رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل الحادي والخمسون 51بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل الحادي والخمسون 51بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
الفصل الحادي والخمسون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
أريد البقاءَ مَعك
مَهما كانت الخلافات
والحواجز كُل العناء
يهونَ برفقتُك
كُل الأحزان تنتهيَ
بَـ مُجرد فكرة
أنك هنا بَجانبي
#مقتبسة
"لا يوجد سوى
احتمال واحد ليصبح هذا العالم
صالحاً للعيش
وهو سماع صوتك الآن"
#مقتبسة
"وَجدتُ قلبَك غَافِلًا فَسرقْتُهُ
والسَّطو بَينَ العاشِقينَ حَلالُ"
#مقتبسة
فصل اللقاء و الدهشة, فصل الغيرة و اللهفة, فصل لوعة الفراق, فصل روعة النسيان.. إنّها رباعيّة الحبّ الأبديّة بربيعها و صيفها و خريفها و أعاصير شتائها.
"احلام مستغانمي"
______________
من هول الصدمة التي باغتتها!!
ظن "أحمد" بأن أحلام على وشك أن تفقد وعيها..
كأنها فقدت قدرتها على الحديث..
لم تكن الكلمات تسعفها أبدًا للتفوه بحرفٍ واحد...
بعد وقت كبير من الصدمة..
الذي حاول "أحمد" أن يخرجها منها، كانت أحلام تسأله في حالة من الهذيان الغريب الذي انتابتها..
تساله هل ما يقوله صحيحًا؟!..
كأنها ترغب في أن يكذب ما قاله..
أن يكون هذا هراء لا أكثر....
سألت هذا السؤال أكثر من عشر مرات تقريبًا وفي كل مرة كانت تجد منه نفس الإجابة...كان رده أنه يؤكد صحة حديثه ولم تجد في عيناه أو طريقة حديثه، أي شيء قد يدل على أنه يمزح معها..
طلب لها "أحمد" عصير الليمون الطازج عله يهدئ من روعها، ويخفف من ارتجافها، ووضعه أمامها برفقٍ ثم جلس على المقعد المقابل لمقعدها بدلًا من أن يترأس مكتبه...
هتفت أحلام وكأنها مازالت مستمرة في الهذيان:
-مش هسيبها، والله ما هسيبها، بقا تستغفلني أنا؟؟ تعمل كده معايا أنا؟؟؟ ده أنا كنت بحكي ليها كل كبيرة وصغيرة تخص علاقتنا، دي كانت صاحبتي لمدة سنين، هي أقرب صاحبة ليا!!!
تمتم أحمد بدهشة مصطنعة:
-صاحبتك؟؟؟.
كانت تخرج غضبها بانفعال كبير وهي ترد عليه، لولا أنه يعرف أساس الموضوع لكان اتعاطف معها:
-ايوة، جواد للدرجة دي قاصد يضايقني؟؟ طب دي واحدة حقيرة خانتني، ازاي هو يفكر أنه يعمل كده؟؟؟؟؟؟؟ ملقاش طريقة تانية يوجعني ويكسرني بيها وينتقم مني؛ إلا أنه يفكر يتجوز صاحبتي؟؟؟...
قال أحمد ببساطة، يجاريها في الدور التي ترغب في تقمصه، وهو أن تكون المرأة المخذولة من الرجل التي عشقته وصديقة وثقت بها:
-مش عارف بصراحة، بس هو شكله بيحبها مش زي ما أنتِ متخيلة!!..
شهقت أحلام وكزت على أسنانها بانفعال فهو يضع الملح على جرحها، يؤلمها ويجرحها:
-بيحبها!!
ثم أسترسلت حديثها بنبرة سوداء:
-والله ما هسيبها، هفضحها؛ هوريها اللي عمرها ما شافته، وأنا اللي فاكراها غلبانة وطيبة واتظلمت!!، طلعت بتخطط، مش بعيد تكون كل حاجة متخططة من الأول من ساعة ما كانت متجوزة وأنا بحكيلها عنه، يمكن حلي في عينيها؛ والله ما هسيبها؛ أنا هعرفها مين هي أحلام....
علق أحمد على حديثها بنبرة تحمل من الهدوء بقدر ما تحمل الغموض:
-هتستفادي إيه؟!..
كررت سؤاله بسخرية لاذعة وغضب كبير:
-هستفاد إيه يعني إيه؟؟ هو أنا المفروض اسيبها تأخده مني؟؟؟ اسيبها تعمل فيا كده؟؟؟؟ ليه ان شاء الله؟؟...
قال أحمد بنبرة جافة حيث تبدلت نبرته مرة واحدة؛ واختفى اللين الذي يستعمله منذ قدومها إلى عنده:
-معتقدش جواد عيل صغير في واحدة بتجيبه وواحدة بتمشيه؛ وأنتِ اللي عملتي كده في نفسك من البداية لما فضلتي تماطلي في موضوع جوازكم، الموضوع مش مستاهل كل اللي بتعمليه، لأنه هيجي عليكي أنتِ في الآخر مش عليها ولا عليه..
سألته "أحلام" بعدم فهم وهي تنظر له نظرة حائرة وتائهة في الوقت ذاته:
-يعني إيه؟؟ يعني هي تأخده مني وتقولي أن كل ده هيجي عليا؟؟ ازاي ده؟؟..
تحدث أحمد بواقعية وكلمات يقصد بها أن يجرحها بها:
-يعني في النهاية كلكم من منطقة واحدة وأعتقد أنتِ عارفة هيتقال عليكي إيه؟! واحدة غيرانة منها مش أكتر؛ في النهاية هو ولا كان جوزك ولا كان خطيبك، أنتِ كنتي ماشية معاه من الآخر، الناس هتقول عليكي أنتِ كل حاجة ممكن تتخيلها، وكلام معتقدش هتحبي تسمعيه، في النهاية هيشوفوا مين اللي دخل بيتها..
أبتلعت ريقها بصعوبة وتوتر سألته بنبرة هشة:
-أنتَ قصدك إيه؟؟.
رد عليها أحمد بنبرة سريعة ودهاء كبير:
-مش قصدي حاجة، مش أنا اللي بقول كده أكيد ولا أنا اللي أفكر بالطريقة دي، أنا بقولك الناس هتقول عليكي إيه لو فكرتي تعملي حاجة يعني أنا خايف عليكي!!..
رغم أن حديثه هزها، إلا أنها رغبت في إظهار العكس وهي تخبره:
-أنا ميهمنيش حد...
تمتم أحمد بنبرة جادة ورزينة مستمرًا في تهديدها بطريقة لطيفة نوعًا ما:
-لو مش هامك الناس وكلامهم، المفروض تخافي على نفسك؛ جواد مش قليل، وأنتِ أكتر حد عارفة مركزه، ومعتقدش أنه هيفضل صابر عليكي، خصوصًا لو عملتي مشكلة، مفيش حد بيفضل هادي وطيب طول الوقت، في النهاية هيجي وقت وينفجر وممكن يضرك حتى في شغلك، جواد علاقاته كتير وواسعة جدًا، أكبر من اللي في خيالك، فـ بلاش تخليه يحطك في دماغه...
بدأت أحلام تشعر بالقلق لأول مرة وهي تقول بعتاب واضح واعتراض:
-يعني أنتَ بتهددني؟؟ ولا يمكن قاصد تخوفني وهو اللي باعتك..
أسند أحمد ظهره إلى المقعد في هدوء، وعيناه تراقبان ارتباكها ببرود محسوب ثم ابتسم ابتسامة بالكاد تُرى، وقال يُلقي بحقائق لا جدال فيها:
- أنا محدش باعتني، وعيب تقولي كده، كل الحماية شخص واقعي، وحابب أساعدك تفكري وتحسبيها صح، جواد مش هيبصلك، لا في وجودها ولا في غيابها، فكري في مستقبلك أحسن..
توقّف لحظة، وكأنه يمنحها وقتًا لهضم كلماته، قبل أن يضيف ببرود:
– وبعدين، ده أنا حتى جبتلك شغل في مستشفى ******* أكيد سمعتي عنها.
كان صوته خالٍ من الانفعال...
وكلماته تدخل عقلها كالسهم المسموم وهو يدرك احتياجها الكبير إلى عمل في الوقت الحالي..
ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة يحذرها من التمادي:
-بس لو عملتي أي نوع من المشاكل وجواد عرف أو قالي حاجة عنك، وقتها حتى أنا مش هقدر اشغلك في حتة، وللأسف مش هقدر أساعدك وقتها؛ لأني مش هقدر أخسر جواد، حاولي تحسبيها صح علشان تطلعي كسبانة من الموضوع ده بدل ما تطلعي خسرانة كل حاجة.....
____________
أرسلت له الموافقة..
لا تدري هل كانت خطوة صائبة أم لا؟!.
هل كان من الصحيح أن توافق على رجل كانت في حياته أمرأة في وقتٍ ما كانت قريبة منها؟.
كما أنه هناك أيضًا العديد من الفروق بينهما..
غير أنها أم لـ طفلين...
مازالت تجهل ردة فعل طليقها إذا علم؟؟..
هي اتبعت قلبها ولم تفكر في العواقب جيدًا..
تنهدت وأخذت تسخن الطعام، حينما اتصل دياب بوالدته أخبرها بأنه قادم...
كانت إيناس قلقة من رد فعل دياب لكنها على الأقل ليست متخوفة منه اليوم..
مازال هناك وقت حتى يتصل به جواد...
هي لتوها أرسلت له الرسالة منذ ساعات قليلة....
جاء دياب فتناول الجميع الطعام...
بصمت يشبه ما يصاحبهم كل يوم...
ما عدا تذمر الأطفال مع والدتهما في بعض الأمور...
طلب "دياب" من شقيقته إيناس أن تحضر له الشاي إلى حجرة والدته، وبالفعل بعد ثواني دخلت الحجرة وهي تحمل الشاي له ولأمها...
كانت حُسنية تجلس بجواره على الفراش فظنت إيناس بأن الأمر طبيعيًا جدًا، لكن دق ناقوس الخطر في قلبها حينما سمعت دياب يقول:
-اقفلي الباب وراكي، وتعالى علشان نتكلم، في وجود أمك....
أغلقت إيناس الباب بتردد ثم تقدمت ووقفت أمامهما في الحجرة الصغيرة متمتمة بارتباك:
-في حاجة، ولا إيه؟!.
ابتسم ساخرًا ثم علق دياب على حديثها تعليق غامض وهو يستهزئ بها:
-غريبة!!!، عاملة نفسك مش عارفة أي حاجة ليه كده؟! مع أن المفروض تكوني عارفة..
لم تكن حُسنية تعلم بأن ابنتها أرسلت الرقم إلى جواد، فهي لم تتحدث معها في أي شيء بعدما أرشدتها إلى أمر الاستخارة:
-في إيه يا ابني؟! ما تقول اللي عندك؟!!.
رد دياب على حديث والدته وهو لا يحيد ببصره عن إيناس:
-جواد عز الدين، أو نقول الدكتور جواد؛ اتصل بيا، مكنتش فاهم هو مين ولا اتصل بيا ليه!!!، بس في الآخر فهمت أنه بيتقدم لبنتك وخد رقمي منها، وافتكرته هو جه مرة مع الدكتور لما كنتي محجوزة في المستشفى......
وقع الخبر على إيناس كالصاعقة كأنها تسمعه للمرة الأولى!!!
لم تصدق بأنه في اليوم ذاته سوف يتصل به!!!!!!
هتفت حُسنية تدافع عن ابنتها حتى تمنع حدوث أي توتر بينهما:
-وإيه المشكلة؟ اختك حكت ليا، وهي معملتش حاجة غلط، ومشيت تبع الأصول اديته رقمك علشان يكلمك، وأنا اللي قولتلها تعمل كده...
سألها دياب بذهول:
-أنتِ كنتي عارفة؟!.
هزت حُسنية رأسها بإيجاب ثم أردفت:
-اه كنت عارفة وإيه المشكلة يعني؟!..
كان رد دياب منطقيًا وحاسمًا:
-معنى أنه هي اديته الرقم؛ أنها موافقة....
كانت إيناس كالصنم تسمع فقط لكنها لا تشارك في الحوار...
أردفت حُسنية بنبرة أمومية وحنونة:
-اه موافقة يدخل البيت من بابه وساعتها نقرر هو عاجبنا ولا لا؟؟؟ دي الأصول يا دياب..
تحدث دياب وكأنه سوف يجعل والدته تعرف معلومة جديدة:
-بما أنك بتتكلمي وبتدافعي أوي كده، حضرتك تعرفي علاقته بـ أحلام، قالتلك ولا لا؟؟؟؟؟؟؟..
ضيقت إيناس عيناها وهنا تدخلت في الحوار قائلة:
-هو قالك عليها؟؟.
تمتم دياب بنبرة جادة وإيجاز لمكالمة طويلة كان في الغالب يتخذ فيها وضعية المستمع:
-هو قالي كل حاجة تقريبًا حسب كلامه، وقال أنه عايز يكون صريح معايا علشان ميحصلش أي مشاكل في المستقبل، لو دخل بيتنا...
قالت حُسنية ببساطة:
-عادي بتحصل، والجواز قسمة ونصيب؛ محدش عارف نصيبه فين؛ والراجل معملش حاجة غلط
شعر دياب بالضيق من دفاع والدته الشديد ثم حاول الحديث بجدية ونبرة منطقية:
-بصوا من الآخر، أنا ولا اشتريت ولا بيعت من كلامه، دخلته عليا حلوة، بس ليها أكتر من سيناريو؛ أولها أنه فعلا صادق في كلامه، والثاني أنه بيخطط لحاجة؛ والتالت أن الموضوع غريب ومش مريح، لكن مع ذلك أنا اديته ميعاد يجي فيه يقعد ونسمعه ويتكلم قصادنا.....
ثم ابتلع ريقه وقال موجهًا حديثه إلى إيناس:
-أنتِ مبقتيش صغيرة، في عز ما كنتي صغيرة ابوكي جوزك اللي اخترتيه، واللي قولتي عليه ماشي؛ مش بعد السنين دي كلها هاجي أنا أقول على حد أه أو لا، خصوصًا أن دي مش أول جوازة ولا بقيتي عيلة صغيرة، بقيتي أم لعيلين فأنتِ أدري بمصلحتك، أحنا لما نقعد معاه ونفهم أكتر ونسأل وقتها هنقول رأينا وشوفي أنتِ ساعتها هتعوزي إيه...
سكت بعدها ولم يتفوه بشيء...
كان حديثه غريبًا..
رغم أنه يترك لها حرية القرار والاختيار..
إلا أن رد فعل هكذا بسيطًا لم يكن متوقعًا من دياب أبدًا.........
لكنها لم تكن تدرك بأن هذا الهدوء نوعًا ما الذي يتحدث به لم يصل إليه بسهولة، بل بعد ساعات من الغليان والحديث معها.........
بعد مكالمة طويلة له مع ريناد أخبرها بما حدث فيها، وقتها نصحته بالتريث، وأن يفهم الأمر أولا قبل ان يصدر حكم أو يحدث شجار من لا شيء، وأن يدخل في مواجهة مجهولة النتائج من دون دراسة الوضع..
كانت هي أول شخص أتى على عقله وقلبه بأن يحدثه حتى يهدأ من أعصابه وقد نجحت بامتياز، وعقلانية لم يدرك بأنها تتسم بها، هو فقط كان قلبه من وجهه نحوهها....
أنهى دياب حديثه ثم ولج إلى الحجرة الأخرى التي كانت حجرته سابقًا والآن تخص شقيقته وأطفالها، وجد جواد نائمًا، فاستلقى بجواره، حتي يستريح جسده ويفصل عقله قليلًا...
"في الخارج"
علمت حور ما حدث..
صمتت ولم تعلق إلا بأنها سوف تبحث عن فستان لايناس من أجل الموعد القادم؛ سوف تفتش على المواقع المختلفة، كانت هي في عالمها بينما والدتها وايناس التي تحتضن طفلتها في عالم أخر تمامًا...
ظل الجميع جالسًا في حجرة المعيشة صوت التلفاز عاليًا لكن لا ينتبه له أحد في الواقع....
بدأ الجميع ينتبه حينما صدع صوت رنين الجرس...
نهضت إيناس بعدما وضعت فوق رأسها الخِمار المنزلي الذي كان يتواجد بجوارها، فتحت الباب لتجد أمامها أحلام بأعين حمراء وغاضبة إلى أقصى حد..
تحدثت أحلام هازئة:
-ازيك يا عروسة عاملة إيه؟؟؟؟...
من أين عرفت أحلام؟؟!!!
كان هذا السؤال الذي يخطر على بال الجميع....
نهضت حُسنية من مكانها مغمغمة بثبات ورزانة:
-تعالي يا بنتي ادخلي..
ردت عليها أحلام بوقاحة وغضب كبير:
-لا يا طنط معلش مش عايزة أضايف ولا اتعب حضرتك، أنا بس جاية أقول كلمتين محشورين في زوري من ساعة ما كنت في مكتب المحامي اللي ماسك قضية صاحبتي، صاحبتي اللي بينا عيش وملح، صاحبتي اللي كنت بروح لغايت بيتها اشوفها واطمن عليها في عز ما كانت لوحدها، لكنها مصانتش كل ده...
ردت عليها إيناس بنبرة مرتبكة لكنها لم تقل عنها غصبًا:
-بلاش يا أحلام تحكي قصة وتأليفها، من دماغك، أنا....
قاطعتها أحلام بانفعال وهي ترفع صوتها:
-اخرسي أحسن؛ أنتِ مصونتيش أي حاجة ما بينا، روحتي تلفي على الراجل وبكل بجاحة سايباني أحاول ارجعله وأنتِ بتلفي وتدوري حواليه!!!!، وأنا اللي كنت زي الهبلة احكي ليكي كل حاجة وتقوليلي أبعد عنه، وأنتِ عينك عليه من الأول خالص وبتخططي، الله أعلم كنتي بتخططي من امته....
هنا لم تتحمل حور الصمت...
فصرخت في وجهها بانفعال وهي تقترب منهما:
-هو احنا سكتناله دخل بحماره ولا إيه؟؟! احترمي نفسك يا أحلام أحسنلك، إيناس دي اللي اختارها يدخل بيتها ممشتش وراه من ورا أهلها يا حبيبتي، وده رد بسيط أوي من اللي معبياه منك وهتكتري عن كده هقل منك.....
سمعوا صوت دياب الجهوري وهو يصيح ويبعد شقيقتيه من عند الباب هاتفًا:
-صوتك عالي ليه على باب بيتنا يا أحلام؟!..
أردفت أحلام بقوة:
-صوتي عالي من اللي عملته اختك يا دياب، جواد ده كان.....
قاطعها دياب بشراسة وهو يستكمل الإجابة:
-كان طالب يتجوزك، بس واضح أن ملكيش في الحلال، راح كرفك ودلوقتي داخل بيتنا يطلب إيد إيناس واحنا ولا قولنا اه ولا قولنا لا، إيه مشكلة جنابك علشان تيجي قدام بيتنا تتكلمي بالطريقة دي وتزعقي؟..
هتفت أحلام بذهول:
-وأنتَ عارف كل حاجة كده؟؟ وشايف أن ده عادي؟؟ هي دي الأصول والرجولة يا دياب؟؟؟
هدر دياب بقوة وانفعال:
-لولا إني راجل وإني عامل حساب لغايت أخر لحظة لاخوكي كان هيكون ليا كلام تاني، اخوكي اللي سرقتيه وجاية تتكلمي معانا عن الأصول وتدينا دروس في الأخلاق كمان!!!..
أتسعت عيناها..
لم تتخيل ما تسمعه منه..
ختم دياب حديثه لا يدع لها حتى وقت حتى تهضم ما تسمع:
-أنتِ واقفة على عتبة بيتنا يا تيجي وتحترمي أهل البيت اللي فيه وتتعلمي تتكلمي بأدب، يا متوريناش وشك من أصله، ودي أخر مرة هتكلم معاكي براحة كده، لو كترتي في الكلام هوريكي اللي عمرك ما شوفتيه، عند أهل بيتي تحطي خط أحمر، و عن إذنك ولا نورتينا ولا شرفتينا...
ثم أغلق الباب في وجهها تاركًا أياها تبتلع صدمتها والحرج الكبير الذي أصابها..
يبدو أن أحمد كان محقًا........
__________
في المساء.....
يجلس زهران في مكانه المفضل بجوار جزارة خطاب؛ تسير أمامه السيارات، والبائعين المتجولين، صوت سن السكاكين وتقطيع اللحم نغمة خاصة تعزف على أذنيه....
كان خرطوم الأرجيلة بين يديه، أما عن ملامحه كانت عابسة على غير العادة؛ بالفعل هناك العديد من الأسباب لذلك...
لــكــن هناك سببًا جديدًا أنضم إليها........
هبط نضال من المنزل الذي يقابل الجزارة؛ ليقوم بمقابلة دياب لكنه مر على أبيه ليلقي عليه السلام أولًا قبل أن يرحل......
أقترب منه نضال مغمغمًا:
-إيه الأخبار؟.
رد عليه زهران باقتضاب بعدما سحب نفسًا من أرجيلته:
-تمام.
جلس نضال على المقعد الفارغ متحدثًا وهو ينظر إليه باستغراب:
-مالك، في حاجة حصلت ولا إيه؟؟؟..
قال زهران متحسرًا:
-هو لو في حاجة محصلتش تعكنن عليا ميبقاش ده يوم طبيعي في حياتي!!..
لاح القلق على ملامح نضال، ثم تحدث بنبرة متحفزة:
-ما تفهمني حصل إيه طيب؟ هو أنا لازم أسال السؤال عشر مرات علشان أخد الاجابة اللي المفروض اخدها منك..
نظر له زهران باستنكار أولًا لعدة لحظات ثم أخبره بما حدث بحدة، بعدما ترك خرطوم الأرجيلة ووضعه على الطاولة بحرصٍ ورفقٍ غريب رغم انفعاله:
-رشدي باع العمارة.
كان يتحدث عن العمارة التي تتواجد مقابل الجزارة، تبتعد عنها بمسافة بسيطة تفصل بينهما بنائين فقط، لكن من يقف في شرفة تلك البناية قد يستطيع رؤية الجزارة ومنزل خطاب بشكل واضح....
فهم نضال انزعاج أبيه، فهو شغوف في الإستثمار في العقارات بشكل عام، تحديدًا في شارع خطاب الذي نادرًا ما تتواجد فيه فرصة...
وقتها يكون أول اللاحقين بها، حيث تمتلك عائلة خطاب ثلاثة عمائر في هذا الشارع...
منهم البناية التي تسكن فيها العائلة.....
أسترسل زهران حديثه بانزعاج جلي:
-باعها من غير ما يقول ليا ولا يعرضها عليا حتى تخيل!!!!! هو أصلا معرضهاش للبيع، وتحتها محلين كبار، كان ممكن الواحد يعمل بيهم أي حاجة، دول يجيبوا دهب أصلا لو اتأجروا..
سأله نضال بعفوية وفضول:
-باعها لمين؟؟ حد نعرفه؟؟..
هتف زهران ساخرًا و متعجبًا:
-ياريت كان باعها لحد نعرفه، لكن ده باعها لحد منعرفهوش، قال إيه راجل من الفيوم!!!، إيه اللي خلاه يشطح كده مش فاهم؟؟؟؟ وجابه منين مش عارف أنا بصراحة؟!!!...
جاء دياب من بعيد يسير نحوهما والسيجارة بين يديه، يتأخذ حريته عند الهبوط من المنزل، بسبب ابناء شقيقته فهو لا يأخذ راحته في التدخين في الأعلى....
-السلام عليكم..
رفع زهران بصره ثم نظر إلى دياب وتلقائيا ألقى دياب السيجارة أرضًا ثم دعس عليها، هنا ابتسم له زهران كونه تعلم الدرس..
فأخذ خرطوم الأرجيلة وسحب نفس منه، ثم نادى على أحد الشباب أن يأتي بمقعد وقهوة من أجل دياب...
أخبرهم دياب بأن هناك رجل تقدم للزواج واتصل به بشأن إيناس، وأنه أعطاه موعد وختم نهاية حديثه:
-جوز خالتو هيجي، وملناش حد تاني اجيبه في القاعدة ومش حابب أكون لوحدي فيها، ما تيجي يا عم زهران؟!...
تمتم زهران بصلف لا يليق إلا به:
-اتحايل عليا شوية..
نظر له دياب ساخرًا، مما جعل زهران يتحدث بنبرة حنونة:
-أنا جاي كده كده، إيناس زي بنتي ولازم أكون موجود في قعدة زي دي، أصلا مينفعش قعدة جواز أو اتفاق تتم من غير المعلم في المجال!!!...
ضحك دياب رغمًا عنه تحت نظرات نضال المستمتعة بالحوار رغمًا عنه....
ولأن اللحظات السعيدة قصيرة...
رحل دياب ونضال إلى مكان عملهما الجديد، بينما زهران صعد إلى المنزل حتى يطمئن على وفاء..
فهي كانت تشعر بالتعب الطفيف في بداية اليوم لكنه يقلق عليها...
جلس بجوارها في الفراش مغمغمًا بحنان أبوي:
-إيه يا وفاء بقيتي أحسن يا حبيبتي؟؟.
-اه الحمدلله يا بابا..
تمتم زهران بنبرة عادية:
-بقالك فترة أحوالك مش عجباني يا بنتي ما تيجي نروح نكشف...
بالفعل هي ليست بخير..
منذ ما حدث مع سامية، لا تصدق بأنها كان من الممكن أن تكون مكانها!!!
الأمر مؤلم إلى أبعد حد.....
شعرت بالشجاعة أو أن هذا هو وقت الاعتراف، لم يعد هناك داعي للكذب، انتهى كل شيء....
قالت وفاء من دون مقدمات..
حتى من دون أن ترد على أسئلته....
-بابا في حاجة محتاجة أقول لحضرتك عليها...
تمتم زهران بنبرة هادئة:
-قولي يا حبيبتي أنا سامعك.
أردفت وفاء بتردد:
-هتسمعني للآخر من غير ما تحكم عليا؟؟...
بدأ القلق والشك يتسللان إلى قلبه لكنه بالرغم من ذلك أعطاها الأمان وهو يخبرها:
-طبعا، اتكلمي وقولي في إيه؟؟..
قصت له وفاء كل شيء دفعة واحدة...
أفرغت حمل كبير حملته في صدرها منذ أشهر طويلة، وللحق لم يقاطعها زهران بل أخرج من جيب جلبابه حبة الضغط يتناولها بكوب المياة الذي يتواجد على الكومود الموجود بجوار فراشها....
كان يحاول السيطرة على أعصابه، ودمه الذي بدأ في الغليان.....
غمغمت وفاء في نهاية حديثها تحاول الدفاع عن نفسها وتخبره بمشاعر حقيقة:
-والله العظيم أنا لما جيت وشوفته من أول مرة كنت عايزة اقولكم كل حاجة بس خوفت، خوفت أكون بعمل مشكلة ليكم وأنتم لسه متعرفونيش ولا أنا اعرفكم كويس، خوفت أول انطباع تأخدوه عني إني جاية أخرب على سامية وأعمل مشكلة حتى لو كنت صاحبة حق، وخوفت محدش يصدقني..
طال صمت زهران مما جعلها تتحدث بقلق وارتباك:
-بابا!!
تمتم زهران بنبرة جادة إلى أقصى حد رغم غضبه الشديد من هذا الوغد الذي فعل هذا بـفتيات عائلته:
-الموضوع ده تنسيه يا وفاء، انسيه كأنه محصلش؛ صفحة واتقفلت من حياتك، ولا تقولي قدام سامية وامها حاجة، ولا قدام اخواتك، حمزة الـ*** ده هيتسجن، موضوعك ولا هيقدم ولا هيأخر دلوقتي غير أنه هيحط ملح على الجرح، الحمدلله أننا خلصنا منه..
-هو هيتسجن فعلا؟؟.
رد عليها زهران يشرح لها الوضع القانوني ما فهمه من المحامي:
-اه المحامي قالي كده، ياريت كان ينفع له إعدام بس للأسف مينفعش، وكمان موقفه وحش في القضية من ساعة ما اخته بلغت وأدت افادتها، وهي بقا معاها رسايل وأكثر من دليل أنه كان بيهددها موقفه بقا أوحش لأن الموضوع دخل في ابتزاز وقصص تانية، غير القرض لأنه مش عارف يعمل تسوية مع البنك...
-ده بني ادم مش طبيعي، لو مكنتش شوفت بعيني حقارته واللي عمله مع سامية؛ عمري ما كنت اتخيل أن في بني ادم يوصل بيه القذارة لكده..
تمتم زهران بصوتٍ هادئ:
-لسه الدنيا ياما هتعلمك وياما هتشوفي؛ وفي وسط كل الأخبار دي لسه في خبر حلو، المحامي قالي موضوع الجامعة خلاص بيتحل وهتكملي دراسة في بداية السنة ان شاء الله جهزي نفسم للجامعة علشان السنة خلال اقل من شهر والدراسة هتبدأ..
انقضت عليه وفاء تحتضنه لا تصدق بأن الأمر قد تم حله، فهي منذ أيام استلمت هويتها الجديدة والآن سوف تعود إلى دراستها الجامعية..
احتضنها زهران بحب كبير.....
_____________
في اليوم التالي...
كانت الأيام تمر ببطئ عليها...
ثقيلة ومُهلكة على أعصابها...
لم يحاول "نضال" أن يصالحها......
كما لم تفعل هي..
منذ ذلك اليوم الذي قام بكسر باب الشقة فيه بعدها جاء زهران بالرجل حتى يقوم بتصليحه...
من وقتها...
ظل الصمت حليفهما..
وخيم عليهما..
كان كلاهما يتجنب الأخر..
كلاهما يعيد توازنه ويراجع حساباته...
يحاول أن يعرف ما ذنبه؟!..
ومع ذلك كل الأمور العقلانية والمراحل التي يمر كل شخص بها، الشوق كان كبيرًا..
عظيمًا جدًا أن يُحتمل...
كلاهما يحاول أن يتحكم فيه لكنه يقتله ويفتك به كل ليلة...والطرف الأخر لا يعلم عنها شيئًا.
استيقظت "سلمى" من نومها في الصباح الباكر اليوم، أدت فرضها أولًا ثم انشغلت بترتيب المنزل، وأعدت فطور صحي وبسيط لها، اليوم لن تذهب إلى العمل، هو يوم إجازتها الأسبوعية..
اتصل بها خالها، فشعرت بالدهشة ليس لأنه يتصل بها، هو يفعل هذا كل يوم تقريبًا...
لكن ليس مبكرًا إلى تلك الدرجة...
أجابت عليه في كل الأحوال:
-الو، السلام عليكم.
جاءها صوته المتحفز:
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، إيه الأخبار؟!".
-تمام، الحمدلله.
"تمام!!".
لم تفهم استنكاره لكنها فهمت حينما أسترسل حديثه بعتاب شديد ونبرة حادة:
"أنا كل يوم بـكلمك يا سلمى، ومقولتيش اللي حصل مع نضال يعني، لازم أعرف منه هو؟!".
كانت نبرتها عجيبة وغريبة، غير مفهومة وهي تسأله بتردد:
-هو نضال كلمك؟!..
"والله أنا كبيرك اللي المفروض يكلمه لما يحصل حاجة، وكان أصلا المفروض أعرف اللي حصل منك أنتِ قبل ما هو يعمل كده، مش يكلمني وأنا أكون زي الأطرش في الزفة".
قالت سلمى تكذب على روحها قبل أن يكون عليه فإذا كان الأمر عاديًا، لماذا النوم يتطاير من عيناها طوال الليالي الماضية؟؟
لماذا تتألم بهذا الشكل؟!!..
-الموضوع عادي، خناقة واحنا بنتخانق كتير؛ وبنرجع نتصالح، وأنا محبتش أقلقك..
"اللي فهمته أن الموضوع مش عادي، بصي نضال محكاش تفاصيل لكن اللي فهمته أن بنت عمه عندها مشكلة مع جوزها، وأنه يدخل فيها ده شيء طبيعي، والمفروض أنتِ أكبر وأعقل من إني أفهمك في الأصول"..
تنهدت سلمى تنهيدة قصيرة تحاول كبح أنفعالها وهي تخبره:
-بس هو غلط فيا وأنا كنت خايفة عليه..
"مينفعش تخيريه بينك وبين أنه بيحل مشكلة بنت عمه، وأنتِ عارفة من الأول موضوعه مع سامية أنه خلاص خلص من قبل ما يتقدم ليكي، بس هي قريبته، ولازم يدخل ليه بقا القفشة دي كلها؟ وسايبة اختك لوحدها كمان"..
قالت سلمى مدافعة عن حالها:
-أنا بروح ليها يوميًا وبعمل ليها كل حاجة ولما برجع من البيت بفضل أكلمها لغايت ما تنام يعني مش سايباها، وبعدين أنا من حقي أغير عليه، مش من حقي اتفرج تحت أي مسمى وهو رايح يدافع عن قريبته حتى لو معاه حق، أنا مش بني ادمة ومش ليا مشاعر؟!..
"ليكي بس كان كل حاجة ليها وقت تتكلمي فيه، مينفعش تكوني مع الراجل ند بـ ند في مواقف معينة، نضال جوزك والمفروض بعد مدة قصيرة هتكونوا خلاص مع بعض في بيت واحد، لازم تفهمي ازاي تتعاملي جوزك، وامته تتكلمي وتعترضي، وامته لا".
رُبما هو محقًا.
لكنها لم تتربى على تلك الطريقة...
ليس شيئًا طبيعيًا بالنسبة لها أن تتنازل....
قد يجده البعض شيئًا تافهًا..
لكن غياب الأب بطريقة تشبه غياب والدها..
قد لا تتعافي منه بسهولة..
يظهر هذا الشيء وينعكس بطرق تختلف من شخص لأخر....
أسترسل خالها حديثه بنبرة متعبة:
"سلمى لو مش قادرة تكوني زوجة وتظبطي الدنيا، سيبيه أحسن، علشان متبقيش ضيعتي من عمرك وقت أكتر من كده، اهو قضاء أخف من قضاء، أحسن ما تتربطوا بعيل، أو جوازة أختك تتأثر بيكم"..
بكت سلمى ثم أخذت تخبر خالها الحبيب وأكثر من يفهمها بما يتواجد بداخلها:
-أنا بحب نضال، وبحاول اتغير، وعارفة أنه كان صح بس هو جرحني؛ أنا معاه بحاول أكون واحدة تانية، اه ساعات بخرب الدنيا واسلوبي بيكون وحش لكن أنا اتغيرت في حاجات كتير والله، بحاول اتخطى كل حاجة، لكن أنا الرفض بيوجعني ده قالي الباب يفوت جمل، وأنا مش عايزة اترفض تاني من راجل أنا بحبه..
لن تنكر أنها كانت في طفولتها ومراهقتها تحب والدها، كأي فتاة...
من المتعارف عليه أن الفتاة تكون حبيبة والدها، وقد تغار عليه في بعض الأحيان أكثر من زوجته، علاقة معقدة لكنها جميلة...
انكسرت سلمى كما انكسرت والدتها..
في النهاية والدتها خسرت زوج لكنها خسرت أب وحياة بأكملها، تم رفضها هي وأمها وشقيقتها؛ اختار والدها مئات المرات العديد من الأشياء بدلًا منهن...
انتظرت والدها طويلًا أن يعود نادمًا لكنه لم يعود...
اذلك الرفض يؤلمها..
العلاقات تؤلمها....
هي لا يعجبها تصرفاتها....
لكنها تلقائية...
في شجارهما أخبرها نضال أنه لا يعلم أي ثمن يدفع؟؟
لكنه لم يعرف بأنه يدفع ثمن أبوة ضاعت منها وجرح أحدث فيها، أصبحت لا تميز ولا تفرق في أنواع العلاقات.....
ويبدو أن نضال قد أخبره بالقسم الخاص بها لكنه لم يخبرها بكسره إلى باب الشقة..
سمعت صوت خالها بنبرة حنونة:
"متعيطيش يا سلمى، وبعدين هو ندمان، أكيد ميقصدش اللي قاله، أصلا أنتِ متعرفيش هو إزاي كان بيكلمني ومضايق أنكم مبتكلموش بعض".
هكذا حاول أن يطمأنها ثم أسترسل حديثه بحنان:
"هو ميقصدش اللي قاله ومينفعش تفهميه بالطريقة دي ولا ينفع برضو أنتِ تخيريه بحاجة زي دي في وقت زي ده؛ مينفعش أصلا في حياتك بينك وبين جوزك تحطي نفسك في أي مقارنة، ثقي في نفسك وفيه؛ فكري وشوفي انتِ إيه اللي يريحك وأنا معاكي"
بعد أذان العصر..
كانت تجلس مع جهاد في شقتها بعدما أعدت لها الطعام، وقامت بترتيب المنزل لها سريعًا وتلميعه، بعدها جلست تشرب معها الشاي وتخبرها بمكالمتها مع خالها باختصار كبير...
كان رد جهاد عليها غير متوقعًا، عقلاني من الدرجة الأولى لكنها في البداية كانت ساخرة:
-خالو معاه حق، ونضال كان تصرفه طبيعي، مهوا معملش كده علشان بيحبها...
ثم أسترسلت حديثها وهي تخبرها:
-اهو سلامة متقوليش كان بيحبها هو كمان!! ومن ساعو ما قولتله وأسلوبه متغير واتخانق مع عم زهران وفضل متنرفز أنه مش عارف ينزل، ده موضوع طبيعي يا سلمى، تتفقي أو تختلفي مع سامية هي بنت عمهم وعرضهم......
بعد مدة....
خلدت جهاد إلى النوم..
فهي بدأت تشعر بالثقل والألم كونها في الثلث الأخير من الحمل، تتورم قدمها كثيرًا في بعض الأحيان، ورغبتها الشديدة في النوم تسيطر عليها؛ لذلك أخبرتها بأنها ستأخذ قيلولة ثم سوف تعود حتى تجلس معها وأخبرتها بألا ترحل وتجلس معها حينما تستيقظ على الأقل....
جلست سلمى على الأريكة بعد أن انتهت من إعداد الطعام لـشقيقتها كما تفعل كل يوم..
أخذت تقلب بين القنوات المختلفة على التلفاز لكن لا شيء يعجبها؛ فكانت متذمرة، كل شيء يزعجها ويغضبها..
الأمور سيئة في غيابه، ففي كل شجار يحدث بينهما يصبح الوضع أكثر تعقيدًا في الفراق...
حيث أنها تجد أنها أصبحت أكثر تعلقًا وحبًا به، لم تعد تقدس حياتها دون رجل، أو بمعنى أصح لم تعد لها حياة بدونه نضال تحديدًا...
أمسكت هاتفها ثم كررت الأمر التي تفعله كل يوم تقريبًا في غيابه..
تفكر في أن تراسله أو تتصل به لكن الأمر يفشل فشلًا ذريعًا وتتراجع في اللحظة الأخيرة..
لكن تلك المرة لم تتراجع بل ضغطت على اسمه وقامت بالاتصال به لم تمر ثوانٍ وكانت تسمع صوته:
-الو..
-ايوة يا نضال، أنتَ فين؟؟.
لا يدري وقتها هل هي فقدت عقلها من سؤالها الغريب دون مقدمات؟!..
هل هذا هو السؤال الذي يجب أن تسأله بعد مرور أيام طويلة قضاها الاثنان في الخصام، وقتلهما الجفاء!!
بالرغم من ذلك كان رده عليها بسيطًا كأنه يوم من الأيام العادية، كأنه كان بينهما حديثًا ليلة أمس:
-رايح لـ دياب في عندنا مشكلة في الشغل ولازم نحلها..
-ماشي...
سمعت صوته ساخرًا وهازئًا:
-يعني أنتِ متصلة علشان تعرفي أنا فين وبس وتقوليلي ماشي؟؟.
قالت نافية بـصوتٍ خافت:
-مش بالظبط، أنا بس حبيت أعرف أنتَ فين..
-ليه يعني؟!..
كان سؤاله غريبًا لكن أجابتها كانت شغوفة بحق:
-لأنك وحشتني بقالي كتير مشوفتكش، ولا فكرت تسأل أنا عاملة إيه؟ متهايقلي لولا إني اتصلت مكنتش هتعبرني.....
تجاهل حديثها كله..
كأنه لم يعني له شيئًا في الواقع ثم سمعته يخبرها بنبرة شغوفة تشبه نبرتها إلى حدٍ كبير، صادقة إلى أبعد حد لا تحمل بداخلها مشاعر زائفة:
-وأنتِ كمان وحشتيني جدًا.
قالت بلهجة عتاب مرتجفة رغم خفوتها:
-وليه متصلتش علشان تقولي وحشتيني يا سلمى؟؟، ليه مكلمتنيش؟؟؟ ولا مستنى أقولك ردي، أننا نكمل ولا لا؟!!، مستني ابطل اتعبك واتعب نفسي زي ما قولت؟!...
أجاب على حديثها ببساطة:
-لا مستني تتصلي تقولي أني وحشتك، اعتقد دي حاجة أنا استحقها، مستنيكي تتصلي وتتكلمي وتيجي تكلميني.....
مسحت دمعة سالت من عيناها وهي تخبره بمرح لا يناسب مشاعرهما بالمرة تحديدًا الآن:
-يعني أنزل اكمل بقية شراء الحاجة بتاعت الجهاز ولا خلاص الموضوع انتهى؟؟.
سمعت صوت ضحكة هربت منه وهو يخبرها مشاكسًا:
-اشمعنا دلوقتي؟ ما أنا كل ما بقولك انزلي شوفي إيه اللي ناقصك تقولي إني متسربع ومعنديش دم وتقعدي تقلي في ادبك عليا، وأنا ساكت...
-معرفش حسيت محتاجة أعرف موقفي إيه من الإعراب؟!..
سألها بصوتٍ هادئ:
-فينك دلوقتي؟؟.
-عند جهاد، دخلت تنام شوية وأنا قاعدة اهو...
قال نضال بنبرة هادئة:
-هخلص اللي ورايا وهاجي ان شاء الله ونتكلم..
ردت عليه بنبرة عادية:
-ماشي توصل بالسلامة وأنا مستنياك مش هروح غير لما تيجي.....
هكذا انتهت المكالمة بينهما..
هناك وعد باللقاء في المساء..
لكن الأمر لم يعجبه..
كان الانتظار مستفزًا..
لذلك توقف في منتصف الطريق واصطف بسيارته إلى جانب الرصيف، ثم أمسك هاتفه...
اتصل بـ دياب مغمغمًا:
-ايوة يا دياب، إيه الأخبار؟؟.
"تمام اهو أنا وصلت وبـ ...
قاطعه نضال قائلا بنبرة جادة:
-ماشي، ظبط أنتَ الدنيا أنا ورايا مشوار كده ظهر فجأة هخلص واجي..
"أنتَ هتستعبط يا نضال؟؟ يعني أنا اروح على ملى وشي بسببك وفضلت تكبر الموضوع والموضوع أصلا مش مستاهل وكل شوية تطلع مشكلة، وفي الاخر تقولي أنك مش جاي؟!"..
-قولتلك هاجي، ظبط الدنيا عقبال ما اجي، وبعدين هخلص اللي ورايا وأجيلك، هو أنا قولت مش جاي؟؟ يلا سلام بقا، أنا واقف في حتة غلط أصلا....
هكذا انتهت المكالمة بعدما أسمعه دياب ما لا يسره ابدًا لكنه لا يهتم....
بل أخذ طريقه نحو المنزل..
حيث تتواجد مالكة فؤاده.....
من دون أي لحظة تردد....
اصطف نضال بسيارته أمام المنزل، ثم صعد على الدرج ووقف أمام شقة سلامة وجهاد..
أخرج هاتفه من جيب بنطاله ثم قام بالاتصال بها....
أجابته "سلمى" بنبرة شبة ناعسة؛ فقد كانت استلقت على الأريكة حينما شعرت بالهدوء الذي يسود على المكان، فلم تستيقظ شقيقتها بعد:
-ايوة..
-اطلعي، أنا برا واقف قدام باب الشقة..
سمع صوتها معترضًا بعدم فهم:
-أنتَ مش قولت...
قاطعها ولم يدعها تستكمل حديثها:
-انجزي يا سلمي، واخرجي، أنا واقف برا، أكيد مش بعمل فيكي مقلب يعني.....
أغلقت المكالمة في وجهه، ثم نهضت وسارت...
كانت على وشك السقوط حينما تعثرت بطرف خـِمارها الذي أنزلق أرضًا أثناء سيرها؛ فهي كانت تضعه بجوارها على الأريكة بعدما خلعته...
فتحت الباب لتجده أمامها.....
الحقيقة هي لا تتذكر هل ركضت نحوه أولًا؟! أم أنه هو فتح ذراعيه لها قبل أن تذهب إليه؟؟!!..
لا تتذكر ما الذي حدث أولًا ومن سبق الأخر في المبادرة!!...
لكنها تعرف شيئًا واحد..
أنها بين أحضانه يرفعها عن الأرض بعنفوان واشتياق جارف، يليق بهما..
بعد أيام طويلة لم يرَ أي شخص منهما الأخر.
أنزلها عن الأرض بعد دقائق تمنى لو أنها لا تنتهي ويتوقف بهما الزمن.....
نظرت إليه وكانت عيناها تحمل العديد من الأحاديث التي لم تُقال بعد، وكذلك هو.....
لكنه عوضًا عن الحديث....
أقترب منها يترك قُبلات متفرقة على وجهها، وأخرى بالقُرب من ثغرها...
لم يكن يكفيه أن يعبر عن شوقه ويختصر اشتياقه لها في مكالمة هاتفية باردة....
لم يكن هذا يناسبه أبدًا تلك المرة..
جذبها إلى أحضانه مرة أخرى بقوة...
فاحتضنته هي بدورها..
هذه المرة كانت من قلبها..
بلا حساب أو تردد..
دون خجل، تخلت عن خجلها ولو للحظات قصيرة جدًا..
ابتعدت عنه قليلًا لكنها مازالت قريبة إلى الحد الذي جعلت يداه مازالت على خصرها ويديها على كتفه تنظر إليه قائلة بنبرة جادة:
-أنا أسفة....
نظر لها ينتظر تكملة، فهو لا يظن بأن سلمى قد تكتفي بتلك الجملة البسيطة وقد صدق ظنه وهو يسمعها تتحدث بخفوت لا يسمع أحد حديثها سواه:
-أنا عندي دم؛ وحاسة باللي حصل، وعارفة أنه كان كبير؛ وأسفة إني خيرتك، كنت غبية....
قاطعها وهو يخبرها ويداه تزداد تحكمًا على خصرها:
-كنتي غبية أنك تحطي علاقتنا في مقارنة أو في كفة بين واجبي تجاة أهلي تحت أي مسمى، مينفعش تخلي حياتنا مقارنة يا سلمى.
-معاك حق علشان كده أنا اسفة، أنا اتوجعت يا نضال، حاجات كتير في حياتي اتوجعت فيها، وبقيت بخاف، أنا بخاف أصلا اخسرك، يمكن بدل ما احافظ عليك بخرب الدنيا اكتر أنا بحبك بس ساعات مش بعرف اتصرف...و...
قاطع حديثها حينما رفع كف يده ووضع أصبعه على فمها مغمغمًا:
-لا والله قوليها تاني وسيبك من أي حاجة تانية دلوقتي... ..
أدعت عدم الفهم وهي تتحدث:
-مش بعرف اتصرف..
قال نضال محتجًا:
-لا قولي، أنا بحبك مش اطرش ولا عبيط بلاش تعملي نفسك هبلة الله يكرمك...
لبت رغبته وهي تنطقها بطريقة ساحرة قد يسمعها أي شخص بطريقة عادية إلا هو:
-أنا بحبك...
-وأنا كمان....
ثم ترك قُبلة على جبهتها مغمغمًا بنبرة خافتة وهو يستند بذقنه على رأسها برفق يغمض عينه:
-حقك عليا حتى لو كنتي غلطانة أنا مكنش ينفع أقولك كده ولا اجرحك بأي شكل..
قالت سلمى بنبرة هادئة وخافتة جدًا وهي تحاوط خصره بيدها:
-متسبنيش تاني لدماغي يا نضال ولا تسيبني لوحدي أنا يومي من غيرك بقى ملهوش لازمة...
-حاضر حقك عليا، وأنتِ متحطيش نفسك في مقارنة مع أي شيء يا سلمى او مع أي حد، اعرفي أنك في حياتي مينفعش يقارنك حد ولا حاجة أصلا، اعرفي أن علاقتنا أكبر من كده و....
سمع صوت زهران يصيح من الفناء على الأغلب أو الطابق الذي يخص شقته لا يدري:
-واد يا نضــال، فينك وبتعمل إيه فوق...
ابتعد نضال عنها وأقترب من الدرج ليجد أبيه في الطابق الأول يقف بجلبابه الأبيض بينما نضال كان في الطابق الثالث:
-بتنادي عليا كده ليه هو أنا تايه؟! البيت كله سمعك............
سمع صوت زهران يهتف مبتعدًا عن الدرج وعلى وشك المغادرة:
-انزل، جيت في وقتك عمك محسن العمدة هنا عايز يسلم عليك، وبعدين أنا شوفت عربيتك تحت فقولت اشوفك فين يمكن ضليت الطريق....
-ما تتصل بيا لازم تزعق في البيت كله؟!..
سمع صوت زهران قبل أن يتلاشى ويغادر تمامًا:
-مفيش شبكة على السلم يا روح امك؛ يلا انزل.....
أقترب نضال من سلمى ثم قام بتقبيل كف يدها متحدثًا بكلمات جعلتها تضحك رغمًا عنها:
-ياريت نخلص في أقرب وقت علشان المرة الجاية هيجيب ليا بوليس الأداب بسببك أو هتحبس وأنا بكسر باب أو بأي تهمة في كل الحالات هيكون بسببك..
_____________
بعد مرور شهر..
كان اليوم موعدنا مع خطبة إيناس وجواد..
وافق دياب وعائلته على الخطبة، فلم يجد سبب محدد للرفض، ومع ذلك أعطى نصيحته إلى شقيقته بأن تقوم بالتعرف عليه جيدًا؛ في تلك المدة القصيرة لأن جواد يرغب في الزواج في خلال ثلاثة أشهر على أقصى تقدير.
ما شجع دياب على القبول لم يكن إلا شخصية جواد نفسه، هو يفهم في معادن الناس وما يتواجد في صدورهم منذ أن كان مراهقًا وهو في وسط الميدان، رأى، خالط وعاشر الكثير من الأجناس والبيئات المختلفة، تعود على فهم وتحليل من أمامه.....
حتى يستطيع معرفة نواياه..
الحقيقة لم يشعر تجاهه بأي غدر، أو ما يثير شكه، هو سأل عليه جيدًا بطرق كثيرة غير مباشرة....لكن بالرغم من كل الاحتياطات، لا يظهر الناس إلا بمعاشرتهم....
وافق أخيرًا حين شعر بـ ميل شقيقته الواضح نحوه، لم يكن ساذجًا...
لكنه فقط يخشى أن تتعرض "إيناس" إلى جرحٍ جديد قد يحدث لها؛ بعد معاناة دامت لفترة طويلة في زيجتها السابقة والمشاكل الكثيرة الذي حدثت بعدها، لذلك يتمنى أن يكون "جواد" هو العوض الذي تستحقه...
لأن وقتها لا يعلم إلى أين سوف يصل، حتى يدافع عنها.....
ذهبت إيناس برفقة شقيقتها ووالدتها من أجل شراء الشبكة مع جواد من أحد الأماكن الذي اقترحها هو..
كانت الشبكة بسيطة؛ عبارة عن خاتم ومحبس زواج، لم يكن لديها طلبات خاصة، بل كانت ترى أن هذا يكفي
وقتها لم يعترض "جواد" ولم يحاول اقناعها بالمزيد........
كان من المتعارف عليه أن "العريس" من يتحمل تكلفة الفستان وكل الأمور التي تخص زينة العروس، وقتها أعطاها مبلغًا كبيرًا بالنسبة لها؛ وكانت على وشك الرفض...
لكن دياب أخبرها ألا تعترض ولا يجب أن تظهر دومًا استياءها، هذا بالنسبة له أمر طبيعي، وكل رجل يدفع حسب مقدرته المادية، مادامت لم تطلب منه شيء يعجز عن تحقيقه، وفي الحقيقة هي لم تطلب بل هو من فعل بمفرده...
حينها...
تحدثت "إيناس" مع ريناد التي كانت كـ طوق النجاة كما وصفتها حور..
أخذتهما ريناد وقتها إلى أحد المتاجر المتخصصة في الفساتين وهناك صممت لها مصممة معروفة وقتها فستانًا رائعًا أعد خصيصًا لها، من اللون الرملي الفاتح، كان جميلًا بشكل جعل حور وقتها تطلق الزغاريط العالية في المكان وعبرت ريناد وقتها عن إعجابها الشديد بها من دون مجاملة....
كان من الدانتيل وبه بعض الفصوص الجميلة والبراقة، كان الفستان ينساب على جسدها بشكل ناعم، أما الزينة، أرسلت لهة ريناد مجموعة من الفتيات حتى تختار واحدة منهن، واختارت حور الأجمل بينهما ووثقت إيناس في رأيها لأن حور تفهم في تلك الأمور أكثر منها......
غير جلسات العناية بالبشرة التي خضعت لها مع شقيقتها وريناد، أخبرها دياب بأن تفعل ما تريده وهو المتكفل بهما، يريد أن يشعر بسعادة للجميع بعد فترة طويلة مكث بها الجميع في الحزن، حتى والدته أجبرها على شراء فستان جميل يناسب عمرها، وخضعت إلى الزينة مع الفتيات.....
كانت ريناد أخت ثالثة لهما، وقامت بـتجهيز كل خطوة معهم، حتى بات الجميع يشعر بشيء لم يتحدث عنه أصحابه بعد، ريناد و دياب، لكن يحترم الجميع خصوصيتهما.
قامت حور باختيار صفحة من أحدى المنصات حتى تقوم بتزين المنزل وتغيير شكل المكان حتى يظهر في الصور بشكل مناسب، رفضت إيناس وقتها إقامة الحفل في قاعة صغيرة، أو مكان أخر، كما كان يريد دياب بسبب ضيق المنزل...
لكن أصرت إيناس أن يكون احتفال بسيط في المنزل، يحضره فقط المقربون جدًا من العائلتين، لم يعترض جواد على أي شيء بل تركها تصنع يومها كما تريد..............
نادى زهران -دياب- الجالس على الأريكة وهو يرتدي بدلة سوداء أنيقة:
-ديـــاب، تعالى هنا...
أقترب منه دياب وهو يرتدي لون جديد تمامًا لأول مرة، بدلة لونها أحضر زمردي باهت يميل إلى البرودة مائية "مينت جرين" لم يكن متحمسًا له في البداية.....
لكن ريناد كانت معه وقت الشراء حينما دعاها لتناول الغداء معه، فاقنعته بأن اللون يناسبه جدًا كما يلائم الأجواء الصيفية، بدلًا من الألوان التقليدية والمعتادة والتي سوف يرتديها الجميع....
ضيق زهران عينه وهو يحدق فيه باستغراب:
-إيه الفسدق اللي أنتَ لابسه ده؟؟؟ إيه القرف ده؟! ازاي تلبس اللون الفسدقي ده؟؟!!.
شعر دياب بالحرج وارتبك لكنه حاول الدفاع عن نفسه:
-في إيه يا عم زهران، ما اللون حلو وجديد...ده اسمه مينت جرين...
-مبتعرفش تلبس، بلا نِمت بلا كنت، هو في زي الأسود والكحلي؟!، أنا لو منك ادخل اغيرها قبل ما الناس تبدأ تيجي، والله شكلك عرة...
صدقًا سوف يكون الاضحوكة حينما تأتى ريناد!!!!!!!
رحل دياب من أمامه دون رد، متوجهًا صوب الشرفة.........
أما زهران اتصل بـ مصطفى المسؤول عن مشويات خطاب وطلب منه أن يرسل الطعام بعد مرور ساعة تقريبًا..
أخبر زهران " دياب" ليلة أمس بأنه سوف يأتي بالطعام من مكانه من أجل تلك الليلة، حتى يكون العشاء بعد الخطبة....
حتى أنه هناك جزء في نهاية المكان عند الشرفة تم تحضيره لوضع الطعام الذي سوف يأتي به زهران فوقه...
بدأ الناس في التوافد...
فـحضر من عائلة إيناس...
عمتها التي لا تراها إلا في المناسبات، وخالتها برفقة زوجها وابنائهما...
شيرين كانت أول الحاضرين التي جاءت منذ الصباح، تلاهما زهران ونضال وسلمى، أما جهاد ووفاء لم يحضرا، شعرا بأنهما ليسا على مقربة كبيرة من العائلة للحضور ولأن الحفل يقام في المنزل، فضلا عدم التكدس فوقهم..
أما من عائلة جواد..
فقد حضرت نسمة ومنيرة، شقيقه "عماد" وزوجته اللذان جاءا من السفر خصيصًا من أجل تلك المناسبة، وأيضًا حضر أحمد وزوجته...
وقف دياب في الشرفة يتصل بها فأجابت بنبرة ساخرة قبل حتى أن تسمع صوته:
-والله بتقعد تقولي ركزي في السواقة ومفيش غيرك بيتصل بيا وأنا سايقة...
تحدث دياب بسرعة وجدية:
-مش وقتك خالص أبوس ايدك، لو لسه قريبة من البيت اطلعي غيري، اوعي تكوني لبستي الفستان اللي نفس اللون..
"ما أنا لبسته فعلا وبعدين ارجع فين؟؟ أنا عديت نص المسافة واستحالة ارجع طبعًا أصلا اتأخرت واختك عماله تتصل بيا وشكلهم هيلبسوا الشبكة قبل ما اوصل، أنا اتأخرت أوي بسبب الميكب ارتست"
قال بتعليق ساخر لم تفهمه:
-على البركة..
بعد مرور ربع ساعة...
كان بالفعل مر وقت في التقاط الصور الفوتغرافية للعروسين ومع العائلة والأصدقاء..
جاء وقت تلبيس الشبكة...
جاءت والدة إيناس بها....
في الوقت ذاته أخرجت زوجة شقيقه صندوقين مخملين، تعود إلى أحدى الأماكن المخصصة للمجوهرات...
كان واحد منهم كبير والآخر متوسط الحجم؛ فتح جواد، الكبيرة كان يتوسطها عقد فاخر يتدلّى على هيئة حرف "V"، مُرصّعًا بفصوص لامعة تشبه أوراق الشجر وعلى جانبيه، كان هناك زوج من الأقراط بنفس الشكل...
وخاتم بحجر ماسي كبير من التصميم نفسه، تحيط به فصوص صغيرة تزيده توهجًا، وعلى جانب الصندوق استقرت إسورة رفيعة ورقيقة من نفس الشكل..
فتحت زوجة أخيه الصندوق الأخر...
كان عبارة عن خاتمين؛ خاتم خطوبة بحجر ضخم، وإلى جواره دبلة تلمع بصف متصل من الألماس...
كانت إيناس والجميع ينظر باستغراب طفيف لكن البسمة كانت على وجوههما وتحديدًا حور التي كانت على مقربة منهم تحمل جنى التي ترتدي فستان من اللون الوردي يشبه فستان خالتها "حور"..
عقبت إيناس بارتباك تشعر به تحديدًا ونظرات الجميع مسلطة عليهما:
-إيه دا؟!
كان رد جواد بسيط وهو يتألق في بدلته السوداء اللامعة وساعة يده التي أتى بها خصيصًا من أجل تلك المناسبة:
-اليوم اللي نزلنا فيه نختار الشبكة أنتِ اخترتي شبكتك، لكن أنا مجبتش هديتي، وياريت هديتي تعجبك..
عقبت على حديثه نسمة التي تقف في أحدى الجوانب تحمل باقة الزهور -التي أعطتها إيناس أياها عند جلوسها- كانت تشبه نفس الباقة الذي أتى بها إلى المستشفى لها سابقًا وكأنه يؤكد لها بأنه هو صاحبها بتلك الطريقة من دون قولها بطريقة واضحة...
-أنا ساعدته في الهدية مش لوحده..
ابتسم جواد لها ثم نظر إلى إيناس عاقدًا حاجبيه:
-دي حقيقة ويمكن كانت اختيارها أكتر مني....ألف مبروك يا إيناس..
ردت عليه بارتباك شديد:
-الله يبارك فيك....
قام جواد بتلبيس العروس شبكتها ليست كلها لكنه حاول، تحت الزغاريط العالية التي أُطلقت من الجميع بينما دياب عينه مسلطة نحو الباب وهو يقف بجوار مقعد بهية التي صعدت منذ مدة..
بعد وقت...
كان نضال يقف بجوار سلمى التي كانت ترتدي فستان فضفاض وبسيط من اللون الأسود، بينما خـِمارها كان من اللون الوردي القاتم بعدما قامت بتغييره...
كان في البداية أسود فاستغل نضال المناسبة كحجة لاقناعها بتغيير اللون، وأنه ليس من الجيد أن ترتدي ملابس سوداء بالكامل في مناسبة كهذه..
لازالت غير معتادة على ارتداء الألوان الفاتحة مثل السابق من بعد وفاة والدتها....
قامت وفاء وجهاد بتأييد رأيه، حتى أنه قلم بـ كيّ الخِمار التي ترتديه الآن بنفسه في شقة سلامة حتى لا تتحجج..
هتف نضال بنبرة مشاغبة:
-عارفة أنا حاسس بإيه؟؟..
-إيه؟!.
كان تعليقها عفوي وهي تنظر له بفضول، فقال هازئًا من حاله:
-أننا هنحضر فرح عيال إيناس كمان واحنا لسه في نفس المرحلة مش بنتحرك...
ابتسمت بخجل ثم ردت عليه ببساطة:
-ما احنا قولنا بعد ولادة جهاد والأربعين خلاص بقا مش كل شوية...
لم يعجبه هذا الاقتراح الذي تتفوه به منذ مدة تحديدًا حينما انتهت الشقة ويتبقى فقط أشياء بسيطة جدًا لا تذكر، فقد جاء الأثاث كاملًا:
-يعني أنا هستنى ولادة جهاد وهستنى أربعين جهاد؛ ما استنى أول عيد ميلاد الواد أحسن؟! ولا لما يدخل المدرسة...
تمتمت سلمى تحدثه بطريقة عاطفية، يكفي أنها تمر بتلك المراحل من دون والدتها:
-ما خلاص جهاد في نص الثامن، وبعدين هي تعبانة مش بتنزل معايا وأنا محتاجة تكون معايا ونلف شوية واجيب معاها حاجات أكيد مش كل شوية هنزل لوحدي اجيب حاجتي..
-خديني أنا، حاجتك دي إيه؟؟ لبس وشوية كريمات ولا الاسكين كير بتاعك ده وعلى كام ملاية، على أي حاجة تعوزيها؟ معنديش مشكلة...
ثم أسترسل حديثه بنبرة خافتة لكنها كانت تحدق فيه بغضب بسببها:
-خديني أنا ليا وجهة نظر هتعجبك على فكرة؛ وبفهم خدي بالك عموما محدش هيفيدك غيري ورأيي أنا أهم من رأي جهاد..
رفعت سبابتها محذرة فأنزل يدها حتى لا تلفت الأنظار إليهما وهي تقول:
-على فكرة أنتَ مبقتش عجباني تصرفاتك..
ضحك ثم أخذ يخبرها بجدية لا تناسب نظراتها ولا حتى ما يقوله:
-خلاص الوضع ده بيقول نلم الليلة مدام تصرفاتي وحشة....وبعدين إيه تصرفاتي دي؟؟ أنتِ محترمة أوي يا سلمى...
كادت أن ترد عليه لولا أن عينيها التقطت ريناد التي تدخل من الباب المفتوح على مصراعيه.....
كانت ترتدي فستان من نفس لون بدلة دياب لكنه يختلف في الدرجة بشكل قليل يميل إلى الأخضر الفاتح أكثر، كان ضيقًا في الجزء العلوي يتخذ شكل جسدها بأكمامه الضيقة والشفافة قليلًا لكنها طويلة، فيه تدرجات من الكِسرات التي حددت شكل جسدها، ثم انسدل من أعلى الركبة بشكل أوسع لكن بقماشة أنعم وأخف كانت شفافة نوعًا لكنها نفس اللون، تظهر بشرتها وساقيها بعض الشيء.
رفعت شعرها إلى أعلى ووضعت زينة بسيطة كانت رائعة فاستحقت تعليق زهران المرح وهو يقترب منها:
-ايه البيستاشيو والألوان الحلوة دي؟؟...
-شكرا يا عمو...
كان دياب يقف في أحد الأرجاء ممسك بيد جواد الصغير الذي تركه حينما رأها، عقب دياب ساخرًا:
-يعني هي بيستاشيو وأنا فسدق؟؟؟..
رد عليه زهران بعنهجية تناسبه:
-ايوة، كل واحد له وصف يناسبه.
ابتسمت لهما ريناد بخجل ثم توجهت صوب الداخل تلقي التحية على الجميع وتبارك للعروسين معتذرة على تأخيرها....
أسترسل دياب حديثه بعد رحيلها بغيظ كبير:
-وبعدين أنتَ عرفت من امته البيستاشيو يا عم زهران؟؟.
بدأ زهران حديثه بسخرية وانزعاج خاتمًا إيه بنبرة ماكرة:
-من قبل ما تيجي على وش الدنيا يا حبيبي، مفيش حاجة زهران ميعرفهاش وبعدين قولي يا فسدقة، أنتم مطمقين سوا ولا إيه؟؟...
نادى دياب على صديقه:
-نــضــال، تعالى شوف أبــوك....
عند العروسين.....
كانت إيناس صامتة تراقب الجميع، تحدق في الجميع وتنظر إليهما، نظرت إلى الجميع إلا هو، كأنها تجبر ذاتها على عدم النظر إلى عيناه العسليتين من أسفل نظارته الطبية، رُبما تخشى الغرق فيهما....
مشاعرها كانت غريبة، هي تشعر بالخجل، لكنه خجل مختلف عن خجلها مثلا في أول مرة لها تمر بتلك المراحل..
هي فقط قلقة من تلك الأجواء، تحاول التفكير في صحة قرارها، وتخاف من العواقب، وتتمنى أن تكون قد اتخذت القرار الصحيح..
-ساكتة ليه؟؟!.
انتشلها صوته الوقور من دوامة الأفكار..
فنظرت إليه تلك المرة مجبرة، أسترسل حديثه حينما التقت عيناه العسليتين، بعيناها البنية:
-يعني الكل بيتكلم حتى مرات عماد عماله تتكلم مع والدتك كأنهم يعرفوا بعض من سنين واحنا اللي اليوم يومنا ساكتين...
كان حديثه محقًا الغريب بأن الصمت كان يسيطر عليها لكنها كأي أنثى مصرية أصيلة حاولت ألا يكن العيب منها فدافعت عن نفسها بشراسة:
-ما أنتَ كمان ساكت!!، لو كنت بتتكلم أكيد كنت رديت عليك...
رفع جواد حاجبيه متحدثًا بنبرة ساخرة:
-يعني العيب فيا في الآخر والمشكلة من عندي؟!..
-لا يعني مش قصدي..
سألها جواد بنبرة لبقة وخافتة:
-مبسوطة؟..
تنهيدة قصيرة خرجت منها ثم قالت بصدق، لأنها سوف تكون كاذبة لو قالت عكس ذلك هي سعيدة جدًا بالرغم من القلق الذي ينتابها:
-ايوة، أنتَ مبسوط؟؟
-جدًا، معتقدش أنك لما توافقي وتبقي لابسة في إيدك الدبلة تسألي أنا لسه مبسوط ولا لا؟؟!
ابتسمت له رغمًا عنها..
حديثه الخارج من قلبه مباشرة يجبرها على أن تبتسم وتشعر بالسعادة وتترك قلقها جانبًا...
في الشرفة..
يقف دياب غاضبًا...
ينفث دخان سجارته وهو يراقب الجميع من مكانه، جاءت من أمامه تسير برشاقة وكعبها العالي يصدع صوته بالرغم من الازدحام مغمغمة:
-مالك من ساعة ما شوفتني قالب وشك؟؟ حتى مقولتش رأيك في الفستان، ومعرفش قالب وشك بالشكل ده ليه؟؟
-أنتِ عملتي حاجة تخليني أقلب وشي؟؟.
كان سؤاله غامضًا لم تفهمه لكنها ردت عليه باندفاع:
-لا، أنتَ من الأول عارف إني هلبس نفس اللون مينفعش في نص الطريق وأنا أصلا متأخرة تقولي اروح اغيره وعادي محدش واخد باله أوي...
أشار دياب بأصابعه التي تتواجد السيجارة بينهما عليها مغمغمًا:
-يعني ده فستان؟؟؟؟..
قالت ريناد بانزعاج تدافع عن حالها:
-ايوة، التاني قولت عريان من فوق وقعدت تقولي مفتوح..وفصلت ده بسرعة في ثلاث أيام علشانك انتَ، كاله الفستان ده مقفول وبكم ورقبته مقفولة..
استندت على السور بجواره بينهما المقعد الخشبي، وحور في الخارج تتخذ لهما لقطات خافية من دون أن يلاحظها أحد...
-يعني أنتِ قفلتي من فوق ونسيتي تحت؟؟ هو لازم اقول اقفلي من كله؟!! مهوا رجلك باينة تحت شفاف، ده غير أنه ضيق..
تحدثت ريناد بغضب وخجل، كانت منفعلة بشكل كبير فهي كانت تتوقع منه إطراء لا نقد على الرغم أنها حاولت ارضاءه لكنها فشلت على الأغلب:
-الفستان كويس مفيهوش حاجة ولو أنتَ شايف غير كده، تبقى مشكلتك عن إذنك...
خرجت من الشرفة تاركة أياه يحترق بنيرانه وغيرته...
عند العروسين مرة أخرى....
كان جواد الذي يرتدي بدلة تشبه لون فستان أمه، كان يجلس فوق فخذيها بعدما لم يستطع أحد السيطرة عليه، ينظر إلى جواد بصمت يراقبه...
تمتم جواد بنبرة مرحة وهو يوجه حديثه لها:
-حتى ابنك ساكت زيك...
رد عليه جواد الصغير ساخرًا بطريقة طفولية:
-أنا مش ابنها، أنا اسمي جواد ليا اسم.
رفع جواد يده إليه ليصافحه مغمغمًا:
-وأنا كمان اسمي جواد تشرفنا، بس دي مش أول مرة يعني، بس نعتبرها أول مرة..
صافحه جواد الصغير بكبرياء وهو يمرر يده على خصلاته الناعمة كأنه يتأكد من أنها مازالت مصففة بعناية كما تركتها جدته...
اقترب جواد من أذن والدته ثم وضع يده على فمه يهمس بشيئًا ما فأردفت إيناس بصوتٍ هامس لكنه مسموع:
-خلاص يا جواد عيب..
كان جواد مستمتعًا برؤيتهما..
ابتعد جواد الصغير عن رأس والدته ثم أخذ ينظر إلى جواد مبتسمًا بسماجة، بعدها عاد يكرر الفعلة وهنا أردفت إيناس:
-جواد خلاص بقا، ملكش دعوة بحد وعيب..
تحدث جواد وهو يضيق حاجبيه:
-اتمنى مكنش أنا الحد ده...
قال جواد الصغير بعفوية مسببًا حرج إلى إيناس:
-لا مش أنتَ؛ أنا بتكلم على خالو وريناد لابسين نفس اللون المعفن ده زي ما عمو زهران قال...
وضعت إيناس يدها على فمه هاتفة بانفعال أمومي لم تستطع السيطرة عليه:
-ملكش دعوة مين قال إيه؟!، عيب متقولش كده، وبعدين اللون ده حلو عادي وجديد، متتكلمش تاني في الموضوع ده، وكل واحد حر في اللي يلبسه، صدفة ولينا كلام تاني عمومًا..
انتهت الأمسية أخيرًا...
كانت رائعة في كل الأحوال...
ها هو نضال الآن يقف أمام البناية التي تتواجد فيها شقة السيدة يسرا.....
-خلاص يا نضال مش هيخطفوني على السلم، وبعدين بس بقا احسن أم أيمن تشوفك علشان هي مش طايقاك وكل ما تشوفني تقولي أفكر كويس...
كز نضال على أسنانه مغمغمًا:
-متخلنيش احطها في دماغي بجد....
ابتسمت سلمى بخفة ثم قالت:
-خلاص روح اقعد على القهوة شوية هجيب الحاجات اللي أنا عايزاها واريح شوية وهكلمك، ومتقلقش هاجي وهبات مع جهاد...
-ماشي لو اتأخرتي أو طنشتيني هطلعلك مش هيهمني أم أيمن ولا أبو أيمن نفسه....
ابتسمت له بعدها بدأت ملامحها تتلاشي وهي تصعد على الدرج وهو يراقبها...
صعدت حتى وصلت إلى الطابق الخاص التي تقع فيه شقتها وكانت الإضاءة خافتة وضعيفة جدًا، أخرجت المفاتيح التي تتواجد في حقيبتها، وضعتها في الباب
لكن فجأة...
جاءها صوت من خلفها:
-أخيرًا جيتي يا سلمى أنا بقالي كتير مستنيكي...
شعرت بالخوف من أن تستدير....
تجمدت في مكانها..
هل هذا صوت "والدها" حقًا؟!!...
________يتبع____
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا