رواية بحر ثائر( الجزء الثاني) الفصل السادس و عشرون 26 بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر( الجزء الثاني) الفصل السادس و عشرون 26 بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
الفصل السادس والعشرون
الفرق بين من يعلمون ومن لا يعلمون عظيم ، فالأغلبية العظمى يفضلون نعيم الجهل عن جحيم العلم .
يقفون في سجنٍ أمام شاشة عرضٍ كبيرة تتلاعب بالحقائق ، ينتمون لها ، يصدقونها ، يتخذونها كـ بيّنة واضحة ، لو أنهم فقط تحركوا من أماكنهم وفتحوا الأبواب المغلقة سيرون الحقيقة بوضوح ، تلك الحقيقة التي تم سجنها على أرضها وتحررت العقول خلف الأسوار اللا مرئية .
نعم نعيش في عالمٍ ذو حدود محدودة ممتلئة بالبُهتان والزور، الباحثون عن الحق باتوا قلة وضعفت حيلتهم وهم يرون بني جنسهم وقد تعفنت أمخاخهم ، يتبعون الكذب لمجرد أنه يرتدي عباءة من نور ، وتقف الحقيقة في الخارج تصرخ علّهم يسمعون إذ سمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي .
حسنًا يمكنك الاقتناع بكل ما تراه أمامك ولكن إعطِ لعقلك نسبة ضئيلة واسمع صراخات الحقيقة العارية علّك تنجو (بقلم آية العربي)
❈-❈-❈
وصل أحمد إلى منزل عائلته ترجل هو وأسرته من سيارة الأجرة ووقف أسفل البناية ينظر لابنته المتجهمة وابنه المتحفز ، لو أنهما ينقذان عقليهما من سطو والدتهما لكانا الآن مندمجان وسعيدان بالمجيء إلى هنا ، خاصةً وأنه يشعر بتجدد روحه ، بتوغل الراحة والسعادة إليه منذ أن وطأت قدماه أرض مصر .
نظر لزوجته ونطق بنبرة مبطنة باللوم وهو يميل عليها :
- قولي لاولادك يفردوا وشهم شوية إحنا مش رايحين المقابر ، أنا لحد دلوقتي بعمل لهم اللي هما عايزينه ووافقت نروح نقعد في أوتيل علشان مش عايزين يقعدوا في شقتنا اللي هنا، بس لو فضلوا كدة أنا هيبقى ليا تصرف تاني .
التفتت تنظر لهما وابتسمت بلا مبالاة ثم عادت إليه تردف باستفزاز :
- قولهم إنت ، ولا خلاص هما سمعوك ، سيبهم على راحتهم ، لو حسوا براحة هنا هيفردوا وشهم .
نطقت ابنته معترضة بتعالٍ :
- إنت قلت مش هتفرض علينا أي حاجة ، وكويس جدًا إننا قبلنا نيجي معاك هنا ، كفاية ضغط بقى يا بابي .
نطق ابنه متشجعًا :
- على فكرة أنا نفسي اشوف جدي وجدتي بس طريقتك دي بتقفلني ، خد بالك إننا جايين غصب فخلينا على راحتنا .
نظر لهما بخيبة ، فشل في تربيتهما ، فشل في زرع الانتماء فيهما ، فشل في رعاية بذرة حب الوطن داخلهما إلى أن فسدت التربة .
التفت يخطو بانكسار داخل البناية وهم خلفه ولكن سها كانت تفكر في شيءٍ واحدٍ فقط كالعادة وهو رؤية ثائر .
بعد دقائق طرق أحمد الباب وانتظر لثوانٍ ليجد والدته تفتح الباب وتطالعه للحظات بعيون لامعة قفزت لهفتها منهما فأسرعت تعانقه بقوة وتبكي اشتياقًا وسعادةً على رؤيته ، وأخيرًا عاد صمام قلبها الآخر .
بادلها بقوة ، بحبٍ ، باشتياق قوي تفاجأ به يقطن داخله ، يبادلها بفرحة ويردد :
- وحشتيني أوي يا ماما ، حقيقي وحشتيني .
مازالت تعانقه وأجابته بنبرة متحشرجة باكية :
- وانت وحشتني أوي يا أحمد ، وحشتني على أد زعلي منك .
ظل يربت على ظهرها كأنه يعتذر ليرفع رأسه ينوي الابتعاد قبل أن يرى والده يقف خلفها يطالعه بحنينٍ وترقب .
ابتعد عنها وتحرك على الفور يعانق والده الذي استقبله بترحاب وسعادة برغم حزنه الشديد منه.
نظرت علياء لسها وتبدلت نظرتها من الحنين والشوق إلى الضيق والنفور ولكنها ابتسمت بتكلف ومدت يدها تردف :
- حمدالله على السلامة يا سها ، اتفضلي .
بادلتها سها السلام بتعالٍ وتحركت نحو الداخل ترحب بأمجد بالمثل بينما تطلعت علياء على حفيديها بنظرة متفحصة ثم فتحت ذراعيها تستقبلهما .
أسرع حفيدها يبتسم وبادلها العناق على عكس شقيقته التي بادلتها بملل فلم يخفَ عنها كيف استقبلت والدتها .
وهذا ما لاحظته علياء لتوقن أن حفيدتها متعالية على عكس حفيدها الذي استشعرت تمرده كوالده .
رحب بهما ماجد بعد ثوانٍ وكان رد فعله كرد فعل علياء ، فرح برؤية أحفاده أمامه لأول مرة ، سعيدًا بعودتهما إلى الوطن ،وهذا ما وصل إلى حفيده أيضًا .
تحركوا جميعًا نحو الصالة وجلسوا يتبادلون الترحيبات واستقبلتهم علياء بالعصائر والمشروبات الباردة وكم كانت في قمة سعادتها متعمدة تجاهل سها إلى حدٍ ما .
كان أحمد سعيدًا جدًا ، ابتسامته جاءت من قلبه تحتضن وجهه ولم تفارقه ، وكذلك ابنه الذي بدأ يتحدث مع أمجد وعلياء قليلًا بخلاف شقيقته التي تعمدت أن تعبث بهاتفها بينهم .
أما سها فكانت تجلس على صفيحٍ ساخن ، عيناها تبحث عن ثائر وتتساءل أين هو وحينما عجزت عن مكانه سألت بخبثٍ :
- الولاد كان نفسهم يقابلوا معاذ ، هو مش هنا ولا إيه ؟
أدركت علياء نيتها ولكنها حاولت أن تكذب إحساسها حتى لا يحدث مالا تحمد عقباه ، كادت أن تجيبها ولكن سبقها أمجد يجيب بابتسامة ذات مغزى :
- معاذ في بيتهم ، بس إن شاء الله ييجي ونتجمع كلنا تاني .
تجهمت ملامح أحمد وغضب من زوجته ولكنه زفر بقوة وتساءل مغيرًا الحوار :
- العيلة عاملة إيه يا بابا ؟ عمي وأولاده ؟ تخيل ماعرفش عنهم أي حاجة.
أومأ يجيبه ولكن سها سبحت في أفكارها بعيدًا عن حديثهما ، بيته ؟ ألم يكن يسكن هنا معهما ؟ هذا ما عرفته آخر مرة .
هل انتقل إلى منزل آخر ؟ هل هذا يعني أنها لن تراه اليوم ؟
لم يستمر عقلها في التفكير كثيرًا حيث رن جرس الباب فنهضت علياء تتجه لتفتح فإذا بديما وثائر أمامها .
صدمة وفرحة في آنٍ ولكن الفرحة لم تدُم طويلًا وقالت بتوتر :
- أهلًا وسهلًا..
تعجب ثائر بينما دلفت ديما تردف وهي تبادر بالسلام معها :
- كنا قريبين من هنا قلنا نيجي نقعد معاكم شوية .
ابتعدت تنظر إلى وجه علياء فوجدتها متوترة فقرر ثائر أن يدخل ليرى ماذا هناك .
خطوة تقدمت بها ديما وهو خلفها ليتجمدا حينما ظهرت أمامهما سها تتطلع نحوهما بثقب ويجاورها أحمد ينظر إلى شقيقه مباشرةً .
تجمد ثائر مكانه ، ووقف لا يعلم ماذا عليه أن يفعل ، لأول مرة يفشل في اتخاذ أي ردة فعل سريعة ، عقله يفكر هل يلتفت ويغادر أم يبقى كما هو .
توترت ديما كليًا ونطقت بنبرة تتظاهر بالثبات :
- مساء الخير ، حمدالله على السلامة .
ربتت علياء على ظهرها للتقدم بينما لاحظ أمجد صدمة ثائر فنطق بنبرة آمرة وهو ينظر في عيني أحمد :
- قوم سلم على أخوك يا أحمد .
كان أمرًا أخرس سها قبل أن تنطق ، ودت لو تصيح ولكن ليس هذا الوقت ولا هذا الزمان المناسبين ، وعلى غير المتوقع فقد نهض أحمد بالفعل بعدما ظن أمجد أنه سيرفض طلبه .
نهض وتقدم من ثائر وفجأة ـــــــ عانقه.
عانقه بشكلٍ يغلفه الندم ، الاحتياج ، الاعتراف بالذنب ، وربما الانكسار ولكن شيئًا ما في نفس ثائر لم يستطع أن يبادله ، وكأن نفسه عزّت عليه ، تذكر كل ما حدث ، تذكر نظرات شقيقه له منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا ، تذكر كيف صدق عليه تلك التهمة البشعة وهو أكثر الأشخاص معرفةً له .
مر على عناق أحمد ثوانٍ لاحظ فيها أن ثائر لم تهتز به شعرة على عكس داخله الثائر .
داخله الذي ثار على ذكرياتٍ لم تُنسَ بسهولة ، لابد لها من أن تجلس على طاولة الوضوح والاعترافات قبل أي عناق .
ما عاشه ثائر لسنوات لا يمحى بعناق لذا ابتعد أحمد يطالعه بعمق وقد حن له ، حن له لأنه طوال تلك السنوات كان يشعر بنفور داخلي من تصديق تلك التهمة ومع ذلك كان يوهم نفسه أنه يصدق ، حن له لأنه الطرف المخطئ ،حن له لأنه مهما طال الزمن أو قصر لابد للحقيقة أن تطفو .
نطق بنبرة متحشرجة أمام أعين الجميع :
- مش عايز تسلم عليا ولا إيه ؟
نظر ثائر ، في مقلتيه مباشرةً ونطق دون أن ينطق لسانه ( لمَ صدقت يا أخي ؟ هل رأيت مني سوءًا قط ؟ هل عرفت عني أنني سيء الأخلاق ؟ هل شاهدتني بعينيك ؟ )
نكس أحمد رأسه ليواري نظراته وزفر والتفت متهربًا منه ينظر إلى ديما التي صبت تركيزها واهتمامها على زوجها ، أردف بترحاب وهو يمد لها يده :
- أزيك يا مدام ديما ، اتشرفت بمعرفتك .
صب بنزين على جحيم سها الداخلي وهي تراه يرحب بهذه المرأة التي مدت يدها تبادله وأردفت بابتسامة هادئة :
- أهلًا يا أستاذ أحمد أزيك ، نورت مصر ، أنا كمان اتشرفت بمعرفك .
اتجهت علياء تقف بين ولديها وتحثهما على التحرك للجلوس قائلة بترقب وسعادة متخبطة خوفًا من ردة فعل ثائر :
- تعالوا اقعدوا ماتقفوش كدة .
تحرك أحمد لمكانه بينما نطق ثائر قبل أن يندفع للخارج فهو لا يطيق الجلوس في مكانٍ واحد مع تلك المرأة التي تتفحصه بنظراتها منذ أن دخل .
- عن اذنكوا ، هستناكي في العربية يا ديما .
تحرك على الفور مغادرًا تاركًا المنزل وحاولت علياء أن توقفه ولكن ديما أسرعت خلفه ونطقت قبل أن تغادر لتطمئنها :
- ماتقلقيش يا ماما علياء هيهدى وهنرجع .
❈-❈-❈
في المشفى
منذ أن زاره ثائر وهو يفكر في الهرب، يفكر كيف يفعلها.
لذا قرر بعدما استعاد جزءًا كبيرًا من عافيته أن يبدأ في التنفيذ .
نادا بصوتٍ مرتفع فأتت إليه الممرضة مهرولة، تسأله بتعجب فنطق بضعفٍ وهو يشير نحو صدره :
- هناك شيء يقيد أنفاسي، أشعر أنني أختنق، ساعديني من فضلك .
ركضت الممرضة تنادي الطبيب الذي جاء وبدأ يفحصه ولكن توماس أتقن دور المتألم جيدًا لذا سأله الطبيب :
- بماذا تشعر؟
وصف حالته الكاذبة للطبيب الذي نظر إلى الممرضة ونطق :
- جهزيه وهاتيه على غرفة الأشعة حالًا.
ساعدته بالفعل لينهض وجلس على الكرسي المتحرك وقادته نحو الخارج .
أوقفها الشرطي يتساءل فأجابته بترقب :
- الدكتور قال إنه لازم يعمل أشعة .
أومأ وتولى عنها دفعه وتحرك به نحو غرفة الأشعة كما هو مقرر .
أدخله الغرفة واتجهت نحو الشرطي تردف بمهنية :
- لازم حضرتك تقف برا .
تنفس والتفت ينظر نحو توماس ليجده لا حول له ولا قوة ، نظر حوله يراقب الغرفة ليتأكد من أنها لا تحتوي على مخرجٍ آخر سوى من نافذة تطل على غرفة التحكم لذا تساءل بترقب :
- بتاخد وقت اد إيه ؟
- ربع ساعة بالضبط .
أومأ وتحرك يغادر خارج الغرفة ينتظر على بابها .
مرت الربع ساعة ولم يخرج أحد فقرر طرق الباب ولكن ما من مجيب .
وقف لا يعلم ماذا يفعل هل يفتح الباب وربما حدث خطأ في تلك الأشعة ، أو لا يفتح وربما حدث مالا يحمد عقباه ؟
في نهاية الأمر قرر فتح الباب ولكنه صُدم حينما وجده موصودًا من الداخل .
حاول دفعه بقوة وصاح وهو مستمر في دفعه وبالفعل نجح في كسر الباب ليجحظ حينما وجد الممرضة فاقدة لوعيها ممددة على الأرض .
اندفع الشرطي يبحث مذهولًا ليكتشف أنه هرب من خلال هذه النافذة وصولًا إلى باب غرفة التحكم واستطاع أن يفقد الطبيب وعيه أيضًا من خلال مهاراته القتالية المعروفة .
ركض الشرطي مهرولًا نحو الخارج ليلحق به وهو يلتقط جهاز إرساله ليخبر الدعم بما حدث معه .
❈-❈-❈
يقود سيارته بملامح باردة وتجاوره ديما تحاول سحب الحديث منه ، تعلم أنه حزين ، يفكر ، يشعر بالخيبة ، بأن حقه قد سُلب .
أردفت وهي تمد يدها وتحتضن كفه بعاطفة :
- ثائر ، حبيبي ، اتكلم ، قول أي حاجة طيب ، مش إنت قولتلي إنك نفسك تقابلو وتتكلمو ، إيه اللي حصل ؟
أغمض عيناه لثوانٍ ثم فتحهما ، من قال أنه لم يشتاق له ؟ لقد شعر بوجوده في منزل والده قبل أن يدلف ومع ذلك دلف ليؤكد شعوره ولكنه وجد نفسه أمام من اتهمته ومن صدقها ، على ما يبدو أنه لم يستطع مسامحته مادامت تلك المتلونة زوجته ، نظراتها تبوح بكمٍ هائلٍ من النصر وهو لا يريد لها سوى الهزيمة ورؤية أحمد لوجهها الحقيقي وحينها سيعود حقه له ، لذا لم يستطع تقبل عناقه .
عادت ديما تردف حينما لم يجب :
- طيب اقف على جنب شوية ، بلاش تسوق وانت في الحالة دي .
بالفعل أطاعها بعد دقيقة وتوقف على جانب الطريق ، توقف والتقط أنفاسه كأنه كان يركض .
شعر أنه يتنفس من ثقب إبرة لذا أنزل زجاج النافذة ليلتقط أنفاسه .
اقتربت منه واحتضنت كفه تطالع ملامحه الثابتة ونظرته الحزينة البعيدة لتردف بألم نتج عن تألمه :
- إنت مش هترتاح غير لما تتكلمو مع بعض ، لوحدكو وبعيد عن أي حد.
مازال كما هو لتزفر وتستطرد بانزعاج :
- ثائر علشان خاطري قول أي حاجة ، ماتسكتش كدة ، ياريتني ما قولتلك تعالى نروح في الوقت ده .
باتت تعاتب نفسها لتتفاجأ به يلقي برأسه عليها ، بات كطفلٍ حزين لا يريد سوا احتواء أمه له ، هذا هو العناق الذي يحتاجه ، الذي سينزع الحزن من قلبه ، الذي سيرشده إلى حلٍ سليم .
أسرعت ترفع كفيها وتربت على ظهره بحنين وعاطفة ، برغم وجودهما في السيارة ولكن يكفيها أن يخرج طاقته السيئة ، يكفي أن يستريح .
ظلت تملس على ظهره وتهدهده كطفلٍ صغير وأردفت بحب :
- متزعلش ، إنت لما بتزعل قلبي بيوجعني ، أنا عارفة إحساسك كويس بس خلينا نسيبها على الله ، أنا واثقة إن ربنا هيحلها بالشكل اللي يريحك ، وبعدين إحنا لازم نعترف إن أحمد اللي شوفناه النهاردة مش هو اللي شوفناه في دبي ، رد الفعل مختلف تمامًا ودي حاجة كويسة جدًا ، علشان خاطري يا ثائر ماتضغطش على نفسك في الزعل .
كيف تستطيع بأقل الكلمات أن تصنع وجبة من الراحة تغطي مساحة حزنه ؟ كيف تنتشل منه الضيق والأفكار المزعجة ، ما إن يلمسها يشعر أنها تنتزع ألمه وتلقيه بعيدًا ، كيف لا وهي دواء قلبه .
ابتعد يحدق بها لثوانٍ ثم نطق يتساءل وكأنه يتأكد منها :
- هيروح صح ؟ وجع 14 سنة منه ومن شكه فيا هيروح !
حزنت لأجله ولا تعلم هل تؤكد له أم ستكون مخادعة لذا أردفت وهي تملس على قلبه كأنها تغسله :
- إن شاء الله كل حاجة هتبقى تمام ، ربنا هيريح قلبك قريب أوي ، خلينا نبص على الأمور بمنظور تاني هتلاقي إن كل العقد اللي كانت في حياتنا بتتحل واحدة واحدة ، هانت أوي يا حبيبي .
استراح على كتفها لثوانٍ يسحب محبتها داخله باستمرار كطاقة متجددة تمده لمواصلة الحياة ، ثم استعاد خبر حملها لذا نزل بنظره نحو معدتها وملسها بيده ثم اعتدل يتنفس بعمق وأردف مغيرًا دفة الحوار :
- هنقول لمعاذ على مارتينا الأول ، وبعدين نعرفهم بالحمل ..
أومأت مؤيدة وأدركت أنه سيتجاوز مقابلة أحمد شيئًا فشيئًا لذا ابتسمت تجيبه :
- أيوة هنتكلم معاه الأول .
أومأ لها واحتضن وجنتها يشكرها على وجودها ثم استأنف قيادته وانطلق عائدًا إلى المنزل .
❈-❈-❈
استأجر صالح سيارة واصطحب دينا معه ليشتريا باقي الأغراض الهامة .
كانت تجاوره متحمسة وسعيدة ، منذ أن كُتب كتابهما وهو يعاملها بحنانٍ واهتمام ، هادئ ورزين ، يجبرها على احترامه .
صف السيارة بجوار أحد متاجر بيع الملابس ، ترجلا سويًا ومد لها يده فابتسمت وناولته كفها فتحرك معها نحو المتجر ولكنه توقف حينما لاحظ أحد العاجزين يحاول دفع كرسيه المتحرك وتعيقه عددًا من الصخور الصغيرة ملقاة باهمال في وسط الطريق لذا أردف :
- لحظة يا دينا .
ترك يدها واتجه يساعد الرجل ويدفع كرسيه نحو مكانٍ آمن ثم عاد وانحنى يلتقط هذه الصخور ويجمعها واتجه يضعها جانبًا نحو الأشجار ، بالنسبة له هذا العمل عاديًا وقد اعتاد عليه ، ولكنه لا يعلم أنه يزيد من منسوب حبه داخلها ، مراعاته للآخرين تجعلها فخورة به وفخورة أنها زوجته .
عاد بعد ذلك نحو الرجل الذي بات يدعو له ثم سأله بترقب :
- إنت داخل هان ولا رايح ع مكان تاني ؟
تعجب الشيخ من لهجته والتفت يطالعه وتساءل :
- إنت من غزة ؟
ابتسم صالح وأومأ فمد الرجل يده ينوي التقاط يده ليقبلها فنزعها صالح وانحنى يقبل رأس الرجل بعاطفة ونطق بأدب :
- العفو يا عمي تسلم .
أدمعت عينا الرجل وكذلك دينا ونطق الأول بعاطفة ومشاعر منجذبة :
- ربنا ينصركو يابني ويثبت أقدامكم ، إحنا كلنا معاكو وبندعيلكو ، فرجه قريب إن شاء الله .
ربت صالح على كتفه وأردف بنبرة حنونة :
- آمين آمين يارب إحنا وكل المسلمين المستضعفين.
تحركت دينا نحوه تتمسك بذراعه باعتزاز فرآها المسن فتساءل :
- إنتِ أخته يابنتي؟
نطقت دينا توضح :
- لا يا عمو أنا مراته .
اندهش الرجل واسترسل :
- مصرية ! سبحان الله فيكي شبه منه ، ربنا يسعدكم يابنتي ، خلي بالك منه باين عليه ابن حلال ..
ثم نظر نحو صالح واسترسل :
- وانت خلي بالك منها ، أوعى تاخدها على غزة دلوقتي .
ضحك صالح لا إراديًا ونطق وهو يربت على كف دينا بحب :
- لا يا عمي هاي بفديها بروحي ، وان شاء الله نرجع ونعمر بلدنا عن جديد .
أومأ الرجل وأعرب عن فرحته قائلًا :
- أنا مبسوط جدًا إني قابلتكو ، خدوني بقى معاكو أنا داخل جوة اشتري بدلة لابن ابني ، لسة قابض المعاش دلوقتي وقلت افرحه .
ربت صالح على كتفه وبالفعل ساعده في الدفع برغم أن الكرسي المتحرك يعمل بجهاز تحكم ولكنه أراد أن يرافقاه وهما لم يمانعا ذلك .
دلفوا المتجر واختفوا عن أنظار لوتشو الذي يقف بسيارته على بعد أمتار قليلة يراقب ما يحدث .
راقبها ليراها قبل أن يرحل ، شعورًا لا إراديًا يسيطر عليه يرغمه على رؤيتها ، وحينما يراها يتضاعف هذا الشعور فيدفعه للتحدث معها ولكنه في كل مرة يحاول يرى مدى قربها وحبها لذلك الصالح ، هي لم ولن تحبه قط، هو فقط كان مصدرًا لتحقيق أحلامها التي ظنت أنها أحلامها بالفعل ولكن الحقيقة أن دينا كانت ترتدي قناعًا لا يشبهها ، هي تشبه شقيقيها ، تحلم بالاستقرار والاحتواء ووجود أنيسًا يعينها على الحياة ، وكل هذا تمثّل في صالح لذا فهي سعيدة .
سعادتها هذه لا تحزنه ولا تفرحه في آنٍ ولكنه تمنى لو حصل على سعادةٍ مثلها ، يدرك أنه لن يجدها في الصين ولن يجدها هنا بل إن نفذ ما يوحيه عليه عقله سيدمر ما بناه لذا زفر وقرر أن يشغل محرك سيارته ويغادر ، لا مكان له هنا .
❈-❈-❈
دلفا الفيلا فاستقبلتهما المساعدة الجديدة ، سيدة في الأربعين من عمرها ، ملامح وجهها مريحة ، وابتسامتها نقية .
تحدثت وهي ترحب بهما :
- حمدالله على السلامة ، تحبوا احضر الغدا ؟
أومأ ثائر يردف وهو يبحث بعينيه عن الصغار :
- أيوة حضريه ، الأولاد فين ؟
نطقت تجيبه :
- مالك نايم ، ورؤية بتلعب في أوضتها ، ومعاذ قال عايز ينزل البي سين فـ محمد راح معاه .
أومأ بتفهم ونظر إلى ديما يتساءل :
- بيتهيألي هو ده الوقت المناسب ، ولا إيه؟
أومأت له تؤيده ثم نظرت إلى السيدة وقالت بتريث :
- معلش يا سمية استني خمس دقايق وحضري الغدا ، وسيبي الأولاد أنا هصحيهم .
أومأت سمية واتجهت نحو المطبخ وتحرك ثائر وديما نحو الجهة الخلفية من الحديقة .
دلفا ليجدا معاذ يسبح بمهارة تعلمها في فرنسا وعلى يد والده ، يقف محمد يحرسه .
نظر ثائر إلى محمد وأشار له برأسه فأومأ الثاني وتحرك يغادر بينما أردف الأول مشيرًا إلى ابنه :
- معاذ ، اطلع تعالى عايزينك في موضوع مهم .
كان الصبي مندمجًا في سباحته ، ولكنه أطاع والده واتجه نحو السلم يتسلقه ويخرج من حمام السباحة .
اتجه يقف أمامهما فالتقطت ديما منشفة ووضعها على ظهره تردف بحنان :
- نشف علشان ماتبردش .
أطاعها ونشف جسده ثم اتجه يجلس على أحد المقاعد وقابله ثائر وجاورته ديما تلف ذراعها حول كتفه كمساندة .
نظر ثائر لابنه بعمق فتساءل الثاني بتوتر حضر من هيأتهما :
- ماذا حدث والدي ؟ هلا أخبرتني ؟
تنفس ثائر وأردف بملامح جادة :
- فيه خبرين ، خبر سيء وخبر حلو ، تحب نبدأ بأي واحد فيهم ؟
تعجب الصبي ولكنه نطق بترقب :
- حسنًا قل السيء أولًا .
نظر ثائر إلى ديما يطلب الدعم منها ، لقد ظن أن قول هذا الخبر أمرٌ هينٌ ولكنه الآن يجد صعوبة في نطقه ، أسبلت ديما جفنيها له كدعم ليعود لصغيره وينطق بنبرة خرجت حزينة :
- مارتينا اتوفت .
تصنم الصبي وتجمدت أنظاره نحو والده لثوانٍ ثم التفت ينظر إلى ديما التي ربتت على كتفه وأومأت له بملامح حزينة ليعود إلى والده ويتساءل :
- كيف حدث ذلك ؟
بالطبع لن يخبره ثائر بالحقيقة بل راوغ يسرد رواية اخترعها :
- عملت حادثة في فرنسا وهي راجعة من المطار ، قعدت في المستشفى يومين وبعدين ماتت .
لا إراديًا شعر بحزنٍ شديد ، ربما هي لم تحبه ، وربما لم تهتم لأمره ، وربما لم تكن له أمًا ذات يوم ولكنه لا يكرهها ، لم يرَ منها خيرًا ولم يرَ سيئًا أيضًا لذا فهو حزين الآن، يفكر قليلًا بتشوش، ربما لأنه اعتاد على رؤيتها حتى لو كل عامٍ مرة والآن لن يراها مجددًا طيلة حياته.
مد ثائر كفيه يمسك بيدي صغيره واستطرد بنبرة مؤازرة :
- أنا عارف إن الخبر صعب عليك، بس إحنا مؤمنين ولازم نرضا بقضاء ربنا عز وجل ، ولا إيه ؟
رفع نظره إلى والده ، تعمق في عينيه ، لم يجد بهما حزنًا بل ترقب لرد فعل معاذ لذا تساءل مستفسرًا :
- هل كنت تعلم أنها في المشفى قبل أن تموت ؟
إجابة هذا السؤال في كلتا الحالتين سيئة ، فهو ذكي وسيربط الخيوط لذا أجابه :
- عرفت من جدك لما حاول يكلمك وأنا رديت عليه .
عاتبه بنظراته ونطق متسائلًا :
- ولمَ لم تخبرني ؟ ربما أردت رؤيتها للمرة الأخيرة .
لم يتوقع ثائر ما قاله معاذ ، ظن أنه سيتفهم ولكنه لم يتوقع قط أنه كان يود رؤيتها وحينما وجدته ديما صامتًا لا يجد إجابة أسرعت تجيبه بما جال على عقلها :
- بابا كان خايف عليك يا معاذ ، كان ممكن يعمل كدة فعلًا بس وقتها جدك كان هياخدك وبابا مش هيعرف يرجعك هنا تاني ، ماتزعلش منه هو أهم حاجة عنده إنت .
حديثها أقنعه لذا أومأ ولكنه ما زال حزينًا لذا حاول ثائر أن يمتص حزنه فاستطرد بعدما شجعته ديما :
- أنا ممكن أعمل أي حاجة لو حد فكر يقرب منك أو يبعدك عني ، وانت عارف إنهم عايزين ياخدوك مني ، ماتزعلش مني .
أومأ معاذ ولكنه لم يتخلَّ عن إظهار حزنه فاسترسل ثائر بترقب :
- طب مش عايز تعرف إيه هو الخبر الحلو ؟
نظر لكليهما لثوانٍ ثم نهض يلقي المنشفة ويردف بثقل :
- لا أستطيع الآن .
تحرك بعدها يغادر متجهًا إلى غرفته ونهضت ديما لتتبعه ولكن ثائر أوقفها يردف بتأنٍ :
- سبيه يا ديما ، هو معاه حق ، استني عليه النهاردة وهنتكلم معاه تاني ، واجلي خبر الحمل شوية معلش .
أومأت وجلست مجاورةً له ثم احتضنت ذراعه ومالت تضع رأسها على كتفه وتآزره قائلة :
- كله هيبقى تمام .
❈-❈-❈
وصلوا إلى الفندق.
دلف الأولاد غرفتهما ثم دلف أحمد وسها غرفتهما المجاورة .
ما إن أغلق الباب حتى انفجرت تصيح :
- إنت إيه اللي عملته ده ؟ أنا على أخري ولولا الأولاد يا أحمد أنا كنت قلبت الدنيا .
نعم بالفعل هذا ما تخشاه ، تخشى أن يعلم ولديها بما فعلته في الماضي لذا غضبت في صمت ، تآكلت غيظًا وغلًا داخلها وانتظرت اللحظة المناسبة وها هي تفجر حممها في وجهه .
نظر لها بثقب وأدرك أنها ثائرة لذا اتجه يجلس وتحلى بالهدوء ليردف :
- ليه تقلبي الدنيا ؟
ترجمت هدوءه إلى استفزاز لذا اتجهت تقف أمامه وتصيح بغضبٍ وغيظ :
- سمعت كلام أبوك وقومت اترميت في حضنه كإنك غلطان له وهو ولا عبرك ، وبعدها سلمت على مراته ولا كإنه عمل فيك حاجة ، والاتنين مشوا ولا عبروني ولا عبروا اولادي ، اقولهم إيـــــــــه ؟ لما يسألوني عمي عمل ليه كدة اقول إيـــه ؟
نهض يقف أمامها وقد استطاعت إثارة غضبه لينطق بحدة :
- نفس الأسلوب اللي استعملتيه من 13 سنة بتستعمليه دلوقتي ، لسة عايزة ايه تاني ؟ هيحصل بيني وبين أخويا إيه تاني ؟ لو خايفة أوي على مشاعر ولادك اللي أصلًا لا هاممهم عم ولا أب ولا جد ، قوللهم الحقيقة ، عرفيهم السبب .
لا تصدق ما يقوله ، عيناها تشبه سماءً ممتلئة بالألعاب النارية ، وجهها محتقن من شدة الانفعال ، لتنطق بصدمة :
- اقولهم إيه ؟ اقولهم إن عمهم كان بيتحرش بيا وابوهم ساكت ؟
رفع يده وتهاوى بصفعة على وجهها لفته للجهة الأخرى .
كان ابنها قد خرج إلى الشرفة ليستنشق الهواء وسمع من خلال شرفة غرفة والديه ما يحدث ، تجلت الصدمة على ملامحه ووقف عاجزًا عن استيعاب ما سمعه ، ولكنه لم يبدِ أي ردة فعل بل تابع صمته خاصةً وأن شقيقته في الحمام .
وقفت سها تستوعب الصفعة التي تلقتها منه لثوانٍ قبل أن تنوي الرد لذا رفعت يدها قاصدة صفعه ولكنه قبض عليها يطالعها بعيون مشتعلة وغضبٍ لم تعتَده منه وهو يردف بقهرٍ قيد لسنوات وانفجر للتو :
- بقالي سنين بسأل نفسي ، ثائر عمل كدة ليه ؟ وكل مرة بلاقي الإجابة بس بنكرها ، الإجابة إن أخويا سافر وبعد عنك تمامًا ، وانتِ اللي كنتِ متبعاه ، متابعة كل حاجة عنه ، على تواصل مع طليقته ، ولما جه دبي كنتي عارفة واتعمدتي نقابله ، والنهاردة أكبر دليل إن أخويا كان بريء هو إنه مشي ، لو كان دخل وقعد ورحب كنت شكيت تاني ، إنتِ واحدة رخيصة ، وللأسف أنا اللي سمحتلك تتلاعبي بيا بالشكل ده ، بس من هنا ورايح يا سها هتشوفي مني وش تاني ، وصدقيني قريب أوي هخرجك برا حياتي .
نفض يدها بقسوة وتحرك يغادر وتركها جاحظة تدير كلماته في عقلها الذي يتملكه الشيطان .
وقف ابنها عاجزًا عن تصديق الحقيقة التي قالها والده ، هل حقًا والدته هكذا ؟ عاد بذاكرته إلى الوراء يفكر ، ليتذكر حينما كانت والدته بالفعل تبحث دومًا من خلال الحاسوب عن أخبار عمه ، ونشاطاته ، وآخر أخباره ، تذكر أيضًا سماعه لمكالمة دارت بينها وبين طليقة عمه .
هز رأسه يرفض تلك الأفكار ، يحاول إلقاءها بعيدًا ، من المؤكد أن والدته ليست هي هذه المرأة ، ربما والده يبالغ كثيرًا .
انتفض حينما جاءت شقيقته من خلفه ولاحظت شروده فتساءلت بقلق :
- مالك يا ليل ؟
نظر لها بعمقٍ يفكر مجددًا ثم زفر وأردف مراوغًا :
- أبدًا ، كنت بفكر هنعمل إيه هنا .
اتجهت تجلس في الشرفة فجلس أمامها فسألته :
- شوفت عمك ؟ بجد منتهى قلة الذوق ، أنا كنت متأكدة إن العيلة دي غريبة .
هاجمته بأفكاره مجددًا ليشرد لبرهة ثم نطق مدافعًا على غير عادة :
- بالعكس أنا حبيت جدي وجدتي ، وماعرفش عمي عمل ليه كدة بس أكيد فيه سبب .
رفعت حاجبيها متعجبة منه ولكنها مطت شفتيها تجيبه :
- ماعرفش ، سألت مامي ماجوبتش ، ومش يهمني بصراحة اعرف ، بس أنا مش عايزاك تبقى عاطفي أوي كدة ، ماتنساش إننا هنرجع تاني في اقرب وقت ، الأفضل ماتتعلقش بحد هنا .
نظر لها قليلًا ثم نطق بترقب :
- إيه رأيك لو قولنالهم ياخدونا على شقتنا اللي هنا ؟ بصراحة مش حابب القعدة في الفندق ، عجبني أوي الجو عند جدو .
تناولت وسادة من خلف ظهرها وألقته بها بغيظ تردف :
- ليل إنت مستفز ، بقولك ماتتعلقش تقولي شقتنا ، لاء طبعًا أنا مش مع الفكرة دي أبدًا .
التقط الوسادة يبتسم ويجيبها بهدوء :
- المرة دي هختلف معاكي يا شمس ، فيه إحساس غريب حسيته وانا قاعد وسطهم مش هقدر اتجاوزه ، إحنا لازم الأول نصفي ذهننا ونفكر كويس بعيد عن التعصب ، يمكن بابا معاه حق .
قطبت جبينها تطالعه بتعجب ، كيف تغيرت نظرته بهذه السرعة ، لقد اعتادت أن يتبعها في أفكارها إذًا ماذا حدث ؟ هل هذه لعنة مصر ؟ ولماذا أصابته هو ولم تصِبها ؟
❈-❈-❈
بعد يومان
في أحد الفنادق الشهيرة حيث سيقام حفل زفاف كلًا من داغر وبسمة ، صالح ودينا.
جاءت ديما باكرًا مع بسمة ودينا لتستعدان وتتجهزان قبل بدء الحفل ، تركت الصغار مع منال وصمم مالك على بقاء معاذ معه .
جلست في الغرفة المخصثة لهن تتبادلن أطراف الحديث الممتع ، تضحك ديما بعفوية وتردف موجهة حديثها إلى بسمة :
- على فكرة بقى داغر هيزعل جدًا..
ضحكت بسمة ونطقت بتشفي :
- أحسن ، علشان يبقى يتقمص ويخاصمني كل ده ، وبعدين مش ذنبي دي حاجة غصب عني .
ضحكت دينا معهما ونطقت بحماسٍ وتردد :
- يابختك يا بسمة ، أنا متوترة جدًا ، بس لاء صالح حبيبي ماقدرش ازعله .
نطقتها وأخفت ملامحها بكفيها بخجل فضحكتا عليها لتجيب بسمة :
- مهو داغر بردو حبيبي ، بس هو اللي نيته مش سالكة .
قهقهت ديما أكثر ونهضت تردف :
- في دي معاكي حق يا بسمة ، هو فعلًا نيته مش سالكة .
نطقت دينا مدافعة عنه :
- حرام عليكو مستكترين عليه يفرح ، ده داغر غلبان .
رق قلب بسمة له ونطقت وهي تضع المرطب على بشرتها :
- فعلًا ، غلبان وقموص .
نطقت ديما وهي تتحرك نحو الخارج :
- أنا هكلم ثائر وارجعلكو .
تركتهما واتجهت تخطو في الرواق وعبثت بهاتفها لتهاتف ثائر ولكنها شهقت حينما وجدت يدًا تسحبها داخل غرفةٍ أخرى في أقل من ثانية مكممًا فمها حتى لا تصرخ .
انتفضت بين يد هذا الغريب وباتت تتلوى ليتركها في منتصف الغرفة ويبتعد مشهرًا السلاح نحوها .
وقفت تطالعه بصدمة ، بوجهٍ انسحبت منه الدماء ، وظنت أنها النهاية وانعقد لسانها ولكن جاء صوت ثائر من الهاتف الذي سقط أرضًا ، سمعته فضخ الادرينالين في عروقها وكادت أن تتحرك لتلتقطه ولكن توماس كان أسرع منها وتناوله يضعه على أذنه ويبتسم بتشفٍ يجيب :
- مرحبًا ثائر ، ديما معي ، لا تقلق ، أراك لاحقًا .
أغلق الهاتف كليًا ورطمه للبعيد ثم أشار لها بالمسدس نحو المقعد الذي جهزه يردف :
- اجلسي ديما .
هزت رأسها بلا تردف محذرة :
- ما تفعله خاطأً جسيمًا ، لن تنجو بفعلتك .
ابتسم وعاد يشير لها بالجلوس مردفًا :
- لا تهتمي بشأني ، فقط اجلسي أريد أن اتحدث معكِ ، لا تقلقي لن أؤذيكِ ، هذا السلاح فقط سيكون موجهًا لمن يأتي من هذا الباب .
ارتعبت وكل ما شغل عقلها هو ثائر لذا اتجهت تجلس وتردف برجاءٍ :
- من فضلك توماس اهدأ ، لا تورط نفسك أكثر .
كلمة أكثر التي نتجت عن توترها جعلته يشك بها لذا تساءل :
- هل أنتِ أيضًا مثل زوجكِ ؟ تعملين لصالح المخابرات ؟
تصنمت للحظات قبل أن تردف بتوتر :
- أي مخابرات ؟
ابتسم مجددًا ثم سعل فجأة فسحب مقعدًا ليجلس مقابلها وبات يتفحصها ويبتسم على نظراتها المصوبة نحوه كأنها تتحداه برغم وضعها الضعيف .
نطق بإعجاب واضح :
- أنا معجبٌ بكِ ، بكل ما فيكِ ، أنتِ امرأة قوية وذكية وجميلة وكثيرة على ذلك الكاتب الذي يظن أنه تغلب علي .
اشمئزت منه وظهر ذلك على ملامحها ليميل فمه ويسترسل :
- كنت أعلم أن نهايتي ستكون على يد امرأة ، وتمنيت لو كانت أنتِ ، لم أتوقع قط أن تفعلها رحمة ، تلك الغبية التي استهنت بها ، ولكنها فعلت ، قتلت مارتينا ، وها أنا في طريقي إليها ، من المؤكد أنني سأجدها في الجحيم ، ولكن قبل ذلك دعيني أعرفك بنفسي وأطلب منكِ طلبي الأخير .
ازدردت ريقها وبدأت تشك في الأمر ، هل يعقل ألا تكون المخابرات على علمٍ بكل هذا ؟ أيمكن أن يكون هذا استقطاب غير معلن ؟
اتخذته هكذا لذا ستتركه يبوح بما لديه فاسترسل :
- ربما ما تعرفيه عني أنني فرنسي ، ولكنني في الحقيقة أنتمي لمن يمتلك القوة والنفوذ ، اخترت ألا أسير مع الضعفاء ولو كانوا على حق ، ستجدين اسمي يتردد على طاولات المحافل السرية ، البعض يستخدموني لأخلصهم من الذباب الذي يحوم حولهم كما يدعون ، والبعض الآخر يعتبروني كنزًا ، عملت في عدة مراكز ، وعلمت أسرارًا كثيرة ، بعض هذه الأسرار احتفظت بها على حاسوبي المؤمن ، والبعض الآخر احتفظت بها هنا .
أشار نحو عقله فوجدها متحفزة فابتسم وأغمض عيناه لبرهة وكأنه يستحضر بيانات عدة من عقله .
❈-❈-❈
كان قد وصل ثائر إلى الفندق حيث كان قريبًا منه ، لا يعلم كيف وصل وكيف أكل الطريق دون وقوع حادث ولكنه هنا الآن بعدما تأكد أن زوجته لم تغادر الفندق .
اندفع متجهًا إلى غرفة المراقبة ولكن قبل أن يصل فتح أحد الأبواب ليظهر منه رشدي يطالعه بثقب ويردف فاسحًا له المجال :
- ادخل يا ثائر .
تجمد لثوانٍ وعمت الصدمة كامل جسده ، إذًا كل هذا مُرتب .
مع نظرات رشدي اندفع ثائر داخل الغرفة فأوصد رشدي الباب كي يمنعه من التحرك واتجه معه نحو الداخل .
تفاجأ ثائر من وجود بهاء يجلس أمام شاشة تعرض زوجته وتوماس ، ثارت دمائه واستند بكفيه ينظر نحو الشاشة وهو يرى توماس يهدد زوجته بالسلاخ لذا التفت نحو رشدي ونطق كليثٍ يزأر ويحترق :
- مش هسمح بكدة يا رشدي بيه ، إنتو بتخاطرو بيها ومش هقبل كدة أبدًا .
اندفع ليغادر ولكنه تفاجأ بالباب قد أغلق لذا جن جنونه والتفت يصيح بغضبٍ وعجزٍ يتغذيان على قلبه :
- افتحو الباب ده وإلا مش هيحصل خيـــــــــــر .
أردف رشدي بغضبٍ مماثل ونبرة ثائرة :
- اقف مكانك وإلا أنا اللي هتعامل معاك بطريقة تانية وانسى كل حاجة زي مانت نسيت إحنا هنا ليه ، مراتك هتخرج سليمة ، احنا اللي سمحناله يهرب وإحنا اللي سمحناله يخطفها دلوقتي ، مراتك متأمنة كويس ، هو قرر يعترف بكل حاجة قدامها وده اللي كنا هنموت ونعرفه من سنين ، اللابتوب بتاعه ماعليهوش المعلومات اللي إحنا عايزينها ، هتفهم وتقعد ولا هتتهور وتضيع الدنيا !
وجد نفسه محاصرًا بين أنياب وحشٍ جائع ، يحترق ويلتهمه القلق والغيرة ولكنه أجبر على الوقوف لذا نزع نفسه يلتفت ويقف أمام الشاشة التي تعرض ما يحدث صوتًا وصورة .
❈-❈-❈
في الأعلى
كانت متأهبة ، تنتظر حديثه الهام الذي جعلها متحفزة برغم توترها البالغ ، ليردف بنظرات ثاقبة :
- سأعطيكِ هدية عبارة عن عدة أسرار يمكنها تغيير مسار دول كبرى ، ولكن لدي طلب ، فأنا لن أدعهم يعتقلوني ، ولن أدع الآخرين يقتلوني ، سأذهب إلى مصيري بنفسي ، لذا اسمعيني جيدًا .
ازدردت ريقها ونظرت له بخوف ، يبدو أنه ينوي قتل نفسه ، ولكنه استرسل ببرود :
- في المقابل ستأخذين ابني ، عديني الآن بأنكِ ستفعلين، قومي بتربيته ولا تخبريه عني أو عن والدته شيئًا ، أخبريه فقط أن والده كان صديقًا لزوجك .
ضحك بهستيرية واسترسل :
- والعكس صحيح ، فهو ألد أعدائي ، ولكن لا بأس ، لأفعل هذا من أجله ، هو يستحق حياة أفضل ، لا ذنب له فيما فعلنا .
طالعته بصدمة لبرهة ، كيف ستأخذ طفله ؟ كيف ستعتني به ؟ ومن سيقبل بذلك ؟
عاد يغمض عينيه ثم حدق بها وبات يخبرها بكل الأسرار التي يحتفظ بها داخل عقله ، سرًا تلو الآخر وهي تستمع بعدم تصديق ولكنه أراد أن يعطيها كل ما لديه وكأن هذه المعلومات هي الإرث الذي ستعطيه لابنه .
يتبع...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا