رواية قلوب تحت الحراسه الفصل الخامس 5 بقلم بشرى اياد حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية قلوب تحت الحراسه الفصل الخامس 5 بقلم بشرى اياد حصريه في مدونة قصر الروايات
#قلوب_تحت_الحراسه
#البارت_الخامس
كانت ليان لا تزال مستندة على كتف جاد، بينما عيناها نصف مغمضتين، تتأرجح بين دفء اللحظة وبين شتات العقل.
لكن في عمق تلك الراحة… كان هناك شيء يتحرك.
لا داخلها، بل خلف الجدران.
جاد رفع رأسه فجأة، حاسًّا بشيء ما.
همس:
– "في حد بيراقبنا؟"
نهض بهدوء، تقدّم نحو الشباك، فتحه بخفة، ونظر للشارع.
السيارة السوداء… اختفت.
كأن سيف لم يكن هنا.
أغلق الشباك، التفت نحو ليان، لكنها كانت تنظر له هذه المرة بعينين غريبتين… كأنها رأت شيئًا في نومها القصير أيقظ ذاكرتها.
قالت بصوت منخفض:
– "أنا… سمعت صوت… في الحلم."
– "صوت مين؟"
– "كان بيقول… لو صحيتِ قبل الوقت، هيطردوكي من كل حاجة."
سكت لحظة، ثم سأل:
– "وكان الصوت… صوت أبوكي؟"
هزّت رأسها:
– "ماعرفش. بس كان الصوت جوّا مخّي… مش جوّا الحلم."
في تلك اللحظة… رنّ جرس الباب.
تجمّدا معًا.
نظر جاد للساعة. الثانية إلا ربع صباحًا.
تقدّم نحو الباب، سحب مسدسه بهدوء، فتح فتحة العين.
شخص يقف خارجًا… يحمل علبة بيتزا؟
صوت شاب:
– "أوردر؟ بيتزا مارجريتا؟"
جاد عبس:
– "إحنا ما طلبناش حاجة."
الشاب اقترب من العين:
– "إنت أكيد الأستاذ جاد؟ الورقة فيها اسمك… ومعاها ظرف صغير."
فتح جاد الباب نصف فتحة، أخذ العلبة والظرف، ثم أغلق الباب بسرعة.
نظر لليان، ثم فتح الظرف.
داخله ورقة مطوية بعناية، مكتوب فيها:
> "الذاكرة يمكن محوها… لكن بعض البرامج تشتغل لوحدها لما تتعرّض لضغط عاطفي شديد.
لو ليان قربت تفهم… لازم تنقلها. فورًا. لأنّهم جايين. والمرة دي… مش هيهددوا. هيقتلوا."
– س.م.
س.م.؟ سيف مراد؟ أم شخص آخر؟!
في هذه اللحظة، ليان صرخت:
– "جاد!!!"
التفت، فوجدها تقف قرب الشباك، تشير إلى حائط المقابل.
بخّاخ أسود، كتابة كبيرة ظهرت على الجدار المقابل:
"الملف لسه حي."
ثم… انفجرت السيارة في الشارع!
الانفجار لم يصب أحد، لكنه كان رسالة.
واضحة. موجعة.
ركض جاد، أمسك ليان:
– "لازم نخرج من هنا فورًا. المكان اتحرق!"
ليان كانت ترتعش، لكنها هذه المرة قالت بصوت ثابت:
– "أنا مش ههرب… المرة دي أنا اللي هطاردهم."
رفع حاجبه بدهشة:
– "انتي لسه مش فاكرة حاجة."
نظرت إليه بعينين فيهما شيء جديد… شيء قديم عاد للحياة:
– "يمكن عقلي نسي… بس قلبي؟ قلبي بدأ يفتّش في الضلمة."
الانفجار في الشارع لم يكن مجرد إنذار… بل إعلان حرب.
الغبار غطّى كل شيء، والدخان صعد كأن السماء نفسها اختنقت. أصوات السيارات توقفت، والهدوء في الشوارع تحوّل لصمت مرتبك، مشوّه بالخوف.
جاد كان يركض وهو يسحب ليان خلفه، حقيبة صغيرة على كتفه، وبداخله كل ما استطاع جمعه من أوراق وأقراص ومسدسين قديمين.
صعدا درجات الطوارئ، دخلا من مخرج خلفي للبناية المقابلة، وصعدا إلى سطحٍ مهجور.
وقفا للحظة، يتنفسان بصعوبة، وقلباهما يدقّان بإيقاع الموت.
ليان كانت تتنفس بعمق، لكن ملامحها تغيرت…
شيء ما تشكّل فيها.
لم تعد نفس الفتاة التي ارتجفت منذ أيام، أو تلك التي احتاجت من يمسك بيدها.
هذه الليلة… كانت العاصفة في عينيها.
نظرت إلى جاد، وقالت بصوت فيه نبرة لم يعهدها:
– "أنا مش هستخبى أكتر من كده، جاد… كل حاجة بتحصل حواليا مش صدفة. هم عايزينني أهرب علشان يفضلوا يتحكموا. بس أنا خلصت من فكرة إني أكون هدف."
نظر لها بذهول، ثم قال:
– "ليان… إنتي بتتكلمي بثقة كأنك... رجعتي؟"
– "أنا مرجعتش… بس كل حاجة جوايا بتتحرك. ذكريات بتطلع فجأة… إحساس بالناس، بالأماكن، بالألم. يمكن عقلي لسه مقفول… بس قلبي؟ قلبي فتح أبواب محدش يعرفها غيري."
ساد صمت خفيف. ثم تابع جاد بنبرة مترددة:
– "بس هم مش هيسيبونا… إنتي شايفة بعينك، كل خطوة لينا مرصودة. حتى وأنا واخد كل احتياطاتي، برضه وصلوا."
قاطعته بقوة:
– "يبقى نروح لهم إحنا… نقترب أكتر من قلب لعبتهم. نخلّيهم هم اللي يتهزوا."
جاد ابتسم بسخرية:
– "وهنعمل ده إزاي؟ نروح نطرق بابهم ونقولهم صباح الخير؟"
ردّت بعين ثابتة:
– "لا… نبدأ من أول خيط. سيف مراد… مش واثقة إنه بيشتغل لوحده. وأنا حاسة إن في حد تاني… أقرب مني ومنك، هو اللي بيحرّك المشهد."
اقترب منها خطوة، نظر لعينيها مباشرة:
– "إنتي عايزة نبدأ حرب؟ لأن الحرب دي… مش مجرد رصاص. دي أرواح، وخسارات، وناس ممكن نموتهم… أو نخسرهم للأبد."
قالت بهدوء غريب:
– "أنا فقدت نفسي مرّة… ومش مستعدة أفقدها تاني. لو لازم أواجه كل ده علشان أعرف أنا مين… يبقى الحرب دي بتاعتي أنا."
ساد صمت، تخلّله صوت صفير الرياح فوق السطح.
ثم مدّ جاد يده، وقال:
– "خلاص… إحنا سوا. بس لازم نخطط صح. أول حاجة نعرف سيف فين. تاني حاجة… نكتشف مين الخاين اللي بيحرّك الكواليس."
أمسكت يده بقوة، ثم قالت:
– "وثالث حاجة… نكتب النهاية بإيدينا."
•••
في مكانٍ آخر…
مقرّ تحت الأرض. إضاءة باهتة. شاشات ترصد كل شيء.
رجل خمسيني، بوجه بارد كالفولاذ، يقف أمام شاشة كبيرة، عليها صورة ليان وهي تهرب.
خلفه يقف رجل يرتدي بدلة رمادية، يبدو أنه مسؤول التنسيق.
– "سيادتك… بعد الانفجار، خرجوا من الموقع، لكن قدرتنا نحدد اتجاههم."
– "وجدتوهم؟"
– "مش بدقة… بس عندنا تخمين."
الرجل الكبير قال بصوت متين:
– "ليان بدأت تسترجع… ده أسوأ سيناريو."
– "تحب نبعت الفريق؟"
– "مش دلوقتي… أنا عايز أعرف حاجة أهم."
استدار ببطء نحو الضابط الصغير، ثم سأله:
– "مين وصل ليان بالمكان ده؟"
– "تقصد… سيف؟"
هزّ رأسه نافيًا:
– "سيف مش بيشتغل من دماغه. في حد تاني… أقرب، أهدى، وبيوجّههم من بعيد."
ثم نظر للشاشة، حيث كانت صورة ليان تتجمّد على لحظة نظرتها الأخيرة قبل الانفجار.
همس:
– "قلوب زي دي… لو ما انكسرتش، بتقلب الطاولة."
---
في اللحظة ذاتها…
كانت ليان تُقلب دفترًا قديماً وجده جاد في حقيبة والدها.
دفتر جلدي، متآكل الأطراف، يبدو كمفكرة شخصية.
لكن كل كلمة فيه… كانت شفرة.
كل صفحة تبدأ بتاريخ، وتنتهي برمز.
بعض الصفحات ممزقة، وأخرى مطموسة بالحبر الأسود.
سألت جاد وهي ترفع عينها عن الصفحة:
– "إيه ده؟ دي خط إيده؟"
أومأ جاد:
– "أيوه… بس مش مجرد مذكرات. دي خريطة أسرار… بس مكتوبة بطريقة محدش يقدر يفهمها غيره."
– "ولا أنا؟"
– "يمكن… لو فكرتي مش بالعقل. فكري بالقلب."
ابتسمت بسخرية:
– "قلب إيه اللي هيحل شيفرات؟"
ابتسم جاد بخفّة:
– "اللي اكتشف حبك وأنا غريب، ممكن يحل أي شفرة في الدنيا."
سكتت، وقلبت الصفحة.
ثم توقفت فجأة.
عيناها علقتا على سطر مكتوب بخط واضح، دون تشفير:
> "لو ضاع كل شيء… روحي لـ (نَسرين). هي آخر من تعرف الحقيقة."
همست:
– "نسرين؟ مين دي؟"
جاد أخرج هاتفه، بحث بسرعة في قاعدة بيانات قديمة، ثم قال:
– "في واحدة اسمها نسرين عمّار… كانت تشتغل في أرشيف الأمن القومي، وخرجت فجأة من الخدمة سنة ٢٠١٢. ماحدش عارف ليه."
ليان نهضت فجأة، صوتها حاسم:
– "عايزة أشوفها… دلوقتي."
جاد تردد:
– "ليان… لو الشخص ده لسه حي، يبقى أكيد مراقَب. ولو مات… يبقى اتقتل علشان يسكت. إنتي مستعدة للمواجهة دي؟"
نظرت له بعين ثابتة، وابتسمت بهدوء قاتل:
– "أنا مبقتش خايفة من حد. حتى من اللي جوايا."
•••
في مكان آخر – غرفة مظلمة مراقبة
الرجل الخمسيني ينظر إلى شاشة أخرى.
فيديو مباشر يُظهر شابة ترتدي سترة رمادية، تدخن سيجارة على شرفة ضيقة.
كان يراقبها بصمت، ثم قال لمساعده:
– "اتحرّكوا… نسرين عمّار ماينفعش تقابل ليان. مش دلوقتي."
– "نخلص عليها؟"
رد وهو يضع يده على الشاشة:
– "مش نخلص عليها… نرجّعها للمكان اللي خرجت منه. السجن."
•••
بعد ساعتين – شقة نسرين، شبرا
طرقات خفيفة على الباب.
نسرين تنظر من العين السحرية، تفتح، تتفاجأ:
– "ليان؟!"
ليان كانت تقف بثبات، وخلفها جاد يراقب بصمت.
قالت نسرين وهي تتراجع خطوة للوراء:
– "مفروض ما نرجعش نحكي تاني… كنتي لسه طفلة لما كل دا حصل!"
– "بس أنا دلوقتي بقيت كل الحكاية."
دخلت ليان دون استئذان، وجاد خلفها.
جلسوا في صالة بسيطة، جدرانها مغطاة بصور قديمة ومقالات ممزقة.
قالت نسرين وهي تنظر في عينيها:
– "أبوك خبّى عنك أكتر مما كنتي تتخيلي. لكن عمل كده علشان يحميكي… مش علشان يخونك."
– "هو اللي طلب منك تحتفظي بحاجة؟"
هزّت رأسها. ثم قامت وذهبت إلى غرفة داخلية.
عادت بعد دقائق، تحمل صندوقًا صغيرًا مغلقًا بقفل ميكانيكي قديم.
– "الصندوق ده… ما فتحتوش من ١٢ سنة. بس هو باسورد."
جاد قال:
– "فيه اسم؟ رقم؟ كلمة سر؟"
نسرين همست:
– "مش لأي حد… قال لي: اللي يفتح الصندوق ده، لازم يقول الكلمة اللي كانت بتضحّكه في عز حزنه."
نظرت ليان للصندوق… وسكتت.
ثم وضعت يدها عليه، وأغمضت عينيها.
همست بكلمة واحدة:
> "عصفورة السطح."
كليك.
انفتح القفل.
نسرين شهقت:
– "إزاي عرفتي؟!"
ليان ابتسمت:
– "قلبي اللي قالها… مش عقلي."
فتح الصندوق.
داخله…
صورة.
شريط تسجيل صغير.
ورقة مطوية عليها اسم واحد:
> "مالك… مشاري."
جاد قرأ الاسم، وجهه شحب:
– "مالك؟ ده… ده واحد من الفريق الأمني اللي اختفى من سنين! والناس قالت إنه انتحر."
ليان نظرت للورقة، ثم نظرت لهما وقالت:
– "لا… هو ما انتحرش. هو المفتاح. المفتاح اللي يفتح كل حاجة."
---
كان اسم "مالك مشاري" محفورًا في الورقة بخط مرتعش.
نظرت ليان إلى جاد، عيناها تسألان ما لم تستطع نطقُه.
قال جاد بعد لحظات صمت:
– "الاسم ده… اختفى فجأة من كل الملفات. آخر تسجيل له، كان من ٩ سنين، وقتها كان في مهمة داخلية، وبعدها… الدنيا سكتت."
نسرين قالت بصوت منخفض:
– "مالك مشاري ما ماتش… لكنه ما بقاش مالك اللي كانوا يعرفوه. اتزرع جوا وسطهم. بس لما عرف أكتر من اللازم… اختفى بإرادته."
ليان عقدت حاجبيها:
– "يعني في احتمال يكون… عايش؟"
نسرين تنهدت:
– "لو لسه عايش، يبقى هو الوحيد اللي يقدر يفسر ليكِ كل اللي بيحصل. هو آخر من شاف والدك قبل ما يسلم الملف السري."
نظرت ليان إلى الشريط في الصندوق.
قال جاد:
– "لازم نسمع التسجيل. دلوقتي."
أخرجوا الشريط، بحثوا في شقة نسرين عن مسجل قديم. وبعد بحث دام دقائق، عثرت نسرين على واحد في صندوقها القديم.
أدارت زر التشغيل…
وبدأ الصوت.
كان الصوت متقطعًا، مرهقًا، لكن واضح.
> "لو سمعتوا ده… يبقى وصلتوا لمرحلة خطر. كل شيء بدأ في مكان اسمه (العنق الأسود). هناك، تمت أول تجربة على الدمج بين المعلومات والمشاعر… وأنا كنت شاهد. وليان… هي النتيجة."
شهقت ليان.
> "البنت دي… دمها مش عادي. فيه شفرة، وراثية. ماحدش لازم يعرف ده، علشان كده بيطاردوها."
ثم انقطع التسجيل.
ساد صمت ثقيل، وكأن الأرض نفسها توقفت عن الدوران.
همست ليان:
– "أنا… دمّي؟!"
جاد اقترب منها، أمسك يدها وقال:
– "إنتي مش أقل من أي حد، إنتي بس مختلفة… وده مش ضعف. ده سبب إنهم بيخافوا منك."
•••
بعد ساعات من الترقب…
انسحب التوتر قليلًا، وبدأ الليل يُخفف سطوته.
جاد أخذ ليان إلى مكان أكثر أمانًا: شقة قديمة له في حيّ هادئ قرب الزمالك، لا يعرفها سوى اثنين من زملائه المقربين.
في المساء، جلسا سويًا في المطبخ الصغير.
ليان كانت ترتدي قميصًا رماديًا فضفاضًا، تجلس على الطاولة، تعبث بملعقة الشاي في كوبها بصمت.
جاد كان يُعد العشاء بخفة، وكأنه يحاول إزاحة ثقل اليوم من على صدرها.
قال وهو يقلب البيض:
– "تعرفي؟ أنا نسيت طعم الأيام العادية… من كتر ما حياتي بقت كلها مطاردة وأسئلة."
ردّت بابتسامة خافتة:
– "أنا نسيت معنى الأمان. بس يمكن… في اللحظة دي، حسّيت بحاجة شبهه."
اقترب منها، جلس مقابلها:
– "نفسي أرجع جاد اللي بيضحك من قلبه… مش اللي بيعدّ أنفاسه."
– "ونفسي أكون ليان اللي بتحلم… مش اللي بتفتش عن ذكريات مسروقة."
نظر إليها بعمق، ثم سأل:
– "لو كان عندك حياة تانية… كنتي تحبي تكوني مين؟"
– "أيّ حد… بس مش بنت ملفات وشفرة دم."
ضحك جاد:
– "وكنتي تشتغلي إيه؟"
قالت وهي تبتسم لأول مرة بصدق:
– "ممكن… أكون صاحبة مكتبة صغيرة. أبيع كتب وأحكي حكايات… وأستنى الزباين اللي بيرجعوا مش علشان الكتب، علشان الدفا."
ابتسم جاد، ثم مد يده بهدوء ولمس كفها:
– "طيب… خلينا نبدأ الحكاية دي من دلوقتي. ولو حتى لساعتين بس."
ضحكت ليان وهي ترفع كوب الشاي:
– "صفحة أولى: اتنين تايهين… بيحاولوا يلاقوا ماضيهم في بعض."
ثم همست وهي تنظر لعينه:
– "بس مش عايزة أخسر ده… لما الحرب تبدأ تاني."
رد جاد، وصوته ناعم كالسكينة:
– "إنتي بقيتي جزء منّي… ومفيش حرب هتخطفك مني غير وأنا مش موجود."
•••
في الخارج…
تحت نافذة الشقة، كان هناك ظلٌّ يراقب.
يده تمسك بكاميرا حرارية، يضغط زرًا صغيرًا، فيخرج منه تقرير:
> "تمّ تحديد الموقع. الهدف: ليان حمدي. التعليمات: المراقبة حتى فجر الغد. لا تتحركوا إلا بأمر مباشر."
---
كان الهدوء داخل الشقة خادعًا… أشبه بهدوء قلبٍ قبل نوبة بكاء.
ليان جلست على الأريكة، شعرها المبلول ملفوف بفوطة بيضاء، ترتدي كنزة بسيطة خاصة بجاد، ورائحتها تشبه الأمان الذي كانت تفتقده.
جاد كان في المطبخ، يحضّر شايًا بنعناع، يراقبها من حين لآخر بنظرات مختلطة...
شيء بين الحذر والانجذاب... وبين الإحساس بأن هذه الليلة لن تُنسى.
قالت ليان بصوت هادئ:
– "عارف… أنا بفتكر ماما دلوقتي، كل ما الدنيا تشتد حواليا، بسمع صوتها جوايا."
اقترب منها وهو يحمل كوبين:
– "كانت ست حنونة؟"
– "كانت ست جبارة… بس عمرها ما خلتنا نحس إنها قوية علشان تتحكم… كانت قوية علشان تحمينا."
جلست تشرب من الكوب بهدوء، ثم نظرت له وقالت:
– "إنت ليه اخترت الطريق ده يا جاد؟"
رد وهو يتنهد:
– "علشان كنت فاكر إني هقدر أغير العالم. بعدين اكتشفت إني بالكاد قادر أغيّر قراراتي."
ضحكت بخفة:
– "يعني مش كنت بتحلم تكون حاجة تانية؟"
أومأ وهو يبتسم:
– "كنت عايز أفتح مطعم صغير في الإسكندرية. البحر، والهدوء، والناس اللي بتيجي مش علشان الأكل بس… علشان تحكي وجعها وتلاقي اللي يسمع."
سكت، ثم نظر لعينيها وقال:
– "بس الظاهر… نصيبي إني أسمع وجعك إنتي."
قلبها ارتجف، مشاعرها تقف على حدود البوح، لكنها ظلت صامتة.
قبل أن ترد، أُطفئت الأنوار فجأة.
الضوء انقطع.
لم يمرّ سوى نصف ثانية… حتى أمسك جاد بمسدسه، وأطفأ ضوء الهاتف.
همس:
– "ما تتحركيش… افتحي عيونك، بس خليكِ هادية."
في الخارج…
حركة خفيفة على السلالم.
ثم طرقات ناعمة على باب الشقة.
طرق... ليس كطرق الزائرين. بل كأنها رسالة مشفّرة من العدو.
جاد نظر من العين السحرية... لا أحد.
لكن عينه تلقفت شيئًا صغيرًا على الأرض خلف الباب.
كُتيّب صغير، أسود، بلا عنوان.
فتح الباب بسرعة خاطفة، سحب الكتيّب، ثم أغلق مرة أخرى.
جلس مع ليان، فتحه أمامها.
في الصفحة الأولى... فقط سطر واحد مكتوب بخط يدوي:
> "أنقذها إن استطعت... لكن الوقت لا ينتظر القلوب."
وفي الصفحة الثانية… صورة.
صورة لوالد ليان… حيًّا.
في مستشفى مهجور، التاريخ رقمي، منذ أسبوعين فقط.
شهقت ليان، وضربت الطاولة بيدها:
– "ده بابا… ده بابا لسه عايش!"
جاد صدمته أكبر مما أظهر، لكنه تماسك وقال:
– "إما دي صورة حقيقية… يا إما فخ. بس في الحالتين، هنروح ونعرف."
– "هنروح؟ إمتى؟!"
– "الليلة."
قالتها بثقة لا تراجع فيها:
– "أنا جاية معاك يا جاد… حتى لو كانت آخر خطوة ليا."
نظر إليها… لم يردّ، لكنه مدّ يده بصمت.
أمسكتها.
وهكذا… بدأت الليلة التي لن تشبهها ليلة أخرى.
---
الساعه41 فجرًا الهواء خارج الشقة كان مشبعًا برائحة المطر، وضوء الشارع يخفت كل ثانيتين كأنّه يتنفس تعبًا.
جاد فتح باب السيارة لليان بصمت. لم يتكلما أثناء النزول، لكن العيون كانت مشتعلة بالأسئلة.
ركبت، ثم نظرت إليه وهي تشد حزام الأمان:
– "جاد... لو طلع بابا حي بجد... ولو فعلاً عايش بقاله سنين وسايبني كده... إيه اللي هيبقى جوّا قلبه؟"
ردّ وهو يشغّل المحرك:
– "يمكن يكون كان مجبر… أو يمكن كان بيحميكي. بس الأكيد… إنك مش هتطلعي من المكان ده من غير الحقيقة كلها."
– "بس أنا مش متأكدة إني عايزة أسمعها أصلاً… خايفة تكون الحقيقة دي هي اللي هتكسّرني مش غيابه."
التفت ناحيتها، صوته هادي لكنه حاسم:
– "انتي أقوى من إنك تتكسّري يا ليان. حتى لو العالم كله وقع… أنا شايف فيكي وحدة ماينفعش تقع."
سكتت، لكن عينيها امتلأت بالدموع… لم تسقط، بل اشتعلت.
•••
مستشفى "الواحة" المهجور الساعة 4:10 فجرًا
المبنى بدا كأنه نُزع من فيلم رعب.
جدران متهالكة، شبابيك مكسورة، وسياج حديدي تعلوه الأسلاك الصدئة.
جاد أوقف السيارة على بعد 200 متر.
– "هنكملها مشي من هنا، لو فيه مراقبة… ما ينفعش نبان بالعربية."
– "جاهز؟"
– "أنا دايمًا جاهز… بس انتي؟"
– "أنا ماشية مش علشان عندي شجاعة… أنا ماشية علشان تعبت أستخبى."
وصلا إلى السور الخلفي، وجد جاد فجوة صغيرة بين الحديد.
مرّا من خلالها بصعوبة، ودخلا فناء المستشفى الذي ابتلعه الظلام.
جاد فتح كشاف صغير، وأضاء الأرضية المتشققة.
ليان همست:
– "المكان ده بيخوف..."
– "ده طبيعي… اللي حصل فيه مش قليل. ملفات كتير اتحرقت هنا… وناس كتير خرجت وما رجعتش."
– "ده مكان طبّي ولا مركز مخابراتي؟!"
جاد ابتسم بمرارة:
– "الاتنين."
•••
الطابق الأول
ضوء أحمر خافت ينبعث من نهاية الممر…
جاد رفع سلاحه، وليان أمسكت بمصباح يدوي ودفترها بيدها الأخرى.
فجأة، ارتجف الباب الموجود في آخر الممر.
صوت!
ليان همست وهي تتراجع:
– "في حد جوّه… سمعت؟!"
جاد أومأ:
– "خطوات… بطيئة… بس واضحة."
ثم رفع سلاحه للأعلى وقال بصوت منخفض:
– "مين في المكان؟! لو معاك تصريح… اظهر! لو مش تابع… طلع فورًا قبل ما ندخل بقوة!"
لا رد.
صمت.
ثم… انفتح الباب تلقائيًا.
من داخله… جهاز عرض قديم يُعرض فيديو بالأبيض والأسود.
ليان تقدمت، وجاد خلفها.
ظهر في الفيديو: والدها.
لكن المرة دي… كان بيتكلم لمجموعة من الناس، والجو يبدو كأنه مؤتمر داخلي.
> "نعم… إحنا بدأنا التجربة. والهدف منها مش السيطرة. الهدف هو الحماية. لو بنتي وصلت الفيديو ده، فده معناه إن اللعبة خرجت عن السيطرة."
– "بابا؟!"
جاد قرب الكشاف من الشاشة.
ظهر شخص بجانب والدها في الصورة… جاد شهق.
– "يا نهار أبيض… ده… ده سيف مراد!"
ليان اتجمدت:
– "يعني هم كانوا مع بعض؟!"
– "وأكتر من كده… ده باين كأنه شريكه. يعني... أبوكي وسيف مراد بدأوا التجربة سوا؟!"
فجأة… شاشة الجهاز بدأت تلمع… وأظهرت نصًا جديدًا:
> "من يصل إلى الطابق الثاني… لا يعود."
ثم… انقطع كل الضوء.
فلاش!
ضوء أبيض فجائي أضاء المكان، وصوت رصاص بعيد سُمع من السقف.
جاد صرخ:
– "انبطحي! ده كمين!"
ليان سقطت أرضًا خلف جهاز العرض، وجاد اندفع نحو الباب.
ثم… فتح باب خلفي تلقائيًا، صوت خطوات تقترب، ومجموعة رجال ملثمين يرتدون زيًا أسود.
لكن فجأة… رجل منهم صرخ:
– "أوقفوا النار! أوقفوا! الهدف مش مسلح!"
ثم تقدم أحدهم… كشف القناع.
كان… مالك مشاري.
نعم… الرجل من الورقة، من التسجيل… واقف أمامهم حيًا.
قال بصوت متعب:
– "جاتكم الرسالة أخيرًا؟"
جاد رفع سلاحه:
– "ما تقربش! إنت فاهم إحنا بنفتش على إيه؟!"
رد مالك:
– "عارف. وعلشان كده… أنا هنا. بس مش علشان أشرح… أنا جاي آخدكم عند اللي لسه عايش."
ليان نهضت، وقلبها يكاد ينفجر:
– "أبويا؟!"
مالك نظر لها، بعين رجل تائه سنين، ثم قال:
– "أيوه… بس لو عاوزة تشوفيه… لازم تختاري من دلوقتي."
– "أختار؟ أختار إيه؟!"
– "بين الحقيقة… والنجاة."
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا