القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عندما فقدت عذريني البارت الاول والثاني

المقدمة :
" انتِ طالق ..."
تجمدت الحروف على شفتيها ، لم تستطع قول أي شي ، فأي كلام سيبرر ما حدث .. 
ارتجف جسدها كليا وأخذ يهتز بقوة قبل ان تطفر الدموع من عينيها .. 
مالذي فعلته بنفسها ..؟! كيف وصلت الى هنا ..؟! ليتها لم تسمع كلام صديقتها .. ليتها فقط ...
اما هو فكان واقفا موليا ظهره لها ، جسده متشنج بالكامل ، لا يصدق ما حدث .. كيف وثق بها وسلم قلبه لها بهذه البساطة ..؟! كيف وهي هكذا ..؟!
لقد خدعته ، خدعته بكل بساطة واستغلت طيبته وحسن ظنه بها وهاهو يدفع ثمن هذا ..
" علي ، ارجوك بصلي..."
قالتها بنبرة مترجية ، ترجوه أن ينظر إليها ، أن يمنحها إلتفاتة واحدة فقط ..
ينظر إليها بعينيه ويمنحها فرصة واحدة لتشرح له ..
اقتربت منه أكثر ووقفت خلفه تحاول أن تلمس ظهره بكفها المرتجف المتردد لكنها لم تستطع وكأنها أدركت نفوره منها بوضوح ...
" علي ، طب اديني فرصة اشرحلك ..."
التفت نحوها اخيرا وقال بلهجة ساخرة :
" تشرحيلي ، هتشرحيلي ايه ..؟! انا فاهم كل حاجة .. بس للاسف فهمت متأخر ..."
" انا اسفة .."
قالتها بنبرة باكية ، تريد الإعتذار منه ، تريد أن يعفو عنها وتتمنى ذلك ..
لكن خطأها في حقه كبير ولا يغتفر ...
وجدته يبتسم بمرارة ويقول :
" اسفة على ايه بالضبط ..؟! على خيانتك ليا ، على خداعك .."
" انا خفت اقولك .. والله خفت .. "
قالتها بصدق لينظر إليها بذهول ويقول :
" تقومي تخدعيني ، بالبساطة دي شايفاني ساذج وحمار عشان تخدعيني .. كنتِ فاكرة إني هعديها بالساهل .."
" والله مكنتش عايزة اخدعك ، انا بس كنت خايفة احكيلك .. والله خفت .."
قبض على ذراعها وجذبها نحوه لترتطم بصدره وهو يهتف بعصبية حادة :
" وافقتي تتجوزيني ليه ..؟! ليه طالما انتِ مش بنت ...؟!"
ردت عليه بإنهيار :
" عشان بحبك ..."
صرخ بها بقوة :
" كدابة .."
توقفت عن البكاء وهتفت وهي تنظر إليه :
" لا مش كذابه ، والله انا بحبك ، وحاولت اعترفلك كذا مرة بس خفت .."
ثم أردفت ببكاء يمزق نياط القلب :
" خفت من اللحظة دي ..."
" اخرجي بره ..."
قالها وصدره يعلو ويهبط بسرعة لتهز رأسها نفيا وهي تقول من بين شهقاتها  :
" لا يا علي ، مش هخرج .."
جذبها من ذراعها وجرها متجها بها الى خارج الشقة :
" قلت اخرجي ، مش عايز اشوفك ..."
ثم أغلق الباب خلفه ووضع يده على صدره ناحية قلبه حيث هناك ينمو الألم بشكل شديد  .. 
حاول أن يصرخ من شدة الألم لكنه لم يستطع فوقع أرضا وهو ما زال واضعا كف يده على صدره من شدة الوجع حينما تشنجت ملامحه تدريجيا وفقد وعيه ..
..................................................................................
كانت زينه تجلس على ارضية المكان بجانب الباب تبكي بصمت وهي ترجوه بصوت خافت :
" ارجوك يا علي ، افتحلي ارجوك .."
خرج على اصواتهما بعض من جيرانهما ليجداها بهذا الحال المزري وهي ترتدي قميص نومها الابيض ...
أخذوا ينظرون لها بقرف بينما احتضنت هي جسدها بيديها تغطي عريها الواضح من اسفل قميص النوم لتهتف احدى جاراتها وهي تشير الى بناتها كي يلجن الى الداخل :
" ربنا يستر على ولايانا..."
بينما بصقت الاخرى عليها وهي تدلف الى شقتها .... تقدمت منها جارتهما الثالثة وهي تشعر بالشفقة لأجلها لينهرها زوجها بضيق :
" رايحة فين ..؟! سيبك منها وادخلي ..."
" حرام عليك ، منظرها يقطع القلب .."
قالتها بشفقة ليهتف بحدة :
" حرمت عليها عشتها ، سيبيها تموت ، واحدة ناقصة رباية ..."
"لا مش هسيبها ..."
قالتها بعناد وهي تتجه نحوه وتمد يدها إليها وتقول :
" قومي يا حبيبتي ، قومي وكفاياكي عياط .."
نظرت زينة إليها بعينيها الحمراوين المنتفختين وقالت بصوتها المبحوح :
" لا انا هستنى علي يفتحلي ، انا عارفة انوا هيفتحلي ...."
ثم أخذت تضرب على الباب بإنهيار وهي تقول بتوسل :
" علي افتحلي ارجوك ، افتحلي عشان خاطري ..."
عادت الجارة نحو زوجها وقالت بحيرة :
" هو ليه مش بيرد عليها ..؟! معقولة يكون حصله حاجة ..؟؟"
" ملناش دعوة ، خلينا ندخل شقتنا ..."
" طب هنسيبها كده ... ؟! والله حرام .."
نظر الرجل إلى الفتاة بحيرة ثم اقترب بخطوات مترددة نحوها وأخذ يطرق على الباب وهو يحدث علي :
" يا استاذ علي افتح من فضلك ، مينفعش تسيب مراتك قاعدة لوحدها بالشكل ده ..."
لم يأته رد فأشار الى زوجته قائلا :
" مش بيرد .."
" طب جرب تاني .. انا خايفة يكون حصله حاجة .."
ارتجف جسد زينه وهي تنهض من مكانها محبطة جسدها بذراعيها ثم قالت للرجل بترجي :
" حاول تفتح الباب ارجوك ، علي مستحيل يسيبني كده الا لو حصله حاجة .."
نظر الرجل اليها بتردد ثم ما لبث أن طرق بقوة على الباب وهو يقول بصوت عالي :
" استاذ علي ، ارجوك افتح ، لو مفتحتش انا هكسر الباب ..."
وعندما لم بجد ردا أخذ يدفع الباب بجسده القوى لينفتح اخيرا بعد عدة محاولات ، دلف الرجل وزوجته الى الداخل ليجدا علي ممدا على ارضية الشقة فاقدا للوعي ...
اقترب الرجل منه وبدأ يفحصه حينما وجد نفسه مقطوعا تماما ...
وضع يده على رقبته عله يجد نفسا له لكن بلا فائدة ...
دلفت زينه بخطوات مترددة الى الشقة لتسمع ما جعلها تطلق صرخة مدوية هزت أركان الشقة :
" ده مات ..."
يتبع


الفصل الاول  والثاني

في مطار القاهرة الدولي ..
كان زياد يسير داخل المطار وهو يجر حقيبته خلفه ، يرتدي نظارة سوداء تخفي عينيه وملابسه سوداء بالكامل .. 
خرج من بوابة المطار ليجد ابن عمه منتصر   في انتظاره والذي ما إن رأه حتى اقترب منها بسرعة وقال له :
" حمد لله على سلامتك .."
ثم أردف بلهجة حزينة :
" البقية فحياتك ..."
رد عليه بهدوء يناقض تلك النيران المندلعة داخل قلبه :
" حياتك الباقية ..."
" هات شنطتك .."
قالها ابن عمه وهو يأخذ الحقيبة منه ويجرها وراءه بينما تحرك هو أمامه نحو السيارة ...
ركب بجانب كرسي السائق بينما كان ابن عمه يضع الحقيبة في الخلف ثم عاد وركب بجانبه في مكان السائق وشغل سيارته وقادها متجها الى منزل عمه ...
" اخبار ماما ايه ..؟!"
سأله زياد بتردد ليتنهد سلام وهو يجيبه :
" تعبانه اوي ، مش قادرة تستوعب لسه اللي حصل ..."
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال بألم ظهر جليا في صوته :
" محدش فينا قادر يستوعب ده .." 
" أبوك بردوا مش كويس ، تعبان اووي .. حتى رنا وضعها سيء جدا .."
" خليك جمبها يا منتصر ، انت اقرب حد ليها .."
أومأ منتصر برأسه وقال مطمئنا إياه :
" متقلقش عليها ، انا جمبها ..."
حل الصمت المطبق بينهما .. صمت لم يقطعه أحد منهما .. فكليهما غارقا في أفكاره .. زياد لم يستوعب بعد ما حدث .. موت أخيه تركه في صدمة حقيقية .. أخوه الذي ودعه قبل يوم بعدما انتهى حفل زفافه ورحل الى المانيا لأجل العمل ليأتيه خبر وفاته هناك بسكتة قلبية والسبب غير معروف الى حد الأن أو هكذا يظن ...
أوقف منتصر سيارته أمام الفيلا ليهبط زياد مسرعا من السيارة ويتجه الى الداخل بلهفة ..
وجد والدته تجلس هناك وبجانبها اخته ومعهما مجموعة من أقاربهما ...
ما إن رأته والدته حتى انتفضت من مكانها وقالت بلهفة :
" زياد ، وأخيرا جيت ..."
ثم هطلت دموعها بغزارة ليحتضنها زياد بقوة دون أن ينطق بحرف واحد ..
نهضت أخته رنا هي الأخرى واقتربت منهما تربت على ظهر والدتها بمواساة قبل أن تتنحى الأم جانبا لتقترب رنا منه وتحتضنه وهي تهتف بأسى :
" شفت اللي حصل يا زياد ..؟! علي مات .."
ثم انهارت باكية بين أحضانه ليشدد زياد من إحتضانها ... كان يشعر بطعنة قوية في داخله وهو يراهما بهذا الشكل المؤلم .. طعنة تماثل طعنته بفقدان أخيه الوحيد .. 
ابتعدت رنا من بين أحضانه ليجد خالاته وعماته يعزونه واحدة تلو الأخرى  .. اكتفى بإيماءة من رأسه دون رد ثم تحرك مبتعدا عن مكان جلوس السيدات الى خارج الفيلا ليجد منتصر والكثير من الرجال يجلسون في الحديقة الخلفية ومعهم والده ...
اقترب من والده الذي نهض مسرعا ما إن رأه واحتضنه بقوة ثم بدأ يتلقى التعازي من الجميع ...
" طالما زياد جه خلونا ندفنه .."
قالها زوج عمته ليقول زياد ردا عليه :
" لازم أشوفه الاول ..."
ربت منتصر على كتفه وقال :
" تعال معايا ، هو فإوضته .."
اتجه زياد معه الى الطابق العلوي وتحديدا الى غرفة علي ليجده هناك ممددا على السرير بينما والدته تجلس بجانبه وتقرأ القرأن له  .. اقترب منه وهبط نحوه وطبع قبلة على جبينه قبل أن يهتف بصوت مرتعش :
" ربنا يرحمك يا علي .. ربنا يرحمك يا حبيبي ..."
بالكاد استطاع التماسك وهو ينهض من مكانه قبل أن يبدئوا مراسم الدفن ...
..................................................................................
وقفت زينه أمام الباب الداخلي الفيلا تنظر إليه بتردد ، لم يكن عليها الحضور الى هنا بعد كل ما حدث لكنها لم تستطع ألا تحضر مراسم دفنه وعزاءه ..
ولجت الى الداخل بخطوات مترددة وهي متشحة بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها لينتبه إليها الجميع ويبدئون في همساتهم حولها ..
ما إن انتبهت رنا لمجيئها حتى انتفضت من مكانها وركضت نحوها وهي تصرخ عليها :
" انتِ ايه اللي جابك ..؟! مش مكفيكي اللي حصل ..؟!"
ارتعش جسد زينه وهي تجيبها بتوسل :
" ارجوكِ يا رنا بلاش تعامليني كده ، انا جيت عشان أشوفه لأخر مرة وأودعه .."
صاحت رنا بها بقسوة :
" تودعيه بعد ما قتلتيه ، يا بحاجتك يا شيخة ..."
ثم قبضت على ذراعها وقالت بقسوة :
" اخرجي من هنا حالا قبل ما اخلي الحرس يطردوكي.."
في نفس اللحظة هبط زياد ومنتصر من الأعلى على أصوات صراخ رنا وتوسلات زينه ليقفز منتصر مسرعا نحو رنا ويجرها خلفه قائلا :
" مش كده يا رنا ، مش كده أرجوكِ ..."
" انت مش شايف بحاحتها .. دي جايه تودعه بعد ما قتلته.."
لم يستوعب زياد ما يسمعه فهو لا يعرف اي شيء عن سبب موت أخيه ....
بينما أكملت رنا بحقد وغل غير متأثرة ببكاء زينه الذي يمزق القلب:
" انتِ واحدة سافلة وحقيرة ، وانا لا يمكن أسمحلك تقربي من حد مننا ..."
تقدم زياد نحو زينه وقال لها بنبرة باردة مقتضبة :
" من فضلك يا مدام اخرجي دلوقتي ، احنا مش ناقصين مصايب .."
نظرت إليه بعينيها الباكيتين وقالت بترجي :
" خليني أشوفه وأحضر دفنته أرجوك ..."
" على جثتي تحضري حاجة .."
قالتها رنا ثم اقتربت من أخيها وقالت وهي تشير نحوها ببكاء :
" دي هي اللي قتلته يا زياد ، خانته وطعنته بشرفه ولما علي مستحملش ده مات .. مات من صدمته فيها ..."
تطلع زياد إلى اخته مصدوما بما تقوله وقد بدأ يستوعب الان ما حدث يومها حاولت زينه التحدث لكن قاطعها زياد بنبرة قوية حازمة :
" اظن كفاية لحد كده ، اتفضلي اخرجي من هنا بدل ما اخلي الحرس يخرجوكي ..."
تطلعت زينه إليهم بوجع ثم ما لبثت ان تحركت أمامهم خارج الفيلا بملامح باكية مذلولة ...
..........................................................................................
بعد مرور ثلاثة ايام ...
كانت تجلس على سريرها وهي تحتضن جسدها النحيل بذراعيها ... دموعها تغطي وجنتيها وهي تستمع الى اصوات صراخ والدها الذي يصم الأذان ...
" قلتلك مش عايزها ، دي وسخت سمعتي وضيعت شرفي .. انا مش عاوزها فبيتي .. خليها تخرج من هنا حالا .."
ازداد إرتعاش جسدها وهي تنتحب بشدة ، الجميع يتجنبها ويعاملها كشيء قذر غير مرغوب به بعدما حدث .. حتى والدها لا يريدها ولا يتقبلها بينهم ..
" دي بنتك ، حرام عليك .. عايزها تروح فين ..؟!"
كان هذا صوت والدتها المتوسل ، والدتها الوحيدة التي تدافع عنها امام والدها رغم أنها تتجنبها كليا ...
" مليش دعوة ، خليها تروح مطرح ماروح ، المهم تخرج من هنا .. انا انتهيت بسببها .. خسرت شغلي وسمعتي .. مبقتش قادر أرفع وشي وسط الناس .."
ازداد نحيب زينه بعدما سمعته ، لقد انتهى والدها كليا ولم يعد بمقدوره أن يتحمل ما حدث .. ليتها لم تجازف وتتزوج من علي ، ليتها لم تتوقع منه ردة فعل جيدة ...
انتفضت من مكانها متراجعة الى الخلف حينما وجدت الباب يفتح ووالدها يقتحم الغرفة متجها نحوها بملامح تنطق غضبا وكرها ..
جذبها والدها من ذراعها وسط صراخ والدها واختها الصغرى وهو يقول بغضب :
" اطلعي بره ، مش عاوزك فبيتي .. انتِ فاهمة ..؟!"
ثم جرها خلفه متجها بها نحو الباب .. حاولت والدتها ان تمنعه لكنها دفعها بقوة وأسقطها أرضا ... 
" ارجوك يا بابا بلاش تطردها .."
قالتها اختها الصغرى ذات السبعة أعوام وهي تتوسله ببكاء لكنه لم يكن يراها او يرى غيرها .. كل ما كان أمامه شرفه الذي تلطخ بسببها وعلى يديها .. فتح الباب ودفعها نحو الخارج لترتطم بصدر أحدهم والذي تلقاها داخل أحضانه قبل أن تلتفت نحوه فتظهر الصدمة جلية على وجهها .. فمالذي جلبه الى هنا ...؟!

الفصل الثاني 
اتسعت عينا زينه ما إن رأت الشخص الواقف أمامها ، عرفته على الفور رغم أنها لم تلتق به إلا مرتين إحداهما يوم زفافها على علي والأخرى يوم الجنازة ..
عادت ببصرها نحو والدها وقالت بترجي :
" بابا ارجوك متعملش فيا كده .."
إلا أن الأب رمقها بنظرة يائسة قبل أن يغلق الباب بقوة في وجهها ...
" واضح إني جيت فوقت مش مناسب ..."
قالها زياد بتهكم بارد جعلها تستدير نحوه غير منتبهة لنبرته الساخرة ، قالت بلهجة حاولت جعلها هادئة غير باكية :
" انا اسفة بس بابا ..."
قاطعها بجمود :
" ملوش لزوم تبرري ، أبوكِ طردك ومش عايزك ...."
أغمضت عينيها بألم ثم فتحتهما وقالت بلهجة عادية :
" اتفضل يا ..."
ثم صمتت تحاول تذكر إسمه ليذكرها به بحنق واضح :
" زياد .. اسمي زياد ..وأكيد مش هنتكلم هنا عالسلم وانتِ بالبيجامة.."
نظرت إلى ملابسها بعجز ثم ما لبثت ان قالت بهدوءاستغربه هو :
" بابا اكيد هيفتحلي الباب ، هو لا يمكن يسيبني كده .."
ثم أخذت تطرق على الباب وهي ترجوه بنبرتها الرقيقة:
" بابا افتحلي من فضلك ، متعملش فيا كده .."
جذبها زياد من كف يدها وقال بلهجة حازمة :
" كفاية بقى ، واضح انوا مش عايز يفتحلك ..."
" ازاي ..؟! هروح فين ..؟!"
قالتها كأنما تحدث نفسها ليرفع زياد عينيه نحو الأعلى بنفاذ صبر ثم عاد وفتحها وهو يبتسم ببرود :
" متقلقيش ، من الناحية دي أنا هحل ليكي الموضوع ده ..."
نظرت إليه بحيرة وقالت :
" تحل ايه ..؟!"
صمت لوهلة قبل أن يردف وهو يخرج بعض الأوراق من حقيبة سوداء مستطيلة كان يحملها معه :
" المهم توقعيلي عالأوواق دي .." 
انتبهت زينة لما يقوله وشعرت بأن هناك مصيبة جديدة تنتظرها فسألته بتوجس:
" أوراق ايه دي ..؟!"
أجابها وهو يمد الأوراق نحوها :
" أوراق تنازل عن حصتك فثروة علي الله يرحمه ..."
تطلعت إليه بصدمة ، كيف يفكرون بشيء كهذا وفي وقت مبكر فلم يمر سوى ثلاثة أيام على وفاته وهم يتحدثون بالميراث والأموال ...
وجدت نفسها تصيح به :
" انت اكيد اتجننت .. ازاي تطلب مني حاجة زي كده ..؟! أخوك لسه يادوب مدفون من يومين وانت جاي تطالب بفلوسه .."
" أخويا اللي اندفن بسببك مش كده .."
قالها بلهجة حادة ثم أردف بهدوء خطر :
" لو فاكرة اني هسيبك تاخدي مليم واحد من ثروته تبقي غلطانه ، انتِ ملكيش أي حقوق  عندنا .."
نظرت إليه بعدم تصديق وقالت :
" حقوق ايه اللي بتتكلم عنها ..؟! انت فاكرني زيكوا بفكر بالفلوس وبس ..؟!"
منحها ابتسامة قاسية لم تصل إلى عينيه ثم قال بسخرية واضحة :
" لا انت بتفكري فحاجات تانية أهم ..بتفكري ازاي تكدبي، تخدعي .. تخوني .."
ابتلعت ريقها وقالت وهي تهم بصفعه :
" انت واحد سافل وحقير .."
إلا أنه كان أسرع منها حيث أمسك بكف يدها ومنعها من صفعه ثم قال بلهجة صارمة :
" أحسنلك توافقي وإلا هنضطر نروح للطب الشرعي ، وساعتها هتتوورطي اكتر خاصة لما الجيران يشهدوا عاللي حصل ..."
" انت بتعمل كده ليه ..؟! حرام عليك .."
قالتها ببكاء لم تستطع إيقافه ليزفر أنفاسه وهو يقول بضيق :
" انا مش بطلب منك حاجة صعبة يا مدام ، الموضوع أبسط من كده بكتير ..."
وجدت نفسها تقول بعصبية ونفاذ صبر فقد اكتفت من سماع كلامه المسموم :
" هات قلم عشان أوقع وأخلص .."
أعطاها قلما أخرجه من جيبه لتحمل الأوراق وتبدأ بتوقيعها واحدة الى الأخرى ..
انتهت من توقيع الأوراق لتجده يهتف بها :
" لو تحبي تروحي مكان معين أنا ممكن أوصلك عادي .."
نظرت إليه بدهشة ، هل يحاول مساعدتها ..؟! 
شعر هو بحيرتها فقال بضيق ظهر واضحا في صوته :
" انا مش بساعدك حبا فيكي ، بس انا مش متعود أشوف بنت فوضع زي ده وأسيبها كده .."
ابتلعت غصة داخل حلقها وهي تفكر بأن والدها تركها هكذا وكأنها ليست ابنته وقطعة منه ...
وقبل أن ترد عليه سمع الاثنان صوت صراخ يأتي من داخل الشقة ، اتجهت زينة نحو الباب وأخذت تحاول فتحه وهي تصرخ بتوسل :
" افتحوا الباب أرجوكم ، حصل ايه ..؟!"
ثم حاولت دفعه عدة مرات دون فائدة بينما بدأ صوت تحطيم بعض الإشياء يصل إلى مسامعهما وصوت بكاء والدتها وأختها ظهر بوضوح لتهتف بهما زينه بصوت باكي :
" حد يفتحلي الباب ، افتحوا الباب ..."
تقدم زياد نحوها وجذبها بعيدا عن الباب وبدأ يضربه بقدمه ليفتح الباب بعد عدة محاولات ..
دلف الاثنان الى الداخل ليجدا والدة زينه تحتضن ابنتها في أحد أركان الصالة وهي تبكي وترتجف رعبا أما والدها فكان يدمر كل شيء يراه أمامه حتى أصبح المكان مدمرا بالكامل ..
اقترب والدها منها وملامح وجهه لا تبشر بالخير ثم صرخ بها وهو يجذبها من شعرها :
" انت ايه اللي جابك هنا ..؟! مش قلتلك مش عايز أشوف وشك تاني .."
صاحت زينه بألم بينما أخذ زياد يحاول تحريرها من قبضة والدها وما زاد الطين بلة تجمع بعض الجيران أمام الباب وهم يحاولون أن يروا ما حدث ...
حررها زياد أخيرا من قبضته وهو يصيح به :
" كفاية بقى ، مش كده .."
" والله انا مظلومة ، والله معملتش حاجة ..."
بدأت الهمهمات تعلو بين الجيران ليقول الأب بوهن :
" انت فضحتيني ، وطيتي راسي ... هتعملي ايه اكتر من كده ..؟!"
" والله مكانش ذنبي ، بابا انا اغتصبوني .. والله اغتصبوني وخفت احكي .."
حاول والدها جذبها من خلف زياد الواقف في وجهه كسد منيع وهو يصيح بها بقهر:
" اخرسي يا فاجرة يا حقيرة ..."
" قلتلك سيبها ..."
قالها زياد بنفاذ صبر ليرد الأب بحدة :
" انا ملكش دعوة ، متدخلش بيني وبين بنتي ..."
في نفس الوقت تقدم مجموعة رجال بعضهم يرتدي جلابيب طويلة والأخرون يرتدون ملابس عادية ليهتف الأب بوهن :
" عمامك جم من البلد وهم هيتصرفوا معاكِ ، هيغسلوا عارك ..."
تجمدت الكلمات على شفتي زينه وأخذت تنظر الى والدها بعينين متسعتين ، لا تصدق أن والدها فعلها واتصل بإخوته في البلد ... 
كيف هانت عليه هي ليفعل بها هذا ..؟! ألا يعرف أخوته وطريقة تفكيرهم ..؟! سيقتلونها دون أدنى تردد..
التفت زياد نحوهم  يناظرهم من الأعلى للأسفل فوجد الشر واضح على وجوههم ...
عاد ونظر إليها لتنظر إليه بنظرات تحمل فيها الرجاء الخالص ، لقد بات الأن هو منقذها الوحيد .. 
تقدم أحد الرجال والذي يرتدي بنطال اسود فوقه قميص أسود أيضا ليجذب زينه من شعرها من الخلف  بقوة جعلتها تصرخ ألما قبل أن يهتف بجانب اذنها :
" وطيتي راسنا يا فأجرة ، لازم أقتلك وأغسل عارنا .."
رغما عنه لم يتحمل زياد ما يراه فتقدم منه وهتف به بصوت عالي غاضب :
" انت مجنون ولا ايه ..؟! تغسل عارك يعني ايه ...؟!"
ثم حاول تحرير زينه من يده لكن دون فائدة ليرد عليه الشاب بتحذير :
" ملكش دعوة انت ، تطلع مين انا عشان تكلمني بالشكل ده ..؟!"
وعندما لم بجد ردا أكمل :
" لتكون انت الشاب اللي غلطت معاه قبل الجواز .."
لم يتحمل زياد ما سمعه فهم بضربه لكن رجلين ضخمين تقدما منه ومنعاه مما يفعله ليهتف زياد بعصبية كبيرة:
" انا اخو جوزها اللي مات يا متخلف .."
" اخو جوزها على عيني وراسي ، بس متتحشرش فشيء ميخصكش.."
" يعني عايزني اسيبك تقتلها .."
قالها زياد بذهول ليرد الأخير ببرود :
" عاري ولازم أغسله .."
وقبل أن يتحدث زياد كان الشاب يرميها للرجال خلفه وهو يأمرهم :
" ودوها عالعربية ، خدوها عالطريق البري وخلصوا  عليها .."
تقدمت منه والدة زينه وانحنت نحوه تهتف به بتوسل :
" أبوس ايدك بلاش تموتها ، دي بنتي اللي مليش غيرها .. عشان خاطري .."
إلا أنه لم يهتم بها وبتوسلاتها بل أشار الى الرجال لينفذوا ما قاله بينما أخذ زياد يتطلع إليها وهي تساق معهم بملامح متشنجة غير مصدقة ..
يتبع

تكملة الروايه من هنا 


تعليقات

التنقل السريع