رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام الفصل الرابع والثلاثون 34بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية عودة الذئاب (الجزء الثاني) ملحمة العوده والانتقام الفصل الرابع والثلاثون 34بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة قصر الروايات
#حكايات_mevo
#عودة_الذئاب...
كانت وَجد تجلس بين النساء، تلفظ أنفاسها الأخيرة من الصبر، تُخفي وجعها في صمتٍ مرير، وإذا بإحدى الفتيات تقتحم الجمع مُسرعة، وجلة النظرات، متقطعة الأنفاس.
اقتربت منها، جذبتها جانبًا، وهمست في أذنها بما حدث... حكت لها كل ما جرى، كل ما فُعل في تلك الليلة المظلمة — ليلة لم يرحمها فيها أحد، حتى جدها سقط تحت وطأة ما فعلوه جميعًا.
خرجت وجد مُسرعة، كأن النار تشتعل أسفل قدميها، وصعدت إلى الأعلى، تهرول بأفكارها، لا تعلم إلى أين تمضي. جلست أخيرًا، على أطراف الوجع، وانهارت — كأن شيئًا انكسر بداخلها ولم يعد يصلح للترميم.
موجوعة... كانت تشعر بقلبها يتمزق أشلاء، كل نبضة تلسعها كأنها عقاب.
راحت تفكّر في أمرها، في مصيرها، في وجعها الذي ينهشها … جلست بعينين تغلي فيهما المرارة، والخذلان يرتجف في نبرتها. كمن تنزف بالحروف.
– جاي ليه يا نديم؟جاي تاخد حقك من أبويّا؟ جاي ليه؟ماهو أكيد مش عشاني...
فضحت أبوي وسط الخلق، وجاي دلوقتي تقول: "مراتك"؟!لأ، بجد... شاطر يا بن عمي، الخطة ماشية صح!
– ياااه... كل ده علشان تيجي في الآخر، وتحط جزمتك على راس عيلة أبو الدهب؟!
خلعت قلبي ورميته! علشان إيه؟ دانا يتيمة... يتيمة أب وأم!هونت عليك تعمل كده؟!
هونت أبقى رخيصة قوي... أنا!انتقامك عماك يا نديم...دانا غلبانة... غلبانة قوي، قوي!
طب والأيام اللي عيشناها؟والحلم بتاعي؟
خلاص... مات! اتقضى على دنيتي...دنيتي اللي كان فيها أمل صغير إني أعرف أفرح...
أعرف أتنفس!
وانفلت الحزن من بين ضلوعها حتى لم يبقَ لها غير صوتها المرتجف…
خلاص يا نديم…دُست برجلك على قلبي… ليه؟!عملت فيك إيه؟!مراتك؟! بعد إيه؟
وجاي ليه؟موتّني ليه يا ظالم… أنا وجعتك في إيه؟!ليه؟!
تعيشني وجع ليه؟!وجاي تكمّل؟ما كفكش ذُلي ومرمطة نفسي؟ده أنا كنت بموت بالبطّي، وإنت واقف تتفرّج!أنا كنت بعيش على حبي ليك ، وانت كنت بتخطط تدوس عليا!
(شهقت.. نزلت دمعة كأنها كسرت جواها كل حاجة كانت بتستحمل عشانها)
انهارت من البكاء، جسدها يرتجف كأن نبضه بيصرخ، عيناها غائمة، تتشبث بآخر أنفاسها وهي تنتحب وقلبها يئن:
– طب إيه؟! هو جاي ليه؟!عايزني معاه؟ ليه؟
علشان يزلّني؟صح؟ما هو ليه طيب؟
أكيد عايز ياخد تاره من "جابر" ويعلّم عليه اليوم دا…
مافيش تفسير تاني…أنا لا بلزمه،ولا في قلبه أصلًا…هو ده عنده قلب؟!ده ديب مصعور…
بيِنهش في القلوب وما بيحسّش!مايعرفش غير الغِل…بيضحك وسط الخراب، ويمشي فوق الجثث. صرخت بحرقه..
كان القصر ساكنًا…هادئًا حد الرعب،لا صوت سوى نحيبها المتقطّع،وكأن الدنيا كلها انكمشت وسبتها تواجه وحدها.الناس انفضّوا، الكل مشي،وهي؟فضلت…زي ما كانت دايمًا: لوحدها.
وفجأة…سمعت مشاحنات.أصوات تعلو في الطابق السفلي.قلقٌ اجتاحها، فنهضت كمن يهرب من قدرٍ لا مفرّ منه.
ركضت مسرعة،وصلت عند باب الغرفة… وهي مش شايفة قدامها، رجليها بتسبق قلبها،
وإذا بصوت أبيها يشقّ الصمت كالسيف:
– "حلال عليك البِت!"
توقّف الزمن…غرزة غادرة اخترقت قلبها،
كأن أحدهم طعَنها وهي واقفة.سكتت الدنيا…حتى النفس اتوقف في صدرها…
– حلال؟!باعني؟!أبويا… باعني؟!في لحظة؟
عشان شوية فلوس؟!
عايز يرميني في حضن نديم، عشان الفلوس؟!إزاي سلّمني لنديم كإني ورقة صفقة؟!بياخدني لبيته، علشان أخلف،
مش علشاني،لا حب، ولا كرامة…المهم أخلف لهم… بس!
ياخدني بيته، يرمي ورا ضهره،وكأني ما تسواش!المهم أخلف لهم أطفال،وساعتها أكون أدّيت الغرض… وخلاص!
جملته القاتلة كانت كالساطور،نحرت قلبها وفلقته نصفين:
– "حلال عليك البِت."
سندت على الحيطة، مسكت صدرها،كأنها بتحاول تمنع نبضها من الفرار،لكن لا فائدة…قد قُضي على أحلامها!
وماتت…ماتت أميرة التلج،برد قلبها،
اتكسرت جواها كل أمنية كانت بتستند على لحظة صدق.ونسيت فكرة "قبلة الأميرة الصادقة"…لأن أميرها؟هو الذي طعنها في قلبها…بإيده! جعلها تموت ألف مرة…وهي تقف وحيده…
.
بيعت.كُشِر عنها الغطاء، وسُحبت رخيصة… من أجل المال.من أجل أن ينتصر "النديم" عليهم!باعها والدها، أو من كانت تظن أنه والدها… فالوالد سند، وضهر، وحماية، أما "جابر" فيبلغ من الخِسّة ما يجعله مداسًا لأي أحد… في سبيل المال! سمعتهم يتهامسون خلف الأبواب…
"هي مش هتوافق."
ضحكوا… وتناسوا إنها إنسانة، مش صفقة!
عادت إلى حجرتها.جلست على حافة سريرها كأنها على حافة عقلها،تفكّر…ثم ابتسمت… ابتسامة باهتة، مكسورة،كأنها ابتسامة ساخرة من الحياة كلها.
همست لنفسها، بصوتٍ يشبه الخذلان:
– شفتي؟أهيا دي الحقيقة يا "وِجد"!مافيش حب…مافيش أمان…الدنيا دي كلها غِل، وحقد، وكل واحد بيجري على نفسه!
أبوي؟فكّر في نفسه…ياخد… يكبش…
وأهو كسب!وجدّي؟برضه فكر في نفسه…
نجيب عيال وخلاص!يوزّع البهايم ع الأحفاد كأنهم هبة، مش أرواح!
أنا؟! بهيمة؟!زي البهايم… تتعلف وتنام من سكات؟!نجيب عيال زي الحيواناتبالفلوس؟!
وبعدين؟!نتهان؟!
حتى "سي نديم"…فكّر في نفسه هو كمان.
طعنني بأبشع صورة،ضحّى بيا…كأنّي لا حاجة لي إلا أن أكون سلاحًا في حربه!
– أنا فين من كل ده؟!قلبي فين؟!دانا غلبانة…غلب ليه؟ليه؟!كان حلمي أبقى له أميرة…طلعت مداس… مداس بالفلوس!
كل واحد شاف مصلحته،وانتِ؟قاعدة، بتنحي…على أيامك السودة!اللي هما…
هما اللي عملوها سودة!
صمتت قليلًا…لكن فجأة، رفعت رأسها بعناد.مسحت دموعها بعنف، كأنها تقطع الوجع من جذوره.
– بس لا… لا يا وجد!كفاية بقى.فكّري في نفسك، انتِ كمان…يا بنت "جابر"!وبطّلي هبل!حب إيه وبيت إيه ودنيا وغرام إيه؟!
الحب ده؟وهم!والضعف؟قرف!انتِ بنت "جابر"!وهتفضلي بنت "جابر"!غصب عنهم كلهم.فوقي!لازم تبقي زيّهم…تكبشي زيهم، تعيشي لنفسك،ولما حد يوقفلك؟كُلّي قلبه!
أغمضت عينيها…كأنها بتحاول تطفي الحريق اللي جواها.ولأول مرة،أقنعت نفسها…إنها لا تصلح للحب.
شعرت بسكون داخلي،هدوء غريب…من كُتر الوجع،ما بقاش فيه حاجة تتحس.ثم همست لنفسها، بصوت ثابت كالنار:
– قومي يا وجد…خُدي حقك زيهماشمعنّي إنتِ؟إنت طول عمرك هبلة؟قومي…واللي يطول حاجة، ينتشها!وهتبقي ستّهم كلهم!
وهتاخدي…وهتاخدي من جدّك كمان.
آه…هاخد!وهعيش!
هعيش بالفلوس…ما هو الحب راح،وقلبي؟
مات موتة ابن عمي الغالي…حاسّة جوايا بموت،بس لأ…موتي أحسن، وأقوى،
من إنّي أعيش ضعيفة.اهرسي قلبك بجزمتك…زي ما الكل هرسه قبلك.
...وفي تلك اللحظة،استقر شيء في ذهنها.
واضح.ساخن.حادّ كحد السيف.قررت.
ستفعل ما لا عودة منه…وستمضي قدمًا فيه.
نهضت.اتّجهت نحو دولابها…بخطوات واثقة،كأنها تلبس جلدًا جديدًا لا يشبهها.
ارتدت عباءتها الصعيدي الداكنة،وعليها غطاء الرأس الأسود،ثم حدّدت عينيها بكُحلٍ أسود عميق،جعل من نظرتها خنجرًا مغموسًا بالحزن والعزّة.
لبست كردانًا صعيديًّا عتيقًا،وخلالًا في قدميها،وتحلّت بقرطٍ عريض كأنه سلاح لا زينة.وقفت تتأمل نفسها في المرآة…
لم تعرفها.نظرت إلى انعكاسها في المرآة،
ثم ضحكت، ضحكة مشوبة بالذهول والمرارة.
– مين دي؟!
مدّت يدها نحو وجهها، تمسح بأطراف أصابعها آثار الطيبة القديمة.ثم همست لنفسها، بصوت بارد كالنار في جوف الجمر:
– لا... لسه يا وجد،التاتش الأخير...خط موتك، يا بنت جابر.
جلست.وأخرجت أداة صغيرة،وبدأت ترسم على ذقنها الوشم الصعيدي.خطٌّ أسودٌ كُحلته من الألم وغُرِز فيه معناه الحقيقي:
الهيبة… والقسوة… والرعب.من يراها… يهابها.ليس لأنها جميلة،بل لأنها أصبحت مخلوقًا آخر…مخلوقًا لا يُكسر.
استدارت.خرجت بخطى بطيئة واثقة.
وقفت في أعلى السلالم…وفجأة، وصلت إلى أذنيها صرخة أبيها:
– لأه! هيّا هتوافج؟! ما عندناش بنات أكده… وإلا تتجتِل!!
ابتسمت… ابتسامة من لم يَعُد يخاف شيئًا.
بدأت تنزل درجات السُّلَّم ببطء،كأنها ملكة من نار…تتهادى،لكنها لا تمشي… بل تحرق.
نظرات الجميع اشتعلت دهشة وخوفًا.
وسكون القاعة كأن الزمن انحنى لها، وراح يتنحّى عن طريقها.
كل خطوة لها… كانت طبلة حرب.وكل دقّة في الأرض،تسحب وهنًا من صدورهم.
رفع "نديم" وجهه،فشعر بشيء غريب يشتد في صدره…كأن كلبشة من لهب تُطبِق على قلبه.منظرها؟مرعب…مهيب…غريب.
كلما اقتربت،كلما دق قلبه كمن يُقتاد للذبح.
ظلّت تتهادى كأنها زحف اللهب نفسه…إلى أن وصلت منتصف القاعة،ثم تقدّمت ناحية أبيها،نظرت إليه نظرة من جمرٍ وسُمّ،ثم هدرت…بصوتٍ رجّ المكان من جبروته:
– عايز تجتل مين يا أبوي؟!
ذهل الجميع."نديم" بهت،وجحظت عيناه…
لم يسمعها يومًا تتكلم بالصعيدي.كانت تكرهه، وكانت تكره أن تتحدث به أمامه…
وها هي الآن،تتكلم به… كأنها بنت الجبل.
مدّ "نديم" يده إلى صدره،يشعر بذبحة…
كأن قلبه يعاقبه على ماضٍ خانها فيه.
تذكّر همسها، وهي تنظر له ذات ليلة، قائلة:
– عارف يا نديم…؟يوم ما يبقى شكلي منهم، وأتكلم زيّهم؟ابقى متّ!
وها هو الآن…يشهد موتها.لكنها ليست جنازة.بل… قيامتة.ونهايه قلبه العاشق.
خفق قلبه، وابتلع ريقه بصعوبة… عيناه كانت معلّقة بها، وقلبه يعلو ويهبط كأن شيئًا بداخله ينهار.
سمع صوتها… ووجعه.
"مين جالك إني هخالف رأيك يا أبوي؟"
ساد الصمتُ في القاعة، والنظرات كلها تعلّقت بها… رهبةٌ غريبة تغلف خطواتها، وهي تقترب كأنها عاصفة تتقدّم.
اقتربت من نديم، ووقفت أمامه بثباتٍ أرعبه…نظرت في عينيه نظرةً حادة… نظرة من لا يهاب، من تحوّلت روحها لجمرٍ مشتعل.
"نديم عامر أبو الدهب... راجلي يا أبوي."
اقتربت أكثر، ومدّت يدها تلمس صدره ببطء وثبات:
"كيفك يا سيد الناس؟ حمد الله عالسلامة... نورت دارك."
ثم استدارت، ونظرت إلى الجمع… بصوتٍ جارف كالسيل:
"نديم أبو الدهب راجلي، وهنجيب عيال… كيف ما جدي جال.""وهنعمل عزوة ونسب، وأحط مالي عَ ماله… المهم، أرض أبو الدهب تكبر… وتعلي."
صُعق الجد، وابتلع صدمته… صوته خرج محشرجًا:
"بتجولي إيه يا بتي؟! من ميّته؟! بتفكّري في أرض ؟ إنتي جَرالك إيه؟!"
سارت بثبات وجلست جوار أبيها، وضحكت… ضحكة جارحة تحمل كل السخرية:"مالي يا جدي، الله… مش جولت هتوزع فلوس عاللي يجيب عيال؟!"
رفعت حاجبها واستهزأت:
"ومن ميّته… من دلّوك يا جدي!""من ساعتها… كل واحد جري يشوف حاله… وكلهم خدو حجهم، إني وجد جابر أبو الدهب، بت جابر، "أنا عايزة أعرف نصيبي كام من مالك يا جدي… لو جبت من ده عيال؟!"
كان صوتها كالقُنبلة… وأثره كالسُمّ.
رجف قلب نديم، شعر وكأنها تُمزّقه بكلماتها.
شعر باحتقارٍ مؤلم… ليس لها، بل لنفسه.
شعر بقلبه يُنهَش… كأن يدًا باردةً تنتزع آخر نبضة فيه.
"من هذه التي تتحدث؟!""أين وجَد التي كانت تهيم به عشقًا؟""أين أميرته الحالمة؟!"
"كيف تحوّلت لتلك القسوة… لتلك البشاعة؟!"
لكن سرعان ما تذكّر…"تلك التي تتحدث الآن، لم تولد من العدم…""بل خرجت من تحت يده هو… من طعنته… من صمته… من انتقامه."وهنا… أدرك الحقيقة المروّعة:
"هي ما ماتتش… هو اللي قتلها."
بصّ لها تاني،وحاجه جواه ماتت.ومات معاها النديم القديم،اللي كان فاكر إنه هيرتاح لما ياخد حقه...بس اتوجع... أكتر.
واقف قدامها، مش قادر ينطق...شفايفه بتتفتح وبتتقفل، بس صوته مش طالع،
وعنيه بيهربوا منها،كأنها مراية شايفة اللي حاول يدفنه جواه.كأنها طلعت له روحه من مطرحها.
وهمس أخيرًا بصوت مكسور، نبرته شبه البكا:
ـ عُمر ما كان قلبي ضدك...أنا اللي ضد نفسي...ويا ريتني ما جيت.دار وشه، وهو بيشد نفسه بالعافية،بس رجليه تقيلة،
وكأن الأرض ماسكة فيه،وكأن الوجع سايبه يتحرك بس مش قادر يهرب.
نظر اليها تلك العيون القسوه الوجه المتهم.. سرح لوهله... كانت الدنيا لسه ما غربتش، والشمس مدّيه لون دهبي على وش الأرض، ونسمة خفيفة بتمر كأنها بتدغدغ المشاعر.
كانت "وجد" قاعدة على حافة الميه، بتغمس صوابعها في الميّه، وبتضحك ضحكة صغيرة وهي بتبُصّ للوشوش في السما.
جه "نديم" من وراها، بصّ ليها شويه وسكت، احتضنها وبعدين قال بصوت هادي:
ــ "ضحكتك دي بتنوري حياتي... بحس ساعات إنك هتغرقي الدنيا بضحكتك دي."
بصّت له وهي بتكتم الضحك،
ــ "وإنت مالك؟ ما تضحك معايا بدل ما واقف كده عامل فيها ابو الغضب!"
قعد جمبها، خبط حجر صغير في الميّه وقال:
ــ "أنا مابضحكش إلا لما تكوني قُدامي."
سكتت لحظه، وبعدها بصّت له بنظرة طويلة فيها دفا وخوف، وقالت بهمس:
ــ "طب أوعدني.. لو الدنيا كلّها باظت، نرجع هنا تاني.. أنا وإنت، والميّه، والضحك."
وقف قدامها، مدّ إيده، خد إيديها بين كفوفه، وبنبرة كلها وعد ساكت:
ــ "أوعدك.. لو باظت، هرمّمها، بس ما أفرّطش فيك.وتفضل ضحكتك نور عيوني..
عاد من سرحانه علي صرخه الجد والغصه بقلبه كذبح من نصل حاد..
صرخ الجد... انت انجنيتي داني جولت انك اول واحده هترفضي..
ضحكت، وقامت..تتجه لنديم ولمست كتفه بقوه،ارتجف هو لها..هدرت بعنف:
"أرفض؟ أرفض ليه يا جدي؟ ماله ده؟"
دارت حوله تتأمله:
"جتّه الله أكبر، طول بعرض، وواد عمي، وصحته كيف الحصان، يعرف يجيب عيال عفيه. أرفض ليه؟ لا بيه مرض ولا بيه عله تشينه. راجل جتّه بصحه مايترفضش. الخلف عايز صحه، والعيله العفيه عمودها يبقى عفي، وهو اهوه.. جسم يشرح الجلب!"
"أرفض لو عليل وصحته على كده؟ هيخسع مني ويفطس بدري! وأنا عايزه راجلي يجيب عيال ياما. وبعدين أرفض ليه؟ اشمعني أنا اللي أرفض؟ أمال هتوزّع عليهم وتحرمني؟ إياك!"
"نازل تقسيم؟! ماني حفيدتك! أنا ليا في الجِسمه دي كيفهم كلهم. العدل يا جدي!"
"وعموماً، البِت الصعيدي عن حجّ ما ترفض واد عمها، شالله لو كان ليه. مش ده دفع مهر وكتب؟ يبقى حلال عليه الشيله، زي ما أبوي جال. وأنا حلال عليّا فلوسك يا جدي. وده لما تديله، كيف ما جولت، أنا هاخد.
ثم قالت بحزم.... بس أجولها لك من دلوك… فلوسي مالهاش دعوه بفلوسه، هاه؟ وجد جابر يتحطلها فلوسها باسمها. ما بديش مالي لمخلوج، على اكده؟ حلال عليه. غير اكده؟ لاه… يفتح الله!"يبقى نتفج.
"قالتها بثبات، وهي تنفخ كبرياءها فـ السقف:
"هعمل عزوه بفلوسك يا جدي، كيف ما جولت. وتحددلي نصيبي، أعرفه، وتجولي. لو بالعيال أزرطلك جورطَه، هتديني كتير؟ أملالك الدار من ده عيال!"
ضحكت بسخرية خالية من الدفء:
"أنا بالنسبالي ما تفرجش! أسمر من براء، من ده؟ كلهم واحد! المهم؟ أعبي بطني عيال. من مين؟ ما تفرجش واصل. المهم؟ تتعبّي بفلوس كتير! ؟ عيلتي… وعزوتي."
هنا... أحسّ نديم بالموت، كأن قلبه انشطر إلى نصفين، أين الحبيبة؟ أين تلك التي كانت تضحك له يوماً؟ أين دفء عينيها؟ أين وعدها الصامت بأنها عمره؟ تبخّر كل شيء، كأنه لم يكن، كأنه حلم تلاشى قبل أن يكتمل، والآن يقف أمام الكابوس.
كل ما تكرر الكلمة، كل "ده" كانت بتغرس خنجر في قلبه،كل "ده" كانت بتفكره إنه مش كفاية، مش راجل في نظرها،مش أمان ليها.. ولا حتى حلم.
سكت لحظة، كأن النفس اتقطع من صدره، كأن الكلام لو خرج هيبكيه قدامها،لكن غصب عنه، وجعه نطق جواه باين في كل حرف:
"ده؟.. أنا اللي كان نفسي تبقي ليا عمر، بقيت بالنسبالك (ده)؟
كانت تقف أمامه كالغريبة، عيناها مكحّلتان، فيهما قسوة تلسع، نظراتها جامدة، كأنها تنظر من بعيد، وكأن قلبها ما عاد يعرفه، كأن الزمن كله ارتدى وجه الانتقام، وهي تلبّسته، تخلّت عن ملامحها القديمة، وارتدت قسوة لم يعرفها فيها من قبل، تركت له طعنةً مستقرة في منتصف قلبه، طعنة لو جاءت من أي أحد غيرها لاحتملها، لكنها منها… فكسرت شيئًا لا يُرمم.
وقف نديم، يسمع ولا ينطق، يشعر بروحه تنسحب من بين ضلوعه، كأن كل كلمة منها كانت سهمًا ينزع جزءًا منه، كان داخله شيءٌ يموت ألف مرة، وكانت هي تمضي كأنها لا تراه، كأنها لم تكن تعرفه يوماً، كأنها تمحو وجوده بكل هدوء، الحقيقة المؤلمة أنها ما زالت هي… لكنها ماتت، وماتت بفعله، هو من أطفأ النور في عينيها، هو من ذبحها ، وها هي الآن… ترد الطعنة.
الزمن لم يكتفِ منه، ولم ينسَ، وجريمته؟ رجعت له على هيئة انتقام، على هيئة "هي"، جاءت لتحمل صفعة جابر على وجهه، وجعلتها ضربة في قلبه، ضربة بلا صوت، لكن ارتجّ لها كل ما فيه، ضربة جعلته لا يشعر بدمه، بل بثقله، ضربة كسرت داخله شيئًا لن يُجبر، لا بالاعتذار، ولا بالدموع، ولا حتى بالرجاء.
كان واقفًا، مشلولًا، لسانه عاجز عن النطق، ماذا يقول؟ كيف يعترف بذنبه؟ كيف يستسمح قلبًا هو من قتله؟ وهي؟ أكلت قلبه ووفت، وداست على قلبه وكرامته بكعبها، لم تتردد، لم ترتعش، كانت تعرف جيدًا ما تفعل، وكأنها تقول له: كما جرحتني، أجرحك، كما خذلتني، أخذلك، كما جعلتني أزحف من وجعي… سأجعلك تركع من وجعك.
في لحظة، جعلته يشعر أنه مجرد وسيلة للإنجاب، جسد بلا روح، وظيفته الوحيدة أن يملأ لها البيت أطفالًا، لا حب، لا دفء، لا شوق… فقط ذرية، واسم يُمدّ، وغريزة تُشبع، حتى الغريزة لم تعد له… بل لمال جدها، لاسم عائلتها، لحسابها البنكي.
الصدمة ؟ جعلّته يري نفسه صغير، كأنه اتعرّى قدامها، قدام الزمن، قدام كل لحظة ضعف عاشها في صمت، قدام "أبو الدهب"، أبو اللعنات، المال ده؟ لعنة، لعنة أخرجت والده من داره، لعنة مزّقت قلبه وقلب أمه وإخوته، لعنة حرقت البركة من حياته، وأخيرًا… لعنة أخرى، قتلت قلب حبيبته، وسحقت ما تبقى من رجولته تحت قدميها، وتركته… واقف، ساكت، ولكن بقلب ينزف حرقتا ومرارا....
كان ساهما تاه في قهره ليعود لنفسه ويقف كا هناك من غرز في راسه نصلا اذهب عقله....
اما هيا ابتسمت بتحدٍ ورفعت رأسها في عناد، ثم هتفت بصوتٍ عالٍ:
"أنا أرفضه ليه؟ ماهو راجل زيه زي بقيّة الرجالة... إيه؟ ما بيعرفش يخلّف مثلًا؟"
ساد الصمت لثوانٍ ثقيلة، قبل أن تتابع بوقاحة ساخرة:
"لا... اطمنوا، بيعرف."
بهت الجميع، وتجمّدت نظراتهم عليها، فيما كان "نديم" يشعر وكأن الأرض تبتلع أنفاسه.
نظرت إليه مباشرة، بعينين تشتعلان نكاية، وقالت بتحدٍّ:
"إيه يا راجلي؟ خايف أنطج؟"
كانت تلوّح بلغة واضحة إلى ما حدث بينهما.
تكسّرت الروح داخله، سقط قلبه، وذاب في الخزي.
اندفع "أسمر" نحوها، وقد احمرّ وجهه من الغضب:
"بتجولي إيه يا محروجه؟! إيه الرط ده؟ ماتتلمّي!"
تقدّم "نديم" بخطوة حادة، وصوته مزلزل:
"مالك بيها؟ بعد يدك عنها!"
وهنا، ارتفع صوت "جابر" وهو يلوّح بيده:
"خلاص! خلّصنا! ماهي مرته… تتكلم معاه برحتها! المهم... في المهم!"
ضحكت "وُجد" حتى دمعت عيناها، وأشارت بإصبعها في الهواء وكأنها تعلن صفقة:
"أيوه... صُح! انت بتتكلم في إيه يا أسمر؟ ما هو مش مهم أي حاجه… المهم نجيب لجدي النسب، وناخد تمنه!"
نظر إليها جدها مطولًا، وكأن روحه تغادر من ضربة خنجر.
تلك الفتاة، حفيدته، التي كانت نَسمة تدور في أرجاء البيت، تحولت لشيء لا يعرفه.
انحنى ظهره بقهر، وابتلع حزنه في صمت.
اقتربت "وُجد" منه، قبّلت رأسه كأنها تغسّل ذنبها، همست بشيء لم يُسمع، ثم استدارت نحو "مهرة" وابتسمت.
"كيفك يا خيتي؟ هتنوري الدار. مرّت كبيرنا، أسمر… عاجباني. واعرة وجويّة، البِت لازم تبقى كيف الفرس… تهرس اللي يقرّب من طرفها!"
لكن "مهرة" لم تُبادلها المزاح. نظرت إليها بعينين دامعتين، وصرخت بنبرة ألم حقيقي:
"وُجد... انت مش كده.....
ضحكت "وُجد" وهي تميل نحو "مهرة" بخفة وسخرية:
"مش اكده إزّاي! ليكون البيه حكالك عن المسخرة اللي كانت حاصلة؟ لاه يا بت عمي… دا كان وخلّص. كان خيبة وويبة… جرف، آه والله، كان جرف! الصعايدة مالهمش في الجرف، وأنا عملت عيبة، وخدت جزاتي، وبصلّحها اهوه… رجعت لنفسي. بت جابر والأصل، طلع قدامكو! النبت دساس، وساعة الجد بيطلع بحزنه… ونبت جابر أهوه!"
ثم رفعت رأسها كمن يُعلن انتصاره:
"افرحوا! هنكبش كلنا… زعلانة ليه يا عبيطة؟ العيشة دلّوك للّي معاه. كل اللي حاصل ده عشان الفلوس وبس… وجفتنا دي؟ عشان الفلوس. لولا الفلوس، ما كانت في النفوس نفوس!"
مصمصت شفتيها وضحكت ضحكة ساخرة وهي تلوّح نحو فتاة تقف في الخلف:
"حد يروح يشوف الغلبانة اللي فوج… باينها هبلة، حد يعقلها! بلا حنينة بلا حزن! تشوف حالها زي ما أنا شفت. وأهوه… براء راخر كويس، جتته تجيب عيال!"
اندفع "نديم" كمن انفجر داخله بركان قهر، شدّ ذراعها بعنف، وهتف مزمجرًا:
"مجعدك فين؟!"
نظرت إليه "وُجد" بدلال وهي تضحك في وجهه بلا خوف:
"مستعجل على إيه يا راجلي؟ اختشي! الناس تجول إيه؟"
صرخ وهو يمسك يدها بعنف أكبر:
"اتلمي… أحسنلك!"
دفعت يده عنها، ورفعت حاجبيها بإغواء ساخر:
"اتلم اللي هو إزاي؟ ماهو لازم ندلع عشان نتنحرر ونجيب العيال… هتبقى جامد موووت!"
قبض على يدها وقرص عليها بغضب مكتوم:
"جولي فين مجعدك؟ أنا على آخري!"
ضحكت وهي تسحب يدها منه بمرح لا يتناسب مع الموقف:
"استنى بس… أشوف كلمة جدي إيه، وأبويا برضك!"
هنا تدخل "جابر" بفرح واضح، وصفق بيده كمن يبارك زواجًا:
"أيوه! انتِ صح يا بتي… تجيبي عيال كتير زي ما جال أبوي!"
اقتربت منه ولمست صدره، كأنها بتعاين غنيمتها، تفحصه كسلعة، ككنز انوجد فجأة في آخر الدنيا، وقالت: أيوه يا أبوي، هجيب، بس جول لجدي يزود شوية، يتوصّى، ماهو حبيبك برضك، وإن كان عالخلاف؟ نفضّه في ثانية، بلا تار، بلا زعل، بلا حزن… فلوس جدي داوت كل الجلوب، وكتمت عليها، وركّعتها… الكل بقى عبد للجرش دلّوك."
هنا الهوى اتكسر، والضحك سُم، والحكاية قلبت مرارة.
اقترب أسمر فجأة، وجهه ملبّد، ومسك ذراعها بعنف، عينيه مليانة غضب وخزي:
"ما تحترمي حالك يا بتي! من ميّتة؟! بتتكلمي اكده؟!"
اندفع النديم بكل اللي فيه، ودفع أسمر بعنف وهو يهدر:
"جولتلك ماتمدّش يدك عليها!"
ارتد أسمر للخلف، اتلخبط توازنه، ووقع، وبهت الكل من المفاجأة، لحظة تسمر فيها الزمن، اللحظة اللي انفجرت فيها نار الاتهام، واتكسر فيها الصمت، لحظة فضحت الكل…
اشتعل أسمر من دفعته، الغضب أعماه، قام يزأر كوحش انضرب على كرامته، وانقضّ على النديم.
مهرة؟ شعرت برهبة، قلبها اتقبض، مش عشان أخوها بس، كان جواها خوف أكبر… على أسمر، خوف مبهم، غير مبرر، عجيب ومربك.
اندفعت تخطو أمامه لا إراديًا، كأن جسدها سبق عقلها، حاولت توقفه، لكنها ما لحقتش، واصطدم بها في عنفوانه، فترنّحت، كادت تسقط، لكنه شدّها فورًا إليه، يده تحاوطها، يمنعها من الوقوع، وكأنها فجأة بقت هشّة في حضنه.
في تلك اللحظة، التقت عيونهما…
نظرت إليه لأول مرة بلين، بلينٍ صادق، عيونها كانت بتقول كلام كتير،كانت ،بتحكي، وبتوجع،عيونها اتفتحت على قلبه زي سهم، اخترق الغضب، ووقف كل حاجة.
هنا، أسمر نسي كل شيء، نسي النديم، نسي اللكمة، نسي السقطه، ونسي حتى الكرامة…
لانت يداه، وملامحه بردت، ابتلع ريقه، وعيونه غاصت فيها،
حس بحاجة غريبة، خفق قلبه، ضغط بيده على خصرها، حسّها، كأنها لأول مرة بقت ملموسة… بقت "أنثى" مش "ندّ".
لكن…مهرة انتفضت لما ضحكت "وِجد"، زفرت، وبصّت على أسمر حينها قالت وجد ممزوج بسخرية:
"هتفضل اكده يا أسمر علطول؟ حرنان وزي طاحون الغلّة؟ ماينفعش اكده، دي بنت عمّي، وماهيش سهله، خليك براحة، ما تهدّي..."
ما إن ابتعدت مهرة، حتي اغتاظ أسمر، وانفجر صوته في القاعة:"هو إنت مالك؟! الله! دا إيه الحزن ده؟!"
ضحكت وجد، ورفعت حاجبها وغمزت:
"يا بني والله دا كله عشان مصلحتك، ولا أجولك؟ كمل براحتك، انطحها عشان تسيبك! هاه!"
بصّت لمهرة وضحكت أكتر:
"والله ما أعرف ماله، ملوش في النحنحة… إنت تاخدي واحد كيف أخوكي ليه؟! صحيح جليل شوية؟ ولا حتى براء… الواد اللي فَوّج ده كوم نحنحه، خالص!"
صرخ أسمر غاضبًا، صوته خرج مرتجف من الإهانة:
"ما تحترمي حالك! نحنحة إيه؟ وجَلّة حَيَا على دماغك!"
وهنا انفجر نديم غاضبًا، صوته خرج كالرعد:
"ما تكلّمهاش اكده! مالك بيها؟!
تنهدت مهرة تنهيدة ثقيلة، شعرت إن جسمها خلاص ما بقاش يقدر يتحمّل، يوم كامل من الصدمات والكلام والمواجع، وكل صوت حوالَيها بقى طعنة جديدة في صدرها، فصرخت بقهر حقيقي، بصوت موجوع من جوّاها:
"ما تسكتوا بقي! قلبي وجعني! هو مافيش رحمة؟! حرام بقه… إنتوا كلكوا بقيتوا كده ليه؟! حرام… تعبت، تعبت أوي..."
وضعت يدها على صدرها، قلبها كان بيدق كأنه بيصرخ معاها، وركنت على أحد الكراسي، صوتها مكسور، ونَفَسها تقيل، زي اللي شال سنين مش يوم واحد.
رجف قلب أسمر، قرب منها بهدوء حقيقي، انكسر في لحظة، ونزل صوته للين نادر، وهمس وهو ماسك إيدها:
"بيكي إيه؟ جوليلي… حاطّة يدك على جلبك ليه؟ إنتِ تعبتِ النهارده… جولي مالك..
نظرت له، وفي عينيها دموع مخنوقة، مدّ يده ومسد على يدها بحنان صامت، وعيونها تهمس بوجع كأنها بتقول له: "مش إنت السبب، بس كلكم كسرتموني."
ضحكت "وجد" من بعيد، وقالت بتهكم وهي تلوّح:
"الله! ما طلع ليك في النحنحة أهوه!"
شدّت مهرة يدها بسرعة من يد أسمر، فنظر "اسمر" بنظرة شذر،اليها مليانة لوم وسخط، بينما وجد ما اهتمتش، ضحكت ببرود واستدارت.
لفت بوجهها ناحية جدها، وقالت بنبرة محسومة، كأنها بتقفل المشهد كله:
"خلاص يا جدي، اتفجنا… وشويّة اكده… واطلع معاه… ندخل… ونخلص."
هنا انفجر نديم كبركان مكبوت، لم يعد يحتمل، جحيمه الداخلي بلغ ذروته. قبض على ذراعها بعنف، كانت الضحكة ما تزال مرتسمة على وجهها، لكنها لم تدرِ أن نديم كان على شفا الانهيار.
قال من بين أسنانه، صوته كالسوط:
– "كلمة كمان والله لهخلّص عليكي، يمين الله أنا ما عتش جادر!"
ثم التفت نحو جده، وعيناه تقدحان نارًا:
– "طب يا حج عمران، أنا ما اتحملش، وعايز أتكلم معاها… نطلع المجعد."
لكنها، بكل استهتار، ضحكت.ثم نظرت نحو أسمر وقالت:
– "هنسبقك يا أسمر ونخلّف جبلك، اتنحرر يا واد، وهات البت وخلّي دماغها تلين بدل ما بتنطحها اكدَه… واد عمك مستعجل جوي!"
استدارت أمام نديم، تمشي بخفة رغم شدّة قبضته عليها.ضحكت مجددًا وقالت:
– "يا واد، هتفضحنا؟ هيجولوا إيه ياخراشي، مستعجل!"
كان يشدّها بجنون، والغضب يلتهمه.
فقالت بصوت عالٍ، وكأنها تعلن الصفقة أمام الجميع:
– "حضّر فلوسك يا جدي، على ما نخلص ونيجي نتفج بكام الراس!"
وفي لحظة، كأن نديم انفصل عن الواقع.
حملها بين ذراعيه وصعد بها الدرج، وهي تضحك بلا توقف، وكأنها تنتقم من كل شيء فيه.
قالت وجد بصوت مرتفع، وهي تتمايل بين ذراعيه:
– "والله ليله حلوه زي الفل! لفّعني كيف الورجة! لاه يا جدي، اختياري صح، جتّه تنفع!"
فهبّ نديم وخبطها على ظهرها بغضب:
– "احترمي حالك بقه!"
ثم واصل صعوده، وهي ما تزال تضحك، تضحك بجنون…وبينما هو يحملها ، صدحت بصوتها تغني بسعاده :
– "جولوا لأبوها إن كان جعان يتعشّى!"
– "افرحي يا دي الأوضة، جايلك عروسة موضة!"
– "خدناها خدناها، ييجي الولا ييجي!"
ثم زغردت باعلي صوت... .
اندفع نديم قافزًا السلالم في قفزة واحدة، كأن شيئًا ينفجر داخله؛ رأسه يكاد يشتعل من شدة الضغط، من احتقان الغضب، من ما تفعله به تلك التي أحبّها،كأنّه يقف في ساحة إعدام، حبيبته التي أحبها حد الفناء والتي تحوّلت في لحظة إلى شيء مُقيت، ينهش أعصابه ويُمزّق قلبه."لم يكن يعرف:هل يصعد خطوة أخرى نحو الجنون؟أم يسقط؟أم يصرخ؟لكن كل ما شعر به… أن قلبه يُذبح بهدوء.....
وهنا… سقط القناع.
وُجد التي كانت تضحك بخجل، تحب بخوف، تبكي بقلب نقي، لم تعد كما كانت.
كأن الحب حين يُطعن، لا يصرخ… بل يتحجّر.
فما تركه "نديم" فيها، عاد إليه مضاعفًا.
كان يرى ملامحها الجميلة تنطق بالانتقام، لكنه لم يرَ في عينيها شيئًا يشبه الحب.
كل ما فعله بها، عاد.
عاد في هيئة امرأة تقف أمامه، بكامل غضبها، بكامل استحقاقها، بكامل برودها.
و"نديم"؟
لم يبقَ منه إلا قلب يصرخ بلا صوت… وذكرى، تقتله كلّما تكلّمت...
بكره هتلبسلك ترتر يا حزين.... أدعو لاخوكو أبو جبل يا ولااه إنه الآن يحاسب 😂😂😂😂بس شوفتو حته اسمر لما خبط في مزته.. يااااه القلب نشف من قلة الهشتكه..
فيه حته صغننه كتبتها هنزلها ليكو بكره... تفاعل بقه...خليكو حلوين والله ازعل... .
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا