رواية بحر ثائر( الجزء الثاني) الفصل العاشر 10 بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر( الجزء الثاني) الفصل العاشر 10 بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر
الجزء الثاني
حينما عاد بالصغيرين .
كانت بسمة ودينا تخططان لشيءٍ ما ، انتظرتا عودته لتقنعانه به ، منذ أمس ودينا تلح عليها لتفعل، حتى اقتنعت بسمة وبدورها تريد إقناع داغر بالأمر .
وقفت دينا تغمز لبسمة كي تلحق به قبل أن يغادر فأومأت الثانية وتحمحمت تردف بتأنٍ :
- داغر ممكن أكلمك في حاجة قبل ما تمشي ؟
رفع نظره يطالعها بترقب فلمح شيئًا من التوتر في عينيها لذا التفت ينظر لهذه القريبة منها بشك ليعود إليها ويتساءل :
- خير فيه إيه ؟
التقطت أنفاسها وتحدثت بنبرة ثابتة وواضحة :
- إيه رأيك لو دينا نزلت معايا الشركة اليومين دول ، لحد ما إنتوا تخلصوا شركتكوا ، واعتبرها اكتساب خبرة .
- لاء .
قولًا واحدًا نطقها لتتذمر دينا وتردف باعتراض :
- لاء ليه يا داغر ؟ أنا زهقت من القعدة في البيت .
التفت يباغتها بنظرة محذرة لتصمت ثم عاد إلى بسمة يردف بهدوء ومنال خلفه تستمع لِما يحدث :
- لو ده اقتراحك يا بسمة فمعلش بلاش منه ، اختي هتشتغل في الشركة بتاعتنا وهتبقى تحت عيني ، ولو ده اقتراحها هي يبقى ياريت ماتشجعيهاش عليه ، ماتزعليش مني بس شركتك لحد دلوقتي كلها مشاكل وبلاش حد يقول تاني إني بستغلك لمصلحتي ومصلحة أهلي .
أومأت منال مؤيدة تردف :
- صح يا داغر ، أنا معاك في كلامك .
دبت الأرض معترضة تصيح بغيظ :
- يعني إيه الكلام ده ؟ إنتوا بتحددوا مستقبلي وانا واقفة ؟ أنا بقالي كتير أوي قعدة في البيت وزهقت وانتوا لسة قدامكوا كتير أوي لحد ما تخلصوا فيها إيه يعني لو نزلت الفترة دي اشتغل مع بسمة ؟
تكتفت تسترسل بتباهٍ :
- وبعدين يعني إيه بنستغلها لمصلحتنا ؟ بالعكس بقى شركتها هي اللي هتستفيد من شغلي وبكرة تشوف .
رفع سبابته يهددها بنبرة محذرة ونظرات ثاقبة :
- اركزي بقى وبطلي أسلوب العيال ده ، شركة الراوي مش هتنفعك ، وبعدين إنتِ ناسية الجدع اللي اتخطبتي له ؟
بنظرة انتصار أجابته :
- أنا كلمت صالح وقلتله وبرغم إن لسة مالوش حكم عليا بس هو قالي اللي تشوفوه .
شعر بالغيظ من صديقه الذي ترك الأمر له وزفر بضيق يستغفر لتتساءل بسمة بترقب وهدوء :
- فهمني وجهة نظرك يا داغر ، ليه شركتي مش هتنفع دينا ؟ إنت قلقان من عمي وابنه صح ؟
بالطبع هذا هو السبب لذا أومأ يوضح حينما مهدت له الأمر :
- أيوة يا بسمة ، الناس دي ملهاش أمان ومهما كان دي شركتهم ، سيبك من دينا كفاية عليا قلقي وانتِ وسطهم ، أنا مش ناقص وجع دماغ .
تتفهم بسمة موقفه ولا تريد الضغط عليه بينما دينا لا تريد سوى موافقته لتثبت له أنها على حق لذا قالت تقطع حديث بسمة الذي كاد أن يبدأ :
- يا داغر مهما من يوم اللي حصل وهما بعيد عننا وبعدين بسمة قدرت ترجع الشركة ومحتاجة حد مننا جنبها .
تحدثت بسمة توضح ما تقوم به حتى تزيل جزءًا من قلقه :
- قريب جدًا يا داغر عمي وماجد مش هيبقالهم دعوة بالشركة ، أنا لقيت شريك جديد هيشتري الأسهم بتاعتهم وهما عندهم علم بالكلام ده وموافقين عليه ، أظن هنرتاح بقى من مؤامراتهم .
تنهد ووضع وجهه بين كفيه يستغفر مجددًا لذا أردفت منال بضيق من ابنتها :
- خلاص بقى يا دينا اسمعي كلام أخوكي هو أدرى بمصلحتك .
نظرت لوالدتها بخيبة والتمعت عينيها بالدموع لتجيبها بنبرة منكسرة :
- أنا عارفة إنك هتيجي عليا زي كل مرة ، كل مرة داغر يؤمر وأنا انفذ علشان هو أدرى بمصلحتي إنما أنا اتفلق واولع ومش مهم اللي نفسي فيه .
نزعت نفسها تعود لغرفتها صفقت الباب وارتمت على الفراش تبكي بحرقة وضيق لتشعر بسمة بالحرج لتدخلها في هذا الأمر ولكنها كانت مجبرة أمام إلحاح دينا .
نهض داغر دون إضافة حرف يتجه نحو الباب يفتحه ويغادر حزينًا ولكنه يفكر ، هل يقبل بالفعل أم يظل على موقفه ؟
هو يدرك أن نقاط ضعفه هي دموع شقيقتيه ، ربما يبالغ في قلقه بشأن شركة الراوي ولكن ما مر به طوال سنوات يجعله محقًا في مبالغته .
نزل الدرج وسار يتحرك نحو الطريق ليوقف سيارة أجرة كي يذهب لموقعه ويرى صالح ويتحدث معه عن الأمر .
❈-❈-❈
في سيارته يقود مكبوتًا مكلومًا مغلوبًا على أمره في حالةٍ تكاد تحطم أضلعه والغصة في حنجرته قاسية ، تجاوره ديما صامتة .
هذا ما كان يخفيه ، يؤرقه ، يكتمه ولم يبُح به لها ، كانت تعلم، تصدق، تثق برغم تفشي بعض الشكوك داخلها ولكنها كانت على يقين أنه يخفي أمرًا عظيمًا .
لفت وجهها تطالعه بملامح مصدومة ، منذ أن أخبرها بهوية ذلك الغريب وهو في هذه الحالة ، والآن هما يتجهان نحو المجهول الذي لا تعلمه .
ازدردت لعابها وعادت تنظر أمامها مستكملة الصمت برغم صرخاتهل الداخلية التي تستنجد .
توقف بعد وقتٍ في ساحةٍ تجارية راقية فتعجبت وقطبت جبينها لتجده يصف سيارته ويترجل فلم تفعل بل تبعته بنظراتها وهو يلتفت لها ويفتح بابها ويمد يده قائلًا دون النظر لعينيها :
- انزلي يا ديما .
عادت تلتفت وتنظر للمكان حتى استقرت عنده فتساءلت :
- احنا جايين هنا ليه دلوقتي يا ثائر ؟
سحب تنهيدة معبأة بالخبايا ثم نطق بملامح باردة وعينين حمراوتين :
- انزلي وهتعرفي .
ناولته يدها وترجلت تخطو معه نحو أحد محلات بيع الملابس الفاخرة ، دلفا فرحب بهما رجلًا وأشار لهما أن يتبعاه ففعلا .
بدأ ثائر يتحرك بتأهب وبخطوات سريعة تعرف وجهتها ، أما ديما فخطواتها متعثرة تنظر حولها بعدم فهم ، الشيء الوحيد الذي يبقيها هادئة هو وجوده معها .
تحركا وسط هياكل مخصصة لعرض الملابس حتى وصلا إلى باب سري فتحه صاحب المكان وأشار لثائر أن يدلف ففعل وسحب ديما خلفه ليغلق الآخر الباب عليهما ، حبست أنفاسها وتوسعت حدقتيها مما تراه .
ممر طويل سري داخل هذا المكان التجاري ، يشبه الأنفاق ولكنه ليس بنفقٍ ، يصلان لنهايته ثم ينعطفان لممرٍ آخر وهكذا حتى عبرا ثلاث ممرات قبل أن يتوقفا أمام غرفة مغلقة .
التقط ثائر أنفاسه ونظر لتلك المذهولة ليجدها شاحبة لذا نطق كلمة واحدة بملامح اتقدت من عزيمة وصبر :
- متخافيش .
قبض على كفها لتهدأ وبيده الأخرى طرق الباب وانتظرا ليفتح لهما من في الداخل ، وبالفعل فتح يتفحصهما ثم ابتعد يشير لهما بالدخول .
دلفا سويًا لتجد نفسها في غرفة رسمية واسعة بها مكتب وأرائك وعلى اليسار يوجد بابًا آخر .
يقف نفس الرجل الذي قابلته منذ ساعات وعلى يمينه ويساره رجلان يطالعانها بتمحيص .
توقف ثائر يطالعهم بتجهم ثم ركز نظراته على رشدي وتحدث بغلظة :
- بم إننا وصلنا لهنا يبقى الأوامر جت ، إيه المطلوب يا رشدي بيه ؟
أشار رشدي بيده نحو الأرائك يردف بهدوء :
- اقعدوا يا ثائر .
اتجه ثائر يجلس وفعلت ديما التي لم تعد تلاحق نبضات قلبها ليتحدث رشدي إليها :
- عندك معلومات إن جوزك شغال مع المخابرات يا مدام ديما ؟
دقق النظر فيها بشكٍ لتلتفت تنظر نحو ثائر الذي ينظر أمامه بثبات لذا عادت تطالعه وتردف كاذبة :
- مخابرات إيه ؟
مراوغتها جيدة ولكنهم أقوى من جهاز كشف الكذب لذا فهم رشدي أنها كانت تعلم فتنهد يوميء وقال مباشرةً :
- المخابرات المصرية ، اللي إنتِ كمان هتشتغلي لحسابها .
سُجنت أنفاسها داخلها وهي تطالعه بصدمة أكبر ليلفظ ثائر أبخرة حممه قائلًا :
- لو هي مش موافقة يبقى لازم حل بديل يا رشدي بيه وأنا الضامن .
التفتت تحدق به بعدم فهم ثم عادت تنظر إلى رشدي وتساءلت وهي ما زالت تجدف داخل موجة من الذهول :
- ممكن تفهموني ايه اللي بيحصل وعايزين مني إيه ؟
تقدم جاد خطوتين وكاد أن يتحدث ولكن ثائر صب غضبه عليه و نطق بغلظة :
- ماتتكلمش معاها .
أشار له رشدي يوقفه فاغتاظ جاد وتراجع يقف مع بهاء الذي يتكتف ويتابع بصمت ليزفر رشدي ويبدأ شرحه قائلًا :
- طبعًا أكيد تعرفي توماس وشوفتيه قبل كدة في فرنسا ، توماس هنا في مصر ، جه مع مارتينا وعندهم شك بخصوص ثائر ، بس مش ده الجزء اللي مهم تعرفيه ، لازم تعرفي ان توماس عنده معلومات كتير تهمنا نعرفها ، المعلومات دي محتفظ بيها جوة ذاكرته ، يعني لو مات هتموت معاه ، ده غير ان عندنا تحريات بتقول انه شغال عميل مزدوج لصالح بلد تانية ومأمور بمهمة تانية معاد تنفيذها مش بعيد ، المطلوب منك تقدري تخليه يبوح بكل اللي عنده .
عقلها لا يستوعب بعد ما يقوله رشدي لذا تهز رأسها استفسارًا وذهولًا ، بينما تقافز غليان ثائر لينطق بضغطٍ سافر وهو ينظر لزوجته ويؤكد على مسامعهم :
- عن طريق رحمة ، رحمة جارة يسرا صاحبتك ، رحمة كانت زوجة توماس ومخلفة منه وهو نزل وراح لها ، هدفه مش مراته ولا ابنه، هدفه ينفذ اللي جاي علشانه ، وعايز يوقعني ويتأكد إذا أنا تبع المخابرات أو لاء .
جلست بينهم وعقلها يطوف في مدارٍ ضبابي ، تشعر أن الأرض تميد بها بعدما فقد عقلها اتزانه فلم تعد تستوعب ماذا يقولون وأدرك رشدي حالتها لذا أردف بهدوء :
- اهدي خالص يا مدام ديما ، أنا متفهم الحالة اللي إنتِ فيها دلوقتي، بس لازم تفهمي إنك لو وافقتي هتكوني بتقدمي خدمة لبلدك اللي بتحبيها جدًا ، فكري كويس جدًا وهنكون في انتظار قرارك ، قدامك يومين بالكتير ، ثائر هيوضحلك كل التفاصيل لو وافقتي وهيدربك بنفسه ، بس لو رفضتي يبقى تمحي من ذاكرتك تمامًا إنك جيتي هنا أو قابلتيني أو شوفتي حد من اللي معانا دول ، وإلا وقتها ثائر هيكون في خطر فعلًا .
انتفض ثائر من مكانه ومد يده يمسك كفها البارد ناطقًا وهو يتحرك ليغادر بعدما انتهى الحوار :
- يالا يا ديما .
سحبها وتحرك وقبل أن يخرج من الغرفة أردف رشدي بهدوء مبهم :
- آن الأوان تعلنوا جوازكم يا ثائر ، وانت خارج هتلاقي جلال مجهزلك هدوم مناسبة ليك وللمدام ، بدلوها وروحوا اتصوروا صورة حلوة تنزل على صفحاتكم وتعلنوا معاها انكوا اتجوزتوا .
لم يعلق ثائر بل استأنف خطواته يسحب ديما معه وغادرا المكان حتى وصلا إلى محل الملابس فناوله الرجل الملابس فالتقطها ليتنفس بقوة والتفت ينظر لها ليجدها تطالعه بتشتت فأردف وهو يناولها حقيبتها :
- ادخلي البسي ده في البروفة .
نظرت ليده الممتدة تحمل كيسًا فالتقطته منه وأومأت بتيه وتحركت كأنها دمية تنفذ ما يطلب منها .
تحرك معها ووقف لها أمام غرفة القياس ينتظرها وعقله يفكر كيف ستتقبل ما سمعته .
وقفت في الغرفة تنظر لهيأتها أمام المرآة ، الآن حصحص كل شيء ، هذه هي الأجوبة التي سعت لتعرفها ، كان يخفي عنها كل هذا ، الآن وُضع على عاتقها مهمة لبلدها وباتت حياتها غير مستقرة ولم يعد السلام خيارها ، لذا كان يبعدها ، لذا التزم الصمت ، حتى في إعلان زواجهما كان لابد من انتظار الأوامر ، كل الأجوبة التي بحثت عنها منذ عودته جاءت وارتطمت في وجهها دفعة واحدة لذا هي على وشك السقوط .
نظرت للفستان في يدها وشردت تفكر ، نعم تحب بلدها حبًا جمًا ولكن ماذا عن صغيريها ؟ وهل هي قادرة على فعل ما يريدون أم أنها ستفشل وتعرض حياة الجميع للخطر ؟
عادت تنظر لملامحها في المرآة ولم تصدق بعد أنها تعيش هذا ، هل هي نفسها ديما الصابر ؟
- ديما ؟
ناداها من الخارج كي تغادر حفلة الذهول المقامة داخلها لتنتبه له لذا تنهدت بعمق ونطقت بخفوت :
- تمام ، خارجة .
بعدها أسرعت تبدل ثيابها وترتدي ذلك الفستان وحجابه ثم خرجت لتجده قد ارتدى حلته السوداء الأنيقة ، يبدو أنيقًا ذو هيبة وشموخ ، يمثل لها جبل جليد يحوي الكثير ويخفي الأسرار ولم يستطع أحد هدمه ولكنها المميزة التي باستطاعتها تذويب جليده ، وقد حملت على عاتقها مسؤولية راحته .
تعمقت فيه وهو كذلك لثوانٍ فقط قبل أن يمد يده لها قائلًا :
- يالا .
تحركت معه وغادرا المكان واستقلا سيارتهما وقاد متجهًا إلى المصور الفوتغرافي الذي سيلتقط لهما صورة يعلنا بها خبر زواجهما .
❈-❈-❈
حاولت بسمة التحدث معها ولكنها أوصدت غرفتها ولم تجِبها ، وقفت أمام الباب تحاول مواساتها لذا قالت بترقب :
- افتحي يا دينا وخلينا نتكلم ماينفعش تصرفاتك دي ، إنتِ كدة فعلًا بتثبتي لداغر إنه معاه حق .
لم تجِبها فاستطردت بسمة بترقب :
- طيب تعالي نخرج شوية ، هاخدك ونروح مكان حلو أوي نتكلم فيه ، يالا بقى افتحي .
جاءتها منال تربت على كتفها وتردف بنبرة مبهمة :
- ماتتعبيش نفسك يا بنتي هي كدة ، تعالي اقعدي وسبيها لما تبقى تطلع براحتها ، أخوها ماقالش حاجة غلط .
زفرت بسمة وتحركت مع منال تجلسان في الصالة بينما في الداخل كانت تتآكل غيظًا من والدتها وداغر لذا تناولت هاتفها وقررت التحدث إلى صالح لربما هو من باستطاعته إقناع شقيقها .
اتصلت به فأجابها بنبرة هادئة يردف :
- السلام عليكم
أجابته بنبرة متحشرجة من أثر البكاء :
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، صالح هو أنا ممكن أشوفك ؟ عايزة اتكلم معاك شوية .
استمع لنبرتها وشعر أنها تبكي لذا تساءل باهتمام :
- ليش عم تبكي ؟
عاد البكاء يخنق حلقها وأجابته بمسكنة :
- داغر رفض موضوع الشغل ، علشان خاطري يا صالح اتكلم معاه وحاول تقنعه ، الفترة دي بس لحد ما انتوا تخلصوا ، لو هو مش عايزني اشتغل مع بسمة ممكن اشتغل في مكان تاني .
زفر بضيق ، لقد ألقى كرة الرفض في ملعب داغر خاصةً وأن علاقتهما مازالت في بدايتها ولكنها تلح على هذا الأمر وتريد مساعدته لذا دمج بين حالتها ورفضه فقال بنبرة هادئة تحمل شيئًا من الصرامة والوضوح :
- راح أحكي معه بس لو أسبابه مقنعة خلص الموضوع منتهي يا دينا ، داغر أكتر واحد بخاف عليكي وع زعلك ، روقي هلقيت وبس احكي معه بخبرك شو عملت ، ولا عاد تبكي .
شعرت بالخيبة لذا زفرت بإحباط وأجابته :
- ماشي .
أغلقت معه وفكرت ، يبدو أنهم اجتمعوا على تقرير مسارها بدلًا عنها ، يبدو أن صالح هو من سيؤيد داغر وليس العكس ، عليها أن تفعل شيئًا وألا تستلم لهما لذا نهضت تمسح دموعها واتجهت تفتح الباب وتخطو للخارج لتجد بسمة ومنال تجلسان أمامها لذا وقفت ترفع رأسها وتتكتف وتنظر إلى بسمة قائلة :
- قومي نخرج زي ما قولتي .
نظرت لها منال بضيق فتجاهلتها وترقبت جواب بسمة التي أومأت وأردفت :
- تمام ، ادخلي البسي وأنا هكلم داغر اعرفه .
زفرت واتجهت تخطو نحو الحمام ونهضت بسمة لتستعد وتخبر داغر عله يقابلهما ويحلوا معًا هذا الخلاف .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
وصلا إلى المنزل ودلفا إلى غرفتهما على الفور خاصةً وأن أمجد اصطحب علياء ومعاذ إلى النادي .
الأحداث متداخلة في رأسها وكل ما تريده هو استراحة قصيرة لتواصل وترتب كل هذا لذا زفرت ونظرت إليه وأردفت :
- أنا هدخل آخد شاور .
أومأ لها بصمتٍ فتحركت نحو خزانتها تستل منها لباسًا مناسبًا واتجهت نحو الحمام ، وقفت في كابينة الاستحمام أسفل المياه التي انهمرت عليها تتمنى لو تسقط على رأسها فتساعدها في فك اشتباك صراعاتها .
الآن فقط فهمت سبب حالته وصمته وحدته طوال الأيام المنقضية ، فهمت سبب تعامله مع صغيريها ، فهمت خوفه المضاعف عليها ، وأدركت كم الأحمال التي ترزح داخله بمفرده .
اعتصرت عينيها وتنهدت مطولًا وأغلقت زر المياه الساخنة لتجعلها أكثر برودة ، عليها أن تتحمل هذه البرودة كما عليها أن تتحمل القادم ، عليها أن تتحدى انتفاضة جسدها كما ستتحدى معه هذه الأيام الشرسة ، عليها أن تتناسب بشكلٍ تام مع المكانة التي وضعوها بها وتنفذ ما طُلب منها ، عليها أن تتحدث معه عن كل شيء ، الآن جميع الأوراق باتت مكشوفة ويجب أن تعلم ما يعلمه وما يخفيه .
أغلقت الصنبور بعد دقائق وشعرت أن طاقتها قد تجددت ، امتدت يدها تستل المنشفة وتتنفس مجددًا للاستعداد ثم ارتدت قميصها القصير وتحركت نحو الخارج وهي تجفف خصلاتها وتنوي التحدث معه .
خطت فلمحته يتمدد على المقعد الهزاز ، يتأرجح ويخفي وجهه بكفه سابحًا في عالمه المظلم ، رق قلبها لهيأته ، تدرك ما يشعر به ، وتدرك أنه لا يرغب في إدخالها هذه المنطقة قط ولكن حدث ما لا يتمناه .
حملت على عاتقها إخراجه من صومعة أفكاره السلبية كي يتحدثان ويضعان حلولًا وكفى تفكيرًا بعد الآن لذا تحركت بخطى هادئة وتجرأت للمرة الأولى وجلست على ساقيه .
رفع كفه عن وجهه يطالعها بتعجب لم يدُم للحظات حتى انحنت عليه تبادره بقبلة عميقة وتحركت يديها تمسك برأسه وباتت أصابعها تتلاعب بخصلاته لتنزع عنه أي حزنٍ فهي تعلم أن هذه الطريقة فعالة معه ، منها لا من غيرها .
وبالفعل قد كان ، تخلى عن تعجبه في مبادرتها الجديدة عليه ، وأسرع يبادلها بكل شوقٍ ونهم ، مشاعره المتضاربة بين غيرة وغضب وعجز وحب وخوف وكره وتشتت اجتمعت داخله فبات مهيمنًا مسيطرًا ومندفعًا بشدة لتترك نفسها له وهي على يقين أنها في أيدٍ أمينة لن تضرها قط بل تثق أنه بعد قليل سيهدأ ويدخلها في كومة من مشاعر الحب فقط .... وقد كان .
❈-❈-❈
في مطعمٍ ما
جلست دينا تتطلع على النهر وتقابلها بسمة ترتشف مشروبها وتنتظر مجيء داغر .
حاولت تلطيف الجو فتحمحمت وقالت بترقب :
- خلاص بقى يا دينا فكي شوية ، داغر خايف عليكي مش أكتر .
التفتت تواجهها بملامح منزعجة ونطقت بتهكم :
- ده مش خوف يا بسمة دي خنقة ، بردو عمل معايا كدة في الشركة الصينية وهو السبب في إني أسيب شغلي .
انزعجت بسمة وأجابتها باستنكار :
- اللي اعرفه إن مديرها كانت تصرفاته مريبة معاكي بعد ما رفضتيه ، وداغر من حقه يخاف عليكي .
اغتاظت من معرفة بسمة بالتفاصيل لذا اندفعت تجيبها :
- مهو بسبب داغر ، على فكرة ده إنسان كويس والناس كلها في الشركة كانت بتقدره وبتحب التعامل معاه ، بس داغر خوفه .
وجدتها متحاملة على شقيقها لذا تنهدت والتزمت الصمت لثوانٍ حتى ظهر داغر ومعه صالح فلوحت له فاتجها نحوها .
ألقى داغر السلام وكذلك صالح التي تعجبت دينا من مجيئه لذا تلبست الهدوء ، نهضت بسمة تردف بتروٍ :
- داغر تعالى نقعد على ترابيزة تانية ونسيب دينا وصالح يتكلموا شوية .
أومأ لها وتحرك معها نحو طاولة أخرى بينما جلس صالح بدلًا عنها ونظر إلى دينا وابتسم يردف :
- بعدك زعلانة ؟
حدقت به وبملامحه الوسيمة وعادت تطرق رأسها وتجيبه بنبرة هادئة :
- مش زعلانة يا صالح ، أنا بس نفسي داغر يفهمني ، أنا مش صغيرة وأفعاله بتحسسني إني طفلة ، فيها إيه لما اشتغل مع بسمة الفترة دي بس .
اومأ وزفر يستطرد بروية :
- أنا حكيت معه ، وبصراحة أنا فاهم وجهة نظره يا دينا .
زفرت بضيق وتكتفت وعادت تنظر للنهر أمام أعين صالح المتفحصة لأفعالها لذا أردف بنوعٍ من الإرشاد :
- ع مهلك شوي ، ما بيصير تاخدي كل شي ع قلبك هيك ، الدنيا أخد وعطا يا بنت الحلال .
التفتت له تسترق ابتسامة هادئة ثم دارت رأسها تتطلع على شقيقها الذي يتحدث مع بسمة .
كانت تحاول إقناعه بالأمر وتتمسك بكفيه بحبٍ لتقول مبتسمة :
- أنا مقدرة خوفك وقلقك يا داغر بس يا حبيبي لازم تديها فرصتها ، لازم يبقى ليها تجارب في الحياة ، حتى لو لا قدر الله وقعت تتعلم تقوم تاني ، لازم تعتمد على نفسها وتقدر تتحمل المسؤولية ، دينا مدللة وده بدأ ينعكس على تصرفاتها .
لمحت تجاوبه مع حديثها فتابعت توضح :
- لو إنت رافض شغلها معايا ممكن تدورلها على أي شركة تانية مناسبة لحد ما تظبطوا أموركوا ، بس بلاش الرفض القاطع ده .
رفع نظره يحدق بها ثم تنهد بحرارة ونطق وهو يضغط على كفها بحبٍ متبادل :
- أنا مش هكون مآمن على أختي غير معاكي يا بسمة بس إنتِ فاهمة أنا رافض ليه .
أومأت بتفهم فعاد يزفر والتفت ينظر لشقيقته التي تحدق بهما ليتجاهلها ويعود مجددًا إلى بسمة مسترسلًا بقبول :
- تمام يا بسمة ، خليها معاكي بس ياريت يبقى معظم شغلها من البيت .
انتعشت ملامحها فابتسم ورفع كفها يلثمه لذا نهضت تردف بفرحة :
- طيب تعالى نبلغها .
تحركا سويًا نحوهما حتى وقفا أمامها وأمام صالح الذي رفع نظره إليه يترقب وبسمة تضغط على كفه ليزفر داغر ويردف دون النظر إلى شقيقته ليخبرها بحزنه منها :
- اعملي اللي إنتِ عايزاه يا دينا ، بعد كدة مش هعترض على قراراتك .
قالها ونظر إلى صالح يستطرد :
- يالا يا صالح نشوف اللي ورانا .
دس يده في جيبه يخرج عملات نقدية ويضعها على الطاولة أسفل مسند المحارم ثم تحرك يغادر ونهض صالح يتبعه بانزعاج ، لم يكن يريد موافقة داغر ولكنه في نهاية الأمر لا يمتلك القرار .
عادت بسمة تجلس أمام دينا المنزعجة وتردف بانزعاج :
- أخوكي وافق يا دينا بس إنتِ لازم تراضيه .
نطقت باندفاع وغيرة غير مبررة :
- وافق لما كلمتيه كلمتين وأنا بلح عليه من امتى علشان يقبل ، بس ماشي المهم أشتغل واثبتله أنه غلطان في خوفه ده .
لم ترد بسمة عليها حيث أنها خشت أن تؤلمها بكلمات تستحقها ولكنها فضلت ألا تفعل لذا حملت حقيبتها ونهضت تسترسل بتجهم ومغزى :
- تمام ، قومي يالا نروح علشان داغر قال مانتأخرش برا .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ جلسا سويًا مقابل بعضهما على الأريكة ، كلًا منهما ينظر إلى الآخر بثقة لتبدأ ديما الحديث قائلة :
- اتحملت كل ده لوحدك إزاي ؟ ليه ماجتش قولتلي ؟ ليه ماشركتنيش ؟
أجابها يبوح بكل ما لديه وهو يتمسك بكفيها خشيةً من أن تبتعد :
- أنا كنت على استعداد أفضل مخبي العمر كله ولا اللي حصل النهاردة ده يحصل ، انتِ هترفضي يا ديما ، هتقولي إنك مش هتقدري وأنا هتولى الباقي .
دققت التحديق به ولم تفصح عن قرارها بل استرسلت بترقب :
- طيب احكيلي كل اللي حصل ، فهمني الوضع الأول يا ثائر .
لم ترِحه إجابتها ولكنه سيصارحها بكل شيء ، خاصةً الشيء الذي يعلم أنها تنتظر تفسيره منذ أن عاد لذا زفر مطولًا وقال :
- بصي يا ديما ، أنا مهمتي كانت تتبع ارتوا ومعرفة أسرار ومعلومات من جوة بيته ومش معلومات ثابتة بالعكس ، معلومات بتتجدد كل فترة ، يعني أنا كنت رايح فرنسا وعارف إن وقتي هناك مش محدد ، وطبعًا الخطة كانت إني ألعب على مشاعر مارتينا وأخليها تحبني لإن ده السبيل الوحيد لدخولي قصر إرتوا اللي مافيش أي غريب بيدخله مابالك بواحد مصري مسلم ، الأمر كان مستحيل ، علشان كدة كان لازم اطلع من هنا بتهمة مخلة زي اللي حصلت ، وكان لازم انتقد كل ماهو عربي ، وكان لازم أبين ولائي وحبي لأوروبا والتحضر اللي فيها ، كان لازم أقنع اللي حواليا كلهم بده زائد كمان إني لازم أوقع مارتينا .
ولته كامل اهتمامها فتنفس يتابع بشرود ويديه تحتضن كفوفها :
- استدراج مارتينا ماكنش سهل أبدًا زي ما توقعت ، برغم إنها تبان مجنونة إلا إنها ذكية جدًا ، تربية رجل جيش ، حتى لما حبتني كانت حطاني تحت عدسة الميكرسكوب في كل تصرفاتي ، وعلشان تتأكد من إخلاصي ليها ولبلدها كانت بتطلب مني اختبارات كتير عملتها كلها حتى الوشم اللي على كتفي وصدري ، هي طلبت أرسمه بس أنا رسمت الملامح اللي في خيالي ووقتها كانت مشكلة بيني وبينها ، بس كنت بدأت أعرف أسيطر عليها وفعلًا اقتنعت بكلامي، وبدأت تثق فيا، وبدأت أعمق الثقة دي وأكتب مقالات كتير تسيء لبلدي على عكس كتبي اللي كانت كلها رسايل مشفرة متفق عليها وماحدش منهم فاهمها ، كل ده والعلاقة بينا كانت بعيدة عن القصر وماطلبتش منها أبدًا ولا لمحت إني أروح اعيش معاها هناك ، كنت عايزها هي اللي تطلب الطلب ده ، حاولت تستدرجني لعلاقة بس عرفتها إن ده مش مسموح معايا ، لازم يبقى فيه جواز ، كنت أشد وأرخي في نفس الوقت ، أرسم وشم عادي إنما أشرب لاء ، نخرج ونتجاوز حدودنا عادي إنما علاقة كاملة لاء .
وخزة استهدفت قلبها ، إذا اختباراتها معه كانت بالغة الصعوبة ، ما أصعب أن يُختبر المرء في دينه ، في هويته ، في قناعاته التي تربى عليها ، تألمت بصمت ولكنها تجاوزت بصعوبة لأجل أن يكمل ، تجاوزت لإنها على يقين بأنه كان مجبرًا .
أما هو فقد عاد لتلك الذكريات لذا نكس رأسه وأردف مدافعًا عن نفسه :
- كنت مجبر ، حقيقي كنت مجبر ، هي كانت موافقة على الجواز بس الرفض كان من عند إرتوا نفسه ، بس أنا اتمسكت بموقفي برغم ضغطها عليا وجنونها معايا علشان كدة بلغت باباها إنه لو موافقش هتنتحر ، وفعلًا باباها وافق على جوازنا لإنه عارفها مجنونة ، ومن هنا بدأت مهمتي .
ظلت مشدوهة تستمع له ليتنهد ويستطرد :
- اتجوزنا بعد اختبارات قاسية وبعد ما اتأكدوا مني وتحروا عني ، وبعد 3 شهور حصل حمل ، طبعًا هي كانت مستهترة جدًا وموضوع الحمل بالنسبالها مزعج لدرجة إنها حاولت تتخلص منه ، بس أنا اللي تابعت الحمل بنفسي مش لإني حبيتها بالعكس ، لإني كنت حاسس إني محتاج أفكر في نفسي شوية خصوصًا وأنا شايف إن كل يوم بيعدي بفقد أمل رجوعي لبلدي وبتكون حياتي معاها أمر واقع ، فضلت بعدها سنة ونص بدرس كل شبر وكل خطوة وبجمع معلومات عن الحرس بتوعه وبحفظ أي ثغرة لإرتوا ، حتى حركاته البسيطة اللي بيعملها بدون قصد أنا حفظتها ، سنة ونص بتعامل إني ثائر ذو الفقار الكاتب العربي اللي اتجوز من مارتينا ارتوا واللي أبواب الحظ كلها اتفتحت له بعد جوازه ، حياتي كلها كانت عبارة عن تمثيل في تمثيل ، مشاعر مزيفة وضحكة مصطنعة وتعامل متغطي مع ناس بكرههم ، طاقة النور الوحيدة اللي ربنا بعتهالي وسط الظلام ده كان هو معاذ ابني اللي نِدمت على ولادته ، كان نفسها تجهضه زي الحمل الأولاني لإنها مش بتاعة مسؤولية ، بس أنا ماسمحتلهاش بده ، هو الوحيد اللي كنت بعيش معاه مشاعري الحقيقية ، كل الحب المكبوت جوايا طلعته علشانه ، حتى اليأس اللي كان بيحاول يثبط عزيمتي بمجرد ما بشوف ابني بيختفي وبتتجدد طاقتي وكنت عايش على حلم واحد بس وهو إن هييجي اليوم اللي هرجع فيه مصر أنا وابني وتنتهي المسرحية دي وأخلّص مهمتي بنجاح .
اعتدل قليلًا في جلسته وأكمل وهو محتفظ بكفيها :
- سنة ورا سنة ومعلومة ورا معلومة كانت بتوصل عن طريق الكتب وكنت على أمل إن في أي وقت توصلني كلمة خلاص، لحد ما لقيت نفسي عشت الدور فعلًا ، وأول ما اتقال لي خلاص انفصلت عن مارتينا لإني كنت جايب أخري منها ، استفزيتها وقوّمت خناقة كبيرة وبعدها انفصلت عنها، بس ماكنش هينفع أرجع وأسيب ابني واسمي اللي بنيته هناك ، خصوصًا إن ارتوا كان متعلق بمعاذ ، كان عايز يربيه على كيفه وطبعًا مش هينفع أسيبه ، لحد ما لقيت مهمة جديدة وبيطالبوا إني أرجع لمارتينا تاني علشان أدخل القصر تاني واتصاحب على توماس وأعرف استدرجه ، طبعًا رفضت أرجع لها وأكدتلهم إني هجيب المعلومات المطلوبة من غير رجوع للقصر، وفعلا بقيت أخرج دايمًا أنا ومعاذ ومرة أشتري ليه هدية ، ومرة أشتري لعب وأدفن جواهم أجهزة تصنت ، الفكرة كانت كويسة بس المعلومات اللي كنت بحصل عليها مش بالأهمية المطلوبة ، وبردو استقطاب توماس كان شبه مستحيل حتى بعد ما دخلت مجاله ، ماينفعش أتعامل معاه كصاحب ليا وهو من البداية واخدني عدو ، فكرت شوية ولقيت إنه عايز ياخد مارتينا مني ، بيغير لإنه متأكد إنها بتحبني أو مهووسة بيا ، عداوته معايا دايمًا نشطة وأي حاجة تخصني عايز يستحوذ عليها ، لكن بردو ماعرفتش أوصل لكل اللي عنده .
تنفس وصمت قليلًا يحدق بها بعمقٍ واسترسل بصدق :
- لحد ما ظهرتي فجأة بتعليقك عندي ، إنتِ جيتي في وقت أنا كنت فيه على حافة الهاوية ، كنت فقدت طاقتي وراحتي والوحدة اتملكت مني لدرجة الاستسلام ، تخيلي عايش وسط مجموعة أعداء أنا وابني ومجبر استدرجهم وأتعامل معاهم على إني بحبهم في الوقت اللي هما أصلًا نفسهم يتخلصوا مني ، المعادلة كانت صعبة جدًا وكنت محتاج حد واحد يحبني بجد ، حد واحد أثق فيه وفي محبته ليا ، حد شبهي في حاجات كتير وأولهم حبي لبلدي ، علشان كدة عملت المستحيل علشان أجيبك ليا أول ماعرفت إنك انفصلتي وعرفت قصتك ، إنتِ كنتِ السلام اللي مستنيه بعد حرب قربت تخلّص عليا .
تنفس مجددًا وشرد قليلًا يعلم أن ما سيقوله سيؤلمها ولكنه تعهد بمصارحتها بكل شيء لذا نطق :
- أنا اللي اتسببت بوقف كتابك في مصر .
جمدتها الصدمة وطالعته بذهول لثوانٍ وكادت أن تسحب يديها ولكنه أحكم قبضته عليها يسترسل :
- ماتسبيش إيدي يا ديما ، ماتسبيهاش أبدًا ، أنا عملت ده علشان توافقي تجيلي فرنسا وقبل ما آخد خطوة زي دي كنت عارف إني هعوضك غيرها ، صدقيني كنت واثق وحريص إن اسمك هيسطع وهتاخدي حقك على نطاق أوسع .
لا تعلم أتحزن أم تفرح ، لقد عاشت حزنًا بالغًا آنذاك ولكنها أيضًا عاشت سعادة جبْرِها ونجاحها معه حيث مناظراتهما وكتبها الذي روج لها على نطاقٍ أوسع مثلما يقول ، هل تتجاوز صدمتها وتمضي قدمًا أم تقف عندها ؟
يعلم أنها ستتجاوزها لذا استرسل مستكملًا :
- في دبي جت أوامر جديدة إني لازم أدخل قصر ارتوا تاني بعد تأكيدهم بوصول معلومات جديدة واحتفاظه بيها داخل بيته، وطبعًا الطريقة الوحيدة لده هي رجوعي لمارتينا اللي بتتمنى ده يحصل ، بس وقتها كان شرطي الوحيد إنك ترجعي مصر زي ما قدرت أسفر معاذ عند أهلي وحصل وانتِ عارفة الباقي .
تعمد ألا يسرد هذا الجزء حتى لا يزيدها عليها ولكنها تطلعت على ملامحه المتعبة وتنهدت مطولًا وتساءلت في ذات النقطة التي يداريها قائلة بنبرة مختنقة :
- لاء ماعرفش الباقي ، احكيلي إيه اللي حصل بالضبط في بيت إرتوا أول ما دخلت ، ماتختصرش الجزء ده .
يعلمها ذكية لذا أسبل جفنيه وتنفس بعمق وقرر ألا يخفي شيئًا وليترك لها القرار لذا أردف :
- أنا كنت متفق مع حد تبعي إنه يكلمني في وقت معين ويبلغني إن والدي تعب ووقع ودخل العناية وطبعًا ده بالاتفاق مع بابا فعلًا بس الجهاز منع المكالمة دي في الوقت ده .
تهاوى قلبها وشعرت بانسحاب الهواء من رئتيها وتساءلت :
- يعني إيه ؟
أردف بتوتر :
- كان فيه خطة بديلة عامل حسابها وهي قرص مخدر هيتحط في المشروب بس مارتينا كانت في حالة هوس مش طبيعية .
نزعت يدها منه تضعها على وجهها وتهز رأسها بقهرٍ مردفة :
- ماتكملش ، ماتكملش خـــــــلاص .
أسرع يزيح يديها من على وجهها ويصيح بتأكيد :
- ماحصلش حاجة ، ماحصلش أي حاجة ، وقتها جه اتصال من توماس على تليفونها وقالها كلام ***ولأول مرة يساعدني وفعلًا بعدتها عني فورًا ، ماسمحتلهاش تقرب مني من وقتها لحد ما رجعت .
نظرت له بصدمة ولم يشفع كل اعترافه لديها بل سقطت دموعها وتألم قلبها وتألمت مشاعرها ونهضت تتكتف لتمنع ارتعاشتها وتسأله باتهام :
- ولو توماس ماكنش اتصل ؟
رفع وجهه يناظرها ويتنفس بتعب يترجاها أن تفهمه ولكنها أجابت عنه :
- كنت هتعمل كدة .
هز رأسه بلا ، لم يكن ليفعلها مع امرأة غيرها مابالك تلك القذرة التي يشمئز منها ، لم يكن يستطيع فعلها مع أخرى بعدما عاش معها ولكنه كان مجبرًا على التمثيل أمامها كسنواته السابقة ، زفر وأردف بوهن :
- لاء يا ديما ، أنا مش الراجل اللي تتحكم فيا شهوتي حتى لو في مهمة ، كنت هوقفها بأي وسيلة تانية بس لآخر لحظة توقعت الاتصال ييجي من صقر ، أنا مستحيل أخونك زي ما أنا مستحيل أخون بلدي .
سيطر عليها غيرة أنثى جريحة من تخيل مشاهد لم يتقبلها عقلها وقلبها ، خاصةً وأنها للتو تلقت صفعة إيقافه لكتابها لذا نطقت بغيرة وحزن :
- بس أنت فعلًا خونتني يا ثائر .
قالتها وتحركت بخطواتٍ متعثرة نحو الحمام وجلس يزفر بالقليل من الراحة ، يعلم أنها ستفكر وستعود ولكن يكفيه أنه صارحها بكل شيء ، عليها أن تتجاوز غيرتها سريعًا وتفهم أنه ملكًا لها وحدها .
عاد يتنفس ولكن عادت نظراته تُظلم حينما تذكر ما وكّل إليها ، سترفض تلك المهمة وسيتولى هو كل شيء بعد ذلك ومن المؤكد ستساعده بالدعم بعدما علمت كل شيء ولكنها ستبتعد .
❈-❈-❈
عاد يتجاهلها مجددًا ، تارةً يهتم كثيرًا وتارةً يبتعد بعيدًا ولا يجيب على اتصالاتها ، ماذا يفعل هذا الرجل ؟
هل يعاقبها على عدم موافقتها على الاقتراب منه إلا بشكلٍ رسمي ؟ هي تحبه وتريد ذلك ولكن ماذا تفعل إن كانت المعاملات الورقية هي المعضلة ، عليه أن يسرع في استخراج شهادة إشهار إسلامه ليتزوجا .
لذا استلت هاتفها وحاولت الاتصال به لتخبره بذلك ، رن الهاتف ليجيبها بعد دقائق من غرفة الفندق الخاصة به :
- ماذا رحمة ؟
تنهدت بحرارة تجيبه :
- اشتقت لك توماس ، كيف حالك ؟
- بخير ، كيف هو قصي؟
- يشتاق لك هو أيضًا .
- سآتي لأراه قريبًا ولكنني أبتعد مجبرًا ، لا أستطيع أن اكون معك في منزل واحد دون لمسك .
نطقها بتلاعب حيث أنه يجلس أمام حاسوبه يتفحص صفحة ديما الإلكترونية لتجيبه بسعادة مضاعفة وجرأة :
- وأنا كذلك لذا لِم لا تسرع في استخراج شهادة الإشهار ؟ يمكنك فعلها لو علموا أنك ستعود مثلًا إلى فرنسا .
ابتسم بخبثٍ صريح ونطق حينما ظهرت أمامه صورة ديما من إحدى مناظراتها مع ثائر :
- فكرة ممتازة أيتها الحسناء ، سأفعل هذا بكل تأكيد ، كم أتمنى لو تصبحين ملكي .
أعطاها جناحات لتحلق عاليًا بآمال واهنة لذا نطقت :
- أحبك كثيرًا توماس ، ما رأيك لو نتناول العشاء في الخارج غدًا ؟
كان يرسم في مخيلته خططًا وأولهما ملامح ثائر حينما يتلاعب بزوجته ويأخذها منه ليصبح هذا الحلم مهيمنًا عليه بشدة لذا قهقه بانتشاء وأردف :
- لأرى ما لدي وأخبرك عزيزتي ، هيا قبلاتي .
أغلق معها ورطم الهاتف جانبًا وتمسك بالحاسوب يقربه من وجهه ويتفحص ملامح ديما عن قربٍ شديد ثم كشر عن أنيابه يردف بتوعد كأنها أمامه :
- سترضخين لي أنتِ أيضًا أيتها الفاتنة ، سأنتقم من زوجك انتقامًا يليق بأمجاده .
❈-❈-❈
حينما طال بقاءها في الحمام شعر بالضيق لذا نهض يتجه نحو الحمام ويطرقه ويناديها بترقب :
- ديما ؟
لم تجِبه ولم يسمع صوتًا في الداخل لذا مد يده يدير مقبض الباب ليتفاجأ بوصده ، كاد أن يندفع لولا أنها فتحت تطالعه بهدوءٍ وصمت ، لم يمهلها وقتًا حيث أسرع يسحبها ويعانقها بقوة ، يعلم أنها تحاول مواكبة كل هذه الأحداث والاعترافات لذا سيكون متفهمًا لكل ما تمر به .
احتواها بعناقه ولف ذراعيه حولها يملس على طول ظهرها بصمتٍ بينما هي رفعت يديها تتلاعب بخصلاته في حركة أوهمته بها أنها راضية عنه ، لقد تلقت منه للتو درسًا في الثقة ، مهما كان مقدار حبها له ، مهما كان واضحًا معها ، مهما كان يحبها ويحترمها لا يجب أن تثق به ثقة مطلقة ، هو من خطط لوقف كتابها إذًا ؟ كيف فعلها ؟ ألم يكن بإمكانه أن يجد حلًا بديلًا كي لا تعيش ذلك الحزن الكبير ؟ نعم عوضها ، دعمها ، أعطاها من شهرته ، ولكنه أيضًا تحايل ، وكاد أن يخلف وعده .
لذا قررت أن تفتح له بابًا من الثقة ونافذةً من الحذر كي لا تتألم مجددًا .
يتبع...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا