رواية لإجلها الفصل الثالث والثلاثون 33بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية لإجلها الفصل الثالث والثلاثون 33بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات
الفصل الثالث والثلاثون
هذه المرة… لا خاطرة تُفتَتح بها السطور، بل وجعٌ يتسلّل ويصرخ قبل الحكاية؛
وجع يشبه رائحة التراب بعد المطر حين يختلط بالدّم،
عن غـ.ـزّة التي تُحاصر وتُجَوَّع وتُقصف،
عن أ.ـنس الشريف، ومـ.ـحمد قريقـ.ـع، وأصدقائهم، وعن كل من ارتقى،
عن الزهور التي قُطفت قبل أن تتفتح، وعن الأطفال الذين تيتموا،
وعن الأمهات الثكالى والأرامل، وعن خذلاننا وصمتنا وتقاعسنا.
هناك… حيث لكل شهيد حكاية تُروى على أكتاف الريح،
ولكل ناجٍ حكاية محفورة في جدران البيوت المهدّمة،
ولكل مُهجَّر حكاية تحملها الطرقات البعيدة في صمتٍ مرير.
نبكيهم… لكننا في الحقيقة نبكي أنفسنا،
نحن الذين اكتفينا بالمشاهدة، بينما البطولة تُكتب هناك بدمائهم.
رحم الله شهداء غـ.ـزّة، وأسكنهم الفردوس الأعلى،
وجعل دماءهم وعدًا في أعناقنا بأن فـ.ـلـ.ـسطين ستنهض من بين الركام،
ومهما طال الليل… سيشرق الفجر من جديد.
المراجعة وكلمة الافتتاحيه/ سنا الفردوس
الفصل الثالث والثلاثون
خلف باب الغرفة التي كانت قابعة داخلها، وبعد أن مرّت تلك الفترة العصيبة في إنقاذها من قبل الأطباء، الذين خشوا أن يتطور الأمر لأكثر من مجرد جرح سطحي ظاهر في الرأس، وعلى الرغم من أنه كان غائرًا، إلا أنه تم اكتشاف إصابات متفرقة على أنحاء الجسد عن طريق الفحص. لكن أكبرها كان الكسر المضاعف في الذراع الأيمن، وقد أُجريت له عملية فورية، فضلًا عن كدمات وسحجات نتيجة الاحتكاك المباشر بالحجارة القاسية.
جلس أخيرًا يلتقط أنفاسه، فهو الوحيد الذي ظل معها من البداية إلى النهاية، ولم يرسل إلى شقيقاتها إلا مؤخرًا بعد خروجها من العملية. كان معه بعض أفراد البلدة، لكن مع مرور الوقت انصرفوا واحدًا تلو الآخر، حتى وصل إلى مرحلة لم يجد فيها أحدًا معه إلا رجلين عجوزين، وما إن اطمأنا عليها بعد العملية حتى غادرا ليستريحا بعد إجهادٍ استمر لساعات طويلة.
ظل هو وحده الآن، جالسًا على أحد مقاعد الانتظار، يقيّده شعور بالعجز؛ لا هو قادر على أن يتركها ليبحث عن ذلك الأخرق كي يلقنه درسًا لا يُنسى، ولا هو قادر على الدخول إليها ليطمئن عليها في غرفتها.
ذلك لأنها في غرفة وحدها، وذراعها الذي أُجريت له العملية مكشوف طوال الوقت، إذ كانت نائمة منذ خروجها من غرفة العمليات، وغالبًا ما تنكشف الملاءة الطبية عنه، فكثر تنبيهه للممرضات كي يعيدن تغطيته مرة أخرى، حتى ملّ، ولم يتبقَّ له سوى أن ينتظر إحدى النساء من عائلتها لترافقها.
زفر ومسح بكفه بتعب شديد، كلما تذكر حالتها، وتذكر الدفعة التي دفعها بها ذلك الأخرق للتخلص منها، فار الدم في رأسه. اعتماد هي مثالًا حيًّا على أن المرأة القوية مكروهة من الرجال والنساء بلا سبب، ودون أن يسأل أحد أو يستفسر عن الذي أوصلها إلى تلك الحالة. ولا أحد يعلم أيضًا أن الجزء الهش بداخلها بحاجة شديدة إلى الرفق، حتى تستعيد آدميتها التي سُلبت منها قهرًا.
انتبه فجأة إلى تلك المرأة التي تحمل طفلًا على يديها، وهي شقيقتها زوجة ذلك الأحمق، أي أنها المتسببة الرئيسية في كل ما يحدث لاعتماد، بسبب ضعفها واهتزاز شخصيتها. كانت تجر معها فتاة أخرى تبكي بحرارة، ربما كانت شقيقتهما الثالثة.
اقتربت الأولى تسأله بانهيار:
ـ أستاذ خليفة، أختي عاملة إيه؟ طمّني عليها، الله يرضى عنك.
رد يطمئنها رغم غيظه منها:
ـ هي بخير دلوك والحمد لله، ما تقلقوش.
هنا تحدثت الفتاة الأخرى بكلمات متقطعة بالكاد يُفهم منها:
ـ كـ… كيف… يعني، ددول بيقولوا، عملت… حادثة؟
نظر إليها خليفة بإشفاق وتساؤل، لا يدري إن كانت كلماتها تخرج بصعوبة لفرط صدمتها وبكائها، أم أن تلك حالتها الأساسية، فقال يخفف عنها:
ـ أيوه يا آنسة زينة والحمد لله، حتى ادخلوا واطمّنوا عليها، بس ياريت تراعوا حالتها، عشان هي طالعة من العمليات.
ـ هنراعي والله، المهم نشوفها.
هتفت بها روضة بصوت باكٍ، لكنه لم يهتم، إذ كان تركيزه على الفتاة الصغيرة، فهي من تستحق اهتمامه، لا تلك التي يتسبب ضعفها في إيذاء شقيقتها.
نهض يتقدمهن، وفتح لهما باب الغرفة، فدخلتا نحو شقيقتهما التي كانت شبه واعية، بعينيها نصف المفتوحتين، ثم فتحتا عن آخرهما وهي تتقبل عناقهما ونحيبهما، لتستقر في الأخير عليه، بنظرة طويلة تحمل امتنـانًا لا حدود له.
ترى… هل كانت على وعي بكل المراحل التي مرا بها طوال الساعات المريرة الفائتة؟!
...............................
داخل قسم الشرطة
تم الصلح بصعوبة بين الخصمين، بعد ساعات من الشجار والتناحر، والفضائح أيضًا. خرجت هالة من غرفة معاون المباحث الذي تولى أمر القضية، التي كادت أن تكبر وتصبح جناية لولا تدخل المحامي المخضرم، الذي استطاع بحنكته أن يجبر الطرف الآخر على التنازل، خوفًا على السمعة وما قد يضر بالشركة إن زُجّ باسمها في تلك المهاترات.
قضى ساعات يقنع والد روان بالتنازل، وقد كان الرجل مصرًّا على أخذ حق ابنته التي هُدرت كرامتها أمام العمال الذين يعملون تحت يديها، وفي منطقة عملها، فضلًا عن الإصابات التي لحقت بها: سحجات وكدمات على كامل الجسد، والجزء الأكبر كان بالوجه، من انتفاخات وخدوش وأظافر حفرت بالبشرة بخطوط طولية وعميقة، حتى أخفت ملامحها الحقيقية.
هالة لم تكن أقل ضررًا، بل زادت عليها بإصابة في قدمها اليسرى، فلم تكن قادرة على الضغط عليها، فسارت بعرج مستندة على ذراع معاذ، الذي كان ينفخ بغضب مكتوم؛ فما تعرض له اليوم كفيل بأن يجعله يكرهها هي وعائلتها بأكملها.
ـ آه، بالراحة يا معاذ، بتّ المنتول شكلها كسرت لي رجلي.
رد معاذ بحنق:
ـ هي برضو اللي بتّ منتول؟ طب احمدي ربنا إنها جات لحد كده. أنا مش عايز أقول لك إحنا عملنا إيه عشان نقنع أبوها يتنازل. خليني مكتوم أحسن عشان ما أنفجرش.
تركت يده فجأة في منتصف الممر، قائلة بعتاب كأنها صاحبة حق:
ـ لا، انفجر يا معاذ وطلّع اللي في قلبك. ما أنا عارفاك إنت كمان حاطط عليّ زي أخوك وباقي العيلة، اللي محدش فيكم عارف أنا إيه اللي خلاني أروح عند البنت دي لحد شغلها عشان أربيها.
المحروسة، اللي عاملة فيها هانم وبنت ناس، كانت بتلعب على أخوك جوزي، وطلبت منه صراحة إنه يتجوزها! بذمتك أسمع كده وأسكت ليه؟
خاينة العيش والملح، ما قدرتش إنها أكلت معايا في طبق واحد، وكانت متجوزة أخوه، وولدها في البيت إحنا اللي بنربيه! بذمتك دي تستاهل حد يشفق عليها؟
كمية ما رآه وسمعه اليوم من أخلاق متدنية للأثنان أمام الضابط جعلته يشعر بالخزي منهما، فواحدة كانت زوجة شقيقه الأكبر وأم ابنه الذي يتربى بينهم، والأخرى ابنة عمه وزوجة شقيقه الثاني، وما زالت على ذمته حتى الآن. ما هذه الكوميديا السوداء التي يعيشها؟ كيف يتجاوز وكيف يتصرف الصحيح، والارتباط بهما يشمل الدم وصلة الرحم؟! يا له من بلاء شديد… الله وحده المعين عليه.
أردفت هالة بتساؤل حين طال صمته أمامها:
ـ كل الاتصالات دي وأخوك ما جاش؟ للدرجادي هو رامي طوبتي ومش فارقة معاه؟ طب كان عمل حساب إني أم عياله، حتى مش بت عمه ولا مرته…
ـ كنتِ عملتي إنتِ الأول يا هالة؟
عقّب معاذ باستياء، ثم تابع منتقدًا، لعلها تفهم أو تسمع:
ـ مهما كان غلطها أو عيبها، مش هييجي نص عيبك إنك تروحي لها في نص شغلها، وفي منطقة صحراوية قدام العمال، وتمسحي بكرامتك وكرامتها الأرض. إنتِ هِنتي نفسك زي ما هِنتيها. دي مش أخلاق بناتنا يا هالة. إنتِ أكبر مني وفاهمة. بس اللي عايز أعرفه… عقلك كان فين لما عملتيها؟ على العموم، أنا عملت اللي عليّ يا بنت الناس بعد ما خلصتك من قضية كبيرة كانت كفيلة تدمر سمعتك وسمعة العيلة كلها… إنما اللي جاي الله أعلم.
سألته بارتباك:
ـ قصدك إيه باللي جاي؟ إن خليفة ممكن يطلقني يعني؟ بسببها؟! بسبب الحرباية دي ممكن يطلقني أنا بنت عمه وأم عياله؟!
تجمد معاذ بدهشة من منطقها الغريب في تفسير الأمور. حقًا، لا توجد كلمات تصف حالته الآن.فإبنة عمه مصيبتها عقلها… لا تسمع إلا نفسها، ولا فائدة مرجوة منها أبدًا.
ـ هالة، ممكن تقدّمي عشان نخلص؟ وأوصلك على بيتك. خدي بالك…احنا دلوك بقينا في نص الليل. ولا إنتِ حابة تبيتي ليلتك هنا؟
سمعت منه، ثم عادت تستند بيدها على ذراعه لتواصل طريقها معه، وهي تنوي أن تتابع الحديث:
ـ هوصي دكتور الصحة يجي لك على البيت بكرة، يشوفك ويشوف الإصابات والكدمات اللي فى باقي جسمك. أما رجلك، فدي آخرها جزع أو حاجة شبه ذلك، لأن لو كسر ما كنتيش قدرتي توقفي عليها أصلًا.
ـ وأخوك يا معاذ، هيفضل كده سايبني زي البيت الوقف؟ أمه لا إله إلا الله جابت سيرتي، ولو هنتكلم عن مشكلة النهاردة، هيبقى هو السبب الرئيسي فيها.
طالعها بصمت، فاقد الأمل في تغيرها، فقال ساخرًا:
ـ عندك حق يا هالة… هو السبب في كل مصيبة حاصلة في الكون، وإنتِ الأميرة الملاك المظلومة ما بينا يا هالة.
ـ شكلك بتتريق يا معاذ… لكن الله يسامحك برضه.
ـ يا ستي الله يسامحني ويسامح الجميع… خلّصينا. بقول لك… داخلين على نص الليل، يعني الساعة أوشكت تبقى 12:00… خدتي بالك منها دي؟
شعرت أخيرًا بحجم مصيبتها، حين نظرت إلى شاشة الهاتف وتبيّن لها صدق قوله. زاد شعورها بالثقل حين خرجت من باب القسم لتجد الاثنين في انتظارها: خليفة ووالدها، الذي كان ينفث نيرانًا مكتومة لكنه مضطر للصمت أمام الزحام من حوله. أما خليفة، فقد كان واقفًا جامدًا على وضعه بشكل يثير الدهشة، صامتًا، يطالعها بنظرات فاحصة، متأملًا الإصابات التي لحقت بها في كل مكان حتى وجهها وقدميها.
وحين اقتربت منه برفقة شقيقه، خاطبها بهدوء أمام والدها:
ـ حمد الله على السلامة يا بت عمي.
ـ الله يسلمك يا واد عمي.
تمتمت بها برد مرتاب، وعيناها تتنقلان بينه وبين والدها الذي كانت رائحة الخطر تفوح منه بقوة. أردفت بما يشبه العتب أو التبرير:
ـ اتصلت عليك كتير يا خليفة، لكن ولا مرة رديت عليّ. أنا كنت رايحة أعاتبها في أمان الله، ما كنتش عايزة الموضوع يكبر، لكن روان عملتها هي وأبوها، وكانوا عايزين يحبسوني! بلغوا عني البوليس، رغم إنها كان ممكن تتلم لو ما اتدخلش فيها رجالة… كانت مشكلة حريم في حريم.
زام بفمه مرددًا خلفها بغموض:
ـ أممم… فعلاً، الحق عليهم صح! مشكلة حريم في حريم، واحدة رايحه تتخانق مع بنته في منطقة عملها، وتمسح بيها تراب الأرض… يبلغ عنها البوليس! دا بدل ما يشربوها شاي ويضايفوها!
قطع فجأة، تاركًا سخريته تتدلى في الهواء، ووجّه كلامه نحو عمه:
ـ طب عشان ما أضغطش على نفسي أكتر من كده يا عمي… اهي بنتك خدها معاك. وإن كان يرضيك اللي حصل ده، يبقى العيب عندي… أنا لحد كده جبت آخري. عن إذنكم بجي.
أنهى كلماته وتحرك سريعًا، مغادرًا من أمامهما، غير عابئ بنظرة الاستجداء التي رمته بها. كانت تود أن توقفه، لكنها لم تملك الجرأة بعد ما حدث. يبدو أنها أخطأت هذه المرة وتعجلت… كان لابد أن تتريث.
..........................
وإلى حمزة، الذي كان يتلقى تقريرًا مفصّلًا بكل ما حدث في الساعات الماضية عبر الهاتف من معاذ، الذي فضل ألا يفوت الليلة دون أن يخبره، بعد أن انتابه القلق على شقيقهما الثالث.
ـ اممم، لا ما تقلقش عليه، خليفة راجل وسكوته ذهب، ما يغركش هدوءه ولا تخاف عليه، هو بيعرف يسحب اللي قدامه على الهادي ويوجعه في شر أعماله، بدليل اللي حصل مع روان وهالة، ضربهم في بعض وهو رافع إيده، دا معلم يا باشا...... اطمن بقول لك ومتشلش هم أي حد تاني. هالة يختص بيها أبوها خليها عنده لحد ما تعرف أن الله حق، أو يحلها الحلال... تمام يا حبيبي، ومتنساش تخلي بالك من الواض ريان، هي السفرية دي بس، وبعدها هيفضل طول الوقت معانا...
أنهى المكالمة، ليغلق الهاتف بأكمله حتى يتجنب الإزعاج، ليعود من الشرفة التي كان يتحدث بها إلى داخل الغرفة، حيث الجميلة التي كانت تتسطح على الفراش أمامه، نائمة على وجهها وشعرها الكثيف يغطي الوسادة وجزءًا من ظهرها الذي كان ظاهرًا من الغطاء.
رؤيتها فقط بتلك الهيئة كانت كافية لبث البهجة داخله دون جهد، وعقله يعيد اللحظات الماضية التي سبقت نومهما، حين التقط لها من الخزانة قطعة أكثر عُريًا مما سبق، شفافة بشدة وبها أشياء تلمع كأزاياء الراقصات، حين طلب منها أن ترتديها حتى يرضى عنها ويقبل بالتصالح.
بالطبع رفضت بشكل قاطع وتذمرت، ولكنه أصر وزاد في تدلله عليها وكأنه طفل صغير يتشبث بلعبة، حتى وصل به الأمر إلى التهديد بترك الغرفة والنوم في غرفة أخرى إن لم تستجب، لتضطر في الأخير أن تنصاع إلى رغبته، وتحارب خجلها وعقدها من أجله...
ما أجملها: نقية وشهية وطيبة، رغم كل ما مرّت به من مآسي، كانت قادرة على محو كل ما هو جميل داخلها. لقد وقع صريعًا بها، مزيونة، الفاتنة من الداخل ومن الخارج.
سقط بجانبها على الفراش، يطبع قبلة رقيقة على كتف ذراعها، بامتنان شديد على السعادة التي دخلت قلبه أخيرًا على يديها. يحاول بهدوء أن يوقظها:
ـ مزيونة... مزيونة يا قلب حمزة، اصحي...
حين استجابت أخيرًا لمحاولاته، فتحت أجفانها للنور بنعاس، تحاول الاعتدال في نومها حتى أصبحت مقابلة له، وبنصف وعي:
ـ عايز إيه يا حمزة؟ وبتصحيني ليه دلوك؟
حانت منه نظرة وقحة نحو الجزء المكشوف من الغطاء، جعلتها تنتبه لتجذب الملاءة عليها بغيظ، الأمر الذي جعله يصخك بملء فمه ساخراً بمظلومية:
ـ طب أنا نفسي أفهم، إيه الفايدة اللي بتعود عليكي لما تداري عني نعم ربنا، اللي من حقي على فكرة.
زفرت بحنق، واستعادت وعيها جيدًا، لتشدد الغطاء عليها جيدًا حتى جلست، تعقب وعينيها نحو الشرفة:
ـ أنا شايفه النور لسه ما حطش على الأرض، وانت شكلك رايق، ومصحيني من النوم مخصوص عشان تغلس عليا.
تنهد بصوت عالي، يعتدل بجلسته، ليصبح بجوارها قائلاً بمرح، وقد التف ذراعه حول كتفيها:
ـ لا والله يا حبي، أنا كان نفسي فعلاً أغلس وأناكفك دلوك، بس الحقيقة هي أن الوقت ما يسمحش، والنور فعلاً لسه ما حطش لأن الساعة مدخلتش على تلاتة أصلاً.
ـ ما دخلتش على تلاتة ومصحيني ليه يا حمزة؟
جاء رده على استفسارها هذه المرة بنبرة عشق خالصة خالية من عبثه المعتاد:
ـ عشان يا دوب على ما جهزنا نفسنا وحضرنا الشنط، نصلي بس الفجر ونتوكل على الله ونسافر على الغردقة ونقضي شهر العسل يا مزيونة قلبي. دا أنا عامل زي العيل الصغير، ما غفلتش غير ساعة واحدة بس جنبك، وبعدها قومت وعملت اتصالاتي عشان أروق بالي من كل حاجة. عايز كل دقيقة أقضيها معاكي تكون محورها أنت وبس، دنيتي كلها أنت، والعالم كله أنت برضو.
تطلعت إليه بتأثر، يصلها كل همسة وكل كلمة بصدق إحساسه، ولكن كان هناك بعينيها أسئلة، عرفها دون أن تنطق بها، ليردف مجيبًا عليها:
ـ عارف كل اللي بيدور في رأسك، إن كان عن ليلى أو ريان، مش ناسيهم والله. يمكن تعتبريها أنانية مني رغم أني مش مقصر برضو، لكني كمان عايز انفرد بيكي. أنتِ تبجي العالم بتاعي، وأنا أبجي العالم بتاعك... وبعدها نرجع للواقع عادي، يعني إحنا هنروح منه فين؟
تبسمت بحب، وكان ردها العملي أن التفت بذراعيها حوله لتعانقه، فقابل هو مباردتها بلهفة، عائدًا لعبثه:
ـ الله أكبر... واتخليتي كمان على الملاية...
لكزته بقبضتها حتى يتوقف عن إخجالها:
ـ بس بقى يا حمزة، وه عليك.
صاح بدوره، يزيد من ضمها:
ـ واهين تلاتة يا قلب حمزة.
---
في صباح اليوم التالي
داخل طرقات المستشفى كان يسير خليفة محددًا اتجاهه، حتى توقف على غير إرادته حين اعترضت طريقه تلك التي لم يكن يتوقع حضورها الآن على الإطلاق.
ـ روان!
همهم بالاسم، كأنه يتأكد من هويتها. لقد بدت بهيئة غريبة، مختفية الملامح تقريبًا، بهذه الانتفاخات والبقع الزرقاء والبنفسجية حول عينيها، وبعض مناطق البشرة التي انتشرت بها اللاصقات الطبية وبقع مختلفة صغيرة لجروح متفرقة، ألهذه الدرجة تمكنت منها هالة؟
ردت عليه بنبرة عاتبة لائمة، قاصدة تحميله الذنب:
ـ أيوه روان يا خليفة، اللي سلمتها تسليم أهالي لمراتك المتوحشة. شوفت عملت في وشي إيه؟ بص كويس، أنا محتاجة شهور عشان يرجع لطبيعته، ده لو محتاجتش عملية تجميل لا قدر الله، ولا إيدي اللي كانت عايزة تكسرها بس ربنا ستر. شعري اللي كانت بتقطع فيه بغل، جسمي كله ما فيهوش حتة سليمة من غير جرح أو كدمات، شوفت بقى عملت فيا إيه؟ أنت كنت السبب في كل اللي حصل يا خليفة...
وختمت بدموع تذرفها من عينيها، بقصد استدراج عاطفته، ولكن لم يحدث. وقد كان واعيًا لكل أفعالها، وبعد صمت دام لحظات، تاركًا لها المجال، جاء رده أخيرًا:
ـ طبعًا، أنا ميعجبنيش اللي حصل، وهالة راكبها الغلط من ساسها لراسها، بس الأكيد أنها هتاخد عقابها أضعاف، بسبب اللي عملته فيكي وفي نفسها وفي سمعة العيلة اللي كانت مهددة بسببها.
شهقت تتوقف عن البكاء، تعقب باستخفاف على قوله:
ـ يعني هتعملوا معاها إيه؟ هتطلقوها مثلاً؟ دا أقل جزاء لفعلها على فكرة، اللي زيها تستاهل الحبس سنين وانا كنت عايزة كدة امبارح، بس بابي هو اللي غصب عليّ وأجبرني أتنازل، خاف على سمعتكم وسمعتي وسمعة الشركة بتاعتنا...
ـ اممم.
زام بفمه، ليرد بهدوء متناهي، وقد انتهى وقت المفاجآت منها، بعد أن كشفها على حقيقتها:
ـ ماشي يا ستي، كتر خيره وخيرك على المعروف اللي عملتوه فينا، وجزاكم الله كل خير. ممكن بقى تسيبيني أفوت عشان أشوف المريض اللي جاي له مخصوص... ممكن... عن إذنك.
كان في النهاية قد تخطاها بالفعل، يسير بخطوات مستقيمة ثابتة، غير مكترث بحالتها، وقد توقفت محلها تطالع أثره بصدمة وعدم استيعاب. هذا ليس خليفة الذي كان يتلهف إلى نظرة منها، والذي كانت معجبة به في البداية قبل أن تلتقي بحمزة، ويأسرها بشخصيته القيادية الجريئة والقوية. لقد خسرت الإثنان الآن بسبب هالة: زوجها القوي الجريء وخليفة الصديق الطيب.
........................
لا يوجد سقف لجنونه معها، لم يكتفِ بسفرهما بعد الفجر باكرًا، حتى إذا وصلا إلى هنا داخل الشاليه المنزوي في جهة وحده بعيدًا عن الزحام والبشر، جزء كامل منه على البحر لهما وحدهما.
تماما كما طلبه حمزة من صديقه ... لم يمهلها إلا ساعتين فقط للراحة، ليسحبها من يدها ويخرج بها من أجل السباحة.
أجبرها هذه المرة كما فعل سابقًا، وجعلها ترتدي ملابس لم تكن لتجرؤ على ارتدائها أبدًا، ليأتي الآن ويجعلها ترتدي هذا الشيء الجديد عليها، يُدعى "بوركيني"، يغطيها بالكامل ولكن جزءًا منه ملتصق بها، والجزء الأعلى فوقه خفيف ومختلف في قماشته. ومع أنه كان يبدو جميلًا عليها، إلا أنها ما زالت تتذمر وهو يسحبها نحو مياه البحر:
ـ يا باي عليك يا حمزة وعلى غلاستك، يا عم سيبني أكمل القعدة على الشط وعوم أنت لوحدك، أنت عارفني هعرف أعوم يعني؟!
شدد حمزة بإصراره المعتاد:
ـ مش مهم تعرفي يا ست مزيونة، المهم أنا أعرف، وأعلمك تعومي معايا. أنا مش جايبك تتفرجي عليا، لازم نعيش التجارب كلها سوا ونستمتع مع بعض.
تابعت تزوم برفض، وقدماها تخطوان داخل المياه من خلفه، رويدًا رويدًا تتقدم في العمق:
ـ كفاية يا حمزة، الميا قربت توصل لرقبتي، سيبني أشوح بيدي ولا أبلبط في الجزء ده وأنا واقفة وانت قدم للغويط براحتك.
ـ ما فيش عوم في الغويط من غيرك يا مزيونة، اشبطي فيا كده وما تخافيش.
ـ يا مري، مخافش كيف؟
قالتها برعب حين حملها فجأة بين ذراعيه، يسبح بها وهي ما زالت تتشبث به برعب، تصلها أصواته بصعوبة وهو ينصحها أن تسترخي، أن تترك خوفها وجزعها من المياه والغرق، حتى تمكنت في الأخير أن تثبت محلها، وهو في المياه يعوم حولها ويشاكسها، ثم يغطس ويصعد، يغطس ويصعد، مأخوذًا بمتعة السباحة في المياه الباردة، ورؤيتها هي عابسة غاضبة خوفًا عليه. كم من مرة نصحته ألا يزيد بالتخفي داخل المياه وكتم أنفاسه، ولكنه يقابل نصيحتها بالعند، حتى إنه في المرة الأخيرة زاد من المدة، حتى صعد بعد عدد غير قليل من الثواني، اختبر فيها عزيمته، ليصعد بعدها شاهقًا بعنف وابتسامة واثقة، يريد معرفة رد فعلها على الإنجاز الذي قام به، ولكنه لم يجدها...
جالت أبصاره في كل الاتجاهات من حوله، ليدور بجسده يمينًا ويسارًا، يكاد عقله أن يجن، أين ذهبت؟
هو لم يغِب عنها سوى لحظات قليلة قضاها داخل الماء كاتمًا أنفاسه، بقصد التسلية وتخويفها أيضًا، ليصعد الآن ويجدها اختفت.
لا يوجد في البحر غيرهما والمساحة شاسعة، وهي لا تعرف العوم!
ـ مزيونة... مزيونة!
كان نداؤه صرخات، يريد العثور عليها سريعًا بأي طريقة. لقد شل الخوف عقله، لا يعلم كيف يفكر وأين سيبحث.
ـ مزيونة... مزيونة...
جاءت صرخته الأخيرة أعلى من كل ما سبق، ليباغت وعلى حين غرة، فتظهر له فجأة من المياه كالجنية، بمسافة قريبة إلى حد ما، تلتقط أنفاسها، لترد له المقلب كما يبدو، لكنها لا تعرف العوم، كيف تفعلها وتغطس؟!
ـ كده برضو تخلعيني عليكي يا مزيونة، كيف عملتيها وكتمتي نفسك؟ ما خوفتيش لا تموتي فيها؟
تبسمت بثقة تخبره، وهي تستمتع بالمياه حولها، وقد ارتخت أعصابها أخيرًا.
ـ لأ، مخوفتش يا حموزي، عشان بسببك اكتشفت إني بعرف أعوم وأغطس أحسن منك كمان، أنا بس اللي كنت ناسية.
ـ كنتي ناسية!
ردد بها غيظًا من خلفها، ليغطس فجأة، يقطع المسافة الفاصلة بينهما سابحًا، وفي لمح البصر وصل إليها، ليقبض على ساعدها:
ـ أنا عايز أعرف دلوك اتعلمت السباحة فين؟ وامتى؟ وكيف جالك قلب تعملي المقلب الماسخ ده فيا؟
ضحكت، تغطس منه مثل سمكة، وهذا موطنها، ترد الصاع صاعين:
ـ الكلام ده تقوله لنفسك يا حموزي. دلوك سميته "مقلب ماسخ" لما رديته ليك، لكن أنت لما توجف قلبي، عادي.
تمتم حمزة بتشتت، وهي لا تعطيه فرصة للتفكير بالدوران من حوله:
ـ يا بت، اهمدي، خيالتيني، أنا يا ستي راكبني الغلط واستاهل اللي يجرالي. المهم، إنتي اتعلمتي السباحة فين؟ دا إنتي ولا أكانك سمكة بلطي، ولا مولودة في الميا؟
ـ ما أنا فعلا، تقدر تعتبرني مولودة في الميا؟
ـ اسم الله!
صاح بها ساخرا بتعصب من أفعالها الاحترافية من حوله، لتجيبه ضاحكة هذه المرة وهي تعوم بظهرها:
ـ الحكاية سهلة والله يا حموزي، أنا كنت جلوعة أبويا لو تفتكر، يعني كل أفعال الولاد كنت أعملها مع أخويا، حتى العوم في الترعة...
أومأ حمزة بمرح، وقد جاءت فرصته:
ـ العوم في الترعة، جولي كده...
ـ أيوة، وعوم في البحر كمان، لما كنت أقعد بالشهر عند خالتي في سفاجا، يعني نفس البحر اللي هنا.
تعيرت ملامحه فجأة باستدراك، يجذبها من يدها بعصبية:
ـ خالتك دي عندها ولاد؟
ـ عندها...
قالتها لتزيد من انفعاله، ثم ابتعدت تتلاعب به:
ـ ولدها حسان، كان زي أخويا يا حمزة، وعمره مقارب من عمري، ما يفرقش عني غير سنتين، أنا وأخواته البنات كنا نُسابقه ويسابقنا...
لم يعلق، ولكنها رأت الشرار يتراقص في عينيه، وبدا وكأنه على وشك الفتك بها إن لم تلحق نفسها:
ـ بس ده كان زمان يا حبيبي، قبل ما أدخل الإعدادية، يعني أنا كنت صغيرة وهو صغير، بس دلوك هو كبر وأنا كبرت، وجوزت بنتي على يدك وما شاء الله كلها كام شهر وابقى جده...
قالت الأخيرة ضاحكة أيضًا، ولكنه لم يتأثر، بل عاد إلى الموضوع الأساسي الذي يشغله، قائلًا:
ـ المهم، حسان ده اتجوز ولا ما اتجوزش؟
ـ ما أعرفش.
ـ لاه تعرفي، بتقولي أكبر منك بسنتين، يعني ما كملش خمسة وتلاتين، واحتمال كبير ما اتجوزش.
ـ وه يا حمزة، وأنا هشغل نفسي بيه ليه؟ ولا باخباره يعني؟
قالتها بارتباك، ليؤكد عليها هو:
ـ لا، مش هتشغلي نفسك بيه يا ست مزيونة، بس هو اسمه ابن خالتك، يعني طبيعي جدًا إنك تعرفي معلومة كده ولا كده عنه.
ضيق الخناق عليها ليجبرها أن تخبره:
ـ وه عليك يا حمزة، وعلى زنك، عيال خالتي علاقتي مقطوعة بيهم من زمان، من ساعة ما اتجوزت عرفان.
الحاجة الوحيدة اللي عرفتها عنه لما قابلت أخته من سنتين، فاتو بالصدفة في بلدنا، قالت أنه: شغال في السياحة لما كنت بسألها عن أخبار خالتي وولادها، بس كده، ولا أعرف أي حاجة تاني...
ظنت أنها قد استراحت من الحاحه حين أخبرته بكل ما تعرفه، ولكنه عاد يدخل إليها بطريقة أخرى:
ـ أمم، يعني عرفان كان قاطع علاقتك بيهم، أنا ليه حاسس إن حسان هو السبب؟
ـ أنت كمان حفظت اسمه؟ طيب، مع نفسك بقى فكر وعيد وزيد، أنا بصراحة ما صدجت لقيت الميا... عن إذنك يا حموزي.
قالت الأخيرة تتخذ طريقها في السباحة وتبتعد عنه، حتى استفزته ليصيح بها بغيظ، وهو يهم ليتبعها:
ـ الله عليك يا ستي السباحة، يعني أنت تلفي راسي بكلمتينك، وبعدها تعيشي حياتك في الميا... وديني ما أنا سايبك!
.................
ولج إليها داخل الغرفة، بعد أن استأذن وسمح له بالدخول، ليجدها الآن جالسة بنصف نومة، تتناول الطعام من يد شقيقتها الصغرى التي كانت جالسة بجوارها تطعمها الأرز بالملعقة.
فقابلته بابتسامة رائقة، تناقضت تمامًا مع الشخصية التي يعرفها، حتى جعلته يبادلها الابتسامة في إلقاء التحية:
ـ صباح الخير، يا رب تكوني زينة النهاردة.
أجابتها برقة:
ـ صباح النور، أنا بخير والحمد لله.
يبدو أن الفتاة الصغيرة هي الأخرى قد انتبهت للتغير الذي أصاب شقيقتها، وهي ترد على أحد الرجال بلطف غريب عنها، فتبسمت بحالمية تتابع الحديث بين الاثنين:
ـ أسحب لك الكرسي من الجنب وأقعد يا خليفة، ولا أنت هتفضل واقف؟
ـ لا يا ستي، وأفضل واقف ليه؟ نسحب الكرسي.
سحب أحد المقاعد، ثم اقترب واتخذ جلسته بالقرب منهما، يخاطب الصغيرة:
ـ أخبارك إنتي إيه حلوة؟ هديتي دلوك بعد ما اطمنتي على اختك؟
أطرقت رغد بخجل لتتكفل شقيقتها بالرد عنها:
ـ حلوة إيه بس يا خليفة؟ أنت فاكرها عيلة صغيرة دي في الجامعة، هي بس اللي شكلها منمنم شوية...
ـ وه...
تمتم بها شاعراً بالحرج، وسارع للتوضيح:
ـ والله افتكرت إنها في إعدادية، بس حتى لو كان، ما هي زي أختي الصغيرة أو بنتي في كل الأحوال، مفرجتش يعني، وهرجع أقولها تاني: أخبارك إيه يا حلوة!
ضحكتا الاثنتان معه هذه المرة، رغد التي شعرت بنوع من الألفة معه، واعتماد التي لأول مرة تسمح لأحد أن يغازل شقيقتها المدللة أمامها، لثقتها التي نمت مع الأيام والظروف القاسية والتحديات التي مروا بها، لشخصيته الناضجة المتزنة التي تجعلها لا تشك لحظة في نيته نحو تلك الصغيرة، التي كانت ولا تزال العقدة الأساسية لها.
ـ ممتشكرين... يا عم خليفة على زوقك... أختي اعتماد، مش بس اختي، لأ دي أمي وأهلي كلهم...
نظر إليها خليفة بتأثر، وقد تأكد له الآن أن تلك هي حالتها الطبيعية في التلعثم، فتاة في الجامعة وتتلعثم! ماذا تبقى من المآسي لك يا اعتماد؟
وكأنها لم تلاحظ، هتفت اعتماد لتصرف انتباهه عن شيء آخر:
ـ الرائد اللي جه حقق معايا من شوية، بلغني إنك شهدت على محمود بأنه زقني وكان متعمد يقتلني.
سمع منها ليسألها باهتمام شديد:
ـ وانت كان ردك إيه؟ أوعي تجولي إنك أنكرتِ.
نفت له، تجيبه بحكمة:
ـ لا طبعا ما نفيتش، لأني حتى لو ناوية اتنازل بالفعل عشان إنه جوز أختي وأبو بنتها، رغم أنه يستاهل، بس برضو مش هيحصل غير بعد ما أضمن حقي وحقها.
ـ برافو عليكي يا اعتماد!
تفوه بها خليفة بإعجاب شديد، لرجاحة عقلها، ولأنها تزن الأمور بحكمة مهما كانت صعوبتها.
............................
داخل الشاليه الذي يجمعه بها، توقف مذهولًا ينظر إليها بعد أن ارتدت فستان السهرة الذي أتى به مخصوصًا لهذه الليلة.
بلونه الأسود اللامع الجميل، انتشرت عليه بعض الورود الملونة لتزيد من بهائه، يغطيها من الرقبة حتى حذاء القدمين بالأسفل منسدل على الجسد برقة، لا هو بالضيق ولا بالوسع، وحجاب في الأعلى، لفته بطريقة عصرية تغطي شعرها بالكامل، أما عن زينة الوجه فكانت خفيفة جدًا، يميزها الكحل الأسود في رسم العينين، ليضعها في مكانها الصحيح... فاتنة.
بالفعل كان مذهلًا ولائقًا بها، حتى جعله يشعر بالفخر مهللًا:
ـ أيوه كده، هو ده يا واد يا حمزة، عشان تعرفي إنّي بقيت حافظ كل حاجة فيكي، وعارف اللي يليق عليكي بالتمام.
عبست قليلاً مستهجنة طريقته الفجة:
ـ حافظ كل حاجة فيكي! ما تنقي ألفاظك يا حمزة، أنا أصلاً لابساه غصب عني، وممكن أقلعه حالًا على فكرة.
تخصر أمامها واقفًا بالحلة التي كان يرتديها، يخطف الأنفاس بطلته وأناقة هو الآخر، يسخر مشاكسًا لها:
ـ ولما تقلعي الفستان، هتروحي معايا العزومة إن شاء الله في المطعم بإيه؟ بقميص النوم مثلاً؟ ولا بالبيجاما البرمودا؟
ضربت بقدميها على الأرض لتنهره حتى يكف عن وقاحته:
ـ احترم نفسك يا حمزة، وبطل قلة أدب.
جلجل ضاحكًا يرد عليها:
ـ مبقاش حمزة لو بقيت مؤدب! يلا يا ماما، إيدك في إيدي، خلينا نروح المشوار، هي نص ساعة على عزومة صاحبي ده اللي أصر عليها، وبعدها نرجع على عشنا السعيد يا روحي.
بعد قليل، وصلا الاثنان إلى داخل المطعم الراقي الذي يُقام فيه عشاء على شرفه هو وعروسه، نظمها صديقه صاحب القرية السياحية بأكملها.
المكان سياحي من الدرجة الأولى، ولكن يوجد به عدد من المصريين، استقبله صديقه، يرحب بهم بحرارة، كان الرجل قاهري ويفهم طبيعة حمزة الغيور، فلم يرفع عينيه بها أبدًا احترامًا وتقديرًا لصديقه، وهذا ما كان السبب الرئيسي لموافقة حمزة.
ولكن الذي استوقفها كان شيء آخر مختلف، وهو أحد الأشخاص الذي اختلط عليها شبهه، كان جالسًا بركن وحده مع امرأة أجنبية، وكأنه هو الآخر وصله نفس الإحساس. فانتفض واقفًا يعترض طريقهما، مخاطبًا لها أمام حمزة:
ـ انتي مزيونة صح؟
أجفلها بالسؤال حتى ارتبكت، لترد بسؤال هي الأخرى غافلة عن المفاجأة التي كانت واقفة بجوارها:
ـ وأنت حسان؟
صاح الرجل وكانه وجد كنزًا:
ـ أيوة كده فعلاً، أنا حسان ابن خالتك مرزوقة يا مزيونة.
يتبع...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا