رواية خيانه الفصل الرابع عشر14 بقلم أمل مصطفى حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات
رواية خيانه الفصل الرابع عشر14 بقلم أمل مصطفى حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات
دخلت ريم المكان الذي وصفته لها هاجر، وهي تشعر بالخوف. كان المكان مظلمًا، والهدوء
يخيّم على الأجواء. ورغم القلق الذي تملكها، كان خوفها على صديقتها أكبر من خوفها من
الظلام. مدت يدها إلى الباب، وفتحته بحذر، وهي تنادي:
– "هاجر؟"
فجأة، أضاء المكان كله دفعة واحدة!
ظهرت أمامها الزينة تملأ الجدران، والألوان تلمع بطريقة مبهرة. وقفت مذهوله أمام
المشهد، قبل أن تقع عيناها على هاجر، وآدم، وجنة، وخالد... جميعهم يبتسمون لها ابتسامة
عريضة، مرددين بصوت واحد:
– "كل سنة و إنتِ طيبة يا ريمو!"
وضعت ريم يدها على و جنتها، لا تُصدق ما تراه وتشعر به.
امتلأ قلبها بالسعادة، دمعت عيناها. هم لا ينسون عيد ميلادها أبدًا،
وهي تنساه كل عام. ركضت نحوهم باكية، احتضنتهم بشوق:
– "حبايبي... منحرمش منكم أبدًا. أنتم نعمة ربنا عليّ."
طبعوا قبلة على خديها بحب، وتمنوا لها السعادة والراحة، فزادت من احتضانهم، وكأنها لا تريد أن تتركهم أبدًا. هم عوضها الحقيقي في هذه الحياة القاسية.
قال خالد ممازحًا، وهو ينظر إلى طاولة الحفل:
– "لا بقى! مش هنقضيها بوس وأحضان... عايز أدوق التورتة دي!"
ضحكت ريم، وبادلته الابتسامة، فهتف:
– "كل سنة وإنتِ طيبة يا ست البنات!"
– "وإنت طيب يا خالد."
ثم مد آدم يده إليها، ممسكًا بحقيبة ورقية صغيرة:
– "كل سنة وإنتِ طيبة يا ريم."
أخذت الهدية منه بسعادة، وردّت:
– "وإنت طيب يا آدم... ربنا يخليكوا ليا يا رب."
جلسوا جميعًا حول الطاولة، بينما أطفأت ريم الشموع بابتسامة هادئة، ولم تتمنَ إلا أمنية واحدة: أن يزرع الله حبها في قلبه.
صفق الجميع لها، وتمنوا لها حياة طويلة مليئة بالسعادة. ثم بدأوا في تناول التورتة وهم يتبادلون الأحاديث بحب وراحة.
رغم البهجة التي كانت تغمر المكان، ظلت ريم تشعر بوخزة حزن خفي... فهو لم يتذكر عيد ميلادها.
أخرجها صوت خالد من شرودها وهو يقول:
– "كنت هعمل نفس اللي حصل معاكي مع عمرو، بس هاجر رفضت. قالت نسيبكم تحتفلوا بيه لوحدكم، لأنه أول عيد ميلاد ليكوا سوا."
نظرت إليه بامتنان، ثم قالت بصدق:
– "مهما قلت، ومهما عملت، مافيش حاجة توفيكم حقكم... ولا تعبر عن اللي جوايا."
ضمتها جنة بحنان، وهمست:
– "أهم حاجة عندنا إنك تكوني مبسوطة... وبس."
❈-❈-❈
عادت إلى المنزل وهي تحمل الهدايا،
وتحتضن ذلك الدبدوب الضخم، هدية جنة، بابتسامة سعيدة لم تفارق وجهها. وضعت قدمها على أولى درجات السلم، وما إن همّت بالصعود، حتى باغتها صوته الغاضب يتردد من خلفها:
– "حمد الله على السلامة يا ست هانم! ما لسه بدري!"
تجمدت مكانها، لا تدري أتهرب أم تواجه. تابع بتهكمه اللاذع:
– "طبعًا، ما هو ما فيش معاكي راجل لازم تستأذنيه قبل ما تخرجي!"
لم تستطع الحراك، تشبثت قدمها بدرجة السلم وكأنها جُمدت، ثم التفتت إليه بتوتر، تعرف أنها أخطأت. خرج صوتها منخفضًا:
– "أنا آسفة... أصل هاجر وجنة عملوا فيا مقلب، ومن خوفي نسيت أقولك."
صرخ بها بغضب عاصف، تردد صراخه في أرجاء المكان من قوته :
– "طبعًا لازم تنسي! ما أنا مش مالي عينك، ولا ليّا وجود أصلاً!"
حاولت تبرير موقفها، صوتها يرجف وهي تبرر:
– "لا والله، مش قصدي... بس النهارده عيد ميلادي، وهم متعودين يحتفلوا بيه معايا."
في لحظة جنون، جذب ما بيدها من هدايا، وألقاها أرضًا بعنف، ثم صرخ:
– "أول وآخر مرة تخرجي من غير إذني! ولو مين مات، فاهمة ولا لأ؟!"
نظرت إلى الهدايا المبعثرة على الأرض، والدموع تغمر عينيها. رفعت بصرها إليه بوجع فاق الحد واقتربت منه بخطى متثاقلة، قلبها ينزف من الألم، هتفت بصوت مكسور:
– "إنت اتجوزتني ليه يا عمرو؟ في إيه بيني وبينك أنا ما أعرفوش؟ عايز تكسّرني بسببه ؟ لو في ذنب أنا عملته، قولي عليه، وأنا أكفر عنه... بس بلاش تدمّرني أكتر من كده."
لم تعد قادرة على كبت مشاعرها أكثر.
تعيش معه كأنها في كابوس، تتمنى زواله
كل ليلة. الاشتياق له، وتمني قربه، أهلكا روحها البريئة.
أكملت بصوت مختنق من القهر:
– "أنا بموت معاك في اليوم مليون مرة... مش قادرة، تعبت، والله! أنا كنت عايشة قبلك راضية بحياتي ووحدتي. عمري ما طمعت في حاجه مش ليا.
كنت بحمد ربنا على جنة وهاجر، وحبهم ليا.
بقضي وقت فراغي مع ولاد الجيران عشان ماحسش بالوحدة، لحد ما اتقدمتلي."
صمتت لحظة، ثم تابعت بمرارة:
– "قولت، أخيرًا، ربنا أراد لي أحب وأتحب... وأعيش زي باقي البنات. بس قسوتك وإهمالك ليا خلقوا جوايا وجع ما فيش حاجة تقدر تداويه."
مسحت دموعها بطرف ثوبها، وهمست:
– "إنت رافض تحس بيا... رافض تشوفني. بقالي معاك شهور طويلة، ورغم كده مش متقبل وجودي. حتى فرحتي مع أصحابي مستخسرها فيّ.
هم الوحيدين اللي بحس وسطهم إن ليّا قيمة."
صمتت لحظة، ثم قالت بانكسار:
– "عايز يحصل لي إيه أكتر من كده عشان ترضى؟"
اخرجت كل ما اردته دفعه واحدة ، كل ما خبأته بداخلها منذ شهور. ثم استدارت، وصعدت درجات السلم وهي تبكي. لم تكن ترى الطريق أمامها من كثرة الدموع. لقد كسر قلبها في لحظة كانت بأمسّ الحاجة إليه فيها.
أما عمرو، فقد أغلق عينيه بقوة، قبض على المزهرية بيده، وقذفها في المرآة أمامه. ظل ينظر إلى انعكاسه في الزجاج المهشّم...
لقد أصبح مشوه الروح والقلب مثلها، لا يستطيع لملمة شتات نفسه.
تساءل في مرارة:
"لماذا كل تلك القسوة؟ لماذا كل هذا الغضب؟"
يعلم في أعماقه أنه مريض... يحتاج علاجًا نفسيًا، يحتاج أن يواجه عقدة طفولته التي زرعت فيه هذا الجفاء. ترك الفيلا وهو يلعن نفسه وحياته بأكملها.
❈-❈-❈
في منزل خالد
يجلس علي تلك الأريكة محتضنا جنه يتابع شاشة التلفزيون
هتف بصدق، وعيناه تلمعان بشيء من التأثر:
– "عارفة... أنا حبيت ريم جدًا."
نظرت إليه جنة بغيرة فاجأتها، وعلّقت بنبرة حادة:
– "نعم يا أخويا؟!"
ابتسم بتفهم، ثم تابع بصوت هادئ:
– "أنا بتكلم جد... حبيتها زي ما حبيت هناء بالضبط. تحسيها ضعيفة، منكسرة، بريئة... وأوقات كتير بحس إنها تستاهل حدّ يطبطب عليها، بستخسرها في عمرو."
سكت قليلًا، ثم أكمل بنبرة أكثر جدية:
– "لأنه عاش عمره بيكره الحريم، وعمره ما هيقدّر نعمة زي دي."
أردفت جنة باهتمام، وقد بدأت ملامح القلق تتسلل إلى وجهها:
– "يعني قصدك إيه؟ هو بيعاملها وحش؟"
رد خالد بحيرة:
– "مش عارف هو بيعاملها إزاي بالظبط. أنتي صاحبتها، وأكيد لو في حاجة هتحكيلك."
أومأت جنة برأسها، ثم قالت بتردد:
– "أه... بس هي من يوم ما اتجوزت، ما اشتكتش منه ولا مرة."
هز خالد كتفيه وأجاب:
– "يبقى أكيد كويس معاها... ربنا يهدي."
❈-❈-❈
في منزل مالك، رن جرس الباب بقوة غير معتادة. نظر إلى الساعة بجانبه، وجدها تشير إلى الثانية فجرًا. عقد حاجبيه باستغراب، وتساءل في نفسه:
"من قد يطرق باب أحد في مثل هذا الوقت؟"
نهض من مكانه، ارتدى تيشيرته بسرعة، وتوجه نحو الباب بقلق. ما إن فتحه، حتى تجمد في مكانه من الصدمة.
عمرو يقف أمامه، في حالة يُرثى لها. أزرار قميصه مفتوحه ، ورائحة الخمر تنبعث منه بوضوح. لم يكن متزنًا، عيناه زائغتين تبحثان عن شيء .
– "عمرو؟!" هتف مالك بدهشة، قبل أن يقترب منه بسرعة
ساعده مالك على الدخول، وأجلسه على أقرب أريكة بجوار الباب. بالكاد كان يستطيع الوقوف.
ثم، بصوت مرتعش غير متزن، بدأ يهذي:
– "وجودها معايا... بيقتلها. أنا تعبتها، دمرتها. سبع شهور متجوزين، ما شافتش مني يوم
حلو. إهانة... وتعب نفسي... طب ليه؟ ليه مش بتطلب الطلاق وتريح نفسها؟ ليه راضية بالحياة دي؟"
غطى وجهه بكفيه، و كأن الألم أكبر من أن يُحتمل، ثم تابع:
– "أنا بموت من إهانتي ليها، بس مش قادر أسيطر على نفسي. بشوف في عينيها الحب...
ولهفة القرب... قدامي طفلة بتدور على اهتمام وحنان. بشوف في نظرتها كلام كتير، كلام موجع."
تنهد، وكأنه يعترف بجريمة ارتكبها بقلبه، ثم قال:
– "بدفعها ثمن حاجة مالهاش ذنب فيها... غير إنها حبت الشخص الغلط."
ثم صمت لوهلة، قبل أن ينطق بصوت أقرب للبكاء:
– "أنا تعبان زيها... ويمكن أكتر. نفسي اعيش زي أي راجل طبيعي مش قادر
مش عارف عايز إيه! بتمنى ما تبعدش عني، وفي نفس
الوقت... نفسي أنتقم منها! لأنها بتغيّر حاجات كتير جوايا، حاجات كنت شايف إنها مستحيل تتغير."
لم يقاطعه مالك، تركه يتكلم ويفرغ ما بداخله من ألم وانكسار. كان يعرف أن هذه اللحظة
نادرة، فعمرو لا يعترف بضعفه أبدًا. سيعود إلى قسوته بمجرد أن يفيق من سكره، لذلك آثر أن يكون مستمعًا جيدًا.
صرخ عمرو فجأة:
– "قولي أعمل إيه عشان أرتاح؟! مش إنت أخويا؟ ساعدني!"
اقترب منه مالك ووضع يده على كتفه:
– "راحتك في إنك تنسى الماضي بأوجاعه... وتبدأ معاها من جديد. نظّف قلبك من الكره والحقد اللي جواه، ساعتها بس هتعرف تكمل."
لكن عمرو هز رأسه بعجز:
– "أنا بقول كده كل يوم... ولما بشوفها، بنسى كل حاجة غير الكره... أنا تعبان يا مالك، مش عارف أعمل إيه عشان أرتاح."
ظل يتحدث، كأن الكلمات وحدها كانت دواءه الوحيد.
مالك، رغم حزنه، ظل يستمع بصمت. يعلم تمامًا ما يعكر صفو حياة صديقه. تفكيره المستمر في الماضي، تعلقه بجراحه القديمة، هو ما يسجنه داخل ذاته.
وحين غفا عمرو أخيرًا، تنفس مالك براحة. نهض بهدوء، واتجه إلى غرفته، ثم عاد يحمل بعض الأغطية. وضع أحدها على جسد صديقه، وغطاه جيدًا، ثم تمدد على الأريكة المقابلة له، وظل يتأمل وجهه بحزن عميق.
همس في نفسه:
"يا ربّ، خلّصه من اللي جواه..."
ولم يمضِ وقت طويل، حتى غلبه هو أيضًا سلطان النوم.
❈-❈-❈
مرّ أسبوعٌ كامل منذ آخر لقاء جمع بين ريم وعمرو.
كانت تشعر بالقلق عليه، فبعد خلافهما يوم عيد ميلادها، لم يعد إلى المنزل مرة أخرى.
رغم اشتياقها، تمسّكت بكبريائها. لم تتصل به، ولو لمجرد الاطمئنان. أرادت أن يهدأ قلبها، وتبرد نار روحها المعذّبة دون أن تُظهر ضعفها.
كانت تسأل "الدادة" من وقتٍ لآخر، علّه يعود في وقت غيابها. لكن الخادمة أكدت أنها لم تره منذ أسبوع كامل.
وكأن الله قد استجاب لدعائها، حين رنّ هاتفها فجأة، وظهر على شاشته اسم "جنة".
أجابت بلهفة:
– "جيجي، حبيبتي! أخبارك إيه؟"
لكن صوت جنة جاء متضايقًا:
– "بخير، الحمد لله يا حبيبتي... بس جوزك ده يبعد عنّا بقى!"
شعرت ريم انقباض في قلبها عند سماع اسمه. هتفت بقلق:
– "ليه كده بس؟ عمل إيه؟"
أجابت جنة بضيق واضح:
– "يرضيك بقاله أسبوع حبسهم في المكتب؟ خالد قرف من الأكل الجاهز، وأنا بقالي يومين
بقضي الإجازة لوحدي بين أربع حيطان! رغم إن بيني وبينه خطوتين بس!"
سألت ريم باستفهام، وقد ظنّت أنهم في مهمة:
– "يعني هم مش في شغل بره أو مهمة؟"
هزّت جنة رأسها في الطرف الآخر، وأجابت بنفي:
– "لأ، قاعدين في المكتب! والمفروض بيرجعوا آخر النهار... بس جوزك رافض!
خالد قال: لو كان ليه حد تتحكم فيه، ماكنش عمل في ولاد الناس كده!"
عادت الروح لريم، فقط لمجرد سماع اسمه. تحدثت بصوت فيه من المرح ما يُخفي وجعها:
– "متقلقيش... هيفك الحظر النهارده غصب عنه."
ضحكت جنة، و صاحت ممازحة:
– "أيوه كده يا جامدة! و رّينا همتك بقى!"
❈-❈-❈
في مكتب عمرو، كان خالد قد ضاق ذرعًا بالأمر. صاح بتذمر:
– "كفاية كده يا عمرو! عايزين نرجع بيوتنا. إحنا مش في مهمة عشان نغيب عن البيت كل ده!"
رد عمرو بضيق من كثرة شكواه:
– "أظن ده شغل... مش بنلعب يعني!"
خالد لم يستسلم، وتابع بإصرار:
– "أنا عارف إنه شغل، بس الطبيعي نروح آخر النهار، نرتاح، ناكل لقمة من بيتنا مش أكل مطاعم كل يوم! بطني باظت!"
أياد، الذي بدا عليه التعب أيضًا، أضاف بنبرة مجهدة:
– "فعلاً يا بوص... محتاجين نتغدى ونرتاح شوية بدل ما ننام على كراسي المكتب، ضهري اتكسر!"
صرخ عمرو بنفاد صبر:
– "اعملوا اللي أنتوا عايزينه!"
أما مالك، فظل صامتًا، يراقب بصمت. كان يعلم جيدًا أن عمرو يُجهد نفسه عمدًا... يهرب من التفكير، من الذكريات، من قلبه الذي يصرّ على تجاهله.
بعد لحظات من التوتر، قال مالك بهدوء:
– "خلاص يا جماعة... النهارده آخر يوم. نخلّص شغلنا ونروّح.
❈-❈-❈
نزلت ريم السلم راكضة، وهي تنادي بصوتٍ مرتفع:
– "داااده... داده حليمة!"
خرجت حليمة مسرعة من غرفتها، فزعة من نبرة صوتها العالية:
– "خير يا بنتي، في إيه؟"
وقفت ريم تلهث من سرعة ركضها، ثم قالت بلهفة:
– "أنا عايزة أبعت أكل لعمرو."
رفعت حليمة حاجبها وسألتها بهدوء:
– "هو طلب منك كده؟"
هزّت ريم رأسها نفيًا، وقالت:
– "لا يا داده، أنا اللي عايزة أعمل كده... وأروح له بنفسي."
نظرت لها حليمة نظرة مشفقة، وقالت بتحذير لطيف:
– "لأ يا حبيبتي، بلاش... أحسن يضايقك تاني."
لكن ريم لم تستطع كتمان مشاعرها، فتمتمت بشوق واضح:
– "وحشني جدًا يا داده... هشوفه وأرجع. يعمل اللي يعمله، مش فارقة."
لم تجد حليمة ما ترد به. نظرت إليها بحنان، ثم تركتها تدخل المطبخ وهي تتمتم بدعاء في سرّها.
وقفت ريم في المطبخ أربع ساعات متواصلة، تحضّر الطعام بكل حب وشغف.
جاء صوت حليمة من خلفها، مازحًا:
– "كل ده يا بنتي؟ هو أنتي عازمة المبنى كله ولا إيه؟!"
ضحكت ريم، وغمغمت وهي تركز في تقطيع السلطة:
– "سمّي في قلبك يا داده. أكيد في ناس كتير ما كلتش، وربنا يجعل فيه البركة."
ضحكت حليمة وقالت:
– "هو أنا هحسد الأكل اللي هناكل منه؟ ولا ناوية ما تذوقيناش من عمايل إيديكي؟"
رفعت ريم يدها وفيها إصبع كفتة مشوي، وقالت بحب:
– "إنتِ أول واحدة يا قمر... قبل الكل."
فتحت حليمة فمها، وتناولت القطعة من يدها، ثم علّقت بدعاء صادق:
– "من يد ما نعدمهاش أبدًا يا حبيبتي."
اتجهت ريم بعدها إلى هبة، وقالت بنبرة حازمة:
– "هبة، جهّزي العلب زي ما فهمتك بالضبط... على ما أطلع آخد شاور وأنزل."
ثم أسرعت إلى غرفتها، في قلبها شوق، وفي عقلها أمل... أن تصل إليه، ولو عبر وجبة محبة
❈-❈-❈
لقاء بعد غياب
نزلت ريم من المنزل وقد ارتدت فستانًا أبيض
مطرّزًا بورودٍ ناعمة، و حجابًا أبيض نقيًّا أضفى عليها بهاءً يليق بملاك لا امرأة.
كانت آيةً في الجمال، تحمل في طيّات مظهرها البسيط بهجةً لا توصف.
وضعت حقائب الطعام في صندوق السيارة، ثم جلست خلف المقود وتحركت بوجهةٍ لا تعرف فيها سوى نبض قلبها المتسارع، وفرحة اللقاء القريبة.
توقفت أمام مبنى شامخ، يليق بساكنيه.
نظرت إليه مطوّلًا من داخل السيارة، تمسح
بكفها على قلبها الملهوف، تحاول تنظيم ضرباته بين الخوف من رد فعله، والفرح الغامر لرؤيته.
ترجلت من السيارة وحملت الحقائب، متوجهة إلى باب الدخول الرئيسي.
قابلها الحراس كالمعتاد، فتقدّم أحدهم منها وسحب الحقائب قائلًا بلطف:
– "ممنوع الدخول بأي حاجه ، حتى باقة الزهور، يا فندم."
رفعت رأسها بثقة، وقالت:
– "أنا ريم، زوجة المقدم عمرو الألفي."
تناول منها بطاقتها الشخصية، وبعد أن تم التأكد من بياناتها، سألها عن محتوى الحقائب:
– "ممكن أعرف إيه اللي فيها؟"
ابتسمت ريم وقالت:
– "ده أكل... بيتي ."
أجاب الحارس معتذرًا:
– "معلش يا فندم، لازم أفتّشها... القانون بيطبّق على الكل."
أومأت له بثبات:
– "مافيش مشكلة، قوم بشغلك."
بدأ هو وزميله بتفتيش الحقائب بحذر، يحرصان على ألا يفسدا الطعام المرتّب بعناية.
كانت رائحة الأطعمة الشهية تملأ الجو، سال لعابهما لا إراديًا، دون أن يعلّقا.
كان كل شيء يبدو منزليًا دافئًا، لا يشبه طعام المطاعم البارد.
بعد الإنتهاء، رفع أحد الحراس الهاتف الداخلي وأجرى اتصالًا لإبلاغ عمرو وصولها.
لكن من ردّ لم يكن عمرو، بل إياد.
– "فيه إيه؟" قالها إياد مندهشًا.
– "المدام... مدام المقدم عمرو، حضرت وعايزة تطلع له."
رد إياد باستغراب واضح:
– "ثواني..."
ثم التفت إلى عمرو الذي كان منهمكًا في بعض الأوراق:
– "عمرو، كلم الحارس؟"
رفع عمرو رأسه ببطء، وعيناه لا تخفيان التعب:
– "في إيه يا إياد؟ شوف إيه الموضوع."
"الموضوع يخصك."
قالها إياد لعمرو، وهو يناوله السماعة. تناولها عمرو منه واستمع للحظات، ظهر علي وجهه شيء من الاستغراب، قبل أن يغمغم بصوت حاد:
– "خليها تطلع على المكتب."
أنهى المكالمة، بينما الحارس التفت إلى ريم وقال باحترام:
– "اتفضلي يا فندم، تقدري تطلعي. واحد منّا هيوصلك ومعاه الشنط."
ابتسمت ريم، ثم التفتت إليهم قائلة:
– "طيب، شوفوا بتحبوا إيه... خدوه، ده كله أكل بيتي."
أجابها الحارس بحرج رغم تمنيه التذوق :
– "شكرًا لحضرتك ."
لكنها رفضت بلطف وإصرار:
– "والله لأزم تدوقوا، متأكدة أنه هيعجبكم !"
ثم ناولت كل واحد منهم علبة، و أضافت وهي تخرج علبة أخرى:
– "دي مكرونة بشاميل، هتعجبكم جدًا."
شكرها الحراس بحرارة، بينما اقترب منهم آخر يحمل الشنط بدلًا عنها.
ناول الحارس الأول الشنط للثاني، وهي تتحرك خلفه بخطى خفيفة، تحمل في يدها باقة وردٍ أنيقة، تشبه نقاء قلبها وصدق نيتها.
كلما مرّت أمام مكتب فتح بابه
، كانت الأبواب تُفتح ونظرات الفضول تلاحقها.
امرأة جميلة، تحمل الطعام والزهور، تدخل مبنى رسميًّا صارمًا... من أجل زوجها.
انتشر خبر وجودها في المبنى انتشار النار في الهشيم، و كل الأنظار مُسلّطة عليها.
أحسّت بخجلٍ شديد، لكنّها تابعت طريقها بصمت حتى وصلت أمام باب مكتبه.
طرق الحارس الباب، ثم قال باحترام:
– "اتفضلي يا فندم."
دخلت، لتجده واقفًا في استقبالها.
تأملت ملامحه المجهده بشوقٍ عميق، أما هو، فقد تملّك الغضب ملامحه، وعيناه اشتعلتا
بانزعاج لم يُخفِه. أما قلبه فهو في حالة صخب شديد وصوت الطبول داخله تصم
الآذان من اهتمامها وتنازلها والمجيء لحد بابه بعد أن كسر بخاطرها اخر لقاء
ورغم كل هذا
جزّ على أسنانه وهمس بصوت منخفض، حتى لا يُسمَع من في الخارج:
– "إيه اللي جابك هنا؟! إنتي مش بتفهمي أي حاجة من كلامي؟!"
لم تُعلّق. كأنها لم تسمعه أصلًا.
تناولت الشنط من يد المرافق، ثم أخرجت علبة وقدّمتها له بابتسامة دافئة، وقالت للحارس الذي أوصلها:
– "شكرًا ليك."
– "العفو يا فندم." قالها وغادر بهدوء، تاركًا الجو مشحونًا بينهما.
– "وحشتني..."
قالتها ريم بصوت منخفض، بينما عيناه تحدّقان بها بسخرية:
– "إيه ده؟! قلبنا جمد وبقينا بنعمل اللي على مزاجنا... من غير ما نخاف؟ من غير ما نرجع لحد؟"
ابتسمت له، وشفتيها ترتجفان.
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا