القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الفصل الثالث وعشرون والرابع وعشرون بقلم دفنا عمر

       


رواية حصنك الغائب الفصل الثالث وعشرون والرابع وعشرون بقلم دفنا عمر     





رواية حصنك الغائب الفصل الثالث وعشرون والرابع وعشرون بقلم دفنا عمر     

                  


الفصل الثالث والعشرون


-----------




ماذا دهاه؟!





يتأملها بعمق جديد على نظراته وهي نائمة على المقعد المجاور بسيارته.. ماذا أصابه بعد أن احتمت خلفه بعيادة الطبيب؟..لما شعر بتلك الرعشة الغريبة التي هزته گ تيار كهربائي زلزل كيانه..! وماذا سُطر بعيناها وهي تطالعه گ المسحورة؟ شيئًا ما حيره وجعله هو الأخر يطالعها حتى انتهى الطبيب من عمله! 



+




_أتأخرت عليك يا آبيه؟



+




قالتها وهي تستقل المقعد الخلفي، فنفض يزيد عنه كل شروده وقال: لا عادي.. المهم أكيد مش ناسية حاجة تاني غير تليفونك في العيادة؟



+




_ لا ماتقلقش، ثم رمقت الغافية وغمغمت: مسكينة ياعطر، فاض بيها من التعب بعد ما الدكتور عملها شبه جراحة صغيرة في أسنانها عشان يفرغ بالصديد! وتقريبا فاقدة للوعي يا آبيه، بس ده طبيعي لأن بقالها أكتر من يومين مش بتنام! 



+




يزيد ومازالت حدقتاه مصوبة عليها: كان لازم تروح للدكتور من بدري ..مش في كل حاجة تطاوعوها كده.. واما اشوف ياسين هوبخه على استهتاره ده.. لأن كان لازم ياخدها للدكتور بالعافية! 


جوري: عطر عنيدة ومحدش قدر عليها.. ثم استطردت بنبرة ذات مغزي: إلا أنت يا آبيه! 


رمقها بنظرة مرتابة في المرآة، فهتفت: أقصد يعني بتسمع كلامك اكتر واحد..!



+




هز رأسه دون رد وقاد سيارته ليصل بها لمنزل الجد، وما أن وصل ووفف تحت البناية حتي قال: 



+




_ صحيها يا جوري عشان نطلعها لخالتو ونمشي! _ماشي! وراحت تطرق وحنتها برفق: 



+




عطر.. يلا ياحبيبتي فوقي عشان وصلنا لبيتك.. ياعطر فوقي! 


همهمت عطر دون وعي: مين بيخبط؟



+




ضحكوا رغما عنهما وقالت جوري: شوفت العبط يا آبيه، محسساني ان احنا واقفين على باب خدها بنخبط.. البت ضايعة خالص وهبلة حتى وهي نايمة! 



+




_ طب بطلي لماضة وانزلي اسنديها معايا يلا! 



+




غادرت والتقطت بمساعدته جسدها وأسندت قامتها المرتخية تماما علي جانب السيارة.. فأوصد يزيد السيارة وساعدها بإسناد عطر بخطوات ولمسات حذرة تجاه البناية فهتفت جوري بتثاقل: يخربيت كده دي تقيلة اوي يا آبيه مش قادرة امشي بيها..! 



+




نهرها بحدة: بطلي مبالغة عطر مش تقيلة.. واسترجلي شوية واسنديها معايا..!



+




هتفت بتأفف: يوووه بقى يا آبيه شيلها أنت وخلاص والله ما قادرة"


ثم تركته بغتة: طب انا هطلع اشوف حد فوق ينزل يشيلها.. 



+




ودون أي فرصة تركته بالوسط ورحلت، ليسب ويلعن يزيد داخله حماقتها..أما عطر فثقل جسدها عليه ومال رأسها مستقرًا على كتفه بوداعة.. فاضطر لتركها خاصتًا وجرعة المخدر افقدتها كل إدراك.. وبدون وعي راح يتأملها عن قرب.. بدت رقيقة رغم شحوب وجهها وهالاتها السوداء وانتفاخ خدها الأيسر لكن لم يختفي جمال محياها الناعم گ بشرة الأطفال.. ابتسم وهو يتذكر همهمتها منذ دقائق.. ثم تلفت حوله وشعر بالقلق.. هما أمام البناية والمنظر العام لهما غير لائق على الإطلاق.. نفث بغيظ مغمغما: والله لاربيكي ياجوري على غبائك ده! 



+






                


ودون أي تفكير وحتى يتجنب أي احتمال لرؤية أحدهم لهما ويظن بهما الظنون، حملها بين ذراعيه ليصعد بها للخالة، فهزته نفس الرعشة الغريبة التي تماثل سابقتها بالعيادة، ابتسم دون وعي عندما تذكر، لكن نبهته حركتها الطفيفة وهي تعدل من وضع رأسها المستقر على صدره ..جوار قلبه تماما.. وگ أنه وسادة.. ارتبك لوهلة ولام نفسه: إيه يا يزيد مالك بتنتفض ليه.. دي عطر اللي زي......... 



+




بتر صوت أفكاره.. لم يُتم قولها تلك المرة..ولا يعرف لماذا.. شيء خفي لجم صوت عقله ونفر هذا الوصف للمرة الأولى.. عطر ابنة خالته.. وليست شقيقته! 



+




وببنما هو يصارع أفكاره المشتتة.. تقف الماكرة الصغيرة التي نجحت باختلاق فرصة ذهبية لتسجلها لهما بالتقاط صورة خاطفة وهي تراقب توتره ضاحكة بخفوت مصفقة گ الطفلة دون إثارة ضجة وهي تغمغم لذاتها اثناء اختبائها خلف أحد عواميد البناية: أيوة كده ياحجر اتحرك وحس.. وما أن وجدته يقترب ليلچ لمدخل البناية، اقدمت عليه هاتفة بخبث: معلش يا آبيه طلعت مش لقيت حد يساعدني، مافيش غير خالتوا وعمة عطر والجد والجدة.. عموما كويس انك شيلتها.. أنا هسحب الأسانسير عشان نطلع بيها بسرعة! 



+




حدجها بنظرة نارية: أنا هربيكي ياجوري وهحاسبك بس اما نروح يا جوري..!



+




لم تزن غضبه كما يجب، فهتفت ببساطة: 


عادي يا آبيه أخويا الكبير ومش هزعل منك، عاقبني براحتك! 



+




دلف جوارها في المصعد بعد أن منحها نظرة أخرى حانقة.. وصعدا بها ثم استأذن بعد حوار قصير بينه وبين الخالة مغادرًا مع شقيقته..!


__________________



+




في السيارة! 



+




_ ممكن اعرف ايه اللي هببتيه ده.. ازاي تمشي وتسيبيني وتخليني اضطر اشيل عطر بعد ما خوفت حد يعدي ويشوفنا؟ المنظر كان هيكون غلط في حقها.. لكن لو ساعدتيني مكانش الموقف السخيف ده حصل..!



+




ردت باستخفاف أشعله أكثر: يا آبيه وفيها إيه أما تشيلها وهي تعبانة! ماهي زي اختك و... 



+




_ مش اختي"



+




هدر بحدة لم تلمسها فيه يوما وهو يستأنف بثورة حقيقية: 



+




في دي مش اختي.. بنت خالتي.. يعني لا يجوز ولا يصح اشيلها.. ولو حد في الشارع شافنا كان هيبقي عيب كبير في حقها.. تفتكري لو الموقف اتعكس وياسين شالك أنا هقبل أو اسكت؟؟ والأهم إنتي نفسك هتقبلي وتشوفي ده عادي؟؟؟؟



+




صمتت بوجل ولوم حقيقي لذاتها.. لأول مرة تنتبه لزاوية أخرى تستحق غضب أخيها.. بالفعل لا يجوز.. ورؤيتهما بهذا الشكل كانت ستجلب أحاديث غير لأئقة عنهما، كيف تهاونت بهذا الأمر واعتبرته مُزحة ووقفت تضحك گ الأطفال؟! 



+





        



          



                


_ اللي مقبلوش عليكي ..مقبلوش على عطر



+




تأجج لوم ذاتها أكثر بعد جملة يزيد بنفس الحدة واللوم المبطن لها فتمتمت بأسف صادق: أنا أسفة يا آبيه.. والله ما فكرت من الزاوية دي خالص! 



+




_ وانتي من امتى بتفكري أصلا..! 



+




اغرورقت عيناها لتوبيخه وصمتت.. فتجاهلها وأدار محرك السيارة ليقود، فأمسكت بذراعه تستجديه بصوت باكي: عشان خاطري يا آبيه بلاش تسوق وانت مضايق.. حقك عليا انا اسفة وفعلا فهمت الغلط فين.. بس والله ما فكرت من الناحية دي ..وبعترف إنه غباء مني..اغفرلي حماقتي دي وسامحني انا مقدرش على زعلك!



+




زفر بضيق ثم عاد يرمقها فتآذى من رؤية دموعها الغزيرة، فلانت ملامحه وربت على كتفها وضمها إليه معاتبا برفق: 


لولا اني عارف انك عبيطة ومش قصدك فعلا كنت فضلت زعلان بس خلاص اهدي وبطلي عياط يا زئردة، وهسامحك بشرط! 



+




حكت أنفها المحمر بظهر كفها وهي تغمغم گ الأطفال: شرط ايه؟



+




_ أوعي تقولي لعطر اني شيلتها لأنها هتتكسف وهتتحرج مني.. مش عايزها تتوتر اما تشوفني.. ها هتمسكي لسانك ولا صعب؟؟؟



+




هتفت على الفور: لا والله ما هقولها حاجة.. وهقول لخالتو مش تقولها..! ثم عادت تسأله باستعطاف: خلاص كده مش زعلان مني يا آبيه؟ 


ابتسم وقبل رأسها بحنان: لأ مش زعلان! 


_ طب صالحني بأيس كريم


صفق كفيه بذهول وهو يضحك: هو مين اللي كان بيصالح التاني يا مناخوليا انتي


_ هي هتفرق يا آبيه.. هاتلي أيس كريم.. مش رضيت اطلبه منك وعطر معانا عشان مش هتقدر تاكل منه عشان ضرسها..! 



+




تذكرها فهتف بتلقائية: أما تخف هجيبلها..! 


التوت شفتيها بابتسامة غامضة، وئدتها سريعا وهتفت: ماشي بس هاتلي انا دلوقت لأن مش هستنى اما عطر تخف


______________________



+




أخبر عاصم عائلته خبر بطلب ظافر لبلقيس..رغم لمحة الأندهاش التي أصابتهم لكنهم تخطوها سريعا بمباركات صادقة، بادرت بها عبير وكريمة مهنئين دُرة.. وبالنسبة لزمزم لم تتفاجأ مثلهم بعد أن رآت بعينها كم الألفة التي تظهرها بلقيس تجاه ذاك الشاب، وكيف تكون نظراته هو الأخر.. شيء ما استشعرته يجمع بينهما.. ولا عجب بارتباطهما.. أما جوري فانقسمت مشاعرها شطران متضادان.. فرحة لأنبصاق فرصة أكيدة لعطر مع أخيها بعد أن تقترن بلقيس بأخر.. وحزن لضيق أخيها المحتمل بخبر گ هذا وهي تعلم ماذا كانت تمثل له بلقيس بيوم من الأيام.. لكن غلبها الشطر الأجمل بالأخير.. بلقيس يتتزوج شخص تريده.. وعطر ستأخذ فرصتها كاملة مع أخيها الذي يستحق فواحة مثلها تذيقه السعادة والحب الحقيقي..!



+




أما عابد فالآن أدرك سبب جمود شقيقه ونظراته الغريبة أمس، مؤكد اخبره العم عاصم مسبقا بأمر طلب ظافر لبلقيس.. يشعر بشيء ما غامض ولا يفهمه..لكن ما حيلته سوى دعم العم .. وربما يكمن بتلك الخطبة خير لابنة عمه.. وخير ليزيد أيضًا..


_____________________



+





        


          



                


في اليوم التالي



+




زمزم: إنتي رايحة فين يا جوري؟ أحنا رايحين النادي كلنا مع طنط دُره، وقلت اشوفك قبل ما اجهز مهند..! 



+




قبلت وجنة الصغير ثم هتفت: معلش يا زومتي هعمل مشوار صغير واطمن على عطر وهاحصلكم على طول! 


_ خلاص ماشي متتأخريش! ووصلي سلامي لعطر..!


_____________



+




لم تنسى ثأرها من ذاك الضخم السمج وحان وقت عقابه! 



+




توجهت جوري لمطعم الصحبة الطيبة لتلتقي بذاك الثور وتلقنه درسًا قاس لما فعله معها بطريقتها..! ما أن وصلت حتى سألت عن مكان تواجد صاحب المطعم، فقادها أحدهم لمكتب ظافر الذي عرفها فور رؤيتها ورحب بها قائلا: أهلا أنسة جوري إيه النور ده اتفضلي! 



+




_ شكرا لحضرتك..انا الحقيقة جاية عندي شكوى من واحد وقح شغال عندك ومحتاج يتأدب! 



+




ضاقت حدقتاه بتحفز: وقح شغال عندي؟ مين ده وعملك إيه وانا هجيبلك حقك فورًا..! 



+




_ حقي انا اللي هاخده.. بس...... ..


_ بس أيه؟


هتفت بحيرة: بس معرفش أسمه إيه! هو طويل كده وضخم أوي، وقع عليا عصير وطول لسانه عليا وبعدها رماني بالمية وغرفني وانا لازم اعرفه مقامه واردهاله! عشان كده جيت! 



+




اتسعت عين ظافر بذهول وهو يطابق ما قاله عامر شكواها.. المعتوه صديقه عبث مع أبنة أخ السيد عاصم، والفتاة تبدو شرسة ولا تترك حقها.. برقت عينه بمكر وشعر أنه سيتسلى كثيرا باللحظات القادمة.. هتف لها بعد أن تخطى ذهوله: 



+




هو في واحد بس شغال عندي بالمواصفات دي هبعت حد يناديه وشوفي عايزة تعملي أيه وانا كما هعاقبه مش هسكت على وقاحته معاكي! 



+




بعد دقائق كثيرة ولج إليهما عامر وما أن رآى الفتاة حتى أصابته الدهشة! 



+




أما هي فوقفت أمامه عاقدة ساعديها رافعة إحدى حاجبيها وترمقه بعدوانية هاتفة: هو ده الطور اللي ضايقني امبارح يا استاذ ظافر..! 



+




اشتعلت عين عامر مستنكرًا: أنا تور يا شبر ونص؟ أنتي محرمتيش من المرة اللي فاتت وجاية تطولي لسانك عليا؟



+




ودون أن تُهدر لحظة واحدة بعد قوله كان ردها الفوري، لطمة سائل عصير بارد كان أحضره لها ظافر گ ضيافة قبل مجيء عامر، قذفته بوجه الأخير فشهق من الصدمة والعصير يُغرق وجهه وصدر قميصه الأبيض.. ثم بشجاعة أكثر اقتربت منه مشهرة سبابتها بتحذير: 



2




إياك تاني مرة تحاول تتعدى حدودك مع الزباين.. وأظن كده نبقى خالصين! 



+




مازالت الدهشة تسيطر عليه وهو يستمع لتحذيرها وعيناه تشمل قامتها القصيرة مضطرا أن يحني رأسه لينظر لها ، وهي تبادل نظرته بتحدي وغرور .. فقاطع حرب نظراتهما ظافر هاتفا بحدية مصطنعة تخفي مزاح ثقيل لن يغفره عامر فيما بعد:



+





        


          



                


ومش بس كده يا أنسة جوري.. أنا كمان لازم اعاقبه.. ثم نظر لعامر بصرامة: أنت مخصوم منك شهرين عشان تحرم تقل أدبك على الزباين المحترمين.. ماهو مش كل شوية الاقي حد يجيني ويشتكي من فظاطتك ووقاحتك دي! 



+




هتفت جوري بعد وجدت ضالتها: يعني مش أول مرة حد يشكتي منه؟ أنا قلت شكله بتاع مشاكل أصلا ولازم يتعلم الأدب.. وحظه انه وقع من بنت من عيلة أبو المجد اللي تعرف تربي أمثاله كويس! 



+




ثم توجهت لظافر بكلمة أخيرة: عموما شكرا ليك انك نصفتني، ثم اقتربت لتهمس له بصوت خافت: بس بلاش موضوع الخصم ده حرام شكله غلبان! 



+




وصل همسها لعامر فابتسم ابتسامة محاها سريعا وقرر أن يشارك صديقه تلك المزحث، فصدح صوته وهو يستجدي ظافر بمسكنة زائفة لتسمعه جوري التي همت بالرحيل : 



+




_ حرام عليك ياظافر بيه.. أنا ورايا كوم لحم مسؤلين مني وكده هنجوع لو خصمت مني شهرين.. هأكل أخواتي الخمستاشر ازاي وامي وابويا..



+




نظر له ظافر ببلاهة حقيقية، فغمزه عامر ليدعم حديثه، فقال الأول ليجاريه بكذبته: 



+




تستاهل.. لما وراك كوم لحم مش بتحترم الزباين ليه.. ها؟؟ كل شوية عامل مشكلة وجايبلي الكلام! 



2




عادت جوري وهي تنظر لعامر بشفقة وعطف مغمغمة: 


ما شاء الله ليك خمستاشر أخ غيرك أنت و باباك ومامتك؟ مسكين أكيد عيشتكم صعبة



+




عامر مواصلًا كذبه: مش قادر اقولك عيشتنا صعبة ازاي يا أنسة، احنا بندوق اللحمة مرة واحدة في الشهر 



+




تأثرت جوري ثم دنت من ظافر مرة أخرى وهمست له بخفوت: 


بقولك ايه الغي موضوع الخصم ده أرجوك.. مش شايف أخواته عددهم كام غير امه وابوه؟.. دول قرية لوحديهم! 



+




ابتسم عامر عندما التقطت أذنيه همسها، وشعر بإعجاب لرقة قلبها وبراءتها رغم شجاعة ما فعلت منذ قليل، بينما كادت أن تفلت ضحكة ظافر، لكنه تماسك بأعجوبة وهو يقول: 


خلاص عشان خاطرك يا انسة.. وإلا كنت طردته برة طردة الكلاب وقطعت عيشه.. المهم انتي ماتكونيش زعلانة! 



+




_ لا لا خلاص مش زعلانة والله.. وبعدين أنا أصلا أخدت حقي منه وبقينا خالصين! 


ثم غادرت بعد أن طلبت من عامر أن يتبعها، فتبعها وهو يغمز لصديقه من خلف ظهرها..! 



+




انزوت به بركن ما ثم اخرجت من حقيبة يدها رزمة لا بأس بها من النقود الورقية ودستها في جيب قميصه بحرص دون لمسه، وقبل أن يعترض بجدية تلك المرة، قاطعته بحزم: ولا كلمة.. دول مش ليك أنت.. دول لاخواتك.. هاتلهم حاجة حلوة وانت مروح..وحاول تتعامل بشكل مهذب مع الزباين بعد كده لأن مش كلهم هيسامحوا في حقهم.. !



+





        


          



                


وتركته وذهبت تحت أنظاره التي تابعتها حتى أختفى أثرها من مجال بصره.. فالتقط رزمة النقود وراح يتأملها بتيه ثم التوى ثغره بابتسامة وهو يغمغم لذاته: الشبر ونص طلعت ملاك رغم لسانها الطويل.. وعاد ينظر باتجاه رحيلها مرة أخرى وشيئًا جديد برق بعيناه.. شيء بعيد كل البعد عن السخرية والتهكم.. شيء أكثر صدقًا وعمقًا وغموض.!


______________________



+




_رمتي عليه العصير وسكتلك؟



+




جوري وهي تهز كتفيها باستخفاف: أمال هيعمل إيه، أنا كنت رايحة وناوية اعلمه الأدب.. ثم تنهدت وهي تجلس جوارها مغمغمة بنبرة أكثر تعاطفا: بس أما عرفت ظروفه وانه بيعول اسرة كبيرة كده مع مامته باباه صعب عليا.. ولقيتني بطلب من ظافر صاحب المطعم يرجع عن عقابه بالخصم! 



+




_ وبعدين حصل أيه بعدها؟ 


_ عادي لطفت الدنيا تاني ومشيت وأنا مراضياه! 


عطر: ازاي يعني؟


_ مش مهم ازاي.. المهم إن اخدت حقي وبنفس الوقت مش رضيت يتظلم.. سيك بقى من كل ده وطمنيني.. عاملة إيه داوقت؟ ملاحظة الورم خف شوية وبقيتي افضل! 



+




عطر: الحمد لله.. بس لسه ضرسي تاعبني ياجوري


_ معلش بعد موضوع بلقيس ما يعدي هناخدك تاني يوم أنا وآبيه يزيد للدكتور يخلعه عشان ترتاحي! 



+




تلون وجهها بحمرة وهي تتذكر نظرة يزيد لها بعيادة الطبيب.. ولا تعرف لما لا تذكر شيء بعدها فتسائلت: 


_صحيح ياجوري هو حصل حاجة بعد ما طلعنا من عند الدكتور؟ معرفش ليه مش فاكره حاجة! 



+




ارتبكت جوري لحظات وزاغت عيناها، ثم تماسكت سريعا وهتفت: عادي البنج نيمك بعدها وانا ساعدتك تركبي العربية وبعدها طلعناكي هنا..! 



+




هزت رأسها بشرود طفيف، فتسائلت جوري: 


هتيجي تحضري فاتحة بلقيس؟



+




نظرت لها ومازالت شبه شاردة: مش عارفة! 


ربتت جوري على كفها: رأيي تيجي.. أولا تغير جو وسط الكل لأنهم هيرجعوا المنصورة تاني يوم على طول.. وثانيا وده الأهم تتأكدي بعنيكي إن موضوع بلقيس انتهى ومبقاش له أي أثر على يزيد والسكة خلاص فضيتلك! 



+




رفعت حاجبيها بذهول واستنكار وهي تقول ببعض العصبية: 


إيه اللي بتقوليه ده يا جوري.. سكة إيه اللي فضيتلي وتخريف إيه؟



+




علي غير عادتها رمقتها جوري بنظرة قوية كاشفة.. لدرجة أن. جفني عطر أُسدلا خوفا من فضحهما أكثر من ذلك! فرفعت جوري وجهها لتطالعها قائلة بنبرة حانية: 



+




_ في حد أقربلك مني تحكيله ياعطر؟ عندك صديقة وأخت غيري تفضفضي معاها وتطلبي كمان مساعدتها من غير خجل؟ أصلا في بيني وبينك خجل؟ ليه مخبية عني سرك ومشاعرك لحد دلوقت؟!



+





        


          



                


أغرورقت عيناها وهي تتجرع ريقها بألم، فضمتها جوري وهي تغمغم: هو الحب عيب عشان تخبيه؟ ده مش بإيد حد..!


ثم واجهت عيناها ثانيا: وبعدين بلقيس خلاص طريقها مع حد تاني يعني فرصتك كبيرة عشان تثبتي نفسك قصاد اللي بتحبيه ياعبيطة! 



+




لم تجد داعي لمواصلة الإنكار فهتفت بإقرار: 


_ بس هو لسه بيحبها يا جوري..! 



+




_ مين قال لسه بيحبها.. بالعكس آبيه مبقاش زي الأول.. خلاص بقى فاهم كويس ان طريقهم مستحيل يتلاقى.. وطريقه دلوقت فاضي.. اقفي قدامه واجبريه يشوفك صح.. صدقيني ياعطر في حاجة ليكي في قلب يزيد بس محتاحة تكبر بينكم"



+




_هو بيعتبرني أخته! .. دي نظرته ليا ياجوري! 


_ لأ.. دلوقت لأ.. لو شوفتي عصبيته امبارح وهو بيقول إنك مش اخته لما............ 


كادت أن تفصح عن ماحدث وتخلف وعد أخيها، لكنها تداركت أمرها سريعا: لما كان خايف عليكي يعني! 


_ ما انتي عارفة حنية يزيد.. طبيعي يخاف عليا..! 


_ تعرفي المشكلة الحقيقية فين ياعطر؟ مش في يزيد لوحده.. انتي كمان انعدام ثقتك في نفسك ومكانتك عنده مخلياكي مش عارفة تقربي.. انا أخته وبقولك ان يزيد بيتحامي في كلمة اختي لأنه بيخاف يغلط أو يخالف ضميره.. لو أجبرتيه يشوفك صح.. وقتها هو اللي هيصرخ ويقول انك بتاعته! هتخرجي من جواه إحتياج الراجل وعطشه لحب حقيقي مش هيلاقيه غير عندك.. انتي بس ثقي في نفسك وأنا هساعدك بطريقتي ومش هسيبك غير وانتي لابسة دبلته! وبكره تقولي جوري قالت! 



+




ابتسمت عطر لمجرد الخاطر ثم نظرت لرفيقتها وهتفت بمحبة خالصة: ربنا يخليكي ليا ياجوري ومايحرمنيش منك! 


______________________



+




يوم الخطبة صباحًا..! 



+




عابد: صباح الخير يا زمزم.. صاحبي عامل إيه! 


_ صحبك طلع عيني بالليل.. كان مصهلل جامد، جوري المجنونة شربته حبة قهوة باللبن بالليل! 


_ جوري دي أذكى اخواتها.. ثم التقط الصغير وهو يداعبه: كده يا صاحبي تسهر ماما معاك..في طفل سنتين يشرب قهوة بردة؟ امال اما تكبر هتشرب إيه؟


همس الصغير بابتسامة تخطف القلب بوجهه الصبوح: " آبد"..!



+




قبله عابد وتمتم: قلب عابد.. قولي صباح الخير يلا.. لم يستجيب فكرر عابد بإصرار: قول يلا صبااااح


فهمس الصغير بعد تردد: " باح" 


ابتسمت زمزم وهي تتابع، فاستطرد عابد: برافوا ..قول بقي ..الخير..! 



+




الصغير بعد إلحاح أكثر: " إير" 



+




مزح بعد قوله: على فكرة يا زمزم الواد ده هيبقي له مستقبل في الإنجليزي وهيشرفنا


زمزم: إشمعنى؟


_ مش سامعة قال إيه؟ إير.. يعني ear والترجمة أذن  ..انجليزي ده ولا مش انجليزي يا متعلمين يابتوع المدارس 



+




ضحكت لمزحته: تصدق عندك حق.. خلاص يبقي ضمنت نجاح ابني في الأنجليزي 


يلا بقى هاته عشان أحميه واغيرله هدومه بدري وخده انت معاك عشان هنشغل مع بلقيس اليوم كله انهاردة! 



+





        


          



                


_ طب هتلبسيه أيه؟


_ طقم عيد ميلاده.. بدلته كانت عسل عليه! 


_ خلاص ماشي خلصي وابعتيهولي وانا مستنيه تحت! 


_ خلاص تمام! 


وقبل أن يغادر استوقفته بدعوة تلقائية: 


عقبالك يا عابد! 


التفت وحدجها بنظرة غامضة أربكتها فهتفت: إيه يا ابني مالك.. ده انا بدعيلك المرة الجاية يكون يوم خطوبتك إن شاء الله!



+




بدت بريئة مثل دعوتها الصادقة فهمس بنبرة لها معناها لمن يفهم: طب ادعيلي اللي عليها العين توافق وأنا جاهز من دلوقت للفرح مش الخطوبة بس! 



+




شهقت بمباغتة: أنت بتتكلم جد؟! يعني في حد في دماغك فعلا؟ طب وليه مش توافق هي تلاقي زيك؟



+




رقص قلبه لمدحها له وهمس وحدقتاه تتخلي عن حذرها وهي تحاصرها بنظرة دافئة: 


يعني أنا في رأيك عريس كويس وما اترفضش يازمزم؟ ده رأيك فيا؟



+




أجابته غير منتبه لفحوى نظراته: طبعا يا ابن عمي.. مين دي اللي ترفضك.. ماشاء الله ياعابد أنا بجد مش شايفة فيك أي عيب.. فيك كل المميزات اللي تتمناها أي بنت! 



+




رمشت أهدابه بتأثر وواصل همسه: طب توعديني وعد؟ أومأت له برأسها، فاستطرد: في الوقت اللي هحدده هطلب منك انتي تكلميها وتذكري مميزاتي! 


وتاخدي موافقتها.. توعديني؟



+




منحته ابتسامة ودودة: أوعدك..وقت ماتحتاح مساعدة بنت عمك هتلاقيني موجودة! 


_________________



+




يتأمل لألأت فصوص خاتمها المتراقصة گ النجوم بعينه متذكرا كيف انتقاه لأجلها بعد أن استعار منها واحدًا ليجلب مقاس يناسب أناملها الرفيعة، شرد بلحظة استجابتها بمجرد أن طلبه.. لم تدعه يكمل ويوضح لها شيء، أنتزعته على الفور وقدمته له..تتعامل معه ببراءة تثيره وتثير خوفه عليها ويزيد إصراره ورغبته أن تتعافى تلك الجميلة.. فنقاء سريرتها لا يناسب سواد العالم حولها..ولن يدخر جهدا لكي تعود شجاعتها وصحوة عقلها..! 



+




_ اتصلت بعمك وخالك يا ظافر؟



+




التفت لوالدته: أيوة يا ماما.. خالي وعمي على وصول ماتقلقيش! 



+




لمحت ما بيده فقالت: انت اشتريت الدبل وخاتم ومحبس ألماظ كمان؟ طب مش تستنى يا ابني اما نروح واشوفها يمكن ما مش..... 



+




قاطعها بحزم دون فظاظة : مافيش يمكن يا ماما أنا مش رايح أهزر.. أنا رايح اخطب واحدة قولت لحضرتك بوضوح شديد اني عايزها وزيارتنا دي تحصيل حاصل وشكليات.. وانتي وعدتيني تحققي رغبتي خصوصا انك صليتي استخارة والحمد لله مافيش حاجة حصلت تقلق..لو رايحة وفي نية تانية في دماغي أرجوكي تكوني صريحة معايا عشان اتصرف.. مش حابب اتحط في موقف سخيف قدام الناس أو اطلع مش قد كلمتي.. ودول عيلة ليها شأنها ومقامها مش قليلة! 



1





        


          



                


صمتت ترمقه دون حديث، فواصل: طيب ممكن اعرف حضرتك مترددة ليه لحد دلوقت!؟ مش لما سألتي خالي عنهم مدح فيهم بما يرضي الله وقالك سمعتهم عاملة ازاي، وكمان يعرف عمها أدهم بشكل شخصي؟ حتى عمي عارفهم كويس من سمعتهم في بلدنا.. ليه قلقانة يا أمي؟



+




_ استعجالك ياظافر هو اللي مش مريحني.. حاسة انك مغمي عيني وبتجري بيا عشان تداري عني حاجة معرفهاش.. الأصول اننا نتقابل الأول مرة أو اتنين وبعدها موضوع الدبل.. لكن انت من قبل حتى ما اتعرف عليهم روحت تشتري خاتم ومحبس ألماظ.. وطبيعي اقلق.. افرض النفوس مش اترتاحت لبعضها .. ولا انا مش امك ورأيي مهم عندك؟



+




لديها حق.. هو يعلم.. لكن ان يعطيها مجال للتفكير والأمر لديه محسوم.. هو في المقام الأول وبعيدا عن شتاته ومشاعره المتضاربة يساعد فتاة في محنة حقيقية.. ولن يفصح عن تلك الحقيقة.. أما لما أحضر لها قطعتين من الألماظ.. لا يدري..فقط وجد نفسه يطالعهم وينتقي لها أفضلهم دون نيه مسبقة بعد أن أعلم والدها انه سيحضر دبلتين وفقط.. ومع هذا لن ينشغل بتفسير هذا.. بالنهاية لابد أن يهاديها شيء ثمين أمام عائلتها..!



+




بعد شروده الطفيف همس لوالدته: 



+




_ دايما خالي كان يقول الإنسان بيهادي بقيمته..واحنا مش قليلين، أنا ابن عيلة من أكبر عائلات المنصورة سواء من ناحيتك أو ناحية والدي الله يرحمه.. وخالي عضو سابق في مجلس الشعب وسمعته أثمن من الألماظ اللي في أيدي.. . ازاي أجيب حاجة اقل من مستوانا وقيمتنا؟ ثم غازلها بذكاء: 


وبعدين دي أقل حاجة تتقدم مع زيارة هالة هانم بنت الحسب والنسب! 



+




ابتسمت بعد أن نجح باستفزاز اعتزازها بأصولها ، ولمحة غرور نبع من عراقتها.. هما بالفعل لا يوازي قيمة هداياهم شيء أقل من تلك الماسات! حمحمت بعد أن استطاع إقناعها وهتفت: ماشي يا سيدي عرفت تضحك عليا بكلمتين زي عوايدك! 



+




ابتسم وقبل رأسها: هي دي هالة هانم بنت الأصول وأمي حبيبتي ! ثم استأنف ببعض التردد: بس ممكن اطلب منك حاجة أخيرة ياماما؟


_ خير؟


_ أوعي حضرتك هناك تجيبي سيرة الأزمة النفسية بتاعتها وتحرجيهم..أكيد مش هيكون لطيف في حقهم تذكري ده..!



+




هزت رأسها: لا طبعا مش هتكلم في كده.. بس كمان انا ليا طريقتي في اختبار البنت! 



+




مازحها: أوباااا.. شكلنا كده هنتفرج على مشهد لايف لماري منيب! طب مش تقولي كنت جبتلك حبة بندق للمسكينة تكسرهم قدامك! 



+




نكزته بكتفه: عيب يا ولد.. انت بتتريق وبتشبه أمك بماري منيب؟


ضحك لها: مش قصدي.. عموما حتى لو عملتي إيه أنا واثق ان بلقيس هتعدي في أي اختبار..! 



+




رفعت حاجبيها بخبث: يا سلام..ده انت واثقك من نفسك أوي



+




غمغم ببساطة: لأ.. واثق فيها هي! 


____________________



+





        


          



                


_زمزم بصي انا جبت ده هدية لبلقيس عشان تحطه على شعرها وقت مقابلة العريس وأهله..!



+




زمزم بانبهار : شكله روعة يا جوري


ثم. ربتت على وجنتها بحنان: ربنا يخليكم لبعض حبيبتي.. بصراحة لفتة جميلة منك لبنت عمك! 



+




شكرتها جوري ثم همست متعجبة بشرود طفيف: 



+




_ تعرفي يا زمزم إن أنا وبلقيس مش كنا اصحاب زمان! 



+




تعجبت متمتمة: معقولة؟! أنا تصورت العكس تماما.. طب وإيه السبب؟



+




_هكلمك بصراحة..وانا صغيرة وبشوف مدح الكل في جمالها وغصب عني كنت بغير، وأي مكان يجمعنا بحس أن محدش هيشوفي..ولما أخويا خطبها ولمست ازاي بيعشقها غيرت أكتر.. وقلت لنفسي گ مبرر اقدمه سبب لضيقي (حتى أخويا اللي بحبه بيحبها الحب ده كله؟) واللي زود نفوري منها أحساسي أنها مش بتبادله إحساسه.. اتجنبتها أكتر..وهي كمان كانت في ملكوتها ماحاولتش مرة تقربني منها.. بس رغم كل ده مكرهتهاش والله..!



+




ترمقها زمزم بصمت محترمة بوحها گ أول خطوة لنسف مسافات البعد وفرصة لأزالة الرواسب بالنفوس فأستأنفت جوري: أنا بقولك الكلام ده بعد ما فهمت إن في حاجات بتكون غصب عننا خصوصا المشاعر..وأن ربنا له حكمة من كل حاجة.. يمكن اخويا سعادته في مكان تاني.. وهي كمان سعادتك مع غيره.. فهمت لأني كبرت يا زمزم وبقيت اقدر احكم واستوعب حاجات كتير عن الأول!. ومش عايزة احس بعد كده اني قاسية ناحيتها.. محنتها خلتني ازعل عليها بجد.. وبتمني حقيقي ترجع لطبيعتها وتعيش مبسوطة! 



+




تنهدت زمزم ثم دنت منها واحتضنت رأسها بحنان: ما تتصوريش ازاي كبرتي في نظري يا جوجو.. وشعورك كان طبيعي وناسب عمرك.. لكن لما نضجتي تفكيرك اتغير.. مش عيب نصحح أفكارنا تجاه الناس القريبين مننا.. انتي فتحتي صفحة جديدة بهديتك.. يلا تعالي نروح نجهز بنت عمنا ونشاركها فرحتها.. وصدقيني أكتر حاجة هتساعد بلقيس هي حب اللي حواليها.. يلا بينا؟ 



+




أومأت لها براحة مبتسمة: يلا يا زومتي! 


___________



+




_ست البنات عاملة إيه وجهزت ولا لسه؟



+




رحبت دُرة بالفتاتين على عتبة الغرفة: 


الحمد لله يا زمزم بخير ، تعالي ادخلي انتي وجوري



+




دلفا وتوجهت جوري لبلقيس: إيه الجمال ده.. طب نقطي شوية على أختك الصغيرة خليني اتخطب واريحكم مني! 



+




ضحكت دُرة وزمزم، وقالت الأولى: مافيش فايدة في جنانك ..بس بحبك يابنت ياجوجو! 



+




اقتربت جوري وطوقتها بدلال مازح: ماهو صعب تقاومي خفة دمي وحلاوتي ياطنط..!



+





        


          



                


زمزم: بصراحة أشهد انك خفيفة الظل وزي العسل، وأكيد هيجيلك فارس أحلام يخطفك على حصانه! 



+




جوري وهي ترفع كفها بتضرع مضحك: يسمع منك ربنا يا زمزم.. ادعي وكثفي الدعاء الله يكرمك.. عايزة اغرق في دباديب الفلانتاين، موسم السهوكة قرب وشكلي بقى وحش قدام اصحابي



+




ضحكوا لمزاحها، فدنت جوري من بلقيس ثانيًا واحتضنتها مواصلة مزاحها: كان نفسي اخدك ونتمشى يمكن السنارة تشبك بمز ولا حاجة بس مقدرش اجازف اللي هيشوفك جمبي هيشبك في سنارتك انتي وانا اتقهر يابنت العم



+




جذبتها دُرة وضمتها ومازالت تضحك: ياخربيت كلامك يا مجنونة.. هو انتي وحشة ولا حد يطول ضفرك يا جوجو ده انتي بسكوتة عيلة أبو المجد! 



+




وواصلت: يلا هسيبكم بقي مع بنت عمكم تجهزوها.. وانا هروح لعاصم واعرف العريس جاي أمتى! 



+




هتفا زمزم: ماشي ياطنط براحتك انا فاضية ومش هسيب بلقيس خالص! 


دُرة: ماشي ياحبيبتي خدوا راحتكم.. ثم همست في أذن جوري: بقولك إيه افضلي اكلمي مع بنت عمك يمكن تتعدي من رغيك يا زئردة! 



+




_ بردو زئردة؟ تيجي منك انتي ياشجرة الدُر..ماشي ياستي أنا هنطقهالك واخليها تغني كمان..! 


.................. .


ظلت جوري تثرثر وتتبادل المزاح هي وزمزم وبلقيس تستجيب بوجهٍ باسم وكلمات محدودة، ثم استأذنتهما لتهاتف ابنة خالتها عطر وتستعجل حضورها..! 


___________________________



+




أتعرفون ذاك الجمال الآخاذ الذي يسلب نظر الحاضرين بجنسيهما معًا؟! هو ذاته ما جعل الأحداق تتسع تطالعه والألسن تُسمي بالله لطلتها التي لم تحتاج لإظهارها سوى فستان أنيق بهيبة الأسود مرصع بفصوص تماثل لونه وخصلات شعر حريرية سوداء منسدلة دون قيد گ روحها التي ترفرف في السماء بحرية وهي تستشعر خطواتها إليه..ولا يزينها طوق فضي براق يعلو رأسها ليمنحها مظهر أميرة غادرت لتوها صفحات الحكايات.. عيناها تتألق بلون عسلها المصفى وهي تميزه بين الجميع يجاور سيدة تمتلك بعض ملامحه مع رتوش تجاعيد الزمن الواضحة.. وفتاة أخرى صغيرة تلتصق به التصاق أشعل بها لفحة غيرة فطرية عليه..فعادت ترسل لحدقتاه ضيق صامت، تلقفه بنظرة رجولية دافئة نمت عن إعجابه بمظهرها، فأطرقت برأسها خجلًا في الحال! 



+




_ بسم الله ما شاء الله.. عروستنا آية في الجمال! 



+




العم أول من أطلق ثناءه عليها، فتبعه الخال: 


رغم إننا من بلد واحدة بس أول مرة اشوفك..وليهم حق يقولوا عليكي أجمل بنات المنصورة! ربنا يحميكي من العين! 



+




رتلت دُرة داخلها التعويذات على ابنتها ودعت بحفظها من الأعين المحبة. قبل الكارهة! 



+





        


          



                


_ ماشاء الله يابنتي زي القمر تبارك الله! تعالي جمبي ياحبيبتي! 



+




عندما سمع ظافر مدح والدته ودعوتها لها بالجلوس جوارها شعر بالراحة.. فثناء سيدة لا تنبهر بسهولة گ والدته علامة مطمئنة.. يدعوا داخله أن يمر كل شيء بخير..! 



+




عاصم: روحي سلمي على طنط يا بلقيس! 



+




لم تتحرك إلا حين تلقت منه نظره فهمتها جيدا.. فتقدمت إليها بهدوء، فهتفت والدته: أزيك يا بلقيس عاملة إيه؟ 


همست بخفوت: الحمد لله! 


_ طب تعالي اقعدي جمبي! 



+




رافقت جملتها أشارة لموضع جلوسها، فأطاعتها بلقيس، لتعاجلها بتساؤل تريد تختبر به مدى استجابتها للحديث: أنتي دارسة إيه يابلقيس؟


_ تجارة! 


أومأت " هالة" باستحسان، فتدخلت دُرة تكمل إجابتها: بلقيس دارسة تجارة قسم إدارة أعمال يا مدام " هالة".. هي اختارت القسم ده تحديدا عشان تدير مع والدها الشركة مستقبلا بإذن الله! 



+




وكأنها لم تنتبه لدُره سوى حين تحدثت فهتفت بتلقائية مازحة وهي تحدث ابنها: كده عرفت بلقيس ورثت الجمال من مين يا ظافر..! 



+




مدح لم تتوقعه دُره، فشعرت ببعض الربكة خاصتًا حين نظرت لعاصم وقرأت بعيناه عدم رضاه لمدح جمالها أمام أغراب مثل عم ظافر وخاله، فهتفت برصانة: عيونك الجميلة وشكرا لذوقك على كل حال، ثم نحت نظرها لمن تجاور وتسائلت: الأموره دي أخت ظافر؟


برقت عين هالة وهي تطالع ابنتها: أيوة دي إيلاف بنتي.. ثم هتفت بفخر: في كلية طب! 


دُرة بإعجاب: ماشاء الله.. يعني دكتورة مستقبلا.. ربنا يوفقك حبيبتي وأسمك جميل ومميز! 



+




إيلاف: شكرا ياطنط تسلمي! 



+




عاصم. ملتقطًا أطراف الحديث: وهتخصصي في أيه من الطب يا إيلاف؟


_ الأطفال إن شاء الله ياعمو..!



+




ومضت عينه بإعجاب: ما شاء الله ربنا يوفقك يابنتي وتكوني افضل دكتورة أطفال! 



+




تبادل الكبار من عائلة ظافر نظرات ذات مغزى مع السيدة " هالة"، فرمقت الأخيرة ولدها بنظرة مع أيماءة استوعبها جيدا.. والدته أعطتة إشارة براحة مبدئية عن العروس! 



+




فصاحت دُرة بتوجيه دعوتها لوالدته: 


أيه رأيك يامدام هالة نطلع نقعد في الجنينة شوية عشان اعرفك إنتي وإيلاف على باقي عيلتنا.. ونسيب الرجالة يتكلموا براحتهم! 



+




استجابت لها مع ابنتها ونهضت فقادتها للخارج حيث تجلس عبير وكريمة وفدوة..وبنات العم زمزم وجوري وعطر! 


............ ...



+




العم موجهًا حديثه لعاصم بعد ذهاب السيدات: 



+




أكيد ظافر قالك السبب اللي طلبنا الزيارة عشانه.. وبعد إذن السيد فودة وبالنيابة عن ابن اخويا اللي في مقام ابني يشرفنا نطلب منك إيد الأنسة بلقيس يا سيد عاصم! 


ثم استرسل بعبارات أخرى: وطبعا أحنا مجرد ما عرفنا من ظافر يقصد مين وعرفنا ان ابننا اختار حسب ونسب يشرف.. سمعتكم في بلدنا زي الذهب وبجد نتشرف بنسبكم! 



+





        


          



                


فالتقط الخال فودة أطرف الحديث: طبعا عيلة أبو المجد معروفة بسمعتهم الطيبة من الجدود.. وأكيد ولادكم وبناتكم مايتخيروش عنكم..!



+




اخجل عاصم كل هذا الثناء فتمتم: وانتم كمان ماتقلوش عننا في طيب الأصل.. أحنا كمان اما عرفنا من ظافر هو ابن مين فهمنا وقتها منين جايب ظافر جينات الرجولة والأخلاق! 



+




تمتم الأخير: شكرا يا عمي من ذوقك! 



+




فأردف أدهم: اه والله.. وبعدين أنا وفودة بيه علاقتنا ودودة من زمان ومش غرب عن بعض! 



+




فهمس محمد للمرة الأولى: أنا طبعا رغم اني اتغربت سنين طويلة عن البلد.. بس انا عارفكم وبسمع عنكم من زمان.. وأخويا أدهم مدح فيكم بشكل شوقني نتقابل! 



+




الخال فودة: طب بما إن الحمد لله الصلة قديمة والسمعة الطيبة متبادلة.. احب أعرف رأيك في طلبنا؟



+




تبادل عاصم مع شقيقيه النظرات فقرأ مباركتهما للأمر، ثم نظر ليزيد الذي اكتفى بمتابعة صامتة بعد أن طلب منه المشاركة بتلك الجلسة، فحدثه ليظهر مقدار أهمية مشاركته القرار: قبل أي كلام أحب اسمع صوتك يا يزيد.. انت أبننا الكبير وابن عم بنتي وفي مقام اخوها وأيك عندي مهم..! 



+




امتن أدهم للفتة شقيقه، بينما تفاجأ يزيد وتلجم بطلب العم وكان يظن جلوسه مجرد مشاركة شكلية لن تعود بأي تأثير على قرار الكبار..كما حاول أن يتحلى بمشاعر محايدة.. أصبح الأمر داخله متساوي بعد أن درب نفسه لتلك اللحظة منذ علم حقيقة ظافر .. هو أدرك حلول هذه الخطوة مبكرا وتهيأ لها جيدا.. أما ثقة عمه وتعمده إبراز قدره أمام الجميع هو الشعور الذي أسعده بأكثر مما توقع.. شعور ملاءه امتنان تجاهه..!



+




حمحم بعد برهة صمته: 


أولا شكرا لثقتك واهتمامك برأيي يا عمي.. وأنا مش هقول أكتر من اللي والدي وعمي قالوه.. عيلة الشباسي معروفة بسمعتها الطيبة في بلدنا ورغم اني ماحصليش الشرف اني اتعرف بشكل مباشر على حد منهم بخلاف ظافر طبعا.. بس سِماهم على وجوههم..وبما إن والدي وعمي وحضرتك موافقين.. أنا كمان ببارك معاكم الأمر..! 



+




ضوت عين أدهم فخرا بولده، كما رمقه عاصم بحنان لا يصطنعه، بينما تحدث محمد ليبادر بإعلان الموافقة صريحة: 



+




_ طيب مادام. الحمد لله كل الآراء مشجعة كده.. اسمحولي بالنيابة عن أخويا الكبير اعلن موافقتنا لطلبكم إيد بنتنا بلقيس.. وربنا يتمم بخير للجميع! 



+




لم يستطع ظافر موارة سعادته التي تجلت بابتسامته المشرقة التي زادته وسامة، وهتف بحماس اللحظة: 



+




طيب بما أن الحمد لله حصل قبول وتمت الموافقة.. أسمحولي بعد إذن الكل استأذن اني أقدم هديتي لبلقيس! 



+





        


          



                


مازحه الخال: شوفتم ياجماعة الولد طالع لخاله بيجيب من الأخر..! 


فتدخل العم بذات المزاح: وليه ما تقولش طالع لعمه.. أنا فاكر اما روحت اخطب مراتي جبتلها فستان الخطوبه نفسه



+




ساهم مزاح عائلة ظافر بتلطيف الأجواء، فجارهم محمد بمزحته: والله ياجماعة انا بقى بكل فخر تخطيت كل المراحل دي.. روحت بالمآذن 



+




ضحك أدهم: لأنك كنت مستعجل عشان تخلص أوراق سفرها وعايز تاخدها معاك..ولحد دلوقت معرفش ازاي ابوها وافق! 


محمد: دي كاريزمة أخوك وسيطرته بقى وأظن دي وراثة يا حج



+




تبادلو الضحكات ثم هتف أدهم بطلب فاجأ يزيد: روح هات بنت عمك ونادي الباقي يا يزيد عشان تلبس الدبل في حضور الكل!



+




أراد آبيه بذكاء أن يوليه أمر إحضارها بنفسه لينقله فعليًا لمكانة الأخ الأكبر گ خطوة حاسمة لمشاعره المذبذبة..لترسوا بأرض علاقتهما أعمدة جديدة أكثر قوة ومتانة.. ستغدوا بلقيس ابنة العم والشقيقة له.. والأيام سترسخ هذا أكثر وأكثر.. ويومًا ما وربما قريب سيجلس بأجواء مشابهة وهو يطلب له إحداهن لتشاركه سعادته الحقيقية! 



+




فطن شقيقاه لغرضه كما أدرك يزيد هدف والده ببساطة، فنهض ليلبي رغبة والدهتهذيب جم: حاضر يا بابا..! 



+




وذهب لإحضارها..! 


________________________



+




جميلة بشكل أدهشها.. رقيقة گ النسمة دون مبالغة..الفتاة لا ينقصها شيء.. كانت تعتقد أنها لن تتحدث أمامها كما استشفت من حديث ظافر لحالتها النفسية.. لكنها تراها طبيعية.. وإن كانت لا تتحدث إلا قليلا لكنه أمر طبيعي لعروس تخجل..! 



+




أما والدتها فزيادة على جمالها هي الأخرى لبقة تبدو من أصل طيب..حتى زوجات أعمامها اندمجت بحديثها معهم ونشأ ألفة تتعحبها من المرة الأولى.. العائلة ذات أصل عريق يثير زهوها مستقبلا إذا اقترن بإحداهن وحيدها ظافر..! 


_____________________



+




يقترب يزيد بخطوات هادئة وعقله يستعرض صورًا أتته من قبو ذاكرته بدءً من طفولتها مرورا بزهرة شبابها التي أينعت تحت نظره.. رحلة قلبه معها حوت الكثير والكثير من المشاعر منها ما أسعده ومنها ما حفر على جدار روحه جروحًا لم يراها أحد..والآن..انتهت رحلته معها.. وربما انتهت منذ زمن أبعد من تلك اللحظة..اليوم سيفي بجزءًا من وعده لها حين أخبرها أنه بيوم خطبتها سيسلمها هو لصاحب النصيب.. وهاهو يفعل..بحث داخله عن حقد أوضيق أو حزن لم يجد.. هل شُفي العاشق من عشقه؟ هل استسلم لدفة المقاير وآمن أن بوصلة كلًا منها بطريق مغاير للأخر..يوقن أن حفنة من الدعوات الخالصة لأبويه بالصلوات هي ما أوصلته لهذا الهدوء والتصالح مع نفسه! 



+




وبوسط ثرثرة بنات العم حولها وهما يحتلوا بقعة منزوية قليلا عن مكان جلوس والدة ظافر مع الأخرين، لمحت دنو ابن العم صاحب النظرات المبهمة يُقدم عليها.. دائما تتجنب نظراته ولا تدري سببا.. أما الآن.. لا مفر وهو يقصدها هي بعد أن طلب منهن الرحيل وتركهما بمفردهما قليلا..!



+





        


          



                


جلس يزيد قُبالتها وقال برفق: أزيك يا بلقيس! 


هزت رأسها وهي تطالعه بترقب، فاستطرد بعد أن رمقها برهة بنظرة مازالت غير مفهومة لديها: فاكرة عهدنا أخر مرة اتكلمنا فيها يا بلقيس؟ يوم ما كنت مسافر أول مرة القاهرة عشان ابتدي مشروعي وانتي جيتي تسلمي عليا وتطلبي مني مبعدش واكون زي اخوكي وفي ضهرك يوم ما تحتاجيني؟ 



+




تعرجت أمامها التفاصيل على موج الذاكرة، أهدابها ترتعش متذكرة بالفعل أشياء مما يقصد.. هي لا تفقد الذاكرة.. لكنها تفقد الرغبة باستجلابها خوفا من استحضار تفاصيل أقسى عاشتها واضعة حدًا فاصل گ نصل السيف.. تشعر إن عبرته ستُذبح على أبواب حقيقته الغائبة عن الجميع إلى الآن..تريد النسيان.. وتترجى في العزلة الأمان.!



+




عاد ليكمل: معرفش انتي فاكره ولا لأ.. بس انا يومها وعدتك وعد آن آوان تنفيذه دلوقت.. أنا اللي هسلمك لعريسك .. وصحيح انهاردة اتفاق مبدئي مش فرح كبير وهتفضلي لسه في بيت والدك.. بس انا حاسس اللحظة دي اني بسلمك لحد تاني للابد.. انا بكلمك وبقولك كل ده عشان تعرفي حاجة واحدة بس يابلقيس.. يزيد اللي قدامك.. مش يزيد القديم الضعيف بسبب مشاعره ناحيتك.. لأ.. أنا خلاص اتحطيت في مكانة مختلفة وهتصرف بعد كده على أساسها.. أنا هاخدك من أيدك زي أي أخ كبير مابيعمل مع أخته في يوم زي ده..ويشهد ربنا إني بعمل كده وانا راضي ونفسي صافية يا بنت عمي! ثم ابتلع ريقه كأنه يبتلع أخر قطرة من مشاعره لتذوب بجوفه إلى الآبد..! 



+




_ يلا بينا عشان الكل مستني! 



+




قالها بعد ان انتصب على قدميه فرفعت عيناها المغرورقة له.. شيء بنبرته ابكاها..صوته تشبع بمزيج عجيب من القوة والحنان مع مسحة حزن طفيفة وصلتها بوضوح أثر بها فأبكاها..!



+




أعاد دعوته لها: 


_ يلا يا عروسة هنتأخر عليهم! 



+




" عروسة"؟!



+




رنين الكلمة أعادها لحاضرها


هي عروسة! 


نعم ..هي كذلك!


هي خاصته هو.. ظافر.. منقذها.. ملاذها الآمن! 



+




أفترشت الابتسامة محياها وهي تردد أسمه بضميرها، ونهضت لتخطو معه خطوات تقربها رويدا من حصنه.. ومن الراحة بقربه! 


__________________



+




جلست جواره بهيبة جمالها الٱسر فبرقت عيناه فور حضورها.. وبعد أن تمت قراءة الفاتحة، وشرع بالتقاط أناملها ليمرر دبلته ببنصرها گأول صكوك ملكيته حتى لو كانت زائفة، ثم تبعها بخاتمه ومحبسه المرصعان بالألماظ، فصدحت على الفور صافرات عابد وياسين ومباركات الكبار الرصينة، وبمفاجأة غير متوقعة.. صدحت زغروطة من جوري التي تدربت عليها بالخفاء.. فضحكوا جميعهم ودعوا لها بالزوج الصالح هي الأخري!..


............... .



+




بعد أن تمت مراسم الخطبة تنحى بها ظافر في بقعة أكثر خصوصية.. فوجدها تنظر لدبلته وخاتمه ومحبسه الرقيق فقال: ألف مبروك يا بلقيس! 



+





        


          



                


نظرت له ثم همست: الله يبارك فيك



+




_عجبك ذوقي؟


_ أيوة


_ كنت نفسي تختاريهم بنفسك.. بس...... 


صمت برهة ثم استطرد: معرفش كان ينفع تختاريهم ولا لأ بس حاولت اختارلك حاجة بإحساسي! وإحساسي قالي إن مافيش حاجة تليق بنقائك اللي بلمسه كل اما اشوفك غير الماسات دي يا بلقيس! عمرك شوفتي ملكة اتهادت بأقل من الألماظ؟



+




ابتسمت وعيناها لا تحيد عنه ولو برمشة عين..هي سعيدة لوجوده.. سعيدة بخاتمه الضاوي.. بدبلته التي تحتضن حروف أسمه.. سعيدة بقربه! 



+




شيء داخله دفعه ليتحرر تلك اللحظة من أي افتراضات أو مسميات بقيده.. أراد إطلاق مشاعره كما هي دون تحليل أو تفسيرات منطقية! 



+




منحها أكثر نظراته دفئًا:



+




_ بلقيس.. يمكن ارتباطنا أسبابه ودوافعه إنسانية متغلفة بالواجب والشهامة لأي حد في مكاني.. و لؤانا تاني بكم الصدف اللي حصلت غريب.. وكل حاجة هتحصلي معاكي متوقع تكون مش طبيعية ولا مفهومة ليا.. بس في حاجة جوايا محتاج اقولهالك دلوقت.. حاجة واضحة وفاهمها كويس...!



+




_ أنا مبسوط لدرجة إني عايز انسي وان وجودي حواليكي مؤقت.. مش عايز افتكر غير حقيقة واحدة.. حقيقة انك بقيتي خطيبتي وإسمي حاضن إيدك وبقى في مبرر يخليني اشوفك دايما من غير قلق ولا أسئلة..!..حتي مع احتمال إنك تكوني مش مستوعبة ارتباطنا وفاهماه..! 



+




انتهي من صب مشاعره على مسامعها.. فلم تكن أقل منه وضوحًا وهي تهمس بتلقائية أشعلته أكثر: 



+




_ مستوعبة.. وفاهمة! 



4




_________________________



+




بينما عامر يقود سيارته للذهاب لمنزل السيد عاصم لمشاركة صديقه مناسبته الخاصة، تلقي منه توبيخا بمكالمة خاطفة لعدم حضوره بعد.. هو تعمد ألا يذهب مبكرًا حتى يتم اتفاقهما الخاص دونه حرجًا من حضوره جلسة گ تلك.. وها هو وصل لبوابة الفيلا .. ولج بعد أن أجاب تساؤل الحارس انه ضيف منتظر.. وأثناء عبوره للداخل لمح قصيرة القامة تعرج على قدميها، فتلفت حوله بحذر ثم تبعها دون وعي، تنحت جانبا بزاوية مخفية وجلست أرضا فوق الحشائش وهي تحدث نفسها شبه باكية: الله يخربيت الكعب العالي وسنينه..كان لازم البس حاجة عالية بعد ماعرفت ان بلقيس هتلبس الدبل! كان ماله ابو كعب واطي..!



+




ثم تدرعت إلى الله بشكل مضحك: 


ليه يارب ماطلعتش طويلة شوية زي عطر ولا بلقيس وزمزم.. كنت اترحمت من الكعب ده.. لأ وكمان اتكسر ووجع رجلي!



+




_ معلش! 



+




انتفضت على صوته وهي تلتفت سريعًا هاتفة بذهول: أنت؟؟؟ انت طلعت منين وجيت هنا ازاي وليه امتى؟ 



+





        


          



                


لجم ابتسامته وقال كذبالا يعرف لما يستهويه معها: 



+




اصل ظافر بيه طلبني عشان اجيبله حاجة مهمة هنا وهو اللي وصفلي العنوان..! وانا قلت اجي وبعدها ارجع عشان هجيب أكل لأخواتي في طريقي وكده..!



+




نهضت بعد أن أمسكت فردتي حذائها ووقفت حافية: اه فهمت.. طيب تعالى أوصلك عندهم.. ثم ترددت وحدثت ذاتها تحت مراقبته لهمهمتها المسموعة له بتسلية (لأ.. مش هينفع امشي حافية قدام نسايب عمو عاصم واحرجهم)..ثم حدثته مباشرًا: طب بص أنا هوصفلك تمشي ازاي ولما تخلص مهمتك.. تعالي هنا تاني بعد عشر دقايق عشان عايزاك في حاجة! 



+




وتركته راكضة بقدم حافية بتلقائية أكسبتها براءة أسرته بشدة فظل يتطلع إليها حتى اختفت عن دائرة بصره.. ابتسم ولا يعرف لما كذب وخدعها بشأن حقيقة وضعه.. ربما يريد بعض التسلية البريئة الخالية من أي سوء بالطبع.. فقط دعابة ثقيلة وسيخبرها بطريقةٍ ما من يكون! تحرك ليذهب لصديقه ليبارك له، مشتاقا للعودة ثانيا ليعلم ماذا يا تُرئ تريد منه تلك الملاك؟ 




_____________________




الفصل الرابع والعشرون


_____________



+




تركته راكضة حافية القدمين بتلقائية أكسبتها براءة أذابته وأجبرت عيناه على التعلق بأثرها حتى اختفت عن دائرة بصره.. ابتسم ولا يعرف لما كذب وخدعها بشأن حقيقته.. ربما أراد التسلية البريئة الخالية من أي سوء بالطبع.. فقط دعابة ثقيلة وسيخبرها بطريقةٍ ما من يكون!  تحرك ليذهب لصديقه مشتاقا للعودة ثانيا ليعلم ماذا تريد منه تلك الملاك؟ 



+




بعد أن تبادل عامر الترحيب مع الجميع وبارك لهم، استأذن دقائق وعاد ينتظرها بتلك الزاوية كما أخبرته، وبعد لحظات وجدها تتهادى إليه بخطوات أكثر راحة وثبات بعد أن ارتدت حذاء جديد.. حاملة بكفيها حقائب بلاستيكية.. دنت منه وهتفت:  كويس انك جيت بسرعة.. ثم تلفت حولها بحذر وقالت:  خد الحاجات دي لأخواتك وانت مروح! 



+




عقد حاجبيه متساءل:  حاجات ايه؟


ورافق سؤاله بنظرة فضولية داخل الأكياس فوجد بإحدى الحقائب طبق كبير يشف تحت غلافه قطع لحم تعلو حبات أرز مطهو.. وحقيبة أخرى تحوي وحدات متنوعة من الحلوى المغلفة للأطفال..!



+




فعاد يطالعها بنظرة مطولة وثاقبة أربكتها قليلا لتهتف بتلعثم طفيف: إيه بتبصلي كده ليه؟ مش بتقول اخواتك مش بياكلوا لحمة غير مرة في الشهر؟ دي حاجة بسيطة ليهم! 



+




تجرع ريقه لتبرز تفاحة آدم بعنقه وهمس وهو يحاول أن يُحجم نظرات إعجاب كي لا يُخجلها:  طب والحاجات الحلوة التانية؟! متعودين تجيبوها بالكمية دي؟



+




أجابت ببساطة: أيوة.. أخويا عابد بيجيبها دايما عشان مهند.. انا قلت أكيد عندك اخوات صغيرين هيفرحوا بيها..! 



+




عجز عن إيجاد ردًا يناسبها فصمت مكتفيًا بنظرة أكثر تمعن وإعجاب بها..فارتبكت ثانيا وهتفت:  طب عن إذن بقى وسلم على اخواتك! وغادرته شبه راكضة بخفة خطواتها گ الفراشة الملونة .. فظلت حدقتيه مآخوذة بفعلتها التي نمت عن قلب نقي لدرجة لم يصادفها قبلًا..وعاد يتشمم الأطعمة وقرر أن يذهب ويخبئها بحقيبة سيارته بعد أن نوى انه لن يتناول غدائه إلا منها..! 


_____________________



+




بينما هو منهمك بدراسة إحدى المشروعات بحاسوبه الخاص، سمع طرقًا على الباب!  صوب نظره تجاه الباب تزامنًا مع صوته:  اتفضل! 



+




فأطل عليه وجه رقيق مألوف لديه.. وصوتها الأنثوي المرح يصدح بجملتها القديمة (صباحك حليب يا باشمهندس! )



+




نهض وملامحه لانت ببشاشة وبدت معالم المفاجأة السارة على وجهه: أمونة؟! لا مش ممكن..!



+




اقبلت تصافحه بمزاح:  هي بشحمها لحمها..!


بادلها المصافحة ودعاها للجلوس:  الشركة كلها نورت يا أمونة.. يااااه أنا مجرد ما شوفتك افتكرت أيام الجامعة الجميلة والرحلات والهزار والنقاشات الكتير بنا.. عاملة إيه طمنيني عليكي! 



+




_ الحمد لله يا أحمد بخير وزي الفل.. وأنت اخبارك إيه؟


_ تمام والله ..يزيد قالي عن شغلك معانا الشركة وفرحت جدا وكنت منتظرك على كلامه أول الأسبوع الجاي، ماتوقعتش تيجي انهاردة..!



+





_ فعلا أنا قلت كده ليزيد لأن كان عندي مناسبة وخلصت، قلت بلاش كسل اعملكم زيارة وسألت عن يزيد لقيته مش موجود، وافتكرت انه قالي انك شغال معاه فسألت عن مكتبك وجيت! 



+




_ يزيد فعلا مش هنا.. هو المرة دي اللي عنده مناسبة عائلية..!


_ خير؟ هيتجوز ؟ 


_لأ.. بس في ناس جايين يطلبوا بلقيس بنت عمه انهادرة.. وانتي عارفة انه الكبير ووجوده مهم! 



+




زوت بين حاجبيها:  أنا معلوماتي ان يزيد كان خاطب بلقيس!  إيه بقى اللخبطة دي مش فاهمة! 



+




_ لا ده انتي فاتك كتير أوي والموضوع عايز قاعدة وقهوة.. التفاصيل محتاجة استفاضة! 



+




صفقت بمرح:  الله يعني في نميمة.. شكلنا هنرجع أصحاب انتيم تاني زي الجامعة! 


ضحك لها:  وانتي شكلك لسه فقرية ودمك خفيف.. عموما ياستي هخلص حاجة سريعة في ايدي ونلف في الشركة اعرفك على الأقسام كلها وتشوفي مكتبك فين.. واخدك ونتغدى برة واحكيلك.. انا كما عايز أسمع أخبارك انتي وخطيبك



+




_ خطيبي مين يا ابني ما خلاص طار..هو يزيد مش قالك؟ انا دلوقت سنجولة محترمة عقبال أمالتك! 



+




غمغم باندهاش:  سنجل؟ على أساس جوازك كان بعد التخرج فورا..! واضح ان الرغي بنا هيطول.. هطلبلك فنجان قهوة بدون سكر زي ما بتحبيه.. وقبل ما تشربيه اكون خلصت اللي في ايدي! 



+




_ أنت لسه فاكر اني بشربها بدون سكر! 



+




هتف بتلقائية:  زي ما فاكر إنك كنتي بتخافي من القطط وبتحبي الحلويات وبتشجعي فريق أي سي ميلانو وبتعشقي البنفسج بدرجاته! 



+




أهتزت أهدابها قليلا متعجبة تذكره تلك التفاصيل عنها.. والأغرب أنها كانت تجهل انه يعلم. معظمها.. لكنها نفضت كل هذا وقالت بذات المرح:  الله أكبر ذاكزتك فولاذية.. ده بابا نفسه مايعرفش عني التفاصيل دي! 



+




_ ده حسد بقى..!


_ وهنمسك الخشب يا باشا..! 


……… ..


بعد دقائق كانت تجلس أمامه بصمت ترتشف قهوتها منتظرة انتهاء عمله للذهاب معه والتجول بين اقسام. الشركة التي ستعمل بها..! 



+




______________________



+




في مطعم " الصحبة الطيبة"



+




أحمد:  والله المفروض عامر يعملي نسبة معاهم على الزباين اللي باجي بيها هنا.. "



+




هتفت وعيناها تدور حولها بانبهار:  


أنا تقريبا ماشوفتش مكان بالجمال ده.. انت كأنك بتتنقل لأجواء تانية تفصلك عن الخارج تماما.. شكرا يا أحمد على العزومة دي..!



+




_ شكرا ايه بلاش عبط..ها أحكيلي بقى اللي عندك! 


_ لا مش قبل ما اسمعك.. ازاي يزيد ساب بلقيس ده كان بيحبها اوي! 



+




حنى أحمد كتفيه للأمام وعقد ساعديه على الطاولة مجيبا: 


هحكيلك ياستي باختصار اللي اعرفه.. 


وسرد عليها كل التفاصيل لتهتف بعدها بذهول:  معقولة؟ كل ده حصل


_ أيوة ومن وقتها كلامها شحيح شوية  بس حاليا اتحسنت واهي هتتخطب.. ربنا يوفقها ويعوض يزيد هو كمان! 



+





        



          



                


هزت رأسها وهي تؤمن بالدعاء:  اللهم امين.. سبحان الله النصيب غلاب.. هما مش لبعض من الأول..! 


أحمد:  عندك حق.. ها.. دورك بقى تحكيلي ليه سبتي خطيبك! 



+




تنهدت قبل تقول:  نصيب يا أحمد.. رغم انك عارف ان كان في بنا عاطفة متبادلة! 



+




_ فعلا عشان كده استغربت إنكم مش كملتوا سوا..! 



+




_ عادي بتحصل في أحسن العائلات! 


_ لو مش يضايقك إيه هو السبب! 



+




تنهدت قبل أن تتمتم: لا ابدا مش هتضايق.. زي ما انت عارف ان خطوبتنا كانت سريعه فقط أربع شهور على أساس هو جاهز ماديا وجوازنا مافيهوش عقبات ..بس مع الوقت ابتديت احس ان في حاجه في علاقتنا ناقصه ومش مرتاحة.. ومع الوقت قدرت أفهم المشكلة فين.. الأهتمام بالتفاصيل! 


ضم حاجبيه:  ازاي؟



+




استطردت:  في واحده يا أحمد بيفرق معاها تفاصيل صغيرة.. تفاصيل ممكن تطلعها في السما من السعاده أو تنزلها الارض من التعاسة.. أول عيد ميلاد ليا رسمت في خيالي سيناريوهات كتير لشكل الهديا اللي هيجبهالي وازاي هيقدمها وهيقولي إيه!  بس اليوم. عدى وجت الساعة 12 وانا منتظراه.. كل اللي حواليا هداني وعايدني إلا هو.. حتى ما فكرش يتصل.. أحبطت ونمت زعلانة إن خطيبي مش اهتم بيا.. بس قلت عادي بلاش ابقى تافهة.. يجوز نسي اليوم وهيفتكر بعدين.. بس ماحصلش.. المهم عدى عيد ميلادي بدون اهتمام منه.. سكت وقلت بعدين هيفتكر لما اعرفه ان بحب احتفل بيه.. جه عيد ميلاده وعملته مفاجأة بسطته اوي وحسيته كان سعيد جدا بيها.. واتفائلت ان جزئية عدم. اهتمامه بالتفاصيل دي هتقل مع الوقت.. وجه بعدها الفلانتاين.. ثم ضحكت بمزاح:  وده بالذات بقى موسم الدلع كله بتاع البنات المخطوبات اللي ممكن تعيش على هداياه ودباديبه عمر بحاله بتفتكر تفاصيله.. بس للأسف حتى تليفون معملوش.. وقتها بقيت غصب عني اتخيل حياتنا واحنا زوجين حسيت بنفور غريب سيطر عليا.. بس سكت وقلت في واحده تسيب خطيبها عشان اسباب تافهة زي دي؟ بس اللي اكتشفته يا احمد انها مش تافهة.. بخل المشاعر والأهتمام حتى بكلمة دافية عمره ما كان هين عند الست.. خصوصا لو مافيش عذر.. حياة. زي دي هتكون جافة.. أرضها هتتشقق وتشيخ بدري.. وأنا مش عايزة الحياة دي! 



+




ثم هتفت مع لمحة شرود: 


ولما اتشجعت وأخدت قراري اتقابل بمنتهى القسوة والاستهتار بمشاعري.. عشان كده بعدت وجيت القاهرة لعمي ارتاح نفسيا.. ثم عادت عيناها تبرق وهي تقول بصوت تحرر من مشاعره السلبية:  بس تعرف بقى.. والله انا دلوقت مبسوطة جدا.. أنا بحبني وبقدرني وبهتم بيا.. ليه انتظر الأهتمام من حد…؟!



+




ظل على صمته مستقبلا مشاعرها بصبر.. فهتفت: 


_ أكيد بتقول في بالك دلوقت أمونة بنت تافهة وأسباب اتفهة منها..!  



+




تمتم بصدق:  بالعكس.. أنا متفهم ومقدر جدا أسبابك وشايفها منطقية ومش هينة.. الأهتمام منحة وعمره ما كان طلب! 



+





        


          



                


" الأهتمام منحة وعمره ما كان طلب! "



+




رنت جملته بصدى غريب داخلها.. نعم هو تماما ما تؤمن به.. استجداء الاهتمام يفقده لذته ودفئه..! 



+




_ عموما إنك ماتمشيش خطوة غير وانتي مقتنعة ومرتاحة ده شيء يستحق الإعجاب.. لعلمك ياما حياة ناس بتكون تعيسة بسبب قرار مقدروش ياخدوا في وقته الصح.. عشان كده أنا بحييكي على وضوحك مع نفسك! 



+




أومأت برأسها مبتسمة.. وجاء دورها لتسمع منه المزيد لينتهي لقائهما الأول بكثير من الألفة التي عادت بينهما.. وطيف صداقة قديمة ينهض من رقاده بعد ثبات!


___________________



+




ابتعدت قليلا عن صخب الاحتفال العائلي، يؤلمها نغزات بجانب رأسها.. كانت تود لو لم تأتي لشحوب وجهها وتضخم جانبه بعض الشيء.. لكن جوري اقنعتها ان وجهها أكثر راحة ويجب ان تشارك معهم..ربما لا تود رؤية حسرته بمراسم خطبتها مع أخر..كم تمنت أن تكون لديها قدرة خارقة علي قراءة حديث الشفاه عن بعد.. ماذا كان يقول لها يا تُرى قبل أن يأخذها لمجلس الرجال؟ كانت ملامحه تتقلب بانفعالات مختلفة..لكنها لن تنكر ابتسامته الهادئة حين ارتدت بلقيس خاتمها.. هل صار لا يتأثر بها ولم تعد تشغله؟ لا تدري ولا دليل لديها يريح هذا القلب بين جنباتها..! 



+




يزيد بعد أن لمح تنحيها عن الجميع:  عطر؟ إنتي واقفة هنا لوحدك ليه؟!



+




التفت له:ابدا بس مصدعة من تعب أسناني بفكر امشي لأن مش مركزة في حاجة..ثم استطردت: لولا إلحاح جوري ماكنتش جيت! 



+




لاحظ ذبولها فقال:  ألف سلامة عليكي، طب تعالي اوصلك، الأحتفال اصلا على وشك ينتهى! 



+




_ لا مافيش داعي توصلني، أنا هكلم ياسين يجي معايا و…… 


قاطعها:  ياسين خرج مع عابد معرفش راحوا فين، وانتي عارفة اما الأتنين يتلموا على بعض بيسرحوا مع نفسهم..!



+




لمحتهما جوري فاقتربت وما أن دنت حتي تسائلت: 


إيه مالكم واقفين بعيد كده ليه؟ في حاجة؟



+




يزيد:  بنت خالتك تعبانة ولسه كنت بقول أوصلها، 


عطر بحرج: أنا فعلا همشي بس لوحدي مش لازم تعطل نفسك وتوصلني! 



+




جوري مستغلة اختلاق فرصة جديدة لهما:  ازاي يعني تمشي لوحدك.. مايصحش طبعا.. خلي آبيه يوصلك لأن فعلا شكلك باين عليه، وأنا هعرف خالتو وعمو انك مشيني مع يزيد وسبقتيهم على البيت! 



+




لم تجد سبيل سوى الرضوخ والتعب والضيق ينالا منها..! 


…………… ..



+




في السيارة! 



+




مالت رأسها قليلا على حافة مقعدها شاردة بالطريق، فبصر عن قرب شحوبها والدكنة التي استدارت بها عيناها.. تبدو متعبة بحق.. فلا ألم يضاهي هذا الوجع وهو يعلم، همس وعيناه تعود لمتابعة الطريق أمامه: 


_ كان لازم تعالجي أسنانك من بدري ياعطر..مش تسيبي نفسك للدرجة دي.. انتي فعلا وشك شاحب والسواد اللي تحت عنيكي زاد! 



+





        


          



                


أختار أسوء وقت لينتقد شحوب وجهها.. هي بحالة انعدام ثقة بذاتها وشعور شديد السوء بأنها ليست جميلة اليوم خاصتًا بعد رؤية تألق بلقيس وهالة جمالها الذي يأسر الجميع دون مبالغة.. بالطبع قارن بينها فخسرت هي! 



+




ودون وعي أجابته بفظاظة:  عارفة إني تعبانة مش محتاجة ذكاء على فكرة! 



+




أوقف السيارة ثم.رمقها بنظرة مبهمة وتمتم:  مالك متعصبة ليه؟ في حاجة مضايقاكي؟ 



+




لم تتخلى عن حدتها وهي تجيب:  لأ.. ولو سمحت وصلني.. ولا اقولك….. 



+




وقارنت قولها بمغادرتها السيارة وصفع بابها بعصبية انتقلت إليه وهو يستمع لها:  أحسن حاجة. اخد تاكي وامشي لوحدي ماتعطلش نفسك معايا..! 



+




غادر مقعد القيادة ووقف جوارها وهو يزفر بحنق: 


على فكرة انتي غبية يا عطر..! مافيش أي سبب لعصبيتك وقلة ذوقك معايا.. دي طريقة تكلميني بيها؟ ده أسلوب؟ ولما ازعلك ولا اسيبك وامشي محدش يلومني! 



+




التفت له گ الإعصار ليتفاجأ بدموعها: 


محدش هيلومك ياباشمهندس.. اتفضل امشي وانا هاخد تاكس انا مش صغيرة وهتوه.. ومن الأول ماطلبتش منك توصلني! 



+




هاله رؤية عبراتها.. لما أصابها هذا الهياج الغير مبرر؟.. أخذ نفسًا عميقًا ليهدأ ولمح في مرمى البصر عربة تبيع مشروب " حمص الشام" وانتبه أنه وقف بالقرب من الكورنيش.. فالتفت هاتفا: 



+




خليكي واقفة دقيقة وجاي! 



+




تركها وظلت هي بصمتها الكئيب وبقايا دموعها المتحجرة بمقلتاها غير منتبهة لاتجاه ذهابه شاردة يتلبسها مود الكآبة، وبعد قليل أتى إليها حاملًا كوباين من ذاك المشروب الساخن وسحب الدخان تتراقص فوقه دلالة على حرارته العالية! 



+




_ اتفضلي اشربي ده اهدي شوية! 



+




نقلت بصرها بينه وبين المشروب وشعرت بالخجل، رغم فظاظتها التي تعترف بها يحاول ملاطفتها بحنانه المعهود، فالتقطت كوبها وهمست بخجل ورأس مطرق:  أنا أسفة! 



+




تجاهل اعتذارها وراح يرتشف بحرص من مشروبه الساخن، فعادت قولها:  منا بقول أسفة! 



+




رمقها بنظرة جانبية وقال:  مش هقبل أسفك غير أما تقولي سببه! 



+




عادت تستند على جانب السيارة ملتزمة الصمت، فهمس ثانيا:  الموضوع مش بس أسنانك في حاجة. تاني مضايقاكي.. إيه هي؟ 



+




طلت مشيحة بوجهها ثم قالت:  مافيش يا يزيد.. قلة نوم مش أكتر! 



+




لم يقتنع هو يفهم طبيعتها ..هناك ما يؤرقها ولكن لن يلح عليها ربما لا تود أخباره، ساد بعض الصمت بينهما لا يقطعه سوى أصوات الملاعق وهي تلتقط حبات الحمص! 


فسمعها تهمس: بقالي كتير مش شربته.. شكرا..! 



+




فغمغم: خليت الراجل يزودلك الحمص بتاعه.. عارفك بتحبيه أكتر! 



+




_وانت بتحب المية بتاعته أكتر من الحمص


_ وخصوصا وهي مشطشطة زي دلوقت! 



+





        


          



                


ابتسمت وأشياء بعيدة تتراءى لعين خيالها: 


فاكر اما كنت اعمل مقلب في جوري واحطلها شطة كتير من غير ما تشوفتي واما تشرب ولسانها يولع وتعرف ان انا اللي عملت كده تصمم تضربني تاخد حقه! 



+




انتقلت إليه ابتسامة مماثلة مع نبرة أكثر ودًا: 


وأخوكي كان بيردها لعابد ويزودله ليمون وهو مش بيحبه.. وكان بياخد منه علقة محترمة! 



+




ضحكت حين تذكرت وقالت:  بس انت اللي مكانش حد بيتجرأ يهزر معاك كده



+




تمتم بغرور:  من يومي عندي هيبة يابنتي! 



+




_ فعلا!..طول عمرك مختلف عن أي حد" 



+




قالتها بنبرة صادقة بشعورها الحقيقي نحوه، فالتفت لها يطالعها بجبين مقطوب ونظرة مرتابة، فتداركت أمرها سريعا: عشان انت الكبير يعني"



+




ظل يرمقها بنظرة أكثر غموضا وسادت برهة صمت جديدة ثم أعاد تساؤله الأول وعيناه تنظر للأفق البعيد: مش هتقولي بردو سبب ضيقك؟



+




_  مافيش! 



+




ابتسم مغمغما:  تعرفي ان الأسطورة بتقول إن البنت اما تقول كلمة " مافيش" معناها إن في، بس مش عايزة تتكلم؟!



+




رمقته بنظرة خاوية:  يمكن! 


وعادت تشيح بوجهها فقال وهو يطالع وجنتها: 


الورم قرب يختفي، يومين وهتروحي تخلعي ضرسك عشان ترتاحي! 



+




_ لأ.. هخاف من الحقنة! 



+




ابتسم متذكرا فعلتها وكيف توارت خلفه گ العصفور المرتجف تستجدي أمانه بضعف أثار رجولته معها بشكل غريب ، فمرت بعين خيالها نفس الذكرى فتخضب وجهها بحمرة، وأشاحت ببصرها بعيدا، وتسائلت لتتخطى خجلها:  هو انا ليه مش فاكره حصل إيه بعد ما خرجنا من العيادة، وازي روحت معاكم؟! 



+




عادت تطالعه بتلقائية. متوقعة إجابة، فتفاجأت بنظرة غريبة بحدقتيه!  نظرة لم تفهمها.. هل حدث شيء لا تذكره! 



+




_بصراحة خرفتي! 



+




اتسعت عيناها خيفة بعد قوله" هل تفوهت بحماقة عن مشاعرها؟ تسائلت بفضول متناسية ألمها:  


خرفت ازاي؟ قلت أيه يعني؟



+




اجاب بخبث:  لو عرفتيني ايه مزعلك وخلاكي تتعصبي من شوية هقولك! 



+




هتفت بعناد:  مش قايلة! 


رفع كتفيه ببساطة:  وأنا كمان مش هقولك على قولتيه وعملتيه وانتي مش دارية! 



+




_عملته؟ أكتر من…… .


_ من إيه؟!



+




عاجلها بسؤاله، فاستطردت بحنق: 


ولا حاجة وخلاص مش عايزة أعرف عملت إيه!  



+




عاد يرمقها بنظرة مبهمة وشفتيه تميل بابتسامة طفيفة متخيلا رد فعلها إن علمت أنه حملها مضطرًا..وكيف تملمت على صدره وهي تظنه وسادتها، فهتفت بحنق: ممكن اعرف حضرتك مبتسم ليه؟ 


_ لأ، مش ممكن..!


_ خلاص ماشي بس خليك فاكر..وياريت بقى تتكرم عليا وتوصلني عشان اخد المسكن بتاعي ولا اخد تاكس؟! 



+





        


          



                


أجابها ببساطة:  ده سؤال بردو! 



+




خدي تاكس! 


_____________________



+




واقفا بشرفة غرفته شاردًا تلطم وجهه نسمات باردة، فلحقته دُرة بعد أن تلحفت بروب ثقيل، تتأمل حديقتها جواره تسائلت: 


مالك ياعاصم..حاساك قلقان من حاجة! 



+




تنهد مغمغمًا: في غير بلقيس اقلق عشانها



+




_ تقلق ليه؟ ما كل حاجة مشيت كويس وفاتحتها تمت على خير وظافر جاب شبكة كمان! 



+




_ ماهو ده اللي مستغربه.. المفروض ان الخطوبة مجرد اتفاق شكلي حفظا لكرامة بنتنا قصاد عيلتنا..لكن هو اهتم يجيب الخال والعم..ولما عرضت عليه اشتري الدبل لإنه مش مجبر يغرم حاجة والموضوع كله خطوبة مؤقتة.. رفض وقالي إني كده بهينه.. وسكت على أساس هيجيب دبلتين عاديين وخلاص، لكن انه يروح يشتري ليها خاتم ومحبس ألماظ ده اللي مش فاهمه، ليه بيتصرف على إنه خطيب بجد..!



+




هتفت بغموض: بس أنا فاهمة! 


التفت يرمقها بنظرة تنم عن تساؤله، فاستطردت: 



+




أوقات كتير أحنا مش بنفهم نفسنا يا عاصم.. ظافر بتحركه مشاعره زي ما هي..ولو ركزت في تصرفاته ونظراته ليها هتفهم..وفرحة بلقيس ووشها المنور وعنيها اللي بتضحك وكل لفتة منها بتفضح فرحتها ورضاها بردو هتفهم..!



+




افتكر كده يوم خطوبتها على يزيد كان شكلها ازاي؟ كنت حاسة انها معزومة وعايزة الليلة تخلص عشان تروح تنام من غير أي حماس لبنت بتتخطب.. لكن مع ظافر أما جه يمشي في أخر السهرة حسيتها هتبكي ومش عايزاه يسيبها! 



+




قال مكدبًا: لأ يا دُره بلاش نخدع نفسنا بأوهام عشان جاية على هوانا، بنتنا تعبانة وتعلقها به مرضي.. مش هقدر أبدا ابني على كلامك افتراض حقيقي واصدقه.. والموضوع من ناحيته شهامة وأخلاق عالية منه مش أكتر!  



+




_لأ. صدقني الحكاية اعمق من كده! ظافر عايز بنتنا بجد ياعاصم وهو نفسه يمكن لسه مش واصله الحقيقة دي بس أنا واثقة إن مع الوقت كل حاجة هتبان بشكل أوضح.. قلبي بيقولي كده وانت عارف قلبي عمره ماكدب عليا..! 



+




صمت وعاد ينظر أمامه بعين غائمة ثم قال: 


الله أعلم بس لحد ما الأيام ثتثبت كلامك..هعتبر كل ده مؤقت وههيأ نفسي لنهاية متوقعة.. أهم حاجة عندي بنتي تخف تماما وترجع ثقتها في الدنيا وتعرف تتعامل مع البشر.. عشان لما نسيبها في الدنيا نكون مطمنين..!



+




ربتت على كتفه ترتل بدعوات السلامة له ولابنتهما مستغيثة بحفظ من لا يغفل ولا ينام!


_____________________



+




قلق.. خوف.. ترقب..!



+




جميعها مطارق تدق بعقلها وتنغز قلبها  منذ لاحظت أهتمام عابد بابنة العم وتعلقه الواضح بالصغير وتوليه تقريبا أي شيء يمت لهما بصلة..كل ما يخصهما يصب عنده، هواجسها تتكتل بخيالها وتشكل لها صورا لا تريد رؤيتها مستقبلا.. هل لظنونها أساس أم تتوهم؟ تخاف أن يُبتلى أبنها الثاني بتجربة تعيسة مثل أخيه..في الماضي لم يُسمع لرأيها حين قالت أن بلقيس لا تناسب يزيد.. وقد كان ما كان وثبت صواب حدسها.. والآن إن تكررت نفس القصة مع أخيه لن تصمت تلك المرة.. فإن تولدت شرارة بينهما لن تقدر على إطفاءها.. عابد يستحق أرضًا لم يطأها غيره.. أما زمزم.. لا.. لن تسمح بالمأساة أن تتكرر.. فمازال يزيد يعاني إلى الآن من اختياره الخاطيء حين اتبع قلبه.. فماذا جنى؟ لن تترك عابد لهواه.. ستقف بوجه الجميع تلك المرة! 



+





        


          



                


هتف وهو يثني سجادة الصلاة: 


_ الحمد لله ربنا كرم بلقيس بشاب محترم ومن عيلة معروفة ربنا يسعدها.. ربنا يفرحنا ويطمنا على ولادنا احنا كمان.. كريمة؟ انتي معايا؟



+




انتفضت على صوته:  ها… معاك يا أدهم معاك! 


رمقها بطرف عينه:  معايا فين ده انا صليت وختمت الصلاة وبكلمك من الصبح وانتي في عالم تاني.. مالك يا كريمة بقالك يومين من وقت رجوعنا للمنصورة مش مركزة وعينيكي فيها كلام..! تحديد من ساعة عيد ميلاد مهند!  في حاجة حصلت معرفهاش!..



+




نظرت له وقد قررت ألا تبوح بشيء.. لعلها مجرد ظنون من صنع مخاوفها الخفية! 



+




أجلت صوتها وهتفت:  معلش يا أدهم انا فعلا بسرح كتير عشان فكري مشغول بولادنا..! 


_ مالهم ولادنا ما شاء الله كلهم يشرحوا القلب.. 


_ بس يزيد مش عاجبني حاله، أمتى هنطمن عليه مع بنت الحلال..خايفة يكون قلبه لسه متعلق ببنت عمه!  



+




_ أيه التخريف بتاعك ده؟ بلقيس خلاص اتخطبت لواحد تاني، ويزيد عاقل وفاهم إن النصيب انقطع! 


_ تفتكر؟


_ أكيد طبعا.. ماتقلقيش انتي بس وادعيله! 


هزت رأسها وتمتمت ببعض الدعوات. فتسائل: 


بس هو ده اللي كان مخليكي سرحانة؟


_ بصراحة في حاجة كمان.. عابد.. عايزة اجوزه يا أدهم.. مافيش شيء يمنعه ليه مش نفرح بيه؟


_ياريت.. أنا مستني يشاورلي على أي واحدة ويقولي اخطبهالي وانا اروح في ساعتها أخطبها.! 


_ هو لازم هو اللي يشاور؟ ليه مش نختار احنا بنت حلال عارفينها وعارفين أصلها.. المرة اللي فاتت سبنا يزيد يمشي ورى قلبه واديك عارف النتيجة.. خلينا المرة دي احنا اللي نختار ياأدهم..قول أه وليك عليا من بكره ادورله على ست البنات في المنصورة! 


_ المشكلة مش فيا.. دي حياته هو يا كريمة.. لو وافق انك تختاري عروسته اعتبريني موافق! 



+




أشرق وجهها:  بجد؟ خلاص انا هكلمه.. ولو طاوعني مش هيمر كام شهر غير وهو متجوز ومتهني! 



+




تمدد فوق فراشه وهو يتمتم:  ربنا يقدم اللي فيه الخير.. يلا بقي تعالي نامي عشان الصبح اروح اشوف اشغالي واطمن علي الأراضي! 



+




صعدت جواره وانتهزت الفرصة لتتسائل:  هو صحيح يا أدهم أخبار تشطيب ڤيلا أخوك محمد إيه؟ مش قربت تخلص؟


ابتسم بخبث:  ما انتي فاهمة اللي فيها.. لو عايزها تخلص كان زمانهم في بيتهم من زمان! 



+




تمتمت بحذر:  طب مش شايف ان من حقهم بردو يكونوا في بيتهم؟ الخصوصية مطلوبة يا أدهم!



+




رمقها بنظرة ثاقبة:  إنتي مضايقة منهم في حاجة يا كريمة؟ كأنك بتقوليلي خليهم يمشوا..! 



+




تداركت أمرها سريعا:  لا والله ما اقصد.. انا بس حطيت نفسي مكانهم.. مهما كان الواحد بيرتاح في بيته.. لكن انا مش مضايقة بالعكس متونسة بوجودهم وخصوصا مهند.. بس… 



+




ظل على صمته ونظرته تحاصرها بترقب منتظرا ما تقول، فهتفت بتراجع: 


خلاص يا أدهم إنسى كلامي..اللي تشوفوا اعمله.. وانا مش مضايقة منهم خالص والله..!



+





        


          



                


أومأ برأسه مفترضا أنها لا تقصد ما فهمه، وراح يثرثر لها بأحاديث أخرى لم تكن هي تعي منها شيء وكل أفكارها منحصرة بفكرة وحيدة.. لابد من زواج عابد! ظلت الأفكار تدور برأسها بإلحاح كاد يصيبها بالدوار.. فاستسلمت للنوم بعض وقت ليس بقصير..!  


___________________



+




في اليوم التالي! 



+




ظافر: على فكره يا عامر كده الهزار هيقلب لسخافة وهيبقي شكلنا وحش مع البنت.. أنا هزرت معاك في الأول لأن بصراحة مقدرتش اقاوم وهي بتهزئك ومنكرش اني اتسليت.. بس انت بتتمادا وكملت كدبك لدرجة البنت بعتت أكل لاخواتك الخمستاشر يا مفتري! 



+




ضحك وهو يتذكر:  ده غير الحاجات الحلوة بتاعة الأطفال بصراحة البنت دي كوكتيل أول مرة اصادفه يا ظافر.. قد ما هي شرسة ومش بتسيب حقها، قد ما جواها رقة وحنان ورحمة مش طبيعين وانا اتماديت في كدبي لأن بجد كنت عايز استمتع بردود افعالها أكتر.. لكن والله مافي عندي نية سيئة.. بدليل اهو جبتلك الفلوس اللي حطيتها في جيبي من كام يوم وبقولك ضيفها في صندوق التبرعات عشان تاخد هي الثواب"



+




ظافر:  أهو موضوع الفلوس ده قصة تانية.. أنا توقعت يومها أما قالتلك تعالي ورايا إنها هتهزئك تاني على انفراد مش تحط فلوس في جيبك! وانت طبعا ماصدقت تعيش الدور وتتمسكن! 



+




عامر:  انا فضلت متنح بجد مش عارف اتكلم.. اتفاجئت بتصرفها جدا.. بس عجبتني! 


واستطرد:  عموما ماتقلقش هبقى اعرفها انا مين واعتذر منها



+




_ ماشي بس توقع بقى انها تنفجر في وشك مع وصلة تهزيئ محترمة. ويمكن المرة زي ترمي عليك مية نار مش عصير.



+




ضحك لمجرد التخيل:  وانا منتظر ومتحمس لرد فعلها من دلوقت ومستعد له.. وواصل: أنا سمعت من أحمد إنها هتشتغل معاهم شهرين الصيف هي وبنت خالتها 



+




ظافر:  لا دي معلومة معرفهاش بس مادام احمد قالها يبقي صحيحة..انت بتفكر في حاجة معينة؟



+




لالا دي مجرد معلومة ذكرتها ليك للعلم مش أكتر، المهم بقي قولي انت هتزور خطيبتك انهاردة؟



+




_ أيوة واستأذن والدها ونخرج شوية لأي مكان..



+




عامر:  تمام.. وانا موجود وهتابع كل حاجة ماتشلش هم! 



+




شكره ظافر وغادر وظل هو شاردا بطيف تلك الفراشة الملونة الشرسة الحانية وابتسم عندما تذكر تصرفاتها العفوية وهي تفترضه فقير يعول بمفرده عائلة كبيرة من الأشقاء غير والديه.. تنهد وهو يفكر كيف يخبرها وقبل كل هذا.. كيف يرد لها رقتها بما يليق ببراءتها؟! 



+




برق بعقله شيء ربما سينال به عفوها بعد أن تعلم مزحته السخيفة!  وابتسم وهو يتصور بعين خياله رد فعل تلك الرقيقة! 


________________________



+




( بلقيس قبل ما تواجه نفسها وتكشف عن النقطة اللي اسقططها عمدا عن الذاكرة واللي هي أساس العلة جواها.. لازم تواجهه الناس وتتخلى عن حذرها وخوفها المرضي منهم.. وده هيحصل عن طريقك يا ظافر لما تعرضها لاختبارات مدورسة بالتدريج هساعدك في أختيارها طبعا.. وانا واثق إنك هتقدر توصلها للحظة اللي تيجي فيها العيادة وتقرر تحكيلي كل حاجة! ولحظة وصولنا للمرحلة دي هنكون أتمينا علاجها بشكل نهائي.. وساعتها بس هقول انها اتعافت وبقيت مؤهلة لمواجهة عالمها من جديد..! )



+





        


          



                


يستند على حافة سور الحديقة شاردا بحديث الطبيب معه بشأن خطواته القادمة مع بلقيس.. وها هو ينتظر حضورها بعد أن استأذن أبيها بالتنزه معها بإحدى الأماكن العامة..ولم يخفى عنه قلقه المسطور بعيناه وهو يلبي طلبه بتردد، هو يتفهم حيرته وذبذبته بين المثول لنصائح طبيبها وبين خوفه لاصطحابها رغم علمه أنه يكرس لها حارس يتابعها بكل مكان! 



+




لهذا طلب محادثته قليلا قبل حضورها، وما أن سنحت الفرصة حتى تمتم: 


_ أنا عارف يا عاصم بيه ان حضرتك قلقان وليك حق مش تثق فيا بسهولة! بس أنا اعتقد إني لحد دلوقت قدمت اللي قدرت عليه وأثبتلك اني مش بهزر، أنا معاهد نفسي اعمل أي حاجة تساعد بنتك انها ترجع لطبيعتها؟ وخروجنا ده خطوة نصحنا بيها الطبيب عشان تبتدي تواجهة ناس تاني.. ومش عايز ده يحصل وانت خايف وقلقان.. أوعدك اكون أمين عليها لئقصي درجة..! 



+




رغم صواب ما قاله ظافر بشأن قلقه لكن لن ينكر ايضا راحته وإعجابه بهذا الشاب الذي برهن بالكثير على أمانته وجديته وتقديره لظروف ابنته ومحاولته حفظ كرامته أمام الجميع بإحضار كبار عائلته وهديته القيمة لها، فهمس بامتنان: 



+




_ بصرف النظر عن قلقي اللي مش هقدر ابرره لأنه طبيعي مع أي أب.. بس انا بشكرك على كل حاجة.. وعلي فكرة انا بثق فيك بس خوفي من حاجة تانية خالص يمكن مش هقدر اقولها غير في أوانها.. وبشكرك كمان على هديتك الغالية لبنتي و…… .



+




قاطعه:  إنسى أمر هديتي لأنها مش كتير عليا ولا بلقيس اقل من انها تتهادى بيها..! 



+




برقت عين عاصم فخرا ورضا من جوابه وأثره القوي في نفسه! وبخضم حديثهما سمعوا صوت أقدامها تنقر على الدرج وهي تتهادى إليهما يتبعها دُره ، فاختلفت النظرات بينهما..نظرة عاصم التي صبت عليها سيل حنان ومحبة وهو يرى وجهها المشرق وابتسامتها التي لم تعد تفارق محياها



+




أما هو فسكن عينيه انبهار لا يقاومه رجل برفرفة تنورتها الناعمة وكنزتها الأنيقة المعقودة على خصرها وحقيبتها البسيطة..  ليتأكد له فكره انه يتأثر بها بشكل غريب.. أشاح بوجهه ليضبط انفعالاته، فاقتربت وهمست بعفويتها المعهودة:  أنا جيت! 



+




ضمها عاصم مجيبا: جيتي ونورتي ياقلب بابا.. يلا روحي مع ظافر وانبسطي وهستناكي لحد ما ترجعي! 



+




دُره:  خد بالك منها يا ظافر..! 


_ ماتقلقيش يا طنط، ثم دعاها أمامهما هاتفا برفق: 


يلا يا بلقيس! 


أومأت له بعد أن تبادلت مع والديها نظرات أوحت لها برضاهما، وذهبت بمصاحبته..! 


………………………… 



+




_ تحبي تروحي فين يا بلقيس؟! 


همس لها بعد أن استقلت السيارة جواره! 


فهتفت بعد تردد:  المطعم! 


_ معقولة مش زهقتي منه؟ في أماكن تانية ممكن تتبسطي فيها..! 


هزت رأسها برفض، فعاد هامسًا:


_ ليه بتحبي المطعم؟



+




جاء صوتها بعيدا بغمغمة هامسة كأن تحدث ذاتها:  عشان محدش هيأذيني فيه! 


لم يعد يتعجب ردها، هي تفضل مطعمه لأنه يخصه، هو محور أمانها بشكل غير طبيعي، ولأنه أكثر في البحث والقراءة بحالتها بجانب أحاديثه مع الطبيب.. صار لديه حصيلة لا بأس بها بطريقة للتعامل معها، لذا ألقى عليها سؤال مباشر:  


_ مين عايز يأذيكي؟ 



+





        


          



                


زاغت عيناها وهي تتجرع ريقها كما لاحظ فرك أناملها بشكل يوحي بتوترها، ولم يتوقع إجابة هو يعلم أنها لن تكون سلسة بكل شيء، لكنه أرد فقط بعثرة خباياها واستحضارها من قبو عقلها  لتطفو على سطح أفكارها گ خطوة أولى للمواجهة، فإن ظلت تتناسى عمدا مخاوفها لن تشفى منها..! 



+




_ أنا هختارلك مكان على ذوقي! 



+




هزت رأسها بصمت وهي تطالع الطريق عبر نافذتها


فحاول جذبها بثرثرته عن نفسه حتى وصلوا لإحدى المولات فقال:  انا جبتك هنا لسببين.. أولهم أني هشتري حاجة ليكي وعايزك تشوفيها.. وكمان هنلاقي مكان حلو نقعد فيه وواثق انه هيعجبك! 



+




تبعته ومازلت تلتزم الصمت إلى أن عبر بها لإحدي متاجر الذهب وبعد حديث جانبي قصير مع أحدهم أخد منه شيء مغلف دسه بجيبه ثم غادر المتجر وراح يتجول معها وسط الزحام متعمدا رغم انكماشها وتوترها الواضح وهي تتجنب الاصطدام بالجميع ورغم البراح الذي يحوط خطوتها، تكاد تلتصق به گ الطفلة الخائفة لمجرد مرور العابرين جوارها.. تجاهل حالتها وهو يحدثها ويشير على المعروضات المتنوعة المتوارية خلف ألواح زجاج المحلات ويتنقل بها بين المتاجر..! 



+




كان هذا أول اختبار حقيقي لها معه.. أن تعتاد التواجد بين الأغراب.. العالم أكبر بكثير من عائلتها وأبويها.. والأشخاص ليسوا جميعهم لصوص حقائب أو متحرشين گذاك الوغد الذي تجرأ عليها في ساحة مطعمه، يجب عليها الإدراك أنها لديها مخالب قوية لردع أمثاله خاصتا أنها فعلتها من قبل.. لما تتمسك بعباءة الخوف وهي تمتلك قوة تذبح من يحاول لمسها.. وهذا دوره ليجعلها تعي كل هذا..!  


………….. … .



+




_ في حاجة شوفتيها وعجبتك اجيبهالك؟ 



+




_ عايزة امشي! 



+




هكذا أجابته وهي تتجنب النظر حولها، فهمس برقة وقلبه يشفق عليها لكن لا مفر: 


_ كده بردو؟ وأنا اللي قلت هتحبي نفضل سوا أكتر من كده؟ وبعدين مش عايزة تعرفي انا اشتريت إيه من شوية؟



+




رمقته بنظرة عابسة تنبع من خوفها، فقال وهو يشير لها بإحدى الزوايا:  عارفة الكافيه اللي هناك ده؟ هنروح نقعد فيه ونشرب حاجة! 



+




وصل بها حيث أشار  وتشاركا طاولة صغيرة مزينة بشرش أنيق يتوسطه فاظة صغيرة، بعد أن أختار لهما مشروب مناسب، عاد ليهمس لها بنبرة هادئة وعيناه تبثها الدفء بعد أن استاء لنظراتها الخائفة:  خلاص اهدي خايفة من إيه؟ شايفة ازاي كل الناس ماشية طبيعي بيضحكوا ويهزروا.. في حد أذاكي منهم؟ 


نفت بإيماءة صامتة، فاستطرد وهو يجلب ما في جيبه، ووضعه أمامها قائلا: سوفتي بقى الناس مش تخوف، يلا شوفي هديتي افتحيها وقولي رأيك! 



+




فعلت لتجد داخل الصندوق الصغير خاتم بتصميم شديد الرقة ابتسمت وبتلقائية ادخلته بأصبعها وراحت تشاهده وعيناها تبرق إعجابا..! 



+




فهمس: عجبك؟


_ جدا..! 


صمت برهة ثم همس ثانيا: فهمتي معناه إيه؟


_ لأ..! 


جاءت إجابتها قاطعة فقال وهو يطالعه بكفها: 


_ ده أول حرف من أسمك..وجمبه دمعة عين! 



+





        


          



                


نظرت له بعد أن اشتعل بشمسيها الفضول! 



+




فلبث يتأملها برهة ثم قال بنبرة عميقة:  دي الدمعة اللي متحجرة جواكي ولسه ما نزلتش على خدك.. ده القيد اللي لسه مكتفك ومانعك تواجهي الدنيا.. الدموع مش بس بتعبر عن البكى.. لأ.. الدموع ثورة قد ما بتجهد مشاعرنا قد ما بنرتاح بعدها لأننا اتخلصنا من لغم مدفون في أعماق أرواحنا ممكن يدمرنا لو فضلنا ساكتين عليه..! 


الدموع بحر ممكن يغرقنا لو ثقلنا بهمومنا، لكن لو اتخلصنا منها هنحس اننا قادرين نسبح ونتخطاه..وأنتي يابلقيس اللي هتحددي نوع تجربتك هتكون إيه!  غرق!  ولا نجاة؟ وأنا قد ما اقدر هساعدك..وأكيد مش هسمحلك تغرقي! 



+




ظلت تطالعه بتيه وعقلها يغوص بكلماته وأشياء تهاجم عقلها وتقاومها، فعاد يستأنف بعد برهة صمت:  انتي لحد دلوقت بتتجاهلي الدمعة دي وحابساها ومحبوسة معاها.. وأنا اوعدك اني هحررك منها ومن خوفك..عشان كده قصدت اصمملك الخاتم ده ورسمته بإحساسي وفضلت اقدمه ليكي بعيد عن الشبكة واحنا لوحدينا.. ياترى فهمتى كلامي؟ 



+




ألتمعت مقلتاها بضوء لا يعرف إن كانت دمعة تعافر لاغتيالها بعد كلماته أم شيء أخر.. حقيقتًا لا يفهم.. لأول مرة يحتار بقراءة عيناها..لكن هو يعلم أن المقاومة داخلها ستتضائل مع مرور الوقت.. يومًا ما ستبوح له باكية عن كل ما عانته وعاشته.. ستتساقط حروف تجربتها المؤلمة لتتراص فوق سطور صفحة سوداء سيحرقها بعدها ولن يبقى منها سوى رماد ستُطيح به رياح  قوتها ..لتعتليه من جديد ساحقة كل مخاوفها، لافظة كل أصفادها التي تكبلها..! 


_______________________



+




تتجنبه منذ أيام وملامحها غاضبة.. أحيانا يتعجب مزاجها المتقلب لكن زوجة شقيقه أيهم أخبرته انها أعراض تصاحب الحمل ولا يقلق..فعلاقة رودى وميرا أصبحت وطيدة للغاية.. هل هي من زرعت بعقل زوجته فكرة السفر؟ أم أخيه؟ 


لا يهم من.. الأهم انه لا يريد الانصياع لرغبتها والابتعاد عن بلده.. ألا تكفي غربة روحه الضائعة إلى الآن ليزيد على كاهله غربة أخرى! 



+




_ عملتلك العصير يا رائد! 



+




هكذا وضعت أمامه كاسة العصير وهي تهمس باقتضاب عابس وهمت بالابتعاد ثانيا، فجذبها لصدره وداعبها: هتفضلي زعلانة كتير؟


حاولت التملص من بين ذراعيه: مش زعلانة.. وسبني عشان هروح انام شوية حاسة ضهري تاعبني! 



+




منعها ثانيا من الذهاب وطالعها برهة ثم نهض بها لغرفتها وجعلها تسترخي بوصع مقلوب ليدلك ظهرها بنعومة وهو يغمغم بخبث:  طب مش تقولي من الصبح إن ضهرك وجعك كنت عملتلك مساج سحري بإيدي! 



+




لم تكن بمزاج يسمح لها بتقبل ملاطفته فعدلت وضع نومتها هاتفة بعبوس:  أنا تعبانة فعلا يا رائد وعايزة انام لو سمحت! 



+




زفر بضيق وظل يرمقها لحظات، ثم لانت ملامحه مرة أخرى ودنى منها واحتجزها بين ذراعيه:  ماينفعش تفضلي زعلانة كده.. ده حتى غلط على اللي في بطنك! 



+





        


          



                


التفت له بحدة:  هو ده كل اللي يهمك؟ يعني اللي في بطني أهم مني يا رائد؟؟؟ وانا ماليش لازمة عندك؟؟؟



+




للمرة الألف يحاول تحجيم غضبه حتى لا تفلت أعصابه ويثور عليها فهتف برفق: هو في فرق بينك وبين ابننا؟ انتم الأتنين أغلى ما عندي يا رودي! 



+




اشاحت بوجهها وعيناها مغرورقة، فأدارها إليه وأنامله تقبض على ذقنها:  كل ده عشان رافض فكرة سفرنا؟ أنا مش فاهم يا رودي إيه طلع فكرة السفر في دماغك ومتعلقة بيه زي العيال!



+




هتفت مدافعة: وإيه المشكلة مادام أخوك دعاك كذا مرة وهيوفرلك هناك مستقبل افضل.. واهو يبقي لينا عيلة كبيرة تعوضنا وتستقبل ابننا معانا.. عشان. خاطري وافق يا رائد هو احنا لينا مين هنا قولي.. مامتك الله يرحمها.. وبابا كمان اتوفى من سنة ونص.. وأمي عايشة مع أخواتي في ملكوت لوحدها بتنسى تسأل عليا أصلا من مشاغلها معاهم.. وأنا أهو معاك وخلاص كل واحد بقى له حياته! وانا نفسي اعيش برة مصر.. حققلي حلمي يا رائد اني اعيش برة واشوف الدنيا عشان خاطري.. وكل شيء في ايدنا لو مش اتوفقنا نرجع تاني! 



+




_ نرجع فين ده انتي حتى بيتنا عايزة تبيعيه! 



+




صمتت برهة ثم غمغمت بنبرة لمس فيها أمنية بعيدة:  


كل واحدة بتحلم تختار بيتها وتعمل كل حاجة فيه على ذوقها.. لكن احنا اتجوزنا في بيت مامتك الله يرحمها.. بنفس ذوقها وما اتغيرش حاجة غير ديكور أوضتنا .. وانا ما اعترضتش.. بس دلوقت ليه مش نبتدي كل حاجة من الأول يا رائد؟ لما نسافر ونعمل مستقبل حلو لولادنا ونرجع هنشتري بيت جديد في مكان جديد وكل حاجة هتكون مختلفة.. وبعدين تمنه هيفرق معانا لأن هنحتاح فلوس نشتري بيها هناك بيت.. وإن كان أخوك " أيهم" هيوفرلك شغل كويس مش معناه انك هتعيش في ترف على طول!  لازم نصرف بمستوى معين لحد ما نستقر.. يبقى إيه المشكلة اما نبيعه وانت واخوك تتقاسموا فيه؟ خصوصا لما فهمت من مراته إنه موافق على بيع البيت! 



+




_ بس يا رودي…… 



+




قاطعته:  عارفة هتقول أيه.. ذكرايات مامتك الله يرحمها.. بس بالعقل كده.. والدتك مش موجودة، هي دلوقت بإذن الله في الجنة.. البيت هيرجعها مثلا؟ هتفضل في قلوبنا مش في حيطان بيت هنسيبه مهجور..! 



+




شعر بتشوش وتأثير كلماتها يزداد وينفذ لعقله، ثم غمغم بشرود طفيف:  طب مش يمكن لما افضل هنا…… 



+




قاطعته:  هيحصل إيه؟ يمكن تفتكر ماضيك.. يعني انت لسه حاسس بالنقص؟ مش قولت ان مش هتفكر فيه تاني وانك اكتفيت بالحاضر معايا ومبسوط وراضي.. ولا كنت بتكدب عليا يا رائد؟ 



+




قالتها وابتعدت عنه بحزن وعادت تقول: 


خلاص يا رائد إنسى مش هضغط عليك أكتر من كده.. اللي يريحك اعمله.. ومهما كان قرارك انا راضية! 



+




لم يتحمل إحباطها ونبرتها الحزينة، فجذبها قبل أن تبتعد وغمسها داخل صدره ولثم رأسها وازداد بضمتها إليه هاتفا:  خلاص ياحبيبتي.. اللي انتي عايزاه هعمله مادام هتكوني مبسوطة..  سيبيني ارتب الدنيا مع  أخويا و……… 



+





        


          



                


عانقته وهي تهلل بحماس: بجد ياحبيبي؟ أنا بحبك أوي أوي أوي، وأيهم مستنينا من دلوقت.. هو قالي كده.. ماعلينا غير نحجز تذكرة، والفيلا المشتري بتاعها جاهز ومنتظر كلمة مننا ..!



+




رمقها بريبة: إمتى لقيتي مشتري بالسرعة دي؟


_ عن طريق البواب ياحبيبي.. مجرد ما عرفته جابلي أكتر من مشتري بكذا سعر.. ومتنساش إنه هينوبه عمولة تخليه مش ينام قبل ما يوفرلي طلبي! 



+




صمت يتأملها بعد أن تبدل حالها للنقيض بابتسامتها وعيناها تلمح بالحياة، فعبثت أنامله برباط مئزرها البيتي وشرع بفك عقدته وهمس برقة: طب أنا صالحتك وخلاص هنفذلك طلبك.. صالحيني انتي كمان لأنك عاقبتيني كام يوم ببعدك بسبب زعلك! 



+




منحته نظرة تعرف أنها تذيبه هامسة بإغواء: 


حد يعاقب حبيبه وروحه.. قارنت همسها بلمسات أشعلته وأججت رغبته فيها فتجاوب معها وراح ينهل من رحيقها وهي تبادله جنون عاطفته حتى غرقا بلقاء حميمي أخمدت به كل أثر للرفض، ولم يبقي داخله سوى هدف محدد..!



+




إسعاد حبيبته وزوجته.. وأم طفله!


وتحقيق كل ما تتمناه حتى لو تعارض مع رغبته


يكفي أن يتنعم بقربها الذي صار إدمانه وملاذه الوحيد..! 


____________________



+




في المنصورة! 



+




تراقب مهند وعابد يهزه برفق فوق الأرجوحة في الحديقة، كم يتفانى ابن العم برعاية صغيرها وكأنه يملأ المساحة الفارغة في نفسه لأبيه زياد.. ولا تنكر أنها تأثرت بلفتة عابد الرائعة بوضع صورة له هو وابنهما في قالب التورتة.. شعرت انه تواجد بشكل ما.. نظرته الدافئة حتي وهي بصورة مركبة لمستها.. هي نظرته ذاتها لم تتغير..!



+




تنهدت زافرة وجع اشتياقها إليه.. ثم اتسعت عيناها بغتة بعد أن عبر لأذنيها نداء الصغير!  



+




" بابا آبد"



+




عفوية نداءه لعابد بهذا اللقب جعلها تنظر متفاجئة، بينما الأول يحدق  بذهول وهو يسمع ما أطلقه مهند! وداخله صدى عبارات تتساءل: 



+




هل ناداه " بابا' ؟ هكذ صار يشعر به ويراه؟ لم يطلبها منه أو يتوقعها الآن.. نعم خطط أن يسعى لينال تلك المكانة داخله مستقبلا بمحبته وعاطفته التي لا يتصنعها معه.. ولكن لأن الأطفال سفراء الملائكة.. وصلت مشاعره بسلاسة للصغير، فكافأه بهذا اللقب وتلك العطية التي جعلته يجثو على ركبتيه ويضمه عاجزًا أن سرد كلمة تصف مشاعره وفرحته تلك اللحظة! 



+




أما هي.. فظلت قدماها متيبسة والمشاعر تتصارع داخلها ما بين ضيق وغيرة، ونفور..كلها أحاسيس اجتاحتها..كيف يلقب صغيرها كلمة بابا لأحد غير زياد؟! حبيبها وزوجها الذي لم يمت بقلبها..وكأنه ليس هذا المحبوس بقيد برواز يجاور فراشها.. كل يوم تخبره كيف ستزرع حبه بقلب صغيرهما..وتجعله يلفظ أسمه ولقبه ويعتاده ليترسخ بذاكرته أن كلمة " بابا" لن تقترن سوى بحروف أسمه هو فقط..! 



+





        


          



                


كيف ضاع تلقينها له مرارا وتكرارا بجملة " بابا زياد" هباءً منثورًا هكذا؟!!! محاولاتها تبخرت، وفاز عابد باللقب بعقل صغيرها..!  



+




_ سمعتي قالي إيه يا زمزم؟ أنا مش مصدق ان ده إحساسه بيا.. وانه………. 



+




_ مش فاهم! 



+




قالتها بحزم أرادت به طمس الكلمة ..وربما قرار.. قرار ستعمل على تنفيذه بكل قوتها.. عابد لن يأخذ مكان زياد بقلب الصغير..!



+




لأول مرة يلاحظ جمودها وقساوة نظرتها..ويقرأ علامات الرفض تغزو مقلتيها بقوة..رفض تجسد لفعلا وهي تنزع الصغير من قلب الأرجوحة غير عابئة بتذمره الباكي.. احتضنته واستدارت لتبتعد وربما لتهرب من حصار نظرات عابد المتسائلة.. وهي ليست بحالة تسمح لها بمنح أية إجابات! 



+




_ للدرجة دي اضايقتي انه قالي بابا؟


_ أيوة! 



+




لفظتها قاطعة دون تجميل غير مهتمة لفظاظتها التي لم تتصف بها يومًا.. فاقترب خطوتين ليقف أمامها مستطردا: ليه؟ 


سؤاله كلمة.. وإجابته عشرات الكلمات.. وهي غير مستعدة الآن..! 


فواصل: لو ماكنش حسها.. عمره ما كان قالهالي! هتحاسبيه على مشاعر بريئة يا زمزم؟ 


_ هعلمه مش هحاسبه! 


_ هتعلميه أيه يازمزم؟! هتقوليله عابد مابيحبكش؟ عابد وحش مايستاهلش تحبه؟ هتشوهي صورتي في عينه؟ 



+




عتابه أثار الدمع بعيناها..كيف لها أن تُجرم بحق عابد وهي ترى كيف يحب صغيرها.. لكن عنادها أطلق سياجه حولها  وكبل عقلها ثانيا فهزت رأسها بقوة وهي تقول: 


_ هقوله مين السبب في وجودك بعد ربنا.. هقوله زياد هو بابا الوحيد اللي لازم تعرفه! 



+




_ زياد مات يا زمزم! 



+




أراد صفعها بالحقيقة حتى إن بدت قاسية، فتشبثت بأذيال أوهامها بوجوده، وهدرت بقوة:  زياد عايش جوايا وعمره ما هيموت ابدا..! 



+




_بس ده طفل، عايزة تكبتي احتياجة وتختزليه جوه صورة في برواز؟ عايزة تقولي لطفل كلم صورة مش هتنطق وقول بابا؟ ناقص تكدبي عليه وتقوليلو انه هيرد عليك!  حرام عليكي تعملي كده.. سيبي يمشي ورى إحساسه.. زياد هيفضل أبوه.. بس مش هيقدر يضمه لما يحتاجه.. بكره يعرف الفرق لوحده، لما يكبر ويكون قادر يفهم! 



+




_ لازم يفهم من دلوقت..!



+




هدرت بقوة علها تُخرس صوت أخر داخلها.. صوت يكذبها.. يلومها.. يعذبها..! ثم رحلت من أمامه.. 


وتركته ينظر لأثرها بحزن.. فالآن أيقين أكثر من زي قبل أن طريقه معها طويل..قارورته محبوسة بقصر من الأوهام أبوبه موصده، وعليه أن يحارب داخلها شبح زياد الكاذب، ويقاتله بسهام وجوده وواقع عشقه الذي أصبح لا حيلة له فيه ولا مجال لتكذيبه.. سيحررها وينسف أصفادها.. لأنه يعشق.. وكل شيء في العشق ..مباح! 


____________________



+




جوري: صباح الخير ياعطر عاملة إيه انهاردة بعد ما خلعتي ضرسك؟


_ الحمد لله بقيت تمام، بإذن الله بكره هروح الشركة ابدأ تدريب، وانتي هتشتغلي معانا في المحاسبة؟


_ أيوة أمال هقعد اعمل ايه، أهو نكون في مكان واحد كلنا..


عطر:  عندك حق، عشان حتى تتسلي وتساعدي ياسين! 


_إن شاء الله.. ثم جلست جوارها على الفراش بأرياحية هاتفة:  صحيح تعالي نتفرج على الفيديوهات اللي صورتها في خطوبة بلقيس! 



+





        


          



                


أومأت لها بالقبول وراحت تتابع معها وما أن عبر وجهها بإحدى اللقطات حتي هتفت بحنق:  شايفة منظري كان عامل ازاي.. كنت زي العفريتة ازاي تصوريني كده؟


_ والله انتي هبلة.. فين العفريتة دي ده انتي كنتي قمر رغم ان خدك كان متضخم شوية.. بس كان يبان انك تختوخة مش أكتر.


حدجتها عطر بغيظ، فتقلصت ملامح الأخرى بغتة هاتفة: 


بت ياعطر بطني وجعتني فجأة شكلي داخلة على دور أسهال ولا إيه..!


_ أحسن! 


جوري بحنق: أحسن في عينك.. هروح بيت الراحة أفك نفسي وارجعلك.. وقفي الفيديوهات لحد ما اجي اياك تتفرجي من غيري يا قردة! 



+




وهرولت لدورة المياة، فراود عطر فكرة تصفح الصور لتلغي كل صورها الشاحبة قبل أن تأتي جوري، وبالفعل راحت تستعرض صور الاحتفال وكلما أتت صورته تتلكأ عليها وتتشربها بهيام.. كم كان وسيما وحضوره طاغي ولا يشبهه أحدًا..وبغتة تسمرت عينيها واتسعت لأخرهما وهي تطالع أمامها صورة ويزيد يحملها بين ذراعيه!





كيف ومتى حملها؟


__________________



تكملة الرواية من هناااااااا 


تعليقات

التنقل السريع