رواية أنا لها شمس الجزء الثاني «أذنابُ الماضي» الفصل الثاني وعشرون 22بقلم روز آمين حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية أنا لها شمس الجزء الثاني «أذنابُ الماضي» الفصل الثاني وعشرون 22بقلم روز آمين حصريه في مدونة قصر الروايات
«أذنابُ الماضي» الجزء الثاني من أنا لها شمس
🔷الفصل الثاني والعشرون🔷
بسم الله لا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
🔹الفصل الثاني العشرون🔹
«أذنابُ الماضي»
#_أنا لها شمس الجزء الثاني،بقلمي روز آمين
__________________________
اشتقتكِ فاتنتي،اشتقت التعمق بجرأةً للساحرةِ عيناكِ ،لرائحة عطرك الرائع ودمجها بخاصتي وأنتِ بين أحضاني،للحظاتنا المسروقةِ من الزمانِ، للمسةُ أناملكِ حين تعبثُ بشعيرات ذقني وكأنها تعزفُ سيمفونية الحياةِ،لكلماتكِ الهامسةُ أمام شفتاي وهي تروضني وتحولني لغيري لا يشبهُ عنادي، لهمسات كلانا داخل أذن الأخر لتقشعرُ الأبدانِ،وأنتِ حبيبتي،ألم لحبيبكِ تشتاقي؟
من قال أني لم أشتاقُ!،بلا اشتقتُ وأذابني الإبتعاد،فحتى اشتياقي تخطى لوعة الاحتراق،اشتقتك شوق الغيومِ للأمطارِ،شوق الظلامِ للمعة الأقمار،لكنك وبرغم سنواتنا معًا أثبتُ أنك لم تعرفني إلى الآن،فأنا امرأةٌ تضعُ كبريائها فوق كل اشتياق.
بقلمي «روز أمين»
_______________
داخل شركة الزين
كانت تقبعُ فوق مقعدها منكبة على جهاز الحاسوب الخاص بها، تراجعُ بعض أعمالها المهمة عليه، استمعت لبعض الطرقات فوق الباب فتحدثت بجدية:
-إدخل
استمعت لطرق كعبًا عالي لحذاءٍ نسائي يدق الأرض بقوة فرفعت رأسها ليصيبها غضبًا فور رؤيتها لتلك البغيضة التي لا تستحي"عاشقة زوجها"، تحدثت بغرورٍ:
-عرفتي آخر الأخبار ولا لسه يا مدام؟!
ضيقت بين حاجبيها لتسألها باستغراب:
-خير يا دكتورة؟!
ابتسمت شامتة لتلقي ما بدلوها كي تحرق روح تلك العاشقة:
-يبقى زي ما توقعت،محدش بلغك لسه
تنهدت إيثار مستنكرة طريقة الأخرى في استعراض عضلاتها لتنطق سميحة من جديد بما أشعل روح الأخرى:
-فؤاد لسه قافل معايا التليفون حالاً ومبلغني بأخر التطورات
شعرت بنارًا تسري بجسدها تحت سعادة الأخرى التي تابعت مسترسلة بتعالي:
-"رولا إلياس"، مرات المجرم طليقك.
اتكأت على حروف جملتها الأخيرة لتشعر الأخرى بالدونية ثم تابعت بابتسامة شامتة بعدما لاح حزن الأخرى بمقلتاها:
-اتقبض عليها من كام ساعة وهي بتستلم شحنة الاجهزة اللي متهرب جواها الهروين
تحركت ثم جلست مستندة الظهر للخلف لتضع ساقًا فوق الأخرى بكبرباءٍ واكملت وهي تضحك بسخرية:
-اللي يشوف ثقتها وهي طالبة تقابلني وبتعرض عليا مساعدتها بكل ثقة وكبرياء، ميصدقش إنها وقعت واتقبض عليها بمنتهى السهولة والغباء اللي حصل ده، بصراحة أنا عمري ما قابلت شخصية بالغباء ده كله
أطلقت ضحكة ساخرة وهي تتابع:
-تخيلي، البنت رايحة تستلم شحنة هروين بنفسها من المينا كأنها بتستلم أوردر ميكب، عمرك شفتي غباء أكتر من كده؟
كانت تثرثرُ وكأنها تحدث نفسها،فالأخرى سرحت بعالمها المؤلم وبات عقلها يتسائل،هل تحدث مع غريمتها وأبلغها بما حدث بشأن موضوعًا هامًا كهذا ولم يهتم بإخبار صاحبة الشأن،هي أحق منها،تملك الحزن من قلبها بعدما إنطلت عليها كذب "سميحة" التي وضعت توابلها على الموضوع لتشعل الأجواء بين غريمتها وحبيبها، فهي من تواصلت به عبر الهاتف الجوال وليس هو نظرًا لعلمها موعد وصول الشحنة وجميع التفاصيل بحكم ان أتفاق رولا كان معها هي، وتابعت باستفزازٍ تحت حزن الأخرى:
-إيه يا مدام، مش هتشكريني ولا إيه؟!
استعادت توازنها لتسألها متهكمة:
-أشكرك ليه وعلى إيه؟!
رفعت حاجبها الأيسر وتحدثت مستنكرة:
-على إني انقذتك، لولايا كان زمانك مرمية في الحبس مكان رولا الغبية
قاطعت إيثار حديثها معلقة:
-إنتِ بنفسك قولتيها، غبية
رفعت رأسها لأعلى لتتابع بكبرياءٍ:
- وأنا مش غبية يا دكتورة، علشان كده لسه باقية في المنصب ومحافظة على الكرسي بتاعي
اشتعل قلب سميحة من رد تلك المتكبرة لتتابع الاخرى مستطردة بإبانة:
-تفتكري إني متعرضتش لعشرات المخططات وكتير حاولوا يوقعوني علشان بس يثبتوا لبشوات عيلة الزين سوء إختيارهم ليا
-قصدك مين باللي حاولوا دول يا مدام... جملة حادة وجهتها لها سميحة وهي ترمقها بنظراتٍ غاضبة لتنطق الأخرى بثباتٍ:
-تقدري تسألي الباشمهندس أحمد في الموضوع ده، هو عنده عِلم بكل حاجة حصلت هنا في الشركة، من يوم ما أنا استلمت منصب رئيس مجلس إدارة المجموعة، لحد اللحظة اللي انا وإنتِ قاعدين نتكلم فيها دي
أرادت سميحة اشعال روحها فأجابت ببرودٍ:
-هبقى أسأل فؤاد أفضل، مش حابة أتعب بابي معايا، وبعدين،
وتابعت بنظرة تحدي:
-أنا برتاح أكتر في الكلام مع فؤاد، لإننا فاهمين بعض كويس قوي، بحكم إننا متربيين في بيت واحد وعمرنا كله قضناه مع بعض
وباتت تسرد لها:
-قعادنا في بيت جدو قبل ما كل واحد يبقى له بيت لوحده ويتنقل فيه، وسفريات الصيف ورحلات لندن وباريس ، ومزرعة الخيول وسباقتنا اللي كنا بنستمتع بيها
مع كل كلمة تنطق بها كانت تزيد من اشتعال روح تلك العاشقة التي انفجرت وما عادت تستطيع الاحتمال:
-ياريت يا دكتورة تهتمي بجوزك هو كمان وتفتكري ذكرياتك معاه ، هو مش بردوا من العيلة وأكيد كان ليكم مع بعض ذكريات؟!
وتابعت بضغطٍ وتأكيد:
-وأهو على الأقل لما تفتكري ذكرياتك معاه مش هتاخدي ذنوب زي غيره
احتدت ملامحها وامتلئت بالغضب لتهب واقفة وهي تقول:
-انا مسمحلكيش تدخلي في حياتي الشخصية وتقولي لي أعمل إيه ومعملش إيه يا مدام!
وتابعت والغل يأكل قلبها:
-أنا اللي غلطانة لما فكرت أغير من طريقة تعاملي معاكي وجيت لك علشان أبلغك إن الي كانت عاوزة تأذيكي وقعت في نفس الحفرة اللي حفرتها علشانك، وده بسببي وبسبب ذكائي
واستطردت بلهجة حادة:
-وبدل ما تشكريني وتحفظي جميلي عليكِ، بتعاملتي بمنتهى قلة الذوق لا وكمان قاعدة تسمعيني في خُطب وتديني نصايح
وتابعت متبعة سياسة قلب الطاولة:
-قبل ما تعملي عليا أبلة الناظرة وتديني نصايح، روحي شوفي بلاويكي وماضيكي الزبالة اللي ورطي العيلة كلها فيه، مش بس الغبي إبن عمي اللي دخلك عيلة الزين وحطك في مكانة مكنتيش تحلمي بيها
حاوطت فكها بأناملها الرقيقة وتحدثت بهدوء ما قبل انطلاق العاصفة:
-وإيه كمان يا دكتورة، طلعي الغل والحقد اللي مخبياه في قلبك بقالك سنين
وتابعت بابتسامة شريرة:
-حارقك قوي إن فؤاد اختارني ولتاني مرة يرفضك
اتسعت عينيها بجنون لتصيح بصراخٍ هائج:
-إنتِ اتجننتي، إزاي تكلميني بالطريقة دي، شكلك نسيتي نفسك وأصلك
انتفضت لتقف بجسدٍ ينتفض جميع خلاياه لتهتف بغضبٍ وصرامة:
-أصلي وتربيتي هما اللي مخليني مكملة ومستمرة في مكاني لحد الوقت، فؤاد علام إختارني من بين كل الستات اللي كانوا بيلفوا حواليه علشان بس يشوفهم بعيونه
هدأت قليلاً لتتابع بلهجة شديدة تصل للغرور:
-فؤاد علام بجلالة قدره هو اللي قعد سنة بحالها يلف حواليا، عارفة ليه؟!
كان قلبها يغلي كبركان لتتابع الأخرى بنبرة أهدى :
-لأنه لقاني مختلفة،شاف فيا الست المحترمة اللي محافظة على نفسها واللي هتصون اسمه في غيابه قبل حضوره، شاف فيا أم أولاده اللي هيفتخر بتربيتها ليهم
استمرت بالحديث وهي تقول باعتزازٍ وكبرياء:
-أنا إيثار الجوهري مديرة مكتب أيمن الأباصيري، المطلقة البسيطة اللي مفيش راجل من الكتير اللي حاولوا يقربوا لي قدر يلمس طرف فستاني، واللي وكيل النيابة من أول يوم شافني فيه وهو مقرر إني هكون مراته
رفعت سبابتها لتنطق بتوعدٍ مباشر:
-أنا مرات فؤاد علام وأم ولاده، إوعي بعد النهاردة تحاولي تقللي مني،
وتابعت محذرة:
-وكلمة أخيرة واعتبريها نصيحة، إبعدي عن جوزي يا سميحة، وإلا قسمًا بربي هفضحك قدام العيلة كلها، هكشف لهم عن الوش الحقيقي للدكتورة المحترمة اللي سابت شغلها في دبي وسحبت وراها جوزها وعيالها علشان ترجع تقرب من حبيب القلب اللي ولا مرة اختارها، إبعدي عن جوزي، يا سميحة
وتابعت بشراسة أنثى عاشقة
- واعتبريه تهديد ما قبل العاصفة، اتقي شر قلبت ست بتعشق جوزها ومتأكدة إنه بيموت في التراب اللي بتمشي عليه، مش هسمح لك تقربي من جوزي بعد النهاردة
هزت سميحة رأسها بذهولٍ قبل أن تنطق مستنكرة بازدراء:
-إنتِ واحدة مجنونة
أجابتها بأعصابٍ باردة:
-يبقى تخليكي زي الشاطرة وتتقي شر جناني، مش بردوا بيقولوا ليس على المريض حرج
فرغت جعبتها لتهزي غاضبة بجنون:
-أنا مش هرد عليكِ علشان منزلش لمستواكِ، أنا هنقل كل كلامك ده لفؤاد وهخليه يجيب لي حقي منك
رفعت حاجبها مستنكرة:
-وإنتِ فاكرة إن فؤاد لما تروحي تشتكي له مني هيقف في صفك ضدي؟!
ده أنتِ تبقي طيبة قوي، يا بنتي فؤاد بيعشقني، إفهميها بقى.
هرول كلاً من بسام وأيهم بعدما علت أصواتهم واخترقت الجدران، لتستمع كلاً منهما إلى بعض الطرقات السريعة وبعدها دفع "أيهم" الباب ليدخل سريعًا وتلاهُ بسام الذي طرح سؤالاً وهو يتطلعُ بين كلتاهما:
-فيه إيه، صوتكم جايب أخر الشركة؟!
-فيه إن المدام اتعدت حدودها معايا في الكلام، وأنا مش هسكت،والله ما هسكت يا بسام...أنهت سميحة كلماته الغاضبة و إندفعت مغادرة كثورٍ هائج لا يرى أمامه من شدة غضبه،انسحب بسام خلف شقيقتهُ بعدما رمق إيثار بنظرة ازدرائية بينما هتف أيهم بغضبٍ حاد تجلى في نبراته:
-مالها الست دي يا إيثار، وازاي تكلمك بالطريقة دي
استندت بكفيها على المكتب ثم ابتسمت وهي تقول بطريقة متهكمة:
-سيبها تخرج الغضب اللي جواها بدل ما تنجلت وأعيش بذنبها
ابتسم ليعقب:
-للدرجة دي قهرتيها يا بنت الجوهري
بملامح وجه مكفهرة نطقت من بين أسنانها:
-دي أخرة اللي ييجي عليا يا أيهم، الهانم جايه تصيع عليا وفاكراني غبية وهصدق لعبتها،كانت فاكرة إني هشكرها وأفتح لها حياتي ونقرب من بعض علشان تعرف تختار مناطق ضعفي اللي هتضربني منها كويس،بس ده بُعدها، أنا واقفة لها بالمرصاد، ومبقاش إيثار الجوهري إن ما كنت اخليها تلم شنطها وتسحب التافه جوزها في ايدها ويرجعوا على دبي في أقرب وقت
وهمست بهسيسٍ بالكاد سمعته هي:
-فؤاد علام ملكي، واللي هيقرب من ملكي مش هسيبه غير وروحه طالعة في ايدي
__________
على الجهة الأخرى
داخل المكتب الخاص بسميحة، كانت تجوب المكان بجنونٍ وهي تتحدث:
-أنا أتعامل بالطريقة دي ومن مين،من واحدة مقبلش أشغلها عندي سكرتيرة،ربنا يسامحك على اللي عملته في عيلة الزين يا فؤاد،معرفش عقله كان فين وهو بيختارها واجهة ليه،وعمي ازاي وافق على الفضيحة دي،لا ومكتفاش بفضيحة جوازه منها،ده كمان ركبها علينا في الشركة وخلاها ترأُسنا كلنا وتدينا أوامر
-تستاهلي كل اللي إنتِ فيه وأكتر يا سميحة عارفة ليه... جملة نطق بها ذاك الذي يقف متفرجًا واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله والابتسامة تعلو ثغره لتلتفت إليه تلك الغاضبة ليتابع هو بشماتة:
-علشان جت لك الفرصة إنك تخلصي منها وتخلصينا كلنا وإنتِ بغبائك ضيعتينا
أشارت بسبابتها إليه وتحدثت بجدية:
-مفيش حد غبي غيرك يا بسام، إنتَ مش بس غبي ومبتفهمش، إنتَ حقود
احتدت ملامحه وامتلئت بالغضب لتتابع هي بإبانة:
-علشان متضايق من واحدة تروح تتفق مع العدو وتضيع سمعة العيلة كلها
وتابعت بإبانة أظهرت مدى ذكائها:
-هو أنتَ فاكر إن الزفتة دي لو انقبض عليها في قضية رشوة مش هتضر باسم شركتنا وتخسف بأسهمها الأرض؟!
ده غير إني كنت هحط نفسي في مواجهة الوَحش،هو أنتَ فاكر إن الخطة الهبلة اللي عملتها البت اللبنانية دي كانت هتعدي على واحد بدهاء وخبرة فؤاد،ده كان هيدور ويقلب الدنيا لحد ما يظهر الحقيقة ويطلع مراته منها زي الشعرة من العجينة
وتابعت بسخرية:
-وأنا اللي كنت هشيل كل الليلة ومش بعيد كان ضحى بيا وحبسني مكانها
تشتت عقل الأخر ليجيبها:
-أكيد الست كانت هتخطط بطريقة ذكية للموضوع ومكنش هينكشف
اطلقت ضحكة ساخرة ثم تحدثت بتهكم:
-لا هي من ناحية ذكية فهي أثبتت إنها فعلاً ذكية، بدليل إنها رايحة بنفسها المينا تستلم شحنة الهيروين وكل الاوراق باسمها.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل الحرم الجامعي،كان يتحرك ممسكًا بيده كوبًا من مشروب النسكافية، تحركت اليه سريعًا ساندي بمجرد ما إن لمحته،تكادُ تكون تراقبهُ طيلة اليوم في محاولات مستمرة ومستميتة للتقرب منه،تحدثت وهي تبتسمُ بدلالٍ:
-ازيك يا حضرة الظابط
بنبرة جادة أجابها:
-انا تمام،إنتِ اخبارك إيه
-مش كويسة... قالتها بعبوسٍ مصطنع لتكمل بدلالٍ حاولت بهِ جذب ذاك الوسيم:
-وزعلانة منك قوي
-ليه بس... قالها بهدوء لتجيبهُ:
-علشان طلبت منك اكتر من مرة نتقابل برة الجامعة وإنت كسفتني
تنهد براحة ثم أجابها وهو يتحرك باتجاة المكتبة لمراجعة بعض المراجع:
-إنتِ عارفة كويس إن معنديش رفاهية الوقت للخروج
كاد أن يكمل ليقطم كلماته وهو يستمعُ لرنين هاتفه الذي أخرجه سريعًا لينتفض قلبه رهبة حين وجد نقش اسم فؤد علام،ارتبك وانتابته عدة مشاعر مختلطة ما بين ألم وحزن وفرحة وأيضًا لومٍ كبير، نطق للأخرى وهو يتخذ جنبًا:
-بعد اذنك
-ألو... قالها بجدية أظهرت للأخر مدى حزن يوسف لينطق فؤاد بجدية فهو الاخر مازال غاضبًا من تصرف الفتى:
-أيوه يا باشمهندس
علم من هنا أنه غاضبًا للغاية فتابع فؤاد بجدية:
-أنا بكلمك علشان ابلغك بحاجة مهمة حصلت ولازم تعرفها
كانت كلماته عملية أكثر من اللازم بالحد الذي جعل يوسف يتيقنُ من أن فؤاد لن يغفر له ذلتهُ بسهولة، هو أيضًا حزينٌ مهموم من معاملة فؤاد لهُ بطريقة مهينة بذاك اليوم المشؤوم وحتى الأن يعاملة برسمية كشخصٍ غريبًا عنه،:
-خير حضرتك
قص عليه تلك المؤامرة الحقيرة التي حاكها والدهُ ورولا بالاتفاق مع سميحة، ليقول لائمًا:
-عرفت أنا ليه مكنتش عاوزك تدي لأبوك فرصة يقرب منك ويدخل حياتك، لأنه راجع وقاصد أذية أمك
واسترسل بحدة بالغة:
-ولو أمان أمك ميهمكش يا حضرة الظابط، فهو مسؤليتي، وأمانها قصاده روحي
صاح يوسف بلهجة شديدة:
-حضرتك عارف أمي بالنسبة لي إيه
نطق ساخرًا يخبره بما يعلمهُ من خلال المراقبة الشديدة التي وضعها هو على الشاب لتأمينه:
-أه عارف، بدليل إنك زورت عمرو في بيته وقعدت وأكلت معاه هو وجدتك وباقي العيلة.
ذُهل من معرفته بالأمر وتحدث بعدما تمالك من حاله:
-أكيد اللي وصل لحضرتك المعلومات قال لك كمان إني كنت رايح اجيب اختي، اللي جدتها بعتت لها رجالة قطعوا طريق رجوعها من الكلية وخطفوها لعندهم.
صُعق مما استمع إليه، من أي مادةٍ مصنوعة قلوب هؤلاء البشر، ألم يشفع لهم مرض تلك المسكينة ليضاعفوا ألامها ويزيدوها رُعبًا داخل قلبها، وبرغم غضبه مما استمع اليه لكنه لم يُظهر اي ردة فعل وتحدث بحدة:
-حوارات عيلتك دي كلها متخصنيش يا يوسف، أنا اللي يهمني في الموضوع ده كله هي مراتي، قسمًا بربي يا يوسف، لو عمرو البنهاوي حاول يأذيها بأي شكل من الأشكال ما هعمل حساب إنه أبوك تاني
من شدة غضبه شعر بعروقه تنفر وتنتفضُ، لم يعد يعلم من اين تأتيه الضربات، هل يحزن على هذا الاسلوب الجديد الذي يعاملهُ به أبوه الروحي، أم على ابتلائه في الدنيا المتمثل بذاك الـ"عمرو"، تحدث بصوتٍ تملؤهُ خيبة الأمل:
-لما ييجي تحت ايد حضرتك تاني مترحمهوش، ومن النهارده حضرتك اعتبرني مش موجود في حياتك،واتصرف على اني مليش أي وجود في دايرتك
وتابع تحت انتفاضة قلب فؤاد وارتيابهُ:
-بعد إذن حضرتك.
أغلق الهاتف تاركًا فؤاد لتأنيب ضميره، جذب شعر رأسهُ بقوة وعنفٍ ودق بقدمهِ الارض، لام حاله على تلك الكلمات الحانقة التي خرجت نتيجة غضبه من عمرو، أراد ان يهاتفهُ مجددًا ويعتذر له عن كل ما بدر منه من كلماتٍ جارحة لم تخرج من قلبه المحب لذاك الحبيب الذي تربى داخل كنفه، هز رأسه بأسى وقرر مهاتفة الفتى لاحقًا حتى تهدأ ثورتيهما وتخمد نار غضبهما الذي تسبب به "عمرو البنهاوي"
استقل الشاب سيارتهُ وقادها بسرعة جنونية تاركًا تلك التي زفرت بحدة من تجاهلهُ لها حتى أنه غادر الجامعة دون الاعتذار منها
______________
داخل منزل عمرو البنهاوي
يجلس هو وسليم ونائلة بصحبة المحامي لتنطق الأخيرة بدموعٍ وانهيار:
-دخيلك تطمني وتقِلي إن بنتي رح تطلع من هاديك القضية بسلام
تحدث المحامي بثقة:
-متقلقيش يا هانم، القضية سهلة جداً، بمجرد ما الموظف اللي أقنعتوه يروح النيابة ويعترف إن هو اللي اتفق على تهريب شحنة الهيروين في الأجهزة، وإن مدام رولا ملهاش أي علاقة هتخرج بسهولة
سألهُ عمرو بارتيابٍ:
-طب والتسجيلات اللي مسجلاها بنت عم فؤاد علام يا متر؟
-تبلها وتشرب ميتها...نطق بها الرجل ساخرًا ليتابع موضحًا الأمر:
- التسجيلات دي ملهاش أي لازمة وغير معترف بيها لأنها تمت بدون إذن من النيابة العامة
نطق سليم إلياس مستفسرًا:
-وإذا فؤاد علام أوجد إذن النيابة ، شو رح يصير ببنتي يا إستاذ؟!
نطق الرجل بطلاقة لمعرفته بفؤاد:
-فؤاد علام أذكى من إنه يزق بإسمه واسم والده في حاجة مشبوهة زي دي،ده راجل مُرشح لإنه يكون عضو من اعضاء هيئة المستشارين بالمحكمة الدستورية العليا،فاطمنوا
وتابع بدهاء رجل قانون متمرس:
-من خلال خبرتي أقدر أقول لكم إن اللي عمله فؤاد علام قرصة ودن لـ عمرو بيه مش أكتر، لأنه لو عنده النية فعلاً يسجن المدام كان حَبك القضية أكتر من كده، ومكنش ساب ثغرة واحدة لمحامي يعرف يعدي منها
سألهُ سليم:
-وبرأيك شو يلي منعه يا إستاذ؟!
-ضميره الحي، عيلة الزين وخصوصًا علام وابنه، معروفين بالسمعة الطيبة والضمير الحي، وتابع مستشهدًا:
-يا راجل ده سجن مراته ومخافش من الفضيحة ولا على شكله قدام الناس.
صاحت نائلة ودموعها تغرق وجنتيها:
-مبيهمني كِل يلي عم تحكوا فيه، أنا بدي بنتي تخرج اليوم قبل بكرة
أجاب الرجل بثقة:
-هتخرج يا هانم، شوفوا بس الراجل اللي هيشيل الليلة وراضوه كويس علشان لما النيابة تضغط عليه ميضعفش ويعترف ويضيع كل اللي رتبنا له
أجابهُ سليم بثقة:
-لا تقلق، أنا عطيته مبلغ اذا بيقضي عمره كله عم يرمح رمح ما بيجمع ربعه
قطع كلامهم صياح يوسف الذي هتف بقوة زلزلت جدران المنزل:
-إنتَ فين يا عمرو يا بنهاوي، إطلع لي هنا وكلمني راجل لراجل
هتفت إجلال التي تجلس ببهو المنزل مرتكزة على تلك العصا تتكأ عليها:
-فيه إيه يا واد، مالك داخل علينا حامي كده
-إبنك فين؟... قالها بحدة وغضب ليجتمع جميع من بالمنزل على صياحهُ العالي، حتى زينة هرولت من المطبخ حيث أمرتها اجلال بجلي الصحون كنوعًا من التسلية وممارسة أقرب الهوايات إلى قلبها، ألا وهي قهر وإذلال الأخرون، هرول عمرو على نجلهِ ليسألهُ بهلعٍ:
-مالك يا يوسف، فيه إيه يا ابني؟!
بأعين تطلقُ حممًا بركانية هتف:
-إوعى اسمعك بتقول كلمة ابني دي مرة تانية،إنتَ فاهم
وهرول يقابلهُ بالوقوف، كور قبضة يده ورفعها للأعلى ثم نفضها بحدة في الهواء ليهتف من بين أسنانهِ والشرر يتطاير من عينيه:
-المفروض تحمد ربنا ألف مرة على إني متربي كويس وعارف ديني،وإلا كان زماني مخلص عليك ومخلص أمي من شرك
هتف سليم وهو يحس المحامي على التقدم للخارج:
-اتفضل معي يا إستاذ
خرج كلاهما وصعدت نائلة للأعلى تاركة هؤلاء المجاذيب كي يمارسوا هوايتهم المفضلة وهو التشاجر وممارسة الصوت العالي
هتفت إجلال وهي ترمق الشاب باحتقارٍ:
-إخص على ربايتك، إنتَ فعلاً رباية مرة يا واد يا يوسف
إلتفت اليها بأعين تطلق أسهمًا نارية:
-رباية المرة اللي بجد واقف قدامك أهو
اتسعت أعين عمرو وهو يرى نجله الحبيب يشير إليه ليتابع الفتى بشراسة:
-اللي يتفق مع مراته على أم ابنه ويحاول يلفق لها تهمة مخدرات ويسجنها، هو ده اللي يتقال عليه رباية نسوان بجد
-أنا معملتش كده، والله العظيم ما ليا يد في أي حاجة ولا كنت أعرف...قال تلك الكلمات بدفاعٍ وتبرئة حاله ليتابع وهو يتطلع لعينيه برجاء:
-أنا عمري ما افكر أأذي إيثار لسببين يا يوسف
همس متأثرًا:
-الأول لأني لسه بحبها وعمري ما نسيتها
وتابع بصدقٍ وهو يحيط كتف الفتى:
-والتاني لأنها أمك يا حبيبي
نفض عنه يده وتحدث بحدة:
-كلامك ده تروح تضحك بيه على أي حد غيري
صرخ عمرو بدفاعٍ عن حاله:
-والله العظيم يا ابني دي الحقيقة
نطق سليم الذي ولچ للتو بعدما تحدث بالحديقة لبعض الدقائق مع المحامي:
-صدقه لبَيك يا يوسف، بَيك عم بيقول الحقيقة
قالها وصعد لزوجته لينطق يوسف بغضبٍ:
-إسمعني كويس يا عمرو يا بنهاوي، قسمًا برب الكون، لو حاولت تقرب من أمي تاني لانسى انك أبويا وانسفك من على الارض نسف
هتفت إجلال بحدة متهكمة:
-والله وعرفت تربي بنت منيرة
تحرك ليغادر فجذبهُ عمرو من رسغهِ وهو يقول بعدما أرغمه على الوقوف:
-فؤاد علام بيحاول يفرق بينا يا يوسف، إوعى تدي له الفرصة دي
-فؤاد علام أشرف منك ألف مرة... قالها باشمئزاز وهو يجذب رسغه بحدة وقوة ليتابع بتهديدٍ صارم:
-لأخر مرة هقولها لك، إبعد عن أمي واتقي شر غبائي
تحرك خطوتان صوب باب الخروج لتهرول إليه الفتاة وهي تنادي باسمه بندمٍ:
-يوسف
قطعت طريقهُ وأمسكت ذراعيه وكأنها تستنجد به، وقفت تتطلعُ عليه بأعينٍ دامعة آسفة تجول على ملامحه التي اشتاقتها بألمٍ، ابتلع ريقه لينطق بحزمٍ:
-هستناكي برة في العربية على ما تجيبي حاجتك
حركت رأسها عدة مرات بسعادة لتهرول سريعًا إلى الدرج كعصفورًا سجينًا فُتح له باب القفص، خرج يوسف ينتظر شقيقته بالخارج ليقف عمرو مكتوفي الأيدي بقلبٍ مكسور لتنطق إجلال وهي تدق الأرض بعصاها:
-يا خيبتك في عيالك يا عمرو يا ابني، زرعتك كلها طرحت في أرض غيرك
3
تنهد بألم ونظر أمامهُ وهو يشعر بخيبة الأمل والحسرة لخسارته لنجله رغم محاولاته المستميتة لاحتوائه والتقرب منه
بعد قليل كانت تجاور شقيقها سيارته، تطلعت عليه وهو يقود وينظر أمامه كالألة،ابتلعت ريقها لتضع كفها فوق كفه وهي تقول بخجلٍ:
-أنا آسفة يا يوسف
تطلع عليها لتخرج تنهيدة حارة شقت صدر كلاً منهما لتشهق هي بدموع الندم، رق قلبه ولان فصف سيارته جانبًا ليأخذها بين أحضانه وبات يربط على ظهرها حتى هدأت واستكانت.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
ليلاً داخل منزل ماجد
يجلس حول تلك الطاولة المتواجدة بالحديقة تجاورهُ فريال وبالمقابل سميحة التي أتت لزيارتهما كي تشتكي إلى فريال زوجة أخيها التي تعدت جميع خطوتها بالنسبة لها، هتفت بحدة والحنق يتملكُ منها:
-أنا،دكتور سميحة الزين يتقال لي الكلام ده يا فيري، ومن مين، من واحدة دخيلة على عيلتنا
وتابعت بحدة أعنف:
-ولما أقول لها هشتكي لفؤاد وهو هياخد لي حقي منك، تقولي بكل غرور وهي بتضحك، هو انتِ فاكرة بغبائك إن فؤاد ممكن يقدر يزعلني ولا يعملي حاجة، ده بيموت في التراب اللي أنا بمشي عليه
نطقت بهدوء لاخماد ثورة ابنة عمها:
-يا حبيبتي اهدي شوية، أكيد إيثار متقصدش بكلامها المعنى اللي وصلك
بلهجة غاضبة عنفت الأخرى:
-هو انتِ لسه هتدافعي عنها بعد كل الكلام اللي حكتهولك ده يا فيري؟!
كان متكأً على المقعد محاوطًا فكهُ بأصابع يده يتطلعُ على سميحة بتمعنٍ وهو يستمعُ لحديثها باستمتاعٍ وحبور داخلي،ليقرر التدخل بكلماته المسمومة قائلاً:
-ريحي نفسك يا سميحة،فريال عمرها ما هتيجي على الهانم علشانك أو علشان أي حد
وتابع ساخرًا:
-إذا كانت بتقف ضدي أنا شخصيًا علشانها،هتقف معاكِ ضدها إزاي؟!
-ماجد من فضلك... جملة تحذيرية قالتها فريال ليهيج هو أكثر مستغلاً غضب سميحة:
-بلا من فضلك بلا زفت بقى، الموضوع كده زاد عن حده، الهانم أخدت راحتها على الأخر لدرجة إنها اتجرأت على أخوكِ شخصيًا والغريب في الموضوع إنك لسه بتحامي لها
نطقت بدفاعٍ مستميت لاجل صديقتها:
-بلاش تحكم على حد من غير ما تسمع منه يا ماجد
أشار بكفه إلى سميحة ونطق لاشعال غضبها أكثر:
-اتفضلي
هاجت الأخرى وصاحت بعتابٍ:
-قصدك إن أنا كذابة وبفتري عليها يا فيريال؟!
-أكيد مقصدش كده يا سميحة... وتابعت بحكمة:
-ممكن تهدي بقى علشان نعرف نتفاهم
بحدة بالغة أخرجت كلماتها:
-نتفاهم على إيه، أنا جاية أشتكي لك من مرات أخوكي اللي أهانتني قدام الشركة كلها، وإنتِ بتكذبيني من قبل حتى متسمعي منها، فاضل ايه تاني نتكلم فيه يا فيري؟!
أجابتها ببعضًا من التعقُل:
-أنا مكذبتكيش ولا أقدر اقول كده، أنا بقول يمكن فهمتي كلامها غلط
تحدث من جديد لاشعال الفتنة:
-يا سميحة انا قولت لك ريحي نفسك، إيثار هانم خلاص، ملكت الشركة واصحابها وانتهى الموضوع
هتفت بجنون:
-أنا هتجنن يا ماجد،إزاي قدرت تسيطر على عقول الكل بالشكل ده، ده حتى بابي لما روحت أشتكي له منها غلطني ووقف معاها، أنا معرفش الست دي عملالهم إيه، ده انا لو بصدق في السحر كنت شكيت إنها عاملة لهم أعمال!
نطق بغلٍ وحقد:
-خبث ولؤم الفلاحين مفعوله أشد من السحر يا دكتورة
-ماجد، متنساش إن اللي بتتكلم عنها دي تبقى مرات سيادة المستشار فؤاد علام...قالتها فريال بلهجة حادة لتتابع باستغراب:
-ثم أنا مش فاهمة انتوا ليه حطينها في دماغكم قوي كده، الست في حالها وعمرها ما أذت حد فيكم
صاحت سميحة باعتراض:
-ولما تاخد المكانة دي في شركة عيلتي متبقاش بتأذينا يا فريال؟!
نطق ذاك الشيطان:
-سميحة عندها حق، دي شركتكم انتم، شركة أولاد الزين ولازم اللي يديرها يبقى حد منكم، على الأقل هتحافظوا على مالكم، طب اهي مشغلة اخوها ومراته معاها في الشركة، حد عارف بيعملوا ايه من الباطن، مش يمكن بيمرروا صفقات لحسابهم وانتوا مش حاسين
هتفت سميحة مؤكدة:
-عندك حق يا ماجد، الهانم واخدة صلاحيات ان محدش يقدر يراجع وراها، دي اوراقها الخاصة بشغلها محدش يقدر يوصلهم يا ماجد، تخيل؟
نطقت فريال تجيبها:
-فؤاد هو اللي مديها الصلاحيات دي علشان يأمنها،لانها مستهدفة يا سميحة، وانتِ بنفسك شفتي لما الحقيرة مرات طليقها حاولت تلفق لها تهمة زور
وتابعت ردّا على حديث زوجها:
-وبالنسبة لادارة الشركة فهي أحق حد بإدارتها، أولاً جوزها بيمتلك أكتر من سبعين في المية من الأسهم بعد بابا ما اتنازل له عن الأسهم بتاعته، يعني معظم الشركة ملك لأولادها وهي أحق بإدارة مالهم
اتسعت أعين سميحة لينطق ماجد باستسلام:
-أنا قولت لك من الأول متتعبيش نفسك يا سميحة.
____________
في الصف المقابل، تقف إيثار داخل شرفتها تتطلعُ على اجتماع ذاك الثلاثي بقلبٍ حزين، نزلت إلى الأسفل وتطلعت بأسفٍ على قلبها الماكثُ خلف باب ذاك المكتب المغلق، فمنذ ما حدث بمنزل نجلها وهو بعيدًا كل البعد عنها، يستيقظ باكرًا دون أن ينظر لوجهها ويذهب إلى عمله ثم يعود إلى المنزل يتناول وجبة غدائه مع العائلة ثم يقضي معظم يومه داخل ذاك المكتب اللعين ولا يخرج منه سوى على النوم بحجرتهما المشتركة تجنبًا لتنفيذ تلك الغاضبة لتهديدها،استمعت لاصوات ضحكات أنجالها الثلاث يأتي من حجرة المعيشة حيث كانوا يجلسون بصحبة جديهما لمشاهدة أحد الأفلام العربية،تنهدت بأسى وشعرت بالوحدة فتحركت لتجلس بالحديقة عل استنشاقها للهواء النقي يساعدها على الاسترخاء قليلاً وتحسُن حالتها المزاجية، أقبلت عليها عصمت التي تحدثت:
-قاعدة لوحدك ليه يا إيثار؟
اعتدلت بجلستها وتحدثت بصوتٍ يحمل الكثير من الهموم:
-متوترة شوية ومحبتش أضايقكم معايا
جلست بالمقابل وسألتها:
-بردوا مش عاوزة تقولي لي إيه اللي حصل بينك وبين فؤاد ووصل الأمور بإنه يحبس نفسه في المكتب بالشكل ده؟
أخذت نفسًا عميقًا وتحدثت بعدما اتخذت قرارها:
-أنا هحكي لك يا ماما، بس بعد إذنك، اللي هحكيه يفضل ما بينا، لأن لو فؤاد عرف مش هيسامحني، ده غير إن بابا لو عرف مش هيسكت وممكن المشكلة تكبر أكتر من كده، وكمان علشان احكي لك على اللي حصل من الدكتورة سميحة النهارده في الشركة
قصت لها كل ما حدث بدايةً من حضور عمرو إلى منزل يوسف حتى مشاداتها مع تلك السميحة،شقهقت عصمت وتحدثت بذهولٍ رافض:
-إزاي فؤاد يقلل من نفسه ويخاطر بمنصبه بالشكل المتهور ده، ده الباشا لو عرف هيخرب الدنيا
حاوطت كفها بخاصتها في محاولة لكبح غضبها وهي تقول:
-أرجوكِ تمالكي أعصابك وحاولي تهدي، أنا علشان كده قولت لك الباشا الكبير مش لازم يعرف
-وتفتكري واحد في منصب الباشا ووضعه في البلد مش هيعرف يا إيثار؟!
اجابتها الاخرى بتأكيد:
-مش هيعرف لأن فؤاد عاوز كده، فأكيد بطريقته هيمنع أي معلومة توصل للباشا
ضيقت بين عينيها بتفكرٍ ثم سألتها:
-بس غريب قوي تصرف سميحة معاكِ!
نطقت إيثار بدهاء:
-ولا غريب ولا حاجة، سميحة مش هبلة زي بسام، هي ست ذكية وأكيد حسبتها بعقلها وقالت إن فؤاد كده كده هيعرف زي ما كشف بسام قبلها
ونطقت بما املاهُ عليها ضميرها:
-ده غير إنها فعلاَ أثبتت إن ولائها لعيلتها كبير، سيبك من انها بتكرهني، بس كانت ممكن ترفض عرض رولا وتكتم على الموضوع من غير ما تبلغ فؤاد، بس هي لعبتها بذكاء، كسبت ثقة فؤاد بإنها بلغته وسجلت لها، وتاني حاجة حمت عيلتها من واحدة مجرمة بتخطط توقع شركة العيلة وتسوء سمعتها في المجال
سألتها عصمت بألم ظهر بعينيها:
-ويوسف حبيبي عامل إيه، قدر يتخطى اللي حصل ولا لسه مأثر عليه؟
بدى على وجهها التأثر والحزن لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تتحدث:
-بيحاول يكون كويس، إنتِ عارفة يوسف كتوم ومبيحبش يظهر اللي جواه، ودي مشكلته، بيتحمل من غير ما يبين إنه تعبان أو مقهور
تناقشتا بجميع النقاط ثم تحدثت عصمت بدهاء:
-طب وإنتِ هتفضلي سايبة جوزك زعلان كده كتير؟
طالعتها بذهولٍ لتتابع الأخرى بذكاء:
-أنا خايفة لسميحة تستغل خصامكم وتقرب منه علشان تغيظك
تحدثت بشراسة من بين أسنانها:
-خليها تقرب وهي تشوف الوش التاني لإيثار الجوهري، أنا مكنتش بهوش بالكلام اللي قولتهولها يا ماما، أنا كنت بحذرها علشان تستغل أخر فرصة وتختفي من حياة جوزي
وتقريباً هي فهمت رسالتي وعرفت إني جبت أخري منها وصبري عليها نفذ، علشان كده جت تشتكيني لفريال وماجد
تطلعت عصمت إليها وصمتت فتابعت مسترسلة بحدة:
-فؤاد غلط فيا وأهاني يا ماما، وده كله عندي كوم، ومعاملته ليوسف وإنه يزقه بالشكل ده كوم تاني، كله إلا يوسف يا ماما، كله إلا يوسف
قالت كلمتها الأخيرة بدموعٍ ترقرقت بعينيها مما جعل الأخرة تتحدثُ وهي تربط على كفها باحتواءٍ وحنان:
-بلاش تدي لموضع يوسف حجم أكبر من اللي يستحقه يا إيثار، يوسف غلط بالنسبة لفؤاد وأي إبن بيغلط أبوه بيعنفه وبيعامله بشدة علشان ميكررش غلطه تاني، وكلنا عارفين يوسف إيه بالنسبة لفؤاد، ده مبيقولش عليه غير إبني البكري، وإنتِ أكتر واحدة عارفة الكلام ده كويس ولمساه في معاملة فؤاد ليه، وأكيد إنتِ مش مستنية إني أفكرك بالكلام ده كله
نطقت بصوتٍ مختنق بفضل دموعها الحبيسة:
-حضرتك مشوفتيش هو زقه ازاي يا ماما
أجابتها بنبرة حنون للتخفيف من ثقل ما تشعر به من انكسار:
-يا حبيبتي قولنا إبنه، واحد غضبان وفرغ غضبه في إبنه، اللي من وجهة نظره هو السبب في المشكلة لأنه سمح لابوه يدخل البيت وإنتِ موجودة،إنتِ الوحيدة اللي في ايدك حل المشكلة بمنتهى السهولة يا إيثار
قطبت جبينها وترقبت حديث والدة زوجها فتابعت الأخرى برزانة:
-حاولي تهدي يوسف من ناحية فؤاد وتقربي بينهم من جديد، وراضي فؤاد، خديه في حضنك وطبطبي عليه، الراجل لما بيغير بيبقى عامل زي الأعمى، لا بيشوف ولا بيسمع اللي بيقوله ،وهو أكيد ندمان على كل اللي قاله وعمله،بس مكسوف يبدأ هو
نطقت متهكمة:
-أه،هو مكسوف وكرامته غالية عليه وأنا كرامتي متاحة للجميع يدوسوا عليها ويهينوا فيا وبكل بساطة أرجع مذلولة وانا اللي أتأسف كمان
هبت واقفة لتنطق بحدة وصرامة:
-أنا أسفة يا ماما، مقدرش أسمع كلامك المرة دي وأتنازل عن كرامتي
نطقت عصمت بجدية تعود لحدتها من زوجة نجلها وعنادها الكافر:
-براحتك، أنا نصحتك باللي يمليه عليا ضميري واللي شُفته صح من وجهة نظري ومن خلال خبرتي ونضوجي الفكري اللي اكتسبته من السنين،إنتِ بقى ديري حياتك براحتك وزي ما تشوفيها
أومأت برأسها ثم نطقت بتأكيدٍ:
-ياريت زي ما اتفقنا متقوليش حاجة للباشا
أجابتها بطمأنة:
-مستحيل أعمل كده،علام لو عرف هيبهدل فؤاد واحتمال يقاطعه فيها مده كبيرة، لأنه نبهه كذا مرة وأكد عليه
-متشكرة يا ماما
تنهدت الأخرى وتحدثت:
-اطلعي خدي لك شاور سخن يحسن من مزاجك وحاولي تهدي شوية، مفيش حاجة بتفضل على حالها، وفؤاد هيزعل له يومين وهيرجع يصفى تاني هو ويوسف
حركت رأسها بموائمة واتجهت للأعلى للعمل بنصيحة "عصمت "
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
في تمام الحادية عشر تسطحت فوق الفراش ومالت على جنبها واضعة كفها تحت رأسها وباتت تفكر بألمٍ فيما وصلت إليه بفضل ذاك الـ"عمرو"، ألم تنتهي لعنتها بعد، إلى متى سترافقها لعنات الماضي وتلاحقها ذنوبهُ، متى ستحيا حياة البشر الهادئة، لقد هرمت روحها من كثرة ما عاشت من مؤامرات وكوارث هي ونجلها، تنهدت حين استمعت لباب الغرفة يفتح بهدوء، ولچ ليجد المكان سابحًا في الظلام، تحرك وضغط زر الإضاءة المجاور لطرف فراشة لتظهر بعض الإضاءة الخافتة،اختفى خلف باب الحمام وخرج بعد مدة وهو يرتدي بنطالاً من القطن الأبيض وصدرًا عاري كعادته،تسطح بجوارها وشبك كفاه ليضعمها تحت رأسه، تنهد بحزنٍ ثم استدار لينام على جنبهِ، تطلع على تلك التي تواليه ظهرها وتتظاهر بالغوص في النوم، إقترب عليها بعدما غلبهُ الشوق وشق قلبهُ الاشتياق، قرب أنفه من خصلات شعرها المبعثرةِ فوق وسادتها البيضاء والتي أظهرت لونه الرائع، أغمض عينيه وبدأ يأخذ أنفاسًا عميقة ليحتفظ داخل رأتيه بأكبر قدرًا من عبق روائحها الذكية التي تنعش روحه وتشعرهُ بالحياة، لقد اشتاقها بجنون، اشتاق عبق روائحها، عطر أنفاسها، عيناها، لمساتها الساحرة لجسدهِ، يا الله، كم يعشق تلك المرأة التي استولت على كيانهُ واستوطنت العقل قبل القلب، دقات قلبهُ تضاعفت وباتت تدق بصوتٍ عالي ووتيرة سريعة،تخيلها وهي تعتدل لتملسُ بأناملها الرقيقةُ فوق صدره لتشعل جنونه وتزيد لهيب الغرام، تخيلها بين أحضانهِ وهي تعتذرُ بعينيها قبل اللسان عن تلك المشاعر القاسية التي تسببت له بها من خلال ما حدث، تخيلها وهي تُسقيه من شهد غرامها كؤوسًا وكؤوسًا كتعويضًا عما حدث، ترددت همساتها داخل أذنيه وهي تلقي على مسامعهِ أعذبُ كلمات الغرام وتخبرهُ انه رجُل حياتها لتشعره أنه سيد الكون بأكمله، تنفس براحة لمجرد التخيل وزاد لهيب جسده مطالبًا بها، لكنه فاق على ثبات تلك الحبيبة التي باتت تواليه ظهرها بكل ليلة بدلاً من الاعتذار والارتماء داخل أحضانه، كانت تشعر بفوران جسد حبيبها، إن لم تشعر هي به فمن سيشعر، ودت لو بإمكانها العدول عن ذاك العناد والاستدارة لترتمي بين أحضان حبيبها، تمنت لو يحتوي ألمها كعادته ويشدد من احتضانها ليزيل عنها جميع مخاوفها والأحزان، انتظرت بأن يجذبها عنوةً ليثبتها بأحضانه بالقوة،كلمة يقولها وينتهي كل هذا العناد ويمضي،"أنا آسف" أقسمت لو فعل هذا وقالها لجنبت كل ما حدث وحاولت نسيانه، انتظرت وانتظرت ولم يأتي فزاد عنادها، حدثتها كرامة الانثى لديها حين لان قلبها وهمس بأن تعتدل وتطلب ودهُ، قالت لها،أين كرامتك يا أمرأة، ألا لعنت الله على الأشتياق، ولتذهبُ المشاعر إلى الجحيم أمام الكرامة.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بعد مرور عدة أيام
خرجت رولا من القضية تحت تسلية فؤاد الذي جعلهم يرون حجمهم الطبيعي بجواره، لكي يحذروا من التلاعب معه بعد ذلك، مازال الوضع بائسًا كما هو بين العاشقين "فؤاد"و "إيثار" بل زاد عنادهما وكلاً منها بات ينتظر الإعتذار من الآخر، تحسنت علاقة زينة ويوسف بفضل تغافل الآخير لذلة شقيقته، اما ذاك العاشقان الصغيران فقد تفاقم الوضع وأصبح أكثر سوءًا، ومضت بيسان بطريق الإنتقام لكرامتها، واليوم هو يوم إتمام خطبتها على ذاك المتسلقُ على أكتاف الأخرين "نبيل"،أصرت بيسان على إقامة الحفل داخل قصر علام لضمان حضور يوسف بعدما بعثت له بدعوة خاصة إلى مسكنه للحضور بصحبة شقيقتهُ، كي ترى بعينيها الحسرةَ وهي تملؤ عينيه حين يراها تجاور غيره وترتدي خاتم الارتباط به، كانت بإحدى الغرف بالطابق الأعلى، تجلسُ أمام إحدى مصففات الشعر التي حضرت لتزيينها وإخراجها في ابهى صورة، تجاورها فريال ودموعها الحبيسة ساكنةٌ بعينيها وهي تتطلعُ على ملامح ابنتها التي سكنها الحزن واستوطن.
أما بمسكنهِ، فكان واقفًا أمام مرآة الزينة يصفف شعرهُ بعناية فائقة،أمسك بقنينة عطرهِ المميز لينثر بسخاءٍ منها على جسده، إبتسم بسخرية وهو يتطلعُ على تلك البذلة الفخمة والتي كان قد جلبها خصيصًا واحتفظ بها لذاك اليوم، فقبل حدوث المؤتمر بسبعة أيامٍ فقط قرر أن يذهب بعد المؤتمر مباشرةً ليطلب يد حبيبته من أبيها بحضور علام والجميع، كان سيطلب يدها برأسٍ شامخ بعدما أثبت أنه جديرًا بالفوز بأميرته.
أخرجه من شروده طرقات شقيقته التي ولجت لتنطق بأعين حزينة:
-لأخر مرة هطلب منك متروحش يا يوسف
تجاهل حديثها واستدار يتطلع عليها بنظراتٍ إعجابية لثوبها وجمالها الهادئ:
-إيه يا بنتي الجمال ده كله، كده هتغطي على العروسة
تحدثت متأثرة ولمعة دموعها تتلألأُ بعينيها:
-بلاش علشان خاطري يا يوسف، إحنا مش مجبرين نحضر
استدار ليقف امام مرآته من جديد ليرتدي ساعة يده الفخمة قبل ان يقول بجدية:
-انا كده جاهز، نقدر نتحرك.
إنتهى البارت
«أذنابُ الماضي»
بقلمي «روز أمين»
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا