رواية أنا لها شمس الجزء الثاني «أذنابُ الماضي» الفصل الثامن 8 بقلم روز آمين حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية أنا لها شمس الجزء الثاني «أذنابُ الماضي» الفصل الثامن 8 بقلم روز آمين حصريه في مدونة قصر الروايات
بسم الله لا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
🔹الفصل الثامن🔹
«أذنابُ الماضي»
#_أنا لها شمس الجزء الثاني،بقلمي روز آمين
__________________________
هتفت المرأة بصياحٍ مرتبك وهي تراها تلف مقبض الباب إستعدادًا لفتحه:
-فيه حاجة لازم حضرتك تعرفيها قبل ما تدخلي مكتبك
نطقت جملتها بعد فوات الأوان،فقد تسمرت الأخرى بوقفتها وكادت مقلتيها أن تخرجا من عينيها وهي ترى إبنة عم زوجها تجلسُ بكل أريحية خلف مكتبها، إشتعل قلبها نارًا حين لفت نظرها تلك اليافطة الذهبية الموضوعة على مقدمة المكتب مدونًا عليها رئيس مجلس الإدارة«سميحة زين الدين»، ومازاد من حنقها وتعجبها هو حديث تلك المستفزة التي نطقت وهي تتحركُ يمينًا ويسارًا بمقعدها المتحرك:
-إيه رأيك في المفاجأة الحلوة دي؟
لم تستوعب ما تراهُ عينيها بعد، إتسعت عينيها بذهولٍ في حين ارتجف قلبها هلعًا حينما هاجمتها فكرة إذلال زوجها إليها واستبدالها بإبنة عمه في ذاك المنصب الذي سلمها إياه منذ سنواتٍ عديدة، نطقت والإرتيابُ يسيطرُ على كل ذرةٍ بجسدها:
-"سميحة!، إنتِ بتعملي إيه في مكتبي؟!
وتابعت والذهول وعدم الاستيعاب سيدا موقفها:
-وإسمك بيعمل إيه على يافطة مكتبي ؟!
-كان يا حبيبتي...نطقت الكلمة ببرودٍ قاتل لتتابع بطريقة استفزت الأخرى:
-كان مكتبك قبل ما أنا أختاره علشان يكون مكتبي
هزت رأسها بعدم إدراكٍ للموقف لتنطق بحيرة وتشتت ظهر بعينيها:
- إنتِ بتقولي إيه؟ومين سمح لك بكده؟!
أجابتها بتعاظم:
-إسمي وإسم عيلتي هما اللي سمحوا لي
وتابعت رافعة عنقها بشموخٍ وكبرياء:
-عيلة الزين
مازال التشتُت يشملها وفكرة أن فؤاد أتى بها كنايةً لها ولاستكمال عقابها المستمر هي المسيطرة على مخيلتها الأن، سألتها بصوتٍ خرج متلبكًا لصعوبة الموقف:
-فؤاد هو اللي عينك مكاني؟
مطت شفتيها للأمام وبلامبالاة نطقت نافية:
-فؤاد ملوش علاقة بالموضوع، ده حتى لسه ميعرفش إني جيت من دُبي.
سألتها بارتيابٍ:
-عمو علام؟
-ولا عمو علام، ولا حتى بابي ليهم علاقة بالموضوع
قطبت إيثار جبينها فتابعت الأخرى بحماقة:
- أنا اللي قررت أجي أشتغل في شركتنا، وبما إن الشركة شركة عيلتي، فاديت لنفسي الحق في إختيار المنصب اللي يلائم إسمي وإسم عيلتي
واسترسلت برعونة:
- والحقيقة ملقتش منصب في الشركة كلها أفضل من رئيس مجلس الإدارة
وهزت رأسها لتتابع:
-ما أنا أكيد مش هشتغل تحت إيدك يا مدام
تداركت الموقف وتحدثت باستهزاء:
-هو إنتِ طبيعية يا سميحة؟!
يعني إنتِ صحيتي من النوم فجأة كده لقيتي نفسك فاضية فقولتي تيجي تشتغلي في الشركة، لا ومن غير أي قرارات رسمية جيتي واستوليتي على مكتبي؟!
إلتفتت بجوارها وتحدثت بحدة إلى مديرة مكتبها المرتبكة لتلقي عليها باللوم الشديد:
-وإنتِ كنتي فين يا أستاذة، وإزاي تسمحي لها هي أو أي حد يدخل مكتبي في غيابي
وأشارت على ذاك الصندوق الموضوع أرضًا والذي يظهر منه بعض أشيائها الخاصة بالعمل كالاوراق واللافتة المدون عليها نقوش حروف أسمها، وبعض الأشياء الأخرى لتصيح بحدة أرعبت المرأة:
-لا وكمان تلم حاجتي بكل وقاحة وتركنها، وكأنها طلعت قرار بإقالتي.
بجسدٍ يرتجف كانت تتابع "عالية" ما يحدث لتنطق متلبكة وهي تفرق كفيها ببعضيهما من شدة توترها:
-ملحقتش والله يا افندم، والهانم كانت جاية ومعاها الـ bodyguard بتوعها
هتفت إيثار بسخطٍ وعينين تطلق شزرًا:
-ده شغل فتونة وبلطجة بقى
-إحترمي نفسك وإتكلمي عني كويس قدام سكرتيرتك... نطقتها "سميحة"بعدما هبت واقفة وهي تخبط على سطح المكتب بكل قوتها لتتابع بتعالي وكبرياء:
-ومتنسيش إنك بتكلمي بنت أصحاب الشركة، أنا اللي إسمي على إسم الزين
وبإشارة من سبابتها استكملت باستهانة وهي ترمقها بنظراتٍ تقليلية لشأنها:
-لكن إنتِ،تطلعي مين؟!
وتابعت باستنكارٍ ودونية:
-إنتِ مجرد باراشوت على العيلة، وإوعي تفتكري إنك علشان إتجوزتي فؤاد علام وجيبتي منه ولاد تبقي خلاص إرتقيتي وبقيتي من العيلة، مهما وصلتي في عيلة الزين فاأنتِ في الآخر هيفضل إسمك" إيثار الجوهري"
بغرورٍ تلاعبت باليافطة الخاصة بها وباتت تُحرك أناملها فوق حروف إسم الزين لتتابع مسترسلة بتفاخرٍ وتصرفاتٍ لا تليقُ سوى بطفلةٍ بمرحلة المراهقة:
-مش إيثار الزين.
هزت الأخرى رأسها مستنكرة جميع ما يحدث لتنطق بذهولٍ من تصرفات تلك الفاقدة للحكمة والعقل الرشيد:
-لا، إنتِ أكيد مش طبيعية، أنا هكلم أنكل أحمد حالاً ييجي يوقف المسخرة اللي بتحصل دي
انتهت من حديثها لتمد يدها داخل حقيبة اليد لإخراج هاتفها الخاص ليقاطعها ذاك الصوت الذي صدح ساخرًا من خلفها:
-إيه الصياح والدوشة اللي على الصبح ده يا مدام، الموضوع بسيط ومش مستاهل تدخلي أحمد باشا أو غيره فيه
وأشار على شقيقته المبتسمة بتشفى وتحدث بإبتسامة طفيفة ظهرت بجانب ثغرة:
-دكتور "سميحة" شافت إن ده الوقت المناسب اللي لازم تيجي شركة عيلتها وتشتغل فيها وتحمي مالها بنفسها
وتابع بطريقة مستفزة:
-وإنتِ عارفة "سميحة" دقيقة وذوقها صعب ونادرًا لما حاجة بترضي ذوقها
وتابع باستهانة ولامبالاة:
- هي دخلت كل مكاتب الشركة وعلى فكرة أولهم مكتبي، لتقولي إننا مستقصدينك، لكن من بين الكل معجبهاش غير المكتب ده.
بقوة وتحدي أجابتهُ بحنكة أرادت بها إحراجه والتقليل من مهنيتهِ:
-أولاً أنا إسمي أستاذة إيثار مش مدام، مدام دي تقولها لي حضرتك وإحنا قاعدين نشرب مع بعض القهوة في جنينة أنكل أحمد، لكن أنا هنا أستاذة إيثار رئيس مجلس إدارة الشركة
وتابعت متهكمة:
-الشركة اللي حضرتك والدكتورة قلبتوها لقهوة بلدي، الأستاذة قررت فجأة تيجي تشتغل، لا ومن نفسها إختارت الوظيفة والمكتب ولا كأننا قاعدين في سويقة بيديرها تاجر في سوق العبور، مش شركة انترناشيونال وتعتبر من أكبر شركات الإستيراد والتصدير في الوطن العربي كله.
-اللي اتعمل ده عيب كبير في حقك قبل ما يكون في حق الدكتورة يا باشمهندس... قالتها وهي ترمقهُ باستنكار وتابعت بقوة وثبات:
-أنا هروح مكتب أستاذ "أيهم"، عشر دقايق أرجع ألاقي كل حاجة رجعت زي ما كانت في مكتبي، وإلا تتحملوا نتيجة اللي هعمله
احتدم داخلهُ وأضرمت نيران الحقد قلبه ليصيح بأعين تطلقُ شزرًا:
-إنتِ بتهدديني؟! شكلك نسيتي نفسك ونسيتي إنتِ واقفة قدام مين؟
هتفت بثباتٍ أشعل داخل كلاهما:
-إنتِ اللي نسيت نفسك ونسيت صلاحياتي اللي أسندها ليا أصحاب الشركة وأكبر مساهميها
وقبل أن يبادر بالرد قطع هتافاتهم دخول السيد"عزمي" المحامي الذي تحدث قائلاً بهدوء:
-سيادة المستشار فؤاد باشا معايا على التليفون وعاوز حضراتكم
صمت الجميع ليفتح الرجل مكبر الصوت ويظهر صوت ذاك القوي ثابتًا كجبالٍ عاتية:
-باشمهندس بسام،المهزلة اللي عندك دي تنتهي حالاً،والدكتورة تلم حاجتها فورًا وترجع المكتب زي ما كان بالظبط، وتتفضل تروح على بيتها.
إشتعل داخل بسام من إسلوب نجل عمه الحاد والذي أشعره أنهُ تليميذًا فاشل يعنف من قِبل معلمهُ، لتهتف تلك التي أسرعت متلهفة إلى الهاتف تحت ولع قلب الأخرى:
-أنا جاية أشتغل في شركة عيلتي يا فؤاد
وتابعت بصوتٍ متأثر وكأنها تشتكية مما أضرم نيران الغيرة داخل قلب خليلة الروح:
- يعني معملتش جريمة علشان مراتك تكلمني بإسلوب مُهين قدام السكرتيرة بتاعتها
برغم إفترائها الكاذب عليها إلا أنها إتخذت الصمت ملاذًا أمنًا وتركت ساحة الحرب لفارسها المغوار ولتنتظر لترى ماذا هو فاعلاً لأجلها، قطع صمتها هتاف ذاك الثائر وهو يقول بصوتٍ استطاع إخراجهُ متزنًا عاقلاً كي لا يقع في شرك تخطي الأصول:
-بالنسبة للشغل فمحدش معترض على وجودك، مع إني مستغرب وجود دكتورة ناجحة في مجالها زيك في شركة إستيراد وتصدير؟!، بس ما علينا
وتابع صارمًا:
- لكن الشغل ليه أصول واحترام يا دكتورة،كان لازم تبلغيني الاول أو تبلغي الباشمهندس أحمد، وبعدها نعمل إجتماع مجلس إدارة ونتناقش في الوظيفة اللي تليق لك وتقدري تنتجي فيها بيما يفيد الشركة ويضيف لها
ثم استرسل لائمًا بدهاء أوقعها في شِرك الخطأ:
-لكن سيادتك تخطيتي كل الأصول واختارتي منك لنفسك أعلى منصب في الشركة، وكمان المكتب،
بدأت وتيرة صوتهِ تعلو ليتغللاها الحدة والغضب:
- إنتِ والأستاذ بسام تعديتوا حدوتكم وتعديتوا عليا لما حطيتوا مراتي في الموقف السخيف ده قدام الموظفين
وأكمل موجهًا بتهديدًا مباشر تحت راحة قلب إمرأته:
-وعند مراتي حطوا ألف خط أحمر، لأني ممكن أتلاشى أخطائكم في حق رئيس مجلس الإدارة وأعتبره تفكير غير متزن في لحظة طيش منكم، لكن أي حد هيحاول مجرد بس المحاولة بالتجاوز في حق مراتي، هيشوف مني معاملة أقسم بالله هتقهره وتكرهه في اللحظة الغبية اللي فكر فيها يقرب منها، والكلام موجه للكل مهما كان هو مين
برغم حزنها العميق وجرحها الغائر من تصرفاتهُ معها مؤخرًا إلا أن حديثه ودفاعهُ الجسور عنها أمام نجلي عمه، وإفشال مخططهما بغزو مكانتها وزعزعة عرشها الذي صنعته بجدارة حنكتها في إدارة الأمور، جعلت قلبها يلينُ وتشعر بنشوة هزت كيانها بالكامل، لطالما كان لها السند والجدار الصامد، رجلها القوي بطلها المغوار المستعد دائمًا بتقديم روحه فداءًا لأمانها وأمنها، تنهدت براحة وبلحظة خمدت نيران جسدها المستعرة وكأن كلماتهُ نزلت على قلبها بردًا وسلاما.
تعرق جبين"بسام" خجلاً من حديث فؤاد،كم شعر بالتذلُل والتصغير وما زاد من قهرته هو تهديده المباشر وإظهار ندالته هو وشقيقته بهذا الكم من الوضوح،كاد أن يتحدث فقاطعه حديث تلك الحانقة التي تحدثت بتبرمٍ طفولي:
-أنا رصيت حاجتي في المكتب وخلاص يا فؤاد، وأظن مش من الذوق إنك تخرجني من مكتب أنا إختارته
وتابعت تذكرهُ بغرورٍ:
-وياريت متنساش إن دي شركة عيلتي،يعني أقل تقدير ليا إني أختار المكان اللي هقعد فيه
بهدوء ما قبل العاصفة تحدث:
-أنا مبعدش كلامي مرتين يا دكتورة
وتابع متجاهلاً عن عمد:
-باشمهندس "بسام"،المهزلة دي تنتهي حالاً
-حاضر يا سيادة المستشار...نطقها بخنوعٍ مجبر ومشاعر التذليل تشمل روحه،فتابع فؤاد بكل صرامة:
-أنا هقفل علشان عندي شغل ومش فاضي للمهاترات الفاضية دي، عشر دقايق وهتصل بيك يا" بسام"، علشان تقولي إن كل حاجة رجعت لوضعها الطبيعي
بصعوبة اخرج كلماتهِ عنوةً عنه:
-تمام يا سيادة المستشار، شوف شغلك واطمن.
أغلق الهاتف ونظر لشقيقته متجاهلاً إيثار ونظراتها الحادة الموجهة إليه:
-لمي حاجتك في البوكس وأنا مستنيكِ في مكتبي يا سميحة، في أقل من عشر دقايق تكوني عندي
-بسام... قالتها باعتراض وعيني راجية تطالبهُ بالوقوف بجانبها ضد تلك الغريمة،فتجاهل إشارات عينيها وتحدث بعدما أدار ظهره متوجهًا إلى مكتبه:
- هطلب لك قهوتك معايا، متتأخريش علشان متبردش.
بالكاد نطق كلماته وتحرك بخطواتٍ مسرعة تدل على مدى اشتعال قلبه، أما هي فنظرت على تلك التي تربع ساعديها على صدرها وترمقها بنظراتٍ شامتة وابتسامة نصر مرتسمة بجانب ثغرها، نطقت الأخرى بغلٍ ظهر من نظراتها الحادة:
-الموضوع ما انتهاش لحد هنا
بدأت بلملمة أشيائها وقامت بوضعها داخل الصندوق باضطرابٍ منفعل وبعدما انتهت حملته بين يديها لتتحرك باتجاه الباب لكنها توقفت لتقول بحدة:
-المكتب ده خلاص، بقى بتاعي، وبكره هفكرك.
نطقت إيثار بابتسامة مستفزة أشعلت قلب الأخرى:
-على ما أظن فؤاد باشا أمرك ترجعي المكتب زي ما كان
بنفس الإستفزاز ردت عليها:
-رجعيه إنتِ والسكرتيرة بتاعتك
وتوقفت لتتابع باستفزازٍ أكثر:
-،ولا أقول لك،سيبي كل حاجة زي ما هي في البوكس،لإني مش مطولة
وانطلقت للخرج مسترسلة:
-كلها يوم ولا أتنين بالكتير وراجعة لك.
-سخيفة...كلمة نطقتها إيثار وهرولت باتجاه الباب تصفعه بكل قوتها خلف "سميحة" مما زاد من احتراق قلبها أكثر،تطلعت إيثار بحقدٍ إلى أشيائها الملقاه بصندوقٍ جانبي ورفعت كفيها لأعلى ثم هدلتهما باستسلام،وتحركت باتجاهه فسبقت الفتاة خطواتها لتلتقطهُ بين يديها ثم وضعته فوق سطح المكتب الخشبي وتحدثت وهي تفرغ ما به لتعيد كل شيءٍ لقواعده:
-أنا هرجع كل حاجة مكانها يا مدام
وتابعت باعتذارٍ بالغ وعينين آسفتين:
-أنا آسفة، والله ما عرفت أعمل أي حاجة
تنهدت لتجيبها بهدوء:
-إنتِ معملتيش حاجة علشان تعتذري عليها يا "عالية"
وتابعت وهي تهز رأسها:
-"بسام" شكله أعلن الحرب عليا،وجايب أخته علشان تساعده في استفزازي ووقعي في الغلط.
-متقلقيش حضرتك،سيادة المستشار في ضهرك ومش هيسمح لأي مخلوق يمسك بأي سوء،وأدينا شوفنا اللي حصل من شوية
على ذكر قاتل كبريائها أصيب قلبها بخيبة الأمل، فبرغم كل ما حدث ونصرتهُ القوية لها، إلا أنه لم يقم بتوجيه ولو كلمةٍ واحدة لرد إعتبارها أمام منافسيها، تطلعت لحقيبتها ونظرت بشاشة الهاتف أملاً بأن يتواصل معها ويطمئنها بكلماته التي لا يضاهيها شيء.
على الجانب الأخر، مازال واقفًا أمام النافذة الزجاجية العملاقة ينظر على حديقة الفندق المقيم به،فمازال متواجدًا بحجرته بعد، حيث كان يرتدي ثيابه استعدادًا للهبوط إلى مطعم الفندق لتناول وجبة الإفطار قبل ذهابه للعمل المكلف به، وعلم من خلال مصادره الخاصة بالشركة ما حدث من إبنة عمه، فأسرع بالإتصال الفوري بالسيد "عزمي" محامي الشركة وطلب منه الذهاب بالهاتف إلى حلبة الصراع الدائرة، نظر بشاشة هاتفه ونظر على نقش اسم معذبة فؤاده، فكر بأن يتحدث إليها ليغمرها بمشاعر الإحتواء كي يزيل عن قلبها ما حدث، لكن كبريائهُ أبى أن يتنازل وقرر المضي للأمام بخطة تهذيبها، زفر بقوة وتحرك إلى الفراش ليلتقط حلة البدلة وتحرك مهرولاً للخارج بعد ارتدائها ليبدوا أنيقًا للغاية.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
على الجانب الأخر من الشركة، تحديدًا بمكتب بسام الزين، تقف تلك المستشاطة تدور حول نفسها بجنون لتنطق بحدة أظهرت كم غضبها الكامن بالداخل:
-بقى أنا يتعمل فيا كده على إيد الشرشوحة دي يا بسام!
وتابعت وهي تشير على حالها:
-أنا، سميحة الزين، إبن عمي ينصر عليا واحدة فلاحة ويخرجني من المكتب علشانها؟!
توقفت عن دورانها الجنوني لتتطلع على ذاك الجالس خلف مكتبه يتناول قهوته بهدوء وكأن ما حدث لا يعنيه من قريبٍ أو بعيد، هتفت بسخطٍ وهي ترمقهُ باستغراب:
-إيه البرود اللي إنتَ فيه ده، قاعد تشرب قهوتك ولا على بالك، أختك إنطردت من المكتب يا بني أدم، طلعت منه شايلة حاجتي على إيدي زي ما دخلت
أجابها بصوتٍ مستكين:
-أنا قولت لك من الأول إن اللي إسمها إيثار محتاجة تخطيط بدهاء، علشان نعرف نكسرها ونظهر للعيلة كلها إنها متستاهلش ثقتهم فيها، لكن إنتِ اللي أصريتي على دخلتك الهبلة، واللي نزلت من قيمتنا قدامها وقدام عزمي والسكرتيرة بتاعتها.
كان بسام قد تحدث عبر الهاتف منذ عدة أيام إلى شقيقته المتزوجة حاليًا من أحد أفراد العائلة وأصبح لديها إبنتان،والمقيمة بدولة الأمارات العربية، وطلب منها العودة والإستعانة وبأن تنضم إليه بفريق العمل بالشركة كي يكونا معًا فريقًا متحدًا ضد إيثار، ويحاولا إيقاعها في الأخطاء الإدارية لظهورها بشكلٍ غير لائق لإدارة الشركة، وبناءًا عليه ستُسحب منها الصلاحيات التي كُلفت بها وتنتقل إلى "بسام"
أشار لشقيقته لتجلس قائلاً:
-إهدي وإقعدي إشربي القهوة بتاعتك وخلينا نفكر بالعقل، وبلاش حركات الجنان بتاعتك دي
ضيقت بين عينيها ليتابع هو:
-علشان نمشي في السليم ونبعد الشكوك من حوالينا لازم تنسي موضوع المكتب ده خالص، وأنا قولت لك الكلام ده من الأول
أقبلت على المكتب لتدق بكفيها بقوة على سطحه لتهتف من بين أسنانها بغيظٍ أظهر كم الغل بداخلها:
-على جثتي أسيبه للفلاحة دي يا بسام،يا هاخد المكتب ده، يا هاخد روحها قصاده.
إلى هنا لم يعد يحتمل غباء شقيقته، فهب واقفًا ليصيح بعينين تطلقُ شزرًا:
-بقول لك إيه، يا تعقلي وتبطلي الجنان بتاعك ده وتتصرفي زي البني أدمين، يا تتفضلي ترجعي لحياتك في دُبي تاني وتسبيني أدير معركتي بنفسي
إعتدلت بوقفتها لتهتف معترضة وهي تفردُ ذراعيها:
-يا سلام، لعبة أنا بقى في إيدك يا باشمهندس، تجي لي لحد عندي وتطلب مساعدتي، وبعد ما أخد أجازة من شغلي وأوقف حياتي كلها وأرجع أنا وجوزي وولادي وأجي لك، بكل بساطة تقولي إرجعي مطرح ما جيتي
نطق بحدة مماثلة:
-أنا من الأول قولت لك تسمعي كلامي ونخطط للموضوع صح، لكن إنتِ مُصرة تمشيها خناقة ستات تافهة
وتابع بما ذبح روحها:
- مش قادرة تنسي إنها خطفت منك حبيب القلب اللي عمره ما حس بيكِ أصلاً.
-بسام،خلي بالك من كلامك،إنتَ كده بتهيني... نطقتها بوجعٍ ووغزة ظهرت بعينيها، ليتابع هو توبيخًا متجاهلاً ألمها:
-عاوزاني أكلمك إزاي،ده إنت بغبائك عرضتينا لموقف مؤرف، خلتيني واقف زي التلميذ الخايب اللي المدرس أخده غسيل ومكواة قدام باقي الفصل
حاول السيطرة على حاله قدر المستطاع لينطق مسترسلاً بهدوء بعدما سيطر على إنفعالاته:
-إقعدي، إشربي القهوة وخلينا نفكر ونشوف الخطوة الجاية هتكون إيه.
طالعته بحدة ثم رمت حالها على المقعد وحاولت كبح جماح غضبها.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
إنتهى اليوم دون وقوع مزيدًا من المشاكل، ليأتي المساء، كانت تنزل الدرج لتتناول وجبة العشاء مع العائلة، وجدت أبنائها الثلاثة مجتمعون على الأريكة الموالية للدرج، يشاهدون والدهم ويتحدثون معه صوت وصورة عبر التطبيق من خلال شاشة الحاسوب، فتوقفت بمنتصف الدرج لتستمع لصوت معذب فؤادها، هتف زين معترضًا:
-يا بابي أنا مش حابب أسافر، صدقني مش هستمتع، ليه أروح مكان ياخد من وقتي وتفكيري وفي النهاية مش هكون مبسوط، ولا بعمل حاجة بحبها؟!
أجابهُ بهدوء في محاولة لإقناعه:
-وبعدين يا زين، مش إتفقنا إن إنتَ رايح علشان تخلي بالك من أختك،سيبك من حتة إنك مش هتبقى مبسوط، إعتبرها مهمة أنا بكلفك بيها، إيه، هترفض مهمتي؟
باستياءٍ ظهر على ملامح الفتى نطق بصوتٍ خفيض:
-العفو حضرتك، زي ما تحب
ابتسمت الفتاة وكادت أن تقفز بجلستها كالأطفال لتنطق بسعادة لأبيها:
-ربنا يخليك ليا يا بابي.
ويخليكِ ليا يا تاجي... قالها مبتسمًا لينطق الصغير بأسى أظهر كم اشتياقه لعزيز عينه:
-هو أنتَ هتيجي إمتي يا حبيبي، إنتَ وحشتني كتير
مزقت كلمات ذاك المشاغب نياط قلب فؤاد لينطق بحنوٍ ظهر بفيضٍ عبر عينيه:
-كمان يومين يا حبيبي
قطبت الفتاة جبينها لتسألها مستغربة:
-هو مش حضرتك قولت هتيجي بكرة؟
أجابها باستفاضة:
-الشغل اللي جيت الغردقة علشانه مخلصش، فاضرينا نأخر سفرنا يوم كمان
تألم قلب إيثار حينما استمعت لتأجيل عودته يومًا أخر،فحتى لو كانا لا يتحدثا،فيكفيها شعور وجوده حولها،فقد أصبح مستحيلاً الشعور بالإطمئنان وهو خارج محيطها، فاقت على صوت الصغير الذي التفت إليها وتحدث بصياحٍ فاضح:
-مامي، تعالي إتكلمي مع بابي
غصة مُرة توقفت بحلقها وبلحظة قررت الثأر لكرامتها من هادرها، تابعت الهبوط بكبرياء بعدما رفع الصغير الحاسوب لتظهر وهي تنزل الدرج بثوبٍ أنيق يظهر تفاصيل جسدها، ومازاد من لوعة قلب ذاك العاشق هو لونهُ النبيذي والذي يعشقهُ عليها، استنفر جسدهُ بالكامل حين رأها بكل ذاك السحر، فقد اشتاقها شوق المحتضر لترياق الحياة، تجاهلت الحاسوب بعدما رأت نظراتهُ عليها وتحدثت بصوتٍ مرتفع:
-عزة
خرجت الأخرى سريعًا لتتابع حديثها:
-خليهم يجهزوا السفرة وإدوا خبر للباشا والدكتورة، الوقت إتأخر ومالك لازم ينام علشان مدرسته
نطقت كلماتها وتحركت لغرفة المكتب حيث والد زوجها، كظم غيظه منها، متى سترضح تلك الفرسة الجامحة وتلين لخيالها، أمازالت غاضبة، ألم يشفع لهُ ما فعله من أجلها صباح اليوم ،انتظر أن تهاتفهُ وتتحدث معه فيما جرى،فطال انتظارهُ وكالعادة انحازت لكبريائها، تابع حديثه مع أنجاله الثلاث حتى استمع لصوت والدهُ الذي تحدث إليه بعدما استمع لصوته بينما إيثار تتأبط ذراعه لمساعدته :
-إقفل مع ولادك وكلمني بعد العشا علشان عاوزك يا فؤاد.
-حاضر يا باشا، ساعة بالظبط وهرن على حضرتك... قالها دون أن يرى أبيه وبالفعل أغلق وانضم الجميع إلى حجرة السفرة ملتفين حول الطعام، بدأ علام بسؤال إيثار كي يفتح مواضيعًا للنقاش بدلاً من الصمت المريب الذي يملؤ المكان:
-الشركة أخبارها إيه يا إيثار
نطقت بعملية دون أن تخبره بما حدث اليوم كي لا تشغل تفكيره بتلك المهاترات التي لا جدوى منها وأيضًا لكي لا تخلق مشاحنات ببن أفراد العائلة الواحدة وتؤثم عليها وتعكر صفو منزلها:
-كل حاجة ماشية تمام يا بابا
رمقتها عصمت بنظرة ثاقبة، فمازالت غاضبة منها للأن، تحدثت الفتاة إلى والدتها:
-مامي، ممكن تقربي لي المربى
-حاضر يا حبيبتي...قالتها للفتاة وهي تناولها الصَحن فتحدثت عصمت إلى حفيدتها:
-كلمتي بابي وخلتيه لغى فكرة السفر زي ما قولت لك يا "تاج"؟
هتف الصغير بصوتٍ مرتفع وكأن عزة هي من تتحدث:
-دي كلمته من شوية يا نانا وخلته يخلي زين يوافق غصب عنه، وهو مش كان موافق أصلاً
هتفت الفتاة بغيظٍ من ذاك المشاغب:
-إطلع منها يا مالك، وألف مرة قولت لك ملكش دعوة بأي حاجة تخصني
هز رأسهُ لإغاظتها فقاطعها" زين" بصوتٍ معترض:
-يطلع منها ليه يا "تاج"، هو بيقول اللي حصل، إنتِ فعلاً السبب وإنتِ اللي خليتي بابي يضغط عليا علشان أروح مكان أن مش عاوز أروحه
نطقت إيثار بحزمٍ:
-كفاية إنتَ وهي، إنتوا إزاي تتكلموا بالطريقة دي قدام الباشا ونانا؟!
-آسف يا مامي... قالها زين ثم توجه إلى جديه وأبدى آسفهُ إليهما مما جعلها تشعر بالفخر، تأسفت الفتاة أيضًا للجميع وتابعوا تناول الطعام في صمتٍ تام، إنتهى الطعام وتحركت إيثار إلي المطبخ لطلب قهوة لها ولوالد زوجها وتحدثت إلى عزة:
-إعملي القهوة بتاعتي أنا والباشا يا عزة
ثم تابعت بتوجيه حديثها إلى وداد:
-وإنتِ يا وداد، إعملي الأعشاب بتاعت الدكتورة
-تحت أمرك يا هانم،حالاً هتكون جاهزة
توقفت لترمق تلك الفتاة بجمود ثم تحدثت بصرامة:
-إنتِ، اليونيفورم اللي إنتِ لبساه ده يتغير وتلبسي لبس محترم، لو شوفت زرار من زراير بلوزتك مفتوح تاني هتسيبي القصر في لحظتها، وتلبسي زيك زي باقي زميلاتك، بنطالون وشيميز محترم فوق منه، الچيب الضيقة دي ممنوع تتلبس تاني، مفهوم؟
نطقت بخبثٍ وهدوء:
-اليونيفورم ده أنا متعودة عليه من وقت ما كنت شغالة عند أحمد باشا يا مدام
بقوة تحدثت:
-وإحنا هنا مش في فيلا احمد باشا، إنتِ في قصر علام باشا زين الدين، يعني تلبسي نفس اليونيفرم بتاع زميلانك
وتوجهت باللوم لرئيسة العاملات:
-وإنتِ يا سعاد، إزاي تقبلي بالتسيب ده؟
نطقت السيدة بوقار:
-أنا اعترضت يا هانم من أول يوم، بس هي راحت من ورايا للدكتورة وقالت لها إنها متعودة على اللبس ده ومرتاحة فيه، واستأذنتها تفضل بيه، والدكتورة سمحت لها
هتفت بجمودٍ:
-وأنا بقولك ممنوع أشوفها بالمنظر ده قدامي مرة تانية،ولو حصل هتكوني إنتِ المسؤلة قدامي
إشتعل قلب الفتاة غيظًا لتتابع إيثار بأمرٍ لا يقبل النقاش:
-ومن النهاردة ممنوع أي حد يطلع لخدمة الدور التاني غير وداد وشيماء وعزة،سامعاني يا سعاد،مفيش رجل تتحرك ناحية السلم غير التلاتة اللي قولت عليهم دول
هتفت عزة مهللة وهي ترمق الفتاة باشمئزاز:
-ينصر دينك، أهو ده الكلام ولا بلاش
نطقت السيدة بطاعة:
-تحت أمرك يا هانم.
كانت الفتاة تنظر أرضًا تحاشيًا لتلك النظرات القاتلة التي تخرج من قلب عاشقة تذوبُ عشقًا وغيره على رجلها.
تحركت للخارج لتترك همهمات الخدم وأحاديثهم الجانبية لتقطعها عزة التي هتفت بسخرية:
-جرى إيه يختي منك ليها،مصدقتوا كلمتين وإتقالوا
وتابعت متهكمة:
-ودود ودو ودودو
ضحكن على تلك المرأة الفكاهية وتابعن ما يفعلن.
خرجت إيثار لتقطع طريقها "عصمت" حيث نطقت بجدية:
-كلمتي جوزك وصالحتيه؟
نطقت بقوة نتيجة الضغوط النفسية التي تتعرض لها مؤخرًا:
-لا يا ماما، ومش هكلمه، لأني مغلطش علشان أصالحه.
أجابتها بتحدي:
-براحتك، بس لما الأمور تفلت من بين اديكي، ساعتها مبتبقيش تلومي غير عنادك ودماغك الناشفة.
تركتها وتحركت إلى المطبخ لتباشر العاملات تحت استياء الأخرى.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل المكتب، تحدث بارتياب:
-يا حبيبي أنا خايف على الاولاد، مينفعش يسافروا إنجلترا لوحدهم يا فؤاد
أجاب والدهُ بثقة:
-متقلقش يا باشا، أنا مأمنهم كويس قوي، أكيد مش هفرط في أمان ولادي وأضحي بيهم، أنا مش عاوز الولاد يحسوا إنهم محبوسين وممنوعين من كل حاجة يا بايا
وتابع بما يثقل قلبهُ في الفترة الأخيرة:
-وبعدين اللي إحنا خايفين منه كلها أربع تلات أيام ويبقى في مصر، يعني هيبقى تحت رحمتي، مظنش إنه غبي لدرجة إنه يإذي ولادي وهو روحه بين إديا
وتابع بسخطٍ وحدة ترجع لغيرته الشديدة من ذاك الحقير، فبرغم مرور كل تلك السنوات إلا أنه مازال يشتعل من غيرته كلما جال في خاطره فكرة أن إمرأته كانت ملكًا لغيره من قبل:
-هو كمان بقى له نقطة ضعف أعرف أمسكه منها، مراته وولاده الصغيرين
زفر الأب وسألهُ باستسلام:
-بلغت إيثار ويوسف برجوعه؟
-لسه، مش عارف أفاتحهم إزاي في الموضوع، بس أكيد هقول لهم لما أرجع إن شاء الله
وتابع:
-فيه خبر عرفته جديد
-خير يا فؤاد؟
-شركة الصخرة، طلع الحقير هو اللي وراها زي ما توقعت بالظبط، والراجل الفرنسي صاحبها طلع جذوره لبنانية، ويبقى حماه.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
صعدت إلى جناحها بعدما أطمئنت على أطفالها، بدلت ثيابها وتمددت فوق الفراش، باتت تتقلبُ عليه وكانهُ جمرًا ملتهب، فكل شيء بدونهُ فاقدًا لقيمته، حتى روحها، فاقدة للحياة، ماذا فعلت بي يا رجُل حتى تتوقف حياتي عليك بتلك الطريقة، فكل شيءٍ أصبح بلا مذاق، كلما نظرت رأيتُ وجههك يلاحقني بجميع الزوايا،كل الوجوه أصبحت وجوهك،كل العيون كأنها عيناك،اشتاقت إليك حد الجنون،ليتك تباغتني بدخولك الأن،تهرول إليّ وتضمني بقوة وتدخلني بضلوعك،أريدك الأن بجانبي وبقوة،لم يكن حالهُ ببعيدٍ عنها،فكان يقف أمام النافذة يتناول مشروبًا باردًا علهُ يطفيء نار قلبه الملتهبة،فقد أضرمت نيرانًا متعدده بداخله،منها الإشتياق والغيرة والغضب أيضًا،فهو الأن ساخطًا عليها لعدة جوانب،أولهما ذاك الـ"عمرو"، يعلم أن لا ذنب لها لكنه يحملها ذنب وجوده بمحيط حياتهما، فلولا حماقتها و زواجها من ذاك الأرعنُ بالماضي ما كان لوجودهُ أثرًا، وسخطه الثاني هو عنادها الكافر والذي طالما كان سببًا لجميع مشاكلهم سويًا.
أمسكت الهاتف وطلبت نجلها بعدما شعرت بحنينها إليه، وحددا موعدًا مساء الغد ليتناولا سويًا العشاء بأحد المطاعم المحببة لديهما.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
أتى المساء سريعًا، بأحد المطاعم الفخمة الموجودة بالعاصمة "القاهرة"
كانت تُقابل نجلها الجلوس حول إحدى الطاولات وأمامهما عِدة أصناف من الطعام المفضل لدى كُلٍ منهما،تطلعت عليه وجدته شاردًا يُقلب بتلك الشوكة بحبات الأرز داخل صحنه ويبدوا عليه التشتُت وعدم التركيز، مضغت ما في فمها وابتلعته لتقول وهي تُشير إلى صَحنه بذاك السكين الصغير المخصص لتقطيع اللحوم:
-مبتاكلش ليه يا حبيبي؟
كان غارقًا بالتفكير فيما حدث منذ عدة أيام أمام جامعة تلك الحبيبة التي استحوذت على جميع حواسه،مازالت تلك المرارة التي سكنت جوفه تسكنه للأن،وغزة حادة اقتحمت وسط قلبه وكأنها طعنة خِنجر مُدبب غُرس بمنتصف القلب، كرر "مالك" ذاك المشاكس الجالس بالمقعد المجاور لوالدته بصوتٍ مرتفع أثار انتباه جميع من بالمكان لينتبه ذاك الشارد"يوسف" لحديث شقيقه الأصغر، الذي تمسك بوالدته وأصر على الخروج معها عندما عَلم بأنها ذاهبة لمقابلة شقيقه الأكبر:
-مش بتاكل ليه يا چو؟
انتبه وتطلع عليه ليكمل ذاك المشاغب الصغير بلطافة وعفوية ما يتردد دائمًا على أذانه من "عزة":
-على فكرة، الخضار اللي مش بتاكله ده هيجري وراك يوم القيامة، والرز كمان، هيجري وراك كل حبة لوحدها
-يا راجل؟...نطقها بعينين متسعتين بذهولاً مصطنع ليسألهُ مستغربًا:
-معقولة دي يا ملوك،كل حبة رز هتجري ورايا لوحدها؟!
ليُجيبه الصغير بانتشاء وحماس:
-أيوة يا چو، زوزة هي اللي قالت لي كده
حدث شقيقهُ بكثيراً من اللُطف وهو يشجعهُ على إكمال طعامه:
-طب يلا يا بطل خلص طبقك كله
ابتسمت والدتهما لتحث صغيرها على الصمت:
-كُل وإنتَ ساكت يا ملوك علشان أخدك معايا كل مرة أروح فيها عند چو
-وعد يا إيثو؟
اتسعت عينيها ذهولاً لتهتف ناهرة:
-ولد، عيب اللي بتقوله ده؟
رفع كتفيه للأعلى وأشار بكفيه مبررًا:
-هو بابي بيقول عيب يا مامي!
ضيقت عينيه مستفهمة ليتابع بمراوغة:
-مش بابي هو اللي بيقولك يا إيثو
ضحك يوسف وهو يتطلع على الصغير لتنطق والدته وهي تعنفهُ بنبرة حازمة:
-لو سمعت صوتك تاني إعتبر إن دي هتكون أخر مرة تخرج معايا فيها
مط شفتيه للأمام قبل أن يزفر باستياءٍ ويلجيء للإلتهاء في الطعام لينشغل به بدلاً من أن يندمج بالثرثرة وتصب تلك الشرسة جام غضبها عليه، تنفست بحدة لتزفر أنفاسها علها تستعيد هدوئها من جديد ثم تحدثت إلى نجلها البكري المستحوذ على جزءًا كبير من القلب:
-مقولتليش يا يوسف، ناوي تعمل إيه في موضوع بيسان؟
ضيق بين عينيه ليسألها مستفهمًا:
-يعني إيه هعمل إيه؟!
طالعتهُ باستغراب لحديثهُ ليتابع شارحًا:
-طب نخلي السؤال مباشر أكتر، إيه اللي حضرتك شايفة إني المفروض أعمله من وجهة نظرك؟!
تنهدت للحال الذي وصل إليه نجلها فتحدثت بما وصلت إليه بعد تفكير عميق:
-بص يا حبيبي، أنا فكرت كويس في وضعك إنتَ وبوسي، ولقيت إن موضوعكم مش هيتحل غير عن طريق علام باشا
قطب بين حاجبيه ليسألها مستفسرًا:
-بمعني؟
رفعت كتفيها قليلاً قبل أن تهدلهما من جديد وتقول:
-هكلم لك الباشا علشان يتدخل ويخطبها لك من ماجد
بصوتٍ مرتفع نسبيًا نطق بحدة أظهرت كم استياءهُ:
-إوعي تعملي كده
ضيقت بين عينيها لتسألهُ باستغراب:
-ليه؟!
-علشان أنا عمري ما كنت ندل ولا عمر دي كانت أخلاقي...لم تفهم المغزى من وراء جملته فاوضح مسترسلاً:
-مش أنا الراجل اللي ألجأ لحد علشان يضغط على ابو البنت اللي بحبها علشان يجبره يجوزها لي
تركت أدوات تناول الطعام داخل الصَحن وشبكت كفيها ببعضيهما ثم استندت بفكها عليهما لتنطق بابتسامة ساخرة:
-وتفتكر اللي إسمه ماجد ده يستاهل إنك تفكر فيه بالأخلاق دي؟!، ده إنسان انتهازي ووصولي، وبيركب أي موجة تجي له علشان توصله لهدفه، حتى لو كانت الوسيلة غير شريفة
-وحضرتك بقى عاوزاني اخده قدوتي ؟
-أنا مقولتش كده يا يوسف، بلاش تحور كلامي وتفسره بطريقة تدين تفكيري
أجابها بحدة ترجع لحساسيته المفرطة تجاه ذاك الموضوع:
-الكلام واضح وضوح الشمس ومش محتاج تحوير، إنتِ أكتر واحدة عارفة عدم ارتياح دكتور ماجد ليا واللي وصل لحد الكُره
وتابع بمرارة:
-مش هقبلها على نفسي يا ماما
سألتهُ بألم ينخر بقلبها:
-يعني هتسيبها تضيع من إيدك يا چو؟!
-مين قال كده... قالها بثقة عالية ليتابع وهو يقتطع شريحة اللحم بالسكين والشوكة:
-أنا مش هسيب بيسان لأني ببساطة مش هعرف أعيش مع غيرها،بس الموضوع مش سهل، ومحتاج صبر مني ومنها، وسعي وجُهد مني
رفع بصره يتعمق بعينيها قبل أن ينطق بكبرياء وكرامة:
-أنا مش هتقدم لبوسي غير وأنا باني نفسي ومالي مركزي،علشان أعيشها في نفس المستوى اللي هي عايشة فيه
واستطرد بعينين تشتعلُ غضبًا:
- مش هسمح للي إسمه ماجد يهيني ويتطاول عليا ويقولي إني بتحامى في أمي وجوزها
هزت رأسها تعبيرًا عن استيائها من الحديث مع خروج ابتسامة ساخرة بجانب فمها لتنطق متهكمة:
-ده على أساس إنه عايش في خيره ولا خير أهله؟، مهو من ساعة ما اتجوز فريال وهو عايش سفلقة على عيلة مراته
نطق متنصلاً بترفعٍ:
-أنا مليش دعوة بغيري، ومش هحط نفسي معاه في نفس الخانة وأعرض نفسي ابقى مادة للسخرية يتنقلوها الناس بينهم، زي ما حضرتك بتتكلمي عنه الوقت
نطقت وهي تشملهُ بسخرية:
- وإنتَ بقى فاكر إن البنت هتفضل مستنية جنابك لحد ما تكَون نفسك في سنين؟!
-هتستناني، بيسان بتحبني، وأنا هعمل المستحيل علشان أكون جدير بيها.
تحدثت بتحايل:
-طب خليني أساعدك يا حبيبي، أنا عندي فلوس كتير خاصة بيا في حساباتي،كلها من تعبي وشُغلي
قاطع حديثها هادرًا بحدة اظهرت كم استيائه:
-لو سمحتي يا ماما تنسي الموضوع ده نهائي، وياريت دي تكون أخر مرة نتكلم فيه
تنهدت قبل أن تقول بنبرة استسلامية:
-إنتَ حُر، أنا حاولت أساعدك لكن إنتَ قافل دماغك ورافض تسمع أي حد غير صوتك، يارب ميجيش اليوم اللي تندم فيه يا يوسف.
بسط كفه ليحتوي خاصتها بعدما رأى غضبها يلوح بعينيها، ثم شملها بنظراتٍ تقطرُ حنانًا صاحبتها ابتسامته الجذابة:
-أنا مقدر خوفك عليا وعلى مصلحتي،بس أنا عاوزك تطمني من ناحيتي،صدقيني يا حبيبتي أنا مرتب أموري كويس
بمقلتين تمتلؤُ بحنان الدنيا بأكملها تحدثت:
-نفسي أشوفك أسعد إنسان في الدنيا كلها يا حبيبي،إنتَ تعبت معايا كتير قوي،ونفسي قلبي يطمن عليك.
-إطمني يا ماما...تنهد بهدوء وتناول إحدى اللُقيمات ثم تحدث بنبرة حذرة مترددة:
-عمرو بيه البنهاوي باعت لعمي حسين عاوز منه رقم تليفوني
توقف الطعام بحلقها وبدأت بالسُعال مما أربك الشاب وعلى الفور ناولها كأس المياه وهو يقول بارتيابٍ:
-إشربي ماية يا حبيبتي
تناولت من يده الكأس وارتشفت منه وبعدما هدأت تطلعت بمقلتيه تسألهُ والزعرُ يتملكُ نظراتها:
-خد رقمك منه يا يوسف؟
هز رأسه نافيًا فهدأ قلبها قليلاً وتابعت:
-جاي بعد السنين دي كلها عاوز منك إيه؟!
بلامبالاة تحدث وهو يتابع تناول طعامه وكأن الأمر لا يعنيه:
-الباشا شكله قام من النوم وفجأة إفتكر إن عنده عيال راميهم في مصر من سنين
وتابع ساخرًا وهو يبتسم:
-قال إيه عاوز رقم تليفوني علشان يتواصل معايا أنا وزينة، ويشوف لو محتاجين حاجة
بدأت تقطم أظافر يدها نتيجة لتوترها الزائد قبل أن تقول بارتباكٍ ظهر بَيِن عبر نبراتها:
-تصرفه في الوقت ده وبعد الغيبة دي كلها ميطمنش،وأكيد وراه مصيبة
-ولا وراه أي حاجة...نطقها بلامبالاة ليكمل مفسرًا بتقليل كي يحد من ارتياب تلك التي سكن الرُعبُ عينيها:
-كل الحكاية إن البيه حابب ينيم ضميره، فسئل من باب إنه كده عمل اللي عليه قدام أخوه
-وهو اللي زي عمرو ده عنده ضمير من الأساس علشان يفوق؟!،وبعدين كان فين السنين دي كلها
واشارت بكفها مستفهمة بنظراتٍ حائرة وعقلٍ مُشتت:
-إشمعنا في التوقيت ده بالذات اللي فكر فيك إنتَ واختك !
-وبعدين يا ماما... قالها لائمًا ليتابع بحزمٍ:
-متكبريش الموضوع وتخليني أندم إني قولت لك
اتسعت عينيها لتهتف بعينين تقطرُ لومًا:
-هو أنتَ كمان مكنتش عاوز تقول لي ؟!
-يا حبيبتي انا مقصدش إني أخبي عليكِ، بس حقيقي رد فعلك وتوترك ده خلاني ندمت إني بلغتك، وده خوف عليكِ على فكرة
أومأت بفتور ليتطلع هو على ذاك القاطن فوق مقعده وجده متوقفًا عن الطعام ويبدوا عليه الغضب من شفتيه الممطوطة للأمام، سألهُ بنبرة حنون:
-مالك يا حبيبي،مبتاكلش ليه؟إيه اللي مزعلك؟
هتف بحدة أظهرت كم استيائه:
-زهقت يا چو،حياتي كلها عبارة عن عقابات، طول الوقت بتعاقب وبتعنف من بابي ومامي
ثم ربع ساعديه وتابع مسترسلاً بسخطٍ:
-هو أنا لو بس أعرف أنا بتعاقب على إيه،قلبي هيرتاح ويهدى يا چو
كظم ضحكاته من مظهر شقيقه المشاكس لتشير إيثار بكفها إلى الصغير الذي سيؤدي بها حتمًا إلى الجنون وهي تنظر على يوسف:
-إتفضل، كأني سامعة عزة بتتكلم قدامي
تطلع على شقيقه وتحدث مبتسمًا:
-لو هنتكلم بالمنطق والعقل، فأنت عبارة عن مجموعة كوارث متحركة على الأرض يا مالك، يا ابني إنتَ مفيش ساعة بتعدي من غير ما تعمل فيها مصيبة، وده اللي بيزعل مامي وأنكل فؤاد منك
رفع يده وتحدث متحمسًا:
-أنا صغير يا چو، وجدو قالي إني بكرة هكبر وهبطل كوارث
بالكاد أكمل جملته ليصيح بصوتٍ مرتفع وتهليل بعدما هبط من فوق مقعده ليُسرع مهرولاً على أبيه الذي ولچ من باب المكان حالاً:
-بابـــــي.
بسم الله لا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
🔹الفصل التاسع 🔹
«أذنابُ الماضي»
#_أنا لها شمس الجزء الثاني،بقلمي روز آمين
__________________________
وما السعادةُ سوى سندًا متمثلاً في رجُلٍ برتبة إنسان، حبيبًا أَتَوَكَّأُ عليه حين تُنهكني أفعالُ البشر وترهقني تقلبات الزمان، ملاذًا أمنًا أختبؤُ بكنفه ليتغللُ بكل ذرةٍ بي الآمان، وإذا مٍيلتُ بيومٍ وانحرفتُ عن مسار طريقي المستقيمُ يقومني بحرصٍ ولين دون تعرُضي لكسرٍ يبيدُ معهُ بكل جميلٌ بي وينتشلُ بعنفٍ من داخلي السلام،فهنيئًا لمن يبتسمُ لها القدر وتحظى بمثل"فؤاد علام"
«روز أمين»
صرخ الصغير باسم والدهِ وهرول ليرفعهُ فؤاد ويثبتهُ داخل أحضانه ثم قام بتقبيل وجنتيه بشغفٍ وهو يقول:
-حبيبي يا ملوك، وحشتني يا روح قلب بابي
رفرف قلبها من شدة السعادة وهي تراهُ ماكثًا أمامها بكامل أناقتهِ والجاذبية التي طالما أستولت على لُبها،إشتاقت إليه بجنون،اشتاقت للنظر داخل عينيه والتعمق والغوص داخل بحرهما العميق، ودت لو هبت من فوق مقعدها وهرولت عليه لتكرر ما فعلهُ صغيرها وترتمي داخل أحضان ذاك الحبيب الذي حضر إليها حين عَلِم من رجال الحراسة بوجود خليلة الروح بذاك المكان،عاد من المطار إلى القصر ليترك حقيبتهُ وهدايا أطفاله والجميع ثم تعلل بالصغير ليطير إليها مهرولاً، وقف يوسف ليُقبل على أباهُ الروحي فاتحًا ذراعيه ليضمه الأخر بمنتهى الحنان ومازال حاملاً صغيره بيدٍ والأخرى يربت بها على ظهر حبيبه ونجلهُ البكري كما كان دائمًا يطلق عليه، نطق يوسف بحفاوة:
-حمدالله على السلامة يا باشا
أجابهُ بسعادة تغمر روحه:
-الله يسلمك يا حبيبي، حظي حلو إني شوفتك النهاردة يا يوسف
-الأكيد إن حظي أنا اللي حلو
تطلع على الفتى وتذكر رجوع ذاك الوغد، لابد من إخباره كي يستعد نفسيًا لذاك اللقاء الموعود،يا الله، كم يشفق من داخلهُ على ذاك الشاب، فلطالما لم يجد أكثر من حظه بؤسًا بدائرة المقربين منه، لقد أبتلي بوالدٍ إينما ذُكرا السوء والندالة نال منهما الحظ الوفير،حزن لأجل قدره السيء وربت على كتفهِ بحنانٍ أبوي وصل إلى الشاب وتغلغل الشعور بجميع كيانهِ
إلتفت لينظر إلى ساحرة الوجدان وما أن تعمق بعينيها إنتفضت كل ذرةٍ بجسدهِ على الفور تطالبهُ بالإسراع عليها واحتضانها كي يهديء ساكن الضلوع ويستكين، تحرك إليها ومازال الصغيرُ متشبثًا بعنق أباه كمن يخشى فقدانه، نطق وهو يبسطُ ذراعيه لتلك الجالسة بارتباكٍ ظاهرًا بعينيها:
-إزيك يا إيثار
لم تتمالك حالها وبتلقائية وقفت لينتصب طولها أمامهُ وبهدوء مدت يدها قائلة بعينين تجول وتصولُ بسوداويتاه الفاسحة:
-حمدالله على سلامتك يا سيادة المستشار
بدون إدراكٍ رفع كفها وقربهُ من فمهِ ليطبع قُبلةً زلزلت كل ذرةٍ بجسدها حين لامست شفتيه الغليظة جلدها الناعم فابتل بفضل عُمق قبلته، فقد امتص جلد كفها بفمهِ فبللهُ في حركة أثارت جنون كلاهما وكادا أن يكونا على شفا الجنون لولا تحكمهُ بذاته وانتصاب عوده مرةً أخرى ليتحرك حاملاً الصغير متخذًا مقعده، تحمحمت وعادت لجلوسها من جديد فتحدث الصغير الذي سكن فوق ساقاي أباه:
-إنتَ جيت هنا إزاي بابي، مش إنتَ قولت هتيجي بكرة بالليل
-وحشتني، فمقدرتش أبعد عنك أكتر من كده...رسائلٌ مبطنة لمن يفطن معانيها جعلت من قلبها يرفرفُ كطير حُرٍ سعيد حين أدركت أنها وجهة تلك الكلمات، صمت ليتابع وهو ينظر للصغير بميلة صغيرة من عنقه:
-ضغطت نفسي ووقتي علشان أخلص الشغل المطلوب مني وأجي لك بسرعة
بثت كلماته الأمل بداخلها بينما ابتسم مالك وتحدث متسائلاً متلهفًا وهو يتحسسُ ذقن أبيه:
-جبت لي حاجة حلوة معاك؟!
رد يوسف ممازحًا شقيقه الصغير:
-هو فيه أحلى من رجوع بابي يا "مالك"
مازحهُ فؤاد:
-قول له الباشا
أشار بكفه وهو يقول بتبرمٍ طفولي:
- هو حلو وكل حاجة، بس أنا بحب قوي الشيكولاتة اللي بيجبها لي معاه وهو راجع كل يوم
-جبت لك حاجات حلوة كتير يا لمض، لما نروح هتشوفها وتبسط بيها
صفق بيداه مهللاً:
-يا ســلام، شكرًا يا بابي
مال على وجنته ليضع قُبلة بث من خلالها جنونهُ بحب ذاك الصغير المستحوذ على حيزًا كبيرًا من قلبه،رفع رأسهُ لينتبه على سؤال يوسف الموجه له:
-أطلب لحضرتك عشا يا أنكل؟
-تسلم يا حبيبي، أنا اكلت حاجة خفيفة في الطيارة،كملوا إنتوا أكلكم وأنا هطلب حاجة أشربها.
استدعى العامل وطلب قدحًا من القهوة وانتظر قدومها بينما تابعوا هم تناول وجبتهم،أخذ يتطلع اليها يسترق النظرات مع أخذ الحيطة كي لا تراهُ فرستهُ الجامحة ويزيد غرورها وتملُكها بعشقهِ الهائل،برغم الإرتجافة التي أصابت جسدها حين رأته يلجُ من باب المكان، ناهيك عن ثورة قلبها المنتفض ومطالبتها بالإرتماء بأحضانه،إلا أنها ضغطت بكامل قوتها لتظهر بثباتٍ رهيب وتظاهرها بعدم الإهتمام بحضوره لحفظ ماء الوجه ليس إلا
فتح حديثًا مع يوسف وبات يتبادلان أطرافه، وأثناء إندماجهما بالحديث استرق بعض النظرات إليها فوجد ما سَر قلبه وجعله يكاد يقفز من بين أضلعه، وجدها هائمة بالنظر لكف يدها تتحسسُ بنعومة وولهٍ ظاهر موضع قُبلته حيث استقرت شفتيه، شعر بزلزلة بجميع جسده ولولا رجاحة عقله لاختطفها من بين أبنيها وتركهما ليرحل بها إلى مسكنهما في الحال ويحيا معها ليلة يبث من خلالها مدى اشتياقهِ الجارفُ وحنينهُ الجنوني بفضل الإبتعاد.
بات ينظر عليها بسعادة بينما هي غافلة بعالمها الخاص الوردي،عالم الأحلام،انتبه على حديث الشاب:
-هو حضرتك كنت في الغردقة بخصوص القضية الشهيرة اللي قلبت السوشيال ميديا مؤخرًا يا أنكل؟
-أه يا حبيبي... قالها مؤكدًا ثم تابع بنظراتٍ لائمًة:
-مش ناوي تبطل كلمة أنكل اللي طالع لي فيها جديد دي كمان ولا إيه؟.
تعمق الفتى بعينين يملؤهما الخجل فاسترسل هو بنظراتٍ تقطرُ حنانًا:
-يَلاَ ده أنا أبوك ،أنا اللي مربيك في حضني يا يوسف.
صمت ليتمكن الألم من نظراتهِ فتابع الأخر بحيرة:
-هو أنا زعلتك في حاجة يا ابني؟!
-بالعكس، طول عمرك وإنتَ النموذج المثالي للأب اللي يتمناه أي حد...ابتلع لعابهُ ليكمل بخجلٍ ظهر بَين بمقلتيه المشتتة وهو يرفع كتفيه للأعلى:
-جواك نضيف وطاهر لدرجة إني مش قادر أقول لك تاني يا بابا
وتابع بجدية وصمود يحسد عليه:
-بعد ما عرفت الحقيقة منكم مبقاش ينفع إسم راجل شَريف زيك يرتبط باسم واحد من عيلة زي عيلتي، حتى ولو بكلمة بسيطة زي كلمة بابا
-يوسف... نطقتها بصوتٍ يتمزق وعينين تصرخ بإعتراضٍ رافض تقليل حاله بذاك الشكل المهين أمامهما
رفع فؤاد كفه بتنبيهٍ يحثها على السكوت وبالطبع استجابت ليتحدث هو بنبرة يتغللها الرأفة على حال صغيره الذي تربى في كنفه طيلة سنوات عمره:
-يا جحودك يا يوسف، هو أنتَ فاكر إنك إبنهم بجد؟
وتابع متأثرًا بصدقٍ يقطرُ من مقلتيه:
-أنا اللي خدتك في حُضني من وإنتَ عندك سبع سنين، ربيتك وعلمتك كل اللي أبويا علمهُ لي وزرعه فيا من صغري، كنت بفرح وأنا شايفك كل يوم بتكبر قدامي، مع كل صفة رجولة كنت بتكتسبها كل يوم كنت بحس بالفخر بنفسي
وتابع بحدة مؤكدًا:
-إنتَ تربيتي وتربية علام باشا، إبني البكري اللي مخلفتوش،ومش هسمح لك تنكر عليا مجهودي معاك.
إشتدت عينيه لتلوح بهما عاصفة من الغضب الحاد وهو يشير بسبابتهِ مهددًا:
-وإياك أسمع منك الهبل اللي قولته من شوية ده مرة تانية، ومن النهاردة يا يوسف لو مرجعتش تقولي يا بابا تاني، لا هتكون إبني ولا عاوز أعرفك بعد كده.
يا الله، ماذا سيفعلُ بقلبها هذا الخلوق أكثر، ألم ينتهي من مواقفهُ الرجوليةِ بعد،فبكل يومٍ تحيا فجرهُ معهُ يفاجأها ويثبت لها بالفعل أنهُ الجائزة الكبرى المهداة من الله نتيجة صبرها على ما مرت به من إبتلاءات منذُ نشأتها إلى أن إلتقت به، مواقفهِ الباسلة معها لا تنتهي منذ أن وقعت عليها عينيه باللحظة الأولى، شملتهُ بعينين تفيضُ من الغرام والعشق ما يملؤُ نهرًا بأكملهِ، لكنهُ كان منشغلاً بحديثه مع نجله الروحي ولم يلحظ فائضُ حنانها،
إبتسم يوسف وغمرهُ بنظراتٍ شاكرة ليقول بعدها بامتنانٍ:
-حاضر يا بابا
إبتسم باستحسان ثم تحدث بعدما قرر أن يعلمهُ بأمر "عمرو"بمساعدة أبيه"علام" كي يعاونهُ بتلك المهمة الصعبة:
-بقولك يا يوسف، إبقى هات "زينة" وتعالوا اتعشوا معانا بكرة
على الفور تذكر صياح حبيبته وهي تطالبهُ بعدم الحضور مرةً أخرى إلى منزل جدها، جال بخاطره أيضًا ذاك الغليظ "ماجد" ورؤيتهُ البغيضة حيث باتت تنغص عليه صفو حياته، فتحدث معتذرًا باحترام:
-معلش يا حبيبي إعفيني، عندي ضغط شغل ومذاكرة الفترة دي، ومش حابب أضيع وقت
نطق فؤاد بما استدعى استغراب إيثار وحيرتها:
-خلاص مش هضغط عليك، هجي لك أنا بكرة شقتك،عاوز أقعد معاك شوية إنتَ وزينة.
تعجبت من أمره وكادت أن تسألهُ مستفسرة بعدما شعرت بالريبة لكن كبريائها هو من منعها باللحظة الأخيرة. بينما هتف الصغير إلى أبيه برجاءٍ:
-هروح معاك يا بابي، وحياة ملوك توافق
أجابهُ بهدوء:
-حاضر يا حبيبي
هلل وهو يقفزُ فوق ساقاي حبيبه، لاحظ يوسف صمت والدته وتلاشيها النظر إلى فؤاد فأراد أن يداعب ذاك الراقي فمال وسالهُ بمشاكسة:
-هو الباشا مبقاش مسيطر ولا إيه؟
-إخرص يَلاَ،ده أنا أسيطر على بلد بحالها...نطقها بمداعبة وبعدها صدحت أصوات ضحكاتهم الرجولية تحت صمتها،مر الوقت سريعًا بين حديث يوسف وفؤاد ومشاركتها في بعض الأحيان ثم وبدون سابق إنذار وضع كفهِ يحتوى خاصتها وتحدث ناظرًا بعينيها:
-يلا علشان نروح؟
انتفض قلبها ومازاد من ربكتها هي نظرات عينيه المسلطة بخاصتها لتبث كل أنواع العشق والهيام، ماشعرت بحالها سوى وهي تهز رأسها بإيمائة عدة مرات متتالية أظهرت توترها، تحدث الصغير إلى شقيقه:
-تعالى معانا يا يوسف، وحياتي... قالها بإلحاحٍ ورجاء ليجيبه الفتى:
-مش هينفع يا ملوك، عندي مذاكرة كتير
وتابع بجدية:
-طب ما تيجي تبات إنتَ معايا وإبقى روح مع بابي بكرة؟
أشار بكفه رافضًا باستنكار:
-لا، أنا بابي واحشني وهنام في السرير معاه النهاردة هو وحبيبتي مامي
حك فؤاد ذقنه وتحدت بمداعبة:
-روح بات مع أخوك يا "مالك"
نطقها ليتشارك القهقهات مع يوسف ثم أشار للنادل بجلب الحساب، انتهى من دفع الحساب ولملم الجميع أشيائهم الخاصة وتحركوا متوجهين للخارج، توقفت تحتضن نجلها الحبيب، فإلى الأن لن يستطيع عقلها استيعاب ابتعاده عن أحضانها، تحدثت بنبرة حنون:
-حاول تيجي القصر الإسبوع ده علشان خاطري، جدك واخواتك اشتاقوا لك قوي يا حبيبي.
كلماتها الممتزجة بنظراتٍ متوسلة تمزق نياط قلبه،يعلم أنه أصاب الجميع بمشاعرٍ سيئة مضربة ومختلفة، كل شيءٍ يحدث خارج إرادته، لكنه بالنهاية هو المسؤل، بل والبعض بات ينظر إليه على أنه المذنب الوحيد بكل الحكاية، نطق وهو يحاوط وجهها برعاية:
-هظبط أموري وهشوفهم قريب إن شاء الله،وعلشان خاطري بلاش شعور الذنب اللي جالدة نفسك بيه طول الوقت ده
إشتعل داخلهُ غيرةً على إمرأته من نظرات المارة الموجهة لها ولنجلها فخرج صوتهُ حادًا بعض الشيء رغمًا عنه:
-إحنا في الشارع يا يوسف، لما تبقوا في البيت إبقى إحضن وبوس براحتك.
نطق جملته الأخيرة بحدة جعلت الفتى يضحك من داخله على غيرة ذاك العاشق، فتح باب سيارته الخاصة وأشار لها بعدما أمر الحرس بأخذ سيارتها للمنزل، تركت نجلها واتخذت مقعدها المجاور للقيادة وجلس الصغير بالمقعد الخلفي، وبعد تبادل السلامات بينه وبين الفتى استقل مقعد القيادة وتحرك متجهًا إلى القصر،أراد أن يخترق هذا الصمت المميت، فـ أدار مشغل الموسيقى كي يرسل إليها رسالاته بطريقة الموسيقى، اشتغلت غنوة للرائعة فيروز لتتغني بالكلمات
عندي ثقة فيك
عندي أمل فيك وبيكفيك
شو بدك يعني أكثر بعد فيك؟
عندي حلم فيك
عندي وَلَع فيك بيكفيك
شو بدك إنه يعني موت فيك؟
والله رح موت فيك
صدق إذا فيك بيكفيك
شو بدك مني إذا متت فيك؟
معقول في أكثر؟
أنا ما عندي أكثر
كل الجمل يعني عم تنتهي فيك
عندي ثقة فيك وبيكفيك
حبيتك مثل ما حدا حب
ولا بيوم رح بيحب
حبيتك مثل ما حدا حب
ولا بيوم رح بيحب
إنت شايفها عادية
ومش بها الأهمية
بجرّب ما بفهم شو علّقني بس فيك
بكتب شعر فيك
بكتب نثر فيك وبيكفيك
شو ممكن يعني إكتب بعد فيك
معقول في أكثر؟
أنا ما عندي أكثر
ما كل الجمل يعني عم تنتهي فيك.
كانت تستمع للكلمات بقلبٍ هائم يعنفها بشدة على مااقترفتهُ من بُعدٍ بتلك الأيام الفائتة عن ساكن الفؤاد، ليهاجمها العقل بضراوة مذكًرًا إياها وذاك القلب المُغيب أنها فعلت كل ما بيدها لمراضاته بينما صد هو جميع محاولاتها وبائتُ بفشلٍ ذريع.
زادها الحنينُ شوقًا ولم تعد تتوقُ الإبتعاد،فحولت عينيها إليه كي تتطلع عليه،وجدتهُ ينظر إليها وشوق العمر بعيناه،انتفض قلبها حين بسط يدهُ وحاوط خاصتها الرقيقة،شبك أصابعهِ وخللهما بأناملها الرقيقة وضغط بنعومة مما جعل القشعريرة تسري بكل ذرة بجسد كلاهما، تعمقت بعينيه الزائغة ما بين النظر بساحرتيها وبين متابعة الطريق، ابتلعت لعابها فأشار لها لتسكنهُ وكأنها كانت تنتظرُ تلك الإشارة، فكت حزام الامان وتحركت ليجذبها ترتطمُ بصدرهِ وما أن ضمها لأحضانهِ حتى أخرج تنهيدةٍ حارة أظهرت كم مشاعرهِ الملتهبة الكامنة بصدره، تمسحت بوجنتها بجانب صدره في حركة جنونية أثارت مشاعرهُ فضمها بقوة مشددًا عليها بذراعه الملفوف حول كتفها، كادت أن تتأوه من شدة الضمة وسحق عظامها وبرغم شعورها بالألم إلا أنهُ كان لذيذًا مستحبًا لكلاهما، همست بصوتٍ ناعم عاتبة:
-كده يا فؤاد، هونت عليك متكلمنيش ولا مرة من يوم ما سافرت
-ششش...قالها محذرًا خشيةً إفساد لحظتهما بالعتابِ والمهاترات،إنساقت لأمره وتجاوبت مع أحضانه لتذوب حنينًا، لحظاتٍ تحملُ مشاعرًا هائلة مختلفة وكأنها سُرقت من الجنة لتخبرهما عن المتعة الحقيقية، تنهدت بارتياحٍ، مال بشفتهِ ليلامس جلد جبينها ليضع قُبلة بنفس طريقة قبلة المطعم وكأنهُ مُصرًا على فقدان عقلها بالسيارة، لفت ذراعها حول خصره وشددت من ضمته مما جعلهُ يشعر بالفخر، افزعهما ذاك الذي وقف واقترب عليهما لينطق بملامة:
-إيه يا مامي اللي إنتِ عملاه ده؟!
إنتفضت وخرجت سريعًا من ملاذها وقد تناست وجود ذاك المشاكس الصغير، أما هو فرمقها بنظراتٍ عاتبة في حين تابع الصغير لغوه:
-إزاي تفكي الحزام وتعرضي نفسك للخطر؟!
وضع كفيه بوسط خصره وتابع متهكمًا:
-مش ده الكلام اللي إنتِ بتقولهولي كل شوية؟
-إرجع مكانك وأربط الحزام يَلاَ... قالها باستخفاف وتابع بأعين حادة:
-وهكلمك بلغة حبيبتك عزة علشان تفهم الكلام وتعقله
وتابع بما جعل الأخرى تذبهل وهي تستمع لزوجها الراقي:
-وحياة أمك إيثار اللي قاعدة جنبي دي يا مالك، لو سمعت لك صوت من الوقت لحد ما نوصل، لاكون معلقك على الشجرة اللي جدك زارعها في الجنينة من أيام أبوه الله يرحمه ما اشتراها أرض
-مفهوم كلامي؟!
مط شفتيه وتحدث بعدما أصابهُ الإحباط:
-مفهوم.
-إربط حزامك... قالها بحزمٍ ثم حول بصره لتلك التي مازالت مذبهلة ليتابع حدته مشيرًا لأحضانه:
-وإنتِ، إرجعي مكانك.
ابتسمت لتهرول ومن جديد تسكن احضانه ليهمس بما جعلها تدخل بنوبة ضحك هيستيرية:
-الظاهر كده إنتِ وولادك مبتجوش غير بالعين الحمرا، وأنا بقى نويت اظبتطم بالطريقة اللي تنفع معاكم
نطقت وهي تدخل حالها بحضنه أكثر:
-اللي تشوفه مناسب إعمله يا باشا، أنا وولادي ملك إديك
رفع حاجبهُ متعجبًا قبل أن ينطق بطريقة متهكمة:
-لا والله، وده من إمتى الرضى والعقل والطاعة دي كلها يا جناب الـ (Strong independent woman) «سترونج إندبندنت وومن»؟
ارتفعت قهقهاتها بهيستيرية لتنتقل عدواها إليه، وصل إلى المنزل فترجل الصغير وبات يركض حين وجد جديه وأشقائه وعمته فريال وبيسان يجلسون بالحديقة بانتظارهم، هرول وتحدث لجده:
-بابي جه من الغردقة يا جدو
ادخله بأحضانه وتحدث بعدما قبل وجنته:
-ما أنا عارف يا حبيبي، هو جه هنا الاول ولما عرف إنك مش موجود راح لك المطعم على طول
رفع ذراعيه لينطق باستعراض وهو يرمق شقيقتهُ بغيظ:
-علشان وحشته كتير، أصلاً بابي بيحبني أكتر حد في الدنيا
-سخيف...نطقتها "تاج" لإغاظته فمد شفتيه لاغاظتها،اتجهت جميع النظرات إلى فؤاد حيث ترجل من سيارته وتوجه إلى الباب الأخر يفتحهُ، وما أن خرجت "خليلة الروح"حاوط خصرها بتملُكٍ أظهر للجميع انتمائها له وبأن مدة الحرب بين الحبيبن قد انتهت،إبتسمت عصمت وتنهدت براحة وهي ترى ابتسامة نجلها تملؤ وجهه وتُنير عيناه،قطع شرود الجميع صوت الصغير الذي صدح:
-چو حبيبي بيسلم عليك يا جدو
وأشار مكملاً بسبابته نحو عصمت تحت إهتزاز قلب"بيسان":
-وعليكِ يا نانا، وعليك يا زين، وعليكِ يا عمتو
وتوقف عند وصوله لشقيقته لينطق برخامة وهو يهز رأسهُ نافيًا:
-مجبش سيرتك لاء
-والله يا مالك لو مبطلطش إسلوبك السخيف ده لاقول لـ بابي ... قالتها بحنقٍ ليتدخل فؤاد الذي اقترب عليهم:
-فيه إيه يا" تاج"، مالك ومال أخوكِ؟
انتفضت من مقعدها وتحدثت وهي تهرول لترتمي بأحضانه بدلال:
-طول الوقت بيضايقني يا بابي.
-مساء الخير... قالتها إيثار بوجهٍ بشوش ليرد الجميع تحيتها
-وبعدين في دلعك ده يا تاج...جملة تحذيرية نطقتها عصمت بحزمٍ لتتابع وهي تنظر لنجلها الحبيب:
-بابي لسه راجع من السفر ومحتاج هدوء،بطلي دوشة ومناقرة في أخوكِ الصغير
لم تعير لحديث جدتها اهتمام وتحدثت وهي تتحسس ذقن ابيها بدلالٍ مفرط:
- وحشتني قوي يا بابي
إبتسم وقبلها:
-وإنتِ كمان يا حبيبتي
وهنا ترك كلتاهما لترتمي الفتاة بأحضان والدتها، بينما اتجه فؤاد إلى شقيقته التي حضرت لاستقباله هي وابنتها عندما علمت بعودته من خلال مهاتفة والدتها لها،احتضنها وتحدث مربتًا على ظهرها:
-إزيك يا فيري، عاملة إيه يا حبيبتي
-أنا بخير يا فؤاد، حمدالله على سلامتك... نطقتها بنبرة هادئة خالية من المرح كعادتها السابقة، حزن الجميع لأجلها، فمنذ ذاك اليوم المشؤوم تبدل حالها وكأنها أصبحت إمرأةً أخرى، إمرأة فاقدة للشغف والحياة كما عاهدها الجميع من ذي قبل، ضمها إليه وتحدث بحنوٍ ليحتويها:
-الله يسلمك يا حبيبتي
طالع الفتاة التي تقف تنتظر دورها وهي تتحدث بمرحٍ:
-أنا واقفة مؤدبة اهو ومستنية دوري
تستمر القصة أدناه
علىَ صوت ضحكاته ليقول وهو يفتح ذراعيه بحنان:
-يا حبيبي إنتَ الدور يجي لك لحد عندك
ارتمت لتتنعم بحنان خالها الذي طالما كان لها الأب الحنون المستمع المُراعي، ابتسمت وشددت من ضمته، ثم تحركت إلى إيثار التي احتضنتها بقوة فتحدثت الفتاة معتذرة:
-أنا آسفة علشان بطلت أجي أقعد معاكِ زي الاول
-متتأسفيش، أنا عذراكي ومقدرة اللي إنتِ فيه، بس حاولي ترجعي معايا زي الاول، لأن وجودك فارق لي جداً
وتابعت والحزن سكن عينيها:
-كفاية عليا بُعد يوسف يا بيسان
أصاب الوجع قلبها البريء عند ذِكر اسم الحبيب، فتنهدت بألمٍ نحر قلب الاخرى على حال المغرمين
أمسك كفها واتجه ليجلس بجوارها وبدأ الجميع بخلق أحاديث، خرجت عزة خلف تلك العاملة"هند"والتي صُدمت من مشهد جلوس الزوجين بجوار بعضيهما ومازاد اشتعالها هو الحديث الجانبي الدائر بينهما والضحكات الناعمة الظاهرة للأعمى، تقدمت بالحامل ومالت عليه لتنطق بنعومة ونظراتٍ مبتسمة:
-حمدالله على سلامتك يا باشا، إتفضل العصير
شعر بعصبية زوجته من خلال تشنج كفها المتشابك مع خاصته بينما بدأت بعصره دون إدراكٍ فعلى الفور تحدث بحدة متجاهلاً لُطف حديثها:
-مش عاوز.
والتفت إلى عزة متجاهلاً وقوف الفتاة:
-وحياتك يا عزة تلحقيني بفنجان قهوة من إيدك
نطقت تجيبهُ بحماسٍ ظاهر:
-من عنيا يا سيادة المستشار، أحسن فنجان قهوة في الدنيا كلها يتعمل لك حالاً
ثم إقتربت منه بعدما رأت تسمُر تلك الفتاة لتطرق على كتفها بقوة قائلة:
-إنتِ متنحة كده ليه يا اختي، يلا ورينا عرض كتافك
اشتعل داخلها من حديث تلك العزة وتحركت إلى إيثار التي أشارت لها بالتخطي بمنتهى التقليل مما جعلها تتحرك سريعًا إلى الحضور،مالت عزة على أذن فؤاد وتحدثت بحبورٍ شديد بعدما رأت تشبثهُ بكف ابنتها الحبيبة:
-ليك عندي مفاجأة
-أستر يا رب... قالها بريبة مفتعلة لتتابع مسترسلة بحماس:
-جهزت لك اوضة الزاكوزي أنا وسعاد
غمز لها بطرف عينيه وتحدث:
-أيوه بقى يا عزة، هي دي المفاجأت اللي بجد
أكملت حديثها بنفس النبرة الحماسية:
-ده أنتَ هتنبهر لما تشوف اللي أنا مجهزاه جوة
-هات العواقب سليمة يارب...قالها وهو يطالعها بحذر مما جعلها تشعر بالغيظ لتقول:
-والنبي لو قدت لك صوابعي العشرة شمع بردوا ما هيعجبك،يلا،كله لوجه الله وعلشان الغلبانة اللي قاعدة جنبك
نطق متجاهلاً شكواها:
-روحي إعملي القهوة يا عزة، دماغي صدعت فوق صداعها
مصمصت بشفتاها قبل أن تنطق وهي تخبط كفيها فوق بعضيهما:
-صحيح، خيرٍ تعمل
تحركت للداخل تحت ضحكات إيثار التي سألته:
-مالك ومال زوزة،مزعلها ليه
طالعها مستغربًا وتحدث باستنكار:
-أنا أزعل عزة،دي جبروت،دي تزعل قارة بحالها
-أمال بتبرطم ليه وهي ماشية؟!
مال بجزعهِ يهمس:
-أصلها موجبة معايا وحضرت لنا الچاكوزي، وبتقولي هتنبهر
تحدثت بمشاكسة:
-طب والله كتر خيرها، الست حريصة على تعلية مزاج معاليك، وإنتَ كمان اللي زعلان؟!
-مين قال إني زعلان، أنا بس قلقت بعد كلمة هتنبهر بالأجواء دي
وتابع متوجسًا:
-المشكلة إني حافظ عزة وأساليبها في الإنبهار، دي مش بعيد تكون حاطة لنا صواريخ من اللي بتفرقع في قلب الماية، أو ديناميت كنوع من الإثارة والحماس
لم تستطع كبح ضحكاتها التي صدحت وملئت المكان تحت استغراب الجميع الذين صوبوا نظراتهم عليها،وكزها بخفة ينبهها ليقاطعهُ صوت علام الحكيم:
-خد مراتك واطلع على جناحك يا فؤاد، إنتَ جاي من سفر وأكيد محتاج للراحة
نطقت الفتاة بدلال:
-خليك قاعد معانا شوية يا بابي.
تطوعت عصمت بالرد:
-بكرة أجازة يا حبيبتي، إبقى اقعدي معاه براحتك
وتابعت موجهة حديثها إلى فريال:
-إبقى هاتي ولادك وتعالي إتغدي معانا بكرة يا فريال.
أومأت بهدوء وتذكرت حزن والديها من زوجها وسخطيهما عليه بعدما حدث منه وعدم مجيأهُ إلى هنا منذ ذاك الحين
وقف فؤاد وجذب خليلة روحهُ تأهبًا للصعود، فهب مالك من جوار جده وهتف بحماس:
-أنا هاجي أنام معاك يا بابي.
كانت إشارة من سبابته على تلك الشجرة العتيقة كافية لهدل كتفاي الصغير وعودته مرةً أخرى إلى كنف جده، همست بصوتٍ خفيض:
-بقيت جبروت حتى على ولادك يا سيادة المستشار
رد بهدوء:
-بتعلم منك يا قلب سيادة المستشار.
حاوط خصرها وتحركا للطابق الثاني وما أن أغلق باب الجناح حتى احتضنها رافعًا إياها من خصرها لأعلى لتتدلى ساقيها معلقة في الهواء، تحرك بها إلى التخت بعد أن التقط شفتيها بين خاصتيه وغاصا معًا في قطف شهدها، وصلا للتخت فنزل بركبته مستندًا على الفراش ثم طرحها بقوة للخلف وابتعد ينزع عنه ثيابهُ ويلقيها بإهمالٍ ليقبل عليها بشوقٍ وكأنهُ ابتعد عنها لأعوام وليس عدة أيامٍ فقط، غاصا معًا في جنة العشاق ليبث كلاً منهما مدى عشقه واشتياقه الجارف للأخر.
بعد مرور حوالي ساعة، ولچ من الباب الخاص بغرفة "الچاكوزي"ليجدها مزينة بألوان الشموع وألوانها المختلفة وروائحها العطرية المريحة للنفس وجلب السلام النفسي، وانواع الفاكهة المحببة لدى كلاهما والشراب أيضًا، ما لفت إنتباه فؤاد هي بذلة الرقص الشرقية التي رأها معلقة على مانيكان بجوار المغطس، بذلة جديدة كليًا بها حزامً مزين من الترتر باللون ذاته، حقًا كانت رائعة ومثيرة، قامت عزة بشرائها من متجرٍ مخصص لبيع ملابس النساء الخاصة لتقديمها كهدية إلى تلك العنيدة، وذلك لعلمها باهتمام فؤاد بذاك النوع من الملابس ، هتف وهو يتطلع على الثوب بمقلتين ستترك عينه وتقفز عليه:
-دي مفاجأة عزة طلعت مفاجأة نار بجد، لا وإيه،مفاجأة من العيار التقيل
نطقت هي متعجبة:
-جابتها منين الأروبة دي؟
-ده وقت الأسئلة دي بردوا... قالها وهو يجذبها بقوة إليه لترتطم بجسده وتابع بوقاحة:
-دقت ساعة العمل، الست عملت اللي عليها، الباقي بتاعك إنتِ يا إيثو
افلتها وأشار إلى الساتر الخشبي:
-روحي غيري بسرعة على ما أشغل غنوة حلوة تشعلل الأجواء وتنعنشها
بالفعل إتجهت وأبدلت ثيابها بالبدلة وما أن خرجت عليه حتى اشتعل قلبهُ من مظهرها الفتاك، أسرع على مشغل الموسيقى وجدها جاهزة على غنوة شعبية، بدأت كلماتها لتدخل إيثار بنوبة ضحك عندما استمعت للغنوة وهي تقول
انت لو كنت بتهتم
انت لو كان عندك دم
انت لو بتحس ياعم
هتعرف ايه اللي مزعلني
م انت لو كنت بتهتم
ومالية عينك كنت تتلم
انت لو كنت بتفهم
ما تزعلنيش وتدلعني
تطلع بأعين مذبهلة وهو يرى زوجتهُ تستغل الكلمات لإغاظته وتتمايل بخصرها مع الغنوة بترددٍ لكلماتها فهتف بحنقٍ:
-الله يخربيت أم غبائك يا عزة،أنا كنت متأكد إن عمرك ما تعملي حاجة عدلة وتكمليها للأخر أبدًا
جذبتهُ عليها لتدمجهُ معه بالرقص وتحدثت مع الغنوة بتمايل أصابه بالجنون لدرجة أنهُ اندمج لأبعد حد وبات يتمايل معها ممسكًا إياها من خصرها وتقريبها عليه
مخصماك
وإبعد عني أنا مش طايقاك
سيبني مش عايزة أبقى معاك
ما تورينيش وشك تاني
نطق هو بغمزة:
-يا راجل، ده من قلبك؟!
تابعت بدلالٍ مفرط وشفاه مثيرة:
مخصماك
مجنون بجد أنا مش فاهمك
مش عايزة عيني تكون شايفاك
ولا أسمع صوتك في وداني
انتها من رقصتها الجنونية ليقسم بداخلهُ أن تلك الرقصة وتلك الليلة ستحفر بذاكرة كلاهما، توقف وبأنفاسٍ لاهثة تحدث منبهرًا:
-كنت هايل يا وحش
إقتربت عليه تسألهُ بدلالٍ:
-عجبتك يا فؤاد؟
-فوق ما تتخيلي
أمسك بخصلات شعرها واشتم عبير زهورها ثم أعادها إلى خلف أذنها وتحدث بأعين يفيضُ منهما الشوق والاشتياق:
-وحشتيني قوي يا بابا
ارتمت بأحضانه وتحدثت بحنينٍ أظهر كم احتياجها و وحشتها له:
-إنتَ اللي وحشتني قوي يا حبيبي، وكلمة بابا هي كمان وحشتني منك قوي، إوعى تبعد عني تاني
وتابعت:
-عاتبني وعاقبني زي ما أنتَ عاوز، بس من غير بُعد وخصام يا فؤاد، روحي بتروح مني لما تبعد يا حبيبي
ضمها لصدره بقوة وتحدث بنبرة يتخللها الحنان:
-كان غصب عني يا قلبي،بس كان لازم شدة الودن دي ليا أنا وإنتِ
أبعدها قليلاً وتحدث:
-إلبسي المايوه وتعالي ننزل الماية، جسمي متخشب ومحتاج أفكه
-عيوني
بعد قليل كان منبطحًا على بطنه على حافة المسبح، تميلُ بجسدها عليه وبكفيها تدلك ظهره بخفة واحترافية وحركاتٍ دائرية بمساعدة بعض الزيوت العطرية المخصصة لذلك، تنفس براحة وتحدث بعينين مغمضة من شدة الإستمتاع:
-تسلم إيدك يا حبيبي، كنت محتاج المساچ ده قوي يا إيثار
إبتسمت وتابعت التدليك بحرفية، إعتدل ليستند على جدار المغطس ثم أخذها أمامهُ لتريح رأسها للخلف على صدره، حاوط خصرها بذراعية وتحدث بولهٍ وهو يضع قُبلة بجانب أذنها أصابتها بقشعريرة وقتية:
-حبيبة حبيبها اللي وحشته بجنون
لفت ذراعيها للأسفل حول عنقه وشبكتهما لتتنهد باسترخاء، تحمحم وهو يقول مضطرًا فلا وقت لديه للإنتظار:
-حبيبي
-إمممم
تحمحم ليتابع بحذرًا:
-فيه حاجة مهمة حصلت ولازم تعرفيها
-خير يا حبيبي؟...قالتها بجفونٍ مرتخية مستمتعة بلحظاتهم الحميمية معًا، ليتابع هو مُرغمًا:
-عمرو البنهاوي
صُعقت لتلتفت إليه سريعًا تطالعهُ بعينين مرتعبة وكأنها تعرضت لصاعقة كهربائية، ابتلعت لعابها تنتظر تكملة الحديث بهلعٍ بعدما رأت خيبة الأمل تملؤُ عينيه:
-هيوصل مصر بكرة.
🔷الجزء الثاني من الفصل التاسع 🔷
بسم الله لا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
الجزء الثاني من🔹الفصل التاسع 🔹
«أذنابُ الماضي»
#_أنا لها شمس الجزء الثاني،بقلمي روز آمين
هذه الروايه مسجلة حصرياً بإسمي روز آمين
وممنوع نقلها لأية مدونة أو موقع أو صفحات أخري ومن يفعل ذلك قد يعرض حالة للمسائلة القانونية
__________________________
«وكأنك ذنبٌ عظيم تلاحقني لعنتهُ أينما ذهبت»
بجسدٍ مرتجف وصوتٍ مرتعب تحدثت:
-إنتَ بتقول إيه يا فؤاد، عمرو مين ده اللي يرجع؟!
وتابعت بهزيانٍ ونظراتٍ زائغة توحي لمدى فظاعة وقع الخبر عليها:
-أكيد إنتَ غلطان، ده عليه حكم قضائي ولو نزل مصر هيتقبض عليه.
أمسك كفيها باحتواءٍ وتحدث:
-ممكن تهدي علشان أعرف أفهمك الموضوع
سحبت كفها من بين راحتيه وقامت بوضعها فوق فمها، وبعينين مغيمة بالدموع هزت رأسها لتشهق وبلحظة انسابت دمعاتها بغزارة على وجنتيها، شعر بأن أحدهم قام بغرس نصل سكينٍ حاد بمنتصف القلب، هو رجُلها وحمايتها، كيف لدموعها الإنسيابِ بحضرته، احتوى وجنتيها وتحدث بتأكيدٍ من عيناه:
-إنتِ خايفة من إيه، أنا معاكِ يا بابا، مفيش مخلوق هيقدر يقرب منك في وجودي
-يوسف يا فؤاد، يوسف... قالتها بضعفٍ ووهن ودمعاتٍ تقطعُ نياط القلب، فأجابها بصوتٍ هاديء مستكين:
-يوسف بقى راجل وميتخافش عليه يا حبيبي
وتابع ليشعرها بالطمأنينة على نجلها:
-وبعدين ده إبنه،أكيد هو مش مختل لدرجة إنه يإذي إبنه
هتفت بدموعها الهيستيرية:
-إنتَ بتتكلم على أساس إنه قبل كده مبعتلوش بلطجية علشان يخطفوه من باص المدرسة؟!
وتابعت صارخة بهزيان:
-ده بني أدم مجنون يا فؤاد،المخدرات لحست نفوخه وخلته فاقد الوعي والأهلية
أجابها شارحًا:
-زمان كان يوسف صغير والخوف من إنه يخطفه وارد جداً، لكن يوسف حاليًا بقى راجل،يعني أكتر حاجة ممكن يعملها هي إنه يروح له ويحاول يتقرب منه، ويزيف له حقايق الماضي علشان يكسبه في صفه
-وهي دي حاجة بسيطة يا فؤاد؟!
أجابها بتعقلٍ:
-القصة مش قصة بسيطة أو معقدة يا حبيبي، اللي يطمن في الموضوع إن يوسف راجل ومتربي صح،وعنده عقل ناضج قادر يفرق من خلاله ما بين الحق والباطل والصدق والكذب، وده اللي مخليني مطمن من ناحية يوسف
-أما بخصوص المخدرات فالموضوع ده انتهى خلاص... نطقها بهدوء فضيقت عينيها لتسألهُ بعدم استيعاب:
-يعني إيه إنتهى؟!
زفر وتحدث بهدوء:
-قومي إلبسي هدومك علشان متبرديش، وتعالي نطلع نتكلم في أوضتنا
مالت بجانب رأسها تتعمقُ بعينيها وكأنها تشكتكيه مُر زمانها، جذبها وأسكنها أحضانه لينطق وهو يمسح فوق رأسها بلمساتٍ بثت في روحها الأمان:
-يا حبيبي أنا جنبك، خايفة من إيه بس
بعد قليل،فوق الفراش بغرفتهما كانت تقابلهُ الجلوس وهو يتحدث:
-أنا عاوزك تهدي خالص
وتابع مفسرًا:
-وبعدين متقلقيش، إبن البنهاوي اللي راجع مش هو اللي سافر هربان
قطبت بين حاجبيها بعدم استيعاب فتابع بإبانة:
-البيه إتجوز هناك ومخلف ولد وبنت
وتابع متهكمًا:
- ماشاء الله عليه، متجوز بنت واحد فرنسي الجنسية، مفيش شغل شمال ملوش فيه
لطمت خديها:
-يلهوي، وبتقولي متقلقيش؟!
-أه يا حبيبي بقولك متقلقيش،وهتفهمي حالاً لما أشرح لك أنا ليه بقول لك كده... قالها بهدوء ليتابع مسترسلاً باستفاضة:
-بصي يا ستي، هو لما هرب على فرنسا إتعرف على البنت اللبنانية اللي اتجوزها بعد كده، هي كانت مدمنة كحول وهو مخدرات، أبوها كان بيحاول معاها كتير يوديها مصحة وهي كانت بترفض، واحدة واحدة حبت البيه واتعلقت بيه، وقررت وقتها تتعالج، فأخدته معاها،
وتابع شارحًا:
-ولأنه إمعة ومطموس الهوية أي حد معدي بيأثر فيه، فاستجاب لها وراحوا بالفعل اتعالجوا، ودي كانت أحسن حاجة عملتها معاه، اتعالجوا وخرجوا ومن هنا علاقتهم اتطورت واتعرف على أبوها، حكى له عن قصة حياته كلها، وأبوها أخد الفلوس الـ..... اللي كان البيه جامعها من بيع الأثار وغسلها له
ثم تابع مسترسلاً بإبانة لما حدث:
-دخلها له بعد كده في شوية مشاريع، وبعدها كلم محامي كبير علشان يعمل له المصالحة مع الدولة، وبدأ يعمل مشاريع هنا في مصر استعدادًا لرجوعه
صمت لبرهة ومسح على وجههِ وهو يزفرُ بعنفٍ مما استدعى تعجبها ثم تحدث بما جعل عينيها تتسعُ على مصراعيهما:
منهم شركة الصخرة اللي كانت السبب في خسارة شركتنا لكذا مناقصة
أغمضت عينيها وباتت تهز رأسها بذهولٍ من هول ما استمعت إليه من معلوماتٍ، صاحت بنبرة عاتبة:
-وانتَ كنت عارف كل ده وساكت يا فؤاد؟!
أشار بكفيه شارحًا بحدة:
-مكنتش ساكت،كنت بحاول بكل قوتي ونفوذي أمنع التصالح اللي بيعمله المحامي بتاعه مع الدولة،لكن للأسف،الإتفاقيات الدولية الموقعة بين الدول ساعات بتبقى فوق الكل،وللأسف البلد من بعد الثورة عملت كمية تصالحات في قضايا كتير
وتابع بأسى وغيظ:
-ولأن أساسًا قضايا الأثار ملهاش أحكام شديدة عندنا، فده ساعدهم وسهل عليهم الأمر أكتر، دفع فلوس وخد المصالحة
تنهد ليتابع بضيق بعدما رأى تشتتها والإنهيار النفسي:
-أنا كل غضبي منك الفترة اللي فاتت كان بسبب كده،في وسط الضغوط اللي كنت بتعرض لها وأنا بجري وبحاول بكل قوتي أمنع الأذى عنكم،الأذى قدر يوصل لشركتنا ولحد مكتبك،وسيادتك بدل ما تجري عليا وتبلغيني ونحاول نحل ونحمي نفسنا، لغيتي وجودي واتصرفتي لوحدك،ولولا ستر ربنا وإني متابع وزارع ناس تبعي في الشركة يا عالم، كان إيه اللي هيحصل
بأعين نادمة أمسكت كفيه وتحدثت بدموع:
-انا آسفة يا حبيبي،مكنتش أعرف إن الماضي الملعون قام من رقدته وراجع تاني
زفر ليخرج شحنة الغضب الكامنة بالداخل لينطق متمالكًا حاله:
-أنا مش ضدك ولا ضد نجاحك يا إيثار،بس أنا الامر اللي يعني لي في الاول وفي الأخر هو أمانك وأمان ولادنا ويوسف،بعدها طظ في أي حاجة
كانت تستمع إليه بعقلٍ مشتت وقلبٍ ممزق،سألتهُ بعدما أدركت حديثه بشأن أمان يوسف:
-طب يوسف وكبر وزي ما بتقول وجوده مبقاش بيشكل عليه خطورة،لكن وولادي يا فؤاد؟!
وتابعت بهلعٍ قفز من مقلتيها:
- أكيد هيحاول يأذينا فيهم
-طب خليه يجرب كده وشوفي أنا هعمل فيه إيه...ليتابع بجحيمٍ ظهر بعينيه:
-قسمًا بالله أخليه ماينفع يكون راجل تاني.
إعتدل بجسدهِ وجهز وضعية الفراش للنوم وتحدث وهو يدعوها لأحضانه:
-يلا يا حبيبي علشان ننام
رفعت كفيها لتنطق بإحباطٍ وألم مليء عينيها:
-أنام، وانا هيجي لي نوم بعد اللي عرفته ده ازاي يا فؤاد؟!
نطق بلومٍ وعتاب:
-وأنا يبقى إيه لزمتي في الدنيا لو النوم فارق عيونك بسبب واحد حقير زي ده؟، ده انا يبقى عدم وجودي فيها أحسن يا إيثار
أسرعت لتتخذ وضعية النوم ثم ارتمت بين أحضانه لتقول بصدقٍ:
-إيه اللي بتقوله ده يا فؤاد، ده أنا معرفتش للأمان عنوان غير في حُضنك
ضمها وتحدث بيقينٍ بالله:
-يبقى تنامي جواه وترمي حمولك على ربنا، وسيبي الباقي عليا
خرجت سريعًا من حضنه لتسألهُ بارتياب:
-إنتَ هتروح بكرة عند يوسف علشان تتكلم معاه في كده،صح؟
اومأ لها فتحدثت برجاء:
-أنا هاجي معاك
-حاضر،هعمل لك كل اللي إنتِ عوزاه... قالها بهدوء ليتابع مترجيًا بعينين يغلب عليهما النُعاس:
-بس خلينا ننام علشان خاطري، أنا من ساعة ما سافرت الغردقة منمتش ساعتين على بعض.
ملست على شعره بحنوٍ لتقول بصوتٍ بث داخلهُ الاستكانةِ والراحة:
-نام في حُضني يا حبيبي
غمس رأسهُ على صدرها وحاوط خصرها بذراعيه ليتنعم بدفيء حنانها ورائحة جسدها المُسكرة، لتحتضن هي رأسهُ وبدأت بمداعبة خصلات شعرهِ الفحمي بأناملها الرقيقة حتى غفى بسلام بين أحضانها،أما هي فباتت تفكر فيما حدث وقد جافا عينيها النوم بعد إزاحة ستار الحقيقة.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
فاق من النوم وبات يفرد ذراعية يتمطؤُ بتكاسُلٍ لذيذ ومزاجٍ حَسن بفضل ما حدث، حتى ولو عكر صفو الليلة الحديث عن ذاك الإمعة، لكن أثر الليلة عليه تغلغل داخلهُ وأدخلهُ بحالة مزاجية رائعة، استمع لصوت باب الحمام فالتفت ليجد حبيبتهُ تخرج بزي الحمام الخاص(البورنس)،تلف منشفة كبيرة فوق شعرها لسرعة تجفيفة،تطلعت عليه وبابتسامة جاهدت لإخراجها تحدثت:
-إنتَ صحيت إمتى؟
-حالاً... وتابع عاتبًا:
-مصحتنيش اخد حمامي معاكِ ليه؟
اقبلت عليه وهي تقول:
-صعبت عليا قولت أسيبك نايم
مالت بجذعها لتضع قُبلة حنون بجانب شفته فأمسكها من خصرها وأجبرها على النزول ليلتهم شفتيها فصاحت باعتراض وهي تتشبثُ بمنشفة الرأس خشيةً إنزلاقها:
-الفوطة هتقع وشعري هينقط عليك ماية يا فؤاد
نطق باستفزاز:
-وأنا راضي، أهو بالمرة أخد الشاور بتاعي على السرير
-بطل شقاوة بقى...قالتها وافلتت حالها بصعوبة من بين براثنه لتنطلق مهرولة إلى مرآة زينتها، سحب جسدهِ للأعلى ليستند للخلف، طالعها بانبهارٍ لجمالها وسحرها الفريد، فبرغم مرور سنواتٍ عديدة على زواجهما إلى أن مازالت لديها القدرة على سحبهِ لعالمها وسحر عيناه بقوة، كانت تجفف شعرها استعدادًا لتصفيفه، ابتسمت وهي تراهُ يطالعها مسحورًا عبر انعكاس المرآة لتتحدث بنعومة:
-بتبص لي كده ليه؟
-مسحور بجمال حوريتي....ثم تابع بإبتسامة جذابة:
-إنتِ حلوة قوي يا إيثار،دايمًا قادرة تجددي حُبنا وتاخدينا من وسط الدنيا ومشاكلها.
ابتسمت بدلالٍ وتحدثت لضيق الوقت:
-طب يلا قوم خد الشاور بتاعك علشان الباشا مستنينا على الفطار
ولچ إلى الحمام بمساعدتها لينتهي بعد فترة ويرتدي ثيابه ليتحرك للأسفل بعدما سبقته هي للإطمئنان عن اطفالها، وصل لنهاية الدرج وجد عزة تدخل من الباب الرئيسي للمنزل لتقبل عليه بابتسامة واسعة تزين ثغريها:
-يا صباح الفل والهنا والسعادة على عيونك يا سيد البشوات
وأكملت بثرثرتها المعتادة:
-الله اكبر، عينك عليك باردة، اللي يشوفك وإنتَ نازل من على السِلم زي الأسد، يقول شاب يدوب في الثلاثينات
-الله أكبر في عينك يا عزة...قالها ممازحًا ليتابع:
-جرى إيه يا سِت إنتِ،إنتِ صابحة تقري عليا ؟
-أنا أقر على جوز حبيبتي وراجلها... مصمصت بشفتيها بصوتٍ معترض لتتابع:
-ده أنا الود ودي أشوفكم أسعد الناس كلها
تخطى حديثها ليسألها موجهًا ببصره نحو الباب المؤدي للحديقة:
-الباشا فين؟
-مستني جنابك برة في الجنينة، كلهم قاعدين ومستنيينك على الفطار
خطى بساقيه فأوقفته متسائلة بسعادة:
-مقولتليش يا باشا
إلتف يطالعها فتابعت وهي تهز رأسها منتظرة الإجابة بحماسٍ:
-إيه رأيك في المفاجأة بتاعتي؟
رفع حاجبهُ ثم حك ذقنه وتحدث بنظراتٍ متوعدة:
-كويس إنك فكرتيني،بقى أنا يتقالي إنتَ لو بتحس يا عم، وإنتَ لو كان عندك دم؟
ارتبكت وتراجعت للخلف بعدما وجدته يقترب عليها بوعيدٍ لتتحدث بتلبكٍ:
-يو،وأنا اشعرفني يا اخويا بالأغاني وأمور المسخرة دي
وتابعت بتنصلٍ للامر:
-أنا سألت البت سميرة بنت وداد،قولت لها لما بتحبي تدلعي جوزك وتشخلعيه يا بت بتشغلي إيه؟
وتابعت:
-وهي اللي حطت لي أغنية الشوم دي
إقترب عليها أكتر مستمتعًا بمظهرها المنكمش وهي تتراجع للخلف بذعرٍ:
-لا والله، يعني إنتِ مكنتيش تعرفي كلام الغنوة؟!
هزت رأسها نافية لينطق بلهجة حذرة:
-عـــزة
زفرت باستسلامٍ وقررت الإعتراف:
-الكدب خيبة يا بيه،أنا بصراحة سمعتها،وقولت للبت ينيلك يا سميرة،إنتِ عوزاني أشغل قلة القيمة دي لسيادة المستشار
وتابعت بحماس:
-بس البت أكدت لي إن الاغنية مشهورة،وكل الرجالة بتتهبل وتجيب ورا لما بتسمعها
-بتت إيه؟!... قالها بذهولٍ ليتابع بحدة ونظراتٍ شزرة:
-ده أنتِ نهارك مش فايت معايا النهاردة يا عزة
وتابع ناهرًا من بين أسنانه:
-بقى لامة الشغالات حواليكي وقاعدين تختاروا لي الغنوة اللي هسمعها مع مراتي؟!
رفعت ذراعيها تحمي بهما وجهها وارتجفت وهي تقول:
-العفو والسماح يا باشا، أنشك في قلبي لو ادخلتلك في حاجة تاني
-في حاجة يا سيادة المستشار!.... إلتف كلاهما على صوت"عصمت"التي ولچت تستعجل العاملات بتجهيز الفطور، فوجدت مناوشات ذاك الثنائي، تحمحم قائلاً:
-مفيش يا ست الكُل
والتف يناظر تلك التي ابتلعت لعابها براحة وكأن حضور عصمت أنقذها من براثن ذاك الوحش،واسترسل متابعًا بابتسامة مستفزة إلى عزة:
-أنا كنت بطمن على صحة عزة،أصل صحتها مش عجباني اليومين دول، فبقول لها تهتم شوية
-يخليك ليا... قالتها بأعين زائغة لتنقذها عصمت قائلة:
-طب يلا يا عزة إدخلي استعجليهم على الفطار،الباشا والاولاد جاعوا برة
-فوريرة يا هانم...نطقتها وتحركت مهرولة ليشيعها بنظراته حتى اختفت داخل المطبخ،اقتربت والدته تتحسس ذقنه وتقول:
-شيفاك مبسوط النهاردة
احتوى كفها وتحدث بلباقة مداعبًا إياها:
-حد يشوف القمر ده قدامه على الصبح ومينبسطش
ضحكت وهي تقول:
-بقيت بكاش على كَبر يا سيادة المستشار، إتعلمت المراوغة من ولادك.
ابتسم لها وتحركا للخارج يتناولا بصحبة العائلة وجبة الفطار تحت سعادة عصمت ومعاملتها الحسنة لإيثار التي تعجبت تغيير المرأة الكلي معها.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
عند غروب الشمس
كانت تهرول خلف ذاك الكارثة الكبرى بحديقة القصر الواسعة، ذاك المشاغب الذي تقضي يومها بالكامل ركضًا خلفه وهي تلحقه من هُنا لهناك كي لا يفعل كارثة كعادته ويأتى ذاك الغاضب"فؤاد"ويحملها كل النتائج،هتفت تُنادي عليه وهي تراه يقترب من المسبح:
-يا واد تعالى هنا وجعت قلبي معاك،قطعت نفسي من الجري وراك الله يهديك
توقفت لتأخذ نفسًا ثم تابعت بأنفاسٍ لاهثة:
-تعالى علشان تستحمى قبل ما أبوك يشوف هدومك اللي اتبهدلت من العجين دي ويسود عيشتي
توقف يجيبها وهو يترقصُ بطريقة ساخرة لإغاصتها:
-هقول له زوزة هي اللي ندهت عليا وقالت لي تعالى ساعدني، واعجن البيتزا بدالي يا ملوك
-أنا عارفة إن نهايتي وطردي من البيت ده هيكون على اديك يا شبر ونص انتَ.
قطع حديثها قدوم ذاك البغيض عليها لتكفهر ملامحها وهي تهمس لنفسها:
-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،إنصرف
سألها بتعالي:
-علام باشا وفؤاد باشا موجودين يا عزة؟
-جوة في المكتب... قالتها بلامبالاة وتابعت:
-اتفضل اوصلك ليهم
والتفتت للصغير:
-راجعة لك،اصبر عليا يا مالك
وصلت إلى المكتب لتدقهُ بهدوء، استمعت إلى صوت فؤاد فولجت لتنطق:
-الدكتور ماجد برة وعاوز يقابل حضراتكم
تبادل كلاهما النظرات سويًا فأومأ علام لنجله فتحدث بناءًا عليه:
-خليه يدخل
دخل ليرمقهُ علام بنظراتٍ لائمة وتحدث مبكتًا:
-لسه فاكر يا ماجد؟
أقبل عليهما وتحدث آسفًا:
-حقك عليا يا باشا، أنا كنت هجي لجنابك من وقتها، بس كنت محروج منك بعد اللي حصل أخر مرة
ابتسامة ساخرة ارتسمت على ثغر فؤاد الذي ضل على حاله ناظرًا للأسفل دون ان يعير لدخوله ادنى اهتمام،أشار له علام ليشاركهما الجلوس، نطق بهدوء لذاك المتجاهل وجودهُ:
-ازيك يا سيادة المستشار
هز رأسهُ ونطق بصوتٍ خافض:
-الحمدلله.
اعتدل بجلوسهُ ثم تحدث بتوترٍ اظهر حضورهُ المُجبر:
-أنا جاي أتأسف لحضرتك وليك كمان يا فؤاد باشا، عن اللي حصل مني يوم العزومة
وتابع وهو يفرك كلا كفيه ببعضيهما:
-أنا عارف إني تعديت حدودي في وجودكم، بس أنا غصب عني، لحد ولادي وبتحول
كانا يستمعا إليه بهدوءٍ مريب ليقرر فؤاد التحدث إلى أبيه:
-بعد إذن الباشا طبعاً
أعطى له علام الإشارة فتابع مسترسلاً بغلظة:
-كويس إنك عرفت غلطتك واعترفت بيها يا ماجد، ولو ان أسفك متأخر بس مش مشكلة
وتابع بحدة:
-وبرغم إن وجودك هنا مهم وكان لازم، إلا إني شايف إن الإعتذار الرئيسي مكانه مش هنا خالص
ضيق بين عينيه وتحدث مستفهمًا:
-مش فاهم حضرتك تقصد إيه بالظبط يا سيادة المستشار؟
بقوة وصرامة أجابهُ:
-أقصد إن الشخص اللي إنتَ أهانته قدامنا كلنا هو اللي يستحق إعتذار منك، ومش بينك وبيه لا، ده لازم يكون قدام العيلة كلها
وتابع مسترسلاً بقوة:
-وزي ما الإهانة حصلت قدام الكل، أبسط حق ليه إن كرامته تترد له هي كمان قدام الكل
أسند ظهرهُ للخلف وتحدث بكبرياء متغاضيًا عن مدى تعلق فؤاد بالشاب:
-بس أنا مغلطش فيه علشان أعتذر يا باشا، أنا كنت بدافع عن بنتي وافتكر إن ده حق أصيل ليا
وتابع بازدراءٍ للفتى:
-ثم إن اللي اسمه يوسف ده ميخصنيش في شيء، ولا يعني لي رضاه من زعله
وتابع برياءٍ اراد به تضامنهما:
- أنتوا اللي تخصوني وعلشان كده أنا موجود هنا
انتفض فؤاد منتصب الظهر وتحدث متجاهلاً وجود ماجد:
-بعد إذنك يا باشا، ورايا مشوار مهم
شعر بالإهانة من تجاهلهُ وبرغم غضبه إلا أنه استطاع التماسك وتحدث لإصراره على كسب وده مرةً أخرى:
-إحنا لسه مكملناش كلامنا يا فؤاد
طالعهُ بكبرياءٍ وتحدث بصرامة وهو يُغلق زِر بذلته:
- بالنسبة لي الكلام إنتهى لحد هنا.
استمع لبعض الطرقات لتدخل مباشرةً إيثار وهي تحمل صينية عليها قدحين من القهوة كان قد طلبهما منها علام،وتحدثت بابتسامة اختفت بعدما رأت ماجد:
-معلش اتأخرت عليكم
أشار بكفه لتتوقف ونطق بصرامة لا تقبل المراجعة:
-إطلعي وابعتيها مع حد من الشغالين
ثم حول بصرهِ إلى علام يرجو منه السماح على ذاك التصرف، فليس من الرجولة أن يسمح لزوجته بتقديم المشروب لرجلٍ يكن لها ولصغيرها البغضاء والضغينة بصدره، تفهم علام واومى له لينطق مستأذنًا:
-بعد إذنك يا باشا.
خرج من المكتب دون أن يعير الأخر أي اهتمام مما جعل الدماء تغلي بأوردته بفضل الإهانة المقصودة،
تحدث علام بجلدٍ ولوم:
-مبسوط باللي وصلنا له كلنا بفضل تهورك يا ماجد
دخلت العاملة لتقديم القهوة تلى دخولها عصمت التي جلست لتقول بفتورٍ:
-ازيك يا دكتور ماجد
-الله يسلمك يا دكتورة... قالها بخزيٍ ليتابع شارحًا موقفهُ امام الزوجين وبعدما انتهى تحدث علام:
-كل الكلام اللي إنتَ قولته ده مش مبرر للي عملته يا ماجد
وتابع بتبكيت:
- إنتَ صغرتني وأهانت ضيفي في حضور أخته ده من جهة، ومن الجهة التانية ده بالنسبة لي مش مجرد ضيف،ده حفيدي اللي ربيته على اديا وبسببك إنتَ اضطر يسيب بيته اللي اتربى وكبر فيه
هز رأسهُ وهتف مسترسلاً بحدة ونظراتٍ جالدة:
-وياريتك اكتفيت بكده، ده أنتَ حرمته من إنه يدخل البيت تاني
وأشار بكفهِ باتهام:
- إنتَ متخيل مدى الأذى النفسي اللي تسببت لي فيه وأنا بالسِن ده يا ماجد؟!
نطق مدافعًا عن حاله:
-يا باشا أنا بدافع عن مستقبل بنتي، انتوا بتلوموني علشان رافض أجوز بنتي لواحد عيلته كلها مجرمين؟!
قاطعت حديثه عصمت التي نطقت بصرامة وإسلوبٍ حاد يرجع اسبابه لرفضها تحول شخصيته:
-لاحظ إن اللي بتتكلم عنه ده يبقى متربي في بيتنا وتحت عنينا ما ماجد، وأنا والباشا بنعتبره حفيدنا البكري
وتابعت بجدية وصدق:
- ده غير إن أخلاق يوسف ومستقبله يخلي أي حد يتمناه عريس لبنته
أجابها:
-إلا أنا يا دكتورة، أنا مش مرتاح للموضوع واظن ده من حقي، ده غير إن أنا والولد مبنرتحش لبعض، بأي عقل اجوز بنتي لواحد مفيش بيني وبينه اي ود
نطق علام بحدة ترجع لتعنت ماجد بالفكر والحديث:
-الظاهر إن تفكيرك لا اتغير ولا هيتغير يا ماجد، وخليني اعيد لك كلام يوسف ليك قدامنا كلنا
تابع بلومٍ:
-الولد متقدمش لبنتك علشان تعمل الزيطة اللي حصلت دي كلها، يعني إنتَ بعترت البيت كله وفرقتنا على الفاضي
انزل بصرهِ بخجل تحت نظرات عصمت المستنكرة فتابع علام بإشارة من أصبعه متوعدًا:
-إسمعني كويس وافهم الكلام ده يا ماجد،اللي حصل في اليوم ده مش عاوزة يتكرر تاني،ولو فاكر إن بيسان علشان بنتك هسمح لك تهينها وتتحكم فيها فانتَ غلطان،دي حفيدتي وهي وأمها وأخوها في حمايتي،وأي حد هيحاول يمسهم ولو بكلمة هفتح عليه نار انتقامي اللي مش هيقدر يتحملها،حتى لو الحد ده هو أنتَ يا ماجد
ارتجف جسدهُ من تهديد علام الصريح واسلوبهُ الحاد الذي يتبعه معه للمرة الاولى منذ دخوله للعائلة
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بالخارج، كانت تنزل الدرج بعدما ارتدت ثيابها استعدادًا للذهاب مع زوجها إلى يوسف للتحدث معه، خرجت للحديقة لتستقل السيارة بجوار زوجها قائلة:
-إتأخرت عليك؟
-لا يا حبيبي، يلا بسرعة قبل ما مالك ينزل ويعمل لنا دوشة
تحرك بالسيارة وتلته آحدى سيارات الحراسة المجهزة، سألتهُ بعدما رأت تجهم وجهه:
-مالك يا حبيبي؟
-مفيش... قالها مقتضبًا لتنطق من جديد:
-اللي اسمه ماجد كان جاي ليه؟
-متشغليش بالك بيه، خلينا في حياتنا واللي يخصنا
اومأت برأسها ثم تنفست بعمقٍ ونظرت للأمام تفكر في وقع الخبر على نجلها.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بنفس التوقيت
داخل مطار القاهرة الدولي، تحديدًا بالصالة الخاصة بكبار الزوار، خطى بساقيه ينظر للمكان بسعادة والغرور يملؤهُ، ابتسم بجانب فمه لينطق بهمسٍ لحاله:
-"وقت الحساب بدأ خلاص، ونار الإنتقام هتحرق الكل"
استمع لصيحات تلك التي هرولت عليه تحتضنهُ بلهفة قائلة:
-حمدالله عسلامتك حياتي، كتير اشتقت لك أنا.
إنتهى البارت
أذناب الماضي
بقلمي«روز أمين»
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا