رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل التاسع 9 بقلم نور الشامى حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل التاسع 9 بقلم نور الشامى حصريه في مدونة قصر الروايات
الفصل التاسع
جبروت في قلب صعيدي
مرّ شهران على وفاة فارس... شهران لم يعرف فيهما البيت طعم الراحة ولا ذاق أهله طيف السكينة... تحول المكان إلى جدران صامتة تئن في الخفاء وأرواح متعبة تبحث عن ظل حياة وأسد الذي كان يوما رمزا للقوة والصلابة بات اليوم هيكلًا متهالكا يسير بنصف وعي يأكل الألم من داخله كما تأكل النار الحطب اليابس وفي ليلة باردة سكن فيها كل شيء إلا الرياح دفع باب البيت بقوة ودخل أسد مترنحا تفوح منه رائحة الخمر ز وجهه شاحب وعيناه دامعتان من أثر التعب والسكر.... فـ كانت والدته تجلس في صمت على المقعد الخشبي العتيق في الصالة ورفعت بصرها إليه ورأت ابنها الذي لم تعرفه فـ اقتربت منه بخطى متثاقلة وهمست بألم مكتوم:
انت اي حكايتك اي يا أسد.... هتفضل اكده لامتي يا ابني.. هتفضل تدمر نفسك لامتي بالنهار مش مركز غير في الشغل وبس وجلبك بجا جاسي مع الموظفين ومع كل الناس وبليل كل ليله ترجع سكران اكده
نظر إليها اسد بنظرة مشوشة وضحك بسخرية مريرة ثم قال بصوت مخنوق:
وعايزاني اعمل اي عاد بجا ان شاء الله... مطلوب مني اي عاد.. ابني مات ومؤتي سابتني وحياتي كلها ادمرت. المفروض اعمل اي عاد.. افرح وارجص يعني ولا اي
اقتربت الأم أكثر و وضعت يدها على صدره وقالت بحرقة:
انت دمرت الدنيا يا ابني.. انت السبب في كل ال بيوحصل دا
تجمد اسد مكانه وشددد أنفاسه بعنف وصاح بعينين دامعتين:
السبب..... أنا السبب علشان روحت اشتغلت بدل ما كنا مش لاجين ناكل.. انا السبب علشان كنت عايز نبجي كويسين ونعرف نعيش زي باجي الناس... هو دا عقابي يا حجه... دا جزائي
هزت الأم رأسها بأسى والدموع تلمع في عينيها وقد اختنق صوتها من شدّة الألم ثم قالت بنبرة حزينه:
ابنك مكنش محتاج فلوسك يا أسد كان محتاج حضنك…
ومرتك... مطلبتش حاجه... كانت بس عايزة راجل يطمنها ويبجي حنين عليها.... إنت كنت بعيد عنهم بجسمك وروحك… والنهارده بتدفع التمن
تجمد أسد في مكانه وعيناه زائغتان كأن الكلمات اخترقت صدره وصمت لوهلة طويلة ثم زفر تنهيدة ثقيلة ورفع نظره نحو السقف قبل أن يتهاوى جسده المنهك على درجات السلم المؤدية إلى غرفته وكأن كل خطوة يصعدها تحمل فوقها ثقل عمر من الندم فـ همس بصوت حزين بالكاد يسمع:
ايوه… أيوه، عندك حق…أنا الغلطان…وأستاهل كل ال حوصل فيا
تابع صعوده إلى غرفته ببطء شديد وكأن جراحه تسحبه إلى الوراء وحين بلغ الباب أغلقه خلفه بصمت ثم استند إلى الحائط وأخذ يهبط إلى الأرض تدريجيا حتى جلس مطأطئ الرأس لا يقوى حتى على البكاء..... دفن وجهه بين كفيه، وكل ما فيه يصرخ دون صوت لقد وصل إلى القاع إلى النقطة التي لا يبقى فيها شيء… سوى الأسى وبعد فتره قصيره في الجهه الاخري دفع فهد باب الغرفة ببطء ودخل مترنحا يجر قدميه وكأن جسده يرفض أن يحمل قلبه المنهك تفوح منه رائحة الخمر ونظراته شاردة لا تستقر على شيء فكل شيء من حوله بدا باهتا... لا لون له ولا معنى حتي ألقى بجسده على طرف السرير كمن يسقط من هاوية ووضع رأسه بين يديه وتنهد تنهيدة طويلة تحمل وجعا لم يقال، وانكسارا لم يعالج وفي تلك اللحظة، أسرعت ريم إليه ورددت بلهفه:
إنت شارب ليه اكده..انتوا اي ال حوصلكم..اتجننتوا ولا اي عاد ... مالك؟!"
لم يرفع رأسه فقط ضحك ضحكة قصيرة مكسورة مزيج من السخرية والقهر وهتف:
أيوه... شارب وهفضل أشرب... يمكن أنسى... يمكن أبطل أفكر فيها..شويه
ارتجف قلبها عند سماع "فيها" لكنها تمالكت نفسها وجلست إلى جواره تمد ذراعها لتسنده لتجعله يرفع رأسه مردفه:
جوم ارتاح... تعالى نام على السرير... اكده مش هتعرف تتنفس حتى يلا
ساعدته ريم على الاتكاء وأزاحت خصلات شعره عن جبينه وعينها تراقبه بصمت.... هو ليس لها ولم يكن يوما لكنها لم تكن تريد منه حبا .. فقط وجودا ... قربا يشعرها أنها ليست وحدها ولو كذبا فردد :
أنا بحبها يا ريم... بحبها جوي ... مش عارف أعيش من غيرها... جلبي بيوجعني جوي.. ومش عارف اعمل اي.. انا تعبت
كانت كلماته كالسكاكين لكنها لم تتراجع.... لم تكن تحبه لكنها كرهت أن تظل في الهامش وان يفكر في امرأه اخري لا تعرف لماذا فـ اقتربت أكثر وسندت رأسه على كتفها لم تفكر و لم تتردد، فقط فعلت وهتفت بحزن:
انا مش طالبة منك تحبني... ولا حتى تشوفني زيها... بس أنا معاك... وال بتدور عليه هناك ممكن تلاجيه اهنيه .. ولو للحظة
كانت كلماتها حقيقية بقدر ما كانت مخادعة هي لا تحبه لكنها لا تطيق فكرة خسارته لا تطيق أن تظل ظلا لا يرى حتى في خياله كانت تعرف تماما أنه لا يحبها لكنها أرادت أن تكون الأقرب إليه ولو للحظة...أن تسرق شيئا من حضوره حتى لو لم يكن لها بالكامل فـ نظر إليها بعينين غائرتين لا يرى فيها ملامحها بل يرى فراغا يشبه ما بداخله واقترب منها ببطء دون وعي.... دون تفكير...مجرد جسد مرهق يبحث عن مخرج من ألمه عن حضن يسكنه ولو مؤقتا فـ اقتربت هي أيضا بيدين مرتجفتين ووضعت كفها على صدره تشعر بنبض قلبه الذي لا ينبض لها... لكنها مضت في ما بدأت به وبهدوء بدأت تفك أزرار قميصه وكان هو ينظر إليها نظرة غائمة لم يمنعها... بل ساعدها فـ ازاحت عنه قميصه وما إن انكشف صدره حتى اقترب منها أكثر ورفع يديه ببطء وسحبها إليه وأصابعه بدأت تلامس أطراف كتفها ثم امتدت لتفك عقدة ثوبها وهمس قرب أذنها بكلمات غير مفهومة لكن أنفاسه الساخنة على رقبتها كانت أبلغ من أي كلام واقترب منها أكثر وضمها إليه وقبلها قبلة طويلة...قبلة صامتة بلا حب بلا شغف حقيقي لكنها كانت مليئة بالهروب وذابت المسافات وتساقطت طبقات القماش واحدة تلو الأخرى حتى لم يبقي بينهما شيء... سوى الصمت.... اتحد الجسدان فوق السرير
وما كان بينهما لم يكن حبا كانت لحظة ضعف.... لحظة انكسار وقرار خاطئ ومع ذلك... لم يتراجع أحد وفي صباح يوم جديد جلست سحابة أمام قبر فارس تضم كفيها في حجرها وعيناها مغروقتان بالدموع لا تكفان عن الانهمار... تنظر إلى شاهدة القبر كأنها تنتظر أن ينطق الطفل الغائب بكلمة... أو أن يعود بلحظة فـ همست بصوت مرتجف:
واحشتني يا فارس... واحشتنب جوي... كل ليله ببصحي وأنام على ريحت.... وأحضن لعبتك كأنك فيها...انا مش عارفة أتنفس من غيرك يا ضنايا... مش عارفة أضحك ولا أعيش...كنت نور عيوني... اكده اهون عليك تسيبني اكده لوحدي
مسحت سحابه دموعها بكفها المرتجف ثم مدت يدها تلامس تراب القبر كأنها تحتضن الغياب وفجأة تناهى إلى سمعها صوت خطوات تقترب ببطء..فرفعت رأسها رأته... كان اسد هو الذي يقترب منها فـ تجمدت في مكانها وقلبها انتفض لكن ملامحها تشنجت، وكأنها تتذكر كل شيء ونهضت في صمت وهمت بالرحيل لكنه مد يده فجأة وأمسك بيدها مرددا:
استني يا سحابة... بالله عليكي استني... أنا مش جادر أعيش من غيرك... واحشتيني جوي
سحبت سحابه يديها بسرعة وقالت بصوت مختنق:
سيب إيدي يا أسد... انت... انت عامل إي.... أمك جالت إنك اتغيرت... وباين عليك فعلا انك اتغيرت جوي
خفض أسد رأسه ومرت لحظة صمت قبل أن يجيب بصوت واهن:
أنا مش جادر أعيش من غيرك ...أنا كل يوم بموت من جوايا... بالله عليكي يا سحابة متسبنيش
اغرورقت عيناها بالدموع لكنها تماسكت وردت بصوت متهدج:
ولا أنا كنت جادرة أعيش من غيرك...بس خلاص كل حاجة ماتت جوايا...ولو بتحبني بجد... طلجني بالله عليك
اتسعت عينا أسد وسقط على الأرض أمامها جاثيا على ركبتيه و رفع رأسه نحوها كأنه يتوسل الحياة ذاتها مرددا:
بلاش تجولي اكده بالله عليكي...أنا آسف... آسف على كل لحظة بعدت فيها... آسف إني ضيعتك وضيعت ابننا...سامحيني ومتسبنيش.. انا مش عارف اعيش والله العظيم
اهتزت يداها واقتربت منه ثم وضعت يدها على كتفه وأجبرته أن ينهض وقالت بصوت باكي لكنه حاسم:
أنا مسامحه... من جلبي والله العظيم.. بس مجدرش أعيش معاك تاني...خلي بالك من نفسك يا أسد... وأرجوك متضيعش الباقي من عمرك.. كفايه اكده
استدارت سحابه وذهبت وقلبها يتمزق لكنه لم يوقفها هذه المرة
ظل واقفا يراقب ظهرها يبتعد وكل ما فيه يتداعى كأنها كانت آخر خيط نجاة...رحلت وبقي وحده مع القبر... والندم وبعد عدت ساعات تحرك فهد على السرير ببطء كان عاري الصدر يتصبب عرقا وعيناه تجولان في الغرفة كأنها أرض غريبة عليه فجلس فجأة وراح يتلفت حوله... ثم تجمد في مكانه حين أدرك الحقيقة المروعة كان وحده على السرير... لكن آثار الليلة الماضية لم تزل حاضرة على الجسد والروح ومرت لحظة صمت قبل أن يفتح باب الحمام وخرجت ريم وهي ترتدي رداء خفيف وتقربت منه بخفة واحتضنته من الخلف ثم طبعت قبلة سريعة على خده وهمست بصوتٍ ناعم:
مكنتش أعرف إنك بتحبني جوي اكده يا فهد
ابتعد فهد عنها بعنف وصاح بوجهها وعيناه تشتعلان صدمة وغضبا :
بحبك إي؟! إنتي عارفة كويس إني مبحبكيش... إزاي دا حوصل بينا اصلا
ضحكت ريم ضحكة خفيفة ومالت بجسدها نحوه بثقة وهي تهمس:
إنت ال قربت مني... وأنا مرتك... مجدرش أجولك لأ
ثم سارت نحو الباب وخرجت وهي تضحك كأنها خرجت منتصرة فنظر فهد حوله ثم صوب عينيه نحو المرآة... واقترب منها وصرخ بقهر وضربها بيده بقوة حتى تحطمت شظاياها وتناثرت حوله بينما انغرست إحدى القطع الحادة في كفه وبدأ الدم يتساقط من أصابعه فـ دخلت ملك مسرعة بعدما سمعت صوت الزجاج و هرعت إليه تمسك بيده الدامية وهي تصرخ:
فهد.... إيدك في إي؟! إي ال حوصل
لم يجِبها فهد... كان مشوشا... مذهولا... لا يرى أمامه سوى ملامح الخيانة والضياع وفجأة... ظهرت ريم مجددا في باب الغرفة مستفزة كعادتها وألقت عليه نظرة جانبية وهي تقول بنبرة واثقة:
يا حبيبي متنساش تاخدلك دش وتنزل علشان الفطار... أنا جهزته مخصوص علشان... متتاخرش بجا
ثم غمزت لها بخفة وخرجت تاركة وراءها صمتا ثقيلا ومشهدا ملوّثا بالخذلان فـ تجمدت ملك مكانها ثم حدقت في السرير وذهلت مما فهمته والتفتت إليه بعينين يملؤهما الذهول والدموع مردفه:
هو... هو انت كنت معاها؟!
صرخ فهد بألم ونار مشتعلة في صدره:
أيوه كنت معاها... مش مرتي.. طبيعي ابجي معاها
ثم اقترب منها فجأة وأمسك بذراعها بقوة وصوته يرتجف بين الألم والغضب:
انتي السبب.... إنتي السبب في كل ال حوصل.... مستحيل أسامحك أنا بكرهك يا ملك!... بكرهك.... ياريتني ما حبيتك لو أجدر أشيل جلبي من مكانه وأدوس عليه بالجزمة كنت عملت اكده والله. خلاص... كل حاجة انتهت... من النهاردة مفيش بينا غير الكره كره وبس يا بنت عمي
القي فهد كلماته وتركها واقفة مكسورة.... مذهولة والدموع تنزل من عينيها بصمت كأنها لم تعد تملك حتى الحق في البكاء. وخرج من الغرفة وهو يلف يده بجزء من قميصه الممزق وترك خلفه قلبا مكسورا وامرأة تحطمها ندم لا ينفع بالطبع، إليك المشهد المطلوب بعد مرور أربع سنوات كان الهواء ساكنا إلا من وقع خطواته الثابتة على الرصيف وترجل أسد من سيارته الفاخرة وقد تغيرت ملامحه كثيرا عما مضى وووجه صارم و تقاسيم قاسية كأن الزمان نحتها بفأس الألم… لم يعد يبتسم ولم يعد في عينيه نور بل نظرة حادة وباردة كأنها لا ترى إلا ما وراء الحياة.. كان يرتدي نظارته الشمسية يخفي خلفها وجعا عتيقا لم تفلح السنين في محوه و وقفته قامته شامخة ولكن قلبه كان ساكنا كقبر قديم لا يزوره أحد وما إن أوشك أن يخطو نحو مدخل البيت حتى سمع صوت صغير.. دافئ اخترق كل جدران الصمت مرددا:
بابااااا!"
توقف اسد فجأة وارتعشت أصابعه وببطء ورفع يده ونزع النظارة عن عينيه ليراها…طفلة صغيرة تركض إليه بكل فرح الدنيا وشعرها يتطاير كأجنحة نور وعيناها تلمعان كأنهما مرآة روحه التي ظن أنه فقدها للأبد وانحنى إليها وفتح ذراعيه فاندفعت نحوه واحتضنته بقوة وضمها إليه كأنها وطنه المفقود وهمس بأنفاس متقطعة:
واحشتيني جوي… يا جلب بابا من جوه و
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
.
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا