رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل الثاني عشر بقلم شروق مصطفى حصريه
رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل الثاني عشر بقلم شروق مصطفى حصريه
جمر الجليد الجزء الثالث حصري بقلم شروق مصطفى الفصل الثاني عشر
“مي! همسة! حد هنا… مين هنا؟”
نطقتها “سيلا” عندما شعرت بحركة غريبة من حولها، فتلفتت بذعر:
“مين؟ مين؟ هنا مين؟…”
اشتمّت رائحةً تعرفها جيدًا، رائحة التصقت بذاكرتها ووجدانها، فارتجف قلبها وشهقت بصوت خافت، ثم هتفت بتردد وهي تدور حول نفسها:
“شامة ريحته… هو هنا، صح؟ حد يرد عليا، هو!”
وفجأة، صرخت صرخة عالية مدوّية:
“يا همساااه! خرّجيه من هناااا! مش عاوزاه جانبي! ابعد عني!”
وظلت تصرخ بأعلى صوتها، وجسدها ينتفض بقوة، في حالة انهيار تام، وهيستيريا متصاعدة:
“آآآه! لااا! ابعد عني! مش عاوزاك تلمسني ولا تبقى جنبي! بكـ,ـرهك! شوفتك بعينيا! ابعد عني… بكرهك!”
هرع طاقم التمريض إلى الغرفة يحملون حقنة مهدئة، بينما أسرعت “همسة” بجذبه إلى الخارج بقوة. كان كل ما يشعر به هو صدمة هائلة، وألم يمزق قلبه إلى أشـ,ـلاء، لكنه خرج معها دون أن ينبس ببنت شفة. بدا كأنه في عالم آخر، ينهار من الداخل، وعلى مشارف الانـ,ـهيار الكامل.
وحين ابتعد قليلاً، خـ,ـانته قدماه، فلم تعد تحتمل جسده، فسقط جالسًا على عتبة الباب من الخارج، لا يرغب في الذهاب إلى أي مكان، فقط أراد أن يبقى… ليسمعها.
قالت “نبيلة”، والدة “مي”، بحزن عميق:
“يا حول الله يا رب… الطف بيها، يا رب، وقويها.”
خرجت الممرضة من الغرفة وتوجهت إليهم قائلة:
— “من فضلكم، بلاش تعرضوها لأي ضغط نفسي. المريضة ممكن تدخل في غيبوبة تاني، أبعدوا عنها أي حاجة ممكن تسبب لها انهـ,ـيار.”
ردت “نبيلة” بموافقة سريعة:
— “حاضر يا بنتي… هي نامت صح؟”
— “إحنا إدّيناها مهدّئ، وإن شاء الله تفوق بليل كده.”
قالت “نبيلة” بدعاء يخرج من أعماق قلبها:
— “ربنا يستر، يا رب… تعيشي يا بنتي، ويحميكِ لشبابك.”
— “العفو يا فندم… ده شغلي.”
ظلت “مي” إلى جوارها، تربت على شعرها برفق، لم تفارقها لحظة واحدة، بينما ذهبت “همسة” لتُخبر “وليد” بما حدث…
عاد وليد إليهم مجددًا بعد أن جمع ما يلزمهم، لكنه فوجئ بمشهد لم يكن في الحسبان:
عاصم جالس خارج المنزل، على الأرض، في حالة انهيار تام.
أوقف السيارة على عجل، ثم هرول إليه بفزع، يهزه بقوة وهو يهتف:
“مالك قاعد ليه كده في الجو ده؟!”
رفع عاصم رأسه ببطء، ونظر إليه بعينين خاليتين من أي مشاعر، نظرة تائهة كأنها ضلت طريقها، ثم تمتم بصوت خافت:
“مقدرتش أتكلم… لساني انربط وأتلجم… حست بوجودي ورفضتني…
هي محتجاني يا وليد، أكتر من أي حد.
أنهى كلماته بصوت مخـ,ـتنق، ثم أعاد رأسه إلى موضعه بين ذراعيه، وكأن لا شيء في العالم يمكنه أن ينهضه الآن.
اقترب وليد منه أكثر، وضع يده على كتفه يربت عليه بمحبة لم تكن فقط من ابن عم، بل من أخ حقيقي، وقال بهدوء:
هي حالتها ما تسمحش دلوقتي لأي كلام. أصبر شوية، هي مصدومة فيك يا عاصم… صدمة كبيرة، أيا كان السبب، لأنها في الأول والآخر مشاكلكم إنتو.
بس رأيي إنك تهدأ، وتصلّب نفسك، وأنا هخلي البنات يكلموها ويمهدوا ليكم تتكلموا. تمام؟
بس قعادك كده غلط، الدنيا برد، والجو مغيّم، وممكن تمطر في أي لحظة…
قوم معايا، أحجز لك أي شاليه جنبنا هنا… تعالى.
هزّ عاصم رأسه نافيًا، وقد بدا واضحًا من نظرته وإصراره أنه قد اتخذ قراره ولن يتراجع عنه:
مش متحرك من هنا… لحد ما أكلمها.
ما تتعبش نفسك… إدخلهم بس وشوفهم محتاجين حاجة.
حاول وليد مجددًا أن يُقنعه، لكن دون جدوى.
تنهد بحزن، ثم توجّه إلى السيارة، حمل الحقائب، وأدخلها إلى الداخل.
وعند الباب، قابل همسة، فبادرها بالسؤال:
— طمنيني، فيه جديد؟
هزّت رأسها نافية، وقالت:
“مفيش… نايمة بعد ما عطوها مهدئ.
حسّت بوجوده، رغم إنه ما اتكلمش معاها.
أنا عارفة عاصم مش هيسكت، وهي عنيدة كمان… ربنا يستر الفترة الجاية.”
قال لها وليد بنبرة تجمع بين الواقعية والقلق:
على فكرة… هو قاعد برّه، ومش هيمشي غير لما يكلمها برضه.
أنا هحجز شاليه جنبه وهقعد معاه، رغم انه مش راضي ومصمم يقعد على الباب…
مجنون وعارفة!
هطلع له أنا وأتصرف معاه تاني.
وهطلب لكم أكل من برّه، تمام؟
في تلك اللحظة، جاءت همس الصغيرة تركض في اتجاهه، منادية بحماس طفولي:
“بابي… حبيبي!”
فتح ذراعيه لها فورًا، فاحتـ,ـضنها ورفعها عن الأرض، ثم قبّـ,ـل وجنتيها بحنان صادق:
“حبيبة بابي! وحشتيني… عاملة إيه؟”
نظرت إليه بملامح عابسة يغلب عليها الغضب البريء، وقبضت وجهها بكفيها الصغيرتين:
“يا بابي… خالتو عندها حاجة أبيض على إيديها ورجليها، ونايمة على طول!
مش بتلعب معايا، أنا زعلانة منها.
وماما بتخرجني من عندها… أنا زهقت من هنا، عاوزة أمشي، وحشتني المدرسة وصحابي!”
هزّت همسة رأسها وهي تراقب الموقف، مبتسمة بخفة من شقاوة الطفلة رغم ثقل اللحظة، بينما أجابها والدها برفق:
“يا حبيبتي، خالتو تعبانة، ولازم نكون جنبها علشان تخف بسرعة وترجع تلعب معاكي، ماشي؟
اسمعي كلام ماما، وأنا هاجي لكم تاني. باي.”
أنزلها برفق على الأرض، ثم وجه حديثه إلى زوجته:
“لو احتجتي حاجة… كلميني.”
وفي تلك الأثناء، كان هاتف مي يصدر صوت تنبيه خافت.
أمسكت به بلا اهتمام، وفتحت الرسالة:
“عاملة إيه؟ وحشتيني. تصدقي بقانا كام يوم مش بنتكلم… حاسس إن فيه حاجة نقصاني.”
نظرت إلى الرسالة بعينين زائغتين، لا تحملان أدنى اهتمام.
كان مجرّد صديق على “السوشيال ميديا”، لا يمثل لها أي أهمية حقيقية.
ردّت عليه باقتضاب:
“كويسة.”
لم تمضِ سوى دقائق، حتى وردت رسالة أخرى:
“بس كده؟ إيه الرد البارد ده؟ مش ده اللي كنت منتظره على فكرة.”
زفرت بضيق، وكتبت له بنفاد صبر:
“عادي يعني… إنت اللي مكبّرها، بس عندي ظروف، مش فايقة أتكلم. سلام.”
جاءها الرد سريعًا، بنبرة تحاول التخفيف:
“مالك؟ فيه إيه؟ احكيلي، يمكن ترتاحي… حاسس إنك مخـ,ـنوقة من كلامك.”
كادت أن تتجاهله، لكنها شعرت بحاجة ما لتفريغ الضيق، فردّت بوضوح:
“صاحبة عمري عملت حـ,ـادثة جامدة… وزعلانة عشانها أوي.”
— “ربنا يشفيها إن شاء الله… هو ده اللي مضايقك وخلاكي ما تكلمنيش يعني؟”
ردّت بعدها بحزم يخرج من قلب مثقل:
“هي مش مجرد صاحبة… دي أختي!
أنا لو كان عندي أخت، مش هتبقى زيها.”
— “ربنا يخليكو لبعض.”
…
خرج وليد من المنزل مجددًا، لكنه وجده كما تركه… عاصم جالس في ذات المكان، لم يتحرك، لم يتغير، كأن الزمن قد تجمّد حوله.
كانت السماء قد بدأت تمطر بالفعل، واشتدّ الهطول حتى تساقطت قطرات الماء بغزارة، تبِلّ الأرض ومن عليها. اقترب منه، وهتف بصوت مفعم بالرجاء:
“تعالى معايا نجيب حاجات ونرجع تاني… يلا.”
لكن عاصم لم يظهر أيّ رد فعل.
صمت تام.
سكون ثقيل.
فأعاده وليد بنداء أعلى وهو يجذبه من ذراعه:
“يا بني فوق كده على نفسك… الجو قلب، قوم معايا!”
دفعه الآخر بقوة، بعـ,ـنف ينبع من وجع داخلي، وقال بعناد قاطع:
“أمشي إنت… مش همشي قبل ما أتكلم معاها.”
شدد وليد يديه على رأسه بإحساس العجز واليأس، يعرف طبعه ويعلم عناده، فتنهد ثم غادر، قاد سيارته ليجلب بعض المستلزمات، مُستسلِمًا لقراره الذي لا رجعة فيه.
أما عاصم، فقد ظل جالسًا هناك تحت المطر، بلا حراك.
كانت قطرات المطر تنهمر عليه كأنها تُغسِل وجعه، تُطفئ نارًا مشتعلة في صدره، لكنها لم تفلح.
اغرورقت عيناه بالدموع، فقد باتت الرؤية مشوشة، لا من المطر فحسب، بل من الحزن الكامن داخله.
قلبه كان يعتصر ألمًا على حال نصفه الآخر، خائفًا من أن تكون هذه المرة… الأخيرة.
رفع رأسه نحو الشرفة أعلاه…
هناك ترقد هي، روحه، حياته، الملاك الذي كسرت جناحيه.
ورغم صوت الرعد الذي دوّى في السماء، ووميض البرق الذي شقّ الظلمة، فإن لا شيء كان أقوى من العاصفة التي تعصف بداخله.
اقترب من الجدار، لم يتردد، تشبّث بمواسير الصرف، وبدأ يتسلّق حتى وصل إلى الطابق الأول.
وقف أمام الشرفة، ملتصقًا بالزجاج المبتلّ، ومسح بيده قطرات الماء المتجمعة ليرى وجهها.
كانت نائمة… ساكنة، كأنها خرجت من لوحات الضوء، مغمضة العينين، مبللة بالحزن، وملامحها كأنها صلوات.
همس بصوت مخـ,ـنوق:
“بحبك… وعمري ما فكرت أخونك.”
ثم صمت… يبتلع ريقه، يحبس وجعه بين أضلعه.
وفجأة…
جريئ عاصم وعنيد جدااااا… تفتكرو المرة دي سيلا هتسمعه!؟
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول 1من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني 2من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثالث 3من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا