رواية غرام الذئاب الفصل الخامس عشر 15بقلم ولاء رفعت (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات )
رواية غرام الذئاب الفصل الخامس عشر 15بقلم ولاء رفعت (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات )
#الفصل_الخامس_عشر
#غرام_الذئاب
#الجزء_الرابع_من_سلسلة_صراع_الذئاب
#ولاء_رفعت
هل تراك تنسى أم تظل أسيرَ؟
هل تغيب عن نبض يضيء المصيرَ؟
إنها الحب الذي في قلبِكَ يسيرَ
هي الأمس والغد، وهي السر الكبيرَ
إنها النبض الذي في روحكَ يطيرَ
لن يُبدلها بديل، مهما كان قصيرَ
هي العمر الذي في عينيكَ مُنيرَ،
هي السر الذي في وجدانكَ يُثيرَ.
قد تخونكَ كلماتي، لكنها السّريرَ،
حملتها لكَ يا طبيبَ، كيف يكون التغييرَ؟
في صمتها حديث، في ضحكتها أسيرَ،
وفي كلّ خطوة منها، يبقى القلب قديرَ.
فهل يُمحي الهوى يومًا؟ هل ينسى؟
أم يخلدُ في الوريد، و يدوم أثرهُ نصيرَ؟
هي الحلم الذي يكتب الزمان أثيرَ،
هي الأمل الذي يزرع فيكَ دهرًا منيرَ.
_عطر الربيع_
"هاي دكتور رحيم"
نظر رحيم إلى صاحبة الصوت دون أن ينبس بكلمة، بينما تمرد لسانه وأبى أن يتحرك.
كانت تلك المرأة أمامه تحمل سحرًا لا يمكن مقاومته، وهكذا تبادلا النظرات، عينيه تحملان مزيجًا من الشوق والعتاب، بينما عينيها كانت تخبره دون كلمات، لن تستطع نسياني أيها الطبيب.
ثم ألتفتت أميرة نحو المرأة الأخرى، وابتسمت ابتسامة هادئة رغم كل ما يعتمل داخلها من مشاعر متناقضة
"أهلاً بيكي يا دكتور"
وفي تلك اللحظة استرجعت رودينا في ذاكرتها مشهد قديم، حيث كانت جالسة مع ابنة زوجها، تعرض عليها صور والدتها التي رحلت، وتخبرها
"دي صورة ماما ياسمين، الله يرحمها"
ثم انتقل شريط الذاكرة إلى مشهد آخر، عندما استيقظت في الليل لتجد زوجها نائمًا، يضم في يديه ألبوم صور، وعندما فتحته، اكتشفت أنه كان ألبوم يجمع صور له مع زوجته السابقة في لحظات مليئة بالذكريات.
تفوهت بصدمة، وكأن صاعقة قد أصابتها
"ياسمين!"
تفوهت بصوت خافت لا يسمعه سواها، لكن نظرتها المتجمدة فسرها رحيم بشئ آخر، ولكنه اختار أن يقطع الصمت الذي كان يغلف المكان.
بادر قائلاً بصوت يقطع حاجز التوتر
"أعرفكم على بعض، دكتور رودينا يا أميرة، وبنت خالتي اللي أنا مربيها، من و هي كانت لسه نونو صغير"
ثم التفت إلى ابن خالته
"آنسة أميرة، الموضوع اللي كنت عايزك عشانه، لما هانقعد دلوقتي هاحكيلك كل حاجة"
كانت أميرة تشعر بتوتر لا ينفك يزداد، كان من الواضح أنها شعرت بعبء النظرات المتفحصة التي رمتها عليها رودينا.
كانت تلك النظرات تحمل في طياتها أسئلة محيرة وقلقًا حقيقيًا، كانت أميرة تدرك أن الأمور ربما تكون أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه، خشيت أن تكون رودينا قد فهمت شيئًا خاطئًا من حديث رحيم، خاصة عندما تذكرت كيف أن خالتها قد أقامت الدنيا ولم تقعدها عندما علمت بأمرها.
ورغم كل ذلك، ظنت خيرًا بها وإلا لما لجأ إليها رحيم في أمر علاجها.
بادرت بالمصافحة، وأرسلت ابتسامة مشرقة، محاولة إخفاء التوتر الذي كان يعتمل في قلبها.
"أزيك يا دكتور"
بينما كانت الأخرى تراقب ما يحدث عن كثب، كان رحيم يترقب رد فعلها، فهناك حرب ضارية بين ضميرها قلبها الذي كان يأبى إلا أن يعترف أو يجعلها تخبر أميرة بحقيقتها،فالنيران تندلع في أعماقها، شيء يتعلق بزوجها، ولكن في نفس الوقت، كان هنالك قلق يتسرب في وجدانها، أسئلة حائرة وبالتحديد ذلك التساؤل الذي كان يطن في رأسها، عندما رأت أن أميرة هي التي يطلق عليها رحيم اسم آنسة، كيف يكون ذلك؟
وفي تلك اللحظة، انتبهت أخيرًا إلى تلك التي كانت تمد يدها للسلام، فبادلتها المصافحة، وأومأت برأسها
"أهلاً"
سحبت رودينا يدها برفق، فشعرت الأخرى بشيء من الحرج، لكن سرعان ما تبعت نظراتها نحو رحيم، فتذكرت ما كانت ستفعله منذ قليل
"هاروح أنا وراجعة على طول"
"خدي بالك من نفسك"
قالها لها رحيم وكانت تلك الجملة لم تمر مرور الكرام على مسامع ابنة خالته، التي منذ أن وطأت قدماها هذا المكان، وأصبحت تتلقي المفاجآت.
ظلت تتابعها حتى اختفت عن عينيها، ثم سرعان ما انتبهت إلى قوله
"اتفضلي اقعدي، نتكلم شوية، عقبال ما تيجي"
سحب المقعد لها بلطف، جلست، وقالت بإمتنان
"Thanks"
جلس أيضًا، مبتسمًا ابتسامة خفيفة، ردً على شكرها
"العفو، تحبي أطلبلك الهوت شوكوليت اللي بتحبيها؟"
حدقت فيه، ونظرت في عينيه بعينين مترقبتين، كأنها تسأله، هل ما زالت تذكر ما أحب؟!
وكأن كلماتها كانت قد سمعتها أذنه، فقال بصوت مسموع، وكأنما يُنشد
"أيوه، لسه فاكر كل حاجة بتحبيها من الأكل والشرب، وزي مثلاً بتحبي تاكلي حلويات عشان تفتح نفسك قبل الأكل، وما بيجلكيش نوم غير لما أونكل مهاب ياخدك في حضنه ويغنيلك أغنيتك المفضلة"
ضحكت بخفة وقالت
"ده لما كنت لسه صغيرة"
ابتسم بخفة، وتابع
"ولحد ما كبرتي وخلصتي الجامعة، فاكر كويس لما طلعنا كامب مع أصحابنا كنتي خايفة، ومش عارفة تنامي قعدت سهران جنبك واضطريت أغنيلك أغنيتك عشان تعرفي تنامي"
همهم، ثم بدأ يدندن بكلمات الأغنية بصوته العذب، فتردد صدى الأنغام في المكان
"عصفور طل من الشباك، وقال لي يا نونو، خبيني عندك، خبيني، دخلك يا نونو، خبيني عندك، خبيني دخلك يا نونو"
ابتسمت ببراءة طفلة صغيرة، وكأن الزمن عاد بها إلى الوراء، وانطلقت تشاركه في الغناء بصوت مليء بالذكريات
"قلتله انت منين؟ قال لي من حدود السما، قلتله جاي منين؟ قال لي من بيت الجيران، قلتله خايف من مين؟ قال لي من القفص هربان، قلتله ريشاتك فين؟ قال لي فرفتها الزمان، عصفور طل من الشباك وقال لي يا نونو، خبيني عندك، خبيني، دخلك يا نونو"
تجمعت الدموع في عينيها، ولكنها لم تكن تعلم ما السبب، هل هو الحنين المفرط وندمها على حب قد خسرته بإرادتها، أم هو التأثير القوي لصفعات القدر التي تلاحقها منذ أن سقطت من السماء، لتهبط على سابع أرض؟
أمسكت حقيبة يدها فاستخرجت منها محارم ورقية، لكن يد رحيم سبقتها، وأعطاها محارم من لديه، سألها بحنان
"انتي كويسة؟"
أومأت إليه برأسها وأخذت المحارم. جففت دموعها بسرعة، ومن ثم رسمت على شفتيها ابتسامة طفيفة، وسألته، وهي تظهر اهتمامًا
"مش هاتقولي مين أميرة؟ وإزاي اتقابلتوا؟"
بدأ رحيم في سرد قصته منذ أن رأى أميرة لأول مرة، مرًّا بكل الظروف الصعبة التي مرت بها، بداية من فقدان الذاكرة، إلى المشكلات التي كانت تعاني منها بسبب أبناء السيدة خيرية، وظن والدته أنها من بائعات الهوى.
أخبرها كيف هربت أميرة من المنزل، وكيف بحث عنها هو لعدة أيام حتى وجدها، ثم عاد بها إلى القاهرة.
كانت الأخرى تستمع بإنصات، ومشاعرها تتبدل، وعينها قد تملؤها الرؤية الواضحة التي لا تخطئ، فجاءتها الحقيقة مكشوفة أمامها كما الشمس في كبد السماء، ياسمين تعرضت لحادث نتج عنه فقدان الذاكرة.
"رودينا؟! رودينا؟!"
لوح بكفه أمام وجهها، فانتبهت إليه على الفور، سألها محاولًا أن يخفف عنها صمتها
"سرحتي في إيه وأنا بكلمك؟"
قالت، وكأنها تسترجع لحظات من التفكير العميق
"معاك، حتى بالأمارة كنت بتقول إنكم رجعتوا القاهرة، بس أنت قعدتها فين؟"
رد عليها، كأنما يكشف لها سرًا خفيًا
"طبعًا، اللي هقوله لك سر ما بينا، يعني لا خالتي ولا عمي يعرفوا"
سألته بدهشة
"وأنا عمري قولت سرك لحد؟"
أجابها وهو يبتسم بخفة
"أبدًا، من زمان وأنا بجي أحكي لك عن كل حاجة كأني بحكي لنفسي، يمكن علشان كنت بعتبرك أنا وإنتي واحد؟!"
لم تجب وأثرت أن تصمت، ظل كليهما يتبادلان النظرات، وفجأة لاحظت قدوم أميرة، حمحمت ونظرت نحوها ثم أخبرت رحيم
"ياسـ...، قصدي أميرة جاية علينا"
"معلشي اتأخرت عليكم"
قالتها أميرة بصوتها الرقيق، الذي حمل بين طياته اعتذار، نظرت إليها رودينا التي كانت تجلس على المقعد المقابل، تتأمل وجهها بتوجس، وعينها مشدوهة، لم يكن من السهل أن تتقبل هذه المفاجأة التي أحيطت بها.
لكن رحيم الذي كان جالس على مقعده في الطرف الآخر من الغرفة، لم يترك الفرصة تمر دون أن يضيف
"تعالي، كنت بحكي عنك لرودينا"
ارتفعت نظرات رودينا نحوها، تترقب بكل حذر ما ستكون عليه المعاملة من هذه اللحظة فصاعدًا، خاصة بعدما علمت بكل شيء عن أميرة.
كانت تلك النظرة تحمل كل الأسئلة التي ظلت تدور في عقلها، دون أن تجد جواب شافي.
ثم أضاف رحيم متابعًا حديثه كأنه لا يرى الموقف بينهما إلا أمر عادي
"قبل ما أنسى يا رودينا، أميرة حاليًا قاعدة في شقة بابا الله يرحمه في مصر الجديدة، ودي هتبقى أنسب مكان للجلسات، وماتنسيش زي ما وصيتك"
كانت الكلمات التي ألقاها كسياط تشق الصمت، وتدخل إلى عقول الجميع مثلما تدخل خيوط الضوء في أزقة المدينة المظلمة، ردت الأخرى
"اطمن، خالتو رجاء ماتعرفش حاجة عن موضوع الشقة، هي فاكرة إن عمو الله يرحمه باعها من زمان"
و بينما كانا كليهما يتحدثا كانت أميرة قد رفعت نظرها إليهما بنظرة مليئة بالتوتر والقلق حيث تشعر بالحرج حيال الأمر الذي ذكره رحيم، لذا قالت
"وجودي هيبقى وضع مؤقت لحد ما هدور على شغل، وهشوف سكن بالإيجار"
لكن وبدون أن يعير رحيم نظرًا لمشاعر ابنة خالته، حدق إلي أميرة بنظرة ذات طابع حازم، ثم رد بصرامة لا تترك مجالًا لأي نقاش
"وأنا مش موافق على اللي أنتي بتقوليه، لأنك يوم ما هتسيبي الشقة هاتيجي تعيشي معايا في الفيلا، وبالنسبة للشغل مش هامنعك، بس هتكوني في مكان أنا برضه هكون معاكي فيه وتبقي تحت عيني"
كان الهدوء الذي عادة ما يميز رحيم قد تبدد، ليحل محله أمره الذي لا يقبل الجدل، بينما رودينا فقد كانت لا تزال جالسة متفاجئة بما تسمعه، ينتابها الشعور بالدهشة من ما يتخلل مسامعها للتو
رفعت أميرة صوتها قليلًا، محاولة أن تبدي اعتراضها على حديث الأخر
"وأنا كل اللي بطلبه منك تديني وقتي عشان استعد نفسيًا، والموضوع مش بالسهل يا رحيم، كفاية مامتك لما تعرف بحاجة زي دي، تخيل هاتعمل معايا أنا بالذات إيه؟"
و لأول مرة قد ألقى بنظرة حادة إليها، لدرجة أن الغضب بدا وكأنه يشتعل في أعماقه، ليجيبها بنبرة غاضبة لكنها ثابتة، مخالفة لهدوءه المعتاد
"قولتلك ملكيش دعوة بحوار أمي، أنا عارف هقنعها إزاي، لكن اللي مش هتنازل عنه هو اللي لسه قايله لك دلوقتي، وبعدين خروجك لوحدك مش أمان ليكي، وإيه اللي يضمن لي إنه الحيوان اللي اسمه محمود وإخواته لسه بيدوروا عليكي؟، ومصر كلها أوضة وصالة، سهل جدًا يوصلوا ليكي، فلما هاتكوني حرمي المصون، محدش يقدر يقربلك"
كان الصوت الغاضب قد بدا صريحًا، وكأنما هو توجيه رسالة قاطعة، أما رودينا فقد كان عقلها يعكف على تحليل كل كلمة قالها، ولم تستطع إلا أن تخرج السؤال الذي ظل يراودها طوال الوقت، مستفهِمة بلهجة تتأرجح بين الاستفهام والدهشة
"هو اللي أنا سمعته ده صح، ولا أنا فهمت غلط؟!"
فألتفت رحيم إليها، وأجابها بجدية قاسية كانت تكاد تفهم من كل حركة من حركاته
"و ده السر التاني اللي كنت ناوي أقوله لك أنا هاتجوز أميرة"
❈-❈-❈
في قصر آل البحيري، انعقد اجتماع عائلي طارئ، محاط بالهمسات والقلق، كان الجميع وجوههم غارقة في التفكير، وأعينهم متوجسة.
على رأسهم كان قصي، الرجل الذي لم يهدأ له بال منذ اللحظة التي علم بها أمر اختطاف شقيقته، كان يتنقل بين المكالمات الهاتفية، محاولًا جاهداً أن يضع الأمور في نصابها.
و علي الآرائك و المقاعد، كان يجلس كل من ياسين، مصعب وملك جالسين قرب بعضهم، بينما جلست چيهان، التي لحقت بقصي بعد أن علمت منملك.
بينما آدم وخديجة ويوسف وعلياء، فقد كانوا جالسين حول طاولة كبيرة، في انتظار أن يُكشف لهم مصير تلك الكارثة التي حلت عليهم.
وقد وصل عابد للتو، فدخل علي عجلة من أمره، وألقى التحية على الجميع، ثم سأل بصوت يحمل توترًا لا يُخفى
"إزاي حصل كده و كان فين؟"
أجاب ياسين وكأن الحزن يثقل لسانه
"الحوار حصل في العالمين، وهناك قالبين الدنيا"
قال آدم وهو يبدو أكثر استقرارًا
"و أنا كلمت مدحت صاحبي و عمل اللازم، ولسه مكلمني من شوية وقال لي اطمئن اللي خطف كارين لسه جوه مصر، وبلغ كل المطارات ببياناته وصورته"
حدق عابد في آدم بعينين مملوءتين بالأسى، ثم نطق بصوت يشوبه بصيص من الأملة
"بإذن الله نوصلها في أقرب وقت، أومال فين يونس؟"
أجاب يوسف بصوت منخفض، مشبع بالقلق
"كان داخل على انهيار عصبي، ولحقته بحقنة مهدئ"
عقب ياسين بحزن دفين، وكأن الألم يعتصر قلبه
"الله يكون في عونه، أنا أكتر واحد حاسس بيه"
علقت خديجة، وهي تحاول أن تشعر الجميع بأن هناك أمل
"بإذن الله ربنا هيطمنا عليها، وعندي حل تاني فعال جدًا، كلنا ننزل بوست تنويه على السوشيال ميديا فيه صورة كارين وصورة اللي خاطفها، زي الفيسبوك مثلًا، ونعرض مكافأة مغرية لأي حد يشوفهم ويبلغنا مكانهم"
علقت علياء بحماسة
"فكرة حلوة جدًا، وأظن أي خبر زي ده بيتحول لتريند، يعني انتشار رهيب، وكده هنحاصر المجرم قبل ما يفكر يخرج بره البلد بأي طريقة غير قانونية، لأن أي حد هايشوفه هيكلمنا علي طو....
وهنا قاطع يوسف النقاش، قائلاً بصوت قاسي
"قصدكم نفضح الدنيا والعالم كله يعرف أخونا اتغفل ومراته اتخطفت منه، واللي خاطفها الله أعلم ناوي يعمل معاها إيه، ياريت تنسوا حلولكم اللي تودي سمعة العيلة في داهية"
رمقته علياء بنظرة استهزاء، بينما حدقت خديجة إليه بتجهم، دون أن تنطق بكلمة، أما والدته، فلم تستطع أن تتجاهل ما قاله، فتوجهت إليه بكلمات تحمل قدرًا من اللوم الشديد
"على فكرة، كلام خديجة وعلياء عين الصح، وبعدين فضيحة وسمعة عيلة إيه يا دكتور يوسف؟!، أنت واعي لكلامك؟"
لم يستطع يوسف الرد على الفور، وقد شعر بالحرج، بعدما أدرك حجم خطأ حديثه اللاذع.
وفي تلك اللحظة، تذكرت چيهان أمرًا كان من الممكن أن يغفل عنها وسط تلك الأحداث الجسيمة، اقتربت من زوجها وسألته بصوت منخفض
"اوعي تكون قولت لصبا عن موضوع كارين؟"
أجاب عابد في سرعة
"ما ينفعش تعرف خالص، والدكتور أصلاً أكد علينا إننا نبعد عنها أي حاجة تسبب ليها ضغط نفسي وعصبي، ياريت بس تنبهي الأستاذ جوزها عشان مش طايق أتكلم معاه"
ردت هي بسرعة و تخبره
"هو اللي أكد عليا ما أجيبلهاش سيرة خالص"
في تلك اللحظة، اقترب قصي من الآخرين بعد أن انتهى من إجراء بعض المكالمات، فسأله مصعب بلهفة
"ها، وصلت لحاجة؟"
أجاب قصي وفي صوته شيء من الغضب، كأنه غير راض عن تطور الأمور
"الرقم اللي كان مسجله الحيوان في الأوتيل، للأسف شكله اتخلص منه قبل ما يمشي، والسايس بتاع الجراچ بلغهم بنمرة العربية، ولما كشفوا عليها طلعت مضروبة، الواطي كان عامل حسابه في كل حاجة عشان محدش يوصله، بس علي مين، وأقسم بالله أول ما اشوفه، لأشرب من دمه الـو...."
ألتفتت چيهان إليه، وعينيها تنبئان عن امتعاض شديد
"أومال احنا بلغنا البوليس ليه؟، هم هيلاقوه بمعرفتهم، والقانون ياخد مجراه"
قبل أن يرد قصي، سبقه ياسين بغضبٍ شديد، يعلو صوته ويشتعل وجهه
"اللي قاله قصي دي أقل حاجة هنعملها مع الكلب اللي خطف كارين، ده واحد خطف مرات أخونا، فاهمة يعني إيه؟!، ده اللي كان بيبص لمراتي، ببقي عايز أخزوق له عينيه، ما بالك اللي اتجرأ ومد إيده عليها وخطفها؟!"
"و يا تري تقصد انهي واحدة فيهم؟"
كانت سؤال ملك ساخر ومليئ باللوم والعتاب، كالسيل الجارف جاء في وقت غير مناسب، لكنها لم تكن لتكترث لذلك. رمقها شقيقها بنظرة نارية خرجت من قاع الجحيم، نظر إليها كما لو أنها لا شيء.
"خليكي في حالك يا ملك أحسن لك!"
رد كان بمثابة تهديد صريح، جعلها تنهض من مكانها وتُلقي نظرة تحد على شقيقها، غير مبالية بنظرة مصعب التحذيرية التي وجهها لها.
استغلت تجمع العائلة في تلك اللحظة، وفاضت بما لا تُحمد عقباه
"أحسن لي إزاي يعني؟ فاكرني رودينا هخاف منك ولا أسكت لك؟!"
"ملك!"
نداء زوجها كان تحذيرياً، ليوقف ما كانت تفعله، لكن جاء الرد من والدتهما تنهر كليهما
"ده وقت خناق أنت و هي؟، مرات أخوكم في مصيبة، و عاملين تشدوا قصاد بعض"
صاح ياسين بغضبٍ مشتعل، وكأن البركان قد انفجر في قلبه
"ما تقوليلها هي الكلام"
أجابت ملك بمرارة، مستمرة في حديثها
"أنا مش بتخانق يا ماما، الأستاذ مطلع عين رودي ومبهدلها كأنها جارية اشتراها، يعمل فيها اللي عايزه"
ثم نظرت نحو ياسين، وأكملت بلهجة صريحة
"بنتك بقت خايفة تقعد معاكم بسبب اللي بتسمعه، وأنت فاكرها نايمة، وخايفة منك أنت بالذات"
رمقته والدته بنظرة ضيقة شديدة، وأشارت إليه بأن يتبعها، ما لبث أن لحق بها، بينما ألقي هو نظرة مليئة بالازدراء على شقيقته، ثم صعد وراءها في صمت ثقيل.
أمسك مصعب بيد زوجته برفق، ودفعها لتجلس جواره، همس إليها من بين أسنانه
"اطلعي هاتي البنات من دادة سميرة ويلا، عشان هاروحكم وهرجع على هنا تاني"
أجابته بحنق متصاعد، نبرة صوتها تظهر تحدياً
"أنا مش ماشية من هنا غير لما أطمن على كارين"
أمرها بحسم، وكأن الكلمات ثقيلة كالحديد
"أنا قايم، ولو ما عملتيش اللي قولتلك عليه، هيبقي كلامي الجاي مع أخواتك"
زفرت بنفاذ صبر، ثم ردت على مضض
"ماشي يا مصعب، أنا هاروح مش عشان أنك قولتلي كده، عشان بس الظرف اللي إحنا فيه"
نهضت، وأخبرت الجميع
"معلش بقي، أنا مضطرة استأذن و هاخد البنات وهانروح عشان عندهم امتحانات بكرة، ولسه هاقعد إذاكر معاهم، إن شاء الله هاتواصل معاكم أشوف وصلتوا لإيه"
لم تمر لحظات، حتى قامت علياء هي الأخرى بالاستئذان
"وأنا كمان هستأذن، عندي 3 حالات ولادة، ما ينفعش أؤجل أي حالة فيهم، وهابقي علي تواصل مع معاكم، وإن شاء الله خير ونوصل لكارين في أسرع وقت"
ثم انصرفت، صاعدة إلى الأعلى لتعد نفسها للذهاب إلى عملها، لكنها غفلت عن هاتفها الذي تركته فوق المنضدة الرخامية.
مد يوسف يده ليأخذ الهاتف، غير منتبه إلى ما يحدث حوله، حتى باغته اهتزاز الهاتف بمكالمة واردة، عقد حاجبيه عندما رأى اسم المتصل
"آسر"
ضغط على أسنانه بشدة، حتى كادت تتحطم، وعيناه تشتعل بالغضب.
❈-❈-❈
داخل غرفته التي ما زالت تحتفظ بأثاثها العتيق، محاطة بكل الذكريات التي تشهد على مرور الزمان، كانت الأجواء متوترة وغير مستقرة، كما لو أن شبح الماضي يطوف حول المكان.
كان يحيط به شعور من العجز، حيرته من الأفكار وقلقه من المجهول.
قال بصوت منخفض، حاول أن يبدو هادئ لكنه كان مفعم بالتوتر
"يا ماما بقولك مفيش حاجة، بنتك ملك أوڤر طول عمرها بتحب تدي الموضوع أكبر من حجمه"
رفعت والدته حاجبها بتهكم، وهي تنظر إليه بنظرة تتحدث أكثر من الكلمات
"ده علي أساس إن أنا مش عارفاك وحافظاك أكتر من نفسك؟!"
أشاح نظره بعيد عن عينيها، يتجنب أن يلتقي بنظراتها المتسائلة، فشعرت هي بذلك، فأمسكت بذقنه برفق، لكنها أجبرته على التحديق في عينيها
"بصي لي وأنا بكلمك، كلام أختك صح وأنا مش غبية عشان أصدق أي حاجة بتتقال، بس زي ما قولتلك ملك عندها حق والدليل على كده كل ما أطلب منك تجيب رودي وتيجوا عندنا أنا وعمك عابد، تقعد تتحجج لي بكذا حوار، ولا واحد منهم صدقته. حسيت إن في حاجة أنت مش عايزني أعرفها"
زفر وكأنما كانت الصبر قد فاض منه سريعًا
"عايزاني أقولك إيه يعني؟!، أقولك إن عمري ما حبيت ولا هاحب غير ياسمين الله يرحمها؟!، وجوازي من رودينا نتيجة ضغط الست ملك والأستاذ آدم؟، ولا لما لاقيت بنتي اتعلقت بيها لما حست بتعويض فقدانها لمامتها؟!"
كانت تستمع إليه بعناية، كل كلمة يتفوه بها تحمل ثقل الحقيقة، ردت عليه بحسم وكأن كلماتها لا تعطي مجالًا للرد
"أنت اتجوزتها عشان تنقذك من نفسك، اتجوزتها عشان ترجعك للدنيا اللي كنت رافضها بعد وفاة ياسمين الله يرحمها، ضغط أخواتك وتعلق بنتك كانت مجرد أسباب فرعية مش أكتر، الخلاصة أنت اتجوزت رودينا برغبتك، ليه بقى تبهدل بنت الناس معاك وتحملها ذنبك؟!"
نهض من مكانه واتجه نحو النافذة، كان نظره شارد في الأفق البعيد، يتأمل في السماء وكأنها ستمنحه جواب على أسئلته التي لا تنتهي.
بدأ بالكشف عما في قلبه، بوح بما يحمله من آلام وأحزان
"كل كلمة قولتيها حقيقة، الحقيقة اللي مخلياني عايش طول الوقت في عذاب"
تجمع الدموع في عينيه، ولم يستطع منعها من الانهمار، وتابع وهو يروي لها ما كان يكتمه
"وعدتها عمري ما هاكون غير ليها، سواء وأنا معاها أو من بعدها، عمري ما كنت أتخيل إنه ممكن في يوم من الأيام الموت يجي يخطفها مني"
التفت إليها و يردف كأنه يتحدث مع نفسه، فقد أهداه الألم ابتسامة ساخرة تجري بين دموعه
"هاتصدقيني لو قولتلك إني لحد الآن مش مصدق إنها ماتت، وإنها لسه عايشة؟ قلبها بيدق، روحها معايا طول الوقت، وبقي أفضل وقت عندي هو وقت النوم، اللحظات الوحيدة اللي بشوفها فيها، بحس معاها بكل لمسة، وحضن بتحضنه ليا في الحلم"
وجد والدته تنصت إليه باهتمام، وحزنها ظاهر على وجهها، كأن كل كلمة منه تسقط في قلبها حجر ثقيل.
سألها وهو يعصر قلبه بالألم
"مجنون صح؟"
فتحت ذراعيها دعوة للعناق كما شاركته في البكاء، وفي تلك اللحظة كان يبدو كطفل ضاع منه الأمان، فهرع نحو حضنها حيث يجد راحته وطمأنينته.
دفن وجهه في صدرها، كما كان يفعل عندما كان صغيرًا، يستغيث بكل دفء وجودها.
"أنا تعبان أوي، تعبان أوي يا ماما، أنا لولا بنتي كان زماني انتحرت وروحت لياسمين"
رفعت رأسه برفق، وأحاطت وجهه بين كفيها، وكأن يديها هما الدنيا بأسرها، تخبره بحنانها الغادق
"ما تقولش كده يا حبيبي، استغفر ربنا، إحنا كلنا معاك، وعايزينك وبنحبك، عايز تقهر قلبي عليك يا ياسين؟!، بحبك أنت وأخواتك، بس أنت ليك معزة خاصة، أنا عارفة إنشغلت عنك في أكتر وقت المفروض أبقي فيه جنبك، حقك عليا يا حبيبي، حقك عليا يا روحي"
ثم قبلت جبهته برقة، وأعادت معانقته مرة أخرى
"ربنا ما يحرمني منك، ويريح قلبك يا حبيبي"
❈-❈-❈
كان جالسًا إلى جوارها فوق السرير، يقيس نبضها المتباطئ، وقد ارتسم على وجهه شبح الخوف والذعر.
لم يكن يرغب في فقدانها؛ فقد وجدها بعد عناء طويل، ولن يسمح لها بالضياع من بين يديه مهما كلفه الأمر.
تناول جهازه اللاسلكي وأجرى اتصال عاجل، هاتفًا بنبرة مرتجفة
"إيه يا دكتور؟ فينك؟"
أجابه صوت الطبيب عبر الجهاز بسرعة
"دقيقة وهاكون عندك"
وما إن وصل الطبيب الذي بدا أن علب علاقة قديمة تربطه بمهند، حتى تقدم نحو كارين الغائبة عن الوعي، وباشر بفحصها.
وما إن لمح ملامحها، حتى اتسعت عيناه دهشة، وارتسمت على وجهه علامات الاضطراب، فسأل مهند
"مين دي؟، دي توأم من المدام الله يرحمها"
أجابه مهند بحدة تقطع أي محاولة للفضول
"أنا بقول خليك في شغلك أحسن"
فهم صديقه الرسالة الخفية، وابتلع ريقه بتوتر، اخبره بجدية بالغة
"لازم ننقلها على المستشفى ضروري"
انفجر الآخر قائلاً بانفعال مكبوت
"وأنا جايبك ليه يا دكتور!، قولتلك مش هاينفع اخدها علي اي مستشفي، علق لها محاليل واكتب لها علي علاج، وأنا هاروح أجيبه إنما خروجها من هنا، هيبقى على الطيارة على طول"
تردد صديقه برهة، يزن الخيارات بعقله المضطرب، ثم قال باستسلام
"أمري لله، بس أنا محتاج شوية حاجات، ممكن تلاقيهم في الصيدلية اللي موجودة في القرية اللي بعدنا بمحطة"
هتف الآخر بنفاد صبر
"انجز اكتب اللي عايزه بسرعة وتعالى معايا نجيبه"
أخرج الطبيب ورقة صغيرة، ودوّن عليها أسماء الأدوية، ثم رفع عينيه نحو مهند قائلاً
"مش هاينفع نسيبها إحنا الاتنين، لازم حد يتابعها، لأنك زي ما شرحتلي حالتها في التليفون، إنها مريضة قلب"
زفر الآخر زفرة ثقيلة، ولم يجد أمامه بدًا من ترك صديقه مع كارين، فانصرف على عجل.
وما إن تأكد الطبيب من مغادرة مهند، حتى أخرج من جيبه محرمة، وسكب عليها سائلًا نفاذ الرائحة، ثم قربها من أنف كارين.
شهقت كارين شهقة فزع واستفاقت، تشهق وكأنها تتنفس الحياة لأول مرة. جذبت الغطاء فوق جسدها المرتعش وسألته بخوف
"أنت مين؟"
رفع الطبيب يديه في وضع الاستسلام، وقال مهدئًا
"ما تخافيش، أنا مش زيه بالعكس أنا عايز أنقذك منه، عيلتك قالبين السوشيال ميديا عليكي، ومهما حاولوا مش هايعرفوا يوصلوا لك هنا، أنتي وقعتي ضحية شخص حرفيًا شيطان، وما تسأليش أكتر من كده، كل اللي بطلبه منك معلش حاولي تقومي نمشي بسرعة قبل ما يرجع علي هنا"
ترددت كارين لحظات، وقد علت ملامحها حيرة وخوف، لكنها كانت كالغريق الذي يتعلق بقشة، جمعت ما تبقى لها من قوة، ونهضت بوهن، تتلمس الأثاث من حولها لتستند عليه.
بحثت بعينين مرتجفتين عن حذائها، وما إن وجدته، حتى ارتدته بعجلة، متجاهلة ما يعتصر جسدها من ضعف وإرهاق.
قال الطبيب مُلحًّا بصوت خافت مرتعش
"يلا يا مدام كارين، بسرعة بالله عليكي"
❈-❈-❈
أنار ضوء الهاتف المحمول أرجاء الغرفة مرارًا مع كل رسالة واردة عبر تطبيق "تليجرام"، مما أزعج مضجع ذاك النائم، فأقلقه اضطراب الضوء المتكرر.
فتح عينيه متثاقل، وبحث بنظره عن هاتفه، ثم نهض بجذعه متفقدًا زوجته ليتأكد من وجودها بجواره، غير أن المكان إلى جانبه كان خالي.
قام بتأني وتسلل بخطوات خفيفة إلى خارج الغرفة متوجهًا نحو الصالة، ليطمئن إن كانت لا تزال بالمنزل.
استوقفه صوتها المنبعث من بعيد وهي منهمكة تذاكر لابنها وابنتها، يتخلل حديثها شيء من العجلة والتعب.
أرخى أنفاسه بارتياح، وعاد إلى غرفته مسرعًا، يشتاق إلى معرفة فحوى تلك الرسائل المتلاحقة.
فتح هاتفه فوجد الرسائل تتوالى على النحو التالي
√√ بقالك كام يوم ما بتردش عليا ولا بشوفك في البلكونة... ياريت تطمني عليك.
√√ طه، هو إنت زعلان مني؟
√√ طه أنا محتاجالك أوي... كل ما أنزل الشارع بحس حد ماشي ورايا وبيراقبني... خايفة يكون حد تبع أخويا وممكن يأذيني.
√√ واضح إن مدام شيماء مش مخلياك عارف تمسك تليفونك ولا ترد على الرسايل، ولا حتى عارف تتنفس... بجد ربنا يكون في عونك.
√√ رغم إنك مابتردش عليا، بس حبيت أقولك أنا مسافرة الأسبوع الجاي... عندي تصوير إعلان في الساحل... لو حبيت تيجي معايا قصدي معانا أنا والجروب، بلغني عشان أحجزلك الإقامة، وهاتعيش معانا أحلى أيام عمرك.
√√ ؟؟
√√ طه... بليز طمني عليك.
√√ ده لينك آخر جلسة فوتوسيشن ليا... قولي إيه رأيك في الأوت فيت بتاعي في كل صورة؟
ظل طه يقرأ الرسائل، وقلبه يتأرجح بين التردد والرغبة.
حاول تجاهلها لكنه استسلم لفضوله حين لمح رابط الصور، ففتحه، فإذا بها تتجلى أمامه في هيئة مختلفة؛ شعرها المصبوغ حديثًا بلون البندق الأشقر، وعدساتها اللاصقة الزرقاء كصفاء السماء في نهار ربيعي، وثيابها وإن لم تكن عارية، إلا أنها التصقت بجسدها التصاق الجلد بلحمه، مما أيقظ فيه مشاعر مختلطة من الدهشة والانقباض وشهوة سرعان ألجمها بتردد الاستغفار.
بينما شيماء، فلم تهدأ لحظة، إذ كانت تنهال على ابنها باللوم
"يا سالم يا حبيبي قولتلك تعملها كده، مطلع عيني من الصبح عشان نكتب الواجب، نفسي أفهم إنت بتحل امتحانات الشهر والتقييمات إزاي؟"
ردت ريتاچ وهي تضحك بخبث طفولي
"بيغش من أصحابه"
شهقت والدتهما، وقالت بانفعال
"نعم؟!، إنت بتغش يا ولاه؟!"
ابتلع الصغير ريقه بخوف، ونظر إلى أخته بامتعاض شديد، ثم حول نظره نحو والدته قائلاً
"غشيت في الماث بس، عشان مش فاهم وإنتي مش بتفهميني ولا بتعرفي تذاكري لي أي حاجة"
علقت ريتاج ساخرة
"إنت مش محتاج ماما تذاكرلك، موجودة الدروس أونلاين، ولو عايز شرح أسهل وأسهل، عندك شوقي"
قطبت شيماء حاجبيها في حيرة وسألتها
"ومين شوقي ده كمان يا ست ريتاچ؟"
قهقهت الصغيرة قبل أن تجيب
"إبليكشن الـچي بي تي يا ماما"
اتسع فم شيماء في دهشة عارمة، دون أن تنطق، فأكملت ابنتها موضحة
"تطبيق الذكاء الاصطناعي، بيجاوبك ويشرحلك أي حاجة مش فاهمها، وبيحل معاك الهوم وورك كمان"
زمّت الاخرى شفتيها في حيرة
"إنسان آلي يعني؟!"
تدخل سالم بحماس
"هو فعلاً روبوت، بس على الفون، ثواني كده"
أخرج الصغير هاتفه ونقر على التطبيق، ثم ضغط زر التواصل الصوتي، وقال مبتهجًا
"هاي شوقي، إزيك؟"
وما هي إلا لحظات حتى صدر صوت آلي مفعم بالحيوية
"هاي سولي، أخبارك إيه يا صديقي؟"
صرخت شيماء بفزع وهي تشهق
"بسم الله الرحمن الرحيم"
ضحك الطفلان، وقال سالم مطمئنًا
"ما تخافيش يا ماما، ده إبليكشن، ما بيعضش"
لم تقتنع شيماء تمامًا، فتساءلت بشك
"طيب إزاي بيرد عليك؟ ليكون جاسوس يا ولاه؟!"
سارعت ابنتها إلى الرد بثقة
"جاسوس إزاي يا ماما، بنقولك إبليكشن ومعظم الناس كلها بتستخدمه زي جوجل سيرش كده لأي معلومة"
لمعت عينا شيماء فجأة، وقالت متحمسة
"يعني لو سألته عن أي حاجة يعرفها ويقولهالي؟!"
هز الطفلان رأسيهما مؤكدين، فمدت يدها إلى هاتفها قائلة بحزم
"لما أحمله ونشوف البتاع ده، بيعرف كل حاجة ولا لاء"
ما إن أتمت تحميل التطبيق حتى انهمكت في النقر على خطوات التسجيل، وما هي إلا لحظات حتى شرعت في أولى محادثاتها.
ظهر لها الترحيب الإلكتروني قائلاً
"مرحباً، أنا شات چي بي تي، ماذا يمكنني أن أساعدكِ به؟"
ضحكت ضحكة عفوية صاخبة، وقد أخذها طوفان من الهزل، ثم أجابته ببلاهة لاهية
"احم، احم، أنا ستك وتاج راسك شيماء، وبيقولوا لي يا شوشو، وهاسميك سيد"
رد عليها النظام الآلي بنغمة آلية هادئة
"أهلاً شوشو، اتفقنا!، سأناديكِ شوشو، وأنتِ ناديـني سيد"
اعتدلت من جلستها بجوار صغيريها، واقتربت من الشاشة بخفة وسألت بصوت خافت فيه شيء من الحذر
"ألا قولي يا أبو السيد، العيال بيقولولي أنت عارف كل حاجة، فممكن تقولي طه جوزي لسه بيخوني مع المشلولة اللي اسمها روميساء ولا لأ؟"
أجابها البرنامج ببساطة جافة
"لا أعلم يا شوشو، فهذه معلومات خاصة هل تريدين مساعدة أخرى؟"
قطبت حاجبيها بضيق وقالت بسخرية لاذعة
"لاء يا أخويا متشكرين، قال معلومات خاصة قال، ده أنت طلعت غباء اصطناعي خالص مش ذكاء"
أغلقت التطبيق في حنق ظاهر، وإذا بإشعار ينبثق على شاشتها ينبئها بمنشور جديد لخديجة.
امتدت أصابعها بنزق إلى الشاشة ونقرت لتطالع المحتوى، فما إن قرأت العبارات ورأت صورة كارين وجوارها صورة مهند حتى شهقت شهقة عالية، وقد استبدت بها الصدمة.
❈-❈-❈
سبق الطبيب الخطوات بسرعة حتى خرج إلى الردهة، وما كاد يطأ أرضها حتى فُوجئ بفوهة السلاح مصوبة نحو منتصف جبهته، فجمدته المفاجأة لوهلة، وقبل أن يدرك ما يحدث، جاءه الصوت مشبع بالغضب والاحتقار، ينفجر من وراء السلاح
"كنت شاكك فيك، وشكي طلع في محله، رجعت عشان نسيت مفاتيح العربية وسمعتكم، وده في عرفي خيانة، والخاين عندي ملهوش ديه يا صاحبي"
انتهت كلماته مع ضغطه القاسي على الزناد، فانطلقت الرصاصة كأنها طيف قاصد، لتستقر في قلب جبهته، ويتساقط الطبيب صريعًا على أرض الردهة، كأنما تهاوى زمنه في لحظة قدرية، فاقد أي فرصة للهروب أو النجاة.
بينما كارين، فقد شهقت شهقة هائلة ممزوجة بالرعب، وارتفع صراخها في الأرجاء، كأنها تتنفس العذاب ذاته، في حين أن مهند في هدوء قاتل، سحب سلاحه خلف ظهره، وتقدم إليها بخطوات واثقة، وقام بحملها من خصرها، عائدًا بها إلى الغرفة عنوة، تاركًا لها فقط أن تجابه مصيرها في صمت.
أنزلها على الفراش بقوة جسدية، وعيناه تقدحان شررًا، وقال بصوت عميق يعبر عن جبروته وظلام قلبه الدامس
"وأنتي كنتي عايزة تهربي معاه؟!، أنا مكنتش عايز أوريكي وشي التاني، بس أنتي اجبرتيني أوريه لك، وتعرفي يعني إيه عقاب عندي؟"
ثم بسط يديه القويتين، فربطها بإحكام رغم مقاومتها البائسة.
لكن حينما أمسك بساقيها وأبعدهما عن بعض، توقفت عن الصراخ في لحظة تجمدت فيها ملامح وجهها، وفتحت عينيها على مصراعيهما، فسألت بصوت مكسور، يتردد فيه خوف لا حد له
"هاتعمل إيه؟ إياك و ألا..."
قاطعها بصوت هادر وهو يقترب منها حتى أصبح أنفاسه تصطدم في وجهها، وقال بتحد قاتل يفيض كالسُم
"وألا إيه يا كوكي؟! أنا هقيدلك رجليكي بس، وقلتلك قبل كده إن كلك ملكي، بلاش تستفزيني وتخليني أثبتلك ملكيتي فيكي، وأظن ما استحملتيش أبوسك واغمي عليكي على طول، ما بالك لو كملت؟ هايحصلك إيه؟!"
ابتسم ابتسامة الشيطان وهو يرى الخوف يتساقط من عينيها كقطرات مطر، ثم أضاف بصوت مفعم بالتهديد
"رغم إنك لازم تتعاقبي على اللي كنتي هاتعمليه، لكن مش هقيدلك رجليكي، وهاكتفي بالطوق"
ثم أدار لها ظهره، وأخرج من حقيبته شيئ مظلم، كان طوق من الجلد، وسطه حلقة معدنية متصلة بسلسلة.
وعندما التف إليها وأراها ما في يديه، كان قلبها يكاد يقفز من صدرها، فصرخت به
"أنت مختل، أنت.. أنت بالتأكيد معتوه، المفروض مكانك يبقي في مستشفى المجانين"
مد يده فجأة ليمسك بعنقها، فبصقت في وجهه بكل ما أوتيت من قوة، فانهال عليها بصفعة جعلت وجهها يدور من وقعها، ثم لم يمهلها حتى لتبكي أو تصرخ، جذبها من شعرها بعنف وهو يصرخ في وجهها
"اللي عملتيه دلوقتي اسمه قلة أدب، وأنا بحاول أكون محترم معاكي، فأنتي اللي جيبتيه لنفسك"
أرغمها على ارتداء الطوق حول عنقها، ولكن لم يكتفِ بذلك، بل قام بتمزيق ثوبها حتى عراها تمامًا، وتوسلاتها المتكررة لم تجد نفعًا.
تركها شبه عارية، بينما هي تتلوى في عذابها، تركها بقطعتين من الثياب فقط.
اخبرها بوضوح و تهديد لا يترك مكانًا للشك
"ابقي كرري اللي عملتيه، والمرة الجاية هاتكوني من غير أي حاجة خالص، بس وأنتي في حضني، وهاسيب لخيالك الباقي"
غادر الغرفة وهو يتركها تصرخ، محطمة تبكي بألم، وتردد بين دموعها، تستغيث بالخالق
"يارب"
يتبع....
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا