القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية خيانه الفصل 19 الاخير بقلم أمل مصطفى حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات

 

رواية خيانه الفصل 19 الاخير بقلم أمل مصطفى حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات





رواية خيانه الفصل 19 الاخير بقلم أمل مصطفى حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات




الفصل الأخير



خرج مالك بها من البول مسرعًا، وصوته يعلو بنداءٍ يائس:


– "خالد، ما تسيبهوش! هاته، ليعمل في نفسه حاجة... هو مش في وعيه دلوقتي!"



نزل خالد إلى الماء لإخراجه، لكنه لم يستطع تحريكه. اقترب منه وتحدث بهدوء، كأنه يحاول أن ينتشله من بين ضلوعه المحطمة:


– "يلا يا عمرو، ريم محتجاك معاها... ما ينفعش نسيبها كده."



رد عمرو بشرود، صوته يتهدج بالألم والضياع:


– "هي عملت كده عشان تنتقم مني... عايزة تعيشني نفس الألم اللي عاشته بسببي. أنا موافق تمثل عليّ، بس بلاش تبعد عني..."



هز خالد رأسه نافيًا، وهو يتحدث بإخلاص وصدق:


– "ريم بتحبك... ومش ممكن تبعد. يلا نلحقها، هي محتجاك دلوقتي أكتر من أي وقت."


❈-❈-❈



وصل مالك إلى المستشفى وهو يحملها بين ذراعيه، يسابق الزمن بنبضات قلبه المرتعشة. أسرع بها الأطباء، وانطلقت صافرات الطوارئ في المكان.


بعد الفحص والأشعة، خرج الطبيب يردف بأسى، وعيناه تبوحان بما يعجز اللسان عن النطق به:


– "هي تعتبر ميتة إكلينيكياً... إحنا حاولنا ننعش القلب، وسحبنا المياه من على الرئة. حالتها صعبة جداً... لو مش مستحيلة.


لكننا بنحاول لآخر لحظة. لو في أي تجاوب، حتى لو بسيط، يبقى خير... لو ما فيش، يبقى البقاء لله."



اقترب مالك بقلق، يتوسل لبصيص أمل، وقال:


– "خير إن شاء الله، بس لما جوزها ييجي... بلاش يعرف الحقيقة دلوقتي. طمنوه، لأن حالته النفسية مش متحملة أكتر من كده."



❈-❈-❈


دخل عمرو إلى المستشفى برفقة خالد، لا يعلم ما الذي ينتظره خلف تلك الأبواب البيضاء، ولا إن كانت قد فارقته إلى الأبد أم أنفاسها ما زالت .



لقد جسّ نبضها وهو يحتضنها، لكنه لم يشعر بشيء... لا نبض، ولا روح.



سأل عن غرفتها، فأشار له مالك نحوها دون أن ينطق، و كأن الكلام قد هرب من شفتيه.



تحرك عمرو بخطوات مثقلة، كل خطوة تحمل ندماً، كل ثانية تمرّ كأنها دهر.



فتح باب الغرفة بهدوء، ثم توقف فجأة... كأن المشهد أمامه لطمة على وجهه.



كانت هناك، ممددة على الفراش، ذابلة، و كأن الحياة قد غادرتها بصمت.



جسدها موصول بعدد لا يحصى من الأنابيب و الخراطيم، وجهها شاحب، ملامحها ساكنة... بلا حراك.



اقترب منها ببطء، وعيناه تمتلئان بعبرات خفية، ثم جلس على طرف الفراش يتأملها بصمت مؤلم.


تذكر أول لقاء بينهما... كانت كزهرة ناعمة، مشرقة، تبعث الفرح والدفء في كل من يراها.


قطفها بيديه، دون اهتمام أو رعاية حتي ذبلت أمام عينيه .



يا لقسوة البشر...


لماذا لا يتركون الزهور على أغصانها، ينعمون بجمالها دون أن يؤذوها؟



من أين جاءوا بكل هذا الجبروت؟



هي من أسعدتهم، ومنحتهم البهجة، وهم لم يمنحوها سوى الألم والخذلان... حتى قتلوها ببطء.



انحنى على جبينها، قبّله بحنان بالغ، وهمس بوعد:


 "أنه سوف يبحث عن راحتها فقط ولو علي حساب نفسه ."



توسّل في سره أن تفيق، أن ترُد له روحه الضائعة بين الألم والذنب، أن تحرك جفنها فقط، أو تسعل، أو تئن، لتثبت له أنها ما زالت هنا، جواره.



جلس بجانبها لا يتحرك، لا يتكلم، فقط يُحدّق في صمتها الثقيل، وصوت الأجهزة من حوله كأنها تُدقّ داخل قلبه... قلبٌ أرهقه الزمن منذ أن كان فتى يافعًا، وها هو اليوم يجني ثمار قسوته... وحده.



❈-❈-❈



أعرب خالد لصديقه عن قلقه، لأن عمرو في الداخل منذ قرابة الثلاث ساعات.



تحدث مالك قائلاً إن ذلك أفضل له، فقد يكون في وجوده معها الشفاء لقلبه وعقله من وساوس الماضي المؤلم.



كم تمنى له حياة طبيعية مثل الجميع، فمن منا لم يُقابل مشاكل في حياته؟



لكن مشكلته مدمرة للروح والجسد، وليس لها علاج إلا على يد إنسانة حنونة رقيقة مثلها، ترد له ثقته التي فقدها في النساء جميعًا.



❈-❈-❈


أتى الطبيب ليطمئن على الحالة، فطلب منه خالد أن يطرق الباب قبل الدخول.



فعل الطبيب كما طُلب منه، لكنه لم يتلقَ أي رد. طرق الباب مرة أخرى، لكن الصمت ظل سيد الموقف.



نظر الصديقان إلى بعضهما بتوتر، فتوجه مالك إلى الباب وفتحه بهدوء.



وجده جالسًا بجوارها، يحتضن يدها ويضع رأسه عليها في صمت مؤلم.



أخبره بأن الطبيب يريد الدخول، فرفع عمرو رأسه ببطء ونظر إليه بعيون خالية من أي مشاعر... كأنه فقد القدرة على الإحساس تمامًا.



أذن له مالك بالدخول ليقوم بعمله.



 اقترب الطبيب وأجرى الكشف وتابع مؤشرات الأجهزة، بينما كان الضيق والحزن واضحَين على ملامحه، في مشهد لا يُبشّر بخير.



لم يرغب مالك في سؤاله أمام عمرو حتى لا يزيد من ألمه، فخرج معه خارج الغرفة وسأله بصوت منخفض.



أردف الطبيب بحزن:


– "لا توجد أي إشارة تدل على وجود حياة... لكننا لن نستسلم. سنفعل كل ما في وسعنا."



❈-❈-❈



جلس خالد خارج الغرفة شاردًا، غارقًا في أفكاره التي أثقلته. كان يتساءل بقلق عن ردة فعل زوجته إذا علمت بما حدث لصديقتها...



بالتأكيد، ستُلقي اللوم عليه، هو وعمرو معًا.



زوجته التي لم تتقبل عمرو يومًا، مهما حاول تبرير الأمور.



يشعر بالقلق عليها وعلى جنينها، يخشى أن تكون صدمتها ورعبها من فقدان صديقتها 


 أو بالأحرى توأم روحها – 



أقوى من أن تُحتمل.



حتى مجرد الحزن والتعب النفسي أشعل النار في قلبها وروحها، وجعله يشعر أنه المرتبة الثانية في حياتها بعد ريم.



هذا الموقف جرحه بشدة...



فكيف سيكون رد فعلها إن علمت أنها قد تخسرها للأبد؟



"هاي، رُحت فين يا بُني؟"



فاق خالد من شروده على صوت مالك يسأله، فهز رأسه كأنه يحاول استيعاب الموقف.



– "الدكتور قال إيه؟"



تنهد مالك بحزن، وأجاب:


– "الحل عند ربنا... كنت سرحان في إيه؟"



خرجت من خالد تنهيدة ثقيلة، وهو يرد بصوت أقرب إلى الهمس:


– "خايف من رد فعل المجنونة مراتي... دي خاصمتني أسبوعين لمجرد إن ريم ما كانتش بتتكلم! تخيل بقى لو عرفت اللي حصل...



 ممكن يجرالها حاجة، هي وبنتي اللي بحلم بيها كل ليلة! أعمل إيه؟ أقول لها؟ ولا لأ؟



ولو ما قلتش وحصل لها حاجة... هكون بخرب بيتي بإيدي!"



أردف مالك بإشفاق وهو يعلم جيدًا مدى جنون زوجته:


– "اصبر لبُكرة، يمكن الحالة تتحسن... ساعتها بلّغها بهدوء، على رواق



همس خالد بصوتٍ خافت، وقد ارتسمت على وجهه علامات الشك والخوف:



— "تفتكر ممكن يكون... انتحار؟"



نظر مالك إلى الفراغ أمامه، وصوته يحمل قدراً من الحيرة:



— "مش عارف... بس هي إنسانة متديّنة، ومش ممكن تعمل حاجة زي دي."



ظلوا طوال الليل في المشفى، عمرو داخل غرفتها، وخالد ومالك ينتظران بالخارج، يرقبون عقارب الساعة ببطء قاتل.



حتى بزغ فجر يومٍ جديد، ومع خيوط الشمس الأولى، تمنى كلٌّ منهم أن تتحقق أمانيه، وأن تتحول أحزانه إلى نور ودفء... تمامًا كما تفعل الشمس كل صباح.



قرر مالك الذهاب لإحضار بعض الطعام، فقد مضى عليهم الليل بطوله دون أن يذوقوا حتى الماء.


وبينما غاب مالك، رن هاتف خالد، فانتبه إلى الشاشة ونظر إلى الرقم باستغراب.



— "هي بتتصل دلوقتي؟ غريبة..."



فمنذ فترة، زوجته لا تستيقظ باكرًا بسبب الحمل، وتنام لساعات طويلة، حتى أنه أرسلها لتقيم عند أهلها كي يهتموا بها أثناء غيابه.



رد على المكالمة بابتسامة خفيفة:



— "صباح الخير يا حبيبتي، صاحيَة بدري ليه كده؟"



لكن الصوت الذي جاءه من الطرف الآخر كان غاضبًا، مرتبكًا، مشحونًا:



— "إنت فين يا خالد؟"



تفاجأ خالد من عصبيتها المفاجئة، وردّ بنبرة هادئة:



— "أنا في البيت، مالك؟ عايزة حاجة؟"



جاءه صوتها أكثر حدة، ممتزج بالبكاء:



— "بتكدب عليّا؟ أكيد مع واحدة تانية! مش كده؟! خلاص، أنا بقيت وحشة... ولّفت على غيري وبتكدب عليا!"



أسند خالد رأسه إلى الحائط وتنهد في سره:



"استغفر الله... هرمونات الحمل عندك بقت لا تُطاق."



عاودت جنّة الغضب، وتحدثت بسرعة:



— "أنا في البيت... والسرير زَيّ ما هو من امبارح! ما فيش أي حاجة تدل إنك دخلته حتى! من ساعة ما وصلتني عند ماما... بتخوني يا خالد؟! ده جزاتي؟!"



أغمض عينيه في ضيق، ثم قال بجدية:



— "طيب، يا جنّة، اركبي تاكسي وتعالي مستشفى *****..."



تبدلت نبرة صوتها إلى الخوف:



— "ليه يا خالد؟ أنت فيك حاجة؟ أنت كويس؟ رد عليّا!"



زفر بضعف، لا يريد إخبارها بالحقيقة الآن:



— "تعالي بس... ولما توصلي، هتعرفي. هستناكي عند البوابة.


❈-❈-❈



دخل خالد إلى الغرفة ليجد عمرو جالسًا كما هو منذ الليلة الماضية، لم يتغير شيء، وكأن الزمن توقف هناك.



طلب منه خالد أن يخرج معه، فهناك أمر هام يريد أن يحدثه فيه. تحرك عمرو بجسده الذي يبدو بلا روح، وكأن كل خطوة يخطوها كانت ثقيلة عليه.



— تحدث خالد محاولا تحفيزه"كل لقمة عشان تقدر تصدّ نفسك!" لكن عمرو رفض أن يلمس الطعام.



أصر عليه خالد، محاولًا أن يراه يقف على قدميه مجددًا، ولكن عمرو رد عليه بقوة:



— "لا، مش قادر."



جلس على الكرسي جوار الباب، وسند رأسه على الحائط خلفه، فتح عينيه علي صراخها المستمر.



"منك لله! عملت لك إيه عشان تدمرها كده؟ كانت عايشة وراضية بحالها. ابتسامتها ما كانتش بتفارق وشها. من يوم جوازتها الشؤم دي وهي بقت واحدة تانية. كل يوم بتدبل عن اليوم اللي قبله!"



تحدث خالد بغضب: "جنه! اتلمي! أنتِ قولتي مش هاتتكلمي!"



ابتعدت عنه بغضب ودموع في عينيها: "مالكش دعوة بيه! أنت السبب! لو كان عندك ضمير، كنت عرفتني إن صاحبك مريض نفسي، وأنا حذرتها. و هي أكيد كانت هترفض، بس أنت داريت على صاحبك."



خالد بصراخ: "جنه! لمي لسانك أحسنلك! ويلا على البيت!"



تحدثت بشراسة: "ماحدش يقدر يبعدني، حتى لو أنت. أنا مش هسيبها!" ثم نظرت بعيونها إلى عمرو، وأضافت: "كنت بشوف كلام كتير وحزن في عيونها، كذبت نفسي وقلت لو فيها حاجة كانت هتتكلم. هي ليها مين غيرنا؟ لكن بسببك كذبت علينا، فهمتنا أن حياتها وردية، و إنك فارس أحلامها! كذبت علينا لأول مرة! أنا مش مسامحة حد منكم."



 وقف خالد وهو يشعر بالخجل من أصدقائه. لم تحترم كلمته أو مظهره أمامهم. نظر إليها بحزن، لأنه يعلم إذا تحدثت معه بهذه الطريقة مرة أخرى، فلن يحدث خير، وربما يضطر إلى تطليقها أمامهم.


❈-❈-❈



اقترب مالك من عمرو، وهو يقدم له ساندويتشًا قائلاً:


"متشغلش بالك بكلام جنه، خليك معايا وكل لقمه تسند بيها نفسك ."



لكن جنه، التي كانت تراقب الموقف بغضب، ردت بحدة:


"ليك نفس تاكل وهي بالحالة دي؟"



 صرخ خالد بعصبية:


"قسم بالله لو قولتي كلمة زيادي، تكوني طالق! وده آخر كلام عندي."



نظر الجميع إلى خالد في صدمة، حتى عمرو، الذي كان يعلم مدى حب خالد لجنه، لكنه بدأ يفهم الآن أن الحب لا يعني شيئًا إذا كان الشخص لا يراعي مشاعر الآخر أو يهتم بمظهره أمام الناس.



تحدث عمرو لأول مرة منذ أن بدأت جنه



 الحديث، وقال له بهدوء:


"سيبها يا خالد، هي عندها حق في كل كلمة قالتها. كفاية إنها بتحب ريم. ريم الفراشة الجميلة الناعمة، اللي ضمتها بقسوة بين إيدي، وأنا مش حاسس إني قتلتها. روحها بريئة، مش حمل السواد اللي جوايا."



ثم تركهم عمرو وعاد إلى غرفتها.



رمق خالد جنه بغضب، ثم جلس بعيدًا عنها على كرسي بجوار مالك، ولم يوجه إليها أي نظرة.


❈-❈-❈


مرّت ثلاثة أيام لم تترك فيها هاجر وجنه المشفى، ولم تجف دموعهما لحظة واحدة. أما عمرو، فكان في عالمه الخاص، غارقًا في حزنه، لا يكاد يلاحظ شيئًا حوله.



في أحد الأيام، خرج الطبيب مبتسمًا، تزين وجهه فرحة الأمل التي أشعلت في قلوب الجميع. تجمعوا حوله، إلا عمرو، الذي ظل جالسًا في مكانه، كأن شيئًا لم يتغير.



قال الطبيب بابتسامة:


"الحمد لله، يا جماعة، في تقدم ملحوظ في الحالة. ولو استمرت كده لحد بالليل، أقدر وقتها أقولكم حمد لله على سلامتها."



احتضنت الفتاتان بعضهما البعض بسعادة، بينما اقترب مالك وخالد منه، واحتضنوه كذلك، في لحظة من الفرح والارتياح التي بالكاد صدقا حدوثها.



دخل آدم ومعه الطعام، وجدهم مبتسمين، فاستغرب وسأل:


"خير يا جماعة؟ طمنوني."



قالت هاجر، وهي ترتمي في حضنه:


"الحمد لله، خير، الدكتور طمني."



ابتسم آدم بسعادة، لأنه كان يتألم بشدة من حزنها. فقال لها:


"الحمد لله، خير. طيب بمناسبة الخبر الجميل ده، ناكل لقمة مع بعض. مش عايزين ناس تفوق وناس تفقد وعيها من الضعف."



اقتربت هاجر من جنه وقدمت لها الطعام، قائلة:


"يلا كلي عشان خاطر ريم، اللي جوه واللي بره، وإلا هزعل منك."



تناولت جنه الطعام وهي تشعر بالسعادة والاطمئنان، وكأن شيئًا من عبء الأيام الثقيلة قد بدأ يزول.



جلس آدم جوار عمرو ومدّ يده، قائلاً:


"يلا، بسّمله، شوف ربك مش حيخيب ظنك. فكر إنك لأزم ترمي همك على الله، وقول: يا رب. وهو يدبرها لك أحسن من كل حلم وأمنية."



وأضاف بابتسامة:


"ده ربك، أسمه الرحمن الرحيم."


مد يده وأخذ قطعة الطعام، لكنه لم يستطع بلعها. كان هناك غصة في حلقه، شعور ثقيل يجثم على صدره. . كيف سيواجهها بعد أن اوصلها للإنتحار ؟ كيف سيبرر لها ما وصل إليه الحال ؟


❈-❈-❈



جلست سالي تأكل بصمت، والغيظ يملأ قلبها. تحدثت بغرور: "هو ليه بيعمل معايا كده كل مرة؟ أتصل بيه و مايردش، ولما رحت البيت لقيته غير المفتاح."



والدتها نظرت إليها بضيق، وقالت: "أنا مش عارفة مزعلة نفسك ليه. أنا ما صدقت خلصت من تقل دمه و غروره اللي مش عارفة سببه لحد دلوقتي."



أجابتها سالي بتوتر: "أنا مش زعلانه ولا حاجة، بس مش أنا اللي أطلق في الشارع ويبعت ورقتي بالطريقة دي."



وتابعت بحيرة: "وبعدين، يا مامي، ليه حق يتغر؟ مالك مش قليل، شكل ومركز وهيبة. أنا كل صحباتي كانوا بيحسدوني عليه و بيغيروا مني بسببه."



والدتها وقفت بملل وقالت: "لا، أنا رايحة النادي، لأنك هتجننيني. في أيه؟ زيادة عن بن عمك؟ شاب ومركز ومن عيلة."



قالت سالي بسرعة: "بس يا مامي، ماقدرش يواجه مالك وضربه بقوة وسرعه!"



ردت والدتها بعصبية: يلا باي. خليكي مع أوهامك."



❈-❈-❈


خرج الطبيب من غرفة الطوارئ بابتسامة مطمئنة وقال:


"الحمد لله على سلامتها. تقدروا تشوفوها دلوقتي."



هرولت جنة إلى الداخل ومعها هاجر، والفرحة تغمر ملامحهما.



كانت ريم مستلقية على السرير، وجهها شاحب لكن عيناها تحاولان رسم ابتسامة باهتة.



ارتمت جنة في حضنها، وعيناها تغرورقان بالدموع، وقالت بصوت مخنوق:


"ليه كده يا قلبي؟ ليه هانت عليكي نفسك؟ طيب ما فكرتيش فينا؟ أنا وهاجر كان هيبقى حالنا إزاي من غيرك؟"



بادلتها ريم العناق، وبصوت ضعيف همست:


"أنا بخير... ما تقلقيش. الحمد لله."



دخلت هاجر متأثرة، وقالت بعينين دامعتين:


"كده يا ريم؟ كنا هنموت بسببك! إيه اللي وصلك للدرجة دي؟"



نظرت إليها ريم باستغراب، وسألت:


"درجة إيه؟"



قالت جنة بقلق:


"إيه اللي يوصلك للانتحار؟"



رفعت ريم حاجبيها بدهشة، وقالت بحدة ممزوجة بالاستنكار:


"انتحار إيه يا مجنونة إنتي وهي؟ أنا كنت بجري ورا فراشة، رجلي فلتت ووقعت في الميه... وإنتي عارفة إني ما بعرفش أعوم.


أنا مش مجنونة عشان أخسر آخرتي لأي سبب من الأسباب!"



في الخارج، يقف بالقرب من الباب... يراقب المشهد من بعيد. عيناه مثبتتان عليها، وقلبه يكاد يرقص فرحاً بين ضلوعه لمجرد رؤيتها تتحدث وتتحرك من جديد.



لكن رغم لهفته الكبيرة، لم يستطع الدخول؛ خاف أن تكون رؤيته لها سبباً في انهيارها كما حدث في مرات سابقة تمني ضمها يخرج لها سره الدفين عله يكون سبب في السماح والبدء من جديد



 لكن صورة انهيارها حين كانت تراه جعلته يتردد في تلك الخطوه خصوصا أمام اصدقائهم .



جلست ريم تتحدث إلى جنة بابتسامة حنونة، وهي تطمئن على جنينها. كانت كلماتها رقيقة، مفعمة بالحب والخوف في آنٍ واحد.



ثم التفتت... والتقت عيناها بعينيه.


تلك النظرة، لم تكن عادية. كانت مليئة باللهفة، الندم، والعتاب الصامت تعانقتة العيون بشغف وتناسوا من حولهم 



كم تمنى في تلك اللحظة أن يكون قريبًا منها، أن يضمها إلى قلبه قبل أن يفقدها إلى الأبد.



لقد قرر، دون أن ينطق، أن يترك لها الباب مفتوحًا على مصراعيه. القرار الآن بيدها، هي من تختار... هل تقترب؟ أم تمضي؟



نظرت إليه، حدثتها عيناه بكل وضوح:


"كنت هموت من خوفي عليكي."



ردت عليه عيناها، بصوت لم يُسمع، لكنه كان واضحًا في ملامحها:


"رغم قسوتك، رغم برودك الدائم معي، ورغم أنك آخر إنسان قد يشعر بي... كنت أول من جال في خاطري حين شعرت بالخوف.


نداك قلبي... قبل لساني."



ظل واقفًا في مكانه لا يتحرك، عيونه لا تفارقها، كأنها الشيء الوحيد الثابت في هذا العالم المتغير.



حاولت الهروب من سحر نظرته شعرت أنها مكشوفه للجميع مم أصابها بالخجل ... فهربت بعينيها بعيدًا، لكن قلبها ظل مأخوذًا به...


بعيونه التي لا تزال تأسرها.




❈-❈-❈



مرت الأيام، وتحسنت حالتها شيئًا فشيئًا.


خرجت من المستشفى بعد فترة من العلاج والرعاية، ولم يتركها أصدقاؤها وحدها، بل أصروا على توصيلها إلى المنزل، ورافقوها حتى الاطمئنان عليها.



وكان عمرو، الذي بدا أكثر اهتمامًا من أي وقت مضى، قد أصر على أن يتناولوا جميعًا طعام الغداء معهم.



رغبته كانت واضحة... لا يريد أن تنتهي اللحظات بينهم سريعًا.



قضوا وقتًا لطيفًا، تبادلوا فيه الضحك والمزاح، وكانت الأجواء تبدو خفيفة، مليئة بالمرح.



هو يبتسم، وهي كذلك، لكن خلف تلك



 الإبتسامات كانت تشتعل نار لا يراها أحد...


كل منهما يخوض حربًا داخلية، صامتة، لا يعلم الآخر مداها.


❈-❈-❈



مرت الأيام...


كان يحارب نفسه كل يوم، يحاول ألا يراها، ألا تراه، أن يبتعد عنها كي لا تنفر منه بطريقة تؤلمه.


يعلم جيدًا أن ضحكتها، وكلماتها القليلة يوم خروجها من المستشفى، لم تكن له؛ كانت لأجل أصدقائهم فقط، حضورهم هو ما دفعها للتظاهر بالحياة.



ومنذ ذلك اليوم، لم تغادر غرفتها.



الآن، يقف جوار بابها، تائهًا، حائرًا... للمرة الأولى في حياته يفقد القدرة على اتخاذ القرار.


هو الذي عُرف دائمًا بثباته، لا يقدر أحد على زعزعة قراراته أو ثني إرادته.


لكنه أمام أي شيء يخصها... يقف عاجزًا.



وخاصة هذا القرار... القرار الذي سيغيّر حياتهما إلى الأبد.




❈-❈-❈



في غرفتها ، جلست ريم.



أمامها الكتب والأوراق، تحاول اللحاق بما فاتها من دروس خلال الفترة الماضية.



كانت غياب طويلًا، والعودة أصعب مما تصورت، لكن شيئًا في داخلها يدفعها للاستمرار.



هاجر، كعادتها، لم تتركها وحدها.


جاءت تحمل إليها كل المحاضرات، مرتبة ومنظمة،  



 تريد منها أن تنشغل بالدراسة، أن تندمج مع تفاصيلها، علّها بذلك تبعد عن عقلها كل ما يعكر صفو حياتها.



 دوى صوت طرق خفيف على باب غرفتها.



أذنت للطارق بالدخول، دون أن تتوقع من يكون.



منذ خروجها من المستشفى قبل أسبوع، لم تره... و الأن فوجئت بظهوره أمامها.



"مساء الخير." قالها بصوت هادئ، لكن يحمل شيئًا من التردد.



ارتبكت، لم تتوقع رؤيته بهذا الشكل، وبلباسها المنزلي البسيط.



ردّت بخفوت: "مساء النور."



سألها بابتسامة خفيفة:


"أخبارك النهارده؟"



أجابت بابتسامة باهتة:


"الحمد لله، بخير... وأنت؟"



قال وهو يثبت عينيه عليها:


"أنا بخير. ممكن تيجي تقعدي هنا؟ عايزك في موضوع."



ترددت قليلًا، ثم أومأت برأسها. ارتدت رداءها المنزلي "الروب"، وتقدّمت نحو الأريكة حيث جلس.



جلست على الطرف الآخر من الكنبة، وبينهما مسافة قصيرة... 



مدّ يده نحوها بظرف أبيض صغير.


تناولته ببطء، ورفعت عينيها إليه متسائلة:


"إيه ده؟ في إيه؟"



نظراتها كانت تجمع بين القلق والفضول، وقلبها بدأ يخفق بسرعة وكأنها على وشك اكتشاف شيء سيغيّر كل شيء.



أردف وهو يشعر بضيق خانق من نفسه، وخجل مرير أمام عينيها البريئتين:



"ده ظرف فيه فيزا... بمبلغ تفتحي بيه مشروع."



رفعت عينيها نحوه، وكأنها تستشعر كارثة لم تكتمل بعد.



انتظرته يُكمل، فقلبها كان يسبق الكلمات، يتوجس مما قد يسمعه.



أضاف بصوت خافت:


"وعقد شقة بإسمك... في مكان كويس، بدل الإيجار."



تنهدت وهي تحاول الحفاظ على تماسكها، رغم أن قلبها بدأ يتهاوى داخليًا.



لكنّه أكمل بصوت أثقل، كأن كل كلمة كانت تُقتطع من روحه:



"وكمان... ورقة طلاقك."



نظرت إليه، وصدمة عارمة اجتاحت ملامحها. لم تستوعب ما سمعته.



همست بصوت متقطع، يختنق في حلقها:



"قلت... إيه؟"



ردّ، والوجع ينهش قلبه كوحش لا يرحم:


"ورقة طلاق... حياتك مش في أمان معايا. كفاية لحد كده." أنت كنت هتضيعي ٠



كانت نظراتها إليه كأنها ترى غريبًا، كأن كل ما كان بينهما وهم انتهى بلحظة.



تشتّت، صدمة، حزن... كل المشاعر المؤلمة تجمّعت دفعة واحدة في قلبها.



ماذا كانت تنتظر أكثر من ذلك؟


بعد أن رخصت نفسها، ودفنت كرامتها بعد ما تحملت كا تلك الأهوال في تلك السنه الخبيثة الكئيبة 


...


ها هو يرميها الآن بلا رحمة، كأن كل شيء انتهى بقراره وحدهوهي ليس لها رأي في أي شيء .



نظرت إليه نظرة طويلة، صامتة، ... لم تنطق بكلمة.



ثم قامت، بخطوات بطيئة، توجهت إلى فراشها.



تمدّدت عليه واحتضنت نفسها كأنها تبحث عن دفءٍ مفقود،



أغلقت عينيها، ولم تعد هناك كلمات يمكن أن تُقال.



لقد انتهى كل شيء.



لم يعد بإمكانها الاستمرار في تلك الحرب، الخاسرة منذ البداية.



لقد قُتل كل جنودها، و استُنزفت قواها، ولم يعد لديها ما تحارب به أو من أجله .

تمت

نهاية الجزء الأول

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا


تعليقات

التنقل السريع