رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل الثامن وعشرون 28بقلم شروق مصطفى حصريه
رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل الثامن وعشرون 28بقلم شروق مصطفى حصريه
28 قبل الأخير🔥
جمر الجليد الجزء الثالث حصري بقلم شروق مصطفى الفصل الثامن والعشرون
هديلك فرصة تانية... أخيرة، يا معتز، لو رجعتلي ابني اللي ق.تلته في بطني. قت.لت روح كانت لسه بتنبض جديدة على الحياة، وأنا مكنتش أعرف إن فيّ طفل بعد ما سح.لتني من شعري لحد باب الشقة... فاكر؟ بعد ما ض.ربتني عشان رسايل انت اللي كاتبها، زي ما بتقول! تصور... إنت قا.تل يا معتز، قا.تل متخيل أنت جرحت فيا أزاي وراجع بعد ما داويت نفسي ونار هديت وتحولت رماد راجع تتأسف! وتقول بحبك! حب ايه دا نفسي أعرف الحب في نظرك أيه؟
تطلّعت إلى صدمته، واسترسلت في توجيه طعنات بلا رحمة كأنها كانت تنتظر تلك اللحظة أبتلعقت مرارة بحلقها:
ـ أه أكتشفت إني كنت حامل، في أربعين يومًا... للأسف، اللي كان بينا عمره ما هيرجع تاني. أنا عطيتك قبل كده فرصة، لكن إنت ضيعتها، وصعب أعيدها تاني، وصعب أأمنك من جديد، مع شخص لا يعرف الأمان. إنت قت.لت ابنك، وكنت هتكون أب أناني محبش غير نفسه.
صُدم مما سمع، ولم يصدق أذنيه، وقد فهمت من نظراته أنها بلغت غايتها؛ أشعلت النيران في صدره، وتركت فيه الندم ينفجر. توقفت بعد أن ألقت قنبلتها في وجهه، وتحدثت وهي تشير إلى قلبها، بينما وقف هو كتمثال فقد الحياة:
ـ عارف أنا جيت قابلتك ليه؟ هقولك... عشان أتأكد إن قلبي، بالنسبالك، مات. يا معتز، فاهم؟ ماااات... ومابقتش دقاته بتتحرك لما يشوفك أو يلمحك أنا جيت أنهاردة أتأكد أنك مش فارق معايا أنا نسيتك... فرصة سعيدة، ويا ريت ما تتكررش تاني أني أشوفك... آه، نسيت صحيح... حمد لله على سلامتك.
غادرت من أمامه بثبات لا يتزعزع، لم تهتز ولم تلتفت وراءها.
وقف معها يتطلع لأثارها وهي تغادر صامتا مذهول اي كلام يقال بعد ذلك، جلس لم تستطيع قدماه تحمله وقع منهارًا، يردد ما سمعه في صدمة:
ـ قا.تل... أنا قا.تل... قت.لت ابني... أنا ق.تلت روح كانت لسه بتنبض للحياة. أنا السبب... ق.تلت ابني اللي كنت مستنيه من سنين... آه يا ريتني متّ هناك قبل ما أتق.تل هنا... آه!
صرخ وهو يمسك رأسه بيديه، هرول كل من عاصم وسيلا إلى مصدر الصوت، والتفت الجميع إليه، فأخذه عاصم مغادرًا المكان، فيما ظل الآخر يهذي:
ـ ق.تلت ابني يا عاصم... قت.لته... أنا ماستهلش أعيش... مي سابتني... وابني مات بسببي... آه يا رب.
ركبه عاصم داخل السيارة، وما زال معتز تائهًا، يبكي في صمت.
ركبت سيلا بالمقعد الخلفي، وقاد عاصم السيارة، متحدثًا إليها:
ـ هي قالتلك على الموضوع ده قبل كده؟
هزّت الأخرى رأسها نافية:
ـ أول مرة أسمع منه... معرفش.
قال بقلق:
ـ طيب كلميها، شوفي كده... إيه الكلام ده؟ ما قالتش ليه؟ كلميها دلوقتي.
حاولت تهدئته، بينما ظل معتز في حالته يهذي ويندب بندم وانهيار. تحدثت وهي تشير إلى حالته:
ـ هكلمها... بس مش دلوقتي، يا عاصم. كلم الدكتور ييجي يشوفه.
---
مكنش لازم تسيبيها تروح يا أمي، خلصنا خلاص، مكنش فيه داعي بقى.
هتفت نبيلة إليه بقلة حيلة:
يا بني، صممت تقابله، قالتلي عشان نقفل الصفحة دي نهائيًا... بس هي في دماغها حاجة، ومش هترتاح إلا لما تعملها. طيب بسّ بسّ، لحسن باين لها وصلت.
تنفّست الصعداء بعد ذلك اللقاء، وكأن جبلًا ثقيلًا قد أُزيل عن صدرها أخيرًا. دخلت إلى منزلها بخطى مثقلة، فوجدت والدتها وأخيها جالسين سويًا. ما إن رآها الأخير حتى هتف باسمها، وقد اتسعت ذراعاه لاحتضانها حين لاحظ الحزن المرتسم في عينيها.
ارتمت بين ذراعيه باكية، فحدثها بعطف:
ليه رحتي يا حبيبتي؟ مكنتيش عملتي كده طالما هتتعبي بالشكل ده.
قالت الأم بنبرة ذات مغزى:
ارتحتي دلوقتي لما عرف؟ طيب بتعيطي ليه دلوقتي؟
تملّصت من بين ذراعي أخيها، تمسح بقايا دموعها، وتبتسم بوجع:
كان لازم أوجعه زي ما اتوجعت، وحرّق قلبي على ابني. مش بعيط علشانه، ببكي عشان الحمل اللي كنت شايلاه لوحدي... خف، أنا بقيت كويسة جدًا دلوقتي، متقلقوش عليّ. أنا داخلة أوضتي أرتاح شوية، عندي صداع... معلش يا هيثم.
ألف سلامة عليكي يا ميوي، اتفضلي، ولو احتجتي مني أي حاجة أنا موجود.
هزّت رأسها بابتسامة لم تصل إلى عينيها، ثم
دلفت إلى غرفتها وارتمت على الفراش، تحتضن وسادتها وتكتم نحيبها. لم تتأخر نبيلة في اللحاق بها، فجلست إلى جوارها، تمرر يدها فوق رأسها برفق، وقالت:
"انسيه يا مي، انسيه وعيشي حياتك، مش هتقف عليه. واحمدي ربنا إن ده حصل، إلّا مكنش سابك لو كان معاكي عيل؟"
ردّت مي، بصوت مرتعش يثقله الألم:
"أنا كنت عايزة أعيش وأكمل حياتي زي أي حد... بيت هادي وأسرة وأطفال.
حرمني من كل حاجة... ملحقتش أفرح.
أنا زعلانة على نفسي أوي يا ماما.
كنت فاكرة إني حاجة كبيرة أوي في حياته، لكني اكتشفت إني ولا حاجة بالنسبة له، وإني مجرد شيء تافه في حياته... للمتعة بس.
وفي وسط ألمه وحزنه ما شاركنيش، ولا كأني معاه."
خرجت شهقاتها حارة، ونبيلة تواصل تهدئتها، تمسد على ظهرها بحنان، بينما استرسلت مي:
"كان بيحاول يطردني من حياته، مع إني كنت راضية والله...
هي فعلاً طردني، أنا وابنه، بره حياته...
فكرني لعبة بيحرّكها."
ضمتها نبيلة إلى صدرها، تمسح على شعرها بحنوّ وقالت:
"انتي خسارة فيه والله... مين ده اللي واخدك متعة؟! الكلمة دي كل شوية تقوليها؟
دي انتي جواكي أبيض ونضيف، وألف واحد يتمنا رضاكي.
شوفتي بنفسك ربنا العدل، إزاي شفاه وراجِع ندمان على اللي عمله؟
ربنا مش بيرضى بالظلم أبدًا..."
ثم نهضت، تربّت على كتف ابنتها، وتابعت:
"قومي يلا، مش عايزة أشوف دموع في عنيكي.
استغفري ربنا وصلي ركعتين شكر لله.
أنا عاوزة مي بتاعت زمان، اللي كلها شقاوة ومرح، مش ضعيفة ومهزوزة كده.
انتي... ربنا بيحبك بجد.
هقوم أشوف لهيثم أقعد معاه قبل ما يمشي،
وانتي خلّصي وتعالي اقعدي معانا بره."
غادرت الغرفة، وتركتها تمسح ما تبقى من عبراتها، شاردة الذهن، تائهة في أحداث ذلك اليوم.
"كانت وحدها في الغرفة، تبكي بصمت على ما آلت إليه حياتها معه، والوجع يعتصر قلبها. لم تنتبه لصوت الباب حين فُتح، ولا لخطواته التي اقتربت، فقط شعرت بملمس أنامله على خصرها وهو يقرّبها إليه، يستنشق رائحتها هامسًا بشوق:
بحبك... وحشتيني... سامحيني.
لم يكن منها سوى النحيب، فقلبها كان لا يزال مثقلاً بحزنه وجفائه. ضمّها إليه أكثر، احتضن ظهرها بأنامل مرتجفة، ثم دار حولها ليواجه وجهها، يحيط به بكفيه ويقبّله بشوق ولهفة، وما زال همسه يخترق أنفاسهم المرتبكة:
آسف... بحبك... وحشتيني.
لم تكن تطلب سوى الأمان والدفء، فتركت مشاعرها له، واستسلما معًا لعالم آخر، عالم كانت قد افتقدته طويلًا، واشتاقت لاحتضانه بكل جوارحها.
في الصباح، استيقظت وابتسامة عذبة تزيّن وجهها، تتذكّر تفاصيل الحلم الجميل الذي عانق روحها. لكن سرعان ما أيقنت أنه لم يكن حلمًا. نظرت إلى جوارها فلم تجد له أثرًا. نهضت بلهفة، يحدوها شوق لرؤيته، لاحتضانه من جديد. أرادت أن تعاتبه، أن تحادثه، أن تسمع منه كلمات الحب والغزل.
لكنها تفاجأت بجموده... بجفائه. حاولت أن تتقرّب منه، أن ترسم على وجهها بسمة تمحو ما بينهما من فجوات، وهتفت بخجل:
"صباح الخير يا حبيبي... عامل إيه النهارده؟"
رفع عينيه إليها بنظرة أرعبتها، فتراجعت خطوة للخلف. ألقى سيجارته من يده، ثم نفث دخانها في وجهها قائلاً بجمودٍ قا.تل:
"أوعي تفكّري إن اللي حصل بينا ده يدّيلك حق إننا نرجع زي زمان.
أنا مستني حاجة كده، وبعد كده كل واحد يروح لحاله.
كنتي بالنسبالي هدف... ووصلتله. خلاص.
اللي حصل غلطة، وكل اللي قولته تمثيل.
ويلا... غوري من قدّامي!
صرخ في وجهها بصوت جافٍ قاسٍ، فركضت إلى الداخل، تواصِل بكاءها. لم تفهم لِمَ يفعل بها كل هذا، ولا من أين أتى بكل هذا الكره. تساءلت بينها وبين نفسها: ماذا اقترفت؟ ماذا فعلت ليستحق قلبها هذا الانهيار؟
مسحت دمعة كانت على وشك السقوط، تمتمت لنفسها بصوتٍ خافتٍ يحمل مرارة الإدراك:
سبحان الله... كان ليك حكمة يا رب...
إني أتأخّر في الإنجاب، ويوم ما يحصل... يكون بإيده موت حلمنا سوا مش هو ده اللي أبكي عليه... كفاية بكا... على حاجة.
من النهارده... هكون حاجة تانية"
راحت تحدث نفسها، تحاول أن تقوّيها كلماتها، أن ترمم ما تبقّى من روحها المنكسرة. لم تلتفت إلى هاتفها، ولم تعد تملك طاقة الحديث مع أي أحد. ثم، شيئًا فشيئًا... غفَت.
..
في صباح اليوم التالي، هاتفها مازن ليطمئن عليها. وبعد تبادل السلام والتحيات، أخبرها بما حدث لمعتز من صدمة وهذيان وصراخ عقب مغادرتها.
ردّت بفتور، وقد خلت نبرتها من أي تعاطف:
طيب... كويس إنه بيحس زينا.
استمعت إلى حديث مازن بينما تبتسم بثقة من استعاد ذاته، قالت بهدوء:
كله بفضلك يا دكتور... رجعت ليّا ثقتي في نفسي، الحمد لله مضطرة أقفل دلوقتي، داخلة الجريدة مع السلامة.
وما إن دخلت حتى قابلت سيلا. وما إن رأتها الأخيرة حتى نهضت من مكانها على الفور، تقترب منها وتعاتبها بنبرة حنونة معاتبة:
زعلانة منك على فكرة.
زفرت مي أنفاسًا حارة متتالية، أطلقتها ببطء، كأنها تحاول التخلص من بقايا كابوس لا يزول، وأجابت بضيق:
ـ مني؟ ليه يا سيلا؟ عملت إيه يزعلك بس؟
قالت سيلا بنبرة جادة:
ـ يعني مش عارفة؟
صحيح اللي قولتيه لمعتز؟ انهار يا بنتي!
ليه ماقولتيش لحد فينا؟
أجابت مي بنفاد صبر:
ـ أقول إيه؟ ولمين؟ وهيفيد بإيه لو قولت؟ هيرجع؟
ده اللي قولته لمعتز أمبارح... لو رجع لي ابني، هرجع له.
بس خلاص، راح، واللي بيروح ما بيرجعش يا سيلا.
اللي كان هيربطنا راح، وهو السبب فيه.
ومن فضلك، لو فعلًا عاوزة صداقتنا تكمل، يبقى ما تتكلميش معايا عنه تاني، لأني قفلت صفحة معتز نهائي.
هتفت سيلا برجاء، وعيونها تمتلئ بالصدق:
ـ مي، طيب فاكرة لما كنت ههد بيتي، وجيتي تقوليلي إن الحب الحقيقي ما يتهزش من أول هزة، وإن عاصم بيحبني؟ إنتي كان عندك حق حاولي ترجعوا لبعض، طيب؟
فاكرة لما كنت خايفة عليكم وعلى همسة وقت مرضي؟ وهربت من كل الناس؟
سبت الدنيا كلها، بس ربنا بعت لي عاصم،
فضل معايا، شدني من ضهري وأنا بوقع...
يمكن معتز... ما لقاش طريقة غير إنه يبعدك.
بلعت ريقها بعدما وجدتها تنظر أرضًا بصمت، فأكملت حديثها:
ـ مي، ده خوف عليكم من مصير مجهول.
هو عمل زيي...حاولي، عشان خاطري، حطي قدامك اللي عمله، خوف، مش أكتر.
قطعتها الأخيرة أخيرًا:
ـ بس عاصم مهربش وسابك تتوجعي.
وكمان كنتي لوحدك، وبرده ما تخلاش عنك.
وقف في مرضك قبل الحلو،
كنتي عنيدة آه وقتها، لكن استسلمتي له لما حسيتي بصدق حبه القو ولأ، في فرق بينا.
مكنتيش رامية ظهرك على راجل بينك وبينه رباط حياة لكن أنا... كنت زوجة، وكان المفروض نكون سند وسكن لبعض.
سكتت لحظة، ووجهها ما بين الغضب والانكسار، ثم قالت بجفاف:
ـ هو اختار يخليني أكرهه، وقال على ده حب؟!
لأ يا سيلا، الحب عمره ما بيتبني على الخوف،
ولا على كذبة مؤلمة بالشكل ده.
أنا صدقته مرة، وغفرت له، وعطيت له فرصة زمان،
بس مش ناوية أغفر له إنه شافني نقطة ضعف في حياته.
وقفت، وكأنها تنفض كل شيء من على كتفها، ثم اختتمت الكلام بهدوء قاتل:
ـ بلاش يا سيلا...
اللي بيني وبين معتز انتهى.
مش استسلام... دي نجاة.
صمتت سيلا، ولم تجد حرفًا واحدًا يمكن أن يُقال بعد ذلك.
أما مي... فكانت قد أغلقت الباب الأخير، دون ندم.
بعد مرور عدة ساعات، انتهى يوم العمل أخيرًا. خرجوا معًا من مبنى الجريدة، إلا أن مي تأففت بضيق، تمتمت بصوت خافت وقد ارتسم التعب على وجهها:
اليوم شكله مش هيخلص... وشكل الأيام كلها كده.
جذبتها سيلا من ذراعها قائلة:
تعالي... عاصم هيوصلك وإحنا على سكّتك.
سحبت مي ذراعها، وهما يقفان أمام السيارة، وهتفت بإصرار:
"لأ، اركبي إنتِ... أنا حابة أتمشى لوحدي شوية.
في تلك اللحظة، ترجل عاصم من السيارة، وتحدث بلطف:
إزيك يا مي؟ اركبي يلا نوصلك.
أشارت له بيدها وهي تتجه وتغادر بعيدا عنهما:
مرة تانية إن شاء الله... سلام.
ركبت سيلا بجوار زوجها، الذي قال بتهكم وهو يراقب مي تبتعد:
مالها مي؟ أخدت في وشّها ومشيت على طول!
رفعت سيلا منكبيها بعجز، ثم قالت:
معرفش... بس هي مش مستحمّلة حد يجيب سيرة معتز قدّامها، حتى بكلمة.
يمكن علشان كده...
رد عاصم بوجه متجهم وهو يبدأ قيادة السيارة:
قالتلك حاجة عن حصلت أمبارح كلام معتز صحيح كانت حامل؟
هزت راسها بأسف شديد: أه يا عاصم كانت حامل ونسبة رجوعهم مستحيلة
اللي معتز عمله كان صعب حد يستحمله،
ولو فيه ذرة حب، أخوك موته في قلبها
مسح وجهه بغضب، ثم كَوَّر قبضته وضرب بها المقود بقوة، وهتف بانفعال:
غبي... غبي ضيّع حياته في لحظة غباء منه!
آه لو بس كان جالي وقالّي على حالته...
استغفر الله العظيم يارب
وضعت سيلا يدها على ذراعه لتهدئته:
اهدى يا عاصم...
إحنا بشر، ووارد نغلط المهم نتعلم من غلطنا.
خليك جنب أخوك، ما تسبهوش لوحده.
هو دلوقتي محتاج سند، حتى لو غلط.
ولما يحس إن في حد جنبه، أكيد هيتخطى المحنة دي أكيد أخد درس عمره ما هينساه،
ويا رب، ربنا يلين قلوب الناس،
وجايز يلين قلوبهم من جديد...
ويكونوا لبعض من تاني مين عالم
قطع تواصلهما صوت رنين هاتف عاصم، كان المتصل صديقه بدر.
حبيبي! فينك؟ عامل إيه؟
بعد أن تبادلا السلام، صمت عاصم قليلًا، ثم ضرب جبهته بكفّه متأففًا، وقال:
نسيت أقولك خالص...مش لاقيها من آخر مقابلة بينا.
اتلهيت في كذا حاجة كده... آسف يا صاحبي.
طيب، لو معاك الصورة، ابعتها لي واتساب،
أحسن. تمام... هستناك مع السلامة يا حبيبي.
أغلق عاصم الهاتف وهو يزفر ببطء، ثم التفتت إليه سيلا مستغربة، وسألته:
"مين ده؟ ونسيت إيه؟
أجاب وهو يعيد الهاتف إلى موضعه:
واحد صاحبي من زمان، كان مكلفني أدور على حبيبته. مديني صورة ليها، أو بالأصح رسمة هو رسمها بإيده من أكتر من عشر سنين.
رفعت سيلا حاجبيها بدهشة حقيقية:
رسمة؟ وبتدور عليها برسمة؟ يعني إزاي؟! دي حاجة شبه مستحيلة!
ضحك بخفة، محاولًا أن يخفف من وطأة الأحداث التي مرا بها مؤخرًا، وهز رأسه قائلاً:
أيوه، بس الدنيا اتغيرت يا سيلا. دلوقتي فيه برامج وأجهزة بتقرّب ملامح الأشخاص وبتحوّل الرسمة لصورة شبه واقعية. وفيه ناس متخصصين في المجال ده. هو كان متعلق بيها أوي، وبيدور عليها من ساعتها. بيقول إنها كانت حاجة مختلفة، وكان حاسس إنها هتكون ليه يوم من الأيام، لكن فجأة أختفت.
نظرت إليه سيلا مطولًا، تتأمل ملامحه وقد ارتسمت على وجهها علامات الحذر، ثم سألت بهدوء:
ومفيش أي معلومات عنها؟ اسم، عنوان، بلد؟
هز رأسه نافيًا، وأجاب بنبرة يغلفها الحنين:
اسمها دهب. الحاجة الوحيدة اللي حافظ عليها إنه سمّى بنته على اسمها. بيقول إنه أنقذها من الغرق وهي طفلة عندها عشرة سنين، وهو كان في بداية العشرين. اختفت فجأة من حياته، ووقف حياته عليها لحد ما اتجبر على الجواز. اتجوز وخلف، ومراته ماتت. ومن وقتها، قلبه مقفول عليها ولسه محتفظ بالرسمة، على أمل إنه يلاقيها.
سادت بينهما لحظة صمت ثقيلة، تبادل خلالها نظرات حائرة، قبل أن تهمس سيلا بصوت خافت:
ولو قابلها بعد السنين دي، مش جايز تكون اتجوزت أو مش فاكراه أصلاً؟
رد بنبرة حازمة، تخفي خلفها حزناً دفيناً:
هو عايز يطمن عليها إنها بخير، مش أكتر. لأنها تعتبر يتيمة، رغم إن أبوها عايش. قصة كبيرة هحكيهالك بعدين. اللي أقدر أقوله إن هي عانت بعد موت أخوها يوم أنقذها.
قالت سيلا بخفوت، وكأنها تحدث نفسها:
غريب أوي الحب اللي بيعيش كده... من غير ما يخلص، ومن غير ما يموت.
نظر إليها عاصم بعينين دافئتين تلمع فيهما لمعة صدق نادرة:
هو ده الحب الحقيقي يا سيلا، اللي ملوش شروط ولا منطق. رغم كل اللي مر عليه، لسه بيدور عليها.
"دي روايتي الورقي أسمها" بين ظلال الحب" أبطالها "دهب وبدر" ودا ملخص قصير للاستفسار ابعتولي في تعليقات هرد عليكم
---
مرّ أسبوع على أبطالنا، وكانت حياة كلٍّ منهم تمضي على وتيرتها الخاصة. معتز، ظل حبيس غرفته، لا يغادرها، يجلد ذاته، ويؤنّب ضميره كطفل تائه فقد والديه لم يستمع لأحد، وظل يلعن ضياع حبيبته من يده، لكن ما نفع الندم الآن؟ خرج أخيرًا من غرفته، بدا وكأنه شخص آخر.
لحيته طولت، وملامحه شحبت، وجسده هزل في تلك اللحظة، رآه عاصم وهو يحمل حقيبة بيده، فسأله بدهشة:
معتز! أخيرًا طلعت من أوضتك! إنت ماشي؟ وإيه الشنطة دي؟
وقف معتز قبالته، وقال بنبرة جامدة:
أنا مسافر هستقر في الفرع الجديد في أسكندرية وأتابع الشغل بدل الوكيل محتاج أبعد عن هنا.
صُدم عاصم من قراره المفاجئ:
متأكد من الخطوة دي؟ هتقدر تعملها وتقعد لوحدك؟ خليك وسطنا يا معتز... أحسن."
قال معتز بنبرة هادئة وقد لمعت في عينيه مسحة من التصميم:
هبقى كويس، متقلقش عليا...وبعدين كلها ساعتين بينا، لو حبيتوا تشوفوني، تعالوا.
ربت عاصم على ذراعه بحنان، وهتف قائلاً:
طيب تعالى... هوصلك سيلا كمان نفسها تروح هناك أوي يلا بينا، هطلع أناديها ونروح سوا.
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول 1من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني 2من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثالث 3من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا