قادر... حُبي من بعدك بيأكل في روحي. قلبي... أديه لمين؟! تعبت قوي من غيرك... ضعيف قوي... قوي.
نزلت دموعه على وجهها النائم، انسابت على وجنتيها كأنها دموعها هي، فانحنى يقبّلها بحب وهيام، يتشبث بها وكأنها الحياة.
وفجأة...
ارتجف قلبه بعنف، شهق شهقة مكتومة، حين شعر بأصابعها تتحرك ببطء، كأنها ترد لمسته.
.... اللي جاي نحنحه وسحسحه وشقلطه... وهنغني الفان قلبه بيوجعه عايز حد يدلعه... هدلعكو دلع يا جدعااان هييييه يا نجااااتي🎈🎈🎈🎈🎈🎈🎈🎈🎈🎈اخيييرا
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا