القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية غرام الذئاب الفصل الرابع عشر 14بقلم ولاء رفعت (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات )

 رواية غرام الذئاب الفصل الرابع عشر 14بقلم ولاء رفعت (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات )





رواية غرام الذئاب الفصل الرابع عشر 14بقلم ولاء رفعت (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات )


#الفصل_الرابع_عشر

#غرام_الذئاب

#الجزء_الرابع_من_سلسلة_صراع_الذئاب

#ولاء_رفعت


قبل أن نبدأ اعتذر عن التأخير ثلاث ساعات عن ميعاد النشر، كنت نائمة من التعب☺️

اتمني لكم قراءة ممتعة، و لا تنسوا التفاعل و التعليقات😉🌺


                         ************


ظلام وسكون يُخيمان على أرجاء الغرفة، لا صوت سوى أنفاس متقطعة تتردد في الأرجاء، كأنما المكان يلفظ أنفاسه معها. تلك الممددةُ فوق الفراش، استيقظت على وقع إحساس غريب يسري في جسدها.


فتحت عينيها، ولكن لم ترَ شيئًا!


كانت هناك عُصابة سوداء تحجب عنها الرؤية، أكانت مجرد وسيلة لمنع الضوء من إزعاجها أثناء النوم؟ أم أن الأمر أخطر من ذلك؟!


حاولت أن تُحرك جفونها مجددًا، ولكنها شعرت بثقل غريب يضغط على رأسها، وكأن روحها تُسحب من بين أضلاعها.


اخترقت أنفها رائحة دخان كثيف، نفاذة إلى حد أن أنفاسها أصبحت متقطعة، فكانت رايحة احتراق لفافة تبغ! 

إذاً لم تكن وحدها في الغرفة.


شعور بارد تسلل إلى ساقها، أنامل غريبة تتحرك ببطء، تصعدُ من أسفل ثوبها حتى بلغت فخذها، تململت بجسدها في اضطراب، وخرج صوتُها واهنًا مرتجفًا

"يونس، بتعمل إيه؟"


لكن الصمت كان سيد اللحظة!

حاولت أن تحرك يدها لتزيح العُصابة، لكن لا جدوى!، حيث توجد قيود حديدية تحكم وثاق معصميها، تمنعها من الحركة بحرية.  

ارتعشت أصابعها وكأنها تتحسس مصيرها المجهول. 

وفي تلك اللحظة، تسللت صورة خاطفة إلى ذهنها، آخر ما تتذكره قبل أن تفقد وعيها. 

نظرات مرعبة، نظرات ذاك الرجل!

شهقة مرتعبة أفلتت من صدرها، حاولت النهوض بجذعها، ولكن القيود كبلت حركتها.  

زفرت أنفاسها في هلع ثم صرخت بأعلى صوتها، تستغيث باسم زوجها

"يونس؟، يونس؟، الحقني"


وفي تلك اللحظة، تُنزع العُصابة عن عينيها بعنف، يُلقى بها إلى أحد أركان الغرفة، فتتسع حدقتاها في فزع وهي تحدق في الوجه الذي تجلى أمامها، في الرجل الذي لم يكن زوجها! 

رددت بصدمة 

"مهند!"


المكان كان أشبه بقفص من العتمة، جدرانه الصامتة تتآمر مع الهواء الخانق على كتم أنفاسها.  

 لحظة الكشف عن وجه هذا الجالس أمامها لم تكن مجرد مفاجأة بل كانت كصفعة باردة على وجهها الذي أصبح شاحبًا من الخوف لاسيما عندما رأته يحدق بها بتلك النظرات التي دبت الرعب و الرجيف داخل فؤادها الضعيف.


تراجعت بجذعها إلى الوراء رغم القيود، حدقت فيه كأنها لا تزال تأمل أن يتبدد هذا الكابوس، أن تنشق الأرض ويخرج منها يونس ليأخذها بعيدًا عن هذا الرعب المجسد أمامها.


لكن هذا المهند لم يكن ذلك الوجه العابر الذي لمحته في الفندق، بل كان الآن أقرب، أقرب مما يجب وأكثر غموضًا مما يمكن احتماله، لا تدرك أو ربما لا تصدق لما اختطفها وتخشي الإجابة! 


اقترب بخطوات بطيئة، كل خطوة منه تحدث صدى في قلبها المرتجف، كان يحمل سيجارة مشتعلة في يده، ينفث دخانها بهدوء، عيناه لا تتركان وجهها، وكأنها لوحة مرسومة، أو فريسة محاصرة.


تحدث بنبرة منخفضة يشوبها سخرية باردة

"يونس مش هايسمعك لو فضلتي تنادي طول عمرك و لو بأعلي صوتك"


شهقت وهي تهز رأسها بعنف، تحاول استيعاب ما يحدث

"أنت جبتني هنا إزاي؟، إحنا كنا في الفندق و أنا كنت بره وحسيت بـ.... 

صمتت للحظات علها تتذكر ما حدث، لكنه

أطلق ضحكة هازئة و مرعبة في آن، لا تحمل فيها أي دفء

"هو إيه اللي حصل ولا إمتى أو إزاي؟، كلها اسئلة مش لازم تعرفي إجابتها"


اقترب أكثر حتى بات يظللها بظل جسده، ثم انحنى قليلًا وهمس بجوار أذنها

"بس عارفة؟، أنا من أول مرة شوفتك  و أنا بحلم باللحظة دي، كل حاجة فيكي كانت بتندهلي و بتقولي إنك هتبقي بتاعتي"


صرخت في وجهه من الصدمة و محاولة استيعابها للخطر التي سقطت في براثنه، حاولت أن تفلت من القيود 

"أنت مجنون، أنت مريض"


قهقه مجددًا ونظر في عينيها نظرة باردة، لمحت فيها شيئًا حقيقيًا هذه المرة، شيئًا مظلمًا ومرعبًا.


"مجنون؟!، هعديهالك المرة دي و هعذرك"


اطلقت صرخة استغاثة فابتسم وأخذ

يدور حول الفراش ببطء وبدأ يتحدث كأنه يحدث نفسه، أو كأن هناك مَن يسمعه سواها

"وفري صوتك، لأنه مش هيوصل لحد ولا حتى لنفسك، إحنا في شاليه في مكان مفيهوش صريخ ابن يومين، و لا ليه وجود علي الخريطة، ما تقلقيش وضع مؤقت لحد ما يجي ميعاد سافرنا يا حبيبتي"


كفت عن الصراخ بعد أن تلقيها صدمة تلو الأخرى، فعاد يحدق فيها من جديد ذات الابتسامة المخيفة، وبنظرة مطولة، مسح ببصره ملامحها المرتجفة ثم اخبرها بنبرة أكثر هدوءً، لكنها كانت تحمل في طياتها وعيدًا خفيًا

"النهاردة هنبتدي اللعبة، بس القواعد أنا اللي بحددها"


تسارعت أنفاسها وانهمرت دموعها بصمت، غير قادرة على تصديق ما تنحدر إليه الأمور أو الوحل الذي انزلقت فيه، و رغم ذلك هناك صوت داخلها يبث إليها الطمأنينة و ألا تستسلم للخوف، لكنها تشعر بأن القادم أسوأ، أسوأ بكثير!!


رمشت بعينيها سريعًا، كأنها تطرد خيالات الجنون، لكن الواقع كان أكثر فظاعة، تحرك جسدها المرتجف لا إراديًا، تقاوم القيد البارد المغروز في معصمها، لاحظت

وقوف هذا المختل عند طرف الفراش، مائل الرأس، يمعن النظر فيها كمن يقرأ كتاب مفتوح، ثم قال ببطء

"لو عايزاني أفوكلك ايديكي ورجليكي اوعديني الأول أنك هاتسمعي كل كلمة اؤمرك بيها عشان لو حصل عكس كدة هضطر اعاقبك، و عقابي مش هايعجبك خالص" 


شهقت وعيناها توسعتا من الرعب، حاولت الحديث لكن الكلمات خانتها، حشرجت أنفاسها في حنجرتها، قبل أن تنجح أخيرًا في التمتمة بشجاعة تلبستها للتو

"أنت، مش طبيعي، و لا بني آدم، أنت حيوان، و يكون في علمك جوزي زمانه قالب الدنيا عليا ولو وصولوا لك هو و أخويا هيخلوك تتحايل عليهم عشان يرحموك من اللي هايعملوه فيك"


ابتسم ابتسامة مائلة، تلك التي لا تعكس سعادة بل تهكم قاتم ثم مال بجسده فجأة نحوها، حتى شعرت بأنفاسه على وجهها

"أنا هعذرك عشان لسه ماتعرفنيش، كل اللي اقدر أقوله لك دلوقتي مفيش قوة علي الأرض تقدر تبعدك عني، و زي ما قولتلك كل ساعات و هانكون بره مصر"


تراجعت بوجهها ما استطاعت، لكن القيد شدها إلى الخلف، فتأوهت بصوت خافت،  و بمجرد رؤيتها وسماع آهة الألم خاصتها اغمض عينيه بمتعة عارمة، مما جعلها تشعر بالخوف أكثر لا سيما بعد أن فتح عينيه و رفع يده نحو عنقها ليمسدها، انتفضت و كأن شئ مقزز قد لمسها

"ابعد إيدك عني يا حيوان" 


باغتها بقبضته علي نحرها، اتسعت عينيها بهلع، اخبرها محذرًا إياها من بين أسنانه

"غلطة منك مرة تانية و هخليكي انتي اللي تتحايلي عليا عشان ارحمك من العذاب اللي هاتشوفيه، فاهمة يا كاري" 


لم تملك سوي أن تطعه مؤقتًا خاصة بعد مداهمة شعور بعدم التوازن و خفقات قلبها التي زادت، بدي عليها الإعياء، وجهها اصبح شاحبًا و شفتيها تحولت من الوردي إلي الأبيض، فك قبضته علي الفور و نهض، أخذت تلتقط أنفاسها و إذا بها تجد علبة دواء القلب يُلقي أمامها، رفعت رأسها، فاخبرها

"عشان تعرفي أنتي مهمة عندي أوي و عارف عنك كل حاجة، حتي مرضك المزمن و كل الأدوية اللي بتاخديها" 


سألته بوهن

"اشمعنا أنا؟!" 


فطن مقصد سؤالها، جلس أمامها وكوب وجهها بين كفيه ليجيب 

"لأن كنت فاكرها راحت خلاص ومش هترجعلي تاني، و أول ما شوفتك حسيت الدنيا بتصالحني و رجعتها ليا، أنتي هي و هي أنتي، و مستعد احارب العالم كله و ما تبعديش عني تاني، ما صدقت روحي رجعتلي، أنا بحبك، بحبك أوي" 


لم يعط لها فرصة لفهم كلماته فانقض علي شفتيها بقوة و لم يبالي لمقاومتها الضعيفة أمام عنفوانه أو لصراخاتها المكتومة و تردد صداها في جوفه! 


                         ❈-❈-❈


ترك قدح القهوة على الطاولة، وعيناه معلقتان ناحية الدرج، يترقب رؤيتها كما يترقب العطشان قطرة ماء بعد قيظ طويل. 

  فمنذ أن وطئت قدماه الدار لم يبصر وجهها، بل كان في استقباله حموه، وزوجة أبيه التي لبثت غير بعيد، تنتظر أن يفرغ من قهوته لتبلغه الأمر، وقد ترددت قليلاً قبل أن تنطق، كأنما الكلمات حجر ثقيل على لسانها

"هي نايمة ومش هتصحى دلوقتي، لأنها نامت بعد ما تعبت وأرهقت نفسيًا"


وما إن انتهت من عبارتها، حتى بادرها عابد بنبرة جمعت بين الجد والحزم، وصوته كسيف يشهر في وجه خصم تجرأ على تجاوز الحدود

"ممكن أعرف عملت فيها إيه وصلها للحالة اللي هي فيها؟ وإنها كمان تسيبلك البيت وتمشي؟"


قطب حاجبيه من لهجة والد زوجته، وكان في صدره ما يضيق به الفضاء، لكنه ترفع عن الرد بانفعال؛ فهو ما جاء إلا ليجمع ما تبعثر، ويصل ما انقطع.  

 حمحم بصوت خفيض ثم أجاب متجنبًا التصعيد

"ممكن أطلع لها وأتكلم معاها الأول"


زفر عابد زفرة كأنها تحمل ثقل أعوام من الكظم والكبح، ثم أطلق ما بجوفه من لهيب كلمات كانت مؤجلة، لكنه لم يعد قادرًا على احتوائها

"بص يا قصي، أنا كنت كل مرة بعديلك، علشان عارف دماغ بنتي، ومدى عنادها اللي بيخلي الحجر ينطق، لكن تخليها توصل للحالة اللي هي فيها دي؟!، لحد هنا وكفاية"


لمعت عينا قصي بوميض الغضب، وتحولت ملامحه من رجل يحاول أن يتحلى بالصبر إلى آخر على وشك أن ينفجر، لكنه تمالك نفسه ووارى ما يعتمل بداخله خلف ابتسامة شاحبة، لم تكن لتخفى على جيهان؛ أدركت على الفور ما لم ينطق به، وكم يُشبه أباه في تلك اللحظات التي يكون فيها الصمت أبلغ من الكلام. 


فإذا بها تنهض من مقعدها، وتغمر وجهها بابتسامة رقراقة كالماء، تطفئ النيران التي اندلعت للتو بين الرجلين.  

 نظرت إليه بعينين فيهما رجاء وهدوء

"تعالى نتكلم شوية بره في الجنينة"


نظر الأخر إلى عابد تارة ثم أعاد نظره إلى جيهان، وكأنه يوازن بين البقاء والانصراف، ثم أومأ موافقًا

"تمام"


في حديقة القصر، جلسا متقابلين حول منضدة تحف بهما الورود في الأرجاء، 

بدأت جيهان الحديث بصوت هادئ كنسيم المساء، تخترق كلماتها حاجز الجمود

"ما تزعلش من عابد، في الأول والآخر يبقى والد صبا، وما تستغربش من رد فعله اللي أنا شايفاه طبيعي، لو كان حد غيره، كان ممكن رد فعله هيبقي أقوي و أعنف"


رفع عينيه نحو شرفة الطابق الثاني حيث تقع غرفة زوجته ثم أعاد بصره نحو زوجة والده ليعقب بنبرة ملؤها الثقة

"اطمني، عمري ما زعلت ولا هازعل من حمايا، وهو عارف قد إيه أنا بحب صبا"


نظرت إليه نظرة من يختبر الصدق في ملامح قائله، ثم سألته وقد انسكبت على صوتها مرارة خفية

"واللي بيحب حد يأذيه لدرجة إنه يسبب له ضرر نفسي؟، ويا عالم حصل إيه تاني؟!"


شعر بالاضطراب، فقد ظن أنها علمت من صبا بما دار بينهما، غير أن جيهان بددت ظنونه سريعًا وهي تتابع

"على فكرة، هي ما حكتليش إيه اللي حصل ما بينكم، وأنا ما حاولتش أسألها، لأن دي أسرار ما ينفعش تخرج ما بينكم، بس حابة أوصلك معلومة، الست مننا لما بتعشق بتدي وعطائها من غير حدود، وارد يحصل خلاف وده طبيعي، لأننا مختلفين، بس المفروض نكمل بعض، مش نقف ند لبعض، و لو طرف غلط التاني مفروض يحتويه ويحل المشكلة"


تنهد وقد بان عليه التعب من حوار طال صمته في داخله، ثم اخبرها بصوت مبحوح

"وعمري ما هاكون ليا رد فعل من أول مرة، أنا بديلها فرصة والتانية، وبنبهها وأكتر واحدة حافظة طباعي، بس هي بتتعمد تعصي كلامي، ولما تلاقي مني رد فعل أطلع أنا الظالم والمفتري"


نظرت إليه جيهان نظرة عميقة

"مش يمكن رد الفعل غير عادل؟، أو بيكون انتقامي شوية؟، وبعدين إيه تعصي كلامك دي، الجواز مودة ورحمة والأمور المفروض تبقى شورى بينكم، لاقيت منها غلط احتويها وشوف هي ليه بتعمل كده، مش يمكن بتحاول تلفت انتباهك، أو عايزة تبقى شغلك الشاغل"


تأملها قصي لحظات قبل أن ينطق، وقد تكسرت حروفه على ضفاف صدقه

"أنا يا چيچي ما بحبش أتكلم في أموري الخاصة أو العادية اللي بيني وبين مراتي، بس أنا باعتبرك في مقام والدتي، وعارف إن موقفك حيادي، وإنك بتحاولي تصلحي الأمور، ومش هخبي عليكي أنا حرفيًا تعبت ومش عارف هي عايزة إيه" 


توقف ليتنفس ثم تابع

"ما أنكرش كنت وحش معاها في أول جوازنا، كنت بحاول أخليها تحبني، وطريقتي كانت غلط جدًا، وباعترف بده وندمت، غيرت من نفسي عشانها و كنت عايز أتغير فعلاً، و عشان ولادي ومع الوقت حسيت إنها ضمنت حبي ليها، وإنها مهما عملت هعدي وهسامح، 

وأكتر صفة حاولت أغيرها فيها وأوقات كنت بتأقلم معاها هي العند، لدرجة إنها بقت تقولها لي صريحة، اللي عندك اعمله، وبتنفذ اللي في دماغها، كان لازم آخد موقف حازم حتى لو قاسي خلتني أطلع أسوأ ما فيّ"


أطرقت برأسها قليلًا، ثم رفعت بصرها إليه لتعقب

"والقسوة بتولد قسوة، وتحول الحب لنفور، أنا قولتلها الحل وهقوله ليك، أنتم محتاجين تقعدوا تتكلموا مع بعض، من غير شد وجذب ولا خناق، كل واحد فيكم يسمع التاني، و الطرف الأقوى يحتوي الطرف الأضعف، ويبقى مصدر أمان وحماية مش مصدر خوف"


كان يصغي إليها بتمعن وعيناه تسبحان في فراغ يسكنه صراع مرير بين كبريائه وندم يتسلل من قلبه، لم يكن بحاجة إلى أن يعبر عن ندمه، فقد فضحته نظراته التي تنضح بالأسى.


قطعت عليه شروده، حين سألته بابتسامة حانية

"أنت معايا؟"


أومأ لها برأسه 

"معاكي، ممكن أطلع لها؟"


ابتسمت ولم تجب، لكنها بعينيها منحته الإذن.

                      ❈-❈-❈


دخل الاثنان إلى القصر، وما إن تجاوزا عتبة البهو حتى لمح قصي والد زوجته يهبط من أعلى الدرج. 

 همّ بالصعود لكن عابد أوقفه بنبرة صارمة

"استناها في مكتبي وهي اللي هتقرر، ترجع معاك ولا تقعد هنا وهتنفذلها اللي طلبته منك"


فتح قصي فمه ليعترض لكن قاطعته جيهان وهي ترفع عينيها إلى أعلى وتنادي

"صبا، بقيتي أحسن يا حبيبتي؟"


رفع قصي عينيه بدوره، فرأى صبا واقفة أعلى الدرج، تحدق فيه بنظرة جمعت بين القوة والغضب، السخط والعتاب، فيما تجمعت في عينيها دموع صامتة تحمل وجعًا دفينًا، كأنها تصرخ دون صوت! 


و داخل غرفة مكتب والدها، وقفت في المنتصف، عاقدة ساعديها على صدرها، كأنما تحتمي بنفسها من عاصفة لا مفر منها.


سألته بصوت متهدج يخالطه الغضب والمرارة

"جاي تنفذ تهديدك ليا؟، ولا هتاخدني بالعافية وترجعني القصر عشان تعرف تعاقبني كويس ومحدش يسمع ولا يعرف اللي عملته فيا؟!"


رغم مجهوداتها المضنية في كبح جماح دموعها، إلا أن عبراتها تجمعت عند أطراف أجفانها، تتوسل إليها أن تطلقها، لكنها كانت ترفض، يكفيها ما نالها من ضعف وقهر أمامه.


همّ أن يتقدم نحوها، ومد قدمه خطوة ثم أخرى، فرفعت يدها في إشارة صارمة للتوقف، وحذرته بنبرة حاسمة

"خليك مكانك وما تقربش مني، أنا مكنتش أصلاً ناوية أنزلك، ولا كنت عايزة أكلمك، وقولت لبابا إن الموضوع بقي بينك وبينه، ومش هتراجع عن قرار طلاقي منك"


كانت كلماتها كالسياط تلهب كبرياءه وتستفز أعماقه، كلما نطقت بمطلب الطلاق، كلما تصاعدت مخاوفه وتفاقم قلقه من فقدانها، رغم علمه بتعقيد علاقتهما وتشابك مشكلاتهما. 

 ومع ذلك لم يكن ليرضى يوماً بانفصالها عنه، ولن يسمح لها بالرحيل طواعية.  

 لذا تقبل كلماتها وتحملها في صمت العارف بعواقب الأمور.


قال بصوت متهدج، يخفي خلفه مرارة الأسى

"ومين اللي وصلنا للحال اللي بقينا فيه؟"


ابتسمت بسخرية لاذعة، وهزت رأسها بتهكم

"كالعادة، هاطلعني غلطانة وتبرر لنفسك اللي عملته معايا، كلامك الجارح ليا ولا أفعالك اللي كلها قسوة، أنت عارف عملت فيا إيه؟! أنت كسرتني"


كان صدى كلماتها كصفعة على قلبه، أعادت إليه مشهداً شاهده من قبل، أطلق زفرة عميقة خرجت من قاع قلبه المنهك، كأنها محاولة لتخفيف ثقل الندم الجاثم على صدره.  

 رؤيتها في تلك الحالة ألهبت ضميره، وأيقظت فيه وجعًا عميقًا، تمنى لو عاد به الزمن ليمنع كل ما ارتكبه في حقها، ها هو مهما ادعى القوة، ومهما تظاهر بالقسوة، ينهار أمام ضعفها، ويُهزم أمام دموعها.


قال محاولًا أن يحتوي حجم الألم المتراكم بينهما

"وأنا مش جاي أبرر اللي عملته معاكي، ولعلمك قبل ما أوجعك، أنا جوايا اتوجعت أضعاف اللي حسيتيه، عمري ما كنت أتخيل إننا نرجع لنقطة الصفر، بس أفعالك هي اللي وصلتنا ليها، أيوه أنا بالغت في رد الفعل، وندمان عليه، وندمان بجد ومش هقدر أطلب منك تسامحيني، لأني مش هسامح نفسي، بس كل اللي هطلبه منك بلاش الفراق، اللي بيني وبينك مش سهل دي تكون نهايته، خدي حقك مني زي ما أنتي عايزة، إلا الطلاق"


استمعت إلى كلماته، وشعرت بالعجز يعتصرها، وضعت كفها على فمها لتمنع شهقة كانت على وشك الانطلاق، وخارت قواها فجثت على عقبيها، وأطلقت العنان لدموعها المنهمرة.


لم يتحمل رؤيتها بهذا الانكسار الذي شطر قلبه نصفين، اندفع نحوها وهبط على ركبتيه أمامها، واحتواها بين ذراعيه، يناجيها بنبرة مخنوقة بالألم والتوسل

"بالله عليكي كفاية، أنا مش قادر أستحمل أشوفك في الحالة دي"


ضمها بقوة، و نادرًا ما يصل إلي تلك الحالة حيث انسابت دموعه على خديه، يبكي بحرقة، وما أصعب بكاء الرجال!


قال وهو يربت على ظهرها

"عشان خاطري، اعملي فيا اللي يرضيكي، بس كفاية دموع، حقك عليا يا حبيبتي"


أبعدها قليلاً ليرى وجهها، ونظر في عينيها المبللتين، فرأى فيهما انكسارًا يفتت الحجر، نقيض ما كانت تبدو عليه دومًا من صلابة. 

  رؤيتها على هذا الحال كانت خناجر تنهش فؤاده، وتلقي به في أتون جحيم الندم.


قال بصوت خفيض

"قولي كل اللي جواكي، خرجي أي حاجة في قلبك هتريحك، أنا سامعك وهعملك كل اللي نفسك فيه"


نظرت إليه من بين دموعها، ونظراتها كالسكاكين تشق نحره بلا رحمة ثم قالت بجمود وقهر

"عايز تريح قلبي، طلقني"


هز رأسه رافضًا بعزم لا يلين

"مش هقدر، أنا آخري ممكن أسيبك يومين هنا، لكن أطلقك ده مستحيل"


ظلت تنظر إليه والدموع لا تتوقف. وكان صمتها هو الهدوء الذي يسبق عاصفة لا ترحم 

ثم صرخت بصوت يعلو تدريجيًا

"وأنا ما بقتش قادرة أستحمل، طلقني، بقولك طلقني"

ثم انقلبت صرخاتها إلى عويل، وبدأت تضرب صدره بقبضتيها الضعيفتين.


ضمها من جديد وحاول أن ينهض بها، وهو يردد برجاء

"اهدي، حاضر، حاضر هعملك اللي أنتي عايزاه، بس اهدي عشان خاطري"


لكن فجأة  توقفت شهقاتها وخرست صرخاتها مما بعث الرعب في قلبه،  ذلك بالتزامن مع دخول عابد و جيهان، بينما قصي كان همه القابعة في حضنه، أدرك أن صمتها لم يكن إلا دلالة على فقدانها الوعي بين ذراعيه!


                        ❈-❈-❈


كان يونس كمن أصابه مس من الجنون، يتآكله القلق مع كل مرة تعاد فيها الرسالة الصوتية ذاتها

 "الهاتف الذي تحاول الاتصال به مغلق حالياً..."

دوى الصوت الآلي في أذنيه كجرس إنذار، فاندفع كالمذعور يفتش عن زوجته بين أروقة الفندق، داخل قاعة الحفل، وفي الحمامات، لم يدع زاوية إلا وطاف بها بعينين متحفزتين ويدين ترتجفان.


وها هو الآن واقف داخل غرفة مراقبة الكاميرات، يتابع شاشات العرض مع موظف الأمن، يدقق في كل مشهد كأنه يفتش عن بصيص نجاة.  

 لم يظهر لها أثر إلا حين غادرت القاعة واتجهت نحو الساحة الخارجية.


تنهد موظف الأمن بأسي

"للأسف، ده آخر تسجيل قبل ما يحصل عطل في السيستم"


انتفض يونس، وصاح بغضب كاسر

"إزاي مفيش تسجيلات؟!، ده أنا أوديكم في ستين داهية"


تقدم مدير أمن الفندق محاولًا تهدئته

"اهدى يا يونس بيه، وبإذن الله هنلاقيها"


رمقه الأخر بنظرة حادة، وقد علا صوته بنبرة تجمع بين القهر والشك

"هنلاقيها فين وأنا وإنتم لفينا كل شبر جوه وحوالين الأوتيل، حتى سألنا كل النزلا، ووريناهم صورتها محدش شافها، وتسجيلات الكاميرات ناقصة، قولي إنت كل ده معناه إيه؟!"


وقبل أن يرد المدير، دلفت إلى الغرفة موظفة بثيابها الرسمية ونظرة قلق مرتسمة على ملامحها، اقتربت بخطى حذرة وهمست للمدير

"فيه واحدة من الجيست عرفت اللي حصل من السكيورتي، وقالت إنها شافت مدام كارين"


ما إن التقط يونس الكلمات حتى اندفع نحو الخارج، كمن لمح بصيص أمل في عتمة اليأس، اقترب من السيدة التي كانت تنتظره وسألها بلهفة لا تخفى

"حضرتك شوفتيها فين؟"


أومأت برأسها ثم أجابت بثقة

"أنا كنت رايحة أجيب حاجة من عربيتي في جراچ الأوتيل، لاقيت واحد شايل المدام اللي شوفت صورتها مع السكيورتي وواضح جدًا إنها كانت فاقدة الوعي"


اتسعت عيناه دهشة، وتجمد فكره على نقطة واحدة سألها بنبرة متوجسة

"حضرتك عارفة شكل الراجل ده كويس؟"


هزت رأسها بالإيجاب

"آه، فاكرة شكله، هو مش طويل أوي، ولا قصير، و....... 


قاطعها بتعجل


"معلش، تعالي معايا دقيقة"


أخذها على عجل إلى غرفة المراقبة، وأمر الموظف أن يعرض له تسجيل الحفل، وخصوصًا مشهد تسليم الجوائز. 

  ركز بصره على الشاشة، ثم أشار بإصبعه

"وقف هنا"


نظرت السيدة إلى الشاشة للحظات، ثم شهقت وقالت

"هو ده، هو ده اللي كان شايل المدام وخدها في العربية"


ألتفت يونس إلى المدير كمن لمح الخيط الأول في خيوط المؤامرة، انطلقا معًا إلى موظفي الاستقبال، فسأل عن الشخص المشتبه به، فأخبرتهم إحدى الموظفات بنبرة ثابتة

"أستاذ مهند عمل تشيك آوت من قبل الحفلة ما تبدأ"


أخرج هاتفه على الفور، وأجرى اتصالًا سريعًا، ثم قال بحزم شديد

"تجيبي لي عنوان وكل معلومة عن اللي اسمه مهند عبد الرحمن حالاً"


                       ❈-❈-❈


 الأروقة صامتة إلا من همسات متقطعة، وزفير متثاقل يصدر عن صدور أثقلها القلق.  

 وبينما عقارب الساعة تزحف ببطء، كانت جيهان تمسك بساعد قصي محاولة تهدئته، كمن يوقف انسياب نهر هائج.


قالت له بصوت خفيض يرتجف بالرجاء

"بلاش عشان خاطري، كلها دقايق والدكتور يخرج يطمنا عليها، وعابد معاها جوه"


زم شفتيه وجز على أسنانه، كأنما يحبس بركانًا داخله يكاد ينفجر، ثم تساءل بصوت يقطر حنقًا

"يعني عاجبك أسلوبه معايا؟!، لاء، ويحلف عليا ما أدخلش أوضة مراتي؟!"


حاولت أن تبرر لعله يهدأ، فأجابت بصوتها الرقيق

"معلش، اعذره رد فعله من خوفه على بنته"


رفع يده في انفعال مكظوم، ثم قال بعينين موشوحتين بالذهول

"وأنـا جيت عشان أصالحها، وإحنا بنتكلم مرة واحدة انهارت واغمي عليها"


ربتت جيهان على كتفه بحنو، وكأنما تطفئ النار بلمسة من ماء

"ما تقلقش، إن شاء الله هاتكون بخير، وارد جدًا الإغماء يكون نتيجة ضغط عصبي، عشان كده قولت لك سيبها يومين ترتاح، ما تحاولش تضغط عليها، وأنا هافضل جمبها مش هاسيبها"


كان صدره يعلو ويهبط كأمواج تتقاذفها عاصفة، فأدركت جيهان أن نيران الغضب تشتعل داخله، رغم محاولته البائسة لإخفائها.


وما هي إلا لحظات حتى فُتح باب الغرفة، وخرج منه عابد يليه الطبيب، الذي شرع يشرح بنبرة مهنية واثقة

"الراحة ثم الراحة يا عابد بيه، زي ما قولت لمدام صبا وماتنساش تاخد الأدوية اللي كتبتها في الروشتة، مع الأكل الصحي، وابعدوها عن أي ضغط نفسي أو عصبي، وده مش بس عشان حالتها الصحية، لكن كمان عشان...


إلا أن عابد قاطعه فجأة، بصوته الأجش ونظرته الحاسمة

"اطمن يا دكتور، بنتي هاتفضل قاعدة عندي في هدوء من غير أي ضغط أو حاجة تنكد عليها"


كان في قوله رسالة مبطنة، انطلقت كسهم موجه إلى قلب قصي، الذي كاد يرد لكنه لم يمهل، إذ سارعت جيهان بالتدخل، قائلة بسرعة

"تمام يا دكتور، أنا هافضل جمبها وأراعيها بنفسي"


لم يحتمل قصي أكثر من ذلك لقد بلغ الصبر منتهاه.د، مضى بخطى سريعة إلى الغرفة، كأن قلبه يسبقه، راغبًا فقط في أن يطمئن على من صارت نبض روحه.


تحرك عابد خلفه، لكن جيهان اعترضته بلطف، ووضعت كفها على صدره، كمن يحجز ريحًا عن اقتلاع باب

"أرجوك... سيبه يطمن عليها"


بينما دلف قصي إلى الداخل بخطى بطيئة مثقلة، استقبله مشهد لم يكن ليتحمله، كانت  ممدّدة على الفراش، شاحبة الوجه، ساكنة الجوارح، كأن الحياة تخلت عنها على استحياء. 

  في ظهر يدها أنبوب طبي يتصل بمحلول معلق، والمحقن يقطر ببطء،  تحدق في السقف بعينين زجاجيتين، لا أثر للحياة فيهما، وقد خبت منها شرارة الروح التي طالما ألهبت قلبه.


جلس على طرف الفراش متوجسًا، نظر إليها طويلاً، ولكنها لم تحرك ساكنًا، وكأن وجوده بات شفافًا لا يرى.  

 شعر بوخز الألم يخترق صدره، فقد كان يعلم بل متيقنًا أنه السبب الأوحد في ما آلت إليه حالها.


همس بصوت متهدج، أقرب إلى الانكسار منه إلى الاعتذار

"آسف... آسف على كل لحظة قسيت عليكي فيها، آسف على كل وجع و ألم سببته ليكي، ما انتي عارفاني في حالة الغضب مابشوفش قدامي، و القسوة بتغمي عينيا و بتخليني أعمل حاجات بندم عليها طول عمري"


مد يده المرتعشة، وأمسك بكفها المتصلب كأنما فارقته الحرارة، فطبع على ظهره قبلة خافتة، امتزجت بالندم والرجاء ثم أردف بصوت خافت مفعم بالحرص

"أنا هاسيبك هنا تاخدي فترة راحة، وكل يوم هاطمن عليكي، هاخد الأولاد عشان المدرسة، عشان امتحانات الفينال قربت، وهابقى أجيبهملك يقعدوا معاكي، بس لو لسه ليا خاطر عندك خدي بالك من نفسك ماتـفكريش في أي حاجة"


توقف برهة، كأن الحروف استعصت على الخروج من بين شفتيه، ثم تابع بصوت متهدج، تنوء كلماته تحت ثقل الألم

 "و بالنسبة للطلاق، أجّلي الكلام فيه لحد ما تقومي بالسلامة"


لم يتلقَ منها ردًا، لكن دمعة خافتة هربت من طرف عينها، كشفت عن صراع داخلي عميق لم تستطع إخفاءه، فمدّ إصبعه يمسحها بطرف إبهامه برقة لا تصدر إلا عن عاشق يائس.  

 اقترب منها وكاد أن يطبع قبلة على وجنتها، لعلها تسعفه ببعض القبول أو العفو لكنها أشاحت بوجهها إلى الجانب الآخر، وبدا على ملامحها امتعاض ورفض قاطع.


وبينما هو غارق في بحر ندمه وقلقه، اهتز هاتفه بمكالمة واردة، فألقى نظرة على الشاشة، إنه شقيقه يونس! 


وفي غرفة أخرى خيم عليها التوتر، بدا وكأن النقاش فيها قد اشتد بين اثنين، لا يكاد أحدهما ينهي جملة حتى يبادره الآخر بالرد، فتعالى الصوتان وتداخلت العبارات.


قالت بنبرة رجاء تحمل في طياتها شيئًا من الحزم

"إحنا بنحل ونصالح يا عابد، مش عايزين نهد اللي ما بينهم"


لكنه وقد استبد به الغضب، أجابها بعينين ضاقتا سخطًا وصوت خافت إلا من نصل الحدة

"وأنا كنت مديه الثقة، وسيبته يعمل ما بداله معاها ومطلعش أهل للثقة، عايزاني أرجعها له عشان تموت من القهر هي واللي في بطنها؟!"


تصنمت في مكانها، وقد شلتها مفاجأة كلماته الأخيرة، وتطلعت إليه بقلق ممزوج بالريبة، سألت لتتأكد

"هي صبا حامل؟"


تغير وجهه فجأة، وارتسم عليه طيف من الندم، وكأنه أفلت سرًا لم يكن ينوِي البوح به، أو كأن ابنته قد استأمنته ألا يفصح عنه.  

 فخفض صوته واخبرها

"أيوه حامل، وياريت الخبر ده ما يعرفوش غيري أنا وإنتي، صبا هي اللي طلبت مني ماقولش لجوزها"


اتسعت عيناها بدهشة صريحة، وسألته باستغراب لا يخلو من الحيرة

"وهي مش عايزاك تقوله ليه؟، هي ناوية ما تتنازلش عن طلب الطلاق؟"


زفر زفرة طويلة، كأن في صدره دخانًا لا يريد أن يتبدد، ثم أجابها بصوت متعب، مزيج من الإذعان والاهتمام

"ما رضتش أضغط عليها وأسألها عن سبب طلبها للطلاق، بس مضطر أسمع كلامها لحد ما تقولي اللي في دماغها، وأيا كان تفكيرها، أنا لازم أؤدبه وهخليه يعرف قيمتها"


نظرت إليه بتردد، وصمتت لحظة وكأنها تزن الكلمات في رأسها قبل أن تنطق بها، ثم صرحت له بالحقيقة على استحياء

"هقولك على حاجةوما تضيقش؟، موقفك جاي متأخر للأسف، لو كنت من بداية جوازهم أخدت معاه واقفة، مكنش عمل معاها كده وكذلك هي كمان، لو كنت فهمتها يعني إيه حياة زوجية وإزاي تتعامل مع مشاكلها ومع جوزها بحكمة، مكنش وصلوا لحيطة سد"


جلس عابد على المقعد القريب، وقد بدا عليه الانكسار، أسند يديه إلى رأسه كمن يحاول احتواء ثقل الخطايا الماضية.  

وكأنه يعترف أمام نفسه قبل أن يعترف لها

"عندك حق، أنا فعلًا كنت سلبي، وضيعت حقها أكتر من مرة، لكن المرة دي لازم آخد موقف، ولازم آخد لها حقها، وهخليه يفكر مليون مرة قبل ما يبص لها حتى بصة تزعلها"


رفعت حاجبيها قليلًا وقالت وهي تقرأ في وجهه ملامح تصميم لم تألفه منه من قبل

"تمام، بس هتوافقها على الطلاق؟"


نهض من جلسته، ووقف ثابتًا يحدق أمامه كمن حسم أمرًا جللًا، ثم قال بلهجة قاطعة لا تقبل التراجع

"هوافقها على أي حاجة تكون فيها راحتها حتى لو اتطلقت منه"


                        ❈-❈-❈


في غرفة الفحص حيث يهمس الصمت بثقله على الجدران البيضاء، وقف رحيم بجوار الطبيب الأجنبي المختص بحالة  أميرة. 

كان الضوء المنبعث من الجهاز اللوحي المعلق على الجدار يُلقي بوهج خافت على وجهيهما، فيما كانت الأشعة المقطعية تعرض تعقيدات لا تُرى إلا لعين خبيرة. 

  أشار الطبيب بعصا دقيقة إلى بعض النقاط المظلمة على الصورة، ثم التفت إلى رحيم قائلاً بصوت خفيض يشوبه الأسى

"للأسف دكتور رحيم، كما ترى الأضرار التي خلفها الحادث تركت أثراً بالغاً على نسيج المخ لدى الآنسة أميرة، تلك الأضرار تجعل من نجاح الجراحة أمراً شبه مستحيل، بل وقد يؤدي إلى...


توقف عن الكلام، كأنما ثقل الكلمات قد خنقه، اكتفى بنظرة حزينة تنطق بما عجز عنه لسانه.  

نظر إليه رحيم طويلاً، ثم قال بصوت متماسك رغم ما توارى خلفه من قلق

"حسناً دكتور، لقد فهمت فما الحل الآن؟"


تنهد الأخر ثم أجابه وقد استعاد نبرة مهنية مشوبة بالإنسانية

"الحل في هذه الحالة هو العلاج النفسي، على المحيطين بها من الأهل والأصدقاء أن يعيدوا سرد ذكرياتها معهم، أن يملؤوا يومها بالدعم العاطفي، والحنان والاستدعاء المستمر لتفاصيل حياتها الماضية هكذا، وبمرور الوقت قد تبدأ ذاكرتها في إعادة بناء ذاتها، وبالطبع لا بد من متابعة طبية دقيقة، فقد تظهر حالتها تطورات إيجابية مع الأيام"


أومأ رحيم برأسه ببطء، وشبه ابتسامة شكر ارتسمت على شفتيه رغم ما يعتصر قلبه من ألم


ـ"شكراً لك دكتور"


ابتسم الطبيب الآخر بحرارة صادقة وقال

"العفو دكتور رحيم، فأنت طبيب ماهر، ولدي يقين بأن مستقبلك سيكون زاهراً في هذا المجال، أتمنى لك كل التوفيق"


                      ❈-❈-❈


غادر رحيم الغرفة بخطى متثاقلة، يحمل في صدره مزيجًا من الثقة والتوتر، وكأنما الكلمات التي سمعها لا تزال تتردد في أذنه بصدى ثقيل.  

 سار نحو أميرة التي تنتظره بشوق مشوب بالقلق، تمسك بأطراف أمل لا تدري إن كان سيتفتق نورًا أم ينطفئ خيبة.

وما إن وقعت عيناها عليه، حتى نهضت من مقعدها بلهفة، وصوتها يسبق خطاها

"ها، الدكتور قالك إيه؟"


توقف أمامها لحظة، ثم أجاب بصوت هادئ يخفي وراءه جهداً كبيرًا في كبح مشاعره

"للأسف مش هاينفع نعمل العملية، بس هنستمر في المتابعة والعلاج النفسي زي ما قولتلك"


تغيرت ملامح وجهها في لحظة، وكأن الحزن قد صبغ قسماتها بلون شاحب. نظرت إلى الأرض قليلًا، ثم رفعت رأسها وهمست بنبرة مؤمنة

"خير، كله خير بإذن الله"


اقترب منها خطوة، وكأنه يسعى أن يطمئن قلبها بما هو أعمق من الكلمات، وقال بحنو ظاهر

"أميرة، مش عايزك تزعلي ولا تيأسي، كل خطوة ربنا كتبها لينا فيها خير، ومش عايزك تقلقي أبدًا، أنا هافضل جنبك وعمري ما هتخلى عنك، وهبني لك حياة جديدة هاكون معاكي فيها، ولا مليش مكان؟"


نظرت إليه نظرة خجل ممزوجة بامتنان، وابتسامة رقيقة تزين وجهها

"أنا فعلاً مطمنة طول ما أنا معاك، وفي نفس الوقت مش عايزة أكون سبب مشاكلك، خصوصًا مع والدتك"


هز رأسه نافياً، وقد لمعت في عينيه لمحة تحد محبب

"أنا وماما على طول بينا مشاكل من زمان، بس هي كل اللي يهمها سعادتي وراحتي النفسية، ما تشيليش انتي هم أي حاجة، أنا معاكي وفي ضهرك"


تأملته لحظة والسعادة تنضح من عينيها، كأنما ابتسم قلبها قبل وجهها، فقال وهو يربت على كتفها

"يلا بينا نروح نتغدى، لأن أنا واقع من الجوع، وعايز أعمل مكالمة مهمة بس بعد ما ناكل"


أومأت برأسها، وعيناها تضحكان في براءة كعيني طفل رأى أمانه

 "يلا بينا"


                       ❈-❈-❈


سكبت شراب الكاكاو بالحليب الساخن الذي تفضله في الكوب الزجاجي، تناولته بهدوء وسارت بخطى وئيدة نحو الشرفة. جلست على المقعد المقابل لحاسوبها المحمول، متربعة في حضن نسمات الهواء الهادئة، تُقلب أناملها صفحاته. 


كانت تتصفح الصفحة الرئيسية لموقع التواصل الاجتماعي الشهير، حين وقع بصرها على منشور لم تستطع تجاوزه خاطرة مكتوبة بمشاعر نابضة، مرفقة بصورة له.

كم بدا وسيماً، أنيقاً إلى حد يكاد يُربك النظر، تسلل إلى قلبها شعور مُربك، لا تدري ما يحدث معها، أم هو الندم، كيف لا وقد واجهت بعد زواجها نفور بارد ومعاملة قاسية، وتجاهل يكوي، مَنْ أحبته لم يحبها، بل تعمد أن يُطفئ في قلبها كل شرارة حب، وأن يُفهمها أنها ارتكبت خطيئة الزواج منه.


بحركة مترددة فتحت ملفه الشخصي، وأخذت تتنقل بين صوره، حتى توقفت أمام صورة تجمعهما معاً، وكأنها تراها للمرة الأولى.  

 كانت نظرته إليها في تلك الصورة تبوح بما لا يقال، تنطق بلغة العشق التي لا تترجم. 

 في تلك اللحظة تيقنت أن كليهما كان يحفظ الآخر أكثر من نفسه.

كم كانت حمقاء حين تركت من يعشقها من أجل سراب!


أغلقت شاشة الحاسوب، وزفرت في ضيق لم تحاول حجبه، تناولت الكوب وأخذت ترتشف منه ببطء، فإذا بهاتفها يرن، صوته يعلو كمن يوقظ من سبات. نظرت إلى الشاشة، فإذا باسمه يتلألأ أمامها، خفق قلبها بعنف مباغت، وكأنه لم يستأذنها في الحنين.

ترى، أيمكن أن يفكر بها في اللحظة ذاتها التي تفكر فيه؟!


ابتلعت ريقها في تردد، وترددت أن تُجيب، عادت إلى ذاكرتها كلمات زوجها التي حُفرت كالنقش في الحجر، أن تقطع كل صلة بابن خالتها، وألا تراه ولو حتى في مناسبة عائلية.  

 ابتسمت بسخرية، وخاطبت نفسها

«اللي يسمعه وهو بيهددني، يحسبه بيغير عليّا من كتر الحب، بس هو طبعه كده، حدِّي ومسيطر وخلاص...» 


لم تُطل التفكير ولأن زوجها في عمله، ولأن الفضول كان أقوى، قررت أن تُجيب. حاولت أن تلتقط أنفاسها بانتظام، ثم اجابت بصوت منخفض

"رحيم؟"


جاءها صوته بنبرة عادية، خالية من أي مشاعر، على عكس ما توقعت


"إزيك يا دكتور رودينا؟"

عجبت من تلك الرسمية، فردت وقد نالت منها الدهشة

"الحمد لله يا دكتور رحيم"


قال دون أن يُبدل نبرته

"آسف على الإزعاج، بس أنا مش هطول عليكي، عشان معملكيش مشاكل مع الأستاذ ياسين"


رفعت حاجبها بدهشة ممزوجة بمرارة، وأجابت

 "اتفضل، اتكلم براحتك مفيش أي إزعاج ولا مشاكل"


قال بهدوء

 "أنا عايزك في موضوع مهم يخصني من ناحية شغلك، ورسالة الدكتوراه اللي بتحضريها"


"ممكن أعرف إيه المطلوب؟ وأنا تحت أمرك"


"مش هعرف أشرح في التليفون، لو فاضية النهارده أو بكرة، ممكن نتقابل أنا وانتي والحالة في مطعم أو كافيه، ولما تيجي هشرحلك كل حاجة، يناسبك يوم إيه؟"


لم تفكر كثيراً، وجدت نفسها تجيبه دون تردد

"أنا لسه في إجازة، فممكن جداً النهارده، ابعتلي عنوان المكان، ونتقابل بعد ساعة كده، تمام؟"


"تمام، هابعتلك اللوكيشن وإحنا في انتظارك"


"أوك... باي"


فيما انقطع الخط، بقيت تحدق في الفراغ بعينين غائمتين، وكأنها تنقب في السكون عن إجابة لسؤال زوجها إلي أين ستذهب، 

نعم، ستكذب لا مفر. 


تناولت هاتفها بنفور ظاهر، ضغطت على اسمه في سجل المكالمات، وانتظرت...

الرنين يتكرر، ولا رد كعادته، يغيب حين تحتاجه، ويظهر فقط ليعاتب يلقي اللوم.


همست بسخرية لاذعة، وقد بدت الكلمات كأنها طعنة في الهواء

"أوك يا ياسين، ما عنك ما رديت، أحسن برضه وعشان ما يبقاش ليك حجة وما تصدق تنكد عليا"


وضعت الهاتف جانبًا، ثم فتحته مجددًا، ولكن هذه المرة لتسجّل رسالة صوتية.

"أنا كنت بتصل عليك عشان أقولك رايحة لمامي، لما تبقى فاضي كلمني"


ضغطت على زر الإرسال، ثم وضعت الهاتف جانبًا كمن ألقى عبئًا كان يجثم على صدره.

تقدمت نحو خزانتها بخطى واثقة، 

اختارت ثوب بلون الليل، انساب على جسدها كأنّه خلق لأجلها وحدها، أبرز أنوثتها في رشاقة لا تقاوم.

ثم جلست أمام مرآتها، وكأنها تعقد صلحًا مع انعكاسها.

مر إصبعها برفق فوق بشرتها، يوزع المساحيق برقة متناهية، لا تخفي ملامحها بل تبرِزها، كأنها لوحة فنية تستكمل بألوان دقيقة.

انتهت من رسم عينيها، ثم التقطت أنبوب طلاء الشفاه، ومررته على شفتيها الممتلئتين بحرص مغر، ثم ابتسمت...

تلك الابتسامة لم تكن عفوية، بل امتلأت بدهاءٍ أنثوي تدرك تمامًا ما تفعله.


حدقت في المرآة، تذكرت نظرات رحيم، كيف كان يتفحصها بشغف لا يخفى، كأنه يحاول فك شيفرة جمالها...

كانت تلك النظرات كافية لأن ترضي غرور أنثى اعتادت أن ترى، أن ترغب، أن تلاحظ.

وها هي الآن، تستعد للذهاب، لا إلى والدتها بل إلى لحظة قد تغير كل شيء.

هل تندم؟!، ربما لاحقًا، أما الآن فالعطر الذي نثرته على عنقها، كان أبلغ من كل القرارات.


                       ❈-❈-❈


انطلقت بسيارتها كمن يهرب من عبء ثقيل، أو كمن يسابق نبضه اللاهث في صدره، لم تلتفت إلى القادم في الاتجاه المعاكس، ولا أبصرت ما كان يتهادى أمامها من خطر محدق، كانت تسير مدفوعة بفيض من الانفعال، يغشي على بصرها وبصيرتها، فلم تنتبه أن القدر نفسه قد وقف لها بالمرصاد على قارعة الطريق.


في تلك اللحظة، كان هو يفتح الرسالة الصوتية المرسلة من هاتفها، فدوى صوتها في أذنه كنصل يخترق السكون، وكأن نبرة صوتها وحدها كافية لإشعال نيران الغضب في صدره.


قبض على أسنانه بقسوة حتى صدرت عن فكه فرقعة خافتة، ثم تمتم بنبرة محمّلة بالغيظ

"الهانم بعتالي فويس نوت، وما استنتش حتى أديلها الإذن، أنتي اللي جيبتيه لنفسك يا رودينا، وما تزعليش من اللي هاعمله فيكي"


كأن الشر قد استوى على عرشه بين يديه، أدارت أنامله عجلة القيادة بزاوية حادة، متخذًا مسار  معكوس، وانطلقت سيارته كالسهم يشق طريقه في اتجاه سيارة زوجته، وكأن الأرض ضاقت عليه بما رحبت، ولم يبقَ له سوى لحاقها.


وفيما كان يضغط على مكابح البنزين دون هوادة، صدح رنين الهاتف فجأة، قاطعًا عليه أفكاره المسعورة، فامتدت يده إلى الهاتف، ولما لمح اسم شقيقته على الشاشة، تسارعت نبضاته أكثر.  

 تذكر أن ابنته قد توسلت إليه البارحة أن يأخذها لقضاء العطلة مع بنات عمتها، فأخذها معه في الصباح إلى هناك، غير دار بما يخبئه القدر في جوف اليوم.


أجاب بسرعة

"أيوه يا ملك، ياسمينا بخير؟"

….....


 "ماله يونس؟"

….... 


 "إزاي كارين اختفت؟!"


ثم جاءت الإجابة كصفعة على وجهه

"إيه؟!"


ضغط على المكابح بكل ما أوتي من قوة، فصدر صوت احتكاك العجلات بالأرض، توقفت السيارة فجأة، كأن الكون كله توقف معها.


صاح بعينين تتوهجان من القلق

"اتخطفت إزاي؟! أنا جاي على القصر دلوقتي، وخليكي إنتي مع البنات، ولو في أي حاجة هابلغك، سلام"


أغلق المكالمة بعصبية، وحدق أمامه وكأن الطرق كلها صارت دهاليز لا مخرج منها، شد على المقود بقسوة حتى أبيضت أنامله من شدة التوتر، وتمتم وهو يقلب عينيه بين الغضب والفزع


"هو يوم باين من أوله، لما أخلص من المصيبة اللي إحنا فيها، والله لأوريكي يا رودينا"


                       ❈-❈-❈


انتهى من طعامه للتو، وأخذ نفس عميق وهو يضع الملعقة جانبًا، وقال بصوت ممتلئ بالراحة والاطمئنان

"الحمد لله، كان الواحد جعان"


نظرت إليه أميرة بابتسامة خفيفة، ولم تستطع أن تكبح ضحكتها فقالت له

"واضح جدًا، كنت جعان أوي"


ضحك ثم رد بسرعة

"إنتي اللي ما بتاكليش، الأكل لو مش عاجبك شوفي عايزة تاكلي إيه وهبلغ الويتر يجيبه لك"


ابتسمت  بشيء من الحياء

"بالعكس، الأكل حلو أوي، بس أنا لما ببقى متوترة أو ورايا حاجة، ما بقدرش أؤكل"


عادت ملامح وجهه لتأخذ منحى جديًا، فسألها

"قلقانة من مقابلة الدكتور النفسي؟"


أجابت وقد تردد في صوتها خجل بالغ

"مش كده بالظبط، الموضوع وما فيه بتحرج من أي حد ماعرفهوش، خصوصًا لو راجل غريب"


قهقه ضاحكًا، و اخبرها بلطف

"مش اتفقنا قبل كده بلاش جو الخوف والقلق من أي حاجة، وخليكي شجاعة"


ردت عليه وهي تبتسم ابتسامة خفيفة ولكنها محملة بمشاعر مختلطة

"غصب عني يا رحيم"


نظر إليها بعينين يملؤهما التفهم، وقال بهدوء

"فاهم وعارف إنه غصب عنك، عموماً اطمني، هي دكتورة مش دكتور، تبقي بنت خالتي"


"بنت خالتك؟"

سألته بتعجب وقد ارتسمت على وجهها علامات الارتباك.


لاحظ ذلك، ورأى في عينيها مزيجًا من الحرج والخجل، خاصة مع ما يختلج في صدرها من خوف من رد فعل ابنة خالته إذا كانت على شاكلة والدته. 

 فابتسم ابتسامة هادئة 

"على فكرة، لما تتعرف عليكي هاتحبك جدًا، لأن أي حد يعرفك يحبك من أول مرة"

ثم اختتم كلماته بنظراته التي جعلتها تغرق في بحر من الخجل.


نهضت من مقعدها على عجل، فتبعها رحيم، وسألها بصوت خافت

"رايحة فين؟"


أجابت وهي تسير 

"رايحة الحمام وراجعة على طول"


لكنها كادت تتعثر في خطواتها، فبادر إلى مساندتها، فاصبحت في لحظة بين ذراعيه.  

 توقف الزمن في تلك اللحظة، وكأن العالم من حولهما قد تجمد، فشعرت بنبض قلبه يزداد تسارعًا، وكأن فؤادها أيضًا بدأ يضرب بقوة متوافقة مع إيقاعه.


وعلى مسافة قريبة، وصلت إلى المكان المرسل إليها، وبحثت عنه بين الزحام حتى توقفت عن السير فجأة، فوجدت نفسها أمام مشهد غير متوقع، حيث كان رحيم يعانق امرأة قد ولت ظهرها إليها.


 عقدت ما بين حاجبيها، وهمست بصوت مكتوم داخل رأسها

"بقي أنت جايبني عشان توريني أنك لاقيت البديل اللي هتنساني بيها يا رحيم؟!"


بينما كان الأخر ما زال أسير اللحظة الماضية، همس إليها

"إنتي كويسة؟"


أجابت أميرة وهي تبتعد بحرج من بين ذراعيه

"آه، حسيت بدوخة شوية، أنا بخير اطمن"


ظهر صوت آخر قادم من خلفهم

"هاي دكتور رحيم"


نظر رحيم إلى صاحبة الصوت دون أن ينبس بكلمة، بينما تمرد لسانه وأبى أن يتحرك. 

  كانت تلك المرأة أمامه تحمل سحرًا لا يمكن مقاومته، وهكذا تبادلا النظرات، عينيه تحملان مزيجًا من الشوق والعتاب، بينما عينيها كانت تخبره دون كلمات، لن تستطع نسياني أيها الطبيب.


ثم ألتفتت أميرة نحو المرأة الأخرى، وابتسمت ابتسامة هادئة رغم كل ما يعتمل داخلها من مشاعر متناقضة

"أهلاً بيكي يا دكتور"


وفي تلك اللحظة استرجعت رودينا في ذاكرتها مشهد  قديم، حيث كانت جالسة مع ابنة زوجها، تعرض عليها صور والدتها التي رحلت، وتخبرها

"دي صورة ماما ياسمين، الله يرحمها"


ثم انتقل شريط الذاكرة إلى مشهد آخر، عندما استيقظت في الليل لتجد زوجها نائمًا، يضم في يديه ألبوم صور، وعندما فتحته، اكتشفت أنه كان ألبوم يجمع صور له مع زوجته السابقة في لحظات مليئة بالذكريات.


تفوهت بصدمة، وكأن صاعقة قد أصابتها

"ياسمين!"


يتبع...

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع