القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثانى والثلاثون 32بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثانى والثلاثون 32بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)






رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثانى والثلاثون 32بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثانى والثلاثون 32بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)



#لا_تخافي_عزيزتي 

|32-الخاتمة| الجزء الاول

صلوا على الحبيب 


مرت أيام العزاء ثقيلة على قلب يارا، كأقسى الأيام. كانت غارقة في حزنها، تسير بخطى مثقلة إلى غرفة مصطفى التي اعتادت النوم فيها منذ وفاته، مستلقية على فراشه، تعانق ذكرياته بمرارة. كل ليلة، تخرج صوره، تغوص في ذكرياتها معه، تبكي على فقدانه، غارقة في ألمها.


في هذه العزلة، كانت يارا وحدها في البيت الفارغ، بينما كان عمر يراقبها بصمت من تحت شرفتها. رأى دموعها تسيل، قلبه يعتصر من الألم لرؤيتها تتألم. قضى ليالٍ كثيرة يبيت تحت نافذتها في سيارته، يغلبه النوم وهو يتابعها من غرفة مصطفى، يدعو الله في سره أن يخفف عنها هذا الوجع الذي عرفه هو من قبل. لم يحتمل أن يراها تعاني هي الأخرى، وقد عجز عن تقديم أي عزاء سوى مراقبتها والدعاء لها من بعيد.


___________


بعد سماع هدير بوفاة مصطفى تجمد الدم بعروقها واخذت تبكي بقهر وقد غلبها بعض الندم بانها كانت السبب في ضياعه هكذا وموته بتلك الطريقة القاسية لو انها ساعدته واعطت له فرصة لكان عاش لأجلها ولكن انتهى وقت الندم فالحقيقة بتت ظاهرة كوضوح الشمس ولا يمكن استرجاع شيئًا الآن. 

كانت حالتها ممزقة بين الألم والحزن العميق. شعورها كان مليئًا بالفراغ والضياع، حيث شعرت بأن جزءًا كبيرًا منها تمزق ورحل معه. كانت كل لحظة تجد فيها نفسها تتأمل في ذكرياتهما الجميلة، مع كل كلمة حلوة وضحكة صادقة تختفي ببطء في ذاكرتها.


المرارة والحزن المطلق سيطرا على حياتها، وكانت تشعر بأنها فقدت ليس فقط حبيبها، بل أيضًا جزءًا من نفسها. كانت الدموع تملأ عينيها كلما تذكرت كيف اختفى من حياتها بشكل مأساوي، وكيف لم يعد هناك فرصة لتوضيح الأمور أو إصلاح الأخطاء.

___________________


رجع عمر إلى بيته، وقلبه مثقل بعبء لا يُحتمل. عندما دخل، وجد والده يجلس مع دعاء، يحاول تهدئتها، وقال له بصوت مشوش يحمل تحت ظاهره ألمًا خفيًا: "أنا كمان يومين وهسافر... وعايزك معايا يا عمر. بعتقد إن الشغل ممكن يلهيك شوية عن اللي حصل. سيب شغلك هنا وتعالى اشتغل معايا، وهنستقر هناك. أنا مش هسيبكم تاني. كنت بجهز في أوراقكم شهر، لكن مكنتش أعرف إن هينقص مننا واحد لما أقرر آخدكم."


وافق عمر بلا جدال، ودخل غرفته ليحضر حقيبته. وبينما كان يجمع أغراضه، لفتت انتباهه صورة يارا. أمسك بها، وغرق في تأملها بصمت ثقيل. الكلمات تدفقت بداخله، تفيض بلا صوت. ذهب عدلي إليه، بينما كانت دعاء وعلا منهمكتين في تجهيز حقائبهما.


وقف عدلي على باب الغرفة، يراقب ابنه وهو يجلس على السرير. قال بصوت مشوب بالغضب والألم: "انسَ البنت دي... تنساها للأبد. أنا كارهها هي وأمها كره ما حسيتش بيه في حياتي. طول عمري اعتبرتها بنتي، لكن دلوقتي مش قادر حتى أبص في وشها. مين كان يصدق إن مصطفى يعمل كل دا؟ كويس إنه مات، لأن لو ما كانش مات، كنت أنا اللي هقتله بإيديا دول..."


توقف عدلي عندما سمع شهقات عمر المتقطعة. اقترب منه بسرعة، جلس بجانبه وأمسك وجهه بين يديه، قائلاً بقلق: "عمر... عمر، انت بتعيط عليها؟"


بكى عمر بشدة، وكانت كلماته تخرج بصعوبة من بين بحة صوته الممتزج بالبكاء: "أنا بحبها يا بابا... بحبها أوي... حبيتها أكتر من أي شيء... مش قادر أكرهها، صدقني مش قادر... لأني بتنفس يارا، مش هقدر أعيش من غيرها. قلبي يموت من غيرها يا بابا."


احتضنه عدلي بحنان الأب، مصدومًا بعمق حب ابنه لتلك الفتاة. ضمه إلى صدره، يربت على ظهره، بينما عمر يبكي بحرقة، مرددًا بصوت متهدج: "بحبها أوي... أوي."


________________________


وقفت دعاء على باب غرفة عمر، غارقة في دموعها التي لم تعد قادرة على كبحها. كان قلبها يعتصر ألمًا على حال ابنها، بينما نظر إليها عدلي بعينين مليئتين بالاستياء والحزن، وقال بلهجة حادة: "ابنك بيحب واحدة ما ينفعش يكون معاها!"


انحنت دعاء برأسها، وانكسر صوتها وهي تجيب: "يارا اتظلمت كتير، يا عدلي... وإحنا اللي ظلمناها."


توقف عمر عن البكاء للحظة، ورفع رأسه ببطء ليواجه والدته، ثم نظر لوالدته التي بادلته النظرات بأنه قد طفح الكيل فليعلم الجميع بالحقيقة.


جلست دعاء أمام عدلي، وروت له القصة بأكملها. كانت كلماتها كحجر ثقيل يسقط على صدر عدلي، حيث لم يستطع أن يصدق أن زوجته قد فعلت هذا بفتاة بريئة من غير حول منها ولا قوة ولا يصدق ما فعله ابنه!!..... هل كان غافلًا لهذه الدرجة ام بعيدًا كل البعد عنهم؟ كان يشعر بالغفلة، وكأن قلبه وعقله قد انخدعا طول هذه المدة ليكتشف الآن فقط هذه الجوانب المظلمة في عائلته.


قالت دعاء وهي تبكي بانهيار: "عمر حبها بصدق... أنا اللي قلت له يتخلى عن حبه عشان أخوه... راح لها واتهمها في شرفها عشان تكرهه وتتجوز أخوه، بس عشان اللي في بطنها... الاتنين اتظلموا بسببي أنا وعلي... ما يستحقوش ده مننا، حبوا بعض بصدق."


نهض عدلي من مكانه، صامتًا بشكل مخيف، ناظرًا إلى دعاء بخيبة أمل عميقة: "أنا سايب معاكِ عيالي أمانة، تقومي تعملي فيهم كده؟... يارا كانت أمانة معاكِ، تعملي في بنتي كده؟ دا أنتِ اللي مربياها، إزاي جالك قلب تعملي كده فيها؟!"


سقطت دعاء على ركبتيها، تبكي وتتوسل إليه: "والله يا عدلي ندمانة... وربنا ندمانة على كل اللي عملته معاها... سامحني، يا عدلي، سامحني عشان خاطري."


قال عدلي بغضب مكتوم: "أسامحك إزاي يا دعاء؟... أنا مبقيتش عارفك، انتِ غريبة قصادي، مش مراتي اللي اتجوزتها."


تدخل عمر، محاولاً تهدئة الوضع: "بابا، كلنا غلطنا... بس الغلط الأكبر إننا ما نعترفش بالذنب. الغلط إننا نكون عارفين إننا غلط ومع ذلك مكملين فيه... وماما اعترفت بذنبها، كلنا غلطنا في حق يارا... أنا عارف إن الموضوع صعب عليك زي ما كان صعب عليا أنا كمان... بس أنا مش هسجن أمي وهي عندها حاجة وخمسين سنة... لو بتفكر تسيبنا فارجوك راجع تفكيرك علا محتاجاك يا بابا وأنا كمان محتاجلك."


نظر عدلي إلى علا ابنته التي كانت واقفة، تبكي وخائفة من أن يفترق والداها بعد كل هذا العمر. ضعف عدلي أمام ابنته وابنه، ثم نظر إلى دعاء بتعبير خالٍ من الأمل: "ويارا، هتسيبيها مش عارفة كده؟"


قال عمر بهدوء: "ما أعتقدش إنها لازم تعرف بلي حصل... يكفي الوجع اللي هي فيه من الاكتشافات اللي حصلت الفترة دي... مش هقدر أخليها تعرف حاجة زي دي وتنهار أكتر ما هي منهارة."


بخطوات مثقلة بالهم، نهض عدلي متجهًا نحو باب الخروج. هتف عمر بسرعة: "على فين يا بابا؟"


رد عدلي، محاولاً الحفاظ على هدوءه: "رايح أتطمن على بنتي."


توجه عمر معه قائلاً: "أنا جاي معاك."


أوقفه عدلي بنبرة صارمة: "خليك هنا."


رد عمر بتوسل: "عشان خاطري يا بابا، عايز أشوفها."


وافق عدلي تحت ضغط نظرات عمر المليئة بالرجاء، وتوجها الاثنان إلى بيت يارا. عندما سمعت يارا من الخدم بمجيء الضيوف، نزلت من غرفة مصطفى ببطء. عندما نظرت للأسفل ورأت عدلي وعمر، توسعت عيناها بصدمة. نزلت السلم بخوف، وكانت ملامحها شاحبة، عيناها متورمتان من كثرة البكاء، وبشرتها جافة وقد ضاعت الحيوية من وجهها. لم تلتفت لعمر، بينما كان هو يتابعها بنظرات مفعمة بالندم والاهتمام.


قال عدلي بصوت هادئ: "البقاء لله، يا بنتي."


تنفست يارا الصعداء، محاولةً تفادي الحقيقة: "ونعم بالله. تفضل يا عمو، تشرب إيه؟"


كانت تتجاهل عمر بشكل متعمد، وعمر مذهول من تصرفها غير متوقع تلك القسوة التي تنبعث منها.


سألها عدلي بفضول متزايد: "اومال فين رحاب ليه عايشة في البيت لوحدك وشريف فين؟ 


اجابت يارا: "بابا شريف اتسجن في قضية ضربه لبنته" 


قال عدلي يبذهول: "معقولة؟!" 


قالت يارا: "كان ممكن ياخد فيها شهور بس اللي وصلها لسنين هو انه اتسبب في عاهه للبنت.... كسرلها ضلع قريب من القلب مما ادى الي ضيق النفس عندها وهتفضل طول عمرها متعملش اي مجهود عشان متتإذيش." 


قال عدلي بأسف عميق: "لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يشفيها ويعافيها... ومش شايف مامتك... حالتها أكيد صعبة من بعد موت مصطفى. هي عاملة إيه؟"


تجمعت دموع يارا وهي تجيب بقهر: "ماما من ساعة ما عرفت بموت مصطفى وهي مش بتتكلم، ومحجوزة في المستشفى لحد ما يحللوا حالتها. الموضوع اتعرض على طبيب نفسي، ولحد الآن ما وصلش لحاجة محددة. أثر الصدمة عليها كان قوي."


قال عدلي، محاولاً استيعاب الموقف: "طب إيه يا بنتي؟ انتِ عايشة لوحدك كده؟"


أجابت يارا ببرود مكسور: "أنا مرتاحة يا عمو، ما تشغلش بالك."


قال عدلي بقلق: "مشغلش بالي إزاي؟ أنتِ بتعملي إيه في جامعتك والمصاريف؟ مين معاكِ؟"


أجابت يارا بمرارة: "قدمت على منازل، وهنزل في الامتحانات بس... ما تشغلش بالك يا عمو... أنا متعودة على الوحدة."


تدخل عمر بصوت هادئ: "لا، ما كنتيش لوحدك، أنا كنت معاكِ."


لم تلتفت إليه يارا، بل تابعت حديثها مع عدلي: "إن شاء الله ماما تقوم بالسلامة وتيجي البيت."


سأل عدلي بحذر: "طب وطفلك؟"


نظرت إليه يارا بارتباك، فأضاف بأسف: "أنا عرفت... ويعلم ربي إني مش مصدق إن ابني ممكن يعمل كده... حقك علينا يا بنتي. أنا عارف إن ما فيش حاجة تقدر تعوضك او اي كلام ينفع يتقال، بس أتمنى علاقتي بيكِ تفضل زي ما هي... أب وبنته."


ابتسمت يارا بحزن عميق: "أكيد يا عمو... حضرتك ليك فضل كبير عليا، عمري ما هنساه."


قال عدلي بصوت يحمل قلق الأب: "لو احتاجتي حاجة أنا موجود... كنت المفروض أسافر، بس شكلي هأجل لظروف معينة. لو احتجتي أي حاجة، يا يارا، ما تتردديش إنك تكلميني... أنا معاكِ لحد ما تولدي طفلك بالسلامة وابقي طمنيني عن اخبار والدتك وان شاء الله خير متقلقيش."


بعد انتهاء حديثهم، توجه عدلي وعمر للمغادرة. التفتت يارا لتدخل المنزل مرة أخرى، ولكن وجدت عمر يناديها. توقفت مكانها وأتاها واقفًا أمامها، نظر في عينيها بقلب يفيض بالألم: "زعقيلي، اضربيني، اعملي أي حاجة... بس ما تتجاهلينيش يا يارا."


كانت تحدق بالأرض، والدموع تتساقط من عينيها. قال عمر بوجع: "احنا الاتنين اتوجعنا على فراق إخواتنا و..."


قاطعت حديثه بصوت محموم: "كلامك يوميها لسه بيتردد جوايا... أنا مش هقدر أنسى كل كلمة قلتها لي... أنت شايفني وحشة... خليك شايفني كده... شايف إن أخوك مظلوم... برضو خليك شايفه كده... أنت ما عدتش فارق لي ولا فارقلي ابقى في نظرك إيه."


تقدمت يارا بضع خطوات إلى الأمام، وكأنها تحاول الابتعاد عن عبء الذكريات، لكنها توقفت عند صرخة عمر التي كادت أن تُسكت كل الأصوات الأخرى في قلبها:


"كلامي يوميها مكانش حقيقي... ما كانش من قلبي أبدًا. أنا اتجبرت أقولك كده عشان... عشان أخويا وأمي... أمي ضغطت عليّ أقولك ده. وهو... هو قالي أقولك كده وأطلعه هو الوحش، عشان تكرهيني وتقبلِ تتجوزيه. كانت الخطة أنك تكرهيني... وتتجوزيه هو."


عيون يارا امتلأت بالدموع، تشبه البحر في هدوءه العاصف قبل أن تلتفت إليه، مشحونة بوجع أعمق من أي كلمة يمكن أن تُقال:


"وبرافو عليك... عرفت تمثل حلو... وكرهتني فيك بجد."


تقدم عمر نحوها، وكأنه يحاول استعادة ما ضاع. أمسك ذراعيها بلطف، نظر في عينيها وكأنها المرفأ الأخير لألمه:


"يارا... لازم ننسى ونبتدي من جديد. إحنا مش السبب في كل اللي حصل، الظروف هي اللي ظلمتنا."


قطعت يارا حديثه، متألمة، محاولة تحرير ذراعيها من قبضته:


"سيبني يا عمر... أوعى."


زاد عمر من شدّة قبضته، كأنما يحاول التمسك بأملٍ يتسرب من بين أصابعه. نزلت دمعة وحيدة من عينه، حاملة كل معاني اليأس والألم:


"أرجوكي لا... أرجوكي لا يا يارا. إحنا محتاجين فرصة تانية. أنا واثق إن جواكِ لسه مشاعر ناحيتي. بالله عليكِ، ما تعملي فينا كده."


تحدثت يارا، والدموع تملأ وجهها بنهر من الخذلان:


"أنت خسرتني يا عمر. حتى لو لسه جوايا شوية مشاعر ليك، هقتلها. أنا مش عايزاك في حياتي. تعرف إني بكرهك أكتر من علي؟ على الأقل، كنت أتوقع منه حاجة وحشة لأني ما كنتش عارفاه أوي، ولا اتعاملت معاه كتير. لكن أنت؟ متوقعتش منك دا ابدًا ودا اللي وجعلي قلبي.كنت فاكرة إنّي عارفاك كويس، لكن طلعت غلطانة، إني وثقت فيك أوي كده، لكن ما كنتش قد الثقة دي. أنا اللي برجوك تبعد عني، وما تحاولش تتواصل معايا لأي سبب. الحقيقة، بقت إني بكرهك أوي، رغم إني حزنت عليك لما مات أخوك. لكن كانت شفقة، صدقني ما كانش حب. لأنه معادش ليك حب في قلبي نهائي. أمشي يا عمر. بتقولي ننسى اللي فات ونبدأ من جديد؟ أنت اللي فعلاً لازم تنسى... تنساني."


أطلق عمر يديها وكأنها نار لا يستطيع تحمل حرارتها. تجمد مكانه، مستوعبًا قسوة كلماتها كطعنات خفية تتعمق في روحه. مشى خطوات بطيئة، مفكرًا في الزمن الذي ضاع وفي الحب الذي لم يكن.


عادت يارا إلى المنزل، أغلقت الباب بارتجاف، كأنها تغلق خلفها صفحة من الألم لا تريد الرجوع إليها. استسلمت لبكاءٍ حار، كأنها تنفض عن قلبها رماد الذكريات. صعدت إلى غرفتها، محطمة، لتكمل عزلتها الحزينة، تبحث في ظلام الوحدة عن شعاع أملٍ يمكن أن يعيد لها الحياة.

____________________


تحرك عمر بخطوات مثقلة، كأنما كل خطوة تشبه حملاً لا يستطيع تحمله. عيناه تفيض بالدموع، وكأنها أنهار لا تجد لها سدّاً. وصل إلى السيارة حيث كان عدلي ينتظره. نظر عدلي إلى ابنه بحزن وقال:


"قلتلك... يارا معادِتش زي الأول، مابقاش عندها حاجة تانية تخسرها."


بكى عمر، كلماته تخرج محملة باليأس:


"أنا خسرت يارا... خسرتها للأبد... هي كرهتني يا بابا... طب أنا ذنبي إيه؟"


قال عدلي بقوة، نبرة صوته تشتد بالألم والغضب:


"ذنبك اي؟؟؟ ذنبك أنك ظلمتها وأنت عارف إنها مظلومة. وقفت مع الظالم، وما هانش عليك حتى تواجهها بالحقيقة. أنت جرحتها في أغلى ما تملك، شرفها، وقلت لها كلام زي السم عشان تكرهك. وها هي فعلاً كرهتك، ومش هترجعلك تاني."


حاول عمر الدفاع عن نفسه، صوته يختنق بالحزن:


"يا بابا، أنا ضعفت... ضعفت يا بابا. دول عيلتي، دا أخويا ودي أمي... قلت يمكن لو اتجوزت أخويا وعاشت وسطهم تنسى الوجع. وأنا كنت هسافر، ومش هتشوفني تاني... قلت هتنسى مع الوقت. أنا دورت على حل ليهم هما الاتنين، وقلبي ميوجعنيش على واحد فيهم."


صرخ عدلي، عينيه تتقد بالغضب:


"أنت جبان... كنت جبان من مواجهتها بالحقيقة. مكنتش عارف تقولها أخويا عمل كده أو أمي عملت فيكِ كده، وأنت هتفضل ساكت. فاستسهلت حتة أنك تكرهها فيك وعجبتك فكرة أخوك وطبقتها. أنا مش عارف إزاي لعبوا في أفكارك بالطريقة دي... طب سيبك من أنك بتحبها... دي كانت أختك في يوم من الأيام. أنت كنت ترضى أن الظلم ده يتحط على علا؟ والشخص اللي تثق فيه للعمى يخذلها؟ أقولك حاجة... أنت عمرك ما حبيت يارا."


نظر عمر إلى والده بذهول، عيناه غارقتان في الدموع:


"لا يا بابا... أنا بحب يارا بجد."


قال عدلي بإصرار، كلماته تنبض بالوجع:


"لا يا عمر... أنت محبتهاش. مفيش حد بيظلم اللي بيحبه الظلم ده... مفيش حد بيكسر اللي بيحبه بالطريقة دي. أنا بتمنى أن يارا تكون عقلت، عشان أنا مش قابل إن بنتي تتجوز حد زيك. سوق أنت، أنا نازل أتمشى شوية، حاسس إن الهوا خلص."


نزل عدلي من السيارة، مستاءً، واخذ يسير دون وجهة محددة، كأنما يحاول الهروب من عبء الصدمات. كلما خطا خطوة، كأنما يحاول التنفس في عالم بات الهواء فيه لا يكفي.


عاد عمر إلى المنزل، محطمًا. دخل غرفته ورفض التحدث مع أحد، مستوعبًا حجم الخطيئة التي ارتكبها بحق يارا. ظل شاردًا، يتساءل عما ستكون نهاية تلك العلاقة، أو إذا كانت قد انتهت بالفعل.


عدلي كان في حالة مشابهة. انعزل في غرفته، رافضًا التواصل مع أي أحد. كان يتحدث فقط مع ابنته علا. بينما دعاء، تملأها الخجل من مواجهته، تلجأ إلى الدعاء أن يعود شمل عائلتها مثلما كان.

___________________

بعد مرور اسبوعين 


"أنا عايزة دعاء... قالت لي إننا هنتحرك وهنقابل قمر ونخرج سوا... فين دعاء؟ فكوني خليني أروح لها، الميعاد كده هنتأخر، وأبويا بيزعق لو اتأخرت."


وقف الطبيب بجانب يارا، يشاهدون حالة رحاب من خلف الزجاج. قال الطبيب بنبرة مليئة بالأسى:


"زي مانتِ شايفة.... هي اتكلمت بصعوبة بعد ما كانت ساكته طول الوقت ومش راضيه تتكلم مع حد... رحاب للأسف مش فاكرة حاجة من بداية ظهور شريف في حياتها فاكرة بس قبل كده... ايام ما كانت سعيدة هي واصدقائها لكن عقلها الباطن نبذ تذكر الاحداث زي حيلة دفاعية بيلجألها العقل احيانا لتفادي استرجاع ذكرياته السيئة." 


نظرت يارا إلى الطبيب، مغمورة بالذهول وعدم الاستيعاب:


"أنا مش فاهمة حاجة، يا دكتور."


أوضح الطبيب بصبر:


"قصدي إنها فاكرة بس الأيام اللي كانت سعيدة فيها مع أصحابها. كل اللي حصل بعد كده اتمسح من ذاكرتها."


ازدادت علامات الاستفهام في عيون يارا:


"يعني هي مش فاكرة موت ابنها؟"


هز الطبيب رأسه بايجاب: 


"ولا حتى فاكرة إنها اتجوزت شريف. هي عايشة في الماضي، فاكرة نفسها مع صديقاتها دعاء وقمر، وكل اللي حصل بعد كده اتمسح."


وضعت يارا يديها على فمها، الدموع تتساقط بلا توقف. حاول الطبيب مواساتها:


"صدقيني، ده أرحم ليها. في ناس كتير بيتمنوا ينسوا ذكرياتهم السيئة."


بصوت مخنوق بالدموع، قالت يارا:


"طب ينفع أشوفها؟ أدخل واشوفها؟"


أكد الطبيب برفق:


"آه، أكيد. مفيش مشكلة. بس خلي بالك، هي مش هتكون فاكرة إنك بنتها، حاولي تتعاملي معاها كأنك غريبة، وصاحبيها على مهل."


دخلت يارا الغرفة بخطوات بطيئة، تراقب رحاب التي بدت كطفلة بريئة. كانت ملامحها مشبعة بالفرح والنقاء، صورة بعيدة عن تلك التي اعتادت عليها يارا. اقتربت بحذر، نظرتها لم تفارق وجه رحاب الذي يعكس براءة وسعادة مفقودة منذ زمن طويل.


نظرت رحاب إلى يارا بفرحة عفوية:


"أخيرًا حد دخل لي. إزايك يا حبيبتي؟ اطلعي قوليلهم يخرجوني من هنا، عندي مقابلة مع صحابي وهنخرج سوا... مينفعش أتأخر عشان أبويا ميعمليش مشكلة... إنتِ سامعاني؟"


عانقتها يارا بقوة، دموعها تختلط بالحنين والألم، قلبها يتفطر على رؤية والدتها في هذا الحال. تمنت لو بإمكانها استرجاع اللحظات السعيدة ومحو الذكريات المؤلمة التي أرهقت قلب والدتها إلى هذا الحد.

_________________


علم عمر بحالة رحاب، وصدمتها النفسية التي دفعتها إلى محو الماضي الأليم من ذاكرتها، والاستسلام لملاذ مصحة عقلية. أثقل الحزن قلبه على يارا، التي تُركت وحيدة بين أطلال حياة متهشمة.


توجهت يارا إلى المستشفى، حيث كانت قمر وأسيل ويزن ينتظرونها، وقد تشربت وجوههم بحزن مشفق وهم يواسونها. لكنها، برغم عينيها المملوءتين بالدموع، حاولت أن تتشبث بما تبقى لها من قوة:


"بيت بابا شريف كان باسم ماما، ودلوقتي ماما في المصحة... أنا مش هقدر أعيش فيه. عندي شقة صغيرة هعيش فيها. كتبت البيت ده باسمك... اتفضلي، دي أقل حاجة أقدر أقدمها لك."


تلقفت قمر الأوراق بذهول، وكلمات يارا تنساب ببطء، حاملة معها ثقل الحقيقة:


"ده بيتك من الأول... أمي كانت أخدته منك، ودلوقتي رجع لك تاني. حمد لله على سلامتك يا أسيل، وإن شاء الله أشوفك تاني."


قدم يزن عرضه بمساعدة صادقة، إلا أنها رفضته بإصرار، وقد اتخذت قرارها بالبقاء وحدها:


"شكراً يا يزن، لكني هقدر أكمل لوحدي."


خرجت يارا من المستشفى بخطوات مثقلة، متوجهة إلى شقتها الصغيرة، حيث لا رفيق لها سوى ظلال الماضي وآلامه. وفي زاوية بعيدة، كان عمر يراقبها بصمت، قلبه يتمزق بين الندم والعجز. لم يعرف كيف يمكنه مساندتها أو كيف يواجهها بعد كل ما اقترفته يداه من جروح.


في اللحظة التي أغلقت فيها يارا باب شقتها الجديدة، كانت دموعها تنساب بحرارة، مرسلة أشواكًا من الألم في قلبها الذي لم يذق طعم الراحة منذ زمن. كانت تحاول التكيف مع واقعها الجديد، وحيدة بين جدران صامتة، تفتقد حتى أصداء الحنان.


عمر، من جانبه، لم يكن سوى ظل من الماضي، يلاحقه الشعور بالذنب والخسارة الفادحة. كان عليه أن يقبل الحقيقة الصادمة: أن حياته بدون يارا باتت حقيقة لا يمكن التراجع عنها.


وأما عدلي، الذي كان يقف على حافة غضب لا ينطفئ، فقد سار بعيدًا عن مآسي البيت التي لم يعد يحتملها، متحسسًا البرودة في الهواء على أمل أن تهدئ من نار قلبه المضطرب سافر بعيدًا عنهم ليكمل عمله الذي ينسيه الحقيقة الصارخة التي عاش بها تلك الأيام.


في تلك الشقة الصغيرة، بدأت يارا رحلة جديدة، رحلة لاستعادة نفسها وإعادة بناء ما يمكن إنقاذه من حطام الماضي. وفي كل لحظة، كانت تعلم أن الحياة ستظل قاسية، لكن ربما تحمل في طياتها بارقة أمل لمستقبل أقل وجعًا هي وابنها فقط. 


______________________


خرجت أسيل من المستشفى وتوجهت مباشرة إلى منزل يزن. وعندما خطت عبر الباب، استقبلتها "سوكا" النسناس مرحبة بها بحماس. للحظة، انعشت ذاكرة أسيل، وتساءلت عن شيء ما بعينيها،ففهم يزن ما يدور في ذهنها وابتسم قائلاً:


"بصي هناك..."


وجه يزن نظرها نحو زاوية في الصالة، حيث وجدت قطتها الصغيرة، تحدق إليها بعينيها اللامعتين. ركضت إليها بشوق، واحتضنتها بحرارة، غارقة في شوق كبير لا حدود له لقد اشتاقت لقطتها كثيرًا.


بعد فترة قصيرة، صعد يزن معها إلى غرفتها الجديدة، يساعدها في كل خطوة. وعندما دخلت الغرفة، تفاجأت بأن كل رسوماتها معروضة بشكل منظم حول المكان. نظرت إليه بدهشة فقال يزن بسعادة واضحة:


"كل رسوماتك وكل حاجتك نقلتها هنا. حتى هدومك هتلاقيها في الدولاب. دي بقت أوضتك الجديدة."


تجولت أسيل بعينيها في أرجاء الغرفة مبتسمة، نظرات امتنان تملأ وجهها. وفجأة، تذكرت لوحة رسمت فيها يزن، شعور بالحرج تسلل إلى ملامحها، حاولت إخفاءه بعبثية نظراتها.


علم يزن بما يشغل بالها، فابتسم وضحك بصوت عالٍ، ثم اقترب من اللوحات واتنشل لوحة من بينهم كانت رسمته وقال مبتسمًا بفخر:


"الله عليكِ يا فنانة... دا أنا بالظبط... أنا فخور إن مراتي بتعرف ترسم كده... دنا هستغلك أحلى استغلال."


مزح معها ليخفف من خجلها، الذي أضفى حمرة واضحة على وجهها. اقترب منها ببطء، ورفع وجهها بيديه، قائلاً بصوت دافئ:


"بحبك."


عانقته أسيل بحب شديد، محاولة إخفاء خجلها بين ذراعيه. احتضنها يزن، غارقًا في رائحة شعرها وملاذ حبها الدافئ.


كانت ليلة مليئة بالسعادة، حيث انضمت إليهم قمر، وتمازجت العائلتان في جو من الحب الصادق. شعرت أسيل أخيرًا بالدفء والأمان بعد سنوات من الخوف والقلق، تملكتها لحظة من الهدوء والسلام، متعجبة من التحول الذي طرأ على حياتها، وقد وجدت أخيرًا ما كان ينقصها: بيت مليء بالحب ودفء العائلة.

_____________________


في اليوم التالي، رحلت قمر إلى منزل شريف حيث أصبحت تقيم هناك. علمت دعاء بوجودها وبدأت تزورها بانتظام، تجلس معها لتؤنسها وتخفف من وحدتها.


بينما كانت أسيل تذهب مع يزن إلى طبيب التخاطب، حيث كان يزن يحضر معها الجلسات بعد يوم عمل متعب. رغم تعبه، إلا أنه كان ملتزمًا بدعمها ومرافقتها في كل جلسة، لتشعر بالأمان والدعم اللازم منه.


يزن لم يكن يفكر في تركها أبدًا، بل كان دائمًا إلى جانبها ليقدم لها الدعم النفسي والمعنوي وهذا ما كانت تحتاجه أسيل.


__________________


في اليوم التالي، قدّمت قمر اقتراحًا لدعاء بالانتقال والاقامة في منزلها الكبير ، فوافقت دعاء على الفور،حيث كانت تشعر بالوحدة بعد سفر عدلي واختفاء عمر.وجاءت هي وعلا للعيش مع قمر، بينما كانت يارا، الهزيلة الشاحبة، تبقى وحيدة في شقتها دون أن تنزل أبدًا احتياجاتها كلها تطلبها من البواب.


وبيوم كان الجميع مجتمع بمنزل قمر فسألت دعاء بقلق:هي يارا هتفضل لوحدها في الشقة وهي في ظروف حملها دي؟ 


زفر عمر بحزن وقال: "مش عارف يا امي.... حقيقي متضايق عشانها ومش عارف اعمل ايه." 


فاقترحت قمر بحنكة: "ما تجيبها يابني تعيش معايا هنا انا لوحدي اهو ودعاء بتجيلي كتير وعلا اهي نبقى كلنا ونس لبعض بدل ماهي عايشة لوحدها كده وهي اكيد محتاجة حد يساعدها ويراعيها في فترة حملها ." 


رد عمر مترددًا: "بس معتقدش انها هتسمع مني." 


سألت علا بتفكير: "طب والعمل؟" 


أجاب عمر: "روحولها انتو.... وحاولوا تقنعوها بأي طريقة انها تيجي وتعيش معاكم.... لو لاقت طنط قمر وماما بيطلبوا منها دا مش هتكسفهم...." 


تبادل الجميع النظرات، وأقروا بضرورة محاولة تنفيذ فكرة عمر. عندما وصلوا إلى منزل يارا، كان الجو مشحونًا بالترقب والقلق. فتحت يارا الباب وبدت مدهوشة لرؤيتهم، لكن المفاجأة الأكبر كانت رؤية دعاء معهم. كانت يارا تعتقد أن دعاء لم تعد ترغب في رؤيتها بعد كل ما حدث، لكن دعاء قابلتها بابتسامة دافئة وسلوك طيب، محاولًة تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها بحقها. وبجهد جماعي، استطاعوا بصعوبة إقناع يارا بالقدوم معهم والإقامة في منزلهم، إذ كانت ظروف حملها تزداد صعوبة، وكانت بحاجة لمن يقف بجانبها في هذه الفترة الحرجة.


عندما دخلت يارا المنزل، وجدت عمر جالسًا في زاوية، يترقب بقلق ويدعو في صمت أن توافق وتأتي معهم. كانت أنفاسه ثقيلة ويداه متوترة، ولما رآها تدخل، ارتسمت على وجهه علامات الفرح والارتياح. لم تلتقِ يارا عينيه؛ بل نظرت بعيدًا، وصعدت إلى غرفتها بصمت، تاركةً وراءها أثرًا من الحزن والغضب المكبوت. تابعها عمر بنظراته، والندم يغمر ملامحه وكأنها تنعكس في مرآة روحه.


اقتربت دعاء من عمر، رافعة يدها بخفة على كتفه، وقالت بصوت يملؤه الحنين والأمل: 


"يارا قلبها أبيض ومع الوقت هتنسى بس اديها وقت تزعل فيه لانه حقها." 


__________________


ومرت الأيام ويارا في وسطهم، تجدد شعورها بالانتماء لعائلة لم تشعر بمثلها من قبل. دعاء كانت تتعامل معها بطيبة غير معتادة، وكأنها تطلب في كل لفتة ومسحة ابتسامة الصفح عما بدر منها. علا، صديقتها التي ملأت حياتها بالحديث والدعم، وكانت لها بمثابة الملجأ الحميم. قمر، التي وجدت فيها الحنان الأمومي الذي لم تتذوقه من رحاب، كانت تملأ فراغًا لم تكن تعلم يارا بوجوده. أسيل، بشغفها النبيل، كانت تزورهم بانتظام، تتفقد صحة يارا وطفلها القادم، بعدما علمت القصة من والدتها، وشعرت بانكسار عميق تجاهها.


في تلك الأثناء، كان عمر يقضي الليالي مع قمر ودعاء، متذرعًا بعدم رغبته في تركهما وحدهما، بينما في الحقيقة كان يسعى للبقاء قريبًا من يارا. لم يتبادلا الكلمات، لكن نظراتهم كانت مليئة بأحاديث غير مسموعة، وجروح لم تندمل بعد، وكلمات جارحة لم تُنسَ. 


في إحدى الليالي، وبينما كان عمر يسير في ظلام المنزل ليجلب لنفسه بعض الماء، قادته خطواته إلى غرفة يارا. هناك، وجدها نائمة على الأريكة، مسندة رأسها على إطار النافذة. دخل الغرفة ببطء، عيناه مسكونتان بالحنين والأسى، وتأمل ملامحها النائمة كمن يكتشف كنزًا مخفيًا. حملها بحذر، خوفًا من أن يكسر سحر اللحظة ويوقظها، ووضعها بلطف في السرير، وغطاها ببطانية، ساعيًا لحمايتها من البرد.


قبل أن يترك الغرفة، جلس على الأرض بجانبها، مراقبًا وجهها الذي بدا كلوحة تعبيرية تغمرها أضواء الفجر الخافتة. قلبه كان مشتعلاً بالشوق والحزن، غارقًا في نهر من الذكريات والندم. رفع يده نحو خصلات شعرها، مترددًا، كأنما يحاول أن يلمس ضوء النجوم بأطراف أصابعه، لكنه توقف قبل أن يلمسها، مفضلاً الاحتفاظ برقة المشهد في قلبه. ظل بجانبها طوال الليل، عينيه تفيض بدموع صامتة تعبر عن آلام لا يمكن التعبير عنها بالكلمات.


حين بزغ الفجر، استيقظت يارا على نور النهار المتسلل، لتجد عمر نائمًا بجانبها، رأسه مستند على حافة السرير. اعتدلت ببطء، ارتسمت على شفتيها ابتسامة خافتة، مليئة بالتساؤلات والحنين. مدت يدها بلطف لتلمس خصلات شعره، مداعبة إياها بحذر، وكأنها تخشى إيقاظ أحلامه.


استفاق عمر على لمساتها، وعيناه تلتقيان بعينيها. شعر بالحرج، فنهض بسرعة قائلاً بتوتر: "صباح الخير."


ثم أسرع بمغادرة الغرفة، تاركًا يارا بابتسامة غامضة على شفتيها، لا تعرف سبب سعادتها، لكن بداخلها شعرت بدفء وجوده بقربها، وكأن شيئًا ما قد بدأ يتغير في أعماقها.

_____________________


وبعد شهر، غمر الفرح قلوب الجميع، حيث أتم مازن وزينة زفافهما بحفل باذخ، يُشبه قصة خيالية تُنسج في أبهى صور السعادة. كانت ابتساماتهما متلألئة كضوء النجوم، والفرحة تغمر كل تفاصيل الاحتفال، كأنهما يسيران على بساط من السحب، لا يصل إليه أحد سواهما. كان يزن يتأمل أخته بنظرة مليئة بالفخر والسرور، مشهدها مغلفة بالسعادة أشعل فيه شعورًا عميقًا بالبهجة.


لكن الفرح تخلله ألم غامض عندما حانت لحظة الفراق. في عيني يزن انعكست لحظات الوداع كظلال خافتة، بينما كان يحتضن أخته بقوة، وكأنما يحاول احتواء جزء من روحها في قلبه. لم يكن مستعدًا لمثل هذا الوداع المفاجئ، وكان في أعماقه صراع بين الفرح لزواجها والألم لفراقها. عانقها بشدة، وصوته يملؤه القلق وهو يقول لمازن: "لا تسمح للحزن أن يلمسها، ولو لوهلة."


مازن، بنظرة عميقة، احتضن يد زينة برفق، كمن يحرس كنزًا ثمينًا، وقال بصوت عاكس لسنوات الحب الطويلة: "زينة ليست فقط حبيبتي؛ إنها جزء مني، وستظل في عينيّ وقلبي إلى الأبد."


وفي نهاية الحفل، انطلق مازن وزينة إلى منزلهما الجديد، حيث كان الفرح يموج بين جدرانهما، كل زاوية فيه تتنفس أحلامهما وأمالهما. كانت لحظات الانتقال إلى حياة جديدة تحمل بين طياتها شعورًا خفيًا بالرهبة والترقب. غادرا إلى شهر العسل، وكأنهما يبحران في عالم سحري لا يعرفان فيه سوى لغتهما الخاصة، مشاعر غامضة وممتزجة بالسعادة الغامرة.


كانا يعيشان أيامهما بين ظلال الغموض وسحر الحب، تغمرهما لحظات من الهمس والابتسامات الخافتة. كل نظرة تتحدث بلغة غير مفهومة، وكل لمسة تحكي قصة لا تُقرأ. كانت سعادتهما متوهجة، محاطة بهالة من الأمل والتطلع للمستقبل، يعيدان بناء عالمهما الخاص في كل لحظة يقضيانها معًا، كأنهما يعيدان كتابة حكاية عشقهما بمداد من الحلم والوفاء.

____________


مرت ستة أشهر، وخلالها بدأت جروح أبطالنا بالالتئام بهدوء. كان ذلك واضحًا في العلاقة بين يارا وعمر، حيث استعادا ببطء مشاعر الحب التي ربطتهما. عمر، في الأشهر الأخيرة من حمل يارا، لم يتركها لحظة، وكأنما يسعى لتعويض كل لحظة ألم تسبب فيها. كانت اهتماماته بها واضحة وعميقة، وبدأت يارا تشعر مرة أخرى بقلبه ينبض لها.


وحين حان موعد ولادة يارا، كان التوتر يعم الأجواء. الجميع كانوا مجتمعين خارج غرفة العمليات، ينتظرون بفارغ الصبر سماع صوت الطفل. دعاء، علا، قمر، أسيل، يزن، جميعهم كانوا يملأهم القلق والفرح في آن واحد. وفي الداخل، كان عمر بجانب يارا، يمسك بيدها، محاولاً تهدئتها وهي تصرخ بقوة، متشبثة به بشدة من فرط الألم.


بعد فترة طويلة من الانتظار، ووسط آلام مبرحة، صدح صراخ الطفل في الغرفة. تلاها صرخة يارا الأخيرة وهي تدفع بالحياة الجديدة إلى العالم، ثم استلقت برأسها على الفراش، منهكة لكنها ممتلئة بالرضا. انبعثت صرخات الصغير في الأجواء، وعندما وصل صوته إلى الذين بالخارج، غمرت الدموع عيونهم فرحًا. قمر، في لحظة لا توصف، أطلقت زغرودة تعبيرًا عن فرحتها العارمة.


حمل عمر الطفل بحنان، وهو يبكي في يديه. وأخذ يُكبر بأذنيه، بينما كان الجميع يغمرهم الفرح، وكانت يارا تنظر إلى ابنها الجديد بعينين متألقتين. أخذت طفلها بين ذراعيها، تقبله بحنان عميق، وفي تلك اللحظة، تقدم عمر نحوها، وعرض عليها خاتمًا في علبة صغيرة، صوته يحمل شغفًا وصدقًا، قائلاً: "سامحيني يا يارا عن كل اللي عملته...انا آسف.. كلنا بنغلط وأنا غلطت وندمت صدقيني... أنا لسه بحبك... وعمري ما شيلتك من قلبي أو روحتي عن بالي ولو ثانية... أنا لسه بحبك وهفضل أحبك طول عمري... توافقي تتجوزيني يا يارا؟"


ياترى يارا هتوافق؟

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا







تعليقات

التنقل السريع