القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لإجلها الفصل الرابع والثلاثون 34بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات


رواية لإجلها الفصل الرابع والثلاثون 34بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات





رواية لإجلها الفصل الرابع والثلاثون 34بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات


 الفصل الرابع والثلاثون


كأنني كنتُ غريبًا عن نفسي حتى رأيتها...

فانكشفت ستائر الروح، وأدركت أنني ما خُلقتُ إلا لأكون عندها.

هي سكني وسكينتي، مرساي الذي ألقى فيه أثقال العمر فلا أغرق.

أغار عليها من الضوء إن لامس وجنتيها، ومن النسيم إن داعب خطاها.

أريدها أن تكون لي كما أنا لها، احتكارًا لا يعرف أنانية، بل حبًا يخشى أن يتسع الكون على سرٍّ أودعني الله إياه.

هي استثنائي الذي لا يتكرر، ومعجزتي التي ردّت الروح لصدري...

هي البداية التي لا نهاية بعدها.


المراجعة والخاطرة الروعة من الرائعة/ سنا الفردوس ( بطوط)

.........................


كما أن السعادة هي لحظات،

فالمصائب أيضًا تُرتكب في لحظات... نعم،

بل وفي أقل من اللحظات، وذلك حين يجبرك أحدهم بغباء فعله على التعامل معه بما قد يودي بحياته... على يديك.


مثل ذلك الأحمق الذي استوقف زوجته أمام عينيه، يتصدر ويعترض طريقها بعشم ليس في محله، ليُهلّل برؤيتها وكأنه كان يبحث عنها منذ زمان. وعلى الرغم من أنه قد علم منها عن هوية هذا الشخص قبل ذلك، أصرّ أن يدّعي عدم الفهم حتى يتسنى له الانتقام بحرية وبدون أدنى ذرة تردّد.


ـ أنا حسان ابن خالتك مرزوقة يا مزيونة.

انتي كمان عرفتيني زي ما أنا عرفتك؟ سبحان من يجمع القلوب... عرفنا بعض أنا وإنت من نظرة واحدة، رغم الفراق اللي عدى عليه سنين طويلة.


ـ فراق مين يا ابن الهبلة؟

أجفله بها حمزة، دافعًا إياه على صدره بقبضتيه القويتين حتى أجبره على الارتداد للخلف خطوات. لينظر إليه بانشداه سائلاً:


ـ انت مين يا حضرت؟ وبتضربني كده بصفة إيه؟


ـ بصفتي جوزها يا حيلتها.

صاح بها حمزة بعدائية واضحة، ليجبرها على التعامل معه، وهي تحاول أن تكون حاجزًا:


ـ اهدي يا حمزة، ده بيقولك إنه حسان ابن خالتي... يعني مش غريب عني و...


ـ اسكتي انتِ...

قاطعها صارخًا، فأجبرها على الصمت. فجاء تعقيب الآخر بما ضاعف من اشتعال حدة الموقف:


ـ جوزها إزاي يعني؟ أنا أعرف عرفان الحيوان كويس أوي، لا يمكن أنسى إنه طردني من بيته من أكتر من عشر سنين، وقطع علاقتنا ببنت خالتي الوحيدة... مزيونة.


ـ إنت كمان هتنده باسمها؟ والله شكلك عايز تتربى...


أوشك بالفعل على التهجم عليه وتهشيم وجهه بقبضتيه، لولا تصدّر صديقه صاحب القرية، فاحتضنه ليقيّده، مبتغيًا تهدئة الأجواء:


ـ صلِّ على النبي يا حمزة... الراجل مقالش حاجة عيب، هو بس أكيد خانه التعبير. راعي خوف زوجتك ورعب السياح حوالينا... وخد بالك دا راجل محترم معانا والله، ومسؤول مهم في الشركة اللي بتجيب لنا Guest (النزلاء) للقرية.


توقّف الرجل مخاطبًا الآخر:


ـ حسان، أرجوك تنتبه... ومعلش تعذره، دا حمزة القناوي، واللي بتتكلم عليها دي تبقى زوجته. بغض النظر إن كانت هي بنت خالتك بالفعل أو سوء فهم.


زفر حمزة بحنق شديد، محاولًا امتصاص غضبه مراعاة لحديث صديقه عن رواد المطعم وفزع زوجته. وما إن التفت إليها وجدها بحالة يُرثى لها، فأشفق عليها من نفسه. لكن سرعان ما أعادته إلى نقطة الصفر حين تفوّهت بعفويتها:


ـ اسمع منه يا حمزة... دا حسان، واد خالتي. بلسانه الفالت... دي طبيعته، والله ما بيعرف يمسك خشمه. لكن كل اللي قاله صح.


ياليتها لم تتحدث من الأساس، فقد استوحشت ملامح حمزة بغضب متعاظم عند ذكرها اسم ذلك الأحمق، والذي أبى بدوره أن يعطي فرصة للتفاهم دون أن يزيد على قولها، متأثرًا:


ـ انتي كمان فاكرة لساني الفالت يا مزيونة؟ يا سبحان الله... رغم مرور السنين دي كلها والقطيعة اللي حصلت ما بينا بعد جوازك من عرفان الزفت، أنا كمان عرفتك من أول ما وقعت عيني عليكي. رغم إني سايبك بملامح طفلة مش ست كاملة زي دلوقتي... بس العيون الحلوة دي مفيش زيها أبدًا. انتي مفيش منك اتنين أصلاً. لكن... امتى بقى اتطلقتي واتجوزتي واحد تاني؟ أنا كان لازم أعرف... ليه محدش قالي خالص عن الموضوع ده؟


ـ حسنًا، لا تراجع عن قتله الآن.

غمغم بها حمزة في داخله وقد اتخذ القرار بعد استماعه لوصلة الغزل المقيتة عن زوجته من ذلك المأسوف على أمره، وحديثه المستفز عن طلاقها وزواجها بآخر دون علمه، والغرض واضح بالطبع.


ليُبعد عنه بهدوء غريب ذراعي صديقه الذي انصدم هو الآخر، مستشعرًا قرب حدوث الكارثة، رغم تأكيد حمزة:


ـ سيبني... أنا بس هتفاهم معاه، مش أكتر.


أما مزيونة، والتي علمت بما يفكر فيه زوجها، فقد قبضت بكفيها على ذراعيه تنهاه برجاء:


ـ حمزة، أنا قلتلك من الأول إن لسانه فالت. بدليل إن سبب جطيعتي مع خالتي وولاد خالتي هو خربطته في الكلام مع عرفان... اللي فهمه غلط هو التاني.


ردّ عليها همسًا كازًّا على أسنانه بتحذير شديد:


ـ يعني عرفان مخبّل وفهمه غلط، وأنا بجى اللي أفهمه صح بعد كلامه عنك قدّامي دلوك؟ شيلي يدك عني، شيلي يدك لا خلّصك عليه بالفرد اللي في جيبي في ظرف ثانية. والله ما هتأخر دقيقة يا مزيونة...


على غير رغبتها، أجبرت على نزع كفيها من فوق ذراعه، خوفًا من تهديده. فهي الأعلم بتحوله من الرجل الأنيق أمامها، إلى بريٍّ متوحش حين تشتعل غيرته عليها. وقد رأت بأم عينيها ما فعله بعرفان، طليقها ضخم الجسد، في موقفين سابقين. فما بالها بابن خالتها الأحمق...


ـ وغلاوة أمك وريّان يا شيخ... لا تراعي إنه وحيد أمه على خمس بنات. والله خمسة...

تفوهت بها إليه تلتمس عاطفته. فجاء رده بتجبر، رافعًا حاجبه بشرّ مطلق:


ـ نحطها في اعتبارنا دي... أهي حاجة تخفف عنه وخلاص.


وتحرك من أمامها يتركها تتضرع بالأدعية، متقدمًا نحو الآخر، والذي لو يدري بما ينتظره ما تفوّه بنصف كلمة.


تحدث حسان فور أن وجده واقفًا أمامه يحاول التبرير:


ـ لا مؤاخذة يا حضرت لو أزعجتك بلهفتي ولا كلامي. بما إنك صعيدي ودماغك مقفلة وكده... أنا مقدّر. بس لازم تفهم إن مزيونة مش بنت خالتي وبس... ياما كانت تقعد عندنا في البيت بالشهور. أنا تقريبًا ربيتها على إيدي، قبل ما غراب البين... عرفان، يخطفها.


تبسم حمزة يخبره بما يسبق العاصفة:


ـ وأهو جالك الغراب التاني عشان يكمل رسالة الأول.


ما كاد ينهيها حمزة، حتى ختم القول بالفعل، بجبهته الحديدية لتصطدم بقوة برأس الآخر، فسقط على الأرض كجثة هامدة، ورأسه عرفت مكانها فوق حذاء أحد المتفرجين.


الأمر الذي جعل مزيونة تصرخ:

ـ يا مِرّي... راح فيها!


ـ اكتمي!

صدر منه أمر حازم يصمتها، ليعلّق صديقه المنحوس، صاحب المطعم والقرية بأكملها، وهو يتأمل حسان على الأرض:


ـ هو دا التفاهم بتاعك يا حمزة؟ يا نهار اسود... دا باينه محطش منطق خالص. حد يتصل لنا على دكتور يا إخونا... حد هنا دكتور طيب؟


ـ أنااا...

نطق بها ذلك الذي حشرت أقدامه أسفل رأس ذلك المسكين، حتي جعل الثلاثة ينتبهون إليه. كان بهيئة غريبة: يرتدي فانلة صيفية دون أكمام تكشف عن ذراعين نحيفين، وشورت في الأسفل لا يغطي الركبة بعظمتها الكبيرة البارزة، وعلى قدميه خف بلاستيكي، أحدهما تحت رأس حسان.


هادئ لدرجة أنه لم يتأثر أو يترك حتى زجاجة العصير التي كان يرتشف منها عبر أنبوب رفيع.


ـ إنت متأكد يا بني إنك دكتور؟

تفوه بها صديق حمزة نحوه بارتياب. فرد الآخر بسخرية:


ـ يا بني، شايفني عيل صغير حضرتك؟ أنا دكتور محترم وليّا وضعي، على فكرة.


ـ طيب يا دكتور يا للي ليك وضعك، شوف المزفت ده من غير رِط؟

توجّه بها حمزة نحوه، ليرمقه الاخر بنظرة إمتعاض وكأنه لم يسمع، فهدر الرجل صاحب المطعم والقرية:


ـ يا عم الدكتور! بنقولك شوف الراجل.


سمع منه، فقلب عينيه سائلاً:


ـ مين فيهم بالظبط؟ المجني عليه اللي ادشدشت راسه على رجلي... ولا الجاني، اللي واقف قدامي دون أدنى ذرة إحساس؟ دا اللي محتاج كورس علاج ودورة أدب وتأهيل في معاملة البشر والإحساس بيهم.


صاح في الأخيرة، مثيرًا غضب حمزة واندهاشه:


ـ إنت بتقول إيه يا مخبّل انت؟ تحب أكوّمك زيه عشان يبقى الكورس كامل؟


صرخت مزيونة متدخلة بينهما:


ـ يا مرااااري! هو إنتوا بتتخانقوا على إيه بالظبط؟ ما حد يشوف المسكين ده... عايش ولا روحه طلعت لخالقها؟


ـ يا سيادة الدكتور، هو إنت مش حاسس بالتقل اللي على رجلك؟

أضافها صديق حمزة هو الآخر، مخاطبًا ذلك المجنون، الذي كاد يُجلط الثلاثة ببروده.


زفر الأخير، وردّ بكبرياء:


ـ أكيد طبعًا حاسس بالتقل، وتقريبًا رجلي نَمِلت عشان راسه تقيلة. هنزل أشوفه دلوقتي... لكن قبل ما يحصل، حابب أقول لجنابك إنت...


توجّه بآخر جملة نحو حمزة مرددًا:


ـ ربنا موجود لأمثالك من الظلمة. نفسي أدعي عليك من قلبي... بس للأسف مش قادر.


ـ يخرب مطنك!

صدرت من حمزة مردفًا بذهول:

ـ يا جزين! هو أنا بيني وما بينك معرفة سابقة ولا تار قديم، لامؤاخذة، وأنا مش واخد بالي؟


كان الطبيب قد نزل في هذه اللحظة ليفحص حسان، فرفع رأسه يجيبه:


ـ لأ... بس بتفكرني بواحد أعرفه.


ـ بقى كل العمايل دي عشان بفكرك بواحد تعرفه؟ طب اسم المحروس إيه بقى؟


سمع منه ليعدّل نظارته على عينيه، ويجيب عن سؤاله باعتزاز:


ـ أنا الدكتور هشام، تخصص أمراض عصبية ونفسية.


أومأ حمزة مرددًا بسخريه:


ـ آه... قول كده عشان الواحد يفهم وما يستغربش.


ـ قصدك إيه؟ بتلمّح إني أنا مجنون؟

تمتم بها هشام، وهو يلقي برأس حسان بعصبية بعدما فهم تلميحه.


فصرخت مزيونة:

ـ بُووه عليا! أنا اللي مجنونة... وبت ستين مجانين! بس خلّصنا الله يرضى عنك... وشوف المسكين ده.


عاندها حمزة مستهجنًا، وكأنه قد تحول في هذه اللحظة:


ـ ما تقوليش علي نفسك مجنونة... ولا تشفقي عليه. يا أخلّصلك عليه خالص!


ضربت بكفها على فمها تهادنه بغيظ، وقد بدا أمامها كالذي فقد عقله. فعقّب هشام المراقب من الأسفل:


ـ حقيقي... مسكينة. بتفكريني بواحدة أعرفها.

........................


مُسطحًا على وجهه، يتأوه كلما مرت يدها الناعمة على جزء مُجهَد من جسده، تُدلّكه وتُخفف عنه بخبرتها القليلة، وقد نال منه التعب والإرهاق في تحمّل مسؤوليات مُثقَلة نيابةً عن شقيقيه، المنشغلَين في أمور خاصة بهما، فيأخذ دوره في أن يحل محلّهما الآن.


ـ آااه... آااه يا ليلى، اضغطي على الحِتّة دي من الكتف... متسبيهاش... كمان... كمان.


عقبت ليلى بإشفاق، ويدها ما زالت تعمل لرفع الوجع عنه:

ـ دي الليلة التانية يا معاذ وانت تترمي كده من التعب! طب يا حبيبي ليه تاجي نفسك كده؟ ما تخلي أي حد من ولاد إخواتك يساعدك. زرع وبهايم وشغل الصوامع... يا حبيبي إنت مش متعود على كده.


ردّ بصوت مكتوم، نتيجة لدفن وجهه بين وسادتين:

ـ حتى لو مش متعود، برضك لازم أبجى كد المسؤولية. مينفعش أعتمد على ولاد إخواتي. في أمور لا يصلح حد يسدّ فيها غيري أنا وإخواتي. زي وُجفتي في الواجب النهارده لعمي مرزوق، واد عم أبوي. ولا شندلة امبارح في القسم مع هالة، اللي كانت هتُشبكنا في مصيبة وحديت يمسّ العيلة كلها لو كان الخبر اتنشر عن خناقتها هي وروان. نفسي أفهم البِت دي إمتى هتحكّم عقلها بس؟ ماشية وفاتحة صدرها للعراك والمشاكل، ومش مُقدّرة وضعها كزوجة لخليفة، ولا حتى مراعية عيالها. ربنا يهديها.


تحدّثت ليلى بتساؤل عن هالة التي تقرّبت منها في وقت ما حتى ظنتها أختًا، من فرط اللطف الذي كانت تُعاملها به، قبل أن تنقلب وتُظهر شخصيتها الحقيقية:


ـ ربنا يهديها... بس هي فعلًا غريبة ومش مفهومة. ليه مُصرّة تتعب نفسها واللي حواليها؟ مع إن عمي خليفة ده زي البلسَم في هدوءه. يمكن لو عمي حمزة، أنا ممكن أديها عذرها عشان عصبي شوية وهي زيه. لا يمكن يكون في توافق ما بينهم.


تنفس معاذ بقوة، يفكر في تحليل ليلى لشخصية ابنة عمه المتهوّرة، وتساؤلها عن السبب خلف أفعالها تلك. يعلم الإجابة جيدًا، فهو ليس صغيرًا حتى لا يفهم نظرة المرأة لرجل غير زوجها. ومع ذلك لا يستطيع البوح بما يجول بخاطره، حتى أمام نفسه.


ـ سيبك منها يا ليلى ومتفكريش فيها، عشان هتتعبي. المهم خلينا في اللي إحنا فيه... اضغطي يا جَلبي شوية على العَضم التعبان... يدك خفت.


كانت قد توقفت بالفعل، وعقلها سرَح بشيء ما، لم تنتبه إليه إلا الآن. لا تدري كيف غفلت عنه.


ـ ليلى، لو تعبتي خلاص...

ـ هه؟ لا خلاص أها... هو أنا عملت إيه عشان أتعب يعني؟


تفوهت بها لتُنفض عنها الشرود، وتعود مرة أخرى لتدليك ظهره، تاركة أمر التفكير لوقت آخر.


---


وعند المنطقة المحظورة، أعلى المصرف القديم، حيث ذلك المقهى المشبوه...

كان عرفان واقفًا يتأفف بضجر وهو يُراقب ذلك الأحمق الذي يستفرغ ما بجوفه لفترة من الوقت، حتى رفع رأسه أخيرًا، يمسح بالمحارم الورقية على جانبي فمه، مرددًا باعتذار:


ـ لا مؤاخذة يا عرفان يا خوي، شكلي خدت هوا في معدتي... يا ستير يا رب. ده العيّا ماسِخ سم.


عقّب عرفان ساخرًا:

ـ ما هو ده الطبيعي... إنه يبقى ماسخ وزفت وجطران كمان. أمال سموه عيّا كيف؟ روح إنت عدي على الصيدلية، يدوك حاجة للعلاج. وبعدها روح على بيتك... اشرب حاجة سخنة وادفى ونام.


ردد عطوة بمسكنة:

ـ ومين يعني اللي عيعمللي الحاجة السخنة؟ ما إنت عارف إني أنا وحيد... إن ما كنتش أعمل حاجتي بنفسي، ولا أعمل وُكلتي بيدي، أُجعد بالجوع. إنت على الأقل الله يباركلك، لو ما عملتش مرتك، هتلاجي عيّل من العيال يعملك. كل واحد بياخد حظه عاد...


ـ وإنت إيه اللي مانعك تتجوز؟


ـ ها؟


ـ بقولك... إيه اللي مانعك تتجوز؟


أعاد عليه السؤال مرة أخرى بحدة، في تساؤل طرأ عليه فجأة، شاعرًا بشيء غير مفهوم في مَن كان يظنه صديقًا يومًا ما. فجاء رد عطوة بتلعثم ضاعف من شكوكه:


ـ يعني يا عرفان... ما صادفتش بت الحلال اللي تقدر تصوني. نصيب بقى.


ردّ عرفان بعدم اقتناع:

ـ ملقتش كيف يعني؟! دي الحريم والبنتة على قفا مَن يشيل. إنت مش واقع ولا فقري. يمكن صايع وملكش شُغلانة... بس معاك فلوس ورِث أبوك اللي كان سايبك وسايب أمك. لكنه نفعك في ورثه لما غار ومات. ليه بقى ما تكلمش أي واحدة من قرايبك تشوفلك عروسة؟ لو ليك غاية... في يوم وليلة هتتجوز.


ـ لو ليا عاد؟

قالها عطوة بمزاح، ليأخذها عرفان بظن سيّئ، مرددًا:


ـ لو ليك؟ خبر إيه ياض؟ أنا لولا إني شايفك بعيني مع الحريم إياهم، كنت قولت إنك... لا مؤاخذة. مع إن برضك مش مضمون.


انتفض عطوة بعدم تقبّل، شاعرًا بالإهانة:

ـ هو إيه اللي مش مضمون ولا مؤاخذة؟ ما تنقي كلامك يا عرفان! أنا راجل جوي، ولو طَقّت في دماغي، أتجوزهم أربعة من عشية... ويحبلوا الأربعة في نفس الليلة!


ضحك عرفان، وقد أثار سخريته هذه المرة بحق:

ـ أربعة مرة واحدة ويحبلوا كمان؟! طب قول واحدة يمكن الواحد يقدر يبلعها. قال أربعة قال!


وتابع ضاحكًا ليزيد من استفزاز الآخر، حتى نهض عطوة عن جلسته، يدفع الكرسي الخشبي للخلف بعنف، مغمغمًا:

ـ ووه يا عرفان! ده إنت ماسِخ سم. سيبها لك وماشي... اشبع بيها لوحدك.


ظل عرفان مستمرًا في ضحكاته دون اكتراث، حتى إذا ابتعد عنه الآخر بمسافة آمنة، قال محدّثًا نفسه:


ـ والله شكلك وراك سر كبير... كيف كنت غافل عنك السنين دي كلها، مش عارف.


.......


مرت ليلة ما أصعبها... فسد كل ما كان مُخططًا له تمامًا من عشاء رومانسي ولحظات جميلة يقضيها في صحبتها، ثم ينتهي به الوقت السعيد في حضنها غافيًا نائمًا براحة...


لكن ما حدث صار على عكس ذلك تمامًا: شجار مع ذلك السمج الذي ظهر له من العدم فعكّر صفو الليلة، ثم هلع وبحث عمن ينقذه، ثم قضاء نصف الليلة في المشفى التي تولوا بها إنقاذه، بعد تلك البطحة التي تلقاها رأسه. إنّه حتى لم يُعطه فرصة كي يُشفى غليله ويبرحه ضربًا، سقط من ضربة روسية واحدة وتسبب له بأزمة معها! أولم يكفه الطبيب الأحمق وقد أوشك على قتله هو الآخر في تلك الليلة الغبراء؟


لتعود معه بعد ذلك إلى المنزل، رافضة حتى النظر إليه، ولأول مرة منذ زواجهما يبيتان معًا على سرير واحد، كلٌّ منهما يُدير ظهره للآخر.


كم كان يحترق، وعلى فراش الجمر يتلوى، وهي بجواره ولا يستطيع ضمها إليه. نفسه العزيزة تمنعه من التنازل ومصالحتها على شيء لو تكرر ألف مرة لن يتصرف إلا كما فعل. وفي الوقت نفسه، من العدل أن يُقدّر حزنها منه بعد تصرفه بذلك الغباء.


لكن... أين هي الآن؟


انتفض بجذعه جالسًا، يوزع أبصاره في الزوايا من حوله، يبحث عنها بعينيه بعدما استيقظ ليجد الفراش خاليًا منها. نهض تاركًا الغرفة بأكملها ليُكمل بحثه عنها في باقي أرجاء المنزل.


ـ مزيونة... مزيونة... إنتِ فين يا مزيونة؟


وكأن الأرض انشقت وابتلعتها... شعر بالهلع وهو يُضاعف بحثه عنها بعصبية:

ـ روّحتي فين يا مزيونة واختفيتي؟ نصيبه تكوني روحتي البلد وسبتيني لوحدي... إنتِ فييييين؟


بصيحته الأخيرة كان قد وصل إلى باب المنزل الصيفي (الشاليه)، وامتدت أبصاره نحو البحر أمامه، ليتفاجأ بها داخل المياه تسبح بالبوركيني الذي جاء به إليها. فجاء تعقيبه السريع:


ـ صلاة النبي أحسن... أيوة يا ست السباحة، علّمناهم الشحاتة سبقونا على الأبواب!


اندفع داخل المياه بخطوات سريعة بملابس النوم، يهتف مناديًا حتى تنتبه إليه:

ـ مزيونة يا بنت أبو هيف! بتنزلي البحر من غيري وأنا نايم يا ست العرايس؟ طب حتى بلّغيني من باب العلم بالشيء!


رمقته بحدة، غير متقبلة سخريته:

ـ من غير مقلتة ولا تريجة! إنت كنت نايم وأنا دماغي كانت هتنفجر من كتر التفكير. قولت أخفف وأرفه عن نفسي شوية وأنزل البحر، مادام المنطجة معزولة. وعلى العموم يا سيدي، أهاه، بلاها عوم من أساسه.


تطلع إليها مصدومًا وهو يراها تتوقف عن السباحة وتخرج من البحر غاضبة، متخطية إياه. ليضرب بقدمه الماء أسفله ثم سارع يتبعها:


ـ على فكرة ده مش كلام ده! أنا مش قصدي أقلل منك... بس كمان قدّري وضعي. راجل يصحى من نومه ما يلاقيش مرته جمبه، وفي الآخر يلاقيها بتعوم من غيره! ولا إنتِ عشان شايلة مني ما صدقتي؟


توقفت تلتفت إليه، تواجهه مُقِرّة:

ـ أيوة يا حمزة، أنا بتلكّك. وكل زعلي بسبب غل الليلة اللي فاتت. وأوعى تفتكر إني هنسى أو أعدّيها بسهولة. حسان ابن خالتي، وفي بيتهم أنا ياما كلت عيش وملح... أبقى قليلة أصل لو عديت واتقبلت عشان بس إن جوزي بيغير عليّا. الرجالة ياما بتشوف وتعدي عليها مواقف زي دي... لو كل واحد عمل زيّك كده محدش هيجعد عليها.


زفر متقبّلًا نقدها، واقترب حتى وصل إليها، قائلًا بنبرة آسفة:

ـ أنا عارف إني غلطت، ومش طالب منك طبعًا تتبعيني على غلطي... بس رايد منك تتفهمي شوية طبيعتي.


جذبها من خصرها، يقربها إليه مردفًا بصدق:

ـ طب تعرفي إني عمري ما كنت كده في جوازتي الأولى؟ مكنتش بارد، لكن غيرتي معاها كانت عادية لأي راجل صعيدي ما يقبلش مراته تتحدّت بتساهل مع غيره أو تلبس لبس ملفت للنظر. لكن معاكي إنتِ الأمر مختلف... عايزك تلبسي وتطلعي للعالم والدنيا، لكن في نفس الوقت محدش يرفع عينه فيكي. محدش يبص لملك حمزة، لا بعشم ولا من غيره. حطي نفسك مكاني... وعيدي الكلام اللي خربط بيه الواد ده... وانتِ تعرفي إن معايا حق.


لكنها، على عكس ما توقع، جادلته برفض:

ـ وهو قال إيه يا حمزة يستاهل الضربة الواعرة دي؟ يمكن خربط لما اتكلم عني، لكن أكيد ما يقصدش... ونيته كانت...


ـ وأنا بقى هكشف على نيته إن كانت خير ولا شينة؟ ما تعقلي يا مزيونة!


قاطعها ليضيف بحزم:

ـ طب سيبك مني خالص، وخلينا في القطيعة اللي حصلت بينكم من سنين. ممكن أعرف عمل إيه مع عرفان عشان يطرده ويحلف عليكي ما تكلمي حتى خالتك بسببه؟


تلجلجت بارتباك، تجيبه بمراوغة:

ـ ما عملش... ده كان مجرد كلام حتى مش فاكراه.

ـ لا، فاكراه يا مزيونة وبلاش لف ودوران. قولي عمل إيه؟


مرة أخرى حشرها في الزاوية بإصراره، فانفعلت قائلة:

ـ سمعه هو وبيقول عليه إنه كيف ضرفة الدولاب! وإني لما كنت على الكوشة جنبه كان منظرنا زي "الجميلة والوحش".


ـ والله ما كدب في حكاية الوحش دي على عرفان... بس قال.... عليكي جميلة!


كزّ على أسنانه في الأخيرة بغيظ شديد:

ـ شوفي بقى... أها أنا كده كل ما أسمع منك نار تقيد أكتر، ووخزة الضمير دي تروح خالص مني.


ضجرت من إصراره، تضرب الأرض بقدمها:

ـ تمام يا حمزة... إنت حر!


التفتت عازمة العودة إلى الشاليه وتركه، لكنه أبى أن يُعطيها غرضها، فجذبها بحزم لتقع بين ذراعيه، يهادنها برجاء لا يخلو من مكر:

ـ خلاص بقى، ما تبجيش صعبة جوي باه... ليكي عليا أحكّم عقلي شوية بعد كده. لو شوفته في مكان مش هضربه تاني!


عقبت ساخرة بانشداه من كرمه المبالغ فيه:

ـ يا سلااام! وجاي على نفسك جوي كده ليه بس؟ انت موته أحسن!


تغيرت نبرته فجأة من العبث إلى شيء آخر أعمق وأكثر صدقًا:

ـ يا ستي لا أمُوته ولا يموتني... أنا كنت بناغشك بس. الليلة اللي فاتت مرت كيف الموت في بُعدك يا مزيونة. جنبي على فرشة واحدة ومش قادر ألمسك ولا أحدتك... كنت أقدر أفرض نفسي عليكي وإنتِ مولّية مني، بس أنا ما قبلتش. سيبتك تاخدي غرضك وتعذبيني، عشان عارف إن ده أقل عقاب منك بعد اللي عملته. بس وحياة أغلى ما عندك... ليلى... يا شيخة، ما تكرريها تاني.


في تلك اللحظات، لم تكن هي الأخرى أقل صدقًا منه، معبّرة عمّا اعتراها بالأمس من وحشة رغم قربه منها ونومهما علي تخت واحد:

ـ ما إنت كمان أعز ما عندي... مش ليلى بس. ولا فاكر الليلة الصعبة دي مرت عليك إنت وحدك؟ لاه يا حمزة... مزيونة هي كمان كانت بتتعذب جنبك على الفرشة. لو كنت شايفها عقاب، فأنا كنت بعاقب نفسي زيك. ليلة بطولها مرت عليا من غير ما يغمضلي جفن. إنت بقيت في حياتي حاجة كبيرة جوي يا حمزة... فوق ما تتخيل كمان.


ابتهج بما سمع، يردّ وقد أسعدته كلماتها، ليزيد من ضمها وتقريبها إليه:

ـ ووه يا قلب حمزة! كان فين الكلام الحلو ده بس؟ أيوة كده، بلّي ريقي وقولي واشجيني...


فجاء ردها بمكر أنثوي بدأت تتقنه لتسحب من زوجها ماتريده في الوقت المناسب:

ـ واهين يا قلب مزيونة! شوفت؟ أها بقيت بعرف أجاريك... وشوية شوية هتلاقيني بقول كتير. بس عشان خاطري... ما تعملش زي عرفان وتحرمني من خالتي. بغض النظر عن اللي عملوا حسان... وهو مش هيكرر غلطه معاك بعد اللي حصل. ممكن يا حمزة؟


زفر بحنق شديد، وقد فهم مقصدها بعدما حشرته في زاوية لا مفر منها:

ـ ماشي يا مزيونة... هاخدك ونروح نزورها كمان. عندك طلب تاني؟


هللت بفرحة لم تستطع إخفاءها، لتحتضنه صارخة:

ـ يا حبيبي يا حمزة! ربنا يخليك ليا وما يحرمني منك أبدًا أبدًا يااارب.


رفعها من خصرها حتى لم تعد قدماها تلمسان الأرض الرملية أسفلهما، قائلًا بغيظ ممتزج برغبة في الانتقام:

ـ ماشي يا بت الأحرار! والله واتعلمتي اللؤم وعرفتي تغلبيني. لكن مبقاش حمزة إن ما خدت حقي منك تالت ومتلت!


تحرك بها عائدًا إلى البحر، فهتفت مستفسرة:

ـ طب راجع بيا على البحر ليه؟


دفعها بذراعه فسقطت في المياه، وخلع قميصه ليلحق بها، قائلًا:

ـ زي ما عومتي لوحدك... تعومي معايا دلوك. لحد ما نتعب، وبعدها نرجع على الشاليه. اليوم كله النهارده مفيش طلوع. والله لاخد حقي منك تالت ومتلت.


ـ ووه!

رددت بها بنبرة مُستهجنة بدلال محبب، ليزمجر مجاوبًا وهو يسبح ليحاصرها حتي لا تبتعد بحرفيتها التي اكتشفها حديثًا:

ـ واهين يا بت... أنا حمزة القناوي على سن ورمح!


سيطر على حركتها، ليحملها بين ذراعيه ويُسقطها في المياه بمرح. فصرخت مستمتعة، تُجاري جنونه. قضيا قرابة الساعة في اللعب والسباق داخل المياه، قبل أن يعودا إلى عُشهما... يُعوّضان عذاب الليلة الماضية بساعات من القرب والوصال، لا يكتفي منها ولا تكتفي منه أبدًا.

...............................


أتى اليوم أيضًا إليها، ولكن هذه المرة مع شقيقته وزوجها الأستاذ منصور، في زيارة لها، وقد كان هذا اليوم الثاني بعد تلك العملية التي أُجريت لها في ذراعها.


كانوا في طريقهم إليها، حين تفاجؤوا بحشدٍ من الرجال يخرجون من عندها، بصورة أثارت الانتباه، حتى جاء استفساره بفضول وهو يراهم متخذين الطريق نحو المصعد في الجهة الأخرى:


ـ مين دول يا منصور؟ ناس من عيلة الأبلة ولا إيه ظروفهم؟


بتركيز شديد منه نحو الرجال، أجابه منصور:

ـ ولا واحد فيهم أعرفه، دول شكلهم وجاهة ومنزهين. إنما عيلة اعتماد كلهم غلابة.


ـ يعني إيه؟

تساءل بريبة، لتعقب عليه شقيقته:

ـ يا سيدي يا خبر النهارده بفلوس، بعد كام خطوة بس هيبقى ببلاش. أنا عارفة إنتوا مستعجلين على إيه؟


ـ آه والله، أهي جالتلك المدام. خدو الحكمة من فاه الست منى.

أضاف بها منصور، لتجاريه زوجته ضاحكة:

ـ تشكر يا زوجي العزيز. أهي دي ميزة اللي تتجوزلها مدرس عربي، يضرب الجملة بكذا معنى. بس أنا بعديله، أصل ما بعدش كتير...


طالعهم خليفة بغيظ رغم ابتسامته لرواق مزاجهم واندماجهم الغير طبيعي معًا:

ـ يا بوي عليكم انتو الجوز، صحيح ما جمع إلا ما وفق.


وشاركهم الضحك أيضًا وتبادل المزاح، حتى وصلوا إلى الغرفة المقصودة.


لتتقدمهم منى في إلقاء التحية:

ـ صباااح الخير، ممكن ندخل يا حلوين؟

ردت اعتماد بصوتها الواهن:

ـ اتفضلي إنتِ واللي معاكي، ودي محتاجة استئذان يا ست منى؟


سمعت منها لتدلف وخلفها خليفة ثم منصور، الذي شاكسها بمرح:

ـ يا ما شاء الله عليكي، أنا برضو قولت إن الأبلة اعتماد ما يتخافش عليها، زي القطط بسبع أرواح... نمسك الخشب.


استجابت بابتسامة لمزاحه ومزاح زوجته، حتى قطع عليهم خليفة المتعجل بفضوله:

ـ احنا شفنا واحنا جايين... جماعة بعمم طالعة من عندك. دول عندينا من البلد؟ أصل ما عرفتهمش صراحة.


لم تجبه على الفور، بل اعتلت ملامحها شيء من التردد أدخل في قلبه الشك، فتكفلت هذه المرة شقيقتها الصغرى بالرد، تصارحهم بما لا تقوى عليه اعتماد، وبطريقتها المتلعثمة في الحديث:


ـ دول... جماعة كبااار من عيلة مـ... مممحمود جوز روضة. كانوا جايين يطمممنوا على اعتماد ويعتذروا منها...


ـ يعني إيه يعتذروا منها؟ هيجيبولها حقها يعني ولا إيه؟ أنا مش فاهم.

تساءل بها بحدة، وقد تسرب إليه شيء من الريبة لم يريحه، ليأتي الرد هذه المرة من اعتماد:


ـ عايزني أتنازل عن المحضر.


ـ كده ببلاش؟ إيه المقابل طيب؟ ولا هي بجاحة وخلاص؟

كان منفعلًا بدرجة جعلت شقيقته تتدخل من أجل احتواء الموقف:

ـ هو قصده يعني يبقى فيه تعويض وحق يتاخد من الواد الصايع ده عشان ما يكررهاش تاني ويعرف إن الله حق.


أضاف منصور هو الآخر على قول زوجته:

ـ أيوه أمال إيه؟ مع إني كنت أفضل إنه يتحبس أحسن، عشان ده في القانون اسمه شروع في القتل. دي جريمة مش حاجة هينة.


صمتت اعتماد، مخفضة عينيها بألم زاد من ثقل ما يكتنف هذه اللحظة، لترد عنها رغد وللمرة الثانية:


ـ ولا فييي أي حاجة ممن الكلام ده. ده هما اللي على لسانهم إنهاا ككانت لحظة غضب، وجالوا: عفا الله عما سلف، وإن البِت الصغيرة لازم تعيش بين أمها وأبوها...


للمرة الثانية يخرج عن هدوئه المعتاد وقد استفزه ما سمع:

ـ يعني كمان عايزين يكافؤه ويردوله مرته وبته؟ ده إيه البجاحة دي؟ جايين بربطة المعلم يهزوا طولهم؟ الناس اللي ما عندها ريحة الدم! ده بدل ما يربوا ولدهم عشان يحرم ما يستقوي على الولايا مرة تاني. تلاتة بالله العظيم لو حضرت الجعدة دي، لكنت مسحت بكرامتهم الارض واحد واحد. اللي يفوت للخسيس وعايز الناس تعديله غلطه... يبقى ندل وقليل أصل زيه.


حسنًا، لقد بالغ في ثورته، ولكن لا أحد ينكر صدق كل كلمة خرجت منه، رجل بحق.

هذا ما دار بخلدها تتابع بصمت ردود منى وزوجها اللذين استفزّ حماسهما أيضًا، فأيّداه وثمّنا موقفه، حتى فاجأها بقراره:


ـ إنتي خليكي برا الموضوع ده خالص يا اعتماد. أنا إن ما كنت أعرف أمسح بكرامة الناس دي الأرض، وأعرفهم قيمتهم وسط الرجالة الصح... شنبي ده ما يبقي على راجل.


ضحكت منى وقد غمرها الزهو بحمائية شقيقها الهادئ بطبعه، وتلك النظرة في أعين اعتماد التي تلاحظ تغيرها لأول مرة، وكأنه يعيد صياغة تفكيرها وعُقدها دون أن يدري.


ـ طب والرجالة إيه ذنبهم بس يا واد أبوي؟

أجابها قاطعًا:

ـ ذنبهم إنهم بيدافعوا ويبرروا غلطه، وده في شرعي ذنبه أكبر من الجاني نفسه.


أيّده منصور بشدة، ليكونا سندًا لتلك المسكينة وشقيقاتها:

ـ برافو عليك يا خليفة، وأنا معاك عليهم الناس دي.


.............


مساءً


وبعد أن طلب منها أن ترتدي فستانًا جديدًا من تلك المجموعة التي قد أتى بها لها، ورغم تذمرها واعتراضها إلا أنها استجابت كي تُرضيه. ففاجأها بغلق باب الغرفة، بحجة أن يتركها تُفاجئه بهيئتها الجديدة.


فاستغلت الأمر كي تستغرق وقتها جيدًا في التجهيز، وما إن انتهت وبعثت إليه بالرسالة، حتى وجدته يفتح لها الباب، يصدر صوت صفير تعبيرًا عن إعجابه وانبهاره.


فقد كان الفستان هذه المرة بلونٍ زنجاري، ينساب على جسدها بنعومة، وكالعادة يغطي حتى أسفل قدميها. شعرها المنسدل وضعت عليه وشاحًا من نفس اللون، وقد أصبحت امرأة جديدة تعرف ما يليق بها، والفضل بالطبع يعود إليه.


ـ هااا بقى... بعد ما خليتني لبست واتأنتكت، هنقضي السهرة هنا جوه البيت؟ ولا هتسحبني على مكان تاني ونعمل خناقة جديدة، وإنت لابس البدلة الحلوة دي؟


ضحك حتى مالت رأسه للخلف، ثم نفى برأسه وهو يسحبها للخارج دون صوت. فتذمّرت باعتراض:

ـ ساحبني وطالع بيا على طول؟ طب سيبني ألف الطرحة!


لم يُرِحها بكلمة، حتى إذا فتح الباب الخارجي، وجدت الإجابة بأبهى صورها.


فقد أعدّ طاولة شاعرية رومانسية، ارتصّ عليها عدد من الأطعمة الجاهزة، والإنارة التي نُظمت كدائرة حولها، تعطي المشهد بريقًا خاطفًا.


لتردد بتأثرٍ وانبهار فاق حدود عقلها الصغير:

ـ إنت اللي عملت كده يا حمزة؟


أجابها بزهوٍ وتفكّه:

ـ ايوه أنا اللي عملته بنفسي. إينعم مش بروعة اللي بيعملوه ناس متخصصين، بس أظن يعني إنه يكفي الغرض... لأنه شاعري وعلى البحر وكده.... إيه رأيك؟


تطلعت إليه مبتسمة لطريقته العفوية في الشرح، مرددة:

ـ رأيي فيه إيه بالظبط؟ يعني إنت تعمل كل ده عشاني، وفي الآخر جاي تسألني عن رأيي؟ هو إنت طلعتلي منين ولا كنت متخبي فين بس؟


جذبها إليه يطبع قبلة رقيقة على جبهتها، هامسًا بصوتٍ متحشرج:

ـ مفيش فين ولا منين. أنا لقيتك بعد صبر، وعارف قيمتك زين. وده حق المزيونة عليا. يعني كل اللي شايفاه ده... قليل جوي عليكي كمان، يا أميرة قلب حمزة.


لم تعد هناك كلمات تكفي، ليتبقى لها الفعل فقط. فألقت بنفسها عليه تحتضنه بامتنان شديد:

ـ مفيش أميرة من غير أمير، وإنت سيد الأمرا كمان. والله بحبك يا حمزة.


تبسّم براحة يشدد عليها بذراعيه بعد أن رطّبت قلبه بأعظم جملة يشتاق إلى سماعها منذ أن عرفها ودق قلبه بالحب لها، ليبادلها بقوله:

ـ وأنا بعشقك... يا قلب حمزة.

✨ ... يتبع

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع