القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لإجلها الفصل الثامن وعشرون 28بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات


رواية لإجلها الفصل الثامن وعشرون 28بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات 





رواية لإجلها الفصل الثامن وعشرون 28بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات


الفصل الثامن والعشرون 


لم أُولد من رحم الراحة، بل من أنين امرأة أجهدها الزمان، كانت تنهض كل صباح وقد تقوّست أحلامها، لكنها ما انحنت يومًا إلا لتحميني.


رأيتها تُخفي دموعها في حنايا المطبخ، تُخبّئ أوجاعها خلف ابتسامةٍ مُتعبة، وتُلقي بحزنها في قدر الطعام كي لا يصل إليّ.

كنت أفهمها دون أن تبوح… وكأن بيننا عهداً غير مكتوب: أن لا أكرّر خيبتها، وأن أكون ما تمنّت أن تكونه ولم تُمهلها الحياة.


لذا أمضي… لا طمعًا في مجد، ولا حبًّا في صدارة، بل لأردّ شيئًا من دينٍ ثقيل في قلبي.

كل إنجاز لي هو قبلة على يدٍ لم تعرف الراحة،

وكل خطوة للأمام، هي خطوة نحو صدرٍ طالما ضمّني حين كانت تتداعى من التعب.


لن أخذلكِ…

لن أكون نسختكِ، بل امتدادكِ المُشرِق.


الخاطرة والمراجعة من الغالي اللي تعبان معايا وسهران/ سنا الفردوس 


..........................


 الفصل الثامن والعشرون


ـ فعلتُ كل شيء من أجلها، ضحيتُ وفعلتُ المستحيل حتى لا تتكرر مأساتي معها، وبرغم كل حرصي وتضحياتي، ها أنا أتجرع المرارة مرة أخرى، ولكن هذه المرة أقسى وأبشع. هذه المرة الضحية صغيرتي... ليتني متُّ قبل هذا اليوم! لماذا يا ربّي؟ لماذا لا يكتمل مشواري؟ لماذا بعد تلك المسافة الطويلة التي قطعتها؟ لماذا، والخسائر المضاعفة الآن تتعدى حتى كرامتي؟


حديث النفس ذلك الذي يدور داخلها، في وحدتها داخل منزلها، بعد أن انتهت الليلة الكارثية. انكسار الروح الذي ألمّ بها، والتجنّي عليها، لتختم بما حدث لصغيرتها، حين أفاقت من غيبوبتها لتجري إليها وترى ما بها، فيصدمها الطبيب بما أدلى به بعد ذلك، عن خطورة وضعها في تلك الشهور الأولى، والتعليمات التي أصدرها بضرورة عدم الحركة حتى يثبت الحمل.


في أقصى توقّعاتها المأساوية، لم تتخيّل أن تصل إلى تلك النقطة. هي لا تطلب الكثير، ولا تريد سوى عدم تكرار ما حدث معها لصغيرتها، ولكن القدر دائمًا له رأي آخر معها.


ضغطت على عينيها تمسح الدمعات الكثيفة بنشيج مكتوم، وصل إلى تلك النائمة بجوارها، زوجة أخيها الذي لم يتركها وأسرته منذ الأمس. لم يكتفِ بابنه حازم هذه المرة، بل فضّل أن يبيت هو وزوجته معها لرعايتها في تلك اللحظات القاسية.


وكما كانت تؤازرها بالأمس، نهضت المرأة لتضمها إليها وتهدهدها الآن:


ـ لساكي ما بطلتيش بكا يا جزينة؟ هتموتي نفسك عالفاضي، ليلى وبكرة تبجى عال العال، وهتنجح وتبجى زينة. انتي بس اللي هتخسّري صحتك.


ردّت مزيونة ودموعها تغرق ملابس محروسة:


ـ ببكي عشان أنا خسرت فعلًا، مش لسه هخسر. كرامتي اللي اتدهست، بتي اللي كنت معشّمة نفسي بيها تتعلّم وتبجى حاجة كبيرة، لف الزمن وهتاخد نفس نصيبي...


عارضتها محروسة بغضب:


ـ بلاش كلامك ده يا مزيونة، عشان بتّك عمرها ما هتبجى زيك... أستغفر الله العظيم يا رب.


توقفت المرأة تهدّئ من وتيرة انفعالها حتى لا تزيد على هذه المسكينة، ثم تابعت ملطفة:


ـ هتخليني أخربط دلوك ليه بس؟ يا بت الناس كل واحد بياخد نصيبه أصلًا، واللي بيحصل مع ليلى مجرد حظ، إنما لو على النصيب، بسم الله ما شاء الله، هي مش محتاجة كلام. يكفي عمايل جوزها امبارح اللي كان هيمسك السما بيده عشانها، ولا ناسه اللي شايلينها جوا عيونهم، ولا حمزة...


ـ ما تجيبيش سيرته.


هتفت بها بحدّة حتى جعلت محروسة ترد بلوم:


ـ طب وهو إيه ذنبه يا حبيبتي؟ الراجل في حاله وحال نفسه، لا شاف المرة العفشة وكلامها السم ليكي، ولا كان السبب في اللي حصل لليلى.


ـ بس هو السبب دلوك في حرماني منها.


قالتها لتعود للبكاء مرة أخرى، تنتحب:


ـ إيه اللي كان جابه هنا أصلًا عشان يبني بيت جاري ويسكن فيه؟ جاب لي الكلام والحديت، ودلوك عجدها معايا في زيارة بتي، أدخل بيتهم إزاي بعد اللي اتقال امبارح؟ أحط عيني في عين نسايبيّ كيف وأنا مخي بيدور في الشك إنهم يصدّجوا، منها لله اللي اتبلت عليا، كسرت نفسي وهزّت كرامتي.


ـ معاش ولا كان اللي يكسر نفسك ويهز كرامتك يا بت.


صدحت قوية من صاحبها الذي توقّف على مدخل الباب، وقد سمع معظم الحديث في متابعته لهما منذ لحظات، ليردف بتحفيز:


ـ النهاردة هاخدك في يدي وهنروحلها، الكل يعرف زين مين هي مزيونة الحرة، وانتي مش محتاجة إثبات.


رفعت رأسها إليه بانكسار:


ـ يا ريتها سهلة كده يا واض أبوي، يا ريتها. لو هما ما شربوهاش، ولا خالت عليهم، غيرهم بلعها وصدّقها. الحريم اللي حضروا العركة امبارح، ولا حتى العيال الصغيرة اللي هينجلوا لأمهاتهم وأهاليهم، هتجفل خشم مين ولا مين؟


ـ عنهم ما جفلوا، إحنا مين هيهمّنا مدام واثقين من نفسنا؟


صاح بها وصفي، لتجادله مرة أخرى بيأس:


ـ بتقول كده عشان راجل، لا عمر الكلمة هتأثر فيك، ولا النظرة تجرحك زيي. المرة في بلادنا هي الحيطة الواطية عشان تشيل كل النصايب. المرة في بلادنا حتى لو انجبرت على الغلط، برضو بتدفع التمن، واللي جبرها محدش بيقربله. قانون الظلم اللي ماشي على الكل هينصف مزيونة؟!


تكلّفت محروسة بالرد عليها هذه المرة:


ـ بس قانون ربنا فوق كل قانون. ربنا منتقم جبار وعدل ومنصف كمان. وانتي يا حبيبتي اتظلمتي كتير واتحملتي، تفتكري يعني بعد ده كله مش هينصرك؟ لو ظنيتي غير كده، يبجى انتي مش واثقة في عدل ربنا.


ـ ونِعم بالله، مين قال اللي كده بس؟


قالتها تمسح دمعاتها، متمالكة لبأسها بعض الشيء.


أضاف وصفي، يضع شيئًا من الأمل داخلها:


ـ خلاص، يبجى ما تقطعيش أملك بربنا، واللي حلها الأول، يحلها في التانية والتالتة. ربك كريم يا خيتي، وانتي متعرفيش بكرة مخبّيلنا إيه؟


...............................


أما عنه، فكان الألم مضاعفًا، خنجر الغدر الذي طاله بالتجنّي على من امتلكت قلبه. كيف تهاون حتى سمح لهم بجرحها أمام الملأ؟ كان يعلم من البداية أن قوتها الزائفة ما هي إلا ستار تحتمي به من أذى ألسنة البشر وأفعالهم. في داخلها امرأة هشّة تجاهد الثبات، ولكنها لم تُشفَ من جروحها بعد، تحتاجه ليرمّم المكسور بها، كي يعيد إليها ذاتها التي غابت عنها. يحتاجها كي يكتمل بها، فهو ناقص بدونها، وكأنها ضلع من جسده غائب عنه. لن يهدأ حتى يأتي بها، فيشفى بها وتشفى به.


ولكن كيف له أن يفعل هذا بعد ما حدث؟


نار تحرق أحشاءه كلما أتى بذهنه نظرتها الكارهة له بالأمس. هو لم يفعل ما يستحق عليه ذلك، لكنه قصّر، وهذا ما لن يسامح عليه نفسه أبدًا.


لابد أن تعرف مقدارها عنده، لابد أن يأخذ حقها ممن تسببوا في جرحها أضعافًا مضاعفة، وأن يتحقّق هذا عاجلًا، لا آجلًا.


انتفض معتدلًا بوقفته خلف ستائر نافذة غرفته، التي ينظر منها اليوم نحو باب منزلها، حتى لا يزعجها بحضوره كما يفعل يوميًّا، فتأخذ حريتها دون قيد، كما يحدث الآن وهي تودّع شقيقها خارج باب منزلها. ليرتشف رؤيتها بعطش السنوات، بعد ليلة كاملة قضاها سهرًا، يموت من القلق عليها. بشرتها شاحبة، وعيناها منتفخة من أثر البكاء. تضمّ شالها حول جسدها وكأنها تحتمي به، تتقبل التهوين من شقيقها الحنون كما يبدو، والذي ضمها كابنته من كتفيها، ليضع قبلة فوق جبهتها، ثم يودّعها ويذهب إلى عمله.


فتوقفت هي تنظر في الأجواء حولها، حتى استقر بصرها نحو الجهة المجاورة و... تبحث عنه. حتى وإن أظهرت الكره إليه بالأمس، فعيناها لا إراديًّا ذهبت نحو الأريكة التي يجلس عليها، المقابلة لمنزلها. انتفض قلبه داخل صدره، ودّ أن يصرخ ويخبرها أنه هنا، ولن يتخلّى عنها أبدًا. أن يقفز من النافذة ليركض إليها، ويبثّها الأمان بحضنه، أن يعتصرها ويزرعها بين أضلعه، و...


توقّف فجأة سيل الأماني، ليحلّ محلّه الإحباط واليأس، حين عادت إلى منزلها تدخله وتتخفّى داخله بعيدًا عن عينيه. ليعود إلى رشده، يسحب شهيقًا كبيرًا من الأكسجين، ليهدأ من وتيرة الحماس الذي اشتعل الآن استعدادًا للذهاب وفعل الشيء الذي كان يؤجّله منذ الأمس.


.................................


توقّف بسيارته أمام منزل والديها، وانتظر لفترة من الوقت كي تترجل، وحين لم يحدث، التفّ يقابل عينيها، ليجدها تنظر إليه باستجداء، الأمر الذي استفزّه.


ليتكلم أخيرًا، بعد فترة طويلة من الصمت...

انزلي يا هالة، مستنية إيه؟

تحدثت بعصبية، تُلقي عليه باللوم:

ـ مستنية أشوف آخرتها! ما هو أنا مش جادرة بصراحة أعديها، طليجة أخوك الشرشوحة هي اللي خربت الدنيا واتسببت في الفضايح امبارح. أنا بجي إيه ذنبي؟! بتمسكلي في الكلام وتحط عليا إني قولت وعدت، ذنبي إني بتكلم بنيّتي؟ طب افرض إني كنت بخربط عشان مش فاهمة اللي بيحصل؟ بدل ما تفهمني، عايزة تخرب ما بينا يا خليفة؟! طب لو كبرت وأبويا عملها ومرضيش يرجعني تاني، خواتك هينفعوك ساعتها يا خليفة؟


ظل صامتًا يتركها تهذي بكل ما عندها، حتى إذا توقفت أخيرًا، تحدث:

ـ خلصتي كلامك؟ طب يا ستي أجيبلك أنا من الآخر، كل العواطف والدراما اللي عملاها دي ما دخلتش في دماغي بنكلة يا هالة. روان اللي بجت شرشوحة النهاردة، امبارح كانت صاحبتك وحبيبتك، ولا هتنكري إنك إنتي اللي عزمتيها على فرح معاذ، وبعدها خليتي رجلها تروح وتاجي على البيت! من إمتى كنتي بتحبيها يا هالة عشان تعزميها بنفسك على الفرح؟


ضاقت عيناه في كلماته الأخيرة يخترقها بنظرات ثاقبة تكشف أغوارها، حتى أصابها الارتباك قائلة ببراءة تدّعيها:

ـ وافرض يا سيدي حصل وعزمتها، اعتبرها تقدير لعشرتنا مع بعض سنين. يبجى كده أنا اللي مسلطاها؟ دي واحدة النار كلتها لما شافت عمايل أخوك مع المحروسة التانية اللي هتبجى جدة بعد كام شهر، على رأي روان!

يعني هما الاتنين عوجين، أنا إيه دخلي بقى؟!


تجادل باستِماتة، وكأنه لا يفهم ما برأسها، تلك الصفة التي تغفل عنها دائمًا فيه؛ يخدعها بصمته ولا تعلم بأنه يُحلل كل فعل تفعله أو كلمة يتلفّظ بها لسانها، وما تحوي خلفها.

ولأنه الأعلم بغيرتها الواضحة من مزيونة، قرّر هذه المرة أن يوجعها كما فعلت هي، دون أدنى ذرة رحمة بالأمس، تساعد الأخرى بأسلوب غير مباشر لتزيد من بثّ الفتنة:


ـ مش ذنبها إنها اتجوزت صغيرة جوي، وبنتها إتجوزت صغيرة زيها وأزيد بشوية بسيطة، هتبجى جدة، ومع ذلك برضو أصغر منك! ولا إنتي ناسية إنك كد مني، يعني أكبر منها بسنة وزيادة؟


ـ لأ، مش ناسية.

هتفت بها بحدّة حتى بدت كصيحة بوجهه، مرددة:

ـ مكانش في أحنّ منك يا خليفة، اتغيرت يا واض عمي، وجلبت على أقرب واحدة ليك، بت عمك، أم عيالك! ده أنا لو بدبح يا شيخ، من الواجب تعملي خاطر!


تجلّت القسوة في ملامحه، غير متأثر بتلك الخطبة التي أرادت بها استدراج عاطفته، ليرد موجهًا الحديث نحوها بأمر:

ـ لولا إنك بنت عمي، وإني محافظ على صلة القُربة اللي بيني وبين عمي، لكنت نهيت جوازنا من زمان، حتى من جبل ما نخلف عيال لو تفتكري!

بس خدي بالك، أنا صبري مش طويل جوي كده، اللي ما بينا شعرة، بإيدك إنتي بس اللي تجطعيها في أي وقت يا هالة.

ويلا بجى، انزلي يا هالة بدل ما أنزل معاكي أنا وأبلغ أبوكي بكل اللي حصل، وساعتها محدش يلومني في اللي هعمله. أخلصي!


.................................


استيقظت أخيرًا من غفوتها الطويلة، لتصطدم أبصارها بوجهه، الذي يُشرف عليها بمسافة قريبة جدًّا، وكأنه على هذا الوضع لفترة طويلة من الوقت، منتظرًا إشراق الضوء بعسليتيها الساحرتين، يتأملهما بانبهار واضح، وحتى ينفي عن نفسه شعورًا آخر بالاختناق يراوده منذ الأمس.

فتبسم، يقبّل جبهتها برقة ونعومة، قائلًا:

ـ صباحك الورد والفل على عيونك.


أهدته ابتسامة ما أروعها، تبادله التحية:

ـ صباح الجمال على أحلى معاذ. شكلك صاحي من بدري، ولا أنا اللي اتأخرت في النوم؟ ولا إيه بس؟


اتجهت أبصارها نحو الشرفة، لتعرف بتأخر الوقت من اختراق الشمس لأبعاد كبيرة من الغرفة، فأردفت:

ـ يا وعدي، ده أنا فعلًا اتأخرت خالص كمان. أما أقوم...


ـ استني عندك!

هتف يوقفها فورًا حين همّت برفع جذعها عن الفراش، لينهيها بحزم لا يخلو من خوف:

ـ ده برضو الكلام اللي اتفقنا عليه امبارح يا ليلى؟ مش قلنا مفيش حركة، زي ما نبه الدكتور؟


تبسمت مستخفّة، في محاولة منها لطمأنته:

ـ يوووه يا معاذ يا حبيبي، مش للدرجة دي يعني؟ هو جال راحة، مش الزق في السرير! لكن الحركة الخفيفة مسموح بيها...


صاح بها مترجيًا هذه المرة:

ـ الله يرضى عنك، حتى الخفيفة بلاها، بلاها أي حاجة ممكن تكون سبب في... أحبّ على يدك يا شيخة، أحبّ على يدك...


وسقط برأسه، يدفنها في تجويف عنقها، قاصدًا أن يُخفي جزعه عنها، ولكن الأمر كان أكبر من تحمّله، فصار يتنفس بخشونة لثقل ما يحمله بداخله، حتى غلبته مشاعره، وسقطت دمعات منه تُحرق بشرتها، لتُسارع بلفّ ذراعها حول عنقه، تُربّت وتهوّن عليه:


ـ يا حبيبي، أنا بخير جدامك، مش مستاهلة الرعب ده كله.


رفع رأسه إليها، والدموع عالقة ببشرته، قائلًا بطاقة مستنفَذة:

ـ كل ده ومش مستاهلة؟! كيف يا ليلى؟! وإحنا كل حاجة بنخطّطلها ونعمل حسابها، بتيجي معانا بالعكس!

الحمل جه غصب عننا رغم كل الاحتياطات، وفي أهم وقت إحنا محتاجينه، حتى ما نجحناش نأخّره سنة ولا سنتين في الجامعة، وتختم كمان بالخطورة عليكي وعلى الجنين!

لدرجادي أنا فاشل يا ليلى؟


جذبته إليها، تضمه بصورة أقوى من السابق، تهدهده بكفّيها الناعمتين، حتى إذا هدأ قليلًا، خطفت قبلة على جانب وجهه، ليأتي دورها في الحديث:


ـ الانفجار ده كان واجب عليا أنا على فكرة، مش إنت.

أنا اللي حاطة عهدي مع أمي سيف على رقبتي، ومع ذلك أخفقت بدل المرة كذا مرة، رغم حرصي زي ما بتقول...


توقفت، تخرج تنهيدة من عمق ما يموج بصدرها، تردف بغصّة اختنقت في حلقها:

ـ اللي حصل مع أمي امبارح، مكانش ينفع أسكت عليه.

يمكن زوّدتها وضرّيت نفسي وزوّدت الطين بلّة، لكن والله يا معاذ، لا كل كلام الدكتور، ولا كل اللي حصل بعد كده، كنت حاسة بيه ولا فارق معايا.

مكنتش شايفة غير مزيونة، مزيونة اللي مستعدة أعمل عشانها أضعاف، كرامتها أهم عندي من نفسي.

وحلمها فيا، هحجّجه ولو على سريري اللي نايمة عليه.

أنا أمي شافت كتير، وجت على نفسها، وجبلت تسعدني على حساب نفسها.

يبقى أقل ما فيها إني أرفع راسي، حتى لو اتهزمت، وأكمّل المشوار لحد ما أوصل.


لم يُعقّب على ما تفوهت به، وظل يتأملها بإعجاب وانبهار.

لقد اتّضح له أن صغيرته الشرسة، تحمل قوة أكثر منه.

لقد ورثت الصبر والجلد من مزيونة، كما أن ما مرّت به قد ساهم في نضجها سريعًا وقبل الأوان.

إذن، هل يصح له الضعف الآن مع واحدة تملك إرادة مثلها؟


ـ مالك بتبصلي وساكت ليه؟

تبسم بمكر ردًا لها، ليرد على القبلة الصغيرة التي أهدته إياها من لحظات، بالعديد والعديد، يطوف على كامل بشرتها وعنقها، حتى دوى صوت هاتفها يقطع لحظته، فخرج صوته بضيق:


ـ ده مين ده اللي بيرن عليكي دلوك؟


تناولت الهاتف من فوق الكمود بجوارها، تجيبه بشر، دي أبله إعتماد بتتصل على ميعاد الدرس 

فابتعد عنها على الفور يردّد بتوجّس:

ـ يا ساتر يا رب... ربنا يجعل كلامنا خفيف عليها!


وكان الرد ضحكة عالية منها، تعود بها إلى شقاوتها وطبيعتها المشاكسة.

...............................


ارتجفت، تبتلع ريقها الذي جف سريعًا عقب سماع ما تفوّهت به خادمتها عن وجود الضيف الذي حضر ويريد مقابلتها الآن. تحاول أن تملك بأسها وتُسيطر على خفقان قلبها الذي يكاد يقفز من صدرها خوفًا.


– ليه مبلغتنيش الأول؟ تديني فكرة قبل ما تقوليله "الهانم موجودة"! هو أي حد يطلب يقابلني تدخّليه كده بالساهل؟!


ردّت العاملة باحترافية، رغم غيظها من تلك الحمقاء:


– حضرتك، أنا مش بدخّل أي حد. أنا عارفة إن حمزة بيه والد ريان، يعني لأنه كذا مرة يوصّله أو يوقف بعربيته يستنّاه وهو خارج من هنا. على العموم، لو مالكيش رغبة، أنا مستعدة أخرج وأقول له "الهانم مش فاضية".


صاحت بها تُوقفها محذّرة:


– استني عندك! وإياك تعمليها.


ابتعلت، تهدّئ قليلًا من توتّرها قبل أن تأمرها:


– روحي حضّريله حاجة يشربها، أنا هخرج حالًا أقابله دلوقتي.


– أمرك يا هانم.


خرجت العاملة، تتركها تتخبّط فزعًا من القادم، لتُغمض عينيها قليلًا تستدعي شجاعتها، وتلتف نحو المرآة خلفها، فيغمرها شيء من الثقة، بهيئتها المتأنقة دون تعب أو جهد، فقد كانت على وشك الخروج إلى شركة أبيها التي تعمل بها كمسؤولة هناك.


حسمت أمرها للمواجهة، واضعة في رأسها أنه لن يؤذيها وهي داخل منزلها؛ فكم كان كريمًا معها منذ الانفصال. قد يكون غاضبًا مما حدث، لكنها والدة ابنه في النهاية.


زفرت تستعد لمقابلته، مغمغمة بغيظ ممن كانت السبب في إشعال النار:


– منك لله يا هالة...


............................


وجدته في انتظارها واقفًا، لم يُكلّف نفسه حتى بالجلوس. لم يأتِ بالجلباب هذه المرة، بل أتى بالهيئة التي تعشقها؛ يرتدي قميصًا رماديًا من تلك الماركة العالمية التي يُفضّلها، وبنطالًا أسود يليق ببشرته البرونزية. وسامة رجولية خشنة لطالما حسدتها عليه النساء.


مطرقًا رأسه بسكون تام، حتى وهي تقترب ويصله صوت حذائها يطرق على الأرض الرخامية. لم يرفع بصره إليها إلا حينما بادرت بالترحيب:


– ده إيه المفاجأة الجميلة دي؟ نورت بيتي يا حمزة.


التقت عيناه بعينيها دون أن يرد بكلمة، ينظر إليها فقط بغموض زاد من توجّسها. فمدّت كفها نحوه تصطنع الابتسام من أجل مصافحته، فنظر إليها بازدراء دون رد، حتى أصابها الحرج، لتردّ بلوم:


– مرسي أوي لذوقك. على العموم، أنا برضو مش هزعل منك. هتقعد كمان، ولا هتفضل واقف؟


ظلّ على جموده، ولم يرحمها سوى بعد لحظات، ليخرج صوته أخيرًا:


– يوم ما انفصلنا أنا وإنتِ، وحلّينا كل المشاكل اللي ما بينا بالتفاهم، أو بالتساهل مني بمعنى أصح، عشان حضرتك تكرّمتي ووافقْتي إن ابني يفضل معايا، فاكرة أنا اتفقت معاكي على إيه يوميها؟


تمتمت بتشتّت وريبة تكتنفها، فالمقدّمة لا تُريحها على الإطلاق:


– مش فاكرة، صراحة.


رد بابتسامة لم تصل إلى عينيه، ملتزم الهدوء:


– أفكّرك أنا. يوميها قولتلك بالحرف الواحد: "جوازنا صفحة وانجفلت، واللي باجي ما بينا كل ود واحترام. وريّان ابننا يعيش في بيئة سوية، سواء إنتي اتجوزتي أو أنا اتجوزت، مفيش تشويه لصورة التاني ولا نزرع الكره في قلبه لحدّ مننا." حصل ولا ما حصلش؟


قال الأخيرة بحدّة جعلتها تردّد دون تفكير:


– حصل.


– ولما حصل، خُنتي العهد وجلّيتي بقيمتك ليه؟


اجفلت بردّه المباغت، لكن سرعان ما استعادت توازنها تحاول امتصاص غضبه:


– أنا برضو قلّيت بقيمتي يا حمزة؟ الله يسامحك. عارفة إنك غضبان وليك حق، بس أنا والله ما كنت أقصد الأمر يكبر كده. هي الست دي وبنتها اللي قصدوا يورّطوني، الله يسامحهم.


عضّ على نواجذه بغضب شديد، يحاول كبح رغبته في الانتقام، لكنها للأسف امرأة وأم ابنه الوحيد.


– الست اللي بتتكلمي عنيها دي، واللي عايرتيها بنقص تعليمها عنك، تفكّري ألف مرة قبل ما تجيبي سيرتها جدامي، أو في أي مكان حتي. لسانك الزفر لو هلفط بكلمة واحدة عنها تاني، هتنالي العقاب اللي تستحقيه. حمزة القناوي جايلك النهاردة يعاملك بتربيته، إنما تكرّريها تاني، هعاملك بتربيتك!


ردّت بعدم فهم لمغزي كلماته الاخيرة:


– بتربيتي! ومالها تربيتي إن شاء الله؟ والله إنت عارف كويس إني متربّية على الأصول زيك بالظبط! إنت ابن ناس مأصلين، وأنا ما أقلش عنك.


نفى برأسه موضحًا دون مواربة:


– لا، إنتِ شكلك مفهمتيش كويس، بس أنا هفهمك، لو هعاملك بتربيتك، يبجى هعمل زي ما عملتي بالظبط: أطلع كل الدفاتر اللي ماسكها عليكي وعلى السيد الوالد، وأعملكم فضيحة تشهد عليها الجمهورية كلها، وأدخّلكم أنتوا الأتنين السجن!


تساءلت بذهول ورعب:


– إيه اللي بتقوله ده يا حمزة؟ تدخلني أنا السجن؟ وتعمللي فضيحة؟!


أجاب بابتسامة ساخرة:


– ما أنا بحذّرك اها، عشان ما تضطرّنيش أعملها. نيجي بقى للي هيتنفذ دلوك، "المعاملة بتربيتي"، واخدة بالك؟


توقّف لحظة ثم أضاف بأوامره:


– بيتي، ولا بيت أهلي، ولا أي حد من عيلتي... ممنوع تعتبي عتبة منهم تاني. وإن كان على ابنك، ليكي رؤية مرة واحدة في الشهر، هيوصلك لحد عندك، وهيرجع في نفس اليوم. مش هيبات. وده اعتبريه كرم مني!


صرخت بجزع:


– يا نهار أبيض! إنت سامع نفسك؟! عايز تحرمني من ابني علشان غلطة بسيطة؟ دي مجرد خناقة مابين ستات! بتحصل في كل الدنيا! ثم تعالى هنا... كرم إيه ده اللي بتتكلم عنه؟! إن جينا الحق الولد مفروض في حضانتي أنا، يعني أقل محامي يخلّصها في جلسة واحدة.


توحّشت ملامحه بخطر ينبأها بطريق اللاعودة معه، قائلاً:


– جرّبي بس يا روان. أنا بتمنّى بس إنك تجربي، وشوفي ساعتها إن كانت عيلتك كلها، ولا اسم أبوكي اللي فرحانة بيه، ولا فلوسه، حدّ فيهم هينفعك ولايسد جدّامي!


بصق كلماته، وشرع في الذهاب غير آبه بانهيارها المذري، وقبل أن يصل إلى باب الخروج، صرخت به:


– كل ده علشانها؟ علشان الست الجاهلة بتاعتك؟!


التفت برأسه نحوها يُجيب بتحذيره الأخير:


– وأعمل أكتر من كده كمان... حظّك بجي إنك حرمة، إنما لو راجل، كنت عرفت أجيب حقها صُح منك! مش بقولك إني كريم؟!

....................................


استغرقتا الاثنتان في الشرح والمراجعة حتى شعرت اعتماد نحوها بالإشفاق، حين رأت الإجهاد الذي خيّم على ملامحها الجميلة، رغم صمتها وعدم الاعتراض أو الشكوى. فتناولت هاتفها لترى الوقت، وهي تحدثها:


– كنت ناوية أقرص عليكي النهارده، بس شكلي هأجل وأخليها المرة الجاية، أنا برضو عندي جلب وشوية إحساس.


تبسّمت ليلى ترد على مزحتها:


– متجوليش كده يا أبلة اعتماد، ده انتي أمّ الإحساس والذوق.


لم تُعلّق اعتماد، وقد تغيّرت ملامحها وتعقّدت بانشغالها في قراءة إحدى الرسائل التي لم تكتشفها إلا الآن، وكانت قد وردت أثناء انغماسها في الحصة. تمتمت شفتيها بسبة، قبل أن تضغط على الأزرار الثقيلة للهاتف القديم، الوحيد الذي تملكه الآن، طالبة رقم صاحبة الرسالة بقلق، الأمر الذي دفع ليلى للتساؤل:


– خير يا أبلة اعتماد، في حاجة؟


اهتز رأسها بتوتر نافية وهي في انتظار الإجابة من الطرف الآخر:


– خير، خير... إن شاء الله خير.


وانتفضت تنهض من جوارها، تحاول السيطرة بصعوبة على اهتزاز جسدها، الذي اندفعت به سخونة الانفعال والترقّب. وما إن جاءها رد من الجهة الأخرى، حتى هتفت بعصبية:


– أيوه يا زفتة، توك ما رديتي؟............... كنت مشغولة في الحصة وكاتمة التليفون الزفت... معاناتها إيه الرسالة اللي بعتاها دي؟............

وما إن وصلها رد الطرف الآخر، حتى ضربت بكفها على جانب فمها من فرط غضبها، تصيح بها:


– يا نهارك اسود ومهبب بستين نيلة يا روضة! واخدك على الجمعية عشان تعملي الإجراءات؟ وليكي عين تكلّيميني كمان؟..........

غصب عنك؟كيف يعني؟ مشربك حاجة صفرا ولا مفكيش لسان تجولي لأ؟

ضاغط عليكي وإنتي مش جادرة عليه؟.........طب عطّلي نفسك على كد ما تجدري، أنا جيالك دلوك على الجمعية الزفت... اجفلي يا بت، ولا أجولك، خليكي معايا على التليفون لحد ما أوصلك، إياك تجفلي!....


تحركت تلملم أشياءها على عَجَل، وتوجّهت بالخطاب إلى ليلى:


– أنا همشي دلوك، وابجى أتّصل عليكي بعدين وأبلغك بميعاد الدرس التاني... بس إنتي اهتمي باللي خدناه النهاردة.


أومأت لها ليلى، تهز رأسها بطاعة قائلة بقلق انتقل إليها:


– ماشي حاضر... بس إنتي جولي لو محتاجة مساعدة، أبلغ معاذ ياجي معاكي؟


ردّت اعتماد بصوت يتخلله الأسى، وهي تغلق حقيبتها لتهمّ بالذهاب:


– المساعد ربنا... متشغليش نفسك إنتي، ولا تبلغي حد، إن شاء الله محلولة. عن إذنك.


تبعتها أبصار ليلى بحزن، لا تدري لِمَ شعرت بتشابه بين تلك المرأة ووالدتها، رغم الفروق الشاسعة بين الشخصيتين. ربما وجه التشابه كان في الكفاح، وربما في الحظ السيئ الذي يتبعهما كظلّ لا يرحم.


...


بخطوات تقارب الركض، كانت تهرول هابطة الدرج، تحاول اللحاق ومنع الكارثة قبل حدوثها، واضعة الهاتف على أذنها، لتصلها كل همسة من الجهة الأخرى. قدرها السيئ الذي تمثّل في شقيقة كانت – وستظل – نقطة ضعفها الوحيدة، رغم تحلّيها بالقوة واستغنائها عن الجميع؛ شقيقتها ضعيفة الشخصية، لا تجد لها حلًّا أبدًا.


وفي غمرة انشغالها وركضها، لم تنتبه لذلك الذي كان يصعد الدرج عكس اتجاهها، حتى إذا وصلا إلى نقطة التقاطع بين الطابقين، وقع الاصطدام المتوقع، وكانت الضحية هاتفها القديم. حينها، سقط من يدها على درجتي السلم القاسيتين، متحطّمًا تمامًا، متناثرة أجزاؤه إلى قطع مجهولة الهوية.


نظر إليها خليفة بذهول تام، قبل أن يرفع بصره إليها، فتلتقي عيناه بكتلة من النار التي يتكرر معها نفس الموقف. نظرت بحسرة إلى هاتفها الذي أنقذها رغم قدمه بعد خسارة الآخر، وقد تهشّم بصورة لا تنبئ بإمكانية إصلاحه، ثم نظرت إليه بصدمة امتزجت بمشاعر هوجاء، مقدّمة طبيعية للعواصف والأعاصير القادمة، فهو المتسبّب في خراب الاثنين لها الآن، ليخرج صوتها أخيرًا بتقطّع، بداية لما هو آت:


– إنت... إنت...


– أنا إيه يا بنت الناس؟ أنا إيه دخلي بس؟


تمتم مقاطعًا لها، ليضرب كفًّا بالأخرى مردّدًا:


– لا حول ولا قوة إلا بالله... طب أعمل إيه معاكي دلوك؟ جوليلي... المرة اللي فاتت رفضتي العوض بدل اللي راح منك، المرة دي بجى  اعتذار في الجريدة الرسمية؟ يمكن تعفي عني؟


لم تكن تملك رفاهية الرد بطبيعتها، فما ينتظرها غير قابل للتهاون أو المغامرة بالصعود إلى ليلى وإضاعة المزيد من الوقت، أو حتى عنجهيتها الزائفة في رفض المساعدة من أحد. فباغتته بقولها:


– إديني تليفونك.


ارتدّ برأسه إلى الخلف يعقّب بدهشة:


– تليفوني! كده على طول؟


– أمال يعني بعد ساعة؟ بسرعة هاتو يلا.


أخرج خليفة على الفور هاتفه، يعطيها إياه بتوجّس. فاختطفته بسرعة، تتصل على أحد الأرقام، ذاهبة بسرعة مما اضطره لاتباعها:


– استني! يا اسمك إيه إنتِ؟ يا آنسة كانك ولا مدام؟ يا أخت!


كانت قد وصلت إلى خارج المنزل، عيناها تبحث يمينًا ويسارًا بعدم تركيز، فأجابته:


– أنا عايزة حد يجيلي تاكسي بسرعة... متعرفش حد يجيبلي تاكسي؟ عاوزاه مشوار بأقصى سرعة.


ردّ عليها بسخرية:


– وهتاخدي التليفون معاكي؟


– ياسيدي هديهولك بس أوصل مشواري.


رغم فزعه من صرختها، إلا أنه تفهّم، فقد استوعب أن خلف ثورتها أمر جلل، فتحرّك نحو سيارته، يشعلها بالمفتاح:


– تعالي معايا وأنا أوصلك في عربيتي.


طالعته بنظرة حادّة، فهم ليسارع بالتوضيح:


– اطمّني... هوصلك بس، عشان آخد تليفوني. تمام كده؟

....................


كان يجب أن تكون بجوار صغيرتها اليوم، تُلقي بكلام البشر خلف ظهرها، وإن لم تملك الجرأة لتذهب برفقة شقيقها كما قال لها. لكنها لم تستطع؛ فعندما تجد القدرة على الوقوف في وجه الشائعات والمؤامرات، يمكن أن تفعل. ولأنها الآن لا تقوى على شيء، يكفيها أن تراها عبر شاشة الهاتف وتحدّثها باستفاضة.

قضت مع ابنتها "ليلى" قرابة الساعة، ولم يقطع وصلهما سوى دخول مدرستها "إعتماد"، لتُنهي معها المكالمة أخيرًا، وتعود إلى وحدتها، رغم وجود شقيقها وزوجة شقيقها التي لم تتركها حتى الآن.

لكن الوحشة تسكن قلبها، حتى في وجود البشر.


غلبها التعب الجسدي والنفسي، فقررت الهروب منه بالنوم، وكادت أن تنجح، لولا ذلك الطرق القوي على باب منزلها، بصورة أزعجتها حتى نهضت عن فراشها لرؤية هذا الطارق المزعج.


كانت قد سبقتها "محروسة" زوجة شقيقها، ليصل إليها الجدال، فتعرف هوية من يقف خارج المنزل:


– مفيش حد موجود يا أبو ناصر، يعني ما ينفعش ندخلك من أصله.

– وأنا مش عايز أدخل، أنا عايز بس أشوفها... خلّيها تطلعلي.

– تطلعلك فين يا أبو ناصر؟ بجولك الولية تعبانة.

– ليه، وأنا هاخدها مشوار؟ دا هما خطوتين لحد العتبة، ما هتجدرش تعتبهم؟ ليه، اتشلت؟

– بعد الشر عليها، الفال سعد.


أوقفتها "مزيونة"، تسحبها للداخل وتحل هي محلها، قبل أن يزيد عليها بفظاظته التي تعرفها جيدًا:


– نعم يا عرفان، أديني بطولي واقفة جدامك، عايز إيه؟

تأملها برهة، يُجفلها بإجابته وقد بدا من هيئته أنه ليس على طبيعته:

– عايزك.

– نعم؟

ردّ على استفسارها بتهكم:

– بجولك عايزك، لازم أشرحها بالتفصيل عشان تفهمي؟


إلى هنا وقد فاض بها من وقاحته، لتقرر بحسم إنهاء المقابلة:

– تصدّق إني غلطانة إني عبرتك أصلًا؟ ارجع مطرح ما كنت... بلا جلّة حياء!


كادت أن تُغلق الباب في وجهه، لكنه منعه بكفّه الضخمة، يردّد بفحيح:


– جلّة حياء تبجى لمين؟ للراجل اللي عايز يلم لحمه ويرجعك لزمته ست بيتك؟ ولا للنطع اللي داير يلف حواليكي، وآخِر المتمة خلى سيرتك على كل لسان؟


صاحت به، بعدم إحتمال، وهي تجاهد لإغلاق الباب في وجهه:


– معاش ولا كان اللي يستجرأ يجيب سيرتي! بعد من بيتي، لا أصرخ وأقول "بُوّوو!" ألمّ عليك الناس.


تبسّم، يثير اشمئزازها:

– وتجيبي فضايح على فضايحك؟

على العموم، أنا برضو أشرفلك من النطع دوكها، على الأقل أنا أبو بِتك.


– جطع لسانك يا عرفان!


صرخت به بقهر غلبها، حتى تفاجأت به يُسحب ـ أو يُختطف ـ بمعني أصح من أمامها، وصوت تعرفه جيدًا يهدر:


– هو البعيد ما عندوش كرامة؟ للمرة التانية برضو جاي تتهجم على اتنين نسوان؟!


وفي أقل من ثوانٍ، تفاجأت بالجسد الضخم يسقط كالجثة أمامها، بعد تلقيه عدة ضربات نافذة.

نظرت "مزيونة" إلى ذلك الجسد الذي تكوم أمامها كالخرقة البالية، تردد بعد استيعاب:


– عملتها إزاي؟ كيف قدرت عليه بالسهولة دي؟


تبسّم يجيبها بمرح، يكتنفه امتنان غير عادي نحو "عرفان" الذي أعطاه الفرصة لرؤية وجه القمر... وجهها:


– ما خدش في إيدي غَلْوة... دا شارب أصلًا، غير إني عملتها جبل كده وكان فايق... لو تفتكري يعني؟


أومأت بحرج، وقدماها تعودان إلى الداخل.

أردف يسألها قبل أن تختفي من أمامه، وعيناه تتشرب تفاصيلها:


– وانتي... عاملة إيه النهاردة؟

أومأت بصوت بالكاد يخرج:


– زينة، والحمد لله. عن إذنك.


دلفت تغلق الباب عليها، لكنه لم يتحرك، فصدح صوته من الخارج، يجبرها على الابتسام من خلف الباب:


– طب أتصّل بمين ياجي يشيل الجثة؟


... يتبع

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع