القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام الفصل الحادي والأربعون 41بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات

 

رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام  الفصل الحادي والأربعون 41بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات






رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام  الفصل الحادي والأربعون 41بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات




#حكايات_mevo 

#عودة_الذئاب..... كانت شَجَن تجلس على طرف المياه، وقد رفعت بنطالها قليلًا ومدّت قدميها لتداعب برودة المجرى. تركت أصابعها تنزلق في الموجات الصغيرة، ثم اتكأت على جذع إحدى الأشجار، وأغمضت عينيها تنهّدًا، وكلُّ تفكيرها معلّق ببراء… ببراءته وإصراره على أن تعود إليه.


وفجأة، أحسّت بشيءٍ ناعمٍ، بارد الملمس، يلتف حول قدميها. فتحت عينيها ببطء، كأنها تخشى مواجهة ما ينتظرها… وإذا بها ترى ثعبانًا يلتفُّ حول ساقها!


ارتجفت ملامحها، وارتفع نبضها حتى شعرت أن قلبها سيقفز من مكانه. حاولت كتم أنفاسها، لكن الدموع انسابت من عينيها، تسيل رعبًا على وجنتيها.


استدارت بسرعة، بعينين تبحثان عن طوق نجاة، فوجدت براء يقترب من بعيد. رفعت يدها تشير إليه بعجلة، وصوتها المخنوق يرتجف:

– "براء… براء…!"


فأتى مسرعًا، وملامحه تتبدّل من دهشة إلى قلق، كأن قلبه سبق قدميه إليها.


فهتف بصوتٍ مرتجف القلق:

– "إيه فيه؟! إيه اللي حصل؟! بتبكي ليه؟"


فأشارت بعجلة إلى قدميها، حيث الثعبان يلتف، فعقد حاجبيه، ثم همس بلهفة حازمة:

– "ما تتحركيش… فاهمة؟!"


ارتجفت شَجَن وهمست وصوتها يكاد ينقطع:

– "هموت… قلبي هيقف…"


فقال بنبرة آمرة لا تحتمل نقاشًا:

– "أصحك تتحركي… فاهمة؟"


كان يعلم أن أي حركةٍ منها ستدفع الثعبان للهجوم، فتقدّم بخطوات محسوبة، يحيطها بنظراته الحارسة، كأن ذراعيه صارتا سورًا يحميها من كل خطر. لكنها كانت تنتفض، ودموعها تتساقط بلا وعي.


مدّ يده ببطءٍ قاتل، لكي يقبض على رأس الثعبان  بحذر، الا انه ارخى التفافه عنها، انسلّ مبتعدًا عن ساقيها. وفي اللحظة التالية، جذبها براء خارج المياه دفعةً واحدة، واحتضنها بقوة، كأنّه يخشى أن تفلت منه إلى الأبد، بينما هي ترتجف في صدره، تتشبث به كالغريق الذي وجد أخيرًا شاطئ الأمان.


وانهارت بالبكاء خوفًا، وقلبها يصرخ في داخلها كطبول حربٍ لا تهدأ. مدّت يدها تحيطه بقوة، كأنها تتشبث بالحياة ذاتها.


فهتف بصوتٍ دافئ، رغم قلقه:

– "اهدي… اهدي…"


ظل يمسّد على كتفيها وظهرها بحنان، ويهمس في أذنها بصوتٍ يقطر طمأنينة:

– "اهدي يا حبيبي… اهدي…"


ثم مال برأسه، يقبّلها قبلةً حانية، كنسمةٍ دافئة اخترقت برد خوفها. دخلت الكلمة، ودفء صوته، إلى قلبها كالسهم، لتسيل دموعها هذه المرة بقهرٍ عميق.


تنهد، ورفع وجهها برفق بين كفيه، ونظر إليها نظرة عاشقٍ أسَرَه الجمال والخوف معًا، وهمس بحب:

– "انتِ كويسة…؟"


كان حنانه مميتًا لقلبها، يربكها ويذيب ما تبقى من مقاومة. اقترب أكثر، فترددت جفونها في طرفةٍ مرتجفة، ولأن وجهها كان قريبًا منه، مال برأسه، وملس خدها بشفتيه لمسةً خاطفة… لكن وقعها في روحها كان كالعاصفة.


أغمضت عيونها، كأنها تستسلم للحظة، فمال برأسه وهمس بصوتٍ يقطر أمانًا:

– "حبيبي… ما يخافش وأنا موجود…"


رفع وجهها بين كفيه، فتنفّست بعمق وهمست بلينٍ يكاد ينكسر:

– "موجود…"


ابتسم بحب، وعيناه تلمعان:

– "آه… موجود…"


ثم أشار لقلبها، وأكمل:

– "وأهم حاجة… موجود هنا."


أمسك يدها برفق، كما لو كان يمسك شيئًا أثمن من الحياة، ووضعها على صدره، حيث نبضه يخفق تحت أصابعها:

– "موجود… وما فيش غيره."


خفق قلبها بدوره، بخفةٍ كأنما ردَّ على قلبه بنداءٍ صامت. اقترب منها، ولمس خدها بلينٍ يذيب الجليد، وهمس بشوقٍ عميق:

– "وحشتيني جوي…"


كانت مضطرة للمقاومة، لكن مشاعرها خانتها، فصارت ساهمة تحدّق في ملامحه التي اشتاقت إليها حدّ الوجع. اقترب بهدوءٍ أكثر، حتى التصقت أنفاسه بأنفاسها، ووضع شفتيه على خدها، قرب شفتيها، يهمس بحرارة:

– "حبيبي… هيصدق إني بحبه… وبموت عليه… صح؟"


كانت أنفاسها تتلاحق بشدّة، كأنها تركض داخل قلبها، لا تجد مهربًا إلا نحوه.


في تلك الأثناء، كانت مهره عائدة، والغضب يتطاير من عينيها بعد مواجهتها مع الأسمر. لكن خطواتها توقفت فجأة حين أبصرت ذلك القرب… قربٌ أشعل النار في صدرها، فاشتعل وجهها غضبًا.


هنا، سمعت شَجَن صريخها يخترق الهواء:

– "إنتِ بتعملي إيه يا طينه؟!"


انتفضت شجن كمن لسعها اللهب، وابتعدت عن براء بخطوات متعثّرة. تقدّمت مهره بسرعة، عيناها شرار، وشدّت شَجَن بعنف وهي تصرخ ببراء :

– "نعم! بتقرب ليه؟ مش دي الرخيصة اللي خدتها بالعرفي؟ هاه؟ عايز تكوش عليها، وتجبلك عيل وتلمّ على حسها فلوس؟ والنبي! إنتو رجاله؟! إنتو دا حاجة تقرّف!"


صرخ براء بغضبٍ مكتومٍ يوشك أن ينفجر:

– "ما تبطّلي بقه… الله! مالك بينا؟!"


ثم مدّ يده، وأمسك بيد شَجَن، وجذبها إلى أحضانه، كأنه يعلن امتلاكها أمام العالم. لكن مهره لم تتراجع، بل اندفعت نحوه، تشدّها من بين ذراعيه بعنفٍ، وصوتها يتوعّد:

– "امشي من قدّامي… بدل ما اصور قتيل!"


شدّتها مهره وأبعدتها بها إلى الداخل، بينما ظلّ براء واقفًا، يتجمّد في مكانه، والغضب يشتعل في عروقه. قلبه كان يعرف أن حبيبته اللينة، شَجَن، لن تستطيع أن تقف أمامه طويلًا… فقلبها اللين، مهما قاوم، سيعود إليه.


كانت وَجد تسير بلا هوية، كأنها ظلّ تائه، تشعر بخواءٍ ينهش روحها. ضمّت ذراعيها حول جسدها، علّها تحتمي من ذلك البرد الخفي الذي يسكن قلبها… لكنها كانت، في أعماقها، تحترق بنارٍ غريبة، نارٍ تنعش قلبها في الوقت ذاته الذي تلتهم فيه ما تبقّى من دنياها.


أحبت من امتلك طوفانًا، طوفانًا جارفًا قضى على كل ما تعرفه من أمان. كانت ساهمة النظرات، حين أحست فجأة بيدٍ تحاوطها من الخلف، فانتفضت كمن لُدغ. لكن اليد شدّت عليها أكثر، وصوتٌ منخفضٌ همس قرب أذنها:

– "اهدي يا وجد… أنا نديم."


إلا أنها دفعت يده بعنف، ونظرت إليه بعينين تتقدان بالغضب والخذلان.


تنهد بوجعٍ ثقيل، وكأن أنفاسه تحمل أوزار السنين، ثم قال بنبرةٍ حاول أن يُلصق بها شيئًا من الدفء:

– "وَجد… أنا نديم… اللي كان أقرب ليكي من أي حد. أنا عارف إنك بتحبيني…وعارف إني وجعتك… بس والله غصب عني."


صمت لحظة، وعيناه تتفحص ملامحها التي أرهقها الألم، قبل أن يتابع:

– "وَجد… أنا موافق إننا نكمّل مع بعض… ونعيش… وندوب اللي بين العيلتين… أنا مش هقول لا."


لكن الحقيقة أن نديم لم يعرف يومًا فنّ الكلام الحنون، ولا ملاطفة النساء، فقد صقلته الحياة بطبعٍ صلب لا يلين، حتى وهو يحاول أن يمدّ يده نحوها.


نظرت إليه وجد بقهرٍ يلسع القلب، وعيناها تتوهجان بالخذلان:

– "بجد يا نديم… مش هتقول لا وهتوافق؟ لا… وليه جاي على نفسك كده؟ هتوافق على بنت جابر يا نديم؟ وتنسى كل حاجة؟"


ابتسمت بسخرية مرة وهي تتابع:

– "تصدق… أنا ماعرفش انت مين. تقريبًا اتجوزت… لا، ما اتجوزتش. تقريبًا نمت مع واحدة ماعرفش جاي منين."


فانفجر صوته غاضبًا، حادًّا كالسيف:

– "إيه نمت دي؟! ما تحترمي نفسك!"


ضحكت… ضحكة مكسورة تحمل في طياتها الطعن:

– "وجعتك يعني؟… ما إحنا نمنا يا نديم."


كانت عيونها دامعة وهي تقترب بكلماتها كمن يغرس الخنجر ببطء:

– "أنا نمت مع حبيبي… أو اللي كنت فاكرة حبيبي. بس انت ما نمتش معايا… انت ما كنتش موجود. انت نمت مع وجد جابر… كل ذهنك كان تعلّم على جابر. بس ما عرفتش تعلّم عليه كويس… نأبك طلع على شونة يا نديم، ونومتك طلعت رخيصة… آه والله."


ارتجف فمها وهي تكمل، نبرتها تتشظى بين الألم والقسوة:

– "وجد ما تستاهلش كل اللي عملته ده عشان أبوها… هي عنده ما تسواش. تعبت… أنت بزيادة. وجاي تقول لي هتوافق… نديم الأسطورة هيتنازل ويعيش مع بنت جابر؟ إيه القرف ده؟! كل ده عشان الفلوس؟" 


فصرخ، وصوته يتكسّر بين الغضب والرجاء:

– "لا! مش عشان الفلوس… عشانا… إحنا!"


فهتفت بقهرٍ يمزّق الحروف:

– "إحنا؟! إحنا مين يا نديم بيه؟! مفيش إحنا… ولا هيكون فيه إحنا!"


اقتربت منه، ونبرتها كالسهم في صدره:

– "انت مت يا نديم… يوم ما بعت لك… وماردتش عليّا. الحبيب سند… وانت مش سند. كنت شايفاك راجل… بس للأسف، عنيا ما عادتش شايفاك أساسًا."


استدارت لتغادر، لكنه أمسكها من ذراعها بعنف:

– "تشوفي ما تشوفيش… انت مراتي، فاهمة؟!"


شدّت يدها من قبضته وهي ترد بسخرية لاذعة:

– "انت مش ملاحظ إنك بجح؟!"


قبض على يدها بقوة أكبر، وصوته يزمجر:

– "لسانك يا وجد… أنا نديم!"


فدفعته بكل ما تملك من غضب:

– "على روحك يا نديم… على روحك! أنا وجد جابر يا نديم! أنا اللي مش عايزاك… روح خليهم يجيبوا لك واحدة من العيلة ترضى بيك، وهاتها برضه عندها أطيان… العيلة مليانة. واقعد وافرح بنسبك اللي يشرف، وهات عيال كتير برضه… ما تفرقش عندك، وجد من غيرها."


استدارت تمضي، لكن صوته لحقها، متحشرجًا بالوجع:

– "عيالي… مش هيجوا غير منك يا وجد."


توقفت لحظة، ثم أكملت سيرها، تاركةً خلفها قلبًا يتفتّت، ووجعًا لا يقدر على لمسه أحد.


*******

مرَّ النهار بأكمله، والهدوء الذي سبق العاصفة كان يخفي وراءه عقولًا لا تكفّ عن التخطيط. عادت البنات إلى بيت الجد، وقد علمو ان الرجال سلّمنه الأوراق، وبدأن يتشاورن فيما بينهن عمّا سيفعلنه في الشركة. مهره، كعادتها، كانت تخطط بخطوط واضحة في ذهنها، تعرف تمامًا أين ستضع قدميها وأين ستغرس سكاكينها إذا لزم الأمر.


دخل الرجال… نديم، وبراء، بينما ظلّ غياب أسمر لغزًا لم يُفكّ بعد.


وقفت مهره بثبات أمام الجد، وقالت:

– "كده يا جدو… من بُكرة هننزل الشركة، وجد وشجن تحت التمرين، وطبعًا هبقى معاهم."


فقام نديم فجأة، صوته حاد:

– "أنا همرّنهم."


التفتت إليه مهره بنظرة حادة، وقالت ببرود:

– "لا يا نديم… هنشوف حد مش من العيلة."


فانفجر صوته غاضبًا، وكأن الكلمات صفعة:

– "فيه إيه يا مهره؟! انتِ عقلك خف؟! ما تخليكي في حالك!"


تدخّل الجد بصوتٍ حاسم لا يقبل جدالًا:

– "خلاص… وجد إنتِ أولى بيها يا نديم، على الأقل حرمتك… وبراء مع شجن. وما فيش كلمة بعد كلمتي."


انتفخ صدر براء ، لكن مهره أطلقت ضحكة ساخرة وهي تهمس:

– "دا مسخرة… وإيه؟ هتسيبني؟ مش هتحدفني تحت إيد الأسمر بالمرة؟"

لتسمع فجأة صوت أسمر يهتف بقوة، صوته يهز أركان القاعة:

– "ليه؟! مش شايفاني مش راجل يا بنت عمي؟! هتشتغلي تحت يدي… ليه؟! ليه مش أسمر… اسمه ما يشرفش؟! مش اكده؟!"


كان يدخل بخطوات واثقة، يتأبط ذراع فتاة جميلة، ترتدي حجابًا صغيرًا، ويعلو وجهها بريق سعادة واضحة.


نظرت إليه مهره برهبة دفينة، قلبها يخفق بعنف، وكأن الأرض اهتزت تحتها… كانت يده مشدودة على يد تلك الفتاة.


فهتف عمران، مستغربًا:

– "فيه إيه يا أسمر؟! وزهرة بتعمل إيه… جارك؟!"


دخل جابر خلفه، منتفخ الصدر، وصوته يجلجل بغطرسة:

– "إيه ي با؟! أسمر يعمل اللي هو عاوزه… راجل وسيد الرجالة! مش على آخر الزمن ييجي اللي ما يسواش يعيب فيه… أسمر ما حدش يطوله!"


اقتربت زهرة من جدها، نظراتها ثابتة، وابتسامتها واثقة. كانت من أبناء عمومتهم، ومهندسة تعمل في الشركة.قبلت يده مبتسمه. 


ابتسم جابر بشماتة، وهو يلتفت إلى أسمر قائلًا:

– "إيه يا أسمر؟! مش هتعرّفهم عليها؟!"


ابتلع أسمر ريقه، وعيناه تلمعان باضطرابٍ مكتوم. كان هناك شيء في داخله يردعه عمّا سيفعهل، لكن صورة مهره… طريقتها في إهانته… خداعها له… تعلقه بها ثم رفضها القاسي… وضربها رجولته أمام الجميع، كل ذلك دفعه للتصرّف بعكس طبيعته.

أسمر، الجادّ الذي لا يميل للّعب أو المراوغة، وجد نفسه أسير جرحٍ غائر… قلبه يصرخ: كيف ترفضه وهي التي ملكت هواه؟!


سلّط نظره عليها… نظرة طويلة، حادة، كأنها سهام.مهره، التي تتجنّب عينيه، كانت تشعر أن هناك ما سيوجعها، شيء يقترب، سكين غير مرئية تتهيأ لطعنها.ورغم كل ما بينهما من مشاحنات وجرح وإهانة… كانت في داخلها تكنّ الكثير… والكثير لأسمر.


قطع جابر الصمت، منتفخ الصدر، يهتف بفخر:

– "عموماً… أنا فرحان، وروحت باركت… وكمان كنت معاه، وإحنا بنخطب زهرة لأسمر!"


تجمّدت ملامح مهره، وانسحبت الدماء من وجهها. شعرت وكأن قلبها يُنتزع من مكانه، يُسحب قسرًا، ثم تُغرس في منتصفه سكين حادّة، باردة. الألم اجتاحها كإعصار، ينهش عظامها قبل لحمها، حتى أن أنفاسها صارت ثقيلة، متقطعة…

حاولت مهره أن تبتسم… مجرد انحناءة صغيرة لشفتيها، لكنها بدت كقناع هشّ على وجهٍ يتفتت من الداخل. لم تكن تريد أن يراها أحد وهي تنهار، لا جابر ولا الجد… لكن عيني أسمر كانتا مسمّرتين عليها، يقرأان ارتجافة أصابعها، وارتعاشة أنفاسها، والانكسار الذي لم تستطع إخفاءه.


شدّت كتفيها للخلف، رفعت رأسها وكأنها تقاتل كي تظل واقفة، بينما قلبها يصرخ ليه؟ ليه يا أسمر؟

لكنها لم تنطق… تركت الصمت يلتف حولها مثل وشاح خانق.


أسمر، وهو يمسك يد زهرة، شعر بطعنة خفية… لم يكن انتصاره عليها كما تخيّل. كان يرى في عينيها شيئًا يربكه، شيئًا بين الألم والخذلان والشيء الآخر الذي لم يمت بعد بينهما.


 بينما جابر ما زال يبتسم بشماتة.

ومهره… اكتفت بأن تحني رأسها قليلًا، تخفي عينيها كي لا تفضحها دمعة كانت على وشك الانحدار.


كانت عيون أسمر مسلّطة عليها، لا تفلتها لحظة. يراقب كل حركة في ملامحها… طرفة عينها القوية، اختلاجات شفتيها التي تحاول السيطرة عليها، كي لا يفيض البركان المشتعل في صدرها.


الجو كان ثقيلًا… صمتٌ متوتر يخنق المكان، حتى وقف عمران فجأة، مبهوتًا، صوته يقطع الصمت:

– "نهارك طين! هيّا مين اللي خطبتها؟!"


أسمر، بثبات وصوتٍ مبحوح بالقوة، عينيه لا تحيد عن مهره لحظة، وكأنه يوجّه الكلام إليها وحدها:

– "زهرة… بت عمنا. اللي فرحت بالاسم… وشايفاه راجل وسيد الرجالة… أسمر اللي ما حدش يطوله!"


كانت كلماته كالسياط، تنزل عليها ببطء، كل حرف منها يحمل شيئًا من التحدي، وشيئًا آخر من الغضب المكبوت، وشيئًا ثالثًا لا يعترف به… الوجع.


اقتربت وجد من مهره، ومدّت يدها تمسك بيدها في صمت، لتجد مهره تضغط عليها بقوة… قوة من يحاول أن يتشبث بآخر خيط قبل أن ينهار.

كانت تتمالك نفسها بصعوبة، تحبس الردّ في صدرها حتى لا تفقد توازنها أمامهم جميعًا.


لم تتوقع هذا الغدر منه… صحيح أنها هي من جرحت رجولته وأهانته ، لكنها لم تكن يومًا تتصوّر أن يردّ بطعنة أشد قسوة.

هي كانت تعاني من عنفه وتصلّبه واستخفافه بها، لكن مهره لم تُخلق لتُعامل بهذه الطريقة.

كانت تتمنى—ولو لمحة واحدة—من اللين والحنان… حتى تستطيع أن تذوب كبرياؤها أمامه، لكنها لم تجد.


وفجأة، هبّ نديم واقفًا، الغضب يتفجر في صوته:

– "انت انهبلت؟! مش متجوز أختي! إزاي تعمل كده يا أسمر؟! أنا ما أقللش من أختي بالشكل ده… انت فاكر نفسك مين؟!"


كانت العيون تتنقل بين أسمر ونديم، والجو يشتعل توترًا، فيما ظلّت عينا أسمر معلقتين بمهره، وكأنه لا يسمع أحدًا سواها.


كان صراخ نديم العنيف كصفعةٍ أعادت مهره إلى أرض الواقع، بعد أن كانت تائهة في وجعها.

حينها فقط، استجمعت أنفاسها… وداخلها قسمٌ صامت أنها سترد له الصاع صاعين.


ابتسمت ببرود قاتل، ونبرةٍ كأنها تُفرغ في وجهه سُمًّا بطيئًا:

– "إيه يا نديم… مكبّر الموضوع ليه؟ جواز إيه ومالنا إحنا؟ يتجوز… ولا يولع، أنا مالي بيه! إنت عبيط ولا إيه؟ أنا قلت ميت مرة مش عايزاه… والحمد لله يا رب، أهوه يا جدو هيتجوز ويجيب لك خلف بدل ما كان ما لاقي حد… ألف بركة.

آه، والورقة اللي معاك… خلاص، مكانها الزبالة. ربنا يهنّي سعيد بسعيدة… مهره مش لأي حد يطولها. يا نديم، إنت عقلك خف ولا إيه؟"


ثم التفتت نحو زهرة، بابتسامة باردة:

– "مبروك يا حبيبتي… ما تتأخروش بقى في الجواز والخلف، عشان جدو يوزع عليكم الورث قبل ما يزهق."


ضحكت ضحكة قصيرة، ثم استدارت نحو وجد وكأن الأمر لا يعنيها أصلًا:

– "وجد… بكره الصبح بدري إنتي وشجن هننزل الشركة. مش عايزين نضيع وقتنا في الكلام الفاضي. أنا طالعة… صدّعت. خلي حد يبعتلي نسكافيه عشان هنام، ولو اتأخرتوا صحّوني بدري، الشغل أهم من أي حاجة. تصبحوا على خير."


تحركت نحو السلم، لكن قبل أن تصعد توقفت، ثم عادت بخطوات واثقة نحو أسمر.

ابتسمت، وقالت بنبرةٍ خبيثة ممزوجة بالتهكّم:

– "معلش… نسيت أبارك لك. إنت ابن عمي، وربنا يسعدك مع اختيارك الصح. أسمر لما بيختار… أكيد له حساباته."


مدّت يدها نحوه…

ابتلع ريقه بصعوبة، كان يريد أن يصرخ فيها، أن يشدّها إلى حضنه، أن يقول لها إنها اختياره الوحيد وليس أي أحد آخر.

رفع يده، وما إن لامست يدها حتى نهش الألم قلبه، بينما هي همست بصوتٍ منخفض:

– "مبروك… الناس كلها كانت مستنيّة حب الأسمر يظهر."


ثم استدارت وصعدت إلى إحدى الحجرات التي سألت عنها، تاركةً خلفها جحيمًا من المشاعر المشتعلة في صدر أسمر، وهو يعلم تمامًا… أنه أجرم في حقها.


تركتهم وراءها، تسير بخطواتٍ ثابتة… كأن الأرض لا تهتز تحت قدميها، وكأن قلبها لم يرتجف قبل لحظات حين رآته يمسك يد الأخرى.

لكن كل خطوة كانت تثقل صدرها، وكل نفس كان يُنتزع من روحها.


دخلت غرفتها، وأغلقت الباب.

صوت القفل كان كطعنةٍ باردة… لا تُسقط دمًا، لكنها تترك جرحًا لا يلتئم.


أسندت ظهرها إلى الباب، عيناها تلمعان… ليس من القوة، بل من الدموع التي تتجمع بعناد، ثم ترفض السقوط.

لكن جدارها الداخلي تهاوى فجأة، فسقطت أرضًا، وانهارت في بكاءٍ مكتوم.


وضعت يدها على فمها حتى تمنع الصرخة من أن تفلت، لكنها كانت تئنّ… تئنّ من وجعٍ حارق:

– "ليه؟… ليه قلبي بيوجعني؟ ليه كنتِ مستنياه يا مهره؟ كنتِ مستنياه يجري وراكي… يراضيكي… يلمّك من وجعك… ليه كنتِ مصدقة؟"


ارتجف صوتها وهي تخاطب نفسها:

– "إنتِ اللي رفضاه… مالك بيه؟ هتموتي ليه من غيظه؟ مش مصدقة إنه… ماينفعش؟ كنتِ فاكرة إن عنده قلب… اللي زي ده ما عندوش قلب أصلًا."


تنفست بعُمق، محاولة أن تتماسك:

– "اعقلي… يا بنت عامر، ارجعي لنفسك… وماتشمتيش فيكي حد."


تزحفت نحو الفراش، وارتمت عليه، ودفنت وجهها في الوسادة.

هناك، لم تعد تقدر على التماسك، فتركت دموعها تفيض بحرقة، تنتحب حتى كاد الألم يقتلع قلبها من مكانه.

.

كانت بتسأل جواها، بصوت مبحوح ما حدش يسمعه غيرها:

ليه؟ ليه   ترجعلي بجرح جديد؟ ليه ما حاربتش عنادي باللين بدل ما تحاصرني بقسوتك؟


هي عارفة… عارفة إنه عايزها، وإن اللي عمله النهاردة مش إلا رد ضربة، انتقام لجرح غروره.

لكن قهرها ما كانش في وجوده معاها… قهرها الحقيقي إنه فضل كبرياءه على قلبه، وإنه اختار يوجعها بدل ما يداويها.


ابتسمت لنفسها بسخرية وهي تمسح دمعة سقطت رغمًا عنها… ابتسامة مكسورة، ابتسامة واحدة عارفة إنها لسه واقفة، بس واقفة فوق جمر.

كانت قوية… أو على الأقل هكذا أرادت للعالم أن يراها، لكن جواها، كانت القوة تصرخ:

"أنا موجوعة… ومش قادرة أنسى


جلست قدام الباب الموصود، بتسمع صوت دقات قلبها أسرع من أي صوت تاني.

جواها في صوت تاني بيطلع… مش صوته هو، ولا صدى الماضي، لكن صوتها هي، الروح اللي دايمًا بتسندها:


"انسي… واقفلي الصفحة. ارجعي لروحك. إنتِ قوية… ما حدش كسرِك قبل كده، ولا حد هيقدر."


مسحت دمعتها بسرعة، كأنها بتمسح أثره من على وشها.

"إنتِ مش عايزة حد، مش محتاجة غير نفسك… اللي يمشي بإيده، ما ترجعيش تدوري وراه."


رفعت راسها وبصت في المراية، شافت انعكاس واحدة مش منهزمة… حتى لو قلبها بينزف، ملامحها واقفة زي الجبل.

ابتسمت ابتسامة صغيرة… ابتسامة انتصار على اللحظة، حتى لو الهزيمة جواها لسه بتوجع.


"هو اختار يبعد… وأنتِ تختاري تعيشي. 

قامت تشعر بالموت مدت يدها وخطفت فستانها من الحقيبه... ده يترمي يترمي خلاص ورمته بعنف وقهر وسقطت ارضا تبكي علي ضياع حبها. 


وقف أسمر مكانه، والجو حواليه اتغير… الأصوات بقت بعيدة، والوشوش حواليه كأنها ضباب.

كان شايفها وهي بتلف وتسيبه، شايف إيدها وهي كانت ممدودة قبل لحظات، شايف الابتسامة الباردة اللي غرزت فيه أكتر من أي طعنة.


ابتلع ريقه بصعوبة، قلبه بيخبط في صدره وكأنه بيحاول يهرب منه.

كان عايز يجري وراها، يمسكها من إيدها ويصرخ في وشها: "إنتي ليّا… فاهمة؟"

بس رجليه كانت متسمره في الأرض، وكأنها مربوطة بسلاسل من كبريائه… الكبرياء اللي من دقايق بس كان سلاحه، ودلوقتي بقى سجنه.


لمح عمران بيبص له باستفهام، وجابر بيبتسم ابتسامة شماتة، وزهرة واقفة مش فاهمة إيه اللي بيحصل،

لكن أسمر ما شافش غير صورة مهره وهي طالعة السلم…

كل خطوة كانت بتمزق حتة من قلبه، لحد ما اختفت، وسابته في فراغ ما بيعرفش يخرج منه.


وقف أسمر يراقبها وهي ترحل، وقلبه ينهشه نهشًا موجعًا…

اقتربت منه "وجد" وقالت بلهجة ممتزجة بالخذلان:

ـ جالك قلب تعملها؟ جالك قلب… بجد؟!

بجد يا أسمر… فرحنالك قوي! كنت فاكره إن فيك أمل… بس تقريبًا النسل كله كده.


استدارت لزهرة، وقالت بابتسامة ساخرة تخفي وراءها احتقارًا:

ـ مبروك… إنتوا فعلًا شكل بعض.


كانت زهرة وصولية، فتاة حقودة لا تهتم إلا بالمال، ومن زمن وهي تلاحق أسمر كظل لا يفارقه.


صعدت "وجد"، تخبط على باب مهره… لم تفتح.دخلت غرفتها، لتقف مقهورة، ثم جلست حزينة… لتسمع خبطًا آخر.فتحت الباب، فوجدت "شجن" تقف وحيدة، لتبتسم لها:

ـ تعالي… ادخلي.


فهتفت شجن بصوت مكسور:

ـ ممكن أبات معاكي؟ مش عايزه أبقى لوحدي… عديت على مهره ما فتحتش، وقلبي بيوجعني.


تنهدت وجد:

ـ آه طبعًا… تعالي.


دخلت شجن، وأتت لها وجد بشيء تلبسه لتجلس معها.هنا هتفت شجن:

ـ أنا خايفة على مهره… على فكرة كان جواها مشاعر لابن عمك الزبالة… أنا حسيت بأختي موجوعة، بس كتمت روحها.


هتفت وجد وهي تغالب دمعتها:

ـ أختك غلبانة يا شجن… ما شفتش فرح. أنا وإنتِ كنا متسابقين لنفسنا… بنربي نفسنا، وبنعيش مشاعر مش موجودة. أختك… لا، أختك اتحرم عليها المشاعر.


هتفت شجن بألم:

ـ أختي ما تعرفش الفرح… هي فاكرة إني ما كنتش بشوفها. كانت لما تسرح وتفتح تليفونها، تفتح شريط "السندريلا" وتقعد تلمس فيه، ودموعها تنزل… ومرّة نديم شافها، وكان يوم حريقة… قعد يهينها ويفكرها باللي كان، ومسك إيديها المحروقة وقعد يضغط عليها ويصرخ… وهي منهارة، لدرجة إنه قال لها تكتم عياطها، لأنها ما ينفعش تعيط، ومش قابل إنها تبقى ضعيفة.


كانت لو عيطت… تدخل الحمّام وتقفل على روحها، عشان نديم ما يشوفهاش.

أنا آه اتعذبت من قسوة أخويا، عشان بيمنعني من حاجات، بس سابني أحس… هو منع مهره إنها تحس… حرّم عليها تحس.


كنت بشوفها بتلمس فساتيني، ولما أقرب… تعمل إنها بترتبهم.أنا نفسي أروح أحضنها… أنا قلبي موجوع عليها.ابن عمك ده… زبالة. أنا نفسي أموته.حاساها موجوعة… قوي.


تنهدت وجد، وهمست بصوت مبحوح:

ـ أنا مش لاقيه ليهم وصف… إيه الجحود ده؟


ظلّا جالسين، والصمت بينهما يقهر الأرواح قبل العقول. قامت وجد، وقد أثقلها الإرهاق:

ـ تعبت… هقوم أنام، أعصابي مش متحملة… هاخد حباية منوم.


تركت المكان بخطوات بطيئة، تاركة شجن جالسة بمفردها، تغرق في دوامة أفكار عن أختها، وعن حياتها القادمة التي بدت لها مجهولة كليًا.


في الأسفل، كانت زهرة قد انصرفت، وجلس الجد حزينًا، يرمق الفراغ بعينين مطفأتين، قبل أن يهتف بمرارة:

ـ يا خساره يا ولدي… كنت فاكرَك عاجل، وهتعرف العيب فين وتعالجه.


نهض، واتجه بخطوات ثقيلة نحو أسمر، وصوته يحمل عتاب السنين:

ـ مشيت ورا جابر يا أسمر… وانبسطت، وصحيت الشر اللي جواك… وكملت تغريز في الغلبانة اللي ما عادش فيها حاجة تغرز. يا حسرة قلبي… حاولت أعالج، بس انت قضيت على كل حاجة… ربنا يعينك على عقلك… ماتجيش بعدين تنوح.


تركه، وذهب إلى جابر، وحدّق فيه بعين حادة وهو يتمتم:

ـ إنت ما ييجي من وراك إلا الخراب.


صرخ جابر، والغيظ يتفجر من صوته:

ـ عايز إيه إنت؟! عايزني أسمع إنه اتجالَه… ما كنتش راجل… وأسكت؟!


هتف الجد، وصوته يقطر وجعًا:

ـ وهو أكده راجل زين؟!… الراجل اللي يسقط من عين حبيبه… ما يبقاش راجل. أنا تعبت منكم ومن نسلكم… وما عادش هتعب وأدور على قلوبكم… يلا كملوا تمزيع في بعض!


ثم أدار ظهره، وتركهم وسط فراغ مثقل بالغضب والخذلان.


وقف أسمر، يشعر بثقل المصيبة التي ارتكبها… تهوره، وغضبه منها، صار الآن كالسهم المرتد في قلبه. وبجواره، وقف براء، ينظر إليه بعينين تفيض باللوم:

ـ ليه يا أخوي أكده؟!… إنت ما بتجبلش البت دي… وكنت فاكراك…


لكن أسمر قاطعه، وصوته يشتعل بحرقة:

ـ فاكر إني إيه؟! هاااه… جول… جول إن الأسمر وجع في بنت عمه… وهي جالت عليه "مش راجل"… وما يشرفهاش اسمي! مش الأسمر اللي يتجاله أكده… وماردش!


هنا وقف نديم، والوجع يلتهم ملامحه وهو ينظر إلى أخته… وقال بصوت مثقل بالقهر:

ـ مهره ماعتش فيها مكان حد يمزع فيه يا أسمر… أنا ربيتها بأبشع طريقة تتخيلها… إنت زعلان إنها قالتلك كده؟! مهره… أي حد يوجعها، بتوجعه وتقوله كده، وهي نفسها تترمي في حضنه… أنا عايش في نار، وعيشة إخواتي في النار.


ثم استدار بخطوات بطيئة، وصوته ينزف يأسًا:

ـ ماعتش فيه رجا… أنا آخرتها هاخد إخواتي وأرجع من مطرح ما جيت.


لكن براء هتف، وصوته يشتعل بالإصرار:

ـ لا يا نديم… الحل مش الهرب، الحل المواجهة… الحل إننا نبقى فعلاً رجالة… كل واحد يشوف هو عايز إيه، وجواه إيه، ويعمل المستحيل عشانه.

أنا بقه… عايز مراتي، وهحارب عشانها حتى لو وجعتني ألف مرة… حتى لو حطت مداسها على راسي… أنا اللي ألمّ وأدادي… أنا الراجل اللي يراعي ويطبّب، مش يوجع.

إنتو بقى… جواكو كبر… إنتو حرين في نفسكو.


ثم اتجه إلى أخيه، وقال بنبرة حادة يكسوها الحزن:

ـ كبرك يا أخويا… هيخسرك إني عارفك كويس… وعارف عملت ليه أكده. بس الحب اللي ما يتساجاش بالصبر… بيندعس، ويترمي، ويتنسي… وساعتها… إنت أول واحد جلبك هينخلع. وتركه وصعد. 


ظل أسمر واقفًا، يشعر بجرمٍ ما فعله… إحساسه كان كأنه على وشك الموت.

اندفع وصعد، يتجه إلى حجرته، وكان يريد أن يقتحم حجرتها ويشدها إليه… لكن توقف أمام بابها، مقهورًا، مكبَّلًا، يشعر بالخزي والعار من فعلته الشنعاء.

كيف سيواجهها؟ بأي عين؟ بأي شكل؟


اندفع إلى حجرته وصفع الباب بعنف، ووقف مهتاجًا…

إزاي فعلت كده؟ إزاي تخلّيت عنها هكذا؟!

كان داخله يصرخ، وكلماتها تلسع قلبه: "الكل كان مستني حب الأسمر يطلع"…


أغمض عينيه، شعر بنارٍ في جوفه… إن حب الأسمر لم يخرج لها!

استدار وهاج في المكان بعنف، ظل يحطّم كل شيء أمامه… الزجاج، الخشب، حتى الكرسي الذي كان يجلس عليه.


ـ ليه؟ ليه؟! انت إيه؟ إزاي تعمل كده؟ إزاي مشيت ورا شر عمك وشَركك.. انت ضيعتها… ضيعتها!انت… انت ليه كبرك وغرورك ده؟! إزاي قدرت… إزاي؟!


ظل جالسًا، يشعر بالموت، كأن أنفاسه تُنتزع من صدره انتزاعًا.

ـ إيه… اكده خلاص؟ هتمشي وتسيبني، صح؟آه، هتمشي… مهره مش أي حد…

آه، وجعتني… بس ما أعمل اكده إيه انت مش اكده انت مش زباله اكده إزاي ايه الجرف ده بدل ما تداوي جلبها تخلعه.. ليهالمصيبه إللي وحلت نفسك فيها دي..... ظل جالسا ياكل روحه وبداخله رعب دفين إن تتركه وترحل …


صعد براء إلى حجرته، ودخلها ليجلس على الفراش، غارقًا في أفكاره. كان يريد أن يكلمها… فقد اعتاد أن يسمع همسها ودفء حنانها. كانت حنونة، مراعية، قادرة على أن تلملم جراحه حتى في صمته.


نهض، واتجه إلى الشرفة، وألقى بنظره نحو شرفة وجد، فإذا بزوجته تجلس هناك حزينة، تستند إلى السور وتنظر إلى السماء. قرر أن يصل إليها، فتدلّى من فوق السور، وقفز بهدوء حتى أصبح واقفًا بجوارها.


كانت عيناها دامعتين، شاخصتين نحو السماء، ولم تحس به إلا حين أحاطها بذراعيه وجذبها إلى صدره. نامت على صدره، وكل حين كانت تحرك رأسها بخفة، قبل أن تهمس أخيرًا:

ـ كان نفسي أبقى فوق معاك…


أحس بوجعها، فانحنى نحو أذنها وهمس:

ـ مع براء يا شجن…


تنهدت، فأدارها برفق لينظر إليها، وعيناه تشعان بمشاعر مكبوتة. كان براء، رغم صلابته، يلين أمامها. ظل يداعب وجهها، وهي تشع براءة وجمالاً، وهمس:

ـ إنت بتاعة براء… وما هتكونيش إلا لبراء…


اقترب منها أكثر، وجرفها بمشاعره التي كبتها أمام الكل. وبعد فترة، انتفضت هي وانكمشت، وحين حاول أن يقترب منها، صرخت:

ـ ما تقربش… ابعد!


اندفع نحوها وشدها إليه بقوة:

ـ لا… هقرب! وهتسمعيني… وتعرفي إنك بتاعة براء!


فاهتاجت وقامت، وهي تهتف بغضب ممزوج بالقهر:

ـ بكام؟ هااه؟ بتاعته بكام؟! قول… هتدفع كام في الرخيصة؟


صرخ فيها، وصوته يختنق:

ـ بطّلي! أنا ما كانش قصدي… دانتي الغالية اللي ماليش غيرها… إنتِ مش رخيصة… بطّلي بقى!


لكنها هتفت بعنف:

ـ لا والله؟! أمال أنا إيه لما تلف عليّا تبقى إيه؟! لما توهمني إني حاجة عندك تبقى ليه؟! لما تروح تتجوز تبقى إيه؟! وفي الآخر أنا اللي رخيصة… أصلي اتجابت بالعرفي!


اقتربت منه، ونار الكبرياء في عينيها:

ـ لا يا براء بيه… شجن غالية قوي… وعالية عليك! اللي زيك ما يدخلش دنيتي لو زحف على الأرض… شجن الرخيصة هي اللي مش عايزاك في حياتها، لأنك في نظري ما تسواش. وبصراحة… مستنية اليوم اللي أسيب فيه هنا عشان أنضف… ما إنتوا قرف… وعيلة مؤرفة، إنت وأخوك!


اشتعل الغضب في عروقه، وهتف بعصبية:

ـ أنا قلت آخدك باللين وأقعد أسمع وأستنى… جايز تهدي… بس تقريبًا إنتِ ما تيجيش إلا بقلة الأدب!


اندفع نحوها، وحملها رغم صراخها، فهتفت:

ـ لمّي نفسك… عشان والله لو سمعت صوتك… هنحدف بكي من على السور!


صرخت في وجهه:

ـ سيبني يا زبالة!


لكنه واصل اندفاعه بها نحو السور، فصرخت وهي تتشبث بظهره، فكتم أنفاسه من الغضب:

ـ ما أسمعش صوتك!


ثم أخذها وخرج بها من حجرتها في صمت، متجهًا إلى حجرته… وهناك أغلق الباب خلفهما.

كانت وجد نائمة، لا تحس بشيء، فقد أخذت منومًا. دخل نديم بهدوء، ليجدها غارقة في نومها. تنهد واقترب منها، وجلس بجوارها… ظل يراقب ملامحها، حتى اقترب أكثر، وانحنى عليها بحنان.


تململت بهدوء، ثم احتضنته بيديها، فشدها إليه أكثر، وأحاطها بذراعيه، وهمس بصوت مبحوح:

ـ أنا ماعتش قادر أبعد يا وجد… أنا ما بعرفش أتنحنح، ولا ليا في السكة دي… بس عايز أقرب… عايز أداوي وجعك… آه، إنتِ بنت جابر، بس عايزك… والله عايزك… بس عايزك حياتي ودنيتي… لا تنازل ولا زفت!

بس تبطلي تحرقيلي قلبي… ما بتحملش كلامك… بقلب طور في ثانية… أعمل إيه؟! عايزة تمشي وتسيبيني؟! تسيبي نديم؟! لا… مش هتسيبيني يا وجد… ونديم هيرجعلك، وهيجي على روحه ونفسه ودنيته اللي وجعتي… ويرجعك.


ثم شدها إليه، ونام وهو عازم على قربها.


أما مهره، فكانت تعيش تعاسة نزعت قلبها من مكانه. كانت تتخيل سنينها القادمة، وكيف ستتركهم بلا عودة. شعرت بعسرة في قلبها، وبالدونية… وأن لا أحد يرغبها.


فتحت هاتفها، وشغلت الفيلم الوحيد عليه… فيلم "السيندريلا". كانت تتلمس ملامح الفتاة، ودموعها تسيل على وجنتيها. نهضت، ونظرت إلى الفستان الملقى على الأرض، واقتربت منه بخطوات بطيئة. مدت يدها إلى أسفل الحقيبة، وأمسكته بحنان… أمسكت حلمها الضائع.


كان فستانها ناعمًا، ذو قصات عند الوسط، قصيرًا يبرز جمالها… فارتدته على الفور. شعرت للحظة أنها أنثى بكل ما فيها… أغمضت عينيها، واحتضنت نفسها بشدة، كأنها تحاول أن تمنح ذاتها ما حُرمت منه من دفء ودعم.


دارت بالفستان، في حركة طفولية حالمة. كان الوقت قد أصبح فجرًا، فخرجت إلى الشرفة، ووجدت المكان خاليًا… انسلت من البيت بخفة، واتجهت إلى الإسطبل، لتنتقي فرسًا هادئًا. راحت تلمسه بحنان، وفي تلك اللحظة تمنت أن تكون بين يدي الأسمر… لتغلق عينيها وتتخيله يحاوطها…


أغمضت عينيها أكثر، وظلت تتمايل، وكل أحلامها تتداعى أمامها… لتنتفض عندما…


........

البارت ال جااااي ناااار.. فضيحه مدويه لعيله أبو الدهب... هتبقي حريقه عن حق.... انتظرونا ااا

تكملة الرواية من هناااااااا 

 لمتابعة باقى الروايه  زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا



تعليقات

التنقل السريع