القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام الفصل السابع والثلاثون 37بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات

 

رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام  الفصل السابع والثلاثون 37بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات





رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام  الفصل السابع والثلاثون 37بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات


#حكايات_mevo 

#عودة_الذئاب.... حمل "أسمر" مهره"بين ذراعيه بعنفٍ مشوب بالحذر،كانت تضربه بكفّيها الضعيفتين، تصرخ، تحتج، لكنّه لم يتراجع.

فتح باب حجرته، ودخل بها، ثم أغلقه خلفه بإحكام.وما إن أنزلها على الأرض حتى اندفعت كالمجنونة تصرخ:


"أوعي! والله أموتك!أوعي تلمسني... أنا هروح لأختي،أنا ما هسكتلكوش!أوعي... جايبني هنا ليه؟ إنت عايز إيه؟!"


لكنّه لم يمنحها فرصة للهرب،شدّها من ذراعها، دفعها ناحية الجدار،ثم أغلق الباب من جديد بنظرةٍ باردة، وقال بنبرة خافتة كالسُم:


"جايبك... مجعدي فـ بيتنا الصغير."


تجمّدت نظراتها للحظة،ثم انفجرت في ضحكة قصيرة ممزوجة بالقهر:


"بيتنا الصغير حوش حوش ؟!إنت جايبني هنا ليه؟مش أنا بنت الغزيّه؟!جبت بنت الغزيّه ليه؟تكونش عشان ترقصلك؟!"


تقدّم نحوها خطوة، عينيه تشتعلان نارًا مكتومة،مدّ يده، جذبها إليه بشراسة، ثم همس بجانب أذنها:


"ما ترجصليش ليه؟مش مرتي؟!"


رمقته بنظرة كأنها خنجر،وصرخت في وجهه، بحدةٍ جعلت صوته يتراجع للحظة:


"رقصت عليك حيطة... يا بعيد!"


اتسعت عيناه، وغضب صوته كالبركان:


"تلمي لسانك...أنا جلبتي نار!"


دفعته بكفيها مرة أخرى، لكنّه لم يتحرّك،

صرخت وهي ترتجف ما بين الغضب والخوف:


"مالي بيك إنت إيه القرف ده؟!مالك بيا؟!

كل واحد لحاله وخلاص!"


لكنه لم ينصت،اقترب أكثر، أمسك وجهها بين راحتيه كأنّه يُجبرها على النظر في عينيه،وهمس بنبرة تكاد تنفجر:


"مالك بيا؟مش إنتِ اللي جبتيه لروحك؟

أسابيع وإنتِ بتمثّلي عليّا،وبعدين؟تعلّمي عليّا... وأسكتلك؟!"


نظرت إليه بعينين تمتلئان بالغضب والخذلان،همست بمرارة:


"إيه؟حقنا... ولا مش حقنا؟يا بن سلطان،

كنت عايز تكوش عليه لوحدك؟!"


عندها انفجر صوته، رجّ الجدران،

كأنّه حمل ما عاد يحتمل:


"لااااه يا بت عمي!إني مش حرامي... ولا ضلالي!لو كتي جيتي من سكات،وطلبتي اللي عايزاه،وأخوكي كان راجل كفايه وطلب،

كنا اتفاهمنا!


كانت تقف أمامه،تتنفّس بصوتٍ متقطّع،

وكل شيء فيها يصرخ...لكن لا صوت خرج بعدها.كل شيء...سكن فجأة.دفعته "مهرة" بكل قهرٍ تحمله يداها،

كأنها تُلقي به خارج قلبها، خارج ذاكرتها، خارج كل شيء.صرخت بوجهه... نبرة صوتها لم تكن غاضبة فقط،بل موجوعة... ومهزومة:


"نتفاهم؟!نتفاهم في إيه يابن عمي؟!أنا كنت لازم أجي لأسمر بيه،وأقول له: بليز يا أسمر بيه،ولاد الغزيّة والحرامي جايين،خدهم في حضنك واعطف عليهم؟!"


تقدّمت منه، وخبطته على صدره بقبضتها المرتجفة:


"إنت مصدق نفسك؟مصدق إنك الصح؟

ده انت..."


لكنها لم تُكمل.لم يكن لديها ما تقوله أكثر من ذلك...كانت تحترق في الداخل.


نظر إليها "أسمر"...وعيناه تختبئان خلف وجومٍ ثقيل،كان يعلم... يعلم في أعماقه أنها على حق.هي لم تكن تكذب،لكنها... خدعته.

جعلته يتعلّق بها كالعطشان في صحراء،

ثم... رفضته أمام الجميع،كأنه لا شيء.

غروره لم يحتمل تلك الطعنة،فكتم أنفاسه، وتنهد،ونظر لها بنظرة خاوية من الانفعال،

ثم قال بصوت متعب:


"والحل؟ها؟عايزة إيه مني دلوك؟"


وقفت تحدّق به طويلًا،كأنها تبحث عن بقية كرامتها في ملامحه،ثم قالت ببرودٍ قاتل، كل كلمة منها خنجر:


"هعوز إيه؟زي ما ضحكت عليّا،ومضيتني على اللي ما يتسمّاش،تقطع الورقة اللي عملتها،وتخلص...وكل واحد يروح لحاله."


وساد الصمت...لكن بينهما لم يكن صمتًا عاديًا،كان صمتًا فيه صراخ، فيه ندم،فيه كل ما لم يُقال...وما لن يُقال أبدًا.


هتف بها بصوتٍ علا كالسيف حين يُشهر في وجه الهزيمة:


"هتسيبي الجمل بما حمل... وتمشي؟!"


أغمضت "مهرة" عينيها في لحظة صمت،

لا تريد له أن يرى الوجع العميق الذي ينهش ملامحها،لكنه... شعر به،رآه في رعشة أنفاسها،في بطء خطواتها وهي تتمهّل لتحكم قلبها، كي لا يسبقها.


ثم قالت بصوتٍ خافت، لكنه مملوء بالحسم:


"أسيب الجمل بما حمل؟عارف يا أسمر...

مشكلتي في الدنيا إني دخلت معركة ما كانتش بتاعتي،لا اتفرضت عليا، ولا كنت عايزاها،بس لما جاتلي الفرصة أخرج منها... هخرج،وهخرج من غير ما أبص ورايا."


وقفت بثباتٍ كاذب، عينيها تحملان خليطًا من التعب والتمرّد:


"جمل إيه؟وحمل إيه؟ده وحل يا أسمر بيه، وحل والله العظيم... كفاية عليّا...كفاية صراع، كفاية وجع،شوفوا حالكم مع جدكم... واكبشوا!شجن عندها حق،مع نفسك يا بن الناس،وشوف جدك ده هتقنعه بإيه،

بس على فكرة... مش هيحصل اللي هو قاله."


رمقها بنظرةٍ طويلة،كأنّه يحاول أن يفكّ طلاسم قرارها،ثم قال بهدوء يخفي خلفه عاصفة:


"ولو حصل؟هتعملي إيه؟"


رفعت حاجبيها،قطبت جبينها بدهشة ممزوجة بالاشمئزاز،ثم قالت بمرارة ساخرة:


"لو حصل؟ولو... اللي هو إزاي يعني؟

هتغصبني؟هتجيب مني عيال بالعافية؟

ولا هتربطني في السرير عشان أبقى تحت طوعك؟وياترى... هبقى تحت طوعك؟

ولا تحت جزمتك يا أسمر بيه؟!"


وساد الصمت بعد كلماتها،لكنه لم يكن صمتًا فارغًا،كان أشبه بصفعةٍ ،صفعة لا تُرد... ولا تُنسى.


ظلّ "أسمر" يحدّق فيها طويلًا كانت تنهَج بعنف، أنفاسها تضرب الهواء كأنها تخرج من حرب.

حدّق في عينيها...ثم أحنَى رأسه، وتنهد تنهيدةً ثقيلةً كأنها حمل عمر كامل من الكتمان.اقترب منها... ببطء،ثم مدّ ذراعيه فجذبها إليه فجأة.


ارتجفت "مهرة"،حاولت أن تدفعه، أن تفرّ،

لكنّه كان أسرع، كبّل يديها بذراعيه،وضمّها بقوّة، ثم هتف بنبرة كادت تخنقه:


"أولًا...أسمر لا ضعيف... ولا جليل،عشان يجيبك غصب!"


اقترب وجهه من وجهها،وعيناه تشعّان بصدقٍ لم يعتده:


"أسمر...عارف إنتِ جواكي إيه،وعارف إنتِ عايزة إيه.أسمر ما بيطوّعش حد...عشان يحطه تحت جزمتُه،أسمر بيطوّعه...عشان يحطه تحت جناحه!"


كلماته كانت نارًا، لكنها نار دافئة...لم تحترق بها، بل كادت تذوب.لكن "مهرة" لم تُظهر شيئًا،نظرت إليه ببرودٍ قاتل،عينان لا ماء فيهما... ولا دموع.


ثم قالت بنبرة خافتة، كأنها تطوي قلبها للأبد:


"طيب...ربنا معاك."


هزّ "أسمر" رأسه بيأسٍ ثقيل،وكأنما استسلم لصراعٍ لا نهاية له،ثم قال، بعفويةٍ مرّة:


"طب...هنفضل ننطح في بعض اكده؟

أمال هنجيب عيال كيف؟!"


أغمضت "مهرة" عينيها،تحاول أن تمسك بروحها قبل أن تنفلت منها أعصابها:


"إنت عقلك فيه حاجة؟إنت ملحوس؟

عيال إيه؟!"


لكنّه هدر بقوّةٍ كمن يعلن قرارًا لا رجعة فيه:


"عيال الأسمر من المهره!"


انفجرت بالضحك...ضحكة ساخرة كالسكين:

"تفصيل؟ولا نجارة؟عيال تفصيل يعني؟!

ولا إيه؟يلا يا بابا...أنا ما بجبّش عيالات أنا!"


ضحك هو الآخر، ضحكة مجنونة:


"عيالات؟يا فاشلة...ده عربي يا هبلة!

بس أنا... عايز،وإنتِ... وجعتي في أرابيزي!"


اشتعلت كالبركان،واقتربت خطوةً منه، وهي تصرخ:


"هِيّه مين اللي وقعت في أرابيزك؟!إنت تطول أصلاً؟!إيه القرف ده!"


ضحك من جديد، بثقةٍ زائدة:


"آه أطول... وأطول،ده أنا... أسمر أبو الدهب!"


قلّدته بتهكّم، ولوت فمها بسخرية جارحة:


"أسمر أبو الدهب!"


ضاق صدره، وهتف:


"بتتمجلتي عليّا يا مهرة؟!"


نظرت إليه باستخفافٍ لا حدود له،فاقترب منها أكثر،وقال بنبرة حادة لكن هادئة:


"أوّلًا...لسانك نجصه،عشان إنتِ مرت الاسمر."


ثم تابع بنبرة أكثر جدية:


"ثانيًا...هتمشي وتسيبي خيتك براء... مش هسيبها."


صرخت بغضبٍ لا يخلو من الألم:


"ده واحد واطي!"


تنهد "أسمر"،وكأن الوجع داخله عاد ليغمره:


"على فكرة...براء كذب،عشان يرد القلم لنديم."


ابتسمت "مهرة" ابتسامةً ساخرة،كأنها لا تصدّق شيئًا:


"يقوم يقهر أختي؟!"


قال "أسمر" بصوتٍ منخفضٍ حزين:


"كلّنا ساعة الوجع...بنجهَر بعض،وماحدّش عارف...مين بعد اكده،هيداوي مين."


تنهدت "مهرة" بعمق،كانت تشعر أن حبال صوتها تلتف حول عنقها من كثرة الصراخ،

ثم رفعت عينيها إليه، وقد تحوّل التعب بداخلها إلى حسم:


"بجد...أنا خلاص،جبت آخري.روح شوفلك حد تاني تمارس عليه سيطرتك،هات منها عيال،وافْرَح بيهم كلكو مع بعض...أنا برّه العيلة دي من دلوقتي."


نظر "أسمر" إليها مطوّلًا،لم يصرخ هذه المرة،

كان صوته هادئًا كالنار تحت الرماد، لكنّه حاسم:


"بس أنا...سيطرتي ما بفرضهاش إلا على اللي يخصّني،وعايزه.


ومن الآخر...هجبها لك على بلاطة،رغم عملتك السودة...اللي المفروض تتعاقبي عليها،أنا...عايزك.ومن سكات اكده... تتلمّي،


قهقهت "مهرة" ضاحكة،ضحكة مؤلمة، ساخرة،ثم قالت وهي تشير بيديها كأنها تعلن نكتة 


"ما شاء الله!طب...ودي أطلع  عرفات أشكر ربنا؟ولا أخش بفقرة التنّورة؟إنّ أسمر أبو الدهب...عازّ بنت الرقّاصة!"


في تلك اللحظة   فكان الغضب يشقّ ملامحه، وانكسار داخلي يعصف بروحه، حتى اختلط الصوت بالحريق في عينيه.


 اقترب منها "أسمر"،عيناه تضيقان بنظرةٍ لا تعرف الهدوء،كأن كلماته تُصاغ من جمرٍ،  .قال بصوته الغليظ الذي يحمل من السيطرة أكثر مما يحتمل القلب:

"بطلي تجولي اكده! إنتي مافيش حد "زيّك...اسمعي،أسمر لما يعوز حاجة... ياخدها،ولو بينه وبينها بحور!"


رفعت "مهرة" عينيها نحوه،نظرة مليئة بالحدّة والكرامة المجروحة،ثم قالت بصوتٍ كالصخر:


"إزاي؟وأنا مش عايزة!إزاي وإحنا...كل واحد عكس التاني؟إزاي؟وأنا بالنسبالك...بنت الغازيّة والحرامي؟!إزاي وإنت مش شايف غير إنك تذلّني وبس؟وأنا... ما بتذلّش لحد،ولا هنزل يا ابن الغالين!"


اقترب منها أكثر...ومدّ يده،أمسك بيدها المرتعشة،وأراح كفّه على موضع الحرق القديم،كأنه يقرأ الألم من جلدة قلبها، لا من جلد يدها.


"أنا...مش عايز أذلّ،ولا أهين،أنا...هملّس على الوجع ده،والرمح...يهدي،ويعوز يندفّي،

بجرّب من حد يراعي ويطبطب."


انتفضت "مهرة"،شدّت يدها بعنف من بين يديه،وألقت كلماتها كصفعة:


"إنت ما تعرفش تطبّطب،ولا أنا عايزة طبطبة من حد،أنا...لنفسي وبنفسي!"


ثم استدارت،خطواتها تشبه الهروب،ولكن صوت "أسمر" أوقفها،صوته خرج منها لا له... كأنه ينطق بحقيقتها قبل أن تعترف بها:


"لأه يا مهرة...إنتِ عايزة،وعايزة جوي،

وأكتر حد إنتِ عايزاه ومحتجاه...حضن الأسمر،اللي هيحاوطك،ما هيسيبِك واصل!"


صرخت "مهرة"، كلماتها تُجلجل في المكان كأنها سهمٌ انطلق من صدرٍ أنهكته الخيبة:


"محتاجة حضنك؟!إنت؟!ما لقيتش غيرك؟

دا إنت الجحود كلو! الجبروت اللي محدش قادر عليه!وتيجي تقولي حضن؟!هاتلي أمارة!"


اقترب منها "أسمر"، عينيه تلتمعان بنيرانٍ صامتة، وصوته يخرج كالسياط:


"أجبلك أمارة؟يكفيكي كام أمارة؟أسمر اتربّى وحش…واللي يجرّب منه، يدفنّه…واللي ييجي على توبُه، يكسّره!"


تقدّم خطوة نحوها، ونظراته تحفر في قلبها:


"وإنتو…إنتو ما جتوش بس على توب أسمر…إنتو دستو على وشي برجليكو!

أخوكي علم علينا وخد حجة منّا،دخلتو علينا بناركو... في وجت تاني،كنت خلصت الفرد بتاعي جوا جلب أخوكي،ومسحت بيكم البيت!"


ارتجف صوته وهو يقترب منها أكثر، وألمه يُطل من بين الحروف:


"ضحكك عليّا…خداعك ليا…تعلّجيني كني عيل أهبل؟ألف وراكي مسحور؟


أجبلك أمارة؟لما مرة ترفع الفرد بتاعها ف وشي…وأكتم حالي وما نطجش، دي مش أمارة؟!"دي أكبر اماره . 


قبض على يدها بقسوة، كأن وجعه كان ساكناً بين أصابعه:


"لما يدك تعلِّم على وشي…وأكتّم حالي برضك وناري جايده …

، مش أمارة؟لما تجفّي وتجوليلي…ما في الخُمر…وتهيني فيا جدام الخلج …وبرضه ما نطجتش، مش أمارة؟!"


صوته تحوّل لزئير مكتوم وهو يهتف بها:


"أجبلك أمارات منين آكتر من اكده... كل ده يبين إن حضني بتاعك؟

جولي…كنتِ عايزة تعملي في أسمر إيه تاني؟جدّام الخلج، تجطّعيه؟تدوسي عليه؟

إنتي واعية؟واعية إنتِ عملتي فيا إيه؟!"


صرخت هي، والدموع تخنق حنجرتها:


"حقي! وباخده!عايزني أعمل إيه ف جبروتكم؟وقلّة أدبكم؟إيييه؟أسكت؟

دا إنتو…تستحقّوا الحرق!"


شدّها من يدها بعنف، وأكمل، صوته يضرب الجدران:


"فوجّي يا مهرة…أنا أسمر سلطان!مش جابر عمران!هاه… خفّي غِل جلبك اللي بتحاكمي بيه!عشان الغِل لما بيطيح… بياكل الكل!

وأنا…أنا خلاص…عليّا صراع لا كِدَه!

ووافجت!وهامشي الدنيا!لأني…رايدك!"


تنهدت ونظرت إليه نظرة مشبعة بالخذلان:


"احلم…الحلم حلو…بس إنت راجل ازاي؟الراجل اللي واحدة ما تعوزوش…يجري وراها؟واحدة…مش شايفاك راجل!"


توهج وجهه بالغضب، قبض على يدها من جديد، وهو يهدر بها:


"مين اللي مش راجل؟بُصي لنفسك…

إنتي مين… وأنا مين؟!"


نظرت إليه بعينين دامعتين، لكن صوتها خرج ثابتًا، جارحًا:


**"عليك نوووور…أهو طلع كلو من جوا اهوه…إنت مين وأنا مين…إنت ابن سلطان سيد الناس،وأنا بنت الرقّاصة…بس عارف؟بنت الرقّاصة دي بقه…مش عايزاك."

نظرت إليه غاضبة، النار طالعة من عنيها:

"كل روحك وإلا أنفلق... وعض في نفسك يا بتاع تحت جزمتي!"ال ابقي بتاعتك. دا لما تموت قدامي ماتقربليش. 


فضل واقف، ما رمش، وهيا صدرها بيعلو ويهبط من الغيظ، بصتلُه كإنها هتحدفه بكلمة تموّته.

هز راسه ببرود، وقال بصوت خفيض:

"وماله... نعرفك أسمر هيطوّع الفرس بتاعه إزاي."


وبخطوة هادية ومقصودة، مد إيده على جلبابه... وبدأ يفكه، يرميه على الأرض بهدوء، لحد ما بان جسده، 

شهقت وهيا بتبعد خطوتين:

"انت بتقلع ليه؟! انت سافل... وقليل الأدب!"


ضحك ضحكة مالهاش صوت، بس كلها وجع ومكابرة اقترب بخطاه الواثقة، وعيناه لا تفارق ملامح وجهها المرتبكة، كأنّه يلتهم ارتجافها بنظراته. كانت تحاول أن تتماسك، لكن قلبها خانها وارتعد.


صرخت بتوتر، وقد تراجعت خطوة:

ـ "انت بتبصلي كده ليه يا قليل الأدب؟!

ـ احترم نفسك يا... يا!"


لكنه لم يرد.بل ازداد اقترابًا، والابتسامة على وجهه تزداد عمقًا، كأنها تحمل وعدًا بشيء لا يُقال.


همس، وصوته منخفض كنسمةٍ ساخنة قرب أذنها:

ـ "أنا محترم... بس إنتي اللي كل حركة فيكي بتعلّمني جلة الأدب."


شهقت، وكادت تتراجع أكثر، لكن الحائط كان خلفها.وهو؟توقف أمامها تمامًا، ونظر في عينيها نظرة لم تكن فاحشة، بل أكثر خطرًا... كانت صادقة.


ـ "بتخافي مني؟ ولا من اللي بتحسيه لما أقرب؟"


كلماته كانت سهمًا، وصوته كان بئرًا من الهدوء المربك...وهي؟ لم تجد الكلمات. فقط ظلت تنظر إليه، والنار تسري في عروقها بين الرفض والانجذاب، بين الرغبة والصراخ.


بدات ترتجف من داخلها قالت بارتباك ..ولااا احترم نفسك بتقرب ليه يا زفت ..والله اموتك ...ظلت تتراجع وتلتفت حولها ...

فاتدفع ومسكها لتصرخ حاولت ضربه ليكبلها ويركنها عالحائط واقترب من رقبتها وبدأ يتلمسها هامسا ...اهدي يا وحش جيم اوفر:


صرخت... "جدع إنت؟!احترم نفسك!إنت فاكرني إيه؟!"


صرخ هو الآخر، دون أن يُخفي عنفَ نبرته:


"فاكرك مراتي!وهتنامي ف حضني!

ولو ما عجّلتِيش...هصبح عليكي الصبح وأجولك: صباحيّة مباركة!"


صاحت وقد اشتعلت فيها النيران:


"صباحيّة تطلع روحك يا بعيييييد!"


اقترب منها أكثر، وصوته انخفض بنبرة تهديد خافتة:


"يعني...مش هتنامي؟"


صرخت وهي بتترعش:

— "أوعي! والله لأموّتك!"


بس هو ما تحركش، بالعكس، قرب منها أكتر، وصوته كان واطي وغليظ كإنه بيخبط على باب قلبها:

— "هتجفّيلي لحد ميته؟! إنتي من هنا... ورايح، بتاعتي أنا... بتاعة الأسمر، فاهمة؟"


كلماته دخلت جواها زي نار بتلعب في الهوا... كانت مرعوبة، مش منه، لأ... من نفسها، من مشاعرها اللي بقت بتطحنها من جوه، ومش عارفة تطفّيها.هو مش بس بيغزوها بكلامه، ده بيهدّها بنظراته، بيعرّي خوفها ويحضن ضعفها في لحظة هي ماعادش عندها قدرة تقاوم.


شدها من دراعها، قرب منها أكتر، وبص في عينيها كإنه بيتحدّاها تكدب عليه،

— "جوليلي... إنتِ بتاعة مين؟"


كانت بتقاوم، بس جواها في صوت بيصوت، بيعيط، بيترجى خلاص من الحرب اللي مش قادرة تكسبها.


فهمست، بصوت وجعان:

— "ابعد... بقى."


بس كان واضح... هي مش بتطلب منه يبعد.هي بتطلب من نفسها، من قلبها، من كل حاجة جواها... تبطّل تحبه.لكن مافيش فايدة.كانت خلاص... بتاعته.


ضغط عليكِ مش قبل ما تجولي...بتترعشي ليه من قربي؟مش قبل! ما تجولي عيونك بتزوغ ليه؟خوفك... ورعشتك،كلهم شايفهم،

وحاسسهم جواكي.بتحاولي تبيني جوية...

بس أنا عارف،عارف إنك خلاص... بتاعتي،

بتاع الأسمر.وإنك هتبقي ليا،زي ما أنا عايز،

وزي ما انتي... من جواكي، عايزاني."

مد يده يداعب جسدها لتصرخ... بطل بطل.


.كان لا يستمع إليها... كأنّه أغلق أذنيه عن كلّ رجاءٍ فيها،عن كلّ دمعة بتترجّى قلبه يعقل،عن كلّ رعشة في صوتها وهي بتقاوم ضعفها.


قالها بنبرة مشتعلة، فيها قهر ورغبة وشيء من التحدي:

"مش قبل ماتعترفي إنك ستّ... وعايزه حد تركني عليه!مش قبل ماتعترفي إنك من جواكي بتتمني تبقي أميره،مستنية أميرها... يفتح جلبهاويلبسها توب الحب بيده.مش قبل ماتهمسي باسمي...وتجولي إنه هو اللي ينفعك...وإنه مافيش غيره!"


همست هي... بصوت مكسور، مهزوم:

"لم تعد قادرة..."وجعها الكلام... بس كانت لازم تقوله.

"بطل... والنبي بطل... عيب بقى... مش قادرة..."


لكن هو؟كان بيقرب أكتر... بيكسر كل المسافات،كل الحواجز اللي بنتها سنين الخوف،وبيهمس جنب أذنها... بصوت واثق:


"بس أنا جادر...وأجوي منك  عشانك...

لحد ما تجوليها... وتعيشيها...وألبّسك توب الحب بيدي."


همست بغلب.. لم تعد قادره.. بطل والنبي بطل عيب بقه أنا أنا... 


فمسك وجهها ونظر في عيونها...صوته كان خافت، بس نبرته كانت بتزلزل القلب:

"مش.. جادره تكتمي... صح؟ مش جادرة،

لإنك حاسة بيا،عارفة إنّي أنا اللي تتركني عليه،كل الجوّة اللي لابساها دي وهم،

شكل بس...جُوّاكِ روح محبوسة،بتصرخ،

عايزة تطلع،عايزة ترتاح...بس بتكابري.

بتعاندي وجعك زي ما بتعاندي جواتك  ."


عينها دمعت، بس لسه واقفة بكبرياء،

حاولت تبعد وشها،شدّها، وقالها بصوت مبحوح: أنت من جواتك عايزه تتحضن ويتمّلس عليها بإيدين بتتعامل بحنية   ،


"إني أهو يا مهره… هطبطب، وهملّس، وهسيب الوجع يهدى…بس تعرفي… إنك ليا أنا، وبس."


 ما نطقتش بكلام،كان ف دمعتها… في رعشة نفسها، في السكون اللي بعد الجملة.وهنا…ضمّها، حضنها كأنّه بيحوش عنها كل الدنيا،كل اللي وجعها واللي لسه هييجي.وانفجرت…بكت كأن البكا طالع من سنين صمت، من صبر طلع له جرح.

وهو…سابها تبكي…وحضنه كان هو الرد الوحيد على سؤالها اللي ما اتقالش.

همس بلين وهو يمسد عليها... "كفايه هروب،كفايه حبس لنفسك...

،أنا جيت أفُك القيد اللي بينّا."


كلبش فيها بقوه يريد ان يعطيها من حنانه  كانت يدها علي صدره تغرز اظافرها بعنف فيه حتي لا تنهار اكثر وتلف ذراعيها حوله ..

تنهد وظل يمسد عليها همس بلين لمس قلبها ... واحده واحده هتعترفي. واحده واحده هتليني وتحسي بيا انت مرتي دلوك بتاعتي .


سقطت بين ذراعيه كأنّها تُسلم نفسها للراحة التي حُرمت منها طويلًا. لم تقاوم، لا لأنها لا تملك القدرة، بل لأن قلبها المتعب قد خذلها للحظة. كان يحملها كمن يخاف عليها من الانكسار، يربّت على كتفها برفق، كأنّه يُهدّئ موجًا هائجًا في صدرها.


همس: "اهدي، وهتعرفي إني مش خصمك... أنا اللي جنبك."


لم تُجبه، ولم تحتج. فقط أغمضت عينيها، تسرّب الدفء بين ضلوعها، تنفّست بعمق... ثم غفَت. لم تكن استسلامًا، بل هدنة مؤقتة من حرب طويلة في داخلها.

 

*********


كان "براء" جالسًا في حجرته، فوق طرف الفراش، وعيناه تراقبان الفراغ أمامه، كأنّ فيه صورة "شجن" ترتسم وتختفي. قلبه يغلي، والندم يأكل أطرافه، يتذكر صوتها وهو يرتجف غضبًا:


"مش هرضى يا براء... مش هرضى! كل ده عشان الفلوس؟ مش هرضى!"


تنهد بوجعٍ دفين، ثم نهض واقترب ، مدّ يده يتلمّسها وهمس بصوتٍ مبحوح:


"حجّك عليّا والله... كان يتجطع لساني. دانتي زي الجطة، لما تتحضن ماتخرجش برات حضنك  ... فلوس إيه وعيال إيه! أني رايدك بحنيتك، وعارف إنك هتليني... وأني ما هسكتش واصل!"


وقف، وراح يتمشى في الحجرة كمن يُحدث نفسه أكثر مما يخطط:


"انت يا حَلُوف تعمل مابدالك... بس ترجع بسمتها. مالكش صالح بيهم، هما ينتجمو يتهببوا...مالك انت ليها وبس  تروح تكلم خيها وتعليها كيف ما علي وجد ؟ جتك نصيبك، كنت انشليت، منك لله!"


تنهد مجددًا، ثم قال وهو يضع يده على صدره:


"ال كتبت عرفي... أهو اتنحرّرت، اطعد بقى زي فردة! الجزمة محروج !"


سكت قليلًا ثم قال:


"طب أروح لأخوها دلوك؟ بس ماينفعش... زمانه وجد  بتجطع وشه انهبلت! ده غلبان جوي، عيلة همّ سُعرانين كلهم.. وايه عمي ده شر ليه اكده أعوذ بالله وفالح طول السنين يغلنا من ناحيته وهما مايستحجوش اكده إيه الجرف ده ..."


لكنه سرعان ما غيّر نبرته:


"بس لأ... تاني، لازم أفرّحها جلبه أبيض. الصبح يفرح، ما سيبهاش مجهورة اكده!"


قام من مكانه وقد أظلم الليل، خرج لفترة ثم عاد يحمل مفاجأة لها. راح يجهزها بسرور كأنّه طفل يرتّب هديته الأولى، وما إن انتهى، وقف سعيدًا وهو يتمتم:


"ده جَمَر جوي... يا رب تفرح. هي بتحب اكده... أدعي على حالي بإيه؟ ده يتجال عليها الحلو كله!"


ثم شدّ على نفسه وقال:


"لا! اتربى بقى! خش لجِدّها ولاخوها وأطلبها، ويتشرط؟ جَمري لازم يحس إنه عالي، وأني رايدها!"حجّك ما تشوفنيش راجل... حجّك."

بس إحنا الصعايدة... فينا حراره لما نغلط،

نغلط بجهلنا... بنعاند حتى الحج،ونفتكر الرجوله هي الصوت العالي،وإن الطسوة دي هي الحسم...بس الحقيقة؟أنا جرحتها...

بغباوتي، بنعرَتي،بكلمة كان لازم أبلعها..أنا اللي حطيت وجعها بإيدي في صدرها،

وهي؟كانت بتتحمّل...بتسكت...وبتوجع لوحدها. ما شفتش في عينيها الأمان اللي ضاع،

أنا غبي...غبي وراجل صعيدي فاكر الرجوله هي اللي تجرّح،مش اللي تحضن وتفهم.


ندمان على كل لحظة وجعتك فيها، وعلى كل كلمة كسرتك وأنا مش واخد بالي."


ندمان، والله ندمان... جرحتك بغباوتي، وبنعرتي اللي كنت فاكرها رجولة وهي ما كانتش غير جهل وتكبر."


بس من اهنه ورايح هتلاجي جدامك واحد يحسبها الف مره لأجل يرضيكي... تنهد ومسك يدها قبلها ووضعها علي قلبه وركن يتاملها يدعو إن تلين له ِ. 


******

في الصباح، أفاق "نديم" على سريرٍ باردٍ، لم يجد "وجد" بجانبه. عبس قليلًا ونهض يتلفّت، حتى سمع أصواتًا في الأسفل. هبط بخطواتٍ متعجّلة، ليجدها واقفةً وسط البهو، توجه الخدم بصرامة:


"رجّعوا كل حاجة زي ما كانت... المفرش ده مكانه، والدكك دي تتنضّف، وكل ده يبرق."


كان "جابر" جالسًا إلى جوار الجد، يدور حديثٌ خافتٌ بينهما، لكنه سمع بوضوح صوت "جابر" يتمتم بعصبية:


"يابا... انت اكده بتسيب فلوسنا تروح؟ إنت جولت الفلوس تتوزّع بعد ما يخلّفوا... بس نديم أخد مبلغ كبير جوي! ده مش حجه."


ظلت "وجد" صامتة، لا تُعقّب، وجهها جامد كالصخر، ونظراتها شاردة.


اقترب منها "نديم" هامسًا، وبقبلةٍ سريعة على جبينها، قال:


"ينفع تسيبي جوزك كده؟"


تنهدت، ونظرت له بنبرة هادئة لكنها حاسمة:


"معلش... كنت بوضّب الدنيا. اجعد... أجبلك تفطر."


ثم صرخت:


"يا حكيمة! حضّري الوكيل لنديم بيه يفطر!"


شعر "نديم" بغصة في صدره، غضبٌ خفيٌ يتصاعد من برودها وتحولها التام. لم تكن تلك هي "وجد" نسمته ملاكه الحارس. 


ثم سمع صوت الجد يتدخل، بصوته المكسور ووجهه المتعب:


"يا نديم... أظن المال اللي انت خدته يا ولدي، مش من حجك لوحدك. إنت آه، اتظلمت... بس ده مال الكل، وهيتوزّع على الكل. ومال الغُصب يا ولدي... مال حرام. ترضى على روحك؟ ترضى بيتك يعيش من الحرام؟


أنا عن نفسي... مش عايز منه حاجة. خده، بس خُده بالحلال، مش بالغصب.أنا رايد أعوّضك... بالحلال.والله يا ولدي، دورت عليكم يامه...وبعت ناس...ولو كان الغالي رجع، كنت شلته في حضني. كنت حميته بروحي. بس أجول إيه... لله الأمر.


عارف إن جلبك اسود من الوجع، بس أنا طالب السماح.أنا راجل عجوز، والجبر يا ولدي ما يتحملش ذنب شيطان ركب وخرّب الدار.سامحني يا نديم...وسامح الزمن،

وعهد الله لتكون إنت وخواتك كيف الكل...

سامح جدك، يا نديم."


أحنَى "نديم" رأسه، وصمت طويلًا، كأن شيئًا ثقيلًا يجثم على صدره. ورغم ما حمله قلبه من مرارة وانتقام، لم ينسَ يومًا أنه من الصعيد، من أرض الرجال، من أصلٍ يتباهى به حتى لو أنكروه.


كان يحلم أن يكون له عِزوة... أهل وسند... أن يُنادى باسمه في جمع كبير فيُرفع رأسه.

لكنه عوقب بالخذلان.لم يختاروا أن يكون منهم.فصمت... وفي قلبه وجعٌ قديم.


قطع صمته صوت "جابر" الحاد:


"عشان نتراضي... لازم الفلوس ترجع!"


رفع "نديم" عينيه ببرودٍ غاضب:


"هو مين بالضبط اللي هيتراضى؟! عايز أفهم!"


وقف "جابر" وقال بحدة:


"يعني انت ما كفاكش اللي عملته؟! واحد غيرك يستحج الجتل على اللي عملته!"


فانفجر "نديم" بغضبٍ مكتوم ظل يحفر في صدره لسنين:


"وانت تستحج إيه؟! هاااه؟ لما تجهَر عيلة كاملة وتشردهم! تبقى إيه؟!لما ترمي أخوك وعياله في الشارع... تبقى إيه؟!

لما تهين وتتبلى على راجل أشرف منك ومن ألف زيك... حافظ كتاب ربنا، وراجل عمره ما خالف كلمه لأبوه! تبقى إيه؟! هااه؟! ماتجول؟!اتبليت عليه ليه؟! وجولته حرامي ليه؟!"


رد "جابر" بنبرة دفاعية مرتعشة:


"الدهبات كانت فُقِدت... وهو اللي كان عليه العين!"


صرخ "نديم"، عينيه تشتعل غضبًا:


"كت جفشته ومسكته؟! هااه؟! شُفت الدهب في يده؟!ولا عشان كان ساكت ... جولت ده ضعيف، ونطجت عليه؟!"


سكت "جابر" للحظة، يحاول الدفاع عن نفسه، لكن الكلمات خانته.


هنا تدخل الجد بصوت مبحوح:


"كفاية... اللي حصل كان ظلم... واتكتب عليه. بس ربك كبير، وجاب لكل مظلوم حجه.جابر... ده أخوك اللي انت ظلمته، وده ولده اللي رجع يشيل اسم أبوه بالعِزّ قدامك.

وإنت يا نديم...جلبك فيه نار، بس ما تخليش النار تحرج أهلك... خليها تنوّرلك الطريق، مش تولّع فيهم."


ثم نظر إلى "وجد" التي ظلت صامتة تتابع العاصفة تدور أمامها، والقلق يتسلل لعينيها.


صرخ نديم، وصوته كان بيهز الحيطان:


– هو اللي ولّعها بإيده، هو اللي نفخ في نارها واتهم الغلبان ظلم، عشان جلبه أسود ما يعرفش الرحمة!


رد جابر بغليان:


– ماهو عشان اتجوز غازية… دا لو راجل ماكانش بص للتراب اللي بتدوسه!


هب نديم، خطف الخطوة في ثانية، وعينيه جمر بيتقد:


– كلمة كمان، والله لاخلي اللي ما يشتري يتفرج... فاكرني هخاف؟ هعملك حساب؟ دا اني نديم عامر، اللي يمسه بكلمة، يدفنه تحت رجليه!


قام جابر، اتنفخ صدره، واتعالى صوته:


– انت ياض مالك؟ طايح اكده ليه؟ هو مافيش حد جادر عليك؟ ها؟ ماتفوج؟


هدر صوت نديم، صوته كان أشبه بزئير الأسد:


– أنا فايج جوي، والصبر طفح عليك وفاض، الباقي ع اللي لسه عايش بوهم السياده والسوط. لاه، فوج… فوج يا جابر، نديم عامر بقى وحش، ربي له مخالب، وله أنياب، وطلّعهم!


– أما الفلوس… فدي ختها مش طمع، ختها بتار، وسنين وجع، وتعلمه على وشك. . لكن تحسبني عايزها ماتلزمتي فلوسك؟ دا أنا أعبّي عليك ذهب، وأحط عليك فلوس مالهاش عدد. أمي سيبالنا كتير…


صرخ جابر، وطلع الكيد من صدره:


– منين يا حسره؟ ما هي ماتت من الغلب… منكم!


صرخ "نديم" بعزم ما تلين له عزيمة:


"ماتت من الغُلب؟!لا ماتت من الجهر اللي انت زرعته في طلبها وهي ساكته؟

ماتت وهي شايله وجع أبوي اللي اتهمته بهتان، شايله غربته، شايله عياله اللي ملهمش لا سند ولا ضهر...بس قبل ما تموت... كانت عارفه إنها خلفت راجل...وإني هرجع وأردلها اعتبارها...وأني آخد حجها… كيد وتار."نظر نديم إليه بغلٍ يسكنه سنين قهرٍ وكمدا:


... أمي ما ماتتش من الغلب، أمي ماتت من جَورك...ماتت من شرك اللي عشش في دارنا وسمّمها.بتجول منين؟! من الشركات اللي بنيتها بدمّها ودهبها؟

من الغازية اللي تابت وربها قَبِلها... وانت رفضتها وكأنك رب!

نصّبت نفسك جاضي وسِكّت ميزانك بالهوى، ووطفت تحكم وتجلد وكأنك فوج الكل!


اسمعني وسمّع الكل يا جابر...

اللي واجف طدّامك دا ما هوش صغير... دا نديم عامر.وما هسكتش بعد النهارده.

كلمة تانية على أمي، والله ما يكفيني فيك صنفك كله!


وان كان عالفلوس؟!خدها... اعجن بيها غِلّك، دا مال ما يسوى عندي تراب جزمتي.

أنا علمت عليكم ورفعت راس اللي اتدفن اسمه ظلم،نديم جاب وش جابر، اللي كان يتشال على كفوف الرُقي، الأرض!


فلوسك؟هديّة ليك... بس تحت جزمتي.

أنا مش بتاع فلوس...أنا بتاع حج، وحج أمي فوج رجابكم كلكم!"


أحمرت عينا "جابر" من الغيظ، لكنه ظل واقفًا لا يجد ما يقوله، بينما "الجد" ينظر إلى الأرض دامع العينين، وكأن التاريخ يُجلد أمامه.


تابع "نديم" بصوت هدأ قليلاً، لكنه ازداد قوة:


"أنا مش جايلكم أمد يدي، ولا أكل من خيركم...أنا جايلكم أفرش التاريخ اللي غلط يتعاقب، واللي ظلم يتحاسب.

أما وجد...

فدي مرتي، ومكانها جوه جلبي مش في دايرة التوزيع بتاعتكم...فلوسكم وسخ... ولو ليكم عين تاخدوها، أنا هرميها في وشكم!"


وقفت "وِجد" تنظر لنديم، تسمع نيّته يرجّع المال، والوجع يعضّ في قلبها عضّ.

عيونها كانت ساكتة، لكن صدرها كان بيصرخ.تقدّمت خطوة...وبصوت فيه رعشة من الجمر، قالت:


"فلوس إيه يا راجلي اللي هتدّيها وترجعها؟!

إنت كت لوحدك في الليلة عشان تِجُول؟!"


نديم بهت، عيونه اتسعت، ولسانه انعقد.

لكن قبل ما يرد، هبّ أبوها، وقال بنبرة مرّة:


"مالك يا محروجة؟!إتهبّلتي؟!"


لكنها ما رمشتش، رفعت وشّها بعزّة وجلد وقالت:


"لاه يا بوي...مش مخبولة.بس مافيش فلوس هترجع، لا اليوم... ولا بعده."


جابر صرخ، واندفع إيده  تضربها،لكن نديم اتحرّك قبله، ووقف سدّ حي قدامه، وقال بصوت يهز الحيطان:


"تجرب تمدّ إيدك عليها تاني؟والله، لأدفنك مطرحك... فاهم؟!"


وهنا...

"وجد" مدت إيدها، ودفعت نديم بعيد، وقالت بعنف ناعم:


"حبّة اكده...مش ناجصة لا يد، ولا رجل عشان تدافع عني.


قربت من أبوها، وبصوت مبحوح من جوّاها، قالت:


"لا، ما انهبلتش، ولا محروجة، يا بوي...

بس الفلوس؟ما هترجعش.واللي ليه شَوْج في حاجه، ييجي يعملها.. 

هنا انتفض جابر، هاج كالعاصفة، ورفع يده كي يصفعها… لكن الجميع بُهت حين أمسكَت يده في الهواء، كأنّ الغضب منحها قوة خارقة.

**صرخت… لا، زأرت، والغلّ يشتعل في عينيها كشررٍ متطايرٍ من جمرٍ وسكت الكل عندما هدرت بعنف صارخ..... 


تفاعل يا سكاكر.... عشان انزل بالباقي.... جاي لسه حلويات....والنبي لأوريك يا جابر الكلب..

تكملة الرواية من هناااااااا 

 لمتابعة باقى الروايه  زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا



تعليقات

التنقل السريع