رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الجزء الثاني ( حين تنفس القلب ) الفصل الثالث 3بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الجزء الثاني ( حين تنفس القلب ) الفصل الثالث 3بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
الفصل الثالث من #حين_تنفس_القلب
#شارع_خطاب_الجزء_الثاني
الجزء الأول كان بعنوان
"عذرا لقد نفذ رصيدكم"
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
____________
أنا وأنتَ الأمور التي تَجري بيننا والكثير مِن التّناقضات، خوفكَ وإيماني..
رحيلكَ وبَقائي..
مُحاولة التّمسُك والنّفور في ذات الوَقت!
كِلانا مُعقّد كُل الأمور التي تَجري بيننا مُعقّدة أيضاً.
#مقتبسة
الِم تَشتِاق اليَ كمَا اشتَقتٌ اليَكَ ؟
الِم يَكفِيك كُل هَذا الوقِت انا مُرهقٌة حقًِا.
#مقتبسة
" رَكضتُ بِهَلع طوال عمري حتّى إلتَقيتك؛ بدأ كُلّ شيء يهدأ على مَهل."
#مقتبسة
___________
عاد كريم إلى المنزل بعد يومٍ دراسي طويل.
أنهى حصصه في المدرسة، ليست لديه أي دروس اليوم، لذلك عاد حتى ينال قسطًا من الراحة ويتناول الغداء مع عائلته....
وكما اعتاد في الأيام الأخيرة، وجود أبناء خالته في المنزل، لم يعودوا إلى البلدة بعد، رغم أن أمر شقيقته انتهى رسميًا، ومازال هناك أسابيع على موعد الخطبة.
تناول مع العائلة الغداء، ثم أخذ كوب الشاي وذهب إلى الشرفة التي تطل على شارع خطاب تحديدًا جزارة "خطاب".
وقف هناك هادئًا، يحتسي الشاي ويتأمل الشارع بنظراتٍ ساكنة، حتى قطعت صوته أنثوي ليس غريبًا عليه، كان هذا صوت هالة، فهي فتاة في منتصف العشرينات من عمرها تخرجت من كلية التجارة لكنها لم تعمل.
-إيه بتعمل إيه يا كريم؟.
رد كريم عليها من دون أن يلتفت لها بنبرة عادية:
-زي ما أنتِ شايفة بشرب الشاي، هكون بعمل إيه يعني؟.
لم يعجبها ردوده المقتضبة والجافة لذلك تحدثت بنبرة جادة وهي تنظر إليه:
-براحة شوية يا كريم أنا مقولتش حاجة لكل ده.
ثم سألته بنبرةٍ تجمع بين الجرأة والفضول:
-هو أنتَ مضايق من وجودنا؟ تحديدًا وجودي أنا؟.
ابتسم كريم ابتسامة باهتة وقال ببساطة أوجعتها أكثر مما أغضبها:
-هضايق ليه يعني قاعدين فوق رأسي؟ أنتم عيال خالتي واخواتي الصغيرين وأحنا أهل؛ وده بيت خالتك تقعدي زي ما تحبي.
علقت على كلمة تزعجها، كما يزعجها تجاهله الواضح لها:
-بس احنا مش اخوات..
-اللي تشوفيه أنتِ بقا يا هالة براحتك...
ثم وضع الكوب على الطاولة البلاستيكية المتواجدة في الشرفة ثم غادر بخطوات باردة تاركًا وراءه هواءً مشحونًا بالصمت، ونظرةً طويلة من هالة تتبعه حتى اختفى، فهو لن يتعب قلبه معها أو مع والدته....
دخل حجرته ليجد شقيقته جالسة على فراشه؛ فأردف كريم بنبرة جادة:
-بتعملي إيه هنا؟.
ردت عليه نورا بانزعاج جلي:
-هكون بعمل إيه يعني؟ بعمل Restart للرواتر النت فاصل، يمكن يشتغل لما اشيل الفيشة واحطها تاني..
سألها كريم وهو يجلس بجوارها في الفراش التي تجلس هي على طرفه:
-هما عيال خالتك مش هيرجعوا البلد ولا إيه؟ طولوا أوي على غير العادة وأكيد يعني أبوهم مش هيسيبهم قاعدين كل ده لغايت الخطوبة.
تنهدت نورا ثم ردت عليه ساخرة:
-معرفش بقا بس متعشمش نفسك علشان شكلهم مطولين، وسيبني أنا في اللي أنا فيه..
ضحك كريم باستهزاء ثم غمغم:
-إيه اللي حضرتك فيه يعني؟...
قالت بلهجة متضايقة وهي تكتب على الهاتف:
-الميكب ارتست اللي عايزة أحجز معاها علشان الخطوبة مش بترد عليا بقالي أربع أيام عماله أبعت ومش بيردوا وأنا عايزاها هي أوي، لأن صاحبتي عملت عندها وكانت ولا غلطة في فرحها...
__________
ظلت حور تضغط على زر الاتصال للمرة التي فقدت عدّها، لكن هدير لا تُجيب؛ رغم أنها ارسلت لها رسالة تخبرها بأن تتصل بها ضروري...
لماذا ترسل لها تلك الرسالة ولا تجب عليها...
هل هذه الفتاة محنونة؟..
إذا كانت مجنونة فهي تناسبها حتى تصبح صديقتها...
وكما تصفهما والدتها حُسنية
"حلة ولقت غطاها"...
رغم سفر هدير منذ سنوات إلا أن علاقتهما لم تتغير!
لم تختلف!!
تغيرت الكثير من الأشياء في حياتهما حقًا بشكل جذري..
لكن علاقتهما لم تتأثر بل مع الوقت تزيد صلابة ومتانة، وظلت كما هي قوية، طريفة، مليئة بالحب والمشاغبات.
رفعت حور الهاتف مجددًا إلى أذنيها متوعدة:
-والله هوريكي يا هدير بس تردي عليا...
جاءها صوت ذكوري من الجهة المقابلة:
-الو.
هل هذا طارق؟؟!
لما قد يجب طارق على هاتف هدير؟
ليست من عادته...
تجمدت للحظة وأخذت تسأل نفسها، هل سيكون شخص أخر غير طارق؟
هذا احتمال أحمق بالنسبة لها...
صوته مميز جدًا، لا يُخطأ، فهي سمعته أكثر من مرة وهي تحدثها في بضعة مرات، ولا تظن بأن هدير سوف تتواجد في مكان مع رجل أخر، لا ويجب على هاتفها!!
لم تفسدها الغربة حتى تفعلها..
ومن بين الاحتمالات الأكثر حماقة التي وردت في عقلها، دون أن تدري أغلقت المكالمة ولم تتفوه بحرفٍ واحد كأنها ضبطت نفسها في جريمة...
ثم أسرعت تتصل بـ وفاء التي أجابت عليها بصوتٍ ناعس نوعًا ما:
-ايوة يا حور..
-أنا صحيتك من النوم ولا إيه؟.
تمتمت وفاء:
-لا لسه منمتش بس على وشك يعني، في حاجة ولا إيه؟..
ابتلعت حور ريقها ثم تحدثت بنبرة منخفضة نوعًا ما:
-وفاء أنا كنت بتصل بـ هدير وتقريبًا كده طارق رد عليا، أو مش تقريبًا ده أكيد هو يعني أنا متأكدة.
جاءها صوت وفاء نصف ناعس ونصف ساخر:
-إيه المشكلة هتلاقيها بتعمل حاجة أكيد..
-يمكن؛ بس مش دي المشكلة، المشكلة أني قفلت في وشه يا وفاء.
تمتمت وفاء ساخرة:
-أنا مش مستغربة والله يا حور، دي حاجة تطلع منك فعلا مندهشتش، ما تيجي نشوف حوار ضرس العقل اتأخر عندك ليه يمكن دي المشكلة..
-أنتِ بتتريقي عليا ليه؟ أنا محرجة جدًا معرفش قفلت في وشه ازاي أصلا، وأكيد مكنتش هرد عليه طبعًا.
-خلاص ياستي لما اخته تكلمك قولي أن النت وحش وأنك مقفلتيش في وشه ولا حاجة، وبطلي عبط بقا ونامي...
سكتت حور لثواني، ثم قالت بجدية مفاجئة:
-ماشي، أنا عبيطة وغبية ساعات بس أنتِ شكلك متعصبة من حاجة تانية..
جاء صوت وفاء وقد انكسر فيه النعاس:
-الزفت حمزة رجع وقابل سامية.
شهقت حور بانفعال حقيقي:
-هو الراجل ده مش بيموت ولا بيسافر ولا بيختفي ليه؟ هو ليه بيظهر، راجل مرعب، ربنا يسترها عليكم، أحسن جنونه يخليه قاتل متسلسل أنا لسه شايفة مسلسل كوري عن راجل قتل البت اللي بيحبها وأي واحدة بيحبها بيقتلها...
-روحي نامي يا حور تصبحي على خير، هكلمك الصبح تكوني عقلتي ونسيتي أنك قفلتي في وش الراجل وسلوك دماغك اتعدلت.
-خلاص ماشي نتكلم الصبح سلام بس بلاش تستبعدي احتمال أنه يكون قاتل متسلسل....
سمعت صوت وفاء ساخرًا:
-ســلام يا حــور..
أغلقت حور الهاتف وهي تشعر بكمية خجل تفوق الموقف كله، لكن بعدها بثوانٍ أضاءت الشاشة باتصالٍ من هدير عبر أحد تطبيقات الإنترنت....
ابتلعت حور ريقها ثم أجابت بتردد:
-الو.
جاءها صوت صديقتها هدير مغمغمة:
-في حد يتصل الكم ده من الاتصالات يا شيخة؟؟.
ردت عليها حور رد منطقي جدًا:
-والله ده الطبيعي اللي اعمله لما واحدة تقولي كلميني ضروري.
ضحكت هدير:
-بقولك كلميني ضروري علشان عايزة احرق عليكي الحلقة قبل ما تشوفيها، ودي عادتي معاكي بتتنيلي تتصلي كل ده ليه؟ كنت بأخد شاور يعني وفي الأخر طارق رد عليكي وقفلتي السكة في وشه.
قالت حور بجدية شديدة وهي تشعر بالحرج لأنه انتبه:
-لا مقفلتش، النت في مصر مش أحسن حاجة، وبعدين هو بيرد عليا ليه اصلا؟..
-قالي أنه كنسل عليكي كذا مرة والمفروض تفهمي اني بعمل حاجة بس أنتِ مصممة..
غمغمت حور بنبرة بدت سخيفة:
-اه فعلا كنسل عليا بس قولت أحسن تكوني مخطوفة ولا حاجة...
غلبتها الضحكة وهي تسمع صوت صديقتها، وقالت بمرحٍ متجدد وكأنها نست كل شيء:
-ماشي يا بايخة، المهم يلا احرق عليكي قفلة الحلقة اللي فاتت حصل فيها إيه، المسلسل بقا ضرب نار يا حور.....
_____________
كانت سلمى تتابع الحلقة من أحد البرامج في نصف انتباه، بينما تواصل لف أوراق العنب والكرنب، وأنواع مختلفة من الخضار موضوعة أمامها حتى تقوم بوضع الحشوة بداخلهم..
كما قامت بوضع الدجاج واللحم في الثلاجة بعدما وضعت عليه خليط "تتبيلة" خاص حتى تقوم بطهيه غدًا...
فُتح باب المنزل، ودخل نضال منه وهو يفرك كفيه من البرد، وخلع حذائه أولا ثم خلع سترته، اقترب منها وقبل رأسها بلطف ثم جلس بجوارها.....
تمتمت سلمى ولم تستطع أن تخفي دهشتها وهي ترفع نظرها إليه:
-إيه جيت بدري يعني مش قولت هتقعد شوية على القهوة باين؟.
لم يكن هناك وقت أو رغبة له أو لدياب بعدما استمع إلى القصة كلها منه، القصة التي جعلت الأمر معقدًا نوعًا ما في نظره......
كلاهما مخطئان بشكل لا يغتفر نوعًا ما في نظره...
حتى هو لم يستطع أن يعطي نصيحة له كعادته!!
ولم يكن دياب في حالة تسمح له بأن يستقبل بل هو فقط يرغب في البوح وأن يخرج ما يتواجد بداخله..
ويبدو أن للحديث تكملة في القريب العاجل...
قالت سلمى بعدما سحبت مناديل ورقية من العلبة التي تتواجد بجوارها ثم مسحت يدها وتوقفت عما تفعل:
-نضال أنا بكلمك على فكرة.
التفت إليها بابتسامة صغيرة:
-معاكي يا حبيبتي، ايه الأخبار؟ شكلك بدأتي التحضيرات خلاص..
ابتسمت له مغمغمة بهدوء:
-ايوة، بابا جاي بكرا وكالعادة كل ما أساله أعمله إيه مش بيديني عقاد نافع ويقولي أي حاجة زيك كده واضح أن الرجالة كلها نفس الرد..
ثم ابتلعت ريقها وتابعت:
-قولت ابدأ من النهاردة علشان بكرا ميبقاش ورايا حاجات كتير...
علاقة "مدحت" بها أو بابنته الأخرى....
لم تكن علاقة عاطفية ووثيقة كأي أب وبناته، لكن كانت جميع الأطراف تحاول أن تتعايش مع الحقيقة وأن يتم التغافل عن أخطاء الماضي، لأنه لا يمكن تصليحها ولا محوها..
العلاقة بين سلمى ووالدها حتى تصل إلى تلك اللحظة التي تعد الطعام فيها من أجله احتاجت منها مجهود كبير جدًا ويدرك نضال هذا، وسعى مدحت من أجل يصل معها إلى تلك النقطة ويكسب ثقتها نوعًا ما، فأصبح رجل يعمل ويكسب قوت يومه..
يعيش في شقة بسيطة ويسأل عن بناته يوميًا ويزورهما في الأعياد ويأتي بين الحين والآخر إلى زيارة سلمى، لم يختفِ من حياتهما كما أعتاد بل كان يحاول أن يقوم بواجبه الذي تهرب منه عمره كله إلى أخر نفس فيه، لعل هذا يغفر ما اقترفه بحقهما.
تمتم نضال بابتسامة هادئة:
-ربنا يخليكم لبعض، عمومًا أنا هقوم اغير هدومي واغسل ايدي واجي اساعدك، بس هعملي قهوة الأول.
-ملهوش لزوم تتعب نفسك أنتَ طول اليوم برا وأنا قربت أخلص أصلا.
ثم تابعت حديثها قائلة وهي تنظر له باهتمام:
-وبعدين هو في حاجة حصلت ولا إيه؟ أنتَ قولتلي هتتأخر وجيت بدري وشكل وشك مش طبيعي.
-مفيش حاجة، هيكون في إيه يعني؟..
ثم تابع نضال بتهكم طفيف رغم أنها محقة لكنه أسترسل حديثه بطريقة مرحة:
-علشان تعرفي أنك انسانة مش بيعجبك العجب يا سلمى، جيت بدري أو جيت متأخر النتيجة واحدة.
-اه أنا نكدية يعني ولا قصدك إيه؟.
قالتها سلمى بطريقة عفوية وكأنها تحاول أن تستشف حقيقة ما يقصده بالفعل؛ فأجاب عليها:
-لا مش قصدي حاجة بلاش تدوري على النكد، أنا هقوم اغير هدومي واجي أساعدك وبعدين نشوف هنعمل إيه.
-على فكرة أنا معملتش أكل النهاردة علشان أنتَ قولتلي أنك هتعمل العشاء لما تيجي..
رفع نضال حاجبيه مازحًا ثم سألها بتسلية:
-أنا قولت الكلام ده أمته؟.
قالت سلمى بمرح:
-لما كنت بتروح في النوم قولت كده.
ضحك نضال وهو يسألها بخفة:
-هو في حد ياخد الكلام من حد وهو نايم.
نظرت له وهي تضيق عيناها فأردف يتلاشى استنكارها:
-فاكر يا سلمى متقلقيش، وبعدين صحيح أنتِ ليه بتعملي ورق عنب تاني؟ مع أنك قولتي مش هتعمليه لأنك لسه عاملاه ليا.
-ريان بيحبه فعملته وهنزله بكرا، لأن طنط انتصار وسامية نادرا ما بيعملوه علشان بيزهقوا من لفه.
كانت سلمى تحب ريان وكذلك غالي حتى أنهم يحبون الحلوي الصحية والكعك التي تصنعه سلمى باستمرار..........
ابتسم نضال لها ثم قال قبل أن يرحل:
-شكلي هبدأ احط ريان في دماغي أما غالي مش هقدر، علشان مقدرش على أبوه..
_____________
يقف دياب في الشرفة، سيجارته تشتعل بين أصابعه، والدخان يتصاعد ببطءٍ، كان جالسًا على المقعد الخشبي العتيق، ينظر إلى الفراغ وكأن الزمن توقف عند تلك النقطة التي بدأ منها كل شيء......
كأن السنوات لم تمر وكأن شيئًا لم يتغير...
عاد كل شيء إلى تلك النقطة التي كان يبدأ بها كل شيء في حياته....
هذه الشرفة شاهدت أحلامه الصغيرة في فترة مراهقته، كما شاهدت معاناة شاب يبحث عن قوت يومه، أحزانه وفرحه، شاهدت حبه الأول، كما شاهدت يأسه بعدما تركت عمله؛ شاهدت هذه الشرفة أيضًا حبه الأخر الذي بدأ تقريبًا منها.......
كانت الشرفة شاهدة على كل شيء، حتى صمته الآن، كأنه نوع آخر من الاعتراف....
ما يجعله يجلس هنا...
هو أنه لم يعد يحتمل دخول الشقة التي جمعت تفاصيلهما معًا، كل زاوية فيها تذكره بها، ضحكتها، عطرها وحتى انزعاجها منه أحيانًا، الشقة من دونها كأنها بلا هواء، جحيمًا لا يطاق أو يحتمل...
أما شقته الجديدة التي أنهى تشطيبها بعدما اختارت معه كل شيء، أصبحت محرمة عليه من دونها.....
تعددت الأماكن التي من الممكن أن يجلس فيها لكنه عاد مرة أخرى إلى هذه الشرفة حيث بدأ منها كل شيء......
...عودة إلى الماضي...
تقف "ريناد" في المطبخ أنيقة كعادتها أكثر مما يحتاجه الموقف، لا تدري هل هي ذاهبه للتنزة أم تحاول أن تطهي الطعام...
لكنها تحاول...
لقد اتقنت كل شيء تقريبًا..
تنظيف وترتيب المنزل وأحيانًا تأتي عاملة تساعدها بين الحين والآخر من منزل والدها، لكن مازال الطعام محاولاتها به تكون كارثية حينما تخرج خارج وجبة الفطار، يفشل كل شيء منها إلا اللحوم المجمدة والمصنعة التي تحتاج فقط وضعها في الزيت الغزير أو الفرن.
جاء دياب من عمله وجلس في الغرفة، يعطيها مساحتها الكافية ويمنع نفسه من الدخول إلى المطبخ حتى لا يوترها "حسب ادعائها" لكن مر أكثر من ساعتين وهي لا تخرج خارج المطبخ تقريبًا.....
لذلك ذهب لها..
-إيه وصلتي لفين؟؟.
نظرت له ريناد وهي ترتدي قفازات خاصة بالمطبخ وتمسك الدجاج النيئ بطريقة مقززة وهي تخبره:
-موصلتش لحاجة الفراخ مش عايزة تنظف حطيت كل حاجة قالوا عليها، دقيق وملح وليمون وطحينة حطيت كل حاجة وحاسة أنها مش نظيفة برضو، أنا شيلت كل حاجة منها الجلد وكل حاجة قالوا أشيلها، ده مبقاش فيها حاجة يا دياب أصلا..
نظر دياب إلى الدجاجة ثم أردف:
-مبقتش فراخ عموما من المنظر..
ثم ابتلع ريقه متحدثًا باستنكار حقيقي:
- يعني أنتِ بقالك ساعتين بتغسلي في الفراخ؟.
-وهي دي حاجة قليلة؟؟ مش لازم انضفها واغسلها قبل ما اسلقها علشان اعمل بالشوربة الملوخية.
أشار دياب ناحيتها وهو يحاول كبح ضحكاته بصعوبة:
-يعني تفتكري بأنك بقالك ساعتين بتغسلي في الفراخ، وده منظرك أننا هنوصل لمرحلة الملوخية أساسًا؟ عاجبني ثقتك في نفسك محتاجة تدرس.
تركت ريناد الدجاجة في الوعاء الزجاجي هاتفة باعتراض شديد:
-لو سمحت بلاش تحبطني، اهو كلامك ده اللي هيخليني اشيل كل حاجة، وأخرك هحمر ليك ستربس أو ناجتس.
أقترب منها دياب متمتمًا:
-خلاص اهدي، احنا نكلم ماما ونسألها..
نظرت له ريناد قائلة بتعالي لا يناسب موقفها:
-وأنتَ عايز تحرجني قصادها يعني؟ تقول عني مش بأكلك..
-ياستي ماما مش هتقول ولا هتعيد هي أكتر حد هتفهم موقفك وحالتك لأن عندها نسخة منك زي حور كده، فأكيد هتقولك تتصرفي ازاي.
نظرت له ريناد نظرة عميقة وهي تسأله بجدية:
-هو أنتَ ليه مبتعرفش تعمل أكل بجد؟ مش كان زمانك بتعمل الأكل أو حتى بتقولي أعمل إيه؟.
لوى دياب شفتيه بتهكم:
-معلش والله حقك عليا مجتش مناسبة اتعلم فيها، لو كنت أعرف إني هوصل لهنا معاكي ونقف الوقفة دي وتبقى حياتنا برجر وستربس وناجتس كنت والله اتعلمت..
خلعت ريناد القفازات قائلة بجدية شديدة:
-لو سمحت بلاش تنكر فضلي، أنا اكلتك فاصوليا خضراء الاسبوع اللي فات ولحمة.
لوي دياب شفتيه بتهكم:
-اه طبعًا فضلتي تشتغليني وأنا كنت فرحان بيكي ساعتها وقعدت أكل فيها ثلاث ايام واقولك شبه أكل ماما وايناس وطلعت إيناس اللي عملاها أصلا وبعتاها.....
ضحكت ريناد من قلبها حقًا وهي تتذكر ما حدث!!
حينما حاولت أن توهمه بأنها هي من صنعت الطعام وقتها وصدقها بالفعل...
ابتسم لها دياب وهو يراقب ضحكتها التي تسعده من دون أي مجهود، هو يحيا سعيدًا معها أكثر مما توقع وكانت هي وجه الخير عليه دومًا.....
حتى أنه منذ أيام قليلة -بعد زواجهما بثلاثة أشهر- اشترى سيارته الأولى، دفع جزء كبير من ثمنها والباقي يقوم بتقسيطه وحياته العملية تسير على ما يرام..
-أنا بحبك يا ريناد..
هبطت دمعة من عيناها مسحتها سريعًا ثم قالت بصوتٍ مرتجف وباكي:
-كان نفسي أقولك وأنا كمان بحبك بس أنا حاليًا شاغل بالي ريحة الفراخ، حاسة إني هفضل عمري كان مبعرفش انظف فراخ وأصلا لما بشوفها نية بحس إني قرفانة منها...
ثم ألقت نفسها في أحضانه ولا يدري ما الذي يحدث!!
هو يعبر عن حبه لها لكن هي كل ما يهمها في تلك اللحظة تنظيف الدجاج!.
كان المشهد عبثي أن تبكي ريناد من أجل الدجاج.....
-خلاص متعيطيش، هنتصل بماما وهنتصرف ان شاء الله.
ثم سألها بجدية وهو يراقب خصلاتها:
-هو أنتِ عاملة شعرك؟؟.
كانت طبيعة شعر ريناد جيدة ليست مجعدة وليست مندسلة وسط بينهما وخصلاتها متوسطة الطول لكنها الآن صففتها بعناية، فابتعدت عنه وهي تنظر له بسعادة وعيناها تهبط منها الدموع في الوقت ذاته:
-ايوة؟ إيه رأيك؟ مكنتش متخيلة أنك هتأخد بالك، دي الـمكواة الـAuto waver اللي لسه جايباها امبارح قولت اعمل شعري بيها وادخل على الفراخ بشكل مختلف عن كل مرة يمكن انجح المرة دي، أنا بقالي ساعتين مش عارفة انضف الفراخ وعملت شعري في خمس دقائق، ليه كده بجد؟..
نظر لها دياب غير مستوعبًا ما تتفوه به، وكانت نبرتها جادة إلى حدٍ كبير مما جعله يهتف:
-اه بصراحة الفراخ أول ما تلاقيكي داخلة عليها وعاملة شعرك هتتكسف من نفسها وتقولك عنك أنتِ أنا هنضف نفسي بنفسي وهستحمى وهتلاقيني مع الحبهان في الحلة...
أصابتها وقتها نوبة من الضحك على كلماته...
....عودة إلى الوقت الحاضر....
ضحك حينما تذكر موقف واحد من مواقف كثيرة جمعتهما حتى أصبحت نوعًا ما تتقن الطهي وحتى هو شخصيًا تعلم معها أشياء كثيرة لم تكن هي بمفردها التي تعلمت...
أطفأ السيجارة ووضعها في الطفاية، ثم نظر إلى الشارع الشبة خالي...
لا يعرف إن كان يفتقدها هي أم يفتقد نفسه كما كان معها.
قرر أن يخلد إلى النوم لعله ينسى ما حدث، لا يعلم ما الذي يجب عليه فعله حتى تعود الأمور كما كانت في السابق؟..
كيف يمحو من عقله وعقلها ما حدث؟؟؟...
____________
في اليوم التالي...
كانت سلمى تقف في المطبخ، تنهي ما تبقى من الطعام الذي أعدت أغلبه منذ الأمس، بينما سامية تجلس إلى جوارها على الطاولة الصغيرة، شاردة الفكر، تشبك أصابعها بقلق واضح....
قالت سلمى وهي تقطع بعض الخضار بعدما انتهت من سرد الشيء الذي يزعحها:
- لازم تقولي لعمو زهران يا سامية، مينفعش تسكتي، أنا مش فاهمة الراجل ده لسه له عين يبجح!.
هبط نضال لقضاء بعض المشاوير الخاصة بعمله على أن يعود مبكرًا حتى يكون موجودًا في استقبال والد سلمى...
تنهدت سامية، ثم قالت بنبرة مضطربة:
-مش عارفة يا سلمى، أصلا أنا مخنوقة أوي من ساعتها ومش عارفة أنام، وكل ما أنام أحلم بكوابيس، أنا مش عايزاه يقرب من ريان ودي أهم حاجة عندي، أنه يبعد عن ابني..
رفعت سلمى رأسها نحوها بنظرة مترددة، كأنها تبحث عن مبرر ما:
-أنا بصراحة مش عارفة اقولك إيه يا سامية، بس يمكن فعلا هو راجع عايز يشوف ابنه بجد، مش عارفة مهوا مش معقول لسه متعلمش حاجة من اللي فات!!.
قالت سامية وهي تهز رأسها نافية تستعبد هذا الاحتمال:
-حمزة مش كده، ولا السجن هيعلمه ولا حاجة هتفوقه، ولو راجع علشان ابنه مكنش يتكلم في رجوع بيني وبينه، حمزة بيرسم خطة أنا عارفاه كويس.
تمتمت سلمى بحذر وهي تقلب الملعقة في القدر:
-أنا شايفة تقولي لعمو زهران وهو أكيد هيكون له رأي مختلف وفي نفس الوقت هو هادي وبيعرف يتصرف عرفيه مينفعش تخبي عنه، أحسن يطلع ليكي في أي حتة تاني واللي زي ده مش مضمون.
أطلقت سامية تنهيدة طويلة، ثم قالت بخفوت:
-هشوف يا سلمى، معلش صدعتك أنا، لو كنت أعرف اصلا أن باباكي جاي مكنتش طلعت وعطلتك..
-مفيش عطلة يا سامية ولا حاجة متقوليش كده تاني، اهم حاجة قولي لعمو زهران بس.
-طيب، أنا هنزل، تحبي اساعدك في حاجة قبل ما أنزل؟.
هزت سلمى رأسها وعلى وجهها بسمة هادئة:
-لا تسلمي، أصلا زي ما أنتِ شايفة أنا يدوبك بسوي الحاجة خلصت كل حاجة من بليل، ريان جه من المدرسة ولا لسه؟.
-لسه زمانه في الطريق، على فكرة قاعد على نار من بليل من ساعة ما بعتي صورة الورق عنب.
ضحكت سلمى على كلماتها ثم أردفت:
-أول ما يستوي هنزله ليه علطول.
بعد بضعة دقائق..
كانت سامية تفتح باب الشقة لتجد زهران واقفًا يحمل هاتفه وبجواره وفاء، أغلقت سامية الباب وقبل أن تسأل عما يحدث كان زهران يهتف:
-كنت لسه هتصل بيكي..
نظرت له سامية بعدم فهم مغمغمة:
-ليه حصل حاجة ولا إيه؟ أنا كنت عند سلمى ما أنا قايلة لماما..
كانت انتصار هبطت برفقة طفلها غالي من أجل أن يستقبلا الحافلة التي تأتي بـريان من المدرسة...
أردف زهران بنبرة جادة وصارمة:
-أنتِ ازاي متقوليش ليا أن الـ*** ده جه وقابلك؟؟.
نظرت سامية إلى وفاء بضيقٍ شديد مما جعل الثانية تقول بارتباك:
-أنا آسفة والله يا سامية بس كنت حاسة أن بابا لازم يعرف اللي حصل؛ وأن الموضوع مينفعش يتسكت عليه أنا خايفة عليكي..
كانت وفاء جادة فيما تقوله، فهي تعرف حمزة مثلها، وتخشى أن يتسبب في ضرر لها من جديد.........
حتى أن عودته تقلقها هي شخصيًا لذلك لم تستطع الصمود وأخبرت والدها فور هبوط انتصار برفقة غالي....
قالت سامية بتلعثم:
-أكيد كنت هقولك يا عمي بس أنا اتوترت..
صاح زهران مستنكرًا:
-مكنش لازم تقوليلي وبس، ده كان لازم تتصلي بيا أول ما شوفتيه، الواد ده مش سهل واللي حصل فيه مش سهل فضيحته وسجنه وكل ده مش سهل عليه، يعني ممكن يعمل أي حاجة فيكي، أو ليكي، مستنية لغايت امته علشان تعرفيني؟؟؟.
قالت سامية بتردد وكلمات كاذبة هي نفسها لا تصدقها بينما وفاء واقفة تلتزم الصمت:
-معتقدش أنه هيعمل حاجة هو راجع بيقول عايز يشوف ابنه.
في تلك اللحظة، سمعت صوت الأطفال يعلو عند الباب، فتنفست بعمق وقالت برجاء:
-علشان خاطري نتكلم بعدين وبلاش تقولوا قدام ماما علشان متقلقش وأنتم عارفين الموضوع ده بالنسبة ليه إيه، ونتكلم وقت تاني يا عمو..
صمت زهران بملامح غاضبة يحاول السيطرة عليها بينما بعد ثواني فتحت انتصار الباب وهي تحمل حقيبة حفيدها ودخل الطفلين خلفها بسعادة بالغة، فـ غالي ينتظر عودة ريان من المدرسة بفارغ الصبر.......
دخل زهران إلى حجرته لعله يستطيع الانفراد بأرجيلته بعيدًا عن الصغار، ويفكر فيما يحدث؟ وما هو التصرف الصحيح الذي يجب أن يقوم به؟!..
كيف يحمي سامية وطفلها؟..
وهل يمكن فعلاً أن يعود رجل مثله في هيئة أبٍ يطلب ابنه؟...
لا يصدق هذا أبدًا....
______________
وقفت ريناد أمام المرآة تتأمل وجهها طويلًا، تأخذ نفسًا عميقًا كأنها تستعد لمعركة داخلية؛ ارتدت بنطال أسود وسترة رمادية اللون وأسفلها قميص قطني أبيض...
قررت أن تتخذ هذه الخطوة وتتحدث معه، منذ أشهر وهي تتجنب الحديث معه، كما تتجنب الخروج من المنزل..
منذ أشهر وهي تشعر بانكسار غريب لم يحدث لها من قبل حتى وقت الطلقة الأولى بينهما....
لأن وقتها كانت على حق وتعلم بأنها لم ترتكب شيئًا تخشاه بل الأمر كله سوء فهم منه..
لكن الآن تشعر بأن الأمور لن تعد مجددًا كما كانت من قبل....
منذ انفصالهما وتلك الليلة وهي لا تتحدث معه وحينما يأتي إلى هنا لزيارة ابنته أو حتى يأخذها معه ويتنزه معها لا تراه وإذا رأته بينهما نظرات عابرة وحديث قصير جدًا حتى لا تشعر ابنتها بشيء، وحينما تتصل به ابنتها به من هاتفها لا تحادثه..
هي تتجنب الحديث معه مطلقًا وكذلك هو..
لكنها سوف تفعل شيئًا اليوم..
حتى لا يفعل والدها شيئًا لا تُحمد عقباه..
كان والدها محقًا...
كلاهما لا يبحث عن أي محاولة صلح أو فرصة تقربه من الآخر رُبما لشعورهما بالخجل....
كان والدها لديه اجتماع هام لذلك لم يصادف وجود دياب بل رحل منذ الصباح..
أقتربت ريناد من النافذة الموجودة في غرفتها مكانها المفضل لمراقبته حينما يتواجد مع "ليان" في الحديقة..
هي لا تراقبهما من الشرفة حتى لا تظهر له...
كانت ليان تسير بالعربة التي أتى بها الاسبوع الماضي من أجلها، ففي كل زيارة يأتي لها بـ لعبة مختلفة أو ملابس أو شيء خاص لها، كان أبًا رائعًا ولم يكن لديها شك في ذلك منذ سنوات حينما رأت تعامله وخوفه الدائم على حور ورعايته إلى أهل بيته...
كان دياب يقوم بتصويرها وتخليد ذكرياته مع طفلته...
ابتسمت ريناد، ابتسامة رقيقة مغموسة بالحزن،
تراقب المشهد بعينين دامعتين.....
وظلت لمدة دقائق في هذه الحالة..
لكن سرعان ما اختفت هذه الابتسامة حينما أعاد عقلها جزء بسيط جدًا من ذاك اليوم وتلك الليلة التي تغير بها كل شيء..
...فلاش باك...
كانت تقف في شرفة الشاليه المطلة على البحر، ترى الأمواج تتكسر بهدوء والريح تعبث بشعرها، بينما تداعب ابنتها قطة صغيرة عند قدميها....
أقتربت منها صديقتها مغمغمة بهدوء:
-بصراحة مكنتش متخيلة أن جوزك هيخليكي تيجي يا ريناد، بس عمومًا أنا مبسوطة....
قالت ريناد بأعين جامدة لا تعلم سوى شيء واحد بأنها سوف تنتقم وتفعل ما يزعجه وليحدث ما يحدث، كأنها فقدت عقلها في تلك اللحظة:
-هو ميعرفش إني جيت..
تمتمت صديقتها بعدم تصديق:
-أنتِ جيتي من وراه؟؟.
-اه.
قبل أن تعلق صديقتها على هذا الخبر المُريب صدع صوت هاتف ريناد المتواجد في جيب بنطالها فأخرجته منها وجدته هو، أجابت عليه وهي لا تدري ماذا يجب أن تفعل وأيهما قد يغضبه أكثر......
-ألو..
سمعت صوت دياب غاضبًا:
-أنا كلمتك من ساعة قولتي أنك كنتي بتجيبي حاجات من السوبر ماركت وطالعة البيت دلوقتي أنا في البيت، أنتِ فين؟...
قبل أن تتفوه ريناد بحرف كان دياب يستنتج ما يحدث مما جعله يغمغم:
-لو اللي في بالي صح يا ريناد، ارجعي على بيت أبوكي...
...باك...
تراجعت ريناد خطوتين عن النافذة، الدموع تسبق أنفاسها، وضعت يدها على فمها لتكتم شهقة مؤلمة.
مهما بلغ حجم الانكسار التي شعرت به، والضيق لم يكن عليها فعل هذا بفعلتها تلك هدمت كل شيء حتى لو كان الخطأ منه.....
لقد كسرت ثقته بها.......
_____________
قال كريم وهو يجلس على القهوة في ناصية شارع خطاب، وبيده كوب الشاي:
-يعني هي بتستقبل الحجوزات ازاي اصل أختي خطوبتها قربت وكانت عايزة تحجز معاها وبتكلمهم على الواتساب اللي على البيدج محدش بيرد.
كان يقصد عن سامية، يجلس كريم مع "دياب" التي كانت السيجارة تتواجد بين أصابعه في عالم أخر من الأفكار المزدحمة بعد عودته من زيارة ابنته بينما نضال رد عليه بهدوء:
-اعتقد السنتر بتاعها مش بعيد، ممكن تروح تسأل هناك هي.
العلاقة بين الثلاثة لم تكن قوية، مجرد معرفة جمعتهم على القهوة لا أكثر، خارجها كل واحد له عالمه الخاص.
قال كريم وهو يحرك الملعقة في كوبه:
-مهوا راحت وقالولها أن حجز الميكب معاها هي شخصيًا بيكون من الواتساب، وهي عايزاها جدًا، مش عارف ممكن توصلها ازاي...
فكر نضال قليلًا قبل أن يرد:
-والله مش عارف هي بتمشي شغلها ازاي ولا الأمور دي ازاي، بس هبقى اقولها ترد على الرسايل ممكن يكون من الضغط اللي ماسكة البيدج مش بترد لأن في حد ماسكها غيرها تقريبًا..
نهض كريم قائلًا وهو يلتقط هاتفه من على الطاولة:
-ماشي شوف كده وبلغني لما تشوفني بلاش تنسى بس علشان اختي واكلة دماغي.
ابتسم نضال ثم أجابه:
-ان شاء الله، وربنا يتمم ليها بخير يارب.
-يارب، يلا مع السلامة بقا اشوفكم بليل، علشان عندي درس دلوقتي..
رد الاثنان عليه في نفس واحد حينما انتبه دياب:
-سلام.
غادر كريم القهوة وسار بضع خطوات حتى لمح المعلم زهران قادمًا من الجهة المقابلة، ابتسم ومد يده مصافحًا:
-ازيك يا أبو غالي..
ابتسامة صغيرة ظهرت على وجه زهران، رغم أنه لا يحب هذا الشاب ولا والده، لكن يعجبه فقط أنه يناديه بـ"أبو غالي".
تمتم زهران بنبرة هادئة وهو يصافحه:
-الحمدلله بخير، أنتَ إيه اخبارك؟.
-الحمدلله يا عم زهران، والله لولا اني متأخر كنت قعدت معاك..
قال زهران بجدية:
-لا شوف مصالحك يا حبيبي...
-ماشي عن اذنك...
تمتم زهران بابتسامة صفراء:
-اذنك معاك ابقى سلم ليا على أبوك..
-الله يسلمك..
غادر كريم، بينما أكمل زهران طريقه نحو القهوة و بمجرد أن اقترب، أطفأ دياب سيجارته بسرعة حتى لا يسمع محاضرة وفلسفة ليست لها اي أساس من الصحة سوى في عقل المعلم زهران..
جلس المعلم على الكرسي المعتاد وقال بنبرة مليئة بالتحذير:
-الواد كريم كان جاي من القهوة، اوعوا تكونوا متصاحبين على الواد ده؟ شكله صايع كده زي دياب وكفاية علينا صايع واحد..
رد عليه دياب مبتسمًا بسخرية هادئة:
-شكرًا يا عم زهران الله يكرمك..
رد عليه زهران بنفس الدرجة من السخرية:
-لا شكر على واجب يا حبيبي...
سأله نضال بجدية:
-في حاجة يا بابا ولا إيه مش عادتك تيجي يعني وشكلك مضايق؟؟.
تمتم زهران بانفعال حقيقي:
-الواد سلامة، شكله فتح الفيس بتاعي من عنده، مهوا معاه الباس ورد من ساعة ما عمله؛ أنا عايزك تغير الباسورد علشان ميعرفش يفتحه من عنده، وتعمله بلوك علشان عمال يمسح صور غالي من عندي..
ضخك نضال ودياب في وقتٍ واحد مما أغضب زهران مغمغمًا:
-ما تحترموا نفسكم بقا، لو مش هتعملوا ليا المصلحة هجيب أي عيل من الشارع بفلوسي يحل ليا الموضوع ويعرفني اتصرف ازاي، البت وفاء في الشغل لولا كده كانت ساعدتني.
تمالك نضال نفسه وقال وهو يحاول كتم ضحكته:
-حاضر يا بابا، بس أنتَ متأكد من البلوك بتاع سلامة ده؟ ممكن ينتحر فيها.
-ايوة متأكد، ده قليل الأدب ومشافش رباية اصلا...
ثم تابع حديثه:
-المهم سيبك من الحوار ده، عايزين نشوف حوار العيادة بتاعت وفاء، في مكان عاجبني وشايفه مناسب وهي عاجبها، لازم افتحلها عيادة ونخلص الإجراءات بقا أنا مش عاجبني تفضل شغالة في المركز ده.
تمتم نضال بنبرة عقلانية:
-حاضر يا بابا، خلينا نظبط الدنيا بس برضو حط في اعتبارك أنها محتاجة خبرة شوية قبل ما تشتغل لوحدها وتعمل اسم.
يبدو أن حديث نضال منطقيًا لكن زهران كان الحماس يتملك منه، وفي الوقت نفسه رغبته في تعويض ابنته عن سنوات كثيرة كانت بعيدة عن احضانه...
تمتم نضال بنبرة جادة:
-يدوبك اخلص القهوة واطلع علشان عم مدحت جاي..
ثم أخذ تناول قهوته وبعد دقائق، وجد زهران الصبي يحمل الاكواب الفارغة من فوق الطاولة فغمغم:
-بقولك يا ابني روح هاتلي كريمة نامبر تو من عند الجزارة..
نظر له الصبي بعدم فهم وعلى وجهه الكثير من علامات الاستفهام وقال باستنكار:
-كريمة مين دي االي اللي!..
قال زهران باستهجان:
-اه شكلك جديد أنا أول مرة اشوفك وهتتعبني معاك لغايت ما تتعود عليا، كريمة دي الشيشة بتاعتي.....
___________
يجلس أمام لوحة جديدة يرغب في رسم بضعة أفكار في عقله ليس لديه خارطة أو واجهة حقيقة...
فقط يرغب في التعبير عن أشياء كثيرة تدور في عقله...
كانت الإضاءة خافتة وهادئة وهناك موسيقى ناعمة تدور من هاتفه....وحوله كان هناك مشغولات صنعها بنفسه لأنه يمارس فن النحت الذي برع فيه مؤخرًا...
كان عاريًا الصدر...
لا يشعر بالبرد..
حتى في أشد أوقاته..
لا يدري هل هذا يعود إلى مكوثه سنوات عديدة في الأجواء والبلدان الغربية أم ماذا!!
لم يكن الوشم في ذراعه فقط!!
بل هناك عدة أوشام على ظهره..
لكل واحد معنى ورغبة منه أن يعبر عن شيء...
كل واحد يحمل قصة، رسم كل واحد منه بنفسه على ورق حتى يقوم بتنفيذه المسؤول عن ذلك...
أعلى الظهر كان هناك طائر يخرج من زجاجة مكسورة، جناحه الأيمن سليم، والأيسر متشقق، كان يرمز وقتها إلى روحه التي تحاول الطيران رغم القيود القديمة ووالده المتحفظ والملتزم نوعًا ما في نظره...
العادات بالنسبة له كان شيئًا مقدسًا بشكل يغضبه..
في منتصف ظهره...
كانت هناك عين بشرية مفتوحة ترى من خلف أسلاك شائكة، تحيطها ظلال خفيفة لوجه ذائب، تمثل الوعي الذي بدأ يرى الحقيقة بعد أن سقط قناع الحرية الزائفة كان يرغب في أن يعبر وقتها في نظره عن تحرر بعض المفاهيم في رأسه...
في نهاية ظهره
سلاسل مقطوعة، لكن ظلها على الأرض ما زال متصلًا كان يرغب في أن يرمز بها أن القيود الحقيقية داخل النفس وليست في الواقع وبجوارها هناك جملة مكتوبة باللغة العربية...
.."غبت وبقى قلبي يحلق"...
مكتوبة بخط رقعة...
كان هذا أخر وشم قام به منذ ست سنوات....
كان كل وشم بالنسبة له تحرر وفكرة، كان هو الابن الذي لم يسمع إلى حديث ورغبات والده يومًا...
كان دومًا يرغب في الحرية..
حرية صنعها عقله وفي كل وشم كان يصنعه يؤكدها لنفسه وكأن بذلك قد يطبع على جسده طوال عمره بأنه حرًا وسوف يتبع العديد من الأفكار التي لم يوافق عليها عائلته وبالاخص والده....
يرغب في أن يمارس فنه، يعيش كما يريد!!
لكنه عاد منذ أربع سنوات حينما اشتد مرض والده، عاد وظل جالسًا معه في تلك الشقة التي يجلس فيها الآن حتى أخر يوم في حياته يقوم برعايته مع شقيقه الأكبر والوحيد.....الكاتب المشهور "خالد المغربي" الذي يكبره بتسع سنوات والمفضل عند والده الذي كان دومًا يتبع العادات والتقاليد.
فقدانها ثم فقدان والده أثر به بشكل عميق جعله يعيد الكثير من حساباته....
يغرق في تفكيره..
يحاول طرد بضعة أشياء في حياته كانت تزعج والده وكان محقًا بها لكنه وقتها لم يفكر سوى بأنه شاب يرغب في التسليم إلى أفكار مجنونة ومتهورة....
تنحنح خالد..
فهو يقطن معه في البناية ذاتها ومعه مفتاح الشقة ورن الجرس طويلًا لكن كالعادة لم يسمعه شقيقه...
-إيه مفيش فايدة، واضح أن مفيش مرة هتسمع الجرس..
التفت له ثم ابتسم مغمغمًا:
-ما أنتَ معاك المفتاح ادخل علطول كل مرة بقولك كده...
تمتم خالد بنبرة جادة وهو يراقب ظهر شقيقه وهذا الكم الهائل من الرسومات الموجودة عليه:
-يلا علشان يمنى خلصت الغداء، يلا نتغدى مع بعض يا حــمــزة وبلاش تقول لا.....
______يتبع______
لو وصلتم لغايت هنا دمتم بألف خير...
ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله..
متنسوش الفوت والكومنت فضلا❤️❤️🫡
بوتو يحبكم❤️❤️❤️
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا