القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لإجلها الفصل الثامن والاربعون 48الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات

رواية لإجلها الفصل الثامن والاربعون 48الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات



رواية لإجلها الفصل الثامن والاربعون 48الجزء الثاني بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات



الفصل الثامن والأربعون 


"معقول في بنات في الصعيد عندنا بالحلاوة دي؟!"

يتذكر جيداً تلك العبارة التي حدَّث بها نفسه حين وقعت عيناه عليها لأول مرة.

بعد فترة طويلة من صداقته بحمزة تعدّت الشهور، حتى توطدت العلاقة لتقارب الإخوة، كان بالنسبة إليه كالعملة النادرة التي عثر عليها بعد شقاء عمر من الوحدة، رغم التفاف العديد من البشر حوله.


البلدة أصبحت بلدته وعائلة حمزة أصبح هو فرداً منها، يترك كل شيء في المدينة الصاخبة، من أجل أن يأتي ويقضي معه وقتاً جميلاً بين العائلة، وجلسات الشباب، أو التسكّع في الطرقات، أو التريض بركوب الخيل كما حدث في ذلك اليوم.

حين كان يمتطي أحد الخيول معه، ويسيران بها داخل الحقول وبين المنازل، حتى مرَّ الاثنان على أحدها، منزل كبير يشبه منزل عائلة القناوي، بصورة أثارت فضوله للسؤال حين رأى صديقه يلوّح لأحدهم بالتحية، والرجل يشير إليه كي يقترب.

أطاعه حمزة وكاد هو أن يفعل مثله، لكن تيبست يده فجأة على لجام الحصان حتى لا يتحرك، وقد شخصت أبصاره بالنظر إلى إحدى الشرفات المقابلة لهما تماماً، لفتاة مثل البدر في ليل تمامه، تقف أمامه بابتسامة تزيّن مُحيّاها، وعيناها عليهما، تُنقّل النظر إليه وإلى حمزة الواقف مع ذلك الرجل الذي عرف أنه والدها بعد ذلك حين سأل ليعلم أنها ابنة عم صديقه.

كانت لحظة توقّف بها الزمان، لحظة خفق فيها القلب لأول مرة نحو فتاة.


 لطالما أُعجب بفتيات جميلات، ولكن ولا واحدة فيهن أحدثت فيه ذلك الإحساس.

ذلك الإحساس الذي لا يُضاهيه متاع الدنيا بأكملها، وقع صريعاً في عشقها، تلك الجميلة التي جعلت ليله نهاراً ونهاره ليلاً، يتشوق لرؤيتها في كل لحظة ولا يستطيع إلا حين يمر صدفة على منزلها أو يُسعفه الحظ فيتفاجأ بها في زيارة لمنزل عمها أثناء تواجده.

وهكذا تمر الشهور وعدد من السنوات وهو يتلظّى بنيران عشقه، كاتماً إحساسه داخله، مراعاةً للأصول المتشددة لأهل القرى وتقديراً لصداقته مع حمزة، حتى أتى ذلك اليوم الذي حسم فيه أمره، متخذاً قراره بـالزواج منها.


طرْقة عالية على باب غرفة مكتبه انتشلته من شروده، وقد غاص بذهنه في ذكريات جميلة وقاسية كأنها كانت الأمس، ليزفر من نيران صدره، متوجهاً بـالإذن لرجل الأمن.

ـ ادخل

دلف الرجل ليؤدي التحية العسكرية أولاً ثم تحدث:

ـ واحد اسمه معاذ بيستأذن حضرتك عشان يدخل متعلقات السجينة بنت عمه على حسب ما بيقول.

أومأ إليه بموافقة:

ـ دخّلوه عندها يسلّمها كل حاجة بنفسه، وأنا جاي أشوفه.

.........................


خارج غرفة الحجز الخاص بالنساء وقفت هي تتسلم من ابن عمها الأشياء التي أتى بها، دون أن تتوقف عن إبداء السخط والاعتراض:

ـ — "شوفوا لي حل يا معاذ، النهاردة لازم تطلعوني من المخروب ده، أنا نص ساعة ما استحملتهاش، أبات فيه إزاي يعني؟ إزاي أبيت وسط القرف والستات اللبش دي؟ ولا انتوا فرّطتوا فيّا يا معاذ؟"

سمع منها يطالعها بـمزيج من الذهول والغيظ، مردداً خلفها:

— "فرّطنا فيكي! يعني كنتي عايزانا نعمل إيه يا هالة؟ نطلعك بالقوة وغصب عن عين الحكومة؟"

— "لأ يا معاذ، بس على الأقل تغيّروا الظابط اللي حكم بحبسي، ولا تشتكوه حتى، أنا عارفة بيعمل كده عند فيّا، أنا متأكدة منها دي، قول لأخوك حمزة يشوف لي صرفة، هو ليه علاقات كتير، ولا عشان صاحبه هايسيبني لقمة سهلة ليه؟"

— "يخرب مطنك!"

تمتم معاذ يكتم انفعاله بصعوبة عن الصراخ بها، ليستطرد كازّاً على أسنانه:

— "وهو لولا إنه صاحبه يا ست هالة إنتي؟ كان سمح لي أدخّلّك الحاجات دي كلها؟ شايلها على دراعي اللي اتخدّر منها؟ بطانية وأكل مغلَّف ونواشف وغسول ومُعطِّر جو وعبوات عطر وكريم وبلاوي زرقا، حتى مُبيد حشرات، مالك بمُبيد حشرات؟"

— "أيوه عشان الناموس والنمش، ثم دا كله عشان أصبّر نفسي على الليلة الزفت دي، بكرة لازم تتصرفوا لي، أنا لا يمكن أكملها ليلة تانية، شوفوا لي حل مع اللي اسمه كمال ده، يا أتصرّف من نفسي أنا، إن شاء الله حتى أبلّغ عنه الـ..."

قطعت بصدمة وهي تتفاجأ بالمذكور أمامها واقفاً بمسافة ليست بعيدة عنهما، واضعاً يديه في جيبي بنطاله، يُشاهد بصمت، ملامحه الجامدة أنبأتها أنه استمع لمعظم حديثها عنه، أبصاره التي انصبت عليها بنظرات حادة، ترسل إشارات قادرة على إحراقها حية، غير آبه بوقوف معاذ الذي كان يتابع ما يحدث بوجل هو الآخر، حتى قصف صوته إليه بعد أن جمّد الدماء في عروقها بهدوء يثير الدهشة:

— "مستنّيك في مكتبي بعد ما تخلَّص يا معاذ."


.............................


جالسًا على مقعده داخل الشرفة التي تُطل على أحب الأماكن إلى قلبه؛ منزل محبوبته وشجرة التينة العتيقة. وفي الناحية الأخرى، إذا التفت برأسه نحوها، يرى أمامه امتداد الشريط الأخضر للمزروعات، مع هدوء الأجواء في المساء. مشهد يبعث إليه الراحة ويُصفّي ذهنه... ما عدا اليوم.

فقد كان الهمُّ يُثقِل ظهره؛ همُّ التفكير بتلك المعضلة أو المصيبة التي سقطت فوق رؤوسهم دون سابق إنذار. كيف يجد لها حلًا؟ وماذا يفعل؟ هالة الحمقاء، رغم كل عيوبها والمصائب التي تفعلها بغبائها، إلا أنه لا يقبل السجن لها حتى ولو كانت تستحقه. يعلم في قرارة نفسه وبدون أدلة حتى أنها مذنبة، ومع ذلك عليه أن يحارب بأقصى جهده كي يثبت العكس ويُبرّئها. ليس فقط لأنها ابنة عمه أو أنها كانت زوجة لشقيقه وأم أولاده، يكفي أن تكون ابنة العائلة ليحارب الجميع من أجل إخراجها من السجن. ولكن كيف؟

لمسة حانية على كتف ذراعه بيد محبوبة قلبه، أوقفت سيل الأفكار والتساؤلات العاصفة برأسه، ليرفع بصره إليها باستجداء. تقبلته هي بأعين تشع بالدفء، لتتخذ جلستها على الكرسي المقابل له حتى التصقت ركبتها بركبته. حبست كفّه الكبيرة بين يديها قائلة بحنو:

> ـ مالك يا قلب مزيونة؟ لِسَّاه النوم مفارق جفنك؟

زفر يطرد من صدره أنفاسًا مُشبعة بإحباطه قبل أن يقول:

> ـ ولا هيجيني واصل طول ما البَلْوَة دي في الحجز. عارنا يا مزيونة، أنا كان هاين أرفع السلاح على الحكومة وأسحبها في يدي، توصل بس البيت ونربيها على كيفنا.

أومأت تُشدِّد على كفّه بمؤازرة:

> ـ حاسَّاك، وحاسَّة باللي فيك، بس نعمل إيه؟ ربنا يحلها من عنده، واد أختها يرجع أو يلاقوه وينفي التهمة عليها وعليه.

مطَّ شفته ساخرًا:

> ـ والله إنتي طيبة، دا واد أختها دا بالذات الخوف منه، عشان أنا عارف ومِتأكِّد أنه مجرد ما تتاخد بصمته، التهمة هتثبت وهَتِخْلَص الحكاية... آه يا غُلبك يا حمزة، أحِلَّها إزاي بس يا ربي؟ كان عندي أمل النهاردة المحامي يطلعها قبل ما تتعرض بكرة على النيابة وتتقفل القضية من أولها، لكن النصيب.

> ـ خير إن شاء الله، قادر على كل شيء.

تمتمت بها مزيونة، ليردف هو بشرود وأسًى:

> ـ صعبان عليا خليفة، الموضوع هيبقى واعِر على بناته لو خدت حُكم. هيلاقي راحة البال إزاي بس لو حصل واتجوز اعتماد والبنات فهموا؟ طبعًا هيبصولها إنها السبب في حَبْسة أمهم... شَنْدَلَة يا بوي، والله شَنْدَلَة.

عادت زوجته للتهوين عليه، شاعرة بما يُصيبه:

> ـ بالراحة على نفسك يا حمزة مش كدة، تفاءل وربنا ما يوصلها لكدة إن شاء الله.

> ـ أتمنى والله يا مزيونة.

تمتم بها برجاء، ليواصل بما يُؤلم قلبه:

> ـ أقولك كمان على عمي؛ الراجل اللي كنت خايف عليه لا يوقع مِنِّنا النهاردة، أو ينظر لي نظرة لوم زي ما عملها قبل سابق، لما خطبت روان، رغم إنه عارف إن فرص بنته كتيرة في انها تتجوز غيري، والغريب والقريب بيطلبها منه، لكنه دايماً كان بيرفض عشان عارف بطبعها الشديد. لذلك ما صدَّق إن خليفة طلبها وافق من غير تردد، على أساس إنه هيعرف يحتويها... !

توقف قاطعًا استرساله ليفاجئها:

> ـ تعرفي إن كمال نفسه اتقدملها؟

رفرفت رموشها تستوعب، لتردد بتساؤل:

> ـ كمال صاحبك... صاحبك الظابط؟

أخرج تنهيدة مُثقَلة من صدره ليرد بصوت خفيض وكأنه يُحدِّث نفسه:

> ـ يا ريته عمي كان وافق عليه... قبل ما تخرب الدنيا هي بغبائها وتخسرني أعز صديق.

.........................

داخل غرفة طفلتيه، وقد تسطَّح وسطهما على تَخْت واحدة منهما، يضمهما الاثنتين إليه ويقص عليهما الحكايات والأحاديث المسلية حتى تُغْفِيَا. يتجنب قدر الإمكان التحدث عن والدتهما، ومع ذلك مهما تهرب، يجد نفسه محاصراً بأسئلتهما التي لا تنتهي:

> ـ بابا، أنت قولت إن ماما سافرت عند واحدة قريبتنا عيانة. طب ليه ما بلَّغْتِناش، كنا رُحْنَا معاها؟

> ـ عشان ما ينفعش يا جنا. عيب تاخدكم عند الست وتزعجوها.

> ـ طب وما رُوحتش معاها ليه يا أنت يا بابا؟

> ـ عادي يا مِنَّة، إن ماما تروح لوحدها، مش لازم أروح معاها.

> ـ لا يا بابا. أنت مش عايز تروح عشان ماما خَدْهَا البوليس.

> ـ مين اللي قالك كده؟

> ـ حمدي، واد خالتي هدى، ويقول إن أخوه حسني هو كمان سألوا عليه، بس هو هرب من الشباك.

> ـ كَدَّاب يا جنا، وبيألِّف من مخه. لكن انتي تعرفي ان بابا عمره كَدَب عليكي؟

> ـ لا.

> ـ خلاص يا حبيبتي، يبقى تسمعي كلام أبوكي يا قلب بابا، وإنتي كمان يا مِنة.

> ـ حاضر يا بابا.

خرجت من أفواه الاثنتين، قبل أن تستسلما للنوم، ويرتاح هو من تحقيقهما. وقد مر اليوم البائس أخيراً، لكن المشكلة ما زالت قائمة؛ لا يعرف كيف سيتصرف معهما في الأيام القادمة؟ وماذا تخبئ له الأيام من مصائب، بسبب فعلة هالة، مصدر بؤسه وشقائه.

أضاءت شاشة هاتفه بورود رسالة، رفع عينه ليرى المدون على الشاشة، فلم يكن الراسل إلا تلك المرأة الجميلة التي وجدها بعد شقاء، كاتبة تهوِّن عليه:

> (( عامل إيه دلوقت يا خليفة؟ أنا عارفة إن الوقت ما يسمحش أتكلم معاك، لكن دا ما يمنعش إني أطمن عليك، وأبعتلك الدعاء ده، عشان ربنا يرطَّب على قلبك. قول: "فوضت أمري كله، فجمِّله خيراً بما شئت، واجعلني يا رب ممن نظرت إليه فرحمته، وسمعت دعاءه فأجبته".

> .................. ))

............................


غرفة مُحكمة الغلق من الخارج، تغمرها إضاءة خافتة، بها عدد من النساء، اتخذت كل واحدة منهن مكانها، والوقت ليلاً، وهذا موعد النوم والراحة. غير أن تلك النعمة لم تتحقق حتى الآن، بوجود تلك المستجَدَّة التي لا تتوقف عن الحركة منذ ما يقرب الساعة، بدءاً من ترتيب مكان لها وفَرْش بطانية على الأرض، ثم الرش حولها بالمُعطِّر كل دقيقة، حتى شعرن بالاختناق منها. لتصرخ بها أشقاهن وأعتاهن إجراماً، نوسة:

> ـ ما تتبطِّي بقى يا بت إنتي، اِهْمِدي، طيرتي النوم من عيني، اللهي ربنا يِخْدِك.

شهقة استنكار خرجت من حلق هالة لتصيح رداً لها:

> ـ ربنا ياخدك إنتي يا بعيدة، أنا كلمتك يا ست إنتي عشان تدعي عليا؟

اعتدلت المرأة جالسة بجذعها، بأعين تلونت بالاحمرار، وملامح عَبَسَت بصورة منزعجة، وكأنها تفاجأت بالرد، لتشير بسبابتها نحوها قائلة بصوتها المتحشرج:

> ـ إنتي بتدعي عليا أنا يا بت؟ يعني بتردّيهالي؟ دا باين أمك داعية عليكي وليلتك مش فايتة، واللي تتحدى نوسة جنايات تبقى جابت آخِرها...

ختمت كلماتها لتَهُمَّ بالنهوض نحوها بتهديد صريح، ولكن منعها صيحة قوية من امرأة في الجانب المقابل، اعتدلت بجسدها نحوهن فجأة:

> ـ الله يخرب بيتك على بيتها، اِتْلِمِّي يا نوسة واتْخَمَّدي، وإنتي يا ست المِتْرَيَّشَة، بطلي فَرْك، عايزين ننااام بقى.

> ـ أمرك يا ريسة.

تمتمت بها المدعوة نوسة، تُذعِن لأمرها وتستكين محلها، محدِّقة الى هالة بتحفُّز. فشعرت الأخيرة بالاطمئنان لتنزل بجسدها داخل الفراش الذي صنعته لها. وما إن همَّتْ أن تغلق عينيها حتى انتبهت لنملة تسير على الأرض باتجاهها، فاعتدلت على الفور ترش عليها المبيد. فانتفضت معظم النساء تأفُّفاً من الرائحة النفاذة، ومن ضمنهن كانت نوسة، التي طالعتها بتوَعُّد وكأنها تنوي على قتلها. لكن الريسة وللمرة الثانية تُنقذها، ولكن تحذرها:

> ـ لو طَلقتها عليكي ما هتخلي في عضمك حتة سليمة، كُنِّي بقى خلينا نتخمد إحنا كمان، دا إيه الليلة الهباب دي؟

أومأت هالة بطاعة، حامدة ربها بالنجاة، فهذه المدعوة نوسة بهيئتها الإجرامية قادرة على سحقها بالفعل. لتغمض عينيها مُستعينة بغريزة الخوف حتى تهرب من واقعها بالنوم.

................................

كان موعد تحويلها إلى النيابة المختصة. وقد أتى إلى مقر عمله مبكرًا كعادته، يسير في اتجاه مكتبه بهيبة اكتسبها بحكم عمله، وأناقة ليست جديدة عليه، جدية وإخلاص في تأدية وظيفته دون النظر لأي عوامل شخصية قد تؤثر عليه.

​ولكن، وما إن مر بالطُّرقة المؤدية إلى غرف الاحتجاز، حتى انتبه للجلبة وأصوات الصراخ العالية تصدح فيها. ليلتقط أول رجل أمن يجده أمامه يسأله:

​"الأصوات والصراخ ده جاي منين يا عسكري؟"

​أجاب الأخير بعد تأدية التحية العسكرية:

​"من غرفة حجز النساء يا فندم، نوسة شكلها بتتخانق مع الوارد الجديد."

​برقت عيناه بهلع وهو يتخيل الشجار بين نوسة... والوارد المذكور... لينتفض راكضًا نحو مصدر الصوت قبل أن تحدث مصيبة.

...............................

داخل غرفة الحجز

فتح الغرفة بعنف ليجد فريقين من النساء يحاولان الفصل بين المرأتين العضوتين في الشجار. نوسة تستحوذ على العدد الأكبر من المحتجزات اللاتي يحاولن السيطرة عليها بصعوبة، وفي الناحية الأخرى، هالة التي تصرخ موجهة الاتهام لها:

* "يا حرامية يا سراقة، هاتي اللي لطشتيه من سكات. ده إحنا جوة الحكومة نفسها، أنتِ إيه ما بتخافيش؟"

* "لا يا أختي ما بخافش، وعندي استعداد آخد فيكي مؤبد يا عِرَّة النسوان. فاكرة نفسك أحسن منِّنا في إيه يا بت؟ أنتِ محجوزة زيك زينا يا روح أمك!"

* "مش زيك يا حرامية! أنا بنت الناس المأصَّلة أنا..."

"بسسس..."

صدحت الكلمة بقوة لتُخرِس الجميع، مشبعة بالغضب ونفاذ الصبر، وكأنها رصاصة لفظية أُطلقت لتوقف الفوضى. صدى صوته العالي، ذي النبرة الأجشّ والخشنة، ارتدّ عن الجدران المعدنية والإسمنتية لغرفة الحجز، مضاعفًا من تأثيره.

فتوقف الشجار فجأة. تبدّل صوت التلاسن العنيف وصوت الأجساد المتدافعة بصمت مطبق. وكأن موجة صوتية جارفة سحبت كل الهواء والأصوات من الغرفة. ارتعدت الأجساد، متجمدات في أماكنهن، لتتجه الأبصار بذعر نحو الباب الذي يُطل منه بجسده الفارع، وهيئته المتوحشة في الصراخ بهن:

* "ما أسمعش صوت أي واحدة فيكم يا غَجَر، يا أولّع فيكم كلكم!"

كان رد فعلهن هو التراجع السريع والارتماء في زوايا الغرفة، متجنبات نظراته الغاضبة، إلا هالة التي ظلّت محلها تغطي على خوفها بمكابرة، لتتفاجأ بنوسة تتحدث بضعف يثير الدهشة، لاستجلاب عاطفته نحوها:

* "أنا ما عملتش حاجة يا كمال باشا، الست دي من ساعة ما وردت علينا من إمبارح وهي شايفة نفسها وبتقل أدبها على الكبير والصغير، وآخرة المتمة تيجي تسرقني كمان يا باشا!"

صدرت الكلمات الأخيرة منها بنبرة توشك على البكاء، ليتجه بنظرات الاتهام نحو الأخرى، التي انفعلت تدافع عن نفسها:

* "كدابة في أصل وشها! هي اللي مستقصداني من إمبارح وعايزة تضربني، لولا الست اللي قاعدة هناك دي..."

وأشارت بسبابتها نحو المرأة التي كانت جالسة على المصطبة الإسمنتية بهدوء منذ بداية الشجار وتُدعى "الرّيِّسة".

لتعود مستطردة:

* "أنا قاعدة لوحدي، بس لما توصل إنها تسرق علبة الكريم بتاعتي والغسول الغالي، لا يمكن أسكت لها!"

مال رأسه نحوها بنظرة يحفّها الاستغراب، قبل أن يسألها:

* "شوفتيها بعينك وهي بتسرق؟"

* "لأ، بس هي عينها عليهم من إمبارح."

زفر بغضب مكتوم، يَزُمُّ فمه، ردًا على إجابتها التي لم تقنعه.

* "كدابة والله وبتألف يا كمال باشا!" صاحت بها نوسة بمظلومية تُقسِم.

* "وليكي عين تحلفي يا عديمة الدين!" عقبت هي بصدمة.

* "كلمة تانية وها أدخل كل واحدة فيكم في حجز انفرادي!"

زأر بها بخشونة وغلظة، صوته يرتجف من فرط الغضب، وكلماته تتكسر من الحدة، ليجبرهن على الصمت المطبق تحت وطأة سلطته التي لا ترحم، غير عابئ بنظرات الذعر التي تطالعه بها، رغم تصنعها القوة. لينهي مُردفًا:

* "ها أطلع من هنا وها أبعت الصوتية زكية تيجي تفتش في حاجتكم، واللي تطلع عندها المسروقات تنال جزاءها. وفي كل الحالات ما أسمعش أي نَفَس تاني لأي واحدة فيكم، سامعين؟"

لم يخفَ عليه انتفاضتها على أثر صرخته التي ضربتها كالرعد، ليعيد عليها بتجبُّر وعيناه تلتهمان تفاصيلها:

* "قلت سامعين؟!"

أومأت برأسها ردًا له، رافضة النظر إليه بعناد منها.

..... ...........................


ليست على طبيعتها، لديها أعراض غريبة تكتنفها منذ فترة ولا تستطيع البوح، أو الاعتراف بها قبل أن تتأكد. هواجس ومخاوف تكتسحها، بالإضافة إلى مزاجها المتقلب بالأساس، ومع ذلك تسعى بصعوبة لإخفائها.

حيرة تجتاحها ما بين خوف من القادم، ورغبة في شيء تتمناه بشدة، لا من أجلها، بل من أجل حبيبها الذي أثقل ظهره من الحزن ويترجى هذا الشيء كالذي يترجى الغيث. ومع ذلك لن تنطق ببنت شفة قبل أن تتأكد.

ـ ماما مزيونة

ما أجملها من كلمة تلك التي صار يناديها بها هذا الشقي الواقف أمامها على باب المطبخ يفرك عينيه بنعاس ولا يدري بتأثير اللقب الجديد على قلب امرأة مثلها:

ـ نعم يا قلب ماما مزيونة، تعالَ يا حبيبي تعالَ.

فتحت له ذراعيها ليتلقف دعوتها بترحاب شديد يهرول نحوها، فتتقبله هي، تضمه من رأسه وتقبله عدة قبلات، مرددة بمديحها المعتاد:

ـ صباح الفل... والورد... والياسمين... الحلو اللي في الدنيا كلها على اجمل ريان

ـ طب براحة لا يخلص في إيدك الحلو.

سخر بها حمزة الذي كان قادمًا من خلفه، بملامح حل بها الضيق، وكأن ما يراه لا يعجبه، ليردف بأمر نحو صغيره:

ـ واد يا ريان، روح اغسل وشك وفوق كده، أنت راجل كبير مش عيل صغير.

استجاب ريان ليبتعد عن ذراعي مزيونة بنوع من الحرج، يتجه مباشرة نحو المرحاض:

ـ حاضر يا بوي.

عبست مزيونة هي الأخرى تنتقده:

ـ براحة على الواد يا حمزة ده مهما عيل.

علا صوته بخشونة يشدد عليها بإصرار:

ـ مش عيل يا مزيونة، قرب يقفل التمن سنين، مش عايزه يطلع خرع، لازم يبقى خشن زي اللي جابه سامعة؟

حسنًا، هي تعلم الآن أن لا فائدة من الجدال معه، بهذا المزاج المتعكر، قد يأخذ الحديث بصورة عكسية إن استمرت في النقاش، لتغير دفة الحديث قائلة:

ـ شايفاك لابس الجلابية الصوف وشكلك طالع، دقيقة استناني أخلص الفطار......

أوقفها ملوِّحًا بكف يده أمامها:

ـ بلاش مش عايز، هي كوباية شاي أشربها على أي قهوة وخلصنا، عايز ألحق أحصل مشواري.

قالها والتف يغادر، فسارعت توقفه، متناسية تعبها:

ـ لاه يا حمزة، هتطلع على لحم بطنك.

حين هم أن يلتف إليها، كانت هي خلفه تمامًا، لتنال نصيبها منه بلمسة من سبابته اصطدمت بعينها لتتأوه بتوجع:

ـ آه يا حمزة، صباعك دخل في عيني.

ـ وه!

خرجت منه بهلع، ليحاول رفع يدها عن عينها التي ادّعت بأنها أصيبت:

ـ شيلي يدك خليني أشوفها، اتطرفت جامد، ولا أجيب لها دكتور أحسن،؟

استجابت ترفعها بعد لحظات، فانحنى هو ينفخ فيها حتى فتحت أجفانها بتأنٍ أمام ترقبه، ولكن وما أن ظهرت العين أمامه دون احمرار أو أي شيء يدل على إصابتها، حتى عاد برأسه للخلف بتمهل، متوجها اليها ا بتساؤل:

ـ مش باين إنها اتبهدلت يعني؟

ـ ما هي راقت من لمستك.

فاجأته بقولها حتى بزغت ابتسامته وقد فهم لعبتها، ليضمها إليه براحة تغلغلت داخله بعد أن اطمأن عليها:

ـ بقيتي شقية يا مزيونة، وبتلاعبيني!

ضمته بذراعيها هي الأخرى لتضيف عليه:

ـ والفضل يرجع ليك مش أنت اللي علمتني.

ـ آآه

تأوه بتعب وكأنه كان في حاجة إلى غمرتها، دون أن يدري، ليتمتم بامتنان:

ـ يخليكي ليا يا قلب حمزة.

.............................


عاد إلى تلك البلدة مرّة أخرى، برغم الوعد الذي قطعه على نفسه المرّة الأخيرة بألا يعود إليها حتى تغادرها تلك المرأة التي أصبحت تستحوذ على تفكيره وتؤرق عقله. البداية كانت غيظاً وغضباً، ثم شفقةً على امرأة لا تملك حيلة تمكنها من صد هذا "البغل" عنها، ثم رعاية وواجب نتيجة "الورطة" التي أورد نفسه فيها بإرادته. وفي النهاية، تبدّل كل ذلك لمشاعر يرفضها بكل جوارحه، ومع ذلك لا يقوى على صرفها عنه.


وصل إلى أمام المنزل الذي استأجره لها، دون الاستعانة بـ "جمعة الأحمق".

وجد الباب الخارجي مفتوحاً، ليتمكن من الدلوف إلى داخله دون استئذان. يهَمّ بمفاجأتها بعد أن اشتعَل رأسه بظن غير مريح.

ولكن، وما هي سوى خطوتين داخل الجزء الفاصل من الباب الداخلي، حتى دوّى صوتها الناعم تناديه بلهفة:

ـ عطوة...

التفت إليها، فوجدها تنهض من جلستها في ضوء الشمس، وشعرها الطويل يُحاوِط وجهها من الجانبين. اقتربت منه ابتسامتها الساحرة ووجهها الندي، تستقبله بحفاوة:

ـ يا مرحب بيك يا عطوة، أنا افتكرتك نسيتني.

تحمحم يبتلع ريقه بتوتر سرعان ما أخفاه، حين رد بفظاظة:

ـ يا أهلاً... سايبة الباب مفتوح وإنتي طالقة شعرك تسرّحيه في الشمس؟ خلاص مالكيش أوضة ولا مش متعودة على سِترَة الحيطان؟

صدمها جفاؤه، فخبتت ابتسامتها، لتردد بصوت بالكاد يخرج من حلقها:

ـ الله يسامحك، بس السترة مش في الحيطان وبس. أي نعم أنا طول عمري واخدة على عيشة الخيش، لكن مع ذلك عمري ما انكشفت على حد، ولا حد مسّني في الحرام.

أنهت كلماتها وتحركت من أمامه تلملم شعرها لتربطه في عقدة واحدة من الخلف، لتتركه يناظرها بندم حتى عبّر عن أسفه:

ـ أنا مش قصدي طبعاً، بس بصراحة اتضايقت لما شوفت الباب مفتوح. يعني أي حد ممكن يدخل.

ـ لأه، محدش يقدر يدخل، ولا حتى صاحبك جُمعة.

هتفت بها تجلس على عتبة الباب الداخلي، متابعة بانفعال:

ـ آخره يخبط باحترام ويسيب الحاجة اللي إنت باعتها قدام الباب، ما يقدرش يتعدّى حدوده معايا عشان أنا وضعاله خط ما يقدر يتخطاه. أنا مش هيّنة لحد.

حدق بها صامتاً لفترة من الوقت، حتى استطاع أخيراً أن يتجاوز كبرياءه قائلاً:

ـ عارف إنك بـ "ميت راجل" يا نورا، ما أنا كمان عدّى عليا حريم بعدد شعر راسي، وأعرف زين أفرّق الحرّة من الساهلة.

أومأت تُشيح ببصرها عنه بعتب نتيجة لكلماته القاسية، تنتظر منه المزيد كي يطيب خاطرها. ولكن حين طال صمته، عادت إليه لتجده مُحدِّقاً بها، بنظرة لم تفهمها حتى أفصح عما يريده:

ـ ترضي يا نورا أعقد عليكي... بورقة عُرفي؟.

..............................


زي ما توقعت، النيابة قررت حجزها خمستاشر يوم على ذمّة التحقيقات، بعد شهادة بواب المدرسة اللي أيّدت شهادة الأستاذة عطيات. أنا آسف يا حمزة.

ـ وتتأسف ليه؟ إنت جبت حاجة من عندك؟ دا قانون ولازم يتنفّذ.

كان هذا قول حمزة، رداً على ما أخبره به صديقه الذي يتولى القضية الشائكة، فقَطَع يزفر بإحباط، ويده تتلاعب برأس العصا التي يمسكها. وكأن الكلمات قد هربت منه، فتحدث الآخر بنوع من التحفيز:

ـ ما تبقاش يائس يا حمزة، إحنا بس نعثر على الولد، وإن شاء الله البصمات تطلع غير مطابقة، وتخلص الحكاية، مش موضوع يعني.

أومأ له حمزة بإيماءة لا تصل لعينيه، لعلمه الأكيد بالنتائج مسبقاً:

ـ إن شاء الله ربنا كريم. ممكن أشوفها؟

ـ طبعاً يا حبيبي ممكن طبعاً، وأي حاجة تعوزوا توصلوهالها أنا تحت أمركم برضه. أنا هخرج أنادي العسكري يجيبها تقابلك هنا في المكتب، وأشوف طلباتك لو عايزة حاجة.

نهض عن مكتبه ثم تابع يطالع هاتفه على عجالة وهو يتحرك لينفذ ما نوّه عنه:

ـ شوف كمان لو جوزها حابب يقابلها قبل ما أروح انا على بيتي.

ـ جوزها وطلّقها قبل ما تيجي هنا!

صدحت الجملة من خلفه، ليتوقف فجأة ثم التفَّ رأسه بتساؤل إلى حمزة الذي عاد يؤكد له:

ـ زي ما قولتلك، خليفة مطلّقها من قبل ما تيجي هنا.

أومأ له بحركة ليس لها معنى، ليتابع ذهابه بعد ذلك بارتباك لحظي قد أصابه، لكن سرعان ما استعاد توازنه  وتبدلت ملامحه لتشتد بغضب واضح.

..................................

داخل مشفى الوحدة الصحية للقرية، وبعد أن استأذنت من زوجها بحجة الذهاب مع ابنتها لمتابعة تقدمها في شهور الحمل، تجنبت إخباره عن أي عرض يخصها هي.

ليأتي الآن دورها في مقابلة الطبيبة، والخوف والأمل يتصارعان في عينيها؛ ما بين رغبة تكتسحها، وفزع من تجدد آلام الماضي إن حدث.

دخلت إلى غرفة الطبيبة بخطوات متثاقلة، والتوتر يشد أطرافها، تسحبها ليلى التي كانت تبتسم للطبيبة بحماس، تقابلها الأخرى بإشراقة دافئة، لتخبرها بدون تأجيل أو انتظار:

ـ مبروك يا مدام مزيونة، التحاليل بتثبت إنك حامل بالفعل.

شهقة عالية صدرت من ليلى، تميل على والدتها التي ارتسمت على وجهها علامات الدهشة الصامتة، وكأن الزمن توقف.

ـ مبروك يا مزيونة! أنا كنت عارفة ومتأكدة من الأعراض اللي قولتيها! أمي حامل يا ناس، وهيبقالي أخ يا دكتورة!

ضحكت المذكورة تخاطب تلك المصدومة:

ـ مالك يا مزيونة؟ مش مصدقة ولا إيه؟ بقولك حامل يا ست إنتي! اصحي كده للخبر الجميل ده وفوقي!

ـ أيوه يا أمي، دا عمي حمزة الفرحة مش هتساعُه...

بسماع اسمه من فم ابنته، وتذكرها للأمنية العزيزة لزوجها وقد تحققت كما يرجو، انهار حاجز الصدمة. لتبدأ يدها في الارتعاش بشكل لا إرادي، وقد استوعبت الآن أن الأمر أصبح حقيقة، لتنهمر الدموع بغزارة، دون أن تحدد هل هي دموع خوف ويأس، أم دموع فرح طاغٍ لم تشعر بمثله من قبل.

ـ لأ لأ، إيه الدموع دي بقى؟

خرج صوت مزيونة أخيراً في رد على الطبيبة:

ـ والله ما أنا عارفة يا دكتورة، لا أنا عارفة أفرح ولا أخاف، لأ...

قاطعتها الطبيبة بنبرة تحمل في طياتها ثقة واطمئنان:

ـ ولو! تخافي ولا تشيلي أي هم! أنا شوفت كل التحاليل وبقيت على معرفة كاملة بحالتك. أقدر أأكد لك إن اللي حصل معاكي زمان لا يمكن يتكرر إن شاء الله. ولو استجدت أي مشكلة يا ستي، إحنا نعرف نتصرف برضه، الطب اتقدم كتير أوي عن زمان دلوقتي، ولا إنتي ناسياها دي كمان؟

صاحت ليلى بمرح وهي تعود لمعانقة والدتها:

ـ لا تنسى دا إيه؟ هي هتلاقي فرصة للتردد أصلاً؟ افرحي يا مزيونة، خلينا نبل الشربات، ونعلّي الجواب، دا إحنا هنعملها هيصة!

استجابت أخيراً تفيق من تجمدها، تبتسم لابنتها، ولحالة البهجة التي تنشرها، فوضعت يدها على بطنها بغريزة الأمومة، تشعر وكأنها تحمل العالم كله بين يديها.

....................... ......  

أخوك ما جاش ليه؟ لو مش عشان أم عياله، يبقى على الأقل عشان بنت عمه!

وجهت إليه السؤال بحدة، قابلها بهدوء شديد يجيبها:

ـ لو على حكاية بنت عمه، فإحنا قايمين بالواجب وفوق طاقتنا كمان. أما عن العيال، فهم الأولى دلوقت برعايته، يحاوط عليهم، قبل ما حد يسمعهم كلمة وحشة عن أمهم!

ـ أنت كمان هتقول زيهم؟ كلكم اتفقتوا عليا عشان المحروس يشوف نفسه مع البت الواطية...

ـ هاااالة!

هتف بها يوقفها، ليحدجها بنظرة قوية جعلتها تنهار بعد لحظات، غارقة في موجة من البكاء. وكأن القشرة الواهية التي تتحصن بها قد تكسرت وتلاشت، لتخرج أخيراً طبقة الضعف التي تغطي عليها دائماً بكبريائها وتعاليها المتعمد، فتردد إليه برجاء:

ـ خليهم يطلعوني! أنا حاسة كأني في كابوس. في يوم وليلة، اتنقل من أوضتي النضيفة الحلوة، لأوضة معفنة، فيها ستات ما يعلم بيهم إلا ربنا! محدش يقولي اتحملي عشان محدش فيكم جرب!

زفر حمزة، يردد خلفها بإصرار:

ـ لأ هقولك اتحملي يا هالة، عشان ما عنديش حل تاني! إحنا بنعمل أقصى ما عندنا، حتى وإحنا عارفين اللي فيها. سادين حَلقنا ببَلغة قديمة عشان ما عندناش اختيار. عارنا ومسؤولة مننا!

لم تجد صوتها إلا في بكاء مستمر، ليواصل هو:

ـ اعتبريها فرصة وحاولي تعيدي حساباتك، توزني الأمور وتشغلي عقلك. أديكي شوفتي، ربنا لما بيعوز يوقع عبده المخطيء بتيجي على أتفه الأسباب!

بالطبع لم ينتظر منها شعوراً بالندم وقد أشاحت ببصرها عنه، رغم علمه الأكيد أنها قد تأثرت بكلماته، حتى وإن أنكرت وادعت العكس.

..........................


وصل إلى منزل شقيقته بناءً على دعوة تلقاها منها، لتتلقاه من مدخل المنزل بحفاوة امتزجت بقلقها عليه:

ـ خليفة يا واد يا بوي، عامل إيه دلوقت؟ ما جبتش معاك البنات ليه؟

أومأ يجيبها بفتور:

ـ زين والحمد لله، البنات مع أمي ما تقلقيش. أنتي كنتي عايزاني في حاجة؟

ـ كل خير إن شاء الله، اطمئن.

تفوّهت بها تسحبه من مرفقه لتدلف إلى داخل المنزل مردفةً:

ـ ناس حبايبي كانوا طالبين يشوفوك ضروري.

ـ حبايب مين...

ما كاد ينهيها حتى تفاجأ بها أمامه. اعتماد التي نهضت عن جلستها فور أن رأته، لتتعانق العينان في لحظات من الشوق واللهفة. حقاً كان يتوق لرؤيتها، لكن لا يجد الحجة لطلبها في ذلك الوضع الصعب الذي يمر به، ليجدها الآن أمامه، وكأنها استجابت لنداء القلب:

ـ أنا آسفة، بصراحة كان نفسي أطمن عليك، ومش عارفة أشوفك إزاي. قلت مفيش غير منى.

سمعت منها الأخرى، لتضيف على قولها بقصد منها:

ـ طبعاً، ما هو خطيبك! هو إحنا أغراب يا بت؟ اقعد يا خليفة اقعد، على ما أجيب حاجة تشربوها.

وتحركت تذهب من أمامهما، لتعلق هي في أثرها:

ـ هي مش حاكيلها برضه الأستاذ منصور عن الحكاية وما فيها؟!

تقدم يجلس مقابلاً لها يقول:

ـ وحتى لو عارفة برضه ما كدبتش، ما أنتي فعلاً خطيبتي يا اعتماد، قدام الناس وقدام أهلي وأهلك، يبقى إيه اللي فاضل تاني؟

ـ فاضل إن أنا نفسي أصدق!

تمتمت بها داخلها، لتسارع بالتهرب في الحديث معه:

ـ المهم صحيح، طمني عليك وعلى البنات. أنا كنت في النيابة النهاردة وأدليت بأقوالي. والله لو في إيدي ما أقعّدها يوم!

أومأ لها بابتسامة صغيرة:

ـ عارف يا اعتماد، مش محتاجة تقولي. رغم إن واحدة غيرك كانت بهدلت الدنيا وحقك، دي كانت هتروح فيها.

ـ وما راحتش، وربنا نجاني. عقبالها هي كمان لما ربنا ينجيها، على الأقل عشان بناتها.

حسناً، لقد تطرقت إلى النقطة الشائكة في علاقته بها، وقد حان وقت المصارحة:

ـ اعتماد، أنا في كل الأحوال دلوقت البنات مش هيبعدوا عني، سواء هالة طلعت من الحجز أو ما طلعتش، اتجوزت أو ظلت على حالها. أنا اللي أبو البنات، وأنا اللي هربيهم. هتقبلي تاخدي واحد بعياله؟

فاجأها بالسؤال لتنظر إليه بإجفال لحظات حتى استوعبت، لترتخي ملامحها قائلة:

ـ أنا شايفة إن السؤال مش وقته يا خليفة. زي ما هما في الأحوال بناتك، أكيد يعني هيبقوا بناتي أنا كمان.


..... يتبع


 لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع