رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل التاسع والعاشر بقلم شروق مصطفى حصريه
رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل التاسع والعاشر بقلم شروق مصطفى حصريه
جمر الجليد الجزء الثالث حصري بقلم شروق مصطفى الفصل التاسع والعاشر
الفصل التاسع والعاشر
جمر الجليد الجزء الثالث حصري بقلم شروق مصطفى
لاحَت على وجه مي ابتسامة جانبية تهكمية:
ـ مش عاوزة أعرف عنه حاجة، أنا كويسة كده، وهعدي، وهقوي نفسي من غيره. سيبك مني، سافري إنتِ، والْحقي نفسك، وتمسكي بحبكم، وارجعولنا.
هقوم أنا لماما جوه، وأقفل الشنط بتاعتنا، دي هتفرح لك أوي.
شردت سيلا في شيء ثم قالت:
ـ بفكر الأول أنزل أشتري هدية كده… تنزلي معايا طيب بدل ما أنزل لوحدي؟
ـ أكيد طبعًا، بس قوليلي هتمشي إمتى؟ نمشي على سكتك بالمرة أنا وماما.
ردت عليها سيلا:
ـ همشي بكرة الصبح، هركب سوبر جيت، هروح أحجز لما ننزل.
نهضت مي:
ـ طيب يلا، الوقت لسه معداش سبعة، هروح أقول لماما وننزل نروح المول اللي بره الشارع ده… شُفته لما هيثم جابنا هنا.
ـ تمام، يلا، وأنا كمان هقوم ألبس.
صباحًا، وصلت إلى الغردقة، وداخلها مشاعر غريبة: حماس، حب، اشتياق، لوعة، وعتاب.
تريد رؤيته أولًا، ثم تُعنّفه وتُعاتبه وتغضب منه، قبل أن تختبئ داخل أحضانه مرة أخرى.
اتجهت إلى الفندق الخاص بهم، ووقفت أمام الريسبشن، لكن الموظف كان منشغلًا مع بعض الزوار، فانتظرت حتى ينتهي من عمله معهم.
نظرت حولها تتأمل المكان، فقد أطالت فترة تواجدها فيه منذ زمن.
لفت نظرها من يشير لها بيده ويبتسم، ويتجه نحوها بدهشة.
توقف مقابلها وتحدث:
ـ مش معقول! سيلا عندنا؟ وأنا أقول الفندق منوّر ليه كده؟ عاملة إيه؟
قالت سيلا بابتسامة رقيقة:
ـ ده منور بأصحابه. أخبارك إيه؟ رودينا والبنات عاملين إيه؟
ـ الحمد لله والله، كلنا زي الفل. المهم، إنتي جاية في شغل ولا إيه؟
ابتسمت له بتوتر ظاهر، وهزّت رأسها نفيًا:
ـ لأ، جاية أشوف عاصم… عاملة له مفاجأة وكده، وكنت لسه هسأل عن رقم الغرفة.
ـ ربنا يخليكم لبعض يا رب! وعشان مفاجأة دي بقى، اتفضلي ده…
أخرج من جيبه كارتًا خاصًا يُفتح به أي غرفة وأعطاها لها:
ـ ده ماستر كِي، هيفتح معاكي غرفته، هو قاعد في أوضة رقم 999.
أخذته منه شاكرة:
ـ متشكرة جدًا يا عامر، خلينا نشوفك بقى، إنت، رودينا، والبنات، نفسي أشوفهم أوي.
ـ أكيد قريب إن شاء الله. أسيبك عشان عندي فوج على وصول.
تركته وذهبت تقصد غرفته.
أخرجت من حقيبتها علبة ملفوفة بطريقة رائعة.
أصبح قلبها ينبض بشدة، وتُقسم أن من يمر بجانبها قد يسمع دقاته.
حاولت أن تهدأ قليلًا.
توقفت خارج الجناح، ثم مرّرت الكارت بين فتحتي الباب، فانفتح معها، وبيدٍ مرتعشة دفعته.
فتحته متحمسة لرؤيته ولردّة فعله عندما يجدها أمامه.
تقدّمت إلى الداخل بهدوء شديد، تنظر حولها باحثة عنه.
الغرفة كانت مظلمة وهادئة.
فجأة، استمعت إلى صوت دربكة باتجاه الباب الداخلي…
كان الجناح كبيرًا جدًا، يبدأ بصالة واسعة تحتوي على كنبة وطاولة وشازلونج، وشرفة تطل على حوض السباحة، أما غرفة النوم فلها باب خاص.
تقدّمت بخطوات تكاد تكون منعدمة بسبب انقباض قلبها، ثم مرّرت الكارت مرة أخرى وفتحته ببطء.
اتّسعت عيناها على ذلك المشهد المريع…
زوجها وامرأة أخرى بين أحضان بعضهما، في مشهد غرامي مثير يهتز له البدن.
صُعقت مما رأت، وظل عقلها يترجم ويحلل:
أهذا هو عاصم؟ شريك دربها؟
أمامه، عاري الصدر، بأحضان امرأة أخرى!
لهذا رفضها؟
أم استغل تلك الفرصة لينعم برفقة النساء؟!
بعد لحظات من الصدمة، استعادت وعيها وعادت إلى رشدها، تراجعت بخطوات مرتعشة إلى الخلف،
ماتت الكلمات في حلقها، شُلّت حواسها، قُـ,ــ,ـتل كل شيء حولها،
لم ترَ سوى ذلك المشهد أمام عينيها.
عقلها توقّف في تلك اللحظة.
أصبحت الدنيا ضئيلة، خانقة.
حبست دموعها، فالوقت ليس للبكاء.
لقد أنهى حياتهما بلا رجعة.
بالفعل، كما قال… صعب؟ لا، بل مستحيل.
هرولت بكل ما أوتيت من قوة،
ظلت تركض وتتصادم مع من يقابلها، لم تلتفت إلى الخلف.
رآها عامر، وكان واقفًا مع الفوج الجديد،
شاهد ركضها السريع وانهيارها، ثم لمح عاصم يهرول خلفها.
توقف عامر باستفهام:
ـ عاصم، فيه إيه؟ إيه اللي حصل بينكم؟!
كان عاصم يلهث بصعوبة، وقد ضاع أثرها،
نفخ بضيق، شدّ على شعره، وكوّر قبضته بغضب:
ـ إيه اللي جابها دلوقتي؟! يا ربي، مين اللي عطاها كارت الجناح؟!
ردّ عامر بعدم فهم:
ـ أنا يا عاصم! في إيه؟! قالتلي إنها عاملة لك مفاجأة، وأعطيتها الكارت…
إيه اللي حصل لكل ده؟!
هدر صوته عاليًا في وجهه:
ـ إنت مش فاهم حاجة خالص! لازم ألحقها بسرعة!
تركه وركض إلى الخارج يبحث عنها،
حاول مهاتفتها، لكن دون جدوى.
هتف وهو يشد على شعره بعنف:
ـ يا ربــــي!
عاد إلى جناحه وجلس على الفراش بألم،
الآن فقط شعر أن ظهره قد انقسم،
وأصبح الرجوع شبه مستحيل بعد أن رأته بهذا الشكل.
أغمض عينيه بوجع، يتخيل هيئتها وصدمتها،
كيف لم تستطع حتى الحديث أو إصدار أي ردّ فعل؟!
نهض فجأة يصرخ بأعلى صوته،
أخذ يكسّر كل شيء أمامه،
أصبح كالثور الهائج، من يقف أمامه يقـ,ــ,ـتله من فرط الغضب.
أمسك بأنتيكة موضوعة على المنضدة،
قذفها نحو المرآة،
تحطّمت لأجزاء صغيرة، وصورته فيها مكسورة كحال قلبه الآن.
جثا على ركبتيه بضعف،
والجناح من حوله أصبح أنقاضًا،
ثم أجهش ببكاء مرير.
من قال إن دموع الرجل ضعف؟
بل هي من شدة الفقد،
فأشد فراق هو فراق الروح للجسد…
وهي كانت روحه.
والآن… لم يتبقَّ سوى جسدٍ بلا روح.
أما سيلا، فلم ترَ أمامها شيئًا،
فقط تركض بلا هدف،
عبراتها تتساقط كالشلال،
تحاول أن تمحو من عقلها ما رأته عيناها.
أجهشت ببكاء مرير حتى انعدمت رؤيتها،
وزاد ركضها أكثر وأكثر،
تريد الابتعاد قدر الإمكان،
ولم ترَ تلك السيارة المسرعة التي أمامها.
أخذتها بكل رحب وسعة،
قذفتها لأعلى مسافة،
ثم سقطت على الأرضية…
صبغتها بلون الدم،
وأصبحت بلا حراك.
…
“جهاز الصاعق بسرعة القلب وقف. الحالة بتضيع منا.”
هاتف شخص آخر: “الضغط واطي.”
رد طبيب آخر: “الأكسجين بدأ يقل.”
كانت هذه كلمات ألقاها الأطباء داخل غرفة العمليات، محاولة منهم لإنقاذ فتاة تعرضت لحادث سير. استغرقت العملية أكثر من ست ساعات لوقف نزيف المخ، علاج كسور في قدميها، ورضوض في رأسها، وتم خياطة اثنين وعشرين غرزة، قبل أن تدخل في غيبوبة.
خرج طاقم الأطباء بعد إتمام واجبهم المهني لإنقاذها، فهتف أحد الأطباء إلى الممرضة التي كانت بالخارج:
ردت الأخيرة: “جاية في حادثة عربية والشرطة أخدتها القسم بعد ما وصلت هنا.”
قال الطبيب: “تمام، ماشي. شوفي معاها أي ورق أو أي حاجة تثبت هويتها، وتواصلي مع حد من أهلها علشان يحضروا. حالتها صعبة أوي.”
…
في الجهة الأخرى، حاول مهاتفته، لكن دون جدوى؛ الهاتف مغلق.
في اليوم التالي، نزل إلى مصر، لم يعرف ماذا يفعل أو من يسأل. توجه إلى منزل وليد عله يجد عنده ما يساعده. ما إن فتح الأخير الباب، حتى صُعِق من هيئة ابن عمه المزرية. أدخله بسرعة، وكان الآخر يلتفت حوله بعينيه الزائغتين، يريد فقط أن يطمئن عليها أو يراها ليطمئن قلبه. لكنه كان يعلم أنها ليست بخير.
هتف وليد، عندما شاهد شحوب وجهه: “عاصم، أنت كويس؟ شكلك تعبان. حد حصل له حاجة؟”
سأله وليد، والفزع على وجهه، ثم…
الفصل العاشر
صُدم الآخر من هيئته وعينيه الزائغتين بالمكان، وعلامات الفزع على وجهه:
“سيلا جت عندكم أو كلمت همسة؟”
ردد وليد بدهشة: “سيلا!”
دخلت همسة عليهم بذكر اسم شقيقتها، وردت بقلق: “مالها سيلا؟ هي مجتش معاك؟ دي سافرت لك امبارح!”
أغمض عينيه بقوة وألم، وتحدث: “هي كلمتك امبارح أو النهاردة?”
هزت رأسها بنفي، وخفق قلبها بشدة وهي تجلس أمامه. ولا إراديًا، أُغرورقت عيناها بالعبرات: “ليه؟ إيه اللي حصل؟ مش فاهمة حاجة. وليه جاي من غيرها؟ حصلها حاجة؟ رفضت رجوعكم؟ كانت عاملة لك مفاجأة ومصممة ترجعك معاها؟”
تحامل ونهض من مجلسه، وقلبه يعصره من شدة الألم والوجع لرؤية دموع معشوقته التي ذبحها هو أمام ناظريها بسكينة ألم أمس. لم ينبس بحرف. اتجه فقط إلى الباب، لحقه وليد بقلق: “طمني، إيه حصل؟”
“هفهمك كل حاجة، بس ألاقيها الأول قبل ما تضيع مني!” أخرج الكلمات بصعوبة وغادر.
رجع إلى همسة، فوجدها تبكي وتشهق. نظرت له بتوتر، ونطقت:
“بكلمها التليفون مقفول. قلبي مقبوض يا وليد. كانت بتكلمني آخر مرة فرحانة، وأنا اللي قولتلها إنه هناك في الغردقة. سمعتك بتقول لعامر لما كنت قاعد جنبك: ‘إن عاصم هناك. يا رب، جيب العواقب سليمة.’ هتكون بس راحت فين؟ مي؟ اه، هكلمها، ممكن تكون راحت لها…”
هاتفت مي بسرعة حتى ردت الأخيرة:
“حبيبتي، عاملة إيه؟ هموسة?”
همسة وصوتها مرتعب، دخلت مباشرة في الحديث:
“مي، سيلا كلمتك أو جتلك؟”
بفزع، ردت الأخرى بصوت عالٍ وقلق:
“سيلا؟ لا، مكلمتنيش إلا لما وصلت. وبلغتني إنها وصلت الفندق. ومش راضية أكلمها. قولت أكيد يتعاتبوا مع بعض. ليه؟ فيه إيه؟”
بدأ صوتها يختنق أكثر:
“عاصم رجع من غيرها. بيسأل عليها عندي، وتليفونها مقفول. وهو في حالة غريبة وانهيار. معرفش حصل إيه. أنا عاوزة أطمن على أختي. لو عرفتي حاجة، كلميني. سلام دلوقتي.”
وضعت مي يديها الاثنتين على وجهها، وهمست باسمها:
“سيلا! يا خبر، رحتي فين؟” وحاولت مهاتفتها، وأيضًا دون جدوى. “ياريتني جيت معاكي. مكنتش سبتك لوحدك.”
نهضت من مكتبها على عجل، ودلفت إلى المدير تستأذن للرحيل. فقط انهار جسدها ولم تقوَ على التواصل في العمل، وغادرت بعدها.
…
بعد مرور يومين، لم يُعثر على سيلا، وسادت حالة من التوتر والقلق بين الجميع. الكل مترقب وينتظر أي جديد، حتى أتت مكالمة إلى همسة من رقم مجهول. ردّت بترقّب، فسمعت صوت فتاة ما…
بعد أن استمعت لما أرادت الفتاة إبلاغها، سمعت صوت أختها تتحدث إليها، ثم نبهتها بتحذير شديد عن أمر ما:
“همسة، تعالي إنتي ووليد، خدوني من هنا. بس ورحمة بابا وماما، ما تقوليش لعاصم حاجة عني. هزعل، وعمري ما هكلمك تاني، فاهمة؟”
ردّت عليها همسة، وهي في حالة من الخوف والفرحة في آنٍ واحد، دون أن تفهم الكثير، لكنها أجابت:
“حاضر، مش هقوله، بس إنتي كويسة؟ طمنيني… هكلم وليد ونيجي لك على طول.”
ردّت سيلا، متحاملة على الألم، ولم تُرِد أن تُصدِمها الآن:
“آه يا حبيبتي، متقلقيش مستنياكي… سلام.”
لم تُرِد همسة إنهاء المكالمة، كانت تريد أن تُحادثها حتى وصولها. بكت من فرحتها وحزنها وقلقها عليها، ثم أجرت مكالمة على وجه السرعة لإبلاغ زوجها بالحضور فورًا، مع تحذيره مما قالته لها سيلا.
بعد ساعة، حضر وليد:
“إنتي متأكدة إنها في الغردقة؟”
ردّت همسة:
“هي كلمتني، وقبلها ممرضة قالتلي اسم المستشفى. وليد، محلفاني برحمة أمي وأبويا ما أقولش لعاصم حاجة. ذكرتك إنت بس، وأنا وإنت هنروح نشوفها ونجيبها. عملت حادثة، وهي لوحدها هناك… آه يا قلبي. أنا هودي همس عند مي وإحنا ماشين، مفيش وقت.”
قال وليد:
“تمام، يلا جهزيها وجهزي نفسك، عبال ما أكلم مكتب الطيران… ذهاب وعودة.”
عند سيلا، أغلقت الهاتف مع أختها، فربّتت عليها الممرضة قائلة بحنان:
“شِدّة وتزول إن شاء الله، لو احتجتي حاجة…”
ثم جذبت حبلًا معلقًا في الحائط ووصلته بيد سيلا، وتابعت:
“دوسي هنا، هاجيلك فورًا، ماشي يا قلبي.”
هزّت سيلا رأسها دون أن تتكلم، فلم يكن لديها طاقة بعد أن أفاقت من غيبوبتها وصُدمت من حالتها.
خرجت الممرضة وهي حزينة على حال تلك المسكينة وطيبتها. لم تشتكِ على صاحب السيارة التي اصطدمت بها، لكنه دفع حساب المستشفى بالكامل على نفقته وغادر.
سألتها صديقتها:
“مالك يا بت يا منة؟ زعلانة ليه كده؟”
ردت منة بحزن:
“اسكتي يا نورا، الحالة دي تقطع القلب. ربنا يكمل شفاها على خير. دي يا حبة عيني قلبها وقف في العمليات مرتين، غير النزيف الداخلي في دماغها، ودخلت في غيبوبة. بس الحمد لله، مَطّولتش، فاقت بعدها بيومين. ورجليها الشمال متجبسة بالكامل، وإيديها كمان. بس عارفة؟ السبب شكله جوزها هو اللي بوّظ حالتها.”
ردت الأخرى:
“إزاي يعني؟”
منة:
“أنا سمعت صاحب العربية، أول ما جابها سايحة في دمها، بيقول كانت بتجري في نص العربيات، مش شايفة قدامها.”
ردت نورا بفضول، فهذه عادتهم، يحبّون معرفة كل شيء عن أي حالة تدخل وتخرج:
“وإنتي عرفتي منين إن جوزها السبب؟”
منة:
“أنا سمعتها وهي بتكلم أختها وبتقولها اسم واحد كده، وبتحلف لها إنه ما يعرفش حاجة. بقولك شكله هو، والله أعلم… رجالة نكد.”
ردت نورا:
“ربنا يشفيها. ويلا على شغلك بقى، مش ناقصين حد يطلع لنا ينطر ويشخط فينا.”
“يلا يا ختي.”
…
كانت رجلياها بالكاد تحملانها وهي تقترب من باب الغرفة، قلبها بين دقّة ودقّة تصرخ باسم سيلا.
دفعت الباب بهدوء لكن عيناها سبقتها بالدخول، و… اختنقت أنفاسها.
جسد أختها المغطّى بالجبس، ذراعيها وساقها، حتى رقبتها ملفوفة بالشاش، وجهها شاحب ومرهق، ونظرتها… يا رب، النظرة دي مش نظرة سيلا….
اتجمدت في مكانها لحظة، وبعدين جريت ناحيتها، جلست على طرف السرير، لمست جبينها، قبلته وهي تمسح دموعها:
“حبيبتي، ألف حمد الله على سلامتك يا قلب أختك.”
ابتسامة واهية مرسومة بصعوبة:
“همس… حبيبتي، معلش، جبتك بسرعة كده وخضيتك… حقك عليا يا قلبي.”
صوتها كان مكسور، مش بس من التعب… ده صوت قلب اتكسر.
همسة حاست بغصة خنقتها، بس حاولت تتمالك:
“إيه اللي بتقوليه ده؟ المهم إنك بخير، حاسة بإيه؟ فيه حاجة وجعاكي؟ قوليلي يا سيلا.”
سيلا ابتسمت ابتسامة فيها وجع الدنيا كلها:
“الحمد لله… مفيش وجع… أنا خدت على الوجع من زمان.”
جملة سيلا خبطت في صدرها زي طوبة. افتكرت كل حاجة… الكيماوي، التعب، المحنة اللي عدوها فيها سوا. لكن النهاردة… فيه حاجة تانية، فيه كسر أعمق من المرض.
حاولت همسة تطبطب، تطمن، تلمّها زي زمان… بس كانت بتنهار وهي بتتكلم:
“بكرة تتحسني وتبقي زي الفل إن شاء الله… بس ليه مش عاوزة عاصم يعرف؟ ده كان هيتجنن عليكي، وكان…”
وفجأة… صرخة سيلا قطعت الكلام وقلوبهم الاتنين:
“إياكي! إياكي يعرف اللي حصلي! والله لو عرف، هيكون القطع بينّا… فاهمة؟ عاصم مات بالنسبالي… مـــات! عاصم ماااااااااااااااات!
سكتت سيلا، وعينيها طالعة في السقف، وكأنها شايفة وجعها هناك.
وهمسة، صدمت من أنهيارها ولم تفهم شيئا…
تحاول تهدئتها، تربت على رأسها وتُقبّلها وهي تبكي لصراخها وانهيارها:
“حقك عليا، خلاص، اهدي عشان خاطري… خلاص.”
دلفت الممرضة إثر صوتها المرتفع:
“فيه إيه؟ من فضلك، ممكن تطلعي برّه؟ المريضة تعبانة ومحتاجة ترتاح، ممكن؟”
همسة تتحدث بتوسل:
“خلاص، مش هتعبها ولا هتكلم، آسفة… بس سيبيني معها شوية.”
ردت الممرضة بحزم:
“مش هينفع، أنا هديها مهدّئ وهتنام، من فضلك علشان أقدر أشوف شغلي.”
خرجت همسة ودموعها تشق وجنتيها، تقابلت مع زوجها الذي بدا عليه القلق الشديد.
احتضنها وجلس معها في صالة الانتظار، وسألها بقلق:
“مالك؟ بتعيّطي ليه؟ مش شوفتيها… كويسة؟”
ردت بانفعال:
“لأ، لأ… مش كويسة خالص يا وليد.”
ثم أكملت بانهيار وتوتر:
“دي… دي بتقول إن عاصم مات! بتقول محدش يجيب سيرته قدامها ولا يعرف عنها حاجة، وإلا هتقطع علاقتها بأي حد! في إيه يا وليد بينهم؟”
وليد، وقد بدا عليه الذهول، أجاب:
“مش عارف والله… هو قالي لما يلاقيها هيفهمني.”
نظرت إليه همسة بترقّب وتحذير:
“وهتقوله؟!”
يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول 1من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني 2من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثالث 3من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا